انطلق مهرجان بالم سبرينغز السينمائي في دورته الثالثة والعشرين في
السادس من هذا الشهر وينجز أعماله في السادس عشر موفّراً دورة شملت تعزيز
مكانته كونه المهرجان الذي يهتم بعرض أغلبية ما أرسل من أفلام عالمية بغية
دخول أوسكار أفضل فيلم أجنبي . ومن أصل 63 فيلماً مثّلت 63 دولة تقدّمت
بأعمالها إلى الأكاديمية، قام المهرجان بعرض 40 فيلماً منها . والواقع أن
المهرجان تطوّر كثيراً عما كان عليه قبل اثني عشر عاماً حينما حضره هذا
الناقد لأول مرّة . وهو يكتسب هذه السنة أهمية خاصّة باستقباله أحد عشر
فيلماً تحت راية “ليال عربية”، وهو اسم لأحد أقسام مهرجان دبي الرئيسة،
راعى فيها أن تشمل أعمالاً من دول عربية عدّة .
النيّة جيّدة ولا غُبار عليها، لكن في حين أن تقديم هذه الأفلام في
مطبوعة المهرجان يُشير إلى أنها منتخبة لعلاقتها بثورات الربيع العربي، الا
أن الواقع هو خلو أغلبية هذه الأفلام من رصد تلك الثورات، ولو أن بعضها
(مثل “678” للمصري محمد دياب) يمكن أن يُساق كتحضير لها . ما كان الأجدى
تعميمه بالنسبة للمهرجان هو أن هذه الأفلام المنتخبة تعكس قضايا نسائية
مختلفة يبدو أنها شغلت مبرمجة هذا القسم أليسا سيمون .
هذا حال الفيلم الإماراتي “ظل البحر” للمخرج نوّاف الجناحي: حكاية
عاطفية ذات مرام اجتماعية حول فتى معجب بابنة الجيران (تقع الحكاية في رأس
الخيمة) لكنه لا يعرف إذا ما كان ذلك حبّاً أو لا وحين يعتقد أن امرأة
تكبره سنّاً معجبة به يترك الفتاة الأولى، التي تعاني وضعاً عائلياً صعباً
.
من الأردن يظهر مجدّداً فيلم “مدن ترانزيت” (أعمال 2010) للمخرج محمد
حشكي . فيلم جيّد الإيقاع والرسالة حول امرأة تعود إلى عمّان لتجدها تغيّرت
عما كانت عليه، هي والعلاقات الاجتماعية السائدة تحت ضغط التطرّف .
الفيلم اللبناني “الاختفاءات الثلاثة لسعاد حسني” يعاين حياة الممثلة
البديعة الراحلة وما شابها من مشكلات خلال حقبة نجوميّتها وانتهاء بموتها
في ظروف غامضة . وهو من إخراج رانيا ستيفن المميّز بمجموعة كبيرة من
المشاهد التي أثارت هنا فضول عديدين لم يعلموا أن للسينما العربية، ممثّلة
بالمصرية، هذا الثراء الكبير من المواهب .
الجامع بين هذه الأفلام الثلاثة هو المرأة، فهي موجودة بمتاعبها
المختلفة في كل من هذه الأعمال وعلى خلفيات شتّى، وهو أيضاً حال “عاشقة من
الريف” للمغربية نرجس نجّار الذي يتحدث عن شابّة عليها أن تبتعد عن شر يحيط
بها في سبيل تحقيق غاياتها النبيلة . إخراج عام لا يسمح بالكشف عن موهبة ما
زالت طور التبلور .
من مصر فيلمان لافتان هما “678” لمحمد دياب و”أسماء” لعمرو سلامة:
الأول عن ظاهرة التحرّش بالنساء في الحافلات العمومية والثاني حول امرأة
مصابة بداء الأيدز والمستشفيات ممتنعة عن علاجها من مرض آخر في الكبد خوفاً
من العواقب .
