دائما ما يقنع المشاهد بالشخصية التي يجسدها ولكن هذه المرة كان هناك
شيء مختلف، شيء جديد جعل المشاهد يرتبك وينتظر اللقطة تلو اللقطة بل ويحاول
تفسيرها ويخمن في قرارة نفسه إلامَ ترمز هذه الشخصية المحيرة بكل تفاصيلها،
تفاصيلها التي تجمع بين الخير والشر معا. تعددت التفسيرات والتكهنات
بالنسبة للشخصية فالبعض رأي أن هذه الشخصية ترمز وبكل وضوح للوطن "مصر"
والبعض الآخر رأي أنها ترمز للرئيس السابق محمد حسني مبارك، ولكن ذكري وحده
والذي جسد شخصيته المتألق خالد صالح يعرف إلامَ ترمز. " ليحدثها عن ذكري
"شخصيته" في فيلمه الجديد "كف القمر" والذي أثار حوله الآراء التي أثنت
عليه عامة، وعلي دور الفنان خالد صالح وتقمصه للشخصية باحترافية شديدة
خاصة. ونحن في هذا الحوار الذي انفردت به "القاهرة" نحدثه عن تجربته في
الفيلم، وكيف تم اختياره لهذا الدور، وكذلك نحدثه عن رأيه في الفنانة وفاء
عامر في دور الأم رغم صغر سنها في أن تكون اما له، وعن رأيه كمواطن مصري في
الأحداث المؤسفة التي تمر بها مصر، وعن مشروعاته الفنية المقبلة وأشياء
اخري كثيرة في حوارنا الخاص جدا جدا.
اختيار علي الورق
·
في البداية كيف تم اختيارك
لشخصية ذكري التي جسدتها في فيلمك الأخير "كف القمر"؟
بصراحة شديدة أنا تم اختياري لتجسيد الشخصية منذ أن كانت علي ورق وهذا
الشيء أسعدني للغاية وأثر في بالإيجاب جدا، فنص الفيلم كان شاعريا جدا وغير
حقيقي كما تردد أن النص يعلو علي لغة المشاهد لأن الصعايدة في مصر يتحدثون
بنفس هذه الطريقة في كلامهم العادي فالأمر متماش جدا مع طبيعة الشخصيات في
الفيلم.
·
ردد البعض أن شخصية ذكري ترمز
إلي مصر التي تحاول احتضان أشقائها كما ردد آخرون أنها ترمز للرئيس السابق
حسني مبارك، فمن وجهة نظرك لمن ترمز شخصية ذكري في الفيلم؟
أنا لا يمكنني أن أرفض أي تأويلات أو تفسيرات للشخصية لكن من غير
المنطقي تشبيه شخصية ذكري بشخصية الرئيس السابق حسني مبارك لأن هذا غير
صحيح علي الاطلاق، لكن ما يمكنني أن اقوله أن للفيلم عدة أوجه، ولكنني
أفضّل ابسط تفسير له وهو اغتراب خمسة اشقاء بعيدا عن أمهم التي تعشقهم
جميعا إلي حد الجنون بالرغم من أن الأم هي من سلمتهم بيدها إلي الغربة
الموحشة.
أداء جيد
·
كيف كان رد فعلك في البداية علي
تجسيد الفنانة وفاء عامر لدور والدتك في الفيلم رغم صغر سنها؟
(بشيء من الفكاهة يرد) "أنا والله العظيم ذهلت لما عرفت أن الفنانة
وفاء عامر هي من تقوم بتجسيد دور أمي في الفيلم، وكلمت المخرج خالد يوسف
وتأكدت منه وكنت مستغربا ومخضوضا جدا بسبب صغر سنها لكن فاجأتني بأدائها
الجيد والمتألق للدور وكل فريق كان في أفضل مما يكون لأننا كنا جميعا نعمل
بروح واحدة.
