الفيلم الثلاثيّ
الأبعاد ليس نهاية السينما. المعلّمون من مخرجي النمط
السينمائي هذا استساغوا اللعب
بالتقنية هذه في الآونة الأخيرة: الأميركيون مارتن سكورسيزي
في «هوغو»، وستيفن
سبيلبيرغ في «تان تان»، وجيمس كاميرون في «آفاتار» ولاحقاً
في النسخة الجديدة من
«تايتانك»،
والألمانيان فيم فندرز في «بينا»، عن أشهر مُصمِّمة رقص في تاريخ أوروبا
المعاصرة ناقلاً التقنية إلى خطوة خلاّقة، ومثله فيرنر
هرتزوغ في «كهف الأحلام
المنسية»، بالإضافة إلى الممثل والمخرج البريطاني كينيث
براناه، الذي اختار نصّاً
من المجلات الأميركية الـ«كوميكس» لإنجاز عمل خائب في
«ثور»، وقبلهم جميعهم، ما
اكتسح الشاشات من الحزمة الشهيرة لحيوانات «والت ديزني»
ودمى ذراعها الناشط
«بكسار»،
بالإضافة إلى رموز «الحكي الشعبي الغربي» الذين اقتحموا الشاشات، أمثال
«الرجل
العنكبوت» وأبو الأعاجيب هاري بوتر، وإلهات الإغريق في «خالدون»، وفرسان
فرنسا الثلاثة وغيرها، والقائمة تطول. جاءت النصوص هذه
كحاجة اقتصادية في المقام
الأول، غرضها الإغراء والمال. بيد أن لها أغراضاً أمنية،
سعت لتحصين الصناعة
الأميركية، إذ أن التقنية الجبّارة كانت فخّاً يُسقط «حرامية»
الصالات من سرقة
(تصوير)
الأشرطة عبر كاميراتهم المخفيّة، ولقمها في الشبكة العنكبوتية
لاحقاً.
هدم المعبد
الرؤوس الكبيرة في هوليوود معنيّة برسم سياسات
احترازية. تشنّ في كل مرّة حروباً استباقية (أصحاب الرؤوس
الكبيرة هذه لا يختلفون
بشيء في المضمار هذا عن نظرائهم في الـ«بنتاغون») لوقف
التجاوزات. السينما لن تموت
في صفعة واحدة. لن ينافسها وسيطٌ جديد. أُمّ الفنون
الحداثية استوعبت، بعروضها
الشعبية، بلايين الأفئدة قبل العقول، فشعّت بشاشات عريضة
تارة وبالألوان تارة أخرى،
وأغرت بالصوت المجسّم، ولعبت بدهشة زوّارها مع كائنات
سماوية وأبطال مفتولي
العضلات، ومع نساء ساحرات يتباهين بشبق أجسادهنّ. ممسوسو
السينما في تكاثر. ذلك أن
القول السينمائي عصيٌّ على حسابات الأتمتة التي خلّدها أبو
الكوميديا السينمائية
البريطاني تشارلي شابلن في «العصور الحديثة» (1936). لهذا
الفن الهائل تأثير
تقمّصات لا حصر لها، تمنع موته، أو على الأقلّ الاختناق
برداء واحد. وبينما تنتهج
السينمات الكبيرة لعبة صُوَر الخرافات، يعمل خوارج
سينمائيون على هدم المعبد
المتضخم والمتحصّن بتلال بيفرلي هيلز. هؤلاء لم يسعوا
لخلخلة الصنعة، بل ذهبوا إلى
قلب القول السينمائي: النصّ. السيناريو. المعالجة الأولية
للفكرة الخلاّقة
للفيلم.
المُشاهد الحداثي الذي يرتاد دور العرض المتطوّرة في دول
الخليج العربي
وآسيا والولايات المتّحدة الأميركية وأوروبا، لن يكتشف خدعة
الـ«شو» وكذبته. ذلك
أنهم لا يرون صُوَر الشريط الـ«سيلولوزيّ» الأثير بدقّة
صورته وإبداع ألوانها
وزهوها. التقنيّ الواقف خلف جهاز العرض استبدل البكرة
القديمة بقرص مضغوط، ولاحقاً
بحاسوب ينقل الفيلم مباشرة إلى الشاشات من منشئه وشركته،
فلا حاجة منذ الآن إلى
صفقات الترحيل التجاريّ، وصناديق الشحن. ثورة العرض لن
تحدّها موانع المشايخ أو
الرقابات. يكفي المرء أن يشترك بـ«كايبل» أو «وب سايت»
لتغمره السينما. لكن، مهلاً.