من فلسطين “رجل من دون هاتف جوّال” وهو الاستثناء الوحيد بالنسبة
لأطروحاته فهي ذكورية تتناول الصراع العربي- “الإسرائيلي” من جانب جديد
تبعاً لحكايته الجديدة . الفيلم الفلسطيني الثاني هو “حبيبي رأسك خربان”
لسوزان يوسف الذي هو قصّة قيس وليلى في خان يونس اليوم . أيضاً له ما يقوله
في الوضع السياسي . ومن المغرب “كم كبير حبك” لفاطمة زموم و”الحب في
المدينة” لعبد الحي العراقي: كلاهما أيضاً عن مشكلات اجتماعية في ظل الرغبة
في التغيير .
سينما العالم
الحصان بطل الفيلم
موسم الجوائز الحالي هو أيضاً موسم الإعلانات التي تصاحب الحملات
الدعائية لكل الأفلام المتنافسة على البقاء في المسابقات المتوالية:
“الغولدن غلوب”، وجمعية المخرجين، وجمعية الممثلين . و”البافتا” ووصولاً
إلى الأوسكار .
في مثل هذا الوقت تكتسح الإعلانات المجلات والجرائد الصادرة في لوس
انجلوس وتصل إلى تلك التي في نيويورك وكلها تهدف لإبقاء الذهن متوقّداً
للفيلم المعلن عنه .
وفي حين أن “مونيبول” و”شجرة الحياة” و”هيوغو” و”الفنان” و”ج . إدغار”
و”الأحفاد” أفلام تضم ممثلين يمكن استخدام وجودهم مواد إعلانية، وهم على
التوالي براد بت (في المثالين الأول والثاني) شون بن، بن كينغسلي، جان
دوجاردا، ليوناردو دي كابريو وجورج كلوني، الا أن فيلم ستيفن سبيلبرغ
المنافس “حصان حرب” ليس لديه ممثل معروف والبديل هو الحصان ذاته، حيث تنتشر
صوره في الإعلانات .
الفيلم منافس في سباقي أفضل فيلم وأفضل مخرج أساساً، ثم ما يتبع ذلك
من كتابة وتصوير وموسيقا، لكن بغياب الممثلين فإن الحل الوحيد هو تقديم
الحصان . بعض المعلّقين يؤكد أن الحصان هو أفضل ممثلي الفيلم على أي حال
ويستحق تسليط الضوء عليه .
الاحتفاء بدوغلاس ترومبل
هناك أوسكار خاص ينتظر مصمم المناظر والبصريات المتميّز بفنّه الحاد
دوغلاس ترومبل . إنه مصمم مناظر أفلام خيال علمية عديدة من أبرزها “2001:
أوديسا الفضاء” لستانلي كوبريك و”بلايد رانر” لريدلي سكوت . وهو يستحق هذا
الاحتفاء كونه أمضى في المهنة خمسة عقود أنجز فيها قدراً محدوداً وغير
متكلف من النتاجات الفنية ل 24 فيلماً . وحين باشر المخرج ترنس مالك تحقيق
“شجرة الحياة” اخرجه من تقاعده واستعان به مستشاراً ومسؤولاً عن النواحي
البصرية لفيلمه القائم بأسره على لغة بصرية مبتكرة .
القطّة والكلب
أعلى أفلام الأشهر الثلاثة الأخيرة حول العالم، أي “البوكس أوفيس”
الدولي، وليس الأمريكي فقط، هو “قطّة في الجزمة” الذي جمع للآن 312 مليون
دولار . يليه “مهمة: مستحيلة 4” بإيراد متقارب هو 290 مليوناً (ومركزه
الحالي يخوّله تجاوز الفيلم الأول . في الثالث تان تان وكلبه في “مغامرات
تان تان” الذي جمع للآن 272 مليوناً وينحدر .
المركز الرابع ل “شرلوك هولمز: لعبة الظلال” الذي سجل للآن 182
مليوناً وفي الخامس الفيلم الفرنسي
Intouchables
الذي جمع للآن 155 مليون دولار وذلك من سوق أضيق بكثير من أسواق الأفلام
المذكورة .