·
علاقتك بفتاة الليل في الفيلم
والتي كان يعشقها اخوك، ألم تخش من أن تفقد شخصية ذكري بعضا من تعاطف
المشاهد؟
أنا أعلم أن علاقتي بفتاة الليل في الفيلم جرحت علاقة المشاهد بشخصية
ذكري، وأفقدته التعاطف معها. ويضيف "بس كنا عايزين نوضح ان ذكري كان لازم
يتلوث زي باقي البشر لأن الإنسان خطّاء مش ملاك".
مصلحة المشاهد
·
ألم تخش من عرض الفيلم في نفس
توقيت عرض فيلمي أحمد مكي وأحمد حلمي؟
لم أخف من المنافسة مع مكي وحلمي لأن فيلمي "كف القمر" فيلم جماهيري
سيقبل عليه الناس، بل أنا كنت سعيدا جدا بعرض فيلمي مع أفلام بالمستوي
الكبير هذا وفي النهاية كله يصبّ في صالح المشاهد وفي صالح المنافسة
الشريفة وصالحنا أيضا.
·
ننتقل من الفن إلي السياسة، ما
رأيك في الأحداث الأخيرة التي تمر بها مصر حاليا؟
أنا مستاء وبشدة بسبب استخدام العنف مع المتظاهرين والشباب في
التحرير، ولا يمكنني أن اصف ما يحدث مع المتظاهرين في التحرير إلا بالجريمة
والخيانة للوطن، لأن ذلك أبلغ توصيف لما يحدث، فالأسلوب القمعي للشرطة لم
يتبدل ولم يتغير حتي الآن فهو مازال نفس الأسلوب الذي كان يحكم به وزير
الداخلية السابق حبيب العادلي. كان لابد وأن تكون لدينا الشجاعة الكافية
لمحاكمة رموز النظام السابق في وزارة الداخلية وكذلك كان علينا محاسبة
المجرمين في التليفزيون المصري (كما وصفهم صالح)، لأن التليفزيون مازال
يتبع نفس السياسة السابقة التي كان يستخدمها من قبل وهي سياسة التضليل بل
أصبح اكثر احترافية فيها من المرة السابقة.
حالة تخبط
·
ما رأيك في حالة التخبط الشديدة
التي يعيشها الانتاج وتأثيرها علي صناعة السينما والنشاط الفني؟
هذا شيء طبيعي جدا فنحن في مرحلة انتقالية حرجة لابد علينا جميعا أن
نتكاتف لنتخطي هذه الأزمة، ويجب علينا جميعا التضحية لاستكمال ثورتنا
العظيمة واستكمال أهدافها النبيلة والخروج من هذه الكبوة بسلام . ما رأيك
في تأثير ثورة 25 يناير علي اتجاه الفن عامة من حيث علو سقف الحريات وتناول
الفساد وتجاوزه للخطوط الحمراء التي كانت محظورة الاقتراب؟ لا أنكر أن
التغيير حدث من داخلنا جميعا كمصريين، فكلنا اصبح لدينا ثقة بأنفسنا عالية،
فما يحدث الآن بالرغم من ثمنه الغالي جدا الذي ندفعه كلنا كمصريين، إلا أنه
معجزة بكل المقاييس أحدثتها الارادة المصرية العالية فنحن حاليا بالرغم من
مرارة ما نعيشه بسبب دم الشهداء الذي يسيل كل دقيقة، إلا أننا نعيش أروع
مراحل حياتنا وهي مرحلة انتصار الإرادة. وأعتقد أن هناك طفرة نوعية ستحدث
في كل شيء وستخرج أجيالا جديدة بروح ثورية قوية تحرص علي تقديم أعمال قوية
ومحترمة، تحترم عقلية المشاهد المصري ولن يسمح بأي اعمال تقدم نماذج فاسدة
وظالمة لأن الشعب المصري محترم ولن يقبل الا بمن يحترم عقله وإرادته.