أين الثورة الكبرى التي ذكرناها؟ إنها في الموازاة. فبينما
تعمل السينما على عبور
معرقلات العرض، واصطياد القراصنة، وتفخيم العروض، واللعب
على المواسم، أعلنت شبكة
«أمازون»،
التي تبيع كل شيء وتُسفِّر أي طلب إلى أية جهة في مرابع الأرض، قرارها
باختراق السينما بعقل كُتّابها ومسطّري حكاياتها، بإعلانها
عن «لعبة» شديدة الذكاء،
قوامها دعوة أيّ كان في المعمورة إلى المشاركة في تطوير
كتابة سيناريو، وتحسين
مَشَاهده، وقلب حكاياته. بل إعادة خلق شخصياته وترميمها، أو
صبّها من جديد.
في
عددها الصادر في الثاني من كانون الأول الجاري، نشرت
الصحيفة البريطانية «ذي
غارديان» تحقيقاً انفجارياً حول اللعبة السينمائية
المبتكرة، التي تكتّمت عليها
«أمازون
دوت كوم» لمدّة عام واحد، والتي دعت فيها جماهير موقعها للاشتراك في كتابة
الأفلام. فمَنْ قال إن كتّاب سيناريوهات هوليوود هم أولى
بالكعكة، وحصانة ابتكاريات
«مصنع
الأحلام الأميركي»؟ مَنْ جيّر لهم ممالك الأخوات الكبار من شركات هوليوود،
وأعطاهم التخويل بمنع الموهوبين من البشر العاديين؟ فكرة
جهنمية، لأنها ببساطة تقتل
نعرة التعالي والتراتبية والاحتكارية، التي تحرص بيفرلي
هيلز عليها، تلك البقعة
الصغيرة المساحة، الجبّارة في القوّة والمناورة.
أرعب إعلان الشركة الأميركية
المتعدّدة الجنسيات، والمتخصّصة ببيع أجهزة إلكترونيّة
فائقة الجودة، المكرّسين من
كتّاب هوليوود، الذين توالت ردودهم، التي نقلتها كاتبة
التحقيق آلين أي. جونز،
والذين بادروا إلى الصّراخ، قبل أن يسمع أحد صوت مدرائهم
وأمثالهم من أصحاب بلايين
هوليوود. فالفكرة الديناميكية التي اعتمدتها شركة المواطن
جيف بيزوس سهلة وجماعية
وأليفة تماماً، كما هي نظيرتها التي أطلقها عبر أخطبوطه الـ«سايبيري»
في العام
1995،
وهي لا تهتمّ بالإثنيات أو السحن أو الثقافات، لاستهدافها القابليات
والابتكارية والمواهب.
لعبة جديدة
عناصر اللعبة الجديدة افترضت بها
شخصياً الآتي: نصّ غير مكتمل إلى حدّ ما، يُطلَق على شبكة
«إنترنت»، ويُصبح مُلكاً
مُشاعاً للجميع، يُقرأ ويتمّ التفاعل معه، ويُقرَّر
«التدخل» مع كاتبه الأول،
وتُثَوَّر فصوله، ويُدعم خياله بخيال أكثر خصباً، ويُمدّ
بفصول حكايات أعقد وأكثر
إثارة، وتُرسم معه خطوط التصعيد الدرامي، وتُربّى حواراته
مُشكّلة أبعاداُ جديدة
لشخصياته. تتمّ المزايدة على إيديولوجيته وعثراته السياسية،
وتُصحّح زلاّته
التاريخية والسردية والإسمية، ويُصوّب إن مسّ بالأخلاق
والعادات والتقاليد وبُنى
العائلات والمجتمعات.
افترضتُ شخصياً بأصحاب اللعبة المبتكرة والمشتركين فيها
أنهم يسيّرونها على القدرة الآتية: لن نسمح من الآن فصاعدا
لكاتب هوليوودي ما جاهل
بالتلاعب بمكوّنات مجتمع ما، والتعديّ على دينه أو
موروثاته. نحن الكتّاب الكونيين
نكون بالمرصاد لكل شخص يتباهى بعنصريّته واستهاناته
بالأديان والقيم، أو مَنْ يختلق
الأعذار للحروب الجائرة، ويُبرِّر القتل وسفك الدماء وتدمير
الدول وتشريد البشر.
نحن الكتّاب الكونيين عازمون على إنجاز النصوص التي تخلّب
ألباب المشاهدين بحكايات
ممتعة، بعضها موغل بالتجارية، لأن هذا النوع هو الأنجح
والأنجع لبقاء الصناعة. لن
نتلكّأ عن دعمها بالخيال والسِيَر التي تدعو إلى التسامح
والإخاء ونبذ الفرقة. نحن
أهل السيناريوهات الكونيين نعلن أن لا حدود لتعاوننا،
ولحقوقنا ولدعم أسانيد
أفكارنا. نحن عصبة كونية ندافع عن الجميع من دون معرفتهم،
فهم قد يكونون جيراناً أو
غرباء قارات بعيدة، يجمعهم حبّ السينما أولاً وأخيراً.