أوراق ومَشاهد
غاري كوبر المشاكس
في العام 1952 قام المخرج فرد زنمان بتحقيق فيلم “وسترن” بعنوان
“منتصف النهار” أو
High Noon
. المأخوذ عن قصّة قصيرة كتبها لإحدى المجلات جون و . كننغهام تحت عنوان
“النجمة النحاسية”
The Tin Star
. قرأت القصّة حين أعيد نشرها قبل نحو سبع سنوات وهذا ما أجاب عن
سؤال كان يثير فضولي: الفيلم طُرح كتعبير مناهض للسلطات وللطريقة الأمريكية
في الحياة .
فهل كتب كننغهام الحكاية على هذا النحو؟ الجواب سريعاً لا . هي حكاية
“وسترن” جيّدة ولو تقليدية في الوقت ذاته . أما الفيلم فهو “وسترن” جيّد
إنما تقليدي من حيث معالجته (توقيت الحدث على وقت العرض حيث يبدآن وينتهيان
في ساعة ونصف الساعة) ومن حيث مضمونه: يسار خط الوسط .
مجمل الحكاية المنشورة: أربعة أشقياء قادمون إلى البلدة للانتقام من
المارشال ول كاين (غاري كوبر)، الذي كان أودع أحدهم السجن بعدما تم إطلاق
سراحه . والمارشال سيبحث في البلدة عمن يُعينه على المواجهة لكن أبناء
البلدة يخذلونه . الوحيدون الذين قبلوا الوقوف معه هم شريف سابق لا يستطيع
استخدام إحدى يديه، وصبي دون السن يسمح له بحمل السلاح، ونائبه الذي يريد
إزاحته من الطريق لكي يبدو رجلاً أمام المرأة التي يعشق . في الوسط هناك
زوجة المارشال التي اقترن به للتو، وتكاد أن تمضي وحدها إلى مزرعتهما بعدما
قرر هو البقاء ومجابهة الأشرار وحده . إنه عن أشخاص غير معنيين بمساعدة رجل
القانون، فتنصّلهم هو نتيجة تخاذل . هذا في الوقت الذي كانت فيه المواطنة
تعني، لدى اليمين الأمريكي خلال الفترة المكارثية، تأييد رجل القانون، ممثل
السُلطة ورمز النظام . هذا الالتفاف المفقود في ذلك الفيلم وازاه أن
المارشال لم يظهر رباطة جأش وقوّة على غرار البطولة المعهودة في أفلام
“الوسترن” خصوصاً (وهي الأفلام الأكثر “أمريكية” من بين كل أنواع الأفلام)،
بل صوّره زنمان إنساناً يخشى ويحسب وإن كان يرفض التراجع .
كتب السيناريو كارل فورمن الذي كان من المشكوك بولائهم أيام المكارثية
وهو بالفعل وُضع على القائمة السوداء مباشرة قبل عرض الفيلم الذي أنتجه
ستانلي كرامر، وهو منتج ومخرج تعوّد طرح مواضيع اجتماعية كبيرة ثم الانسحاب
إلى بر آمن قدر المستطاع .
وانتقد الممثل اليميني جون واين الفيلم بشدّة ذاكراً أنه “ليس
أمريكياً”، وحاول إقناع غاري كوبر بعدم تمثيله لكن كوبر كان يبحث عن عمل
بعدما كَبُر على أدوار الفتى الأول ولم يذعن . وحين فاز كوبر بالأوسكار عن
هذا الفيلم ولم يستطع الحضور لاستلام جائزته، استلمها عنه جون واين الذي
قال إنه لو فاز بالدور للعبه على نحو مختلف .