·
ما الذي تفكر في تقديمه في
الفترة المقبلة؟ وهل تحضر لعمل جديد حاليا؟
أنا أفكر في عمل يفرّح الناس ويجعلهم في حالة حلوة وأعترف أني مازلت
لم أنجز حاجة كاملة وانني ما زلت في بدايات التمثيل، ولكن قصدي الأول
والأخير هو اسعاد الناس، وعموما "مفيش بني آدم ناجح طول الوقت". أنا حاليا
أقوم بقراءة سيناريو مسلسل جديد من المفترض أن يتم عرضه في رمضان المقبل
2012 ولكني سأفصح عن تفاصيل المسلسل عامة وتفاصيل شخصيتي خاصة في الوقت
المناسب .
جريدة القاهرة في
06/12/2011
«كف
القمر»..
شعاع أمل غير مألوف
في نظرة تفاؤلية علي غير عادته
بقلم : آلاء لاشين
قدم ( خالد يوسف ) فيلمه الجديد كف القمر- فقد ابتعد عن النظرة
التشاؤمية و نواقيس الخطر التي كانت تدق دائما في أفلامه السابقة . "قمر"
الأم الصعيدية التي يقتل زوجها علي يد مهرب آثار و يترك لها خمسة اطفال
ذكور تتولي تربيتهم بمفردها و حين تشتد سواعدهم يتركون امهم وينزحون الي
القاهرة طلبا للرزق . وكعادة أفلامه يحمل الفيلم بعدين احدهما مباشر قصة
الفيلم البسيطة، والثاني يرمز لواقع يجسد احداثا او شخصيات اخري . الواقع
والرمز نري المخرج و قد رمز لشخصية (قمر) وفاء عامر بأنها مصر التي دب
الشيب فيها قبل أوانها من ثقل الأعباء والتفكك وابناؤها الخمسة يمثلون
طوائف الشعب المختلفة، والابن الاكبر (ذكري) خالد صالح هو الحاكم لأنه أكبر
الأخوة وله حق القيادة والسيطرة طبقا للعرف وعلي الأخوة طاعته . أما
(ياسين) هيثم احمد زكي الأخ الأصغر فهو يرمز الي شريحة الشباب التي ظلت
صامتة طوال سنوات كثيرة حتي تمردت علي وضعها ثم أعادت البناء من جديد مثلما
حدث في الفيلم وجعل طوائف الشعب من شرائح عمرية مختلفة تبني معه و يتمثل
الشعب في بقية الأخوات . لبني «جومانة مراد» تجسد دور فتاة لعوب ترمز للدول
اللعوبة التي تلعب علي كل السياسات لكي تدخل في الشئون الداخلية وتخلق
المشاكل ثم تبدأ بالمساومة والابتزاز. و(قمر) الطفلة الصغيرة ابنة (ذكري)
فتمثل مصر الجديدة التي تحتاج الي رعاية حتي تنهض وتنمو. وبعيدا عن قصة
الفيلم فإن أداء (وفاء عامر) كان جديداً ويبشر بأن بداخلها امكانيات لم
تظهر بعد فقد استطاع المخرج ان يخرج منها أداء لم تقدمه من قبل بقبولها دور
قمر المرأة العجوز شاحبة الوجه فقد ابتعدت كل البعد عن تألقها الخارجي
واعتمدت علي تركيزها في أداء الدورفقط مما جعلها تبرز موهبتها . بصمة فنان
أما (خالد صالح) فكان الدور مناسبا له و بالرغم من ان هذا الدور ليس جديدا
عليه الا انه استطاع أن يقدمه بصدق ومن الصعب ان يقدمه غيره والحقيقة ان
خالد صالح ممثل محترف ويقدم أعماله بتلقائية شديدة و عمله مع خالد يوسف
يجعله يترك بصمة في العمل كما حدث من قبل في فيلمي الريس عمر حرب و هي فوضي
. (ياسر المصري) برغم انه أردني الجنسية الا انه كان مقنعا في اداء دور
الرجل الصعيدي حتي انه ذكرني بالفنان الراحل (شكري سرحان) في أدائه لدور
