هذا العام، الفيلم الأكثر اثارة للجدال، اذا استثنينا قضية المخرج
الدانماركي لارس فون ترير، كان "شجرة الحياة" لتيرينس ماليك، الذي شق طريقه
الى مسابقة كانّ، كما فعل قبله بثلاثة عقود "القيامة الآن" لفرنسيس كوبولا،
مصحوباً بثقة بالنفس عالية في انه سيقتنص "السعفة".
ليس هناك من دورة لمهرجان كانّ يجمع عليها سواء سلباً أم ايجاباً من
يأتي اليها من اصقاع الأرض ليشاهد الأفلام ويناقشها. عادة يتجنب النقاد
الخارجون من الصالة في عروض الصحافة ان يدلوا بآراء متسرعة تتكون "تحت
الضغط". لكن، يكفي أن تمر ساعات قليلة على مشاهدتهم الأفلام كي تقرأ في صحف
الصباح التالي، آراء متضاربة مع رأي القارئ تجعله يسأل نفسه ما اذا كان
شاهد الفيلم نفسه الذي شاهده صاحب المقال.
الجدال اذاً طاول النقاد الأجانب والمحليين والعرب، فانقسموا حول عمل
سيبقى محفوراً في ذاكرة الانسانية. حتى في صحيفة واحدة، اختلف النقاد حول
الفيلم، وثمة صحف كبيرة اضطرت الى أن تتيح مجالاً لنشر الرأيين المتناقضين.
من يعود قليلاً الى تاريخ السينما لا بد أن يفهم هذا الجدال. الأفلام ذات
الطموح المتضخم التي حاولت اطاحة كل أنواع السرد الكلاسيكي، كانت دائماً
موضع سوء فهم، قبل أن تنتزع الاعتراف. هل هذا يعني أن ماليك سابق لأوانه،
هو الذي لم يحضر المؤتمر الصحافي مصرحاً بأن على الفيلم أن يقول ما كان
يرغب هو في قوله؟ قد لا تكون المسألة بهذه البساطة لأن صاحب "العالم
الجديد" (2007) يصنع سينما تستطيع أن تموضع ذاتها خارج الزمن، كما كانت
الحال مع "2001، أوديسة الفضاء" لستانلي كوبريك، الذي يتشارك مع فيلم ماليك
في كونه لاقى اقبالاً فاتراً لدى صدوره عام 1968 ممن اعتبروه فيلماً
بارداً. في رأينا أن الفيلم الذي انجزه ماليك جوهرة خالصة، يقول فيه المخرج
فلسفته الوجودية المنقسمة بين نوع من داروينية متحذلقة ونيهيلية تأخذ من
الروحانيات حجة كافية لوجودنا على هذه الأرض، ولكن ليس من دون لجوء الى
خطاب ميتافيزيقي مبهم.
يبقى ماليك وفياً لعالمه السينمائي، مستعيناً بأسلوب سينمائي لا
يقلَّد، سواء في التقطيع أو استخدام الموسيقى كلازمة شاعرية، دائماً مع
الشعور بأن كل لقطة تعزّ على قلب السينمائي الذي خلفها. انه مشروع العمر
بالنسبة الى فنان أمضى 30 عاماً في سعي متواصل لإنضاج الأفكار الوافدة الى
النص من رأسه، ولا سيما ان من غير المستبعد أن يكون العمل أوتوبيوغرافياً،
ذلك انه يحمل في داخله النوستالجيا لخمسينات القرن العشرين. النتيجة ساعتان
وعشرون دقيقة من ابهار سينمائي تمتزج فيه الأزمنة والأماكن المتباعدة، بقدر
ابتعاد زمننا الراهن عن لحظة انبعاث الحياة من التراب، وهو الشيء الذي
يجسده، في مشهديات تلامس العبقرية، تأخذ الفيلم الى مراتب أخرى من الوجدان
والاختزال.