م .ر
merci4404@earthlink.net
الخليج الإماراتية في
15/01/2012
فيلم عن النازيين الجدد في ألمانيا
«المقاتـلة».. مـاريســــا على صليب معقوف
زياد عبدالله - دبي
جرعات كبيرة من العنف حملها فيلم الألماني ديفيد ونيندت
Combat Girl «المقاتلة» الذي عرض في الدورة الأخيرة من مهرجان دبي السينمائي في
إطار برنامج «ألمانيا في دائرة الضوء»، بما يدفعني بداية للخوض بمقدمة
طويلة بعض الشيء، ومن ثم المضي خلف ما قدمه هذا الفيلم، وهو يتناول
«النازيين الجدد» في ألمانيا.
العنف المنظم بحاجة إلى غطاء فكري، وعليه يصبح على شيء من القتل
المتسلسل والممنهج. لا بل إن الفراغ الذي يعيشه انسان لا شيء يملأه كما
تفعل فكرة مجنونة تتناغم والمراهقة، ولتكون تلك الفكرة ليست إلا مراهقة
فكرية، لكنها دموية وكارثية محملة بتلك البساطة التي تشبه بساطة القتل، وقد
أصبحت لا تتجاوز الضغط على زناد مسدس.
الجانب الأبقى للفكر الإقصائي يتمثل بالعنصرية ومناصبة الآخر العداء،
وعلى شيء من الإلغائية الشمولية التي لا تستثني أحداً إلا من يشبهني بالعرق
أو القومية أو الدين، وعلى هذا الاساس يمكن أن تجتمع لدى الإنسان كل
متطلبات الاستعداد للقتل، طالما أن الآخر ليس إلا عدواً، ولعل ذلك حاضر على
الدوام في تاريخ البشرية، وله أن يشهد في عصرنا الحالي ازدهاراً ونكوصاً
بعد كل ما حققته الحضارة العالمية من مكتسبات إنسانية بدأت مع عصر الأنوار.
وبالانتقال إلى فيلم «المقاتلة» فإن للعنف أيضاً، وعلى صعيد حياتي
يومي، أن تقابله القسوة بما يطال كل شيء، قسوة في الكره إلى جانبها قسوة
أيضاً في الحب، وبما يستحضره ذلك من مخدرات وعنصرية وأوبئة جسدية وفكرية،
دون أن تكون هناك إمكانية للفصل بينهما، وكل ذلك ضمن إطار أيدلوجي، وإرث
يتزايد حضوره في ألمانيا، أو في أوروبا عموماً، ويكفي أن نورد كلمة
«النازية» ليعرف بالحال ما المقصود بهذه الأيدلوجيا.
على إيقاع فيلم «المقاتلة» أن يكون متسقاً مع ما يقدمه، يبدأ من فتاة
صغيرة تركض بخطوات متثاقلة على الشاطئ إلى أن تصل إلى جدها، ولنكتشف أنها
تحمل حقيبة على ظهرها وقد مُلئت بالرمل الرطب، ومن ثم سيخرج علينا مجموعة
من الشبان والشابات يمضون في قطار ويضربون كل من يصادفونه، وبمنتهى الصلافة
وعلى شيء من المرح الذي لا يحمل من المرح شيئاً، إلى أن يصلوا إلى رجل
وامرأة آسيويين، ولينهالوا عليهما بضرب مبرح وهم يصرخون بهما «عودوا إلى
فيتنام، هذه ليست فيتنام، إنها ألمانيا».
سنعرفهم ولا حاجة للفيلم أن يقول لنا شيئاً في هذا الخصوص، من رؤوسهم
الحليقة، من قصات شعورهن إن كن نساء، ومن تلك الأوشام، والصليب المعقوف
وشعار الرايخ، إنهم النازيون الجدد، وما الفتاة التي سنقع عليها في مشهد
جنسي لا يختلف بشيء عن عنف ما قاموا به في القطار، لن تكون إلا ماريسا
(ألينا ليفشن)، هي التي لا تكره فقط اليهود والمهاجرين والشرطة، بل كل شيء،
وفي داخلها من الغضب ما يكفي لأن يغمر العالم، إنها هي نفسها الفتاة
الصغيرة التي نقع عليها أول الفيلم، وقد صارت في العشرين.