ابو العلا في فيلم (الزوجة الثانية) بهيئته وتمسكه باصوله التي تربي عليها
- كما انه استطاع أيضا ان يكسر حاجز اللغة ويتحدث الصعيدية بطلاقة ولم يؤثر
علي أدائه اختلاف اللهجات و هذا يفتح امامه الطريق الي أداء الأدوار
المختلفة. (حسن الرداد) خرج من ثوب الشاب الوسيم حسن المظهر وظهربشكل جديد
من خلال دور (بكر) و كانت ملامحه صعيدية وساعده في ذلك اتقانه للهجة
الصعيدية واستطاع ان يخرج أداء جديدا يؤهله لتقديم أدوار لم يقدمها من قبل
كما ان هذا الدور سيجعل نظرة المخرجين تتغير نحوه مما يفتح امامه المجال
للقيام بادوار مختلفه غير تقليدية لا تعتمد علي مظهره الخارجي فقط وانما
علي أدائه التمثيلي ايضا . إعادة اكتشاف (هيثم أحمد زكي) نضج نضوجا فنيا من
خلال دور (يس) فقد تغير أداؤه تماما عن التجربتين السابقتين وأصبح يسير في
الطريق الصحيح وكان من الممكن أن يصيبه اليأس من التجارب السابقة التي لم
يكتب لها النجاح الا انه استطاع بفضل المخرج ان يبرز موهبته التي ورثها عن
أبيه وامه، والدور كان مناسبا له حيث كان الصمت سمته مما جعل هيثم يتآلف مع
الكاميرا ومكنه من اتقان دوره في مسلسل (دوران شبرا) بأداء وشكل جديد
ومختلف . والحقيقة أن هيثم أحمد زكي هو مفاجأة العمل فقد أعاد المخرج
اكتشافه من جديد . (جومانة مراد) تحاول أن تثبت تمكنها من أداء الأدوار
الشعبية فقد سبق وقدمت دور الفتاة الشعبية من خلال شخصية (نهلة) في
(كباريه) و(الفرح) أيضا فهي تحاول أن تكسر حاجزاللهجة وتخرج من قالب الشكل
التقليدي للفتاة الرومانسية لكنها لم تقدم جديدا لأنها تألقت من قبل في هذا
الدور والذي يحسب لها انها شاركت في فيلم يعتبر محطة جديدة في تاريخها
الفني . خلافات غير فنية (غادة عبد الرازق) برغم صغر مساحة الدور الا انها
قدمته بتفان وصدق في الإحساس ومهما كبر أو صغر الدور فقد استطاعت أن تترك
بصمتها والسؤال هنا هل قبلت غادة هذا الدور الصغير الذي كان من الممكن
لممثلة اخري ليست بشهرة غادة ان تؤديه !أم ان هذا الدور كان اكبر من ذلك
لكن تم تحجيمه كتصفية حسابات بينها و بين المخرج و قيامه بحذف مشاهد كثيرة
لها كما يشاع ونشرعلي صفحات الجرائد نظرا للخلافات التي بينهما. الموسيقي
التصويرية فإذا كان قد قام بحذف مشاهد كتصفية حسابات لما قامت به من تصريح
وآراء أثناء الثورة فهذه هي الديمقراطية التي نطالب بها فهذا أدي إلي تشويه
الدور والخلل بأحداث الفيلم فتصفية الحسابات لن تكون أبدا علي حساب العمل
وضياع المجهود الذي بذل فيه. غلب عليها طابع المواويل الشعبية الحزينة -
السائدة في المجتمع الصعيدي- للتعبير عما تعرضت له هذه الاسرة من التفكك و
لسرد احداث متلاحقة من الفيلم الا انه قد يعيبها كثرة تكرارها و التطويل
فيها مما يعطي شعور بالملل . رؤية إخراجية المخرج خالد يوسف يحسب له اعادة
اكتشاف الممثلين في ادوار جديدة وتمكنه باحترافية من تقديم الجديد بداخلهم،
لكن يؤخذ عليه أنه استعان بغادة وحورية وجومانة في أدوار كان من الممكن
الاستعانة بوجوه جديدة كعادته فهذه الأدوار لم تضف إليهن شيئا ولكنه أراد
أن يحشد نجوما كثيرة لإبهار الجمهور. أخيرًا ابتعد خالد يوسف عن تقديم
سلبيات المجتمع المصري مثل هي فوضي وحين ميسرة ودكان شحاتة، وقدم عملاً به
شيء من التفاؤل والقيم الايجابية يحسب له بصفة عامة وفي هذا الفيلم بصفة
خاصة النظرة التنبؤية للمستقبل فرؤيته في فيلم دكان شحاتة قد تحققت بالفعل
كما ان رؤيته في هذا الفيلم كانت نحو اعادة البناء من جديد - علي الرغم من
انه تم الانتهاء من تصويره قبل اندلاع الثورة - و هذا هو المتوقع حدوثه
خلال الفترة القادمة. وبرغم أن هذا الموضوع تناولته السينما كثيرا ففكرة
ابناء الصعيد الذين ينزحون إلي القاهرة طلبا للرزق ليست جديدة ولكنها قدمت
بشكل مقبول. أما إذا تحدثنا عن فكرة الفيلم ببعدها الثاني فنجدها مليئة
بالإسقاطات السياسية بتجسيده الشخصيات كرموز، فقد استطاع أن يصور الواقع
حيث إن ابناء الوطن «الإخوة» قد ابتعدوا عن وطنهم «الأم» وأصبح كل منهم
يدور في فلك نفسه وعندما حدثت الفاجعة وانهار الوطن بموت «الأم» تكاتفوا
واتحدت طوائف الشعب العمرية بدءا من أصغرهم الذي بدأ بالبناء وتعاونوا معه
في بناء المنزل «إعمار الوطن»، فالفيلم يوجه دعوة للاتحاد والتكاتف والعمل
حتي نستطيع النهوض بالوطن نحو مستقبل أفضل.
جريدة القاهرة في
06/12/2011
نيازي مصطفي ..المبـدع
بقلم : محمد عبد العزيز
لا نستطيع أن نتحدث عن السينما وتاريخها دون أن نتحدث عن المخرج
الكبير نيازي مصطفي والذي تحل هذا الشهر ذكري مرور مائة عام علي ميلاده،
وبهذه المناسبة نعيش في هذه الدراسة مع مخرجنا الكبير عبر مسيرته التي
امتدت 50 عاما قدم خلالها اكبر كم من الافلام في تاريخ السينما المصرية
لمخرج واحد. ولد المخرج الكبير نيازي مصطفي يوم 11 / 11 / 1911، في مدينة
اسيوط، كان الأب مصطفي احمد احد اعيان المدينة، من اصول سودانية، تعلم في
الازهر الشريف وتفرغ بعدها لادارة الاطيان التي ورثها عن آبائه، اما الام
فمن اصول تركية، ويبدوأنها كانت علي درجة من التعليم مكنتها من تربية نيازي
الطفل تربية متحررة إلي حد ما، فقد كانت تذهب إلي دار السينما الوحيدة
بالمدينة مع بعض صديقاتها من زوجات الاعيان، وكانت حفلة الساعة الثالثة
مخصصة للنساء فقط، وفي هذه الحفلات تعرف الطفل نيازي علي السينما لأول مرة
في حياته حيث بهرته من اول فيلم شاهده، الحقه ابوه بمدرسة الجمعية الخيرية
الاسلامية والتي حصل منها علي الابتدائية. خيال واسع لم يكن نيازي طفلا
عاديا، اذ كان سريع الملاحظة واسع الخيال قوي الفراسة حتي اعتبره اهله
واسرته شيخا مكشوفا عنه الحجاب لما تمتع به من قدرة علي اكتشاف بواطن
الناس، ولم يكن ذلك سوي ذكاء وسرعة ملاحظة اهلته لذلك، وعندما بدأ شغفه
بالسينما، كان تفكيره كله ينصب علي كشف اغوار هذا الفن العجيب وكيفية صنع
هذه الافلام، اخذ الطفل يبحث عن معلومات عن السينما ولم يجد من يشفي غليله،
حتي كان لقاءه ببائع كتب صاحب مكتبة صغيرة يبيع فيها الجرائد والمجلات إلي
جانب الكتب القديمة والجديدة، وقف الطفل نيازي امام الرجل وبكل ثبات وثقة
قال له: اريد أن اتعلم السينما، ضحك الرجل المستنير من قوله ولكنه اعجب به
وبجرأته وشغفه بالمعرفة، وقرر الرجل أن يساعده خاصة بعد أن عرف أن اباه من
الاعيان، فأخبره أنه لا يستطيع أن يساعده علي تعلم السينما حيث لا توجد اي
كتب عن السينما في مصر سواء كانت باللغات الاجنبية اوالعربية كما لا توجد
مجلات فنية أيضا تصدر في مصر، ولكن يمكن أن يشترك له في احدي المجلات
الفنية التي تصدر في انجلترا، وبالفعل يشترك له الرجل في مجلة بكتشر جويرpicturegoer الانجليزية وكانت تنشر اخبار نجوم السينما وملخصات لقصص الافلام، مما
اضطره لتقوية لغته الانجليزية لفهم واستيعاب كل ما تنشره المجلة. كانت اذن
مجلة «بكتشر جوير» اول نافذة يطل منها نيازي مصطفي علي عالم السينما،
وبالطبع لم تشف غليله لما كان يطمح اليه من معرفة!! دراسة السينما زاد
اهتمام نيازي بالسينما اثناء تواجده بالقاهرة، وواصل اطلاعه علي المجلات
السينمائية باللغة الانجليزية التي اصبح بارعا فيها، وفي القاهرة يتأكد له
ما سبق وان اخبره به صاحب المكتبة بأسيوط، فلم يجد في القاهرة اي مجلة
متخصصة في الفن، كما لم يجد اي معهد لدراسة السينما، فقرر أن يسافر إلي
اوروبا لدراستها، وبعد تفكير واستشارات من اصدقائه وعلي رأسهم كامل مرسي
الذي اتفق معه أن يسافر لدراسة تقنيات السينما من تصوير ومونتاج ويبقي هو
في القاهرة يحترف الكتابة والاخراج، علي أن يكونا ثنائيا فنيا بعد عودة
نيازي من اوروبا، اذن قرر نيازي أن يسافر لدراسة السينما في المانيا،
واعتقد أنه اختار المانيا لرفض ابيه رغبته في دراسة السينما، مما اضطره
لاختيار الهندسة ليسمح له ابوه بالسفر وكانت المانيا في ذلك الوقت الاكثر
تقدما في المجالات الهندسية والميكانيكية، وافق الأب وسافر نيازي مصطفي
لألمانيا بعد حصوله علي البكالوريا بتفوق كبير وكان ترتيبه 16 علي المملكة
المصرية آنذاك!! وشهد عام 1929 سفر نيازي مصطفي لألمانيا، حيث بدأت رحلته
ببرلين التي قضي فيها ستة اشهر يتعلم اللغة الالمانية، ثم انتقل بعدها
لميونخ ليلتحق بمعهد الفيلم الالماني، ويبعث قبلها برسالة لأسرته يخبرهم
فيها بالتحاقه بالمعهد لدراسة السينما وليس الهندسة، ويرضخ الأب ويبارك
اتجاه ابنه لدراسة السينما!! طموح شديد في المانيا أيضا يقابل مهندس
الديكور والمخرج ولي الدين سامح والذي كان يدرس الديكور بالمانيا، يتعرف
عليه ويعرف منه نية طلعت حرب ببناء ستديوكبير وانتاج افلام روائية، وعندما
يعود إلي مصر يسعي لمقابلة طلعت حرب، وعندما ينجح في مقابلته يوافق علي
الفور علي تعيينه في شركة مصر للتمثيل والسينما حيث بدأ في قسم المونتاج
لبعض الافلام التسجيلