أكد الدكتور سيد خطاب، رئيس الرقابة، أن قانون الرقابة على المصنفات
الفنية، الذى يعود إلى سنة ١٩٥٥، قادر على البقاء لسنوات طويلة، خاصة أنه
يتميز بالمرونة والتغير مع المجتمع، موضحاً أنه يستبعد فكرة تغيير هذا
القانون فى حالة تفوق التيارات الدينية ممثلة فى الإخوان والسلفيين على
مقاعد مجلس الشعب. وقال «خطاب» لـ«المصرى اليوم»: إن الحرية لا تعنى
الإباحية، مشيراً إلى أنه لو تعرض لضغوط كرقيب فلن يهرب من موقعه وسيظل
يدافع عن حرية الإبداع، طالما كان ذلك لا يخل بحقوق الآخرين.
■
بعد المرحلة الأولى للانتخابات هناك تخوف من تفوق الإخوان والسلفيين وتأثير
ذلك على وجود رقابة أكثر تشدداً فما رأيك؟
- العلاقة بين الرقابة وحالة المجتمع قوية، لأنها تعبر عن التنوعات
الاجتماعية والسياسية، كما أننا فى دولة القانون، واحترام هذا القانون من
الأسس التى نبنى عليها الدولة الديمقراطية، ولن يتغير هذا القانون فى حالة
تفوق تيار على الآخر.
■
ماذا سيكون موقفك لو صرحت بعرض فيلم واعترضت عليه التيارات الدينية فى
البرلمان؟
- من الطبيعى أن يكون هناك اعتراض، وكان هذا يحدث فى الماضى، وكان أى
شخص يعترض ويناقش ويحاسب المسؤول الحكومى، لأن النواب لهم سلطة الرقابة على
الأجهزة التنفيذية، لكن هذه السلطة لا يصح تطبيقها على قانون الرقابة، لأنه
قانون قديم ويحمل رقم ٤٣٠ لسنة ١٩٥٥، وإذا كان لأى شخص منهم الرغبة فى
تعديل هذا القانون، فأعتقد أنه سيحتاج إلى تعديل تشريعى، ولن يحدث ذلك
بسهولة ما لم يرض عنه المبدعون، وسأواجههم بالقانون، فهناك جلسات عمل تعقد
للمسؤولين ويتم خلالها عرض وجهات النظر، لأن الإبداع ليس خاضعاً لتقديرات
ذاتية، فطالما يلتزم المبدع بتنفيذ القانون فليست هناك مشكلة.
■
هل من الوارد تغيير قانون الرقابة فى حالة فوز الإخوان والسلفيين
بالأغلبية؟
- هناك من لديهم تخوف بسبب تفوق الإخوان والسلفيين فى المرحلة الأولى،
خاصة أن المبدأ الأساسى الذى قامت من أجله ثورة ٢٥ يناير، وهو الحرية، يشمل
الحريات العامة والخاصة وحرية التعبير والإبداع والصحافة والإعلام وكل
أشكال التعبير المختلفة، لذلك فوعى البرلمان المقبل بحرية الإبداع يحتاج
إلى مناقشة وتفسير وعدم توجيه الاتهام لأحد، لأننا ندعو إلى الحرية
الملتزمة وليس الحرية المستهترة، وأعتقد أنه لن يتم سن قوانين جديدة خاصة
بالرقابة إلا بعد استشارة المبدعين أنفسهم، ولا أدعو للخوف من التيارات
الإسلامية، لأنهم سيكونون فى حاجة إلى العقلانية، فهم يعلمون حجم المخاطر
التى نمر بها فى المرحلة الحالية، كما أنهم أمام اختبار كبير ولن يستطيعوا
أن يكونوا وحدهم، فمشاكل مصر كثيرة ومتراكمة، وهم فى حاجة لكل الآراء
والأفكار التى تساندهم.
■
لكن سيطرة الإخوان والسلفيين على مقاعد البرلمان، ربما تجعل هناك رقيباً
داخل الرقباء أنفسهم؟
- ما سنواجهه ليس مجرد تغيير فى طبيعة وشكل المؤسسة، لأن هذا كان يحدث
منذ سنوات طويلة، وكان يظهر فيما يسمى الرقابة المجتمعية من خلال رفع أحد
المواطنين أو الشيوخ دعاوى قضائية لمنع بعض الأفلام، أو ضد وزارة الثقافة،
وأعتقد أن هذا الوضع سيؤثر على الرقباء، لأنه من خلال ما يحدث فى البرلمان
سنرى توثيق لخريطة مصر الاجتماعية المقبلة، لكن إذا سارت الدولة فى الشكل
الديمقراطى، الذى وعدنا به المجلس العسكرى، فبالتأكيد سينعكس ذلك على
البناء التشريعى، وهى معركة طويلة فى صياغة شكل الدولة، ونتمنى أن يكون
المجتمع متحركاً وحذراً فى المرحلة المقبلة، ونحن نمتلك قانوناً للرقابة
عاش منذ سنة ١٩٥٥، وشهد الكثير من الإبداع والمرونة والتغير مع المجتمع،
وهذا القانون يصلح للبقاء سنوات طويلة.
■
بعد الثورة كان هناك من يطالب بإلغاء الرقابة، فهل هذه المطالب مازالت
قائمة؟
- هذا المطلب كان مثاراً بالفعل، لكن بشكل خافت، وكنت أؤيد فكرة
الوصول إلى الحرية الملتزمة فى مرحلة قراءة السيناريو، ولكن فى المرحلة
الحالية أعتقد أنه من الصعب تغيير أى شىء، فنحن نحتاج إلى الهدوء قليلاً
حتى يظهر شكل البرلمان، وتنتهى الانتخابات الرئاسية.
■
هل لديك مخاوف على المستوى الشخصى من صعود التيارات الدينية؟
- لست خائفاً على الكرسى، فأنا فى الأساس أستاذ فى المعهد العالى
للفنون المسرحية وعضواً بمجلس نقابة الممثلين، لكن الرقابة ستستمر فى
ممارسة دورها الاجتماعى، لأنها مرتبطة بعلاقة وطيدة مع المجتمع، وتحافظ على
نسيجه ومصالحه العليا من خلال القانون، الذى يحمى المجتمع من جهة، والمبدع
من جهة أخرى.
■
ماذا ستفعل لو تعرضت لضغوط معينة أثناء أدائك عملك الرقابى؟
- سأظل أمارس عملى، لأن ما يفرض علىّ وأنا رقيب، سيفرض علىّ كفنان
مبدع، فلا مجال للهروب، وسأقف وأدافع عن حقى بكل قوة وإيمان، طالما كان ذلك
لا يخل بحقوق الآخرين، والإسلام كدين يدعو للحرية، ويقف ضد العبودية،
ونموذجاً فى حقوق الإنسان، وهو ما يعطى حق ومساحة للمبدعين فى التعبير عن
مشاكل مجتمعهم، وسأظل فى هذه المعركة، لأنه لم يأت نظام فى يوم من الأيام
يرضى عن مبدع أو يرضى عنه المبدع، فالاختلاف والتمرد جزء أساسى من مقومات
الإبداع.
■
كيف ترى تأثير صعود التيارات الدينية على مستقبل الفن؟
- هذه المعركة خاضتها مصر، وبشكل أكثر عنفاً مما يتصور الجيل الجديد
فى فترة السبعينيات والثمانينيات، حيث وصلت الأمور إلى إراقة الدماء، وقتل
مبدعين ومفكرين، فضلاً عن اغتيالهم الأخلاقى، وفضح سيرهم الذاتية، التى
وصلت إلى حد التكفير، ولست خائفاً رغم أننا نمر بها الآن، لكن بشكل قانونى
ودستورى، فهذا المجتمع هو مرآتنا التى تكشف لنا آراء الناس، وعلينا
الالتزام بالقانون، لأنه المخرج الوحيد من هذا المأزق، وعلينا أن نترك
التخويف والتخوين ونلتزم بالقانون.
■
بعد الثورة توقعنا أن تكون الأفلام أكثر جدية لكن هذا لم يحدث، فما السبب؟
- الأفلام التى كنا نتوقع وجودها لم يحن وقتها بعد، وهى التى تعبر عن
قضايا المجتمع، ونحن لم نكن ننتظر فقط أفلاماً جديدة، بل كنا نناشد
المبدعين طرح أفكار جديدة، ممثلة فى نوعيات لم تتطرق إليها السينما المصرية
كثيراً، مثل أفلام الخيال العلمى، والأفلام التاريخية، فضلاً عن الأفلام
التى تحمل قيمة إنسانية، وأعتقد أن هذا تحقق، نوعاً ما، من خلال تجربة «إكس
لارج»، و«سيما على بابا»، ففيلم مثل «إكس لارج» يطرح تيمة إنسانية، و«سيما
على بابا» أقرب إلى الخيال العلمى، وأتمنى أن تزيد الجودة فى الأفلام، كما
أننا بحاجة إلى بناء الثقة بين المبدع والمجتمع فى طبيعة الموضوعات، خاصة
أن السينما المصرية كانت قريبة من هموم مجتمعها، والمبدعون فى حاجة إلى بعض
الوقت للتعبير عن المجتمع، لأن مصر فى مرحلة ميلاد جديدة، وأتمنى أن ينتبه
المبدعون لمناقشة قضاياهم وحرياتهم العامة والخاصة، وهى التى كانت مطلباً
أساسياً للثورة، فليست الحرية هى التى تؤدى للإباحية، فنحن ننادى بالحرية
المسؤولة.
المصري اليوم في
08/12/2011
خمسة أفلام روائية قصيرة اختتمت الاحتفالية والسادس لم يصل
النويري: السينما الإماراتية انطلقت بتأسيس مسابقة عام
2001..
كتب: فاد ي عبدالله
خمسة أفلام روائية قصيرة أنهت احتفالية نادي الكويت للسينما، في
المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، بالسينما الإماراتية، بالتعاون مع
السفارة الإماراتية.
اختتمت فعاليات احتفالية «أفلام من الإمارات» أمس الأول، في صالة
عبدالرزاق البصير بمقر الأمانة العامة للمجلس الوطني للثقافة والفنون
والآداب، بحضور القائم بالأعمال في السفارة الإماراتية راشد الظاهري، ورئيس
مجلس إدارة نادي الكويت للسينما حسين الخوالد، والكاتبة عواطف البدر، ود.
نادر القنة.
في البداية، قدم مدير نادي الكويت للسينما الناقد عماد النويري نبذة
عن بدايات السينما في دولة الإمارات العربية المتحدة، بخطوة من قبل المخرج
علي العبدول، عندما دشن أول فيلم له بعنوان «عابر سبيل»، مشيراً إلى أن
الانطلاقة الأولى جاءت مع تأسيس مسابقة أفلام من الإمارات عام 2001، حيث
احتضنت تجارب عديدة، إلى أن تطورت وازدهرت حيث تمخض عنها أهم ثلاثة
مهرجانات في المنطقة هي: أبوظبي السينمائي الدولي، ودبي السينمائي الدولي،
والخليج السينمائي.
«ثوب الشمس»
كما تطرق النويري إلى تجربة المخرج سعيد سالمين مع أول فيلم طويل،
الذي تم عرضه في اليوم الأول، وهو بعنوان «ثوب الشمس»، إذ اعتبرها تجربة
ناضجة استطاع من خلالها المخرج السيطرة على مفردات اللغة السينمائية وحسن
إدارة الممثل والاختيار الموفق للموسيقى التصويرية.
بعدها استهل برنامج اليوم الثاني الأخير بعرض خمسة أفلام روائية
قصيرة، وهي: «غيمة شروق» سيناريو وإخراج أحمد زين، وحصل على الجائزة الأولى
لأفضل فيلم قصير في مهرجان أبوظبي السينمائي الدولي الرابع 2010، وشهادة
تقدير من مهرجان الخليج السينمائي، ويتناول الفيلم، الذي تدور أحداثه في 17
دقيقة، هروب خمسة مراهقين من المدرسة، واتيانهم بعض السلوكيات غير المرغوبة
فيتعرضون لعدد من المواقف.
ثم عرض فيلم صولو من إخراج علي الجابري، ويتناول قصة عازف موسيقي همه
الوحيد أن يعزف ويسمعه الآخرون، وقلة ممن يسمعون هذا الفن الموسيقي لكنه
بإصراره وعزيمته يجد من يستمع إليه، الفيلم حاصل على شهادة تقدير من مهرجان
الخليج السينمائي الثالث.
وعرض فيلم «ريح» سيناريو وحوار محمد حسن أحمد وإخراج وليد الشحي، وقد
فاز هذا الفيلم بجائزة أفضل تصوير في مهرجان أبوظبي السينمائي الخامس،
ويحكي قصة طفل عندما ينغرس مسمار في قدمه فيتسرب الصدأ إلى داخل جسده،
ينثره على المحيط من حوله، يستشعر الصوت واللون الأصفر فيجده في الآخرين
إنه الصدأ الذي ينخر المكان.
وتم عرض فيلم «مساء الجنة» للمخرج جمعة السهلي وسيناريو وحوار محمد
حسن أحمد، وتدور أحداثه في فترة حرب الخليج عام 1990، ويروي حكاية إنسانية
في الخندق خلال هذه الحرب.
«سبيل»
وأخيرا فيلم «سبيل» للكاتب محمد حسن أحمد وإخراج خالد المحمود، يحكي
قصة شقيقين يعتنيان بجدتهما المريضة وسط بيئة جبلية معزولة، بحيث تصبح صلة
الوصل الوحيدة بين هذين الشقيقين والعالم الخارجي هي الدراجة النارية التي
يستقلانها إلى الشارع العام من أجل بيع الخضراوات التي يزرعانها حتى يمكن
لهما شراء الدواء الذي تحتاجه الجدة.
وقد حصد هذا الفيلم جائزة أفضل فيلم قصير في مهرجان نيويورك السينمائي
للأفلام الاوراسية بأميركا، كما حصل على شهادة تقدير خاصة من مهرجان «مالمو»
السينمائي للأفلام العربية بالسويد.
وكان من المفترض أن يعرض فيلم سادس هو «روح» كتبه سعيد سالمين وأخرجته
فاطمة عبدالله، لكن نسخة الفيلم لم تصل.
من يرى هذه المجموعة من الأفلام الإماراتية يجد أن الحوارات قليلة
جداً، معتمدة في المقام الأول على السيناريو، ونستطيع هنا تشبيهها بأسلوب
السينما الفرنسية، كما أنها تؤكد في المقام الأول القضايا الإنسانية،
والاهتمام بالتراث.
الجريدة الكويتية في
08/12/2011
"أعلنت
الحرب" فيلم فاليري دونزيلّي
الحدود المتقدمة بين السينما والحياة
نديم جرجورة
عُرض "أُعلنت الحرب"،
الفيلم الروائي الطويل الثاني للممثلة والمخرجة الفرنسية
فاليري دونزيلّي، للمرّة
الأولى في بيروت قبل أسابيع عديدة. حدث هذا في إطار النسخة اللبنانية
الخامسة
لـ"أسبوع النقد"، احدى التظاهرات الجانبية الأساسية في مهرجان "كانّ".
يُمكن القول
إن "أسبوع النقد" أطلق الفيلم. جعل المهتمّون بالفن السابع يُشاهدون نشيداً
احتفالياً بالحياة. يُناقشون ويقولون تعليقات وتأثّرات. بعد هذا الوقت
كلّه، بات
يُمكن للمُشاهدين اللبنانيين متابعة وقائع المواجهة الحادّة ضد
الموت، من قبل أبوين
وطفلهما. مواجهة حادّة ضد مرض سرطانيّ خبيث ألمّ بالمولود حديثاً، دافعاً
المحيطين
به إلى السير على "درب جلجلة" مليئة بآلام الجسد والروح، من أجل انتصار
محقَّق بفضل
ثبات الأبوين على تحطيم الجدران كلّها، والذهاب بمولودهما الأول إلى قلب
الحياة
النابضة حبّاً وفرحاً وجمالاً. "أُعلنت الحرب" فيلم حياة وعشق
للحياة. فيلم حبّ
وعشق للحبّ. فيلم أناس أدركوا منذ البداية أن لحظة الموت مؤجّلة إلى زمن
بعيد. لأن
الراهن متمثّل بلحظة العيش.
إذاً، إنه الفيلم الثاني لفاليري دونزيلّي، بعد
مرور عامين على تجربتها الإخراجية الأولى، المتمثّلة بـ"ملكة
التفّاح" (2009). فيلم
ثان اختبر الحدّ الواهي بين الواقع والسينما. اختبر معنى تحويل
الذاتيّ الصرف إلى
نصّ بصري لا يقف عند حدّ الاقتباس، بل يُحيل الوقائع والناس المرتبطين بها
على
شخصيات سينمائية. يُحيل الناس أنفسهم إلى ممثلين يُعيدون فبركة الحكاية
سينمائياً،
كأنهم يتحرّرون من وطأة الألم، وفداحة المأزق. كأنهم يريدون
التطهّر بالسينما من
المرارة وأدرانها، ومن قسوة الحياة أيضاً. كأنهم يستعينون بالسينما للخروج
من فظاعة
الوقائع إلى ما هو أبعد: العيش، مجدّداً، على الحدّ الفاصل والواهي بين
الحقيقيّ
والمتخيّل. اختبار معنى تحويل الذاتيّ الصرف إلى نصّ بصريّ
دونه صعوبة القطع مع
المعيش. أو هكذا يُخيّل إليّ. والقطع مع المعيش يعني تجاوز الاختبار الحيّ،
في
محاولة إنسانية لجعل المتخيّل وسيلة إنقاذ، بإعادة عيش الاختبار الحيّ نفسه
أمام
الكاميرا.
الحدود التي يُفترض بها أن تقوم بين الحياتي والسينمائي منعدمة هنا.
القصّة حقيقية. التفاصيل تكاد تكون هي
نفسها التي عاشها أولئك المنتقلون من
الاختبار الحيّ إلى اللحظة السينمائية. الممثلون هم أنفسهم
الذين عاشوا الاختبار
الحيّ بحذافيره. انعدام الحدود نابعٌ من الانتقال الجسدي والروحي والمعنوي
والأخلاقي والنفسي، الذي قام به كل من عانى الاختبار الحيّ وعاشه، من وقائع
الاختبار الحيّ إلى السينما. كأن الانتقال خطوة إضافية إلى
الاغتسال المطلق من وقع
الاختبار الحيّ. كأن السينما إضافة إنسانية تتيح بوحاً مغايراً للبوح
المرافق
للاختبار الحيّ.
هذا كلّه واضح في "أُعلنت الحرب"، الفيلم الروائي الطويل
الثاني للممثلة والمخرجة الفرنسية فاليري دونزيلّي. هذه الأخيرة انضمّت إلى
فريق
الممثلين أيضاً. اختارت أن تكون هي نفسها أمام الكاميرا، بعد
أن عاشت التجربة داخل
الحياة، وعلى شفير الموت. الذاتيّ المطلق بات نصّاً بصرياً معقوداً على
الانفعال
المؤثّر. الشخصي المطلق بات صُوراً متلاحقة عن احد أقسى الاختبارات الحيّة:
العيش
اليومي، على مدى أعوام متتالية، مع الموت. فالسينمائية
الفرنسية المولودة، في
الثاني من آذار 1973 في "إيبينال" (فرنسا)، أقامت مع الموت المتفشّي في جسد
وليدها
آدم بهيئة مرض سرطاني في الرأس، قبل أن تُساق ووالده إلى مذبح التضحيات. أو
إلى
جحيم الأرض. القصّة السينمائية عادية: والدا طفل مولود حديثاً
ومُصاب بمرض خطر
يعانيان الأمرّين، نفسياً وروحياً وعاطفياً ومالياً، لإنقاذ وليدهما هذا من
المرض
والموت. القصّة السينمائية تفقد عاديتها، عندما يؤخذ نصّها من الاختبار
الحيّ.
التداخل بين الاختبار الحيّ والاشتغال
السينمائي أساسيّ. إنه المدماك الأول. الجوهر
المنبثقة منه العمارة السينمائية. الاختبار الحيّ أُعيد تمثيله
أمام الكاميرا، ما
ادّى إلى إنجاز فيلم انفعاليّ: مواجهة المرض، أي الموت، في مقابل التمسّك
بالحياة.
في مقابل عيش الحياة أيضاً. الطفل وحيداً
في مواجهة مرض لا يفقه شيئاً منه. لكن
والديه مدركان فداحة المأزق، من دون أن يتخلّيا لحظة واحدة عن
الرغبة في إكمال حياة
شبابية كادا يفقدانها. الفيلم انفعاليّ ومؤثّر، لأنه ساع إلى موازنة صعبة:
الانزلاق
في خوف مرضيّ من الاختبار الحيّ، في مقابل الصعود الدائم إلى الحياة.
لا يعني
هذا كلّه اختزالاً للفيلم. فالمُشاهدة أقدر على إتاحة فرصة للمهتمّين في
اختبار
مماثل: أين هي الحدود "المفترضة" بين السينما والحياة؟ في "أعلنت الحرب"،
محاولة
متواضعة جداً للإجابة على السؤال الثقافي للسينما. محاولة للقول إن الصورة
السينمائية مُساعد فعّال على الاغتسال والتطهّر من الحياة،
بتناقضاتها كلّها. فمنذ
اللحظات السينمائية الأولى، تُفتح الستارة على المعاني الجميلة للحبّ. أو
بالأحرى:
على البدايات الجميلة للحبّ. لكن المسار
الدرامي للاختبار الحيّ والاشتغال
السينمائي معاً برهن، بطريقة أخرى، أن البدايات الجميلة قادرة، أحياناً،
على تحصين
الحبّ، ودفعه إلى مواجهة التحديات والانتصار عليها. بل الانتصار للحب
أساساً.
(*)
بعد ظهر اليوم، يبدأ عرض الفيلم في صالة سينما "متروبوليس" في
"أمبير
صوفيل" (الأشرفية).
كلاكيت
بين الانتاج والعرض
نديم جرجورة
ما الذي أدّى إلى
طغيان حضور سينمائي لبناني في مهرجان خليجي؟ أهو السعي للحصول على برنامج
كامل، أم
أن ما يُنتج في لبنان حالياً قابلٌ للاختيار في مهرجانات عربية وغربية؟
أتوقّف عند
"مهرجان دبي السينمائي الدولي" فقط. مساء أمس، بدأت دورته الثامنة.
أفلام لبنانية
عدّة مُشاركة في هذه المسابقة أو ذاك النشاط. أفلام حديثة الإنتاج، بعضها
يُعرض
للمرّة الأولى. بعضها مفتوح على أسئلة اللحظة الراهنة، بارتباطها بالآنيّ
وبامتداداتها الممتدة إلى الأمس والغد. بعضها منسوج من أعماق
الذات الفردية. هذا
دأب الحكايات المنسية على الحوافي القاتلة. هذا جزء من لعبة الخلق الفني.
اللافت للانتباه في المسألة كلّها كامنٌ في العدد الكبير، نسبياً،
للأفلام
اللبنانية المُشاركة في المهرجان الخليجي الأقدم: أهي الحاجة لملء الفراغ
"كيفما
كان"، أم أن صناعة الفيلم اللبناني باتت أقدر على تقديم خيارات لمبرمجي
مهرجانات
عربية متنوّعة؟ في المقابل، وأمام هذا العدد الكبير، نسبياً، من الأفلام
اللبنانية
المُشاركة في مهرجانات خارج لبنان تحديداً، يُطرح سؤال: ما دام البلد بـ"خير"
إنتاجاً سينمائياً على الأقلّ، فلماذا تنحصر العروض التجارية بقلّة قليلة
منها
للغاية؟ ما الدافع إلى التغاضي عمّا يفعله منجزو أفلام لبنانية؟ هل بات
السفر إلى
الخارج مفروضاً على من يرغب في مُشاهدة أفلام، يُفترض برحلتها
أن تنطلق إلى الخارج
من داخل البلد أولاً؟
لا شكّ في أن الكَمّ لا يعني الجودة أبداً. الكَمّ مجرّد
رقم، قد يُغري الكتابة النقدية بالبحث في مغزاه. الجودة محتاجة إلى عبقرية
المتخيّل
في صناعة الصورة. إلى أقصى درجات الابتكار الجمالي. إلى أسمى
الانفعال. إلى أجمل
الأقوال والبوح. الجودة محتاجة دائماً إلى إتقان واع للمفردات والتقنيات.
لا جديد
في هذا كلّه. غير أن الاطّلاع على برنامج "غنيّ" بثمانية أفلام مشاركة في
المسابقات
الرسمية الثلاث (روائي طويل، وثائقي وروائي قصير)، بالإضافة إلى ثلاثة
أفلام
مُشاركة في برنامج "ليال عربية"، الاطّلاع هذا محرّض على طرح
أسئلة كهذه، في بلد لا
يكترث إلاّ بنجاح غربي، ولا يأبه إلاّ بانتصارات يجلبها
"لبنانيون" من الخارج. في
حين أن المساحات الأوسع مخصّصة بأفلام لبنانية قابلة للربح التجاري فقط.
هذا حقّ
مشروع لموزّع أو لصاحب صالة. لكن الرغبة في المُشاهدة أقوى من القبول بحقّ
مشروع
كهذه فقط. الرغبة في المُشاهدة هذه لا تعني أبداً موقفاً
وطنياً انفعالياً ساذجاً،
بل بمثابة سعي لمعاينة المضامين والأشكال وكيفية الاشتغال السينمائي أولاً،
ولمحاولة فهم التناقض الحاصل بين كثرة إنتاج وقلّة عروض ثانياً. بين كثرة
إنتاج
و"قلّة" إبداع أيضاً. أم أن الأمر هذا كلّه غير مهمّ؟
ليست مشكلة الأفلام
اللبنانية في عدم عرضها التجاري. في الكَمّ الهائل منها. في تكاثرها. إنها
هذا
كلّه، بالإضافة إلى ما هو أهمّ: نادراً ما تحصل على فيلم لبناني يُمكن وصفه
بالسينمائيّ.
السفير اللبنانية في
08/12/2011 |