مع ماريسا ستنبني قصة الفيلم الرئيسة، وسنمضي معها إلى تلك الحفلات
الصاخبة التي يقيمها اصدقاؤها الذين لا تنتمي إلا إليهم، ولا تجد نفسها إلا
معهم، حيث موسيقى «الهيفي متل» والوصول إلى أعلى درجات السكر، وتحويل
الكراهية والعنف إلى فعل طقسي، برفقة استعادات لخطابات أدولف هتلر.
وفي مسار موازٍ سنتعرف الى شابين أفغانيين مهاجرين، سيتعرضان على يدي
ماريسا ورفاقها لشتى أنواع التنكيل، لكن وللمفارقة سيداهم ماريسا شيء من
تأنيب الضمير، خصوصاً بعد أن تقدم على ضربهما بسيارتها بينما يكونان على
دراجتهما، ولعل تأنيب الضمير ذاك سيكون نقطة التحول الدرامية في شخصية
ماريسا.
يستوفي الفيلم كل أشكال غسيل الدماغ الذي يتعرض له من يؤمنون بتلك
الأفكار، فنحن ايضا سنكون حيال المراهقة سفينغا ولم تتجاوز الرابعة عشرة من
عمرها، والكيفية التي تتورط فيها مع «النازيين الجدد»، كيف تهرب من صرامة
أب لا يعرف الرحمة يقوم بشم يديها وأنفاسها للتأكد من أنها لا تدخن، وغير
ذلك من تصرفات متحلية بشتى أنواع القسوة والصرامة.
فيلم «المقاتلة» يتحرك في مستويات متعددة يستكمل من خلالها ظاهرة
«النازية الجديدة»، وكل ذلك في اطار درامي وإيقاع متسارع، وله أن يذكرني
بفيلم مايكل هنكه «الشريطة البيضاء» الذي لا علاقة له بـ«المقاتلة»، من حيث
الشكل والمرحلة التي تجري فيها أحداثه، لكن وفي المستوى المتعلق بنبش طفولة
ماريسا وعائلتها المفككة بين أم عصابية وجد يقول لها إن كل ما قيل عن
النازية ليس صحيحاً، إضافة للتربية التي تتلقاها سيفنغا، فإن الاستناد إلى
هنكه لن يكون ضرباً من مقارنة ما لا يقارن، ذلك أنه قدّم في ذلك الفيلم من
خلال فتية قرية ألمانية في عشرينات القرن الماضي البذور الاجتماعية للأفكار
النازية ومحيطها الاجتماعي والنفسي التي تبناها جيل بأكمله، تعرفنا في ذلك
الفيلم الى نشأته وتلك التربية الصارمة التي أفضت به لأن يكون على ما كان
عليه مع بزوغ هتلر والنازية.
اختم بمخاوف الصديق الألماني أوليفر غلاسناب من قناة «دوتشيه فيله»
الذي جاء دبي لتغطية برنامج «ألمانيا في دائرة الضوء»، وهو مهتم جداً
بانطباعات المشاهد العربي عن «المقاتلة»، ومتخوف من أن يتحول هذا الفيلم
إلى أيقونة بالنسبة للنازيين الجدد، كما حدث مع «العراب» ومحاكاة رجالات
المافيا لهذا الفيلم حول العالم.
الإمارات اليوم في
15/01/2012
«نيران متــقاطعة».. بين رصاصة وأخرى هناك حياة
زياد عبدالله
ربما نسمع عن مندناو في نشرات الأخبار، حين يكون هناك من رهائن تم
اختطافهم من قبل الثوار هناك، يمر الخبر عابراً، الرهائن أولاً ومن ثم لا
أحد يعرف شيئاً عن تلك الحرب الأهلية المندلعة هناك، وماذا يريد هؤلاء
الثوار في الأدغال؟ لكن مع هذه الأسئلة التي تبدو سياسية يخرج علينا سؤال
سينمائي أو جمالي، كيف يعيش سكان تلك المنطقة في الفلبين؟ كيف هي حياتهم؟
المخرج الفلبيني أرنيل مردوكيو في
Crossfire (نيران متقاطعة) يقودنا إلى أدغال مندناو، يأخذ قصة من بين القصص
الكثيرة التي ترمي بها تلك الحرب ويرويها، يبدأ من لقطة تحت البحر وشاب
جالس في قعره بينما تنزل عليه من الأعلى أحذية عسكرية ورصاصات، ومن ثم يسبح
بينها، والصوت يأتي (فويس أوفر) عن تلك الحياة التي ليست إلا رحلة، وحين
يطفو ذاك الشاب على السطح يكون مسجل كاسيت موضوعاً على صخرة كبيرة، وهو
يتحدث عن هدنة وسلام في مندناو.
البداية مشجعة، وهي تعقد معنا اتفاقاً على ما نحن بصدد مشاهدته، ليس
هناك ما يدفع للقول، كما عنوان فيلم لويس مايلستون «كل شيء هادئ على الجبهة
الغربية» ،1930 فما من خنادق، وبين كثافة الأشجار لا يمكن تحديد مصادر
النيران، ومن يطلق على من، وفي أحيان كثيرة يكون إطلاق النار نحو كل ما هو
متحرك، كما أن الفيلم غير معني بالمعارك كما هي الأفلام التي تناولت حروب
العصابات، بقدر ما هو معني بمن يعيشون في ظل تلك الحروب.
الطبيعة الخلابة فاقعة الخضرة في الفيلم، ستكون المساحة التي سنشاهد
فيها شخوص وأحداث الفيلم، ونحن حيال عالم لن يكون جمال الطبيعة إلا نقيضاً
لكل ما نشاهده، إنه عن بشر عالقين في نيران متقاطعة، بين المتمردين والجيش
النظامي، وحين يبدأ تبادل إطلاق النار بينهما، فإن هؤلاء البشر الذين في
أغلبيتهم من النساء والأطفال يختبئون في حفر تحت الأرض إلى أن يتوقف إطلاق
النار. من بين هؤلاء سيكون هناك شاب وحيد هو لينغيغ يحب الفتاة الوحيدة
التي لم تسافر، وهي باتون، لينغيغ يعمل مع مغداس والدة باتون، وما عملهما
إلا التقاط ما يسقط سهواً من المتقاتلين وبيعه إلى دكان خردة، أسلحة أو
رصاصات يجمعونها ويبيعونها، ومغداس هذه المرأة العجيبة تقوم بالمقامرة فور
تسلّمها مبلغاً لقاء ما تجمعه. في تلك القرية العالقة بين النيران، سنتعرف
الى الحروب الصغيرة التي تجري على هامش الحروب الكبيرة، ستسعى باتون للعمل
في اليابان، لكن من يقبضون منها المال الذي تستدينه من الإقطاعي داتو الرجل
الوحيد في تلك القرية، لن يعودوا، وليستعيد الإقطاعي المال فإنه يسعى
للزواج من باتون، وصولاً إلى تورط مغداس، في التبليغ عن أحد المطلوبين من
قبل السلطات، لتتمكن من تسديد المال إلى داتو. الفيلم مبني على إيقاع بطيء
وعلى قدر من محاكاة البيئة التي تجري فيها الأحداث، وهناك لقطات طويلة جداً
مثلما هو الحال مع لقطة الغداء الذي يقيمه داتو لباتون وأمها، حيث تستمر
اللقطة لأكثر من خمس دقائق، بينما ينحصر بالكادر وجه باتون من خلال قضيبين
موجودين في النافذة التي أخذت منها اللقطة كما لو أنها في سجن. هذا مثال من
لقطات طويلة حملها الفيلم، في استثمار لتولي الصورة قول الكثير، وإيقاع
يمضي في التقاط حياة فيها الحب والتسلط والفساد في ظل حرب لا تميز بين أحد،
وصولاً إلى آخر الفيلم، حيث ستتضح المصائر في إيقاع متسارع متروك للنهاية.
الإمارات اليوم في
15/01/2012 |