تذكر الكاتبة جونز في
مقالتها أن «أمازون دوت كوم» أعلنت في أيلول العام الماضي
عن تأسيسها استديو
سينمائياً «سايبيري»، فكرته فتح الباب أمام الجميع بغضّ
النظر عن أمكنة عيشهم، أو
عن علاقتهم بالصنعة السينمائية، أو عن مواهبهم. الهدف، بحسب
ما أورده الموقع
الجديد، كامنٌ في أن لكل امرئ إمكانية «تحميل» سيناريو ما،
وإجراء التغييرات التي
يرتئيها، أو يسعى لإضافتها على سيناريو زميل آخر. وأن لكل
فردّ الحقّ في تحويل
المُنجز إلى نصّ سينمائي اختباري (خطوة للتقييم، تمهّد
لتدوير الكتابة إلى مستويات
إنتاجية أعلى). في نهاية العام، يتمّ اختيار أفضل سيناريو
مُعالج بهذه الطريقة لربح
جائزة قدرها مليون دولار أميركي، وترتيب لقاء لاحق مع مدراء
أقسام التطوير
السينمائي في استديوهات «وارنر برذرز». تُشير جونز في مقدمة
تحقيقها إلى «أننا
نتفّق جميعنا على أن هناك أمراً خطأ في هوليوود المعاصرة.
إعادات كثيرة (لأفلام
قديمة) والأفلام المتممِّة، وألعاب كمبيوتر واقتباسات.
يعتقد الجميع أن نظاماً
مهووساً بجني الأرباح، ومشغولاً إلى حدّ كبير بتعقّب
«مضامين نمطّية» (أي مُنجزة
سابقاً)، لن يتمكّن من اكتشاف موهبة جديدة. إن نظاماً ينفر
من المخاطرة، لن يعتمد
(إنتاج)
قصص أصيلة. المطّلعون على بواطن أمور الصناعة يشتكون أكثر من روّاد دور
العرض السينمائي، بيد أن البدائل العملية الممكنة شحيحة».
الجملة الأخيرة تكشف
حقيقة اعتراضات كتّاب سيناريو مكرّسين، رأوا في فكرة
«أمازون دوت كوم» تهديداً
ببديل ثوريّ ينزع عنهم أوسمة «أوسكار» التي يحصدونها بيسر.
نقل التحقيق الصحافي عن
جون أوغست، كاتب أفلام شهيرة كـ«سمكة كبيرة» (المعروف بـ«بيغ
فيش») و«العروسة
الجثة» و«تشارلي ومصنع الشوكولاتة»، وكلّها من إخراج مواطنه
تيم بورتون، قوله:
«إنها،
قطعاً، خطّة بغيضة». وعن كريك مازن (له «صداع السُكْر 2») صرخته: «إنها
صفقة
باطلة باطلة باطلة باطلة باطلة باطلة» (ردّدها ستّ مرّات).
ليست فكرة «أمازون
دوت كوم» سبّاقة، فَقَد فعلها صاحب «غريب» (1979) و«الراكض
على النصل» (1982)
المخرج البريطاني ريدلي سكوت مع دعوته البشرية، بدعم من
الأمم المتحدة، عبر موقع
«يوتيوب»،
للاشتراك بإنتاج فيلم يتكوّن من أشرطتهم الشخصية. النتيجة مذهلة
الاستجابة والتأثير، عبر فيلم «يوم واحد على الأرض»، الذي
عُرض باحتفائيات شهيرة في
العام الماضي، بعد تقديمه في «مهرجان برلين السينمائي»،
ورفع شعاراً حماسياً تمثّل
بـ«فيلم من صناعتكم». اليوم، هناك دعوة مماثلة على موقع
يحمل الاسم المذكور
للمساهمة مرّة أخرى بعمل شبيه يتّخذ من يوم 11.11. 2011
مسنداً درامياً لحكايات
إنسانية. بيد أن التجميع البهيّ، الذي أظهر كيف نعيش في
عالم غير مُنصف لكنه يعجّ
بالخبايا، لم يرق سوى التوليف والتسليع في دور العرض، بينما
اخترقت فكرة فريق السيد
بيزوس أساس الصناعة، وسارت بالمنتوج إلى نهاية إنتاجه
وتوزيعه. بمعنى أن الأفراد
العاديين لن يحتاجوا إلى وسطاء يتباهون بقدراتهم الخبيثة
على المراوغة وجني
الأرباح. هذه الفكرة الثوريّة اليوم برسم سينمائيينا
الشباب، فهل من
مغامر؟
فضائح
في سياق تقمّصات أم الفنون، تعالت في الآونة الأخيرة
إلى ما يقترب من الفضيحة المدوّية، تسريبات حول مساعي إدارة
شركة توزيع سينمائية
أميركية لإصدار حقّ قانوني يُبيح لها قرع أبواب «لصوص
إنترنت» ومقاضاتهم في غرفهم
ومكاتبهم السرّية، بعد إلقاء القبض عليهم متلبّسين بتحميل
الأفلام عن طريق نظام
«بيت
تورنت» ذي القدرة الفائقة على سرقة أيّ نص سينمائي ونشره على الشبكة.
يأتي
هذا العزم إثر توزيع فيلم «اقتل الإيرلندي» للمخرج جوناثان
هنسلاي، الذي سرد حياة
داني غرين أحد أشهر زعماء المافيات الإيرلندية في «كليفلاند»
الأميركية أواخر
سبعينيات القرن الماضي، على نطاق واسع «سايبيرياً»، قبل
أشهر من جدولة عروضه، ما
قلّل من حظوظ أرباحه في العروض العامة. نشر الموقع
الإلكتروني «تورنت فريك» تقريراً
جاء فيه أن شركة التوزيع «لايتننغ إنترتيمنت» تقدّمت بطلب
إلى السلطات الأسترالية
لكشف وتسليم اسمي شقيقين من أصل نيوزلندي وعنوانيهما، بعد
أن أفلحا في «سرقة» نسخة
من الفيلم وتعميمها، لإجبارهما على دفع مبالغ توازي خسارات
الشركة، وردع قراصنة
آخرين مُصرِّين على لعبة الخطف الـ«إنترنيتية». المشكلة
ليست في هذه الحكاية. فمآثر
القراصنة والجري خلفهم متوافرة في حرب إلكترونية لا نهاية
قريبة لها، ما دامت برامج
الكمبيوتر في تطوّر وتعقّد دائمين. العلّة أن شركة الواجهة
التي تحمل اسم «مجموعة
حقوق الفيلم» (أم. أر. جي.) متورّطة مع الشابين اللذين
يملكانها، بلقم الشبكة
بأشرطة بورنوغرافية على مدار العام، محقّقين مبالغ خيالية،
بينما حقّقت الشركة التي
تقف خلف تسهيل عملهما، واسمها «نيو فرونتير ميديا»، ثروة
تُقدَّر بخمسين مليون
دولار أميركي.
في تكملة القضية المزدوجة «الأنتر ـ سينمائية»، أصبح السعي
اليوم
لإصدار إشعارات قانونية موجّهة إلى ثلاثة ملايين وستمئة ألف
مشترك في شبكة «إنترنت»
في ألمانيا، عُرفت أسماؤهم وعناوينهم، ورُصدت تحميلاتهم غير
القانونية للأفلام.
ومثلهم مئتا ألف مشترك في الولايات المتحدة الأميركية.
بالإضافة إلى أعداد أخرى في
كندا وأستراليا، تُهدِّدهم بالمقاضاة تحت شعار «عرّف
أسماءهم وسربلهم بالعار». وهذا
أسلوب فاعل استخدمته الشرطة البريطانية في فضيحة المواقع
البورنوغرافية المتخصّصة
بعري الأطفال والقاصرين، في التسعينيات الماضية، التي سبّبت
حرجاً وضرراً بالغين
لحكومة رئيس الوزراء آنذاك توني بلير.
حروب «إنترنت» لعبة ذات وجهين متضادين.
فبينما تسعى «أمازون دوت كوم» لجعل الشبكة المتعاظمة القوّة
فعّالة وذات نشاط ثقافي
إبداعي جماهيري، عبر دعوتها السينمائية المميّزة، يقف
المنتفعون من خيوطها على طرف
النفعية البغيضة، التي لا تستثني المتاجرة بأي شيء. وما دام
هناك مغامرو سينما،
هناك قراصنة «إنترنت»، تستهويهم مقايضات مقاهي «إنترنت»
وشبابها الطامحين لمتابعة
كل ما هو مثير من دون مقابل. إذاً، في أتون هذه الحرب، هل
يخنق الفيلم
الـ«سايبيريّ» الجماعي أنفاس الفيلم الهوليوودي؟ في
المقابل، كيف يُمكن تشديد
الحصار على أهل اللافضائل الـ«إنترنتيين»؟
المصرية في
15/11/2011
السينما والبيئة ... تجليات الفعل
السينمائي وآثاره في الطبيعة
الدار البيضاء - مبارك حسني
تتيح العلاقات بين مجالات معينة في ميدان الإنتاج الرمزي، الإبداعي
خصوصاً،
ومنها السينمائي، إمكانية للفهم المتبادل، وتفتح الباب على المعرفة بإنتاج
مفاهيم
جديدة أحياناً، تنتقل من حقلها الخاص لتتواجد معرفياً في حقول أخرى.
وقد سبق لجيل دولوز أن أنشأ جهازاً مفاهيمياً فلسفياً كبيراً انطلاقاً
من تأمل
العمل السينمائي وأفلامه. والحديث عن البيئة يمكن أن يدور في هذا الفلك،
كما ان
الاهتمام بالقضية البيئية حالياً بوفرة، يحثنا على طرح السؤال حول أشكال
الاهتمام،
وكيف تم التطرق إليها، كما بالإضافات التي استخلصت عن ذلك، إبداعياً
سينمائياً في
وضعنا هنا، وبيئياً. البيئة بما هي مجال للعيش الجمعي، ومجال
للإبداع الفردي.
في الحالة الأولى، تشكل البيئة موضوعاً سينمائياً، عابراً أو رئيسياً،
يختلف عن
الموضوعات السينمائية الأخرى خاصة تلك التي تتسم بالحميمية والفردية
والاستبطان
بخصوص السينما الفنية. تكون عابرة في جل الأنواع المعروفة كأن تكون موضوع
حبكة في
فيلم بوليسي أو فيلم حركة أو فيلم رومانسي. على سبيل المثال
يقول مخرج الفيلم
الكارتوني «الحائط أ – Wall E»
بأنه «وظف البيئة l’environnement
لحكاية قصة حب لا
غير».
في الحالة الثانية، تكون البيئة هي الأساس، أي تصير قضية وذريعة
للاستغلال
السينمائي. بمعنى انها تصير جزءاً مهماً، كما في أفلام الكوارث وأفلام
التلقين،
وذلك بما تمنحه من قدرة على الفرجة والتسلية وإثارة غرائز الخوف والرعب
والتنفيس.
وهنا طبعاً نتحدث عن الأفلام الروائية بالتحديد.
هنا لا تقدم السينما إلا تجاوراً وتوافقاً مع موضوع مطروح للتوظيف كأي
موضوع.
لكن البيئة حين تقدم لذاتها، فإنها تقدم من منظورين هامين، هما الجمال
والقبح.
كاستثمار لهما يمكن أن يضيف ألقاً وإعجاباً، كتجلٍّ للجمال بما يثيره من
عواطف
إيجابية متفاعلة في العمق مع الأشياء بخلاف حاله مع الإنسان،
بل مع العالم مجرداً
من البشر، النبات والصخر والعناصر الأربعة، ممنوحة كما هي في حياتها
الخالصة
العذراء، متروكة لعملها الحياتي المتضمن قدرات خارقة ومنطق عيش متناغم وقوي.
السينما هنا تصور وتتبع وتتقفى بالرصد العجيب والمتقن والقبيح والأصيل من
دون تدخل.
أي أن السينما تزكي وتشهد. في هذا الصدد
يمكن مشاهدة أفلام سينمائية رائعة مخصصة كـ
«الحيوانات
العاشقة» للمخرج لوران شاربونيي.
الإنسان وتدمير الجمال
أما القبح، فهو يرتبط أساسا بتدخل الإنسان ضمنياً أو علانية وعن سبق
ترصد، وذلك
بتدمير الجمال السابق بالإعدام وبالتشويه وبالاستغلال المفرط للمنتوج
الطبيعي
الممنوح أو تحويله عن أهدافه. تمنح السينما هنا صور الموات والمحو
والتسويد. وفي
كلتا الحالتين، السائد هو السينما الوثائقية في حالة الجمال
بشكل عام، والروائية في
حالة القبح، بما أن القبح مادة للحكي ولاختراع القصص بتضمنه «ثيمة» الصراع،
وهو ما
تبحث عنه الدراما الحكائية.
هذا من جهة، اما من جهة ثانية، وتبعاً للاهتمام الكبير أخيراً بالبيئة
كما قلنا،
ولتعميق الكلام العام أعلاه، تمت إضافة لون جديد للسينما، بعد اللونين
التقنويين،
الأبيض والأسود في البداية ثم الألوان «الطبيعية» في ما بعد، واللذين
يشكلان
مرحلتين مفصليتين في تاريخ السينما وسعيها كفن حديث لعكس
الواقع أو اختراقه. واللون
الجديد ليس تقنياً بل وصفياً لتيار فني عاكس لتيارات سياسية واجتماعية
وثقافية هو
اللون الأخضر، والآتي من مفهوم «السينما الخضراء» المعبرة عن عودة وعي عامة
وعالمية.
وقد أتت هذه السينما عقب نقاش عالمي واسع حول البيئة، والطبيعة
والحياة، وعبر
عدد هائل من الأفلام. كبيرة وهامة. أفلام توظف الخوف والرعب، وأفلام هدفها
التحسيس
والإشعار والتوعية ودق ناقوس الخطر، روائياً وتوثيقياً وكرتونياً. السينما
الخضراء
هذه محددة سلفاً للحديث عن البيئة، كما هي مجال للإبداع الفردي
الذي تحدثنا عنه.
واللافت أن الذين تطرقوا للأمر شخصيات معروفة، بدءاً بالمرشح الديموقراطي
الأمريكي
آل غور الذي تحول من سياسي إلى اعتناق قضية الحفاظ على البيئة والتحول إلى
منتج
سينمائي من خلال فيلمه «هذه الحقيقة التي تزعج» ما منحه حضوراً
جديداً بعد السياسة
(التي
تتقل البيئة بالكثير من قراراتها البراغماتية المصلحتية). ثم هناك أشخاص
اهتموا من منطق نضالي، كالممثلة المعروفة إيزابيلا روسيلليني من خلال أفلام
مثل
«بورنو
أخضر» تجسد فيها الحياة الجنسية للحشرات، أو لوك بيسون الذي أنتج أحد أهم
الأفلام في هذا المجال، وهو Home
لمخرجه يان أرتيس برتراند وساهم في كتابة سيناريو
له الكاتب الفرنسي إريك اورسينا الذي يقول في هذا الصدد « بنفس
القدر الذي يتوجب
إيجاد أجوبة عديدة حول مسألة إرهاق الطبيعة، علينا إيجاد زوايا نظر متعددة.
والكتاب
هنا يكمل الفيلم، علماً بأن الأخير يثير العواطف أكثر ويؤثر مباشرة»... هذه
السينما
الخضراء التي تثير الاهتمام من طرف هؤلاء وآخرين، انما هي
تجسيد لهمّ عالمي كبير
يجب التصدي له، وكما يقول الفيلسوف الفرنسي إوليفي بورييل «استحضار الكارثة
البيئية
أمام العين عبر هذه الأفلام يرسخها في المخيال الجمعي، الشيء الذي لا
يستطيع اي
خطاب سياسي القيام به». وفي هذا الإطار لا يمكننا ان نختم هذا
الكلام من دون
الإشارة الى النجم ليوناردو دي كابريو، الذي أخرج فيلماً وثائقياً بعنوان
«الساعة
الحادية عشرة، المنعطف الأخير». يتناول قضية البيئة بدوره.
التهويل للتنبيه فقط
إذن ما ينبني عليه الانشغال بالبيئة في تجليها القيمي، جمال وقبح، وفي
نسج مصطلح
خاص لتيار سينمائي (سمعي بصري للتدقيق أكثر) هو السينما الخضراء كما قلنا،
ما ينبني
عليه هو الخطر. وهو أيضا مثير حكائي قوي ومبتغى، مثله مثل القبح. الخطر من
فقدان
الحياة، من انحسارها، من تلويثها، من انهيار مقومات استمرارها.
أفلام مثل تلك التي
يدأب الفرنسي نيكولا هيلو على انتاجها وإخراجها كثيراً، لكن أيضاً أفلام
الفرجة
العامة، «2012» مثلاً. وذلك باستعمال آلية التهويل والمبالغة الأكبر بتجسيد
المشاهد
الصادمة للانفجارات والانهيارات والقتل الجمعي بالأوبئة
الخارجة من المختبرات أو
المصانع ، بفعل عدم التحكم في قدرات الطبيعة بالقدر المنطقي وفي حدود
التجريب
العلمي. يتساوى في ذلك البحر والبر والسماء. كل شيء ممكن سينمائياً حين
وجود فكرة
خطر أصيلة.
الحياة اللندنية في
23/12/2011
مصر بعيون الداخل والخارج
القاهرة - أمل الجمل
كعادتها منذ شهور في المهرجانات السينمائية العربية وغيرها، حضرت مصر
اخيراً في
مهرجان دبيّ. هي كانت حاضرة من خلال فيلم روائي واحد هو «واحد صحيح» ولكنها
حضرت في
شكل اقوى بخاصة من خلال خمسة أفلام وثائقية هي: «مولود في 25 يناير» لأحمد
رشوان، و
«نصف
ثورة» للمخرجين عمر الشرقاوي وكريم الحكيم، و «ميدان التحرير» للمخرج
الفرنسي
ستيفانو سافونا، و «ستو زاد» لهبة يسري، وأخيراً الشريط الكندي «في الليل
يرقصن»
للمخرجة إيزابيل لافين وشريكها ستيفان تيبلو... إلى جانب ثلاثة أفلام
روائية قصيرة
هي «زفير» لعمر الزهيري والذي حصل على شهادة تقدير، و «بحري» لأحمد غنيمي،
و «أحد
سكان المدينة» لأدهم الشريف وهو طالب في معهد السينما، و
«حدوتة من صاج» لعايدة
الكاشف.
بقدر ما جاء الموضوع والمستوى الفني لفيلم «واحد صحيح» متوسط القيمة
بقدر ما
يُعَدُّ حالة مغايرة لما تعودنا أن نراه في أفلام المنتج محمد السبكي، وذلك
لسببين،
أن الشريط السينمائي كتب له السيناريو تامر حبيب، وهو أول إخراج روائي طويل
لهادي
الباجوري بعد سلسلة طويلة من اعمال الفيديو كليب. يطرح الفيلم
جانباً من حياة
الطبقة الراقية في مصر، التي تعاني من مشاكلها الخاصة مع الحب، والبحث
الدائم عن
شريك الحياة، حتى لو كان هذا من خلال الشذوذ الجنسي بما يتبعه من مسكنات
كالخيانة
أو تعاطي المخدرات. في الأساس يتناول الفيلم العلاقات الملتبسة
بين الرجال والنساء،
التي تُلخصها كلمات حسين السيد، وغناء محمد عبدالوهاب «بفكر في اللي ناسيني
وبنسى
اللي فاكرني، وبهرب من اللي شاريني وأدور ع اللي بايعني... اهجر حبايبي
وخلاني
وانسى قلوب عايشة عشاني».
فكرة إنسانية
فكرة السيناريو يُمكن ألاَّ تكون حكراً على الطبقة الراقية فقط، إنها
فكرة
عالمية بسبب إنسانيتها، لكن ما يصنع منها تلك العالمية هو المعالجة، وهو ما
لم ينجح
فيه تامر حبيب. على رغم أن الفيلم فيه كثير من المشاعر الصادقة
التي تنطق بها
الشخصيات على تنوعها واختلافها، لكنه كان صدقاً جزئياً لم ينجح في صنع فيلم
جيد أو
صادق كلياً، لأن أسلوب وطريقة نسج الخيوط والشخصيات معاً جاءت اصطناعية
حيناً، كما
شكل اختفاء وغياب الخلفية المجتمعية طوال الأحداث أحد عيوب
الفيلم. بالإضافة إلى
طول بعض المشاهد وعدم القدرة على ضبط الإيقاع أثناء المونولوغ، فعلى رغم
أهميته
والحميمية التي أضفاها على عدد من المشاهد لكنه جاء طويلاً في البعض الآخر.
كذلك
الإفراط في استخدام الألفاظ الجارحة في شكل مبالغ فيه بحيث
أفقدته الصدقية وهبطت به
إلى مستوى الأفلام التجارية.
مأزق وثائقيات الثورة
كانت الثورة المصرية محط أنظار العالم بقنواته ومراسليه. متابعات
تحليلية
وتقارير يومية، أفلام كثيرة صُنع بعضها على عجل قبل أن تكتمل الثورة، وما
لم تستطع
كاميرات المحترفين أن تلتقطه وثّقته كاميرات الهواة والموبايل وتم توزيعه
من خلال
اليوتيوب على صفحات التواصل الاجتماعي «الفايسبوك» و «تويتر».
إذاً، أن تصنع فيلماً
جديداً مختلفاً عن الثورة في ظل تلك الظروف هو أمر ليس فقط شائك وبالغ
الصعوبة، بل
مغامرة ومقامرة غير مضمونة العواقب. لأن كل الصور واللقطات تقريباً ستكون
واحدة حتى
وإن اختلفت زوايا التصوير، ونادراً ما سترى لقطة جديدة. الجديد الوحيد ربما
يكون في
المعالجة وأسلوب الطرح.
في فيلم «مولود في 25 يناير» قد يبدو أن ليس ثمة من جديد تقريباً، معه
يُمكن
استعادة كثير من تفاصيل ومراحل الثورة المصرية بما صاحبها من مشاعر الخوف
والارتباك
والقلق والأمل والغضب، وما لازمها من تفجر الإبداع وروح السخرية، وحتى
الإشاعات على
اختلاف واتساع نطاقها، وحالات اليأس والإحساس باللاجدوى في بعض
اللحظات. يحكي أحمد
رشوان كل هذا من خلال تجربته الشخصية، فنراه جالساً فى منزله يواصل
النـــضال
الإلكتروني أو يشحن بطاريات الكاميرا أو يُفرغ الهارديسك أو يرقد يائساً
مستسلماً
أحياناً. نراه تارة أخرى في نقابة الممثلين، أو في ميدان التحرير أو في
المقهى، أو
في السيارة بصحبة أصدقائه ليلاً يمر على عشرات اللجان الشعبية
كاشـفاً تنـاقضات
أفراد الشعب في تلك المرحلة.
فيلم «رشوان» عمل وثائقي جيد مصنوع بلغة سينمائية رصينة، وطوال لقطاته
ومشاهده
يبدو جلياً دور المونتيرة نادية حسن فيه. الصورة في الشريط الوثائقي هي
الأساس، مع
ذلك لا يُمكن إغفال شريط الصوت الذي يلعب دوراً بالغ القوة بتوظيفه المُتقن
للموسيقى وهتافات الحشود، وغنائهم الحماسي، واعترافات بعضهم
الجريئة. ما يُؤخذ عليه
هو طول بعض خُطب الرئيس السابق حسني مبارك، وبعض اللقطات التي أُخذت لمخرجه
وهو
يتحدث مع أصدقائه تليفونياً لأنها زائدة وما أعقبها من لقطات ومشاهد يُغني
عن
وجودها.
أهمية فيلم أحمد رشوان تنبع من كونه توثيقاً لحالة البلد ومشاعر الناس
في تلك
الأيام الحُبلى بالمشاهد الأسطورية التي هزت العالم والتي شارك فيها مخرج
الفيلم
نفسه، كما أن نهايته ترصد تداعيات ما بعد تنحي مبارك، والمخاوف من صعود
الإسلاميين،
في مقابل مناداة البعض بدولة مدنية، والتساؤلات المُربكة حول المجلس
العسكرى ودوره.
نصف ثورة
في المقابل قرر عمر الشرقاوي وكريم الحكيم أن يكون عنوان فيلمهما «نصف
ثورة»
لأنهما لم يستكملا تصوير مشاهد الثورة المصرية حتى لحظة التنحي، حيث تعرضا
للكثير
من مضايقات الأمن وتم القبض عليهما، ما اضطرهما للهرب مع
الأسرة بعد إطلاق سراحهما
لأنهما غير مصريين. يرصد «نصف ثورة» تجربة المخرجين ومشاركتهما في ما يجري
من
حولهما من أحداث فى الشارع المصرى أثناء الأيام الأولى من الثورة وحتى 4
شباط
(فبراير).
يسجلان المناقشات التى كانت تدور فى منزلهما حول تطورات الأوضاع، مخاوف
العائلة والأصدقاء من دول مختلفة. المفاجأة في هذا الفيلم هي وجود لقطة
استوقفت
الكثير من الحضور وتساءلوا حولها، هي لسيارة جيب تابعة للجيش
تدهس متظاهرين مساء
جمعة الغضب.
ميدان التحرير
كان يُمكن فيلم «ميدان التحرير» للمخرج ستيفانو سافونا (93 ق)، أن
يكون أفضل
الأفلام الثلاثة عن الثورة المصرية. يتناول «ستيفانو» الثورة المصرية من
منظور
ثلاثة أشخاص – شباب ونساء - من داخل ميدان التحرير، فنتعرف إلى
المحن التي خاضها
هؤلاء من الذين ظهروا من العدم أثناء مسيرتهم نحو الحرية. بواسطتهم تدور
الكاميرا
وتتحرك بحرية فترصد النقاشات والجدل بين المشاركين من العامة والبسطاء،
ومتوسطي
الثقافة وذوي التعليم العالي. تكشف التناقض، الخلاف والاختلاف
في الرأي الذي كان
يدب بين الثوار، وعدم قدرتهم على تكوين جبهة واحدة تتصدى لأصحاب السلطة،
تجعلنا
نُدرك أن الانشقاق جاء من الداخل. يختتم الفيلم بلقطة تُوثق لفتاة تصرخ
رافضة فض
الاعتصام أو التحرك من ميدان التحرير في أعقاب التنحي لأن «لا
شيء تحقق فعلياً».
كانت تصرخ مطالبة الجميع بالبقاء حتى يضمنوا تحقيق مطالب الثوار، تلك
الصرخة التي
أثبتت الأيام صوابها. مشكلة الفيلم الأساسية هي الإيقاع الذي جاء مترهلاً
في كثير
من مشاهده والذي يحتاج إلى حذف نصف ساعة منه على الأقل حتى
يحتفظ بإيقاع قوي.
في الليل يرقصن
يركّز الفيلم الكندي «في الليل يرقصن» على كواليس حياة بعض الراقصات
المصريات،
ويُركز خاصة على رضا إبراهيم التي ورثت الرقص عن جداتها ولديـها ثلاث بنات
يحترفن
الرقص يستعرض الفيلم حياة كل واحدة منهن. أجمل ما في الفيلم
مستواه الفني، وتلقائية
أشخاصه في الحكي، وقدرة مخرجيه على تصوير عالمهم كما هو من دون تزييف من
خلال
التعرض لأدق تفاصيل حياة هؤلاء الراقصات وكشف معاناتهن الإنسانية في ظل
مجتمع مملوء
بالفساد على كل المستويات.
أما فيلم «ستو زاد» الذي يتناول علاقة مخرجته هبة يسري بجدتها المطربة
شهرزاد -
من خمســينات القرن الماضي - فجاء ضعيفاً فنياً على رغم أهمية زاوية الطرح،
حيث
تحاول المخرجة الشابة البحث عن نفسها وتحديد هويــتها من خلال ملامح جدتها،
لكنها
لم تنجح في تحقيق ذلك في شكل فني جيد.
الحياة اللندنية في
23/12/2011 |