هناك طريق النعمة وطريق الطبيعة، كما يقول الفيلم في مشهد الافتتاحية،
والاثنان يجدان تجسيدهما الآدمي في فيلم ماليك، الأول في شخصية الأب (براد
بيت) والثاني في شخصية الأم (جيسيكا شاستاين)، اللذين سيكونان المدخل الى
اقتحام خصوصيات عائلة تفقد أحد أبنائها، لتروى الحكاية (دائماً بالتعليق
الصوتي البديع الذي صار من خصوصيات ماليك)، من وجهة نظر افرادها، قبل أن
يطعّمها ماليك بلقطات بزوغ الكواكب والانفجار الكبير الذي يتيح كل أشكال
الحياة على الأرض وولادة أول الديناصورات، لكن هذه المرة من وجهة نظر
سينمائي مهموم بألغاز الوجود والايمان والله، ويعبّر عن المأزق الوجودي
بالعودة المتواصلة والمتكررة الى الطبيعة، ولا خلاص للانسان الا اذا صار هو
والطبيعة قالباً واحداً. في فيلم يستعين برموز من الكتاب المقدس، الطبيعة
هي شغل الله، لكن على الانسان أن يجد النعمة، مثلما يجدها ماليك في حقل
دوّار الشمس الذي يختم به تحفته. يعانق الفيلم مقاربات عدة، فلسفية ودينية
وصوفية وبسيكولوجية (علاقة الصبي بوالدته ووالده)، لكن ينتهي به الأمر الى
نوع من مقاربة نقدية للمجتمع الاستهلاكي الذي يحوم حول الانسان، جاعلاً منه
كائناً صامتاً وحائراً يبحث عن شيء من العاطفة وسط كتل من الزجاج والحديد
الذي صُنع منه سجنه الفاخر.
ماليك، الذي غاب عن المهرجان على رغم وجوده في كانّ (قيل ايضاً انه
حضر في احد العروض لكن لم يُسمَح بتصويره)، اراد فيلماً "مستحيلاً" جامعاً
للحياة وسرّ الخلق والحقيقة الواحدة التي تتجسد في الموت. يستحضر العلم
والفلسفة والايمان الى طاولة واحدة محاولاً أن يوفق بين الثلاثة. من الواضح
في سيل الصور التي يضعنا أمامها، انه يبحث عن العاطفة في داخل العقل،
قاطعاً مع مفهوم الشرح والاستدلال في السينما الأميركية الذي يفسد كل شيء،
وذلك من خلال بنية سردية تكاد تثور على السائد من الانماط. انها صور تمتص
من المشاهد آخر ذرة احساس يمتلكها، واضعاً اياه أمام حيرة ما بعدها حيرة،
على شاكلة الحياة وغموضها. يغوص نص ماليك في ما هو متناه في الكبر ليتطرق
ايضاً، قليلاً قليلاً، الى نقيضه، اي الى ما هو متناه في الصغر، متسلحاً
بفكر سينمائي يولي الحسية والكونتراستات البديعة ما تستحقانه من أهمية. بعض
اللقطات متكررة نعم، لكن ادراجها في أماكن مختلفة من السياق البصري، يغيّر
معناها ووظيفتها. يؤمن ماليك بالروابط بين الأشياء وينصاع لمنطق
الاختزالات. فبدلاً من أن يأتينا بشريط محكم البناء كعادته، يتيح لفيلمه
التحول قصيدة مفخخة بألف تنهيدة. تماماً كالشجرة، يكبر الفيلم في داخلنا
وتمتد جذوره الى ما بعد مشاهدتنا له بأيام...
ذكريات العائلة المتداخلة بين الراهن والماضي، هذا الصوت الداخلي الذي
يعيد ايقاظ شياطين حادث أليم، يقابله ماليك بجماليات الكون والوجود. صحيح
انه يستخدم الكثير، لكنه في المقابل يقول الكثير. خطابه السينمائي في منتهى
البساطة، على رغم تعقيد الآلية التي يلجأ اليها: لا حدود لنظرة الفنان،
وعليه أن يدمرها اذا وجدت. وهذا ما يفعله ماليك لقطة بعد لقطة، قبل أن
يصطدم باللاحدود التي خلقها لنفسه.
هذه اذاً رحلة الى صميم التجربة الانسانية، حيث الموت والحياة لا
يتعايشان دائماً بسلام وطمأنينة. من أيوب الذي يستعين بجملة منه على سبيل
التمهيد، الى مدينة عصرية وناطحات سحاب يتسكع في دهاليزها شون بن (اختصر
ماليك دوره الى حده الأدنى، علماً انه تجسيد لجاك، كبير أولاد العائلة الذي
سيصبح مهندساً)، قبل أن يعبر الى عالم الآخرة، مروراً بالمحيطات والأشجار
وقطرات المياه على الأغصان التي تداعبها كاميرا ايمانويل لوبتسكي، هناك
عالم بكامله يريدنا أن نصدّق ان "على هذه الأرض ما يستحق الحياة".
بيتر وير:
Carpe diem دائماً!
هذا العام، ترأس بيتر وير لجنة تحكيم الأفلام الروائية الطويلة في
مهرجان دبي. هو سينمائي من الطراز الرفيع، عرف طوال أربعة عقود كيف يقفز من
نوع فيلمي الى آخر، وكيف يخاطب النخب السينمائية والجماهير العريضة من خلال
أعمال متقنة اخراجاً ومحمكة البناء درامياً، مع تفوق يكاد يكون فطرياً عنده
في اختيار مواضيع شائقة.
وير، الأوسترالي الأصل (1943)، بدأ في التلفزيون، كما كانت الحال مع
الكثير من المخرجين المخضرمين، في مراحل سابقة من تاريخ السينما. في الشاشة
الصغيرة، تدرب تقنياً واشتد عوده ليواجه السينما بلا أي حرج، قبل أن ينتقل
الى اتمام الأفلام القصيرة، فكانت له بدءاً من عام 1967 مساهمات متواضعة
بدأت بفيلمين قصيرين، ثم جاء فيلمه المتوسط الطول والطريف، "هومسدايل"
(1971)، الذي نال عنه جائزة المؤسسة الاوسترالية للأفلام. طوال تلك المرحلة
من حياته، لم يتوقف عن انجاز الوثائقيات لحساب "وحدة الكومنولث للأفلام".
كان ينبغي انتظار عام 1974، كي يقدم باكورته الروائية الطويلة:
"السيارات التي أكلت باريس". شريط يجمع بين الرعب والثريللر. سيارات تقتل
في مدينة صغيرة في أوستراليا. رجل مات شقيقه تحت عجلات إحدى تلك السيارات،
ينزل الى المدينة... استلهم وير فكرة الفيلم من أحد أسفاره الى أوروبا.
شريطه الثاني، "بيك نيك في هانغينغ روك"، لا يستند الى قصة حقيقية لكن يعطي
الانطباع بأنه كذلك. صوفيا كوبولا اعترفت بأنها استوحت فصولاً منه لانجاز
"انتحار العذارى". يعود وير الى بداية القرن الماضي، ليصور فتيات يتعرضن
للاختفاء في ظروف غامضة جداً، تاركاً للمشاهد كيفية حلّ اللغز. الشريط
يُعتبر اول نجاح على شبّاك التذاكر لوير.
الأجواء نفسها نجدها في فيلمه التالي "الموجة الأخيرة" (1977) الذي
يتطرق الى التفاعلات بين سكان أوستراليا الاصليين والوافدين الغربيين
اليها، وهذا كله على خلفية تحقيق في جريمة قتل. صوّر وير الفيلم في مدن
اوسترالية عدة، وزادت الأمطار الغزيرة وظروف الطقس من غرابة العمل الذي
كلّف نصف مليون أورو ولعب بطولته ريتشارد تشامبرلاين.
عام 1981 اتخذ وير من معركة غاليبولي في تركيا خلفية لفيلمه الذي
عنونه باسم تلك المعركة. يقصد صديقان استراليان هذه الجبهة، من دون أن
يكونا مستعدين لمواجهة الاتراك الهجوميين. هذا فيلم عنيف وعاطفي ومدمِّر،
يضطلع فيه ميل غيبسون بواحد من أول ادواره. تجربة ادارته تكررت، بعد سنة،
في "عام كل الأخطار"، في غزوة سينمائية لعالم غريب (اندونيسيا عشية
الانقلاب عام 1965)، ليتحول هذا إحدى تيماته الأثيرة.
بعد نجاح هذين الفيلمين، ثبت وير قدميه في الولايات المتحدة حيث أنجز
من منتصف الثمانينات حتى اواخر التسعينات ثلاثة من أهم أفلامه: "شاهد"
(1985) عن جماعة الأميش، من بطولة هاريسون فورد، في دور غير تقليدي لم يلبس
مثله من قبل. بعده بأربعة أعوام، "دائرة الشعراء المختفين"، الرائعة التي
صارت إحدى كلاسيكيات السينما المعاصرة وشكلت مرجعاً للتمرد والعصيان في وجه
قيم التقليد. الاستاذ كيتينغ (روبن وليامز) علّم التلامذة في صفّه كيفية
التعامل مع الحياة وشؤونها مستعيناً بمبدأ ثوري. الفيلم أسس لعقلية جديدة،
غير استسلامية، وترك خلفه شعار "كارب دييم" (Carpe Diem).
اختتم وير التسعينات بتحفته الأهم حيث استشف الحال التي سيصل اليها
عالمنا في عصر المراقبة بالكاميرات والثورة المعلوماتية. انه "استعراض
ترومان" مع جيم كاري (غولدن غلوب أفضل ممثل) في واحد من أفضل أدواره.
ترومان بربانك، يعيش في ما يُمكن اعتباره استوديو كبيراً، والكلّ من حوله
ممثلون، وهو الوحيد يجهل ذلك. حياته تُنقل مباشرة لتصبح مادة لعرض
تلفزيوني. لكن الحقيقة تظهر فجأة. ماذا يحل ببطلنا الذي بات أسيراً وضُحك
عليه طوال سنوات؟
بعد توقف طويل عن العمل استغرق نحو سبع سنوات، عاد وير الى السينما،
العام الماضي، بملحمة تاريخية كبيرة تأخذ من المساحات الشاسعة ديكوراً لها:
"طريق العودة" الذي عُرض في مهرجان دبي في دورته السابعة. ككل مخرج عاقل
وواثق من قدراته يريد أن يقول كلمته في شأن فصل من فصول التاريخ الحديث،
الذي سبق أن منح عشرات الأفلام، قارب وير النصّ الملحمي من الزاوية الأقل
خطورة والأكثر سينمائية: فيلم النوع أو "الجانر". من "درسو أوزالا" لأكيرا
كوروساوا الى "جيريميا جونسون" لسيدني بولاك، أجادت السينما تصوير الأقدار
الفردية أو الجماعية في مواجهة الطبيعة الحاضنة والقاسية.
انها حكاية مجموعة سجناء يهربون من معسكرات ستالين في سيبيريا ويعبرون
التلال والوديان والغابات والأنهر، حيناً تحت الثلوج وحيناً آخر في موسم
الجفاف والحرّ الشديد. يمشون سبعة الآف كيلومتر ليصلوا الى حيث الحرية.
يأخذ وير حكايتهم كتحدٍّ انساني في وجه الظلم والايديولوجيات التي تقتل ولا
تحرر. لكنه لا يتورط في خطاب سياسي مباشر، لا على لسان الفيلم ولا على
ألسنة الشخصيات، تاركاً سجناءه ينتقمون من الظلم بأنفسهم.
فيليب فوكون: سؤال الهوية والهجرة بات ملحّاً
هـ. ح.
المخرج الفرنسي فيليب فوكون يروي في الآتي ما الذي يجعله يهتم دائماً
بقضايا العرب في المجتمع الفرنسي، علماً ان جديده "التفتت"، يتناول مسألة
تلاعب بعض الراديكاليين بعقول الشباب المهمشين، لجرّهم الى أقصى حدود الحقد
المميت.
"ولدتُ في مدينة وجدة المغربية. وتزوجتُ امرأة من أصل جزائري، هي
شقيقة ثريا نيني التي كتبت رواية "سامية" وقد سبق لي ان نقلتها الى الشاشة.
كان "سامية" فيلمي الروائي الطويل الأول وشاركت به في مهرجان البندقية عام
2000. انجزتُ أيضاً "الخيانة"حيث تناولتُ حرب الجزائر، التي اندلعت في
الحقبة الزمنية التي ولدت فيها، واشعر تجاهها بعلاقة ما.
الشخصيات التي نراها في "التفتت"، من الأمّ والأخ والشباب، شخصيات
أعيش معها في حياتي اليومية. سؤال الهوية والهجرة بات ملحاً اليوم في
المجتمع الفرنسي وتحوّل هاجساً لدى السلطات في المرحلة الأخيرة. لكن، يجب
أن تعلم أن هذا الفيلم اقتُرح عليَّ ولستُ أنا صاحب الفكرة. قبل أن أصل،
كان هناك سيناريو لكنه لم ينل اعجاب المنتجين، فطلبوا اليَّ اعادة كتابته
من جديد.
الموضوع يهمّني لأنه يعكس هواجسي. كنتُ قرأتُ الكتاب حول زكريا
الموسوي المحكوم عليه بالسجن المؤبد بتهمة المشاركة في تفجيرات 11 أيلول،
وكنتُ أحاول ان افهم المسار الذي قطعه هذا الشاب. اليوم نعرف انه ذهب الى
بريطانيا بعدما خيّبت فرنسا ظنه. هناك صار بعيداً من عائلته، فراح يتردد
على المسجد حيث بدأ بعض المتطرفين يبثون الأفكار الراديكالية في عقله. اذاً،
كنتُ بدأت أهتم بهذه الحكاية، وايضاً بحكايات آخرين لم يشكل اصحابها حالات
شهرة مثلما هي الحال مع الموسوي، لكن قصصهم جميعاً تلتقي في مكان ما.
أرادني المنتجون ان أنجزه، لأنني كنتُ انجزتُ أفلاماً كـ"الخيانة"
و"سامية". قرأتُ السيناريو وأدركتُ بسرعة انه موضوع حساس لا يسهل انجازه،
فهناك الكثير من المطبات والفخاخ، منها مثلاً الوقوع في الكاريكاتور
والتبسيط والكليشيهات.
كما قلت، هذه شخصيات أعيش معها في حياتي، حتى لو لم تمر بما مرت به
شخصيات الفيلم. لكلٍّ خصوصيته وتجربته. استمعتُ كثيراً من حولي الى مهاجرين
يشتكون الخيبة التي اصابتهم جراء وجودهم المستمر أمام معوقات تمنعهم من
الانشراح. هؤلاء استثمروا أنفسهم في المجتمع الفرنسي وذهبوا الى المدارس
وتعلّموا، لكن المجتمع لم يبادلهم بالمثل. ولا عجب أن ترى اشخاصاً في هذا
المحيط يتبادلون الشماتة، اذ يقول الواحد للآخر: "انظر، راهنتَ على فرنسا،
لكن الرهان كان خاسراً. الشباب الذين يلعبون في الفيلم، من رشيد وكامل، هم
ايضاً يستطيعون أن يكلّموك عن شباب تربّوا معهم، وفجأة وجدوهم تحوّلوا الى
التطرف واللاتسامح، جراء تهميشهم. وبعضهم ذهب الى افغانستان أو البوسنة ولم
يعد".
النهار اللبنانية في
29/12/2011
حصاد الثقافة 2011
في عام 2011، أفرزت الانتفاضات العربية نهضةً في الفنون والأدب. مع
ذلك، ودّعت مصر السنة بمأساة حريق «المجمّع العلمي»، ومحاصرة المثقفين من
دمشق إلى المنامة، ومن تونس إلى المغرب والجزائر. وفي بيروت، أمعنت الرقابة
مقصّها في الأعمال السينمائية، بينما نجح المجتمع المدني في تحقيق بعض
الخروق في قضايا «مسرح بيروت»، و«بيروت عاصمة عالميّة للكتاب». وسط ذلك،
حقّق الفن السابع في مصر ولبنان خروقاً عالميّة، وتصدّرت الفنون المعاصرة
المشهد، مع افتتاح فضاءات جديدة وواعدة. فتور مهرجانات الصيف، عوّضته حفلات
فيروز في وداع عام الربيع والحرائق
حصاد الثقافة 2011
نسائم «الربيع العربي» أنعشت الساحة الثقافية من مصر إلى سوريا. فنانو
الغرافيتي احتلّوا ميدان التحرير في قلب القاهرة، وشرّعت الثورة النوافذ
على احتمالات إبداعية جديدة، ونزل الفنانون والكتّاب والتشكيليون إلى
الشارع. وفي سوريا التي شهدت رحيل عمر أميرلاي قبل أن يؤرخ بصرياً صحوة
الشارع، لجأ المثقفون إلى الفضاء الافتراضي كساحة بديلة للتعبير. وبينما
كان لبنان يحتفل بوليد رعد بوصفه أول فنان عربي ينال جائزة «هاسلبلاد»
السويدية، كان مبدعو العراق يتخبّطون في دوّامة العنف التي حصدت الفنان
المسرحي هادي المهدي، ودفعت مبدعين آخرين إلى دروب المنفى... مجدداً
حصاد الثقافة 2011 (2)
تونس التي أشعلت فتيل الثورة في جسد العالم العربي، لم تمتد انتفاضتها
إلى المشهد الثقافي. مخاوف وعلامات استفهام كثيرة ارتسمت مع الاعتداء على
المثقفين، من السينمائي النوري بوزيد إلى الحبيب بلهادي والهجمة السلفية
على قناة «نسمة». وفي بلد المليون ونصف المليون شهيد، كثّفت السلطة
محاولاتها لإعادة المثقفين إلى الحظيرة، بحجة أنّ «الجزائر ليست تونس ولا
مصر»! وبينما كان قلب فلسطين ينبض فنوناً وأغنيات ثورية على وقع الربيع،
فُجع برحيل بعض أبرز مسرحييه وكتّابه وشعرائه
سينما
يمكن القول إنّ 2011 كان عام السينما اللبنانية بامتياز. شريط «وهلأ
لوين؟» لنادين لبكي حقق أرقاماً قياسيّة على شباك التذاكر، وحقّق جوائز
عديدة، وتتوقّع بعض الترجيحات ترشيحه لنيل «أوسكار» أفضل فيلم أجنبي في
شباط (فبراير) المقبل. السينمائي اللبناني غسان سلهب عرض عمله الجيد
«الجبل» في الصالات اللبنانية من بطولة فادي أبي سمرا. وحصدت الأفلام
اللبنانية جوائز كثيرة في المهرجانات العربيّة، ومنها جائزة أفضل وثائقي في
«مهرجان الدوحة ترايبيكا» لرانيا اسطفان عن «اختفاءات سعاد حسني الثلاثة».
ودخلت الأعمال المصرية الساحة العالمية من الباب العريض، مع أعمال مثل
«ميكروفون» لأحمد عبد الله، و «أسماء» لعمرو سلامة، وشريط «18 يوم»
الوثائقي الجماعي الذي عرض في مهرجان «كان» الأخير، احتفاءً بالثورة
المصريّة. «السعفة الذهبيّة» هذا العام كانت من نصيب «شجرة الحياة» لتيرنس
مالك. وقد سجّل العام إنتاجات متميّزة في السينما العالميّة، أبرزها
«ميلانخوليا» للارس فون تراير، و«صبي الدراجة» للأخوين داردين، و«عار»
لستيف ماكوين، و«نورمال» للسينمائي الجزائري مرزاق علواش.
قضايا
واصلت الرقابة اللبنانيّة التضييق على السينما مع منع «بيروت بالليل»
لدانيال عربيد. إقفال «مسرح بيروت» فتح الجدل حول مستقبل الأماكن الثقافية
في بيروت، وفرض الناشطون على وزارة الثقافة وضع اليد الموقت على الخشبة
التاريخيّة. تحرّك مدني آخر نجح في تحريك المحاكمة في قضايا الفساد التي
شهدتها «بيروت عاصمة عالمية للكتاب». الثورات العربيّة طغت على الحراك
الثقافي، وخصوصاً في البحرين بعد بيان الشاعرين قاسم حداد وأمين صالح
المتسامح مع النظام.
في تونس، تصدّرت ناديا الفاني المشهد مع حملات التكفير التي طاولتها.
وشهدت سوريا اعتداءات على فنانين، أبرزهم علي فرزات،. وأقفل العام على
مقاطعة حفلة الدي جاي الهولندي آرمن فان بيورن في بيروت، بينما يترقّب
الناشطون في حملات مقاطعة داعمي إسرائيل في لبنان الجلسات الأولى من الدعوى
المرفوعة عليهم من رجل الأعمال اللبناني جهاد المرّ.
نجوم 2011
على وقع الانتفاضات العربية، تشظّت الساحة الفنّية وتشرذمت. صار هناك
معسكران: واحد مع السلطة وآخر مع الشعب... وتوالت المعارك والحروب بين
الفنانين واشتدّت ضراوةً في سوريا. أصالة كانت «النجمة» بلا منازع، وانهالت
عليها حملات التخوين من زملائها. مع ذلك، كانت هناك مساحة لـ«الحروب
الصغيرة» مع المعارك التي اشتعلت بين الممثلات اللبنانيات، والتلصّص على
حياة المشاهير مع فيديو رزان الشهير! ووسط ركود سوق الكاسيت، سجّلت
اختراقات هنا وهناك مع ألبومات كاظم ونجوى وعمرو دياب. عام الثورة كان
أيضاً عام الموت الذي لفّ ديار العرب من مصر إلى سوريا مروراً بلبنان مع
رحيل كوكبة من المطربين والممثلين الذين تركوا بصمة لن تمحى في تاريخ الفن
السابع
ظاهرة
عندما هبّوا لنجدة الأنظمة المتهالكة، لم يتوقّع نجوم الفن في العالم
العربي أن يكون مصيرهم... لوائح العار. في مصر، توسّعت الظاهرة وضمت هذه
القوائم طلعت زكريا، وحسن يوسف، وغادة عبد الرازق، وعفاف شعيب، وسماح أنور،
وتامر حسني، وقوطعت أعمالهم بسبب موقفهم الداعم لنظام مبارك. وفي تونس مهد
الثورة، دخلت لطيفة، وهند صبري ولطفي بوشناق اللائحة، التي امتدّت مع
انتقال حمى الربيع العربي إلى سوريا، لتطاول مصطفى الخاني، وجمال سليمان،
وأيمن زيدان، وعباس النوري، وسلاف فواخرجي، وباسم ياخور، ودريد لحام...
وسط ذلك، أعلنت أصالة وقوفها إلى جانب ثوّار سوريا، لتصبح نجمة الموسم
بلا منازع، وتنهال عليها انتقادات الممثلين والمغنين السوريين، على رأسهم
رغدة!
أزمات وقضايا
مع اندلاع الثورات العربية، نزل الفنانون المصريون إلى ميدان التحرير
رافعين لواء الحرية وإسقاط النظام، وكما كان متوقعاً كان خالد يوسف نجم
الميدان، فأطلّ على الشاشات ليتحدّث عن عمليات القمع التي يتعرّض لها
المتظاهرون. إلا أن صديقته الممثلة غادة عبد الرازق وقفت على الطرف الآخر،
معلنةً ولاءها لحسني مبارك. وهذا التباين في المواقف كان كافياً لاندلاع
خلاف عنيف بينهما لم ينتهِ بعد.
وفي سوريا، دخلت السياسة إلى الساحة الفنية، فهاجمت رغدة مواطنتها
أصالة بسبب مواقفها الداعمة للثورة، وذكّرتها بماضيها الحافل بالأغنيات
الممجّدة لـ«حزب البعث». وأعلن بعض الفنانين، على رأسهم عمرو واكد وخالد
النبوي، مقاطعتهم لمهرجان دمشق السينمائي بسبب قمع النظام السوري
للمتظاهرين، قبل أن يلغى المهرجان. في هذا الوقت، كانت الساحة اللبنانية
غارقة في صراع مبتذل بين ممثلات الدراما، أي فيفيان أنطونيوس من جهة،
وباميلا الكيك، وسهى قيقانو، وماغي بو غصن من جهة أخرى. وسط هذه التطورات،
ظهر فيديو لرزان مغربي وصفه بعضهم بـ«المثير»، دفع قناة «الحياة» المصرية
إلى التخلّي عنها! وأطلقت حملات بهدف منع إليسا وعدد من المغنيات من إحياء
حفلات في الجزائر. وفي نهاية العام، شُنّ هجوم على هالة صدقي لمنعها من
المشاركة في المهرجان وهران السينمائي بسبب شتمها الشعب الجزائري غداة
حادثة أم درمان. وشهد شهر أيلول (سبتمبر) منع الموسيقي العراقي نصير شمّة
من الغناء في السعودية، فيما هوجم دريد لحام بسبب انتشار فيديو يظهر فيه
معمر القذافي في منزل النجم السوري في عام 2008.
نجمة العام
... وأطلّت شيريهان في ميدان التحرير بعد أكثر من
عقد قضته بعيداً عن الأضواء بسبب المرض. أخرجت «25 يناير» النجمة المصرية
من وحدتها وعزلتها، فانضمّت بقوة إلى الانتفاضة. يومها، صرّحت بأنّها كانت
لتتبرع بدمها لمصابي الثورة المصرية لو لم تكن مريضة، وهذا ما جعلها إحدى
أكثر نجمات الثورة شعبيّةً. هكذا، دعا الثوار فناني القائمة السوداء إلى
الاقتداء بنجمة الفوازير، والسير على خطاها. ومع عودتها إلى الساحة، استعاد
كثيرون الحادثة التي تعرّضت لها في التسعينيات، وقيل وقتها إنّها كانت من
تدبير علاء مبارك، الذي رفضت الدخول معه في علاقة عاطفيّة. وبعد إطلالتها
تلك، تناقلت الأوساط الصحافية عزم شيريهان على تقديم عمل جديد شرط أن يمثل
إضافةً إلى مشوارها الفني... فهل نشاهدها في 2012؟
المشهد الدرامي
الربيع العربي عرقل الإنتاج في مصر وسوريا. غاب نجوم الصف الأوّل عن
المشهد الرمضاني، وتقدّم الشباب أمثال تامر حسني، وعمرو سعد، وهاني رمزي،
ومحمد هنيدي. وحدهما ليلى علوي وحسين فهمي حافظا على موقعهما عبر «الشوارع
الخلفيّة» (الصورة) و«تلك الليلة». وأسهم تأجيل مسلسل «الدالي3» عاماً
كاملاً في حضور نور الشريف في موسم 2011. كذلك وجد «عابد كرمان» طريقه إلى
الشاشة. وأطلّ يحيى الفخراني بالصوت في «قصص الحيوان في القرآن». وحافظ
خالد صالح وخالد الصاوي على إطلالتهما السنويّة في «الريّان» و«خاتم
سليمان»، ومعهما غادة عبد الرازق (سمارة)، وسمية الخشاب («كيد النسا»
و«وادي الملوك»). ولم تغب الأعمال التي تحاكي الثورة المصريّة، ومنها
«المواطن
X»
و«دوران شبرا».
في سوريا، كان الاتكال على دراما البيئة الشاميّة مع «الزعيم»، «طالع
الفضّة»، «رجال العز» و«الدبّور2»، إضافة إلى أعمال اجتماعيّة قليلة، منها
«الولادة من الخاصرة» و«العشق الحرام»... وبعض المسلسلات الكوميديّة كـ«صبايا»
و«بقعة ضوء» و«الخربة». وعلى مستوى دراما السيرة، شهد 2011 التوثيق لشخصيات
فنيّة وثقافيّة منها «الشحرورة» عن صباح، و«في حضرة الغياب» عن الشاعر
محمود درويش. وتقدمت الدراما اللبنانيّة مع «باب ادريس» و«الغالبون» و«آخر
خبر».
غياب
إنّه عام الثورة... والغياب أيضاً! من لبنان إلى مصر مروراً بسوريا،
فقدت الساحة الفنية أبرز نجومها ورموزها. مصر شهدت رحيل أكثر من 25 فناناً،
أبرزهم الممثلون كمال الشناوي، وعمر الحريري، وهند رستم، وخيرية أحمد،
والمغنون عامر منيب، وحسن الأسمر، وطلعت زين، ومصمم الأزياء محمد داغر. وفي
سوريا، كان الموت حاضراً بقوة، إذ حصد المخرج عمر أميرلاي، والممثل المخضرم
حسن دكاك، والمطرب فؤاد غازي، والمايسترو صبحي جارور، ونوار زيدان، ابن
النجم أيمن زيدان، والممثل الشاب أنس كنعان، والكاتبة قمر كيلاني. من جهته،
شهد لبنان رحيل بعض من الرعيل الأول في مجال التمثيل والغناء، أبرزهم محمود
مبسوط، وكريم أبو شقرا، وسعاد محمد. وعالمياً، رحل عبقري «آبل» ستيف جوبز،
و«قطة هوليوود المدللة» اليزابيث تايلور.
شائعات
كالعادة كانت الشائعات ملح سنة 2011. انشغل الجمهور المصري بشائعة
وفاة حسني مبارك، الذي سرق الأضواء من الساحة الفنية. ثم تكرّرت شائعات
وفاة عادل إمام. وتزامن ذلك مع اختفائه عن الساحة الفنية تفادياً لهجوم
الثوّار عليه. كذلك انطلقت شائعة قوية عن رحيل النجم سمير غانم.
وسورياً، تردّدت أخبار عن وفاة ياسر العظمة، ثم جورج وسوف. أما
الممثلة المصرية سماح أنور، فنفت ما تردّد عن هجرتها إلى الكويت هرباً من
الثوّار. فيما ظهر النجمان سلافة معمار وزوجها المخرج سيف الدين السبيعي
لنفي كل ما قيل عن طلاقهما. أمّا جمال سليمان، فكرّر أكثر من مرة أنّه لم
يتّصل بقناة «الجزيرة» لتحيّتها على تغطيتها للأحداث السورية. ولبنانياً،
سرت شائعات عن وفاة صباح طيلة العام، لكن الشائعة «الأخطر» التي كادت تصيب
النساء العربيات بالانهيار، كانت وفاة... الممثل التركي مهنّد!
الأخبار اللبنانية في
28/12/2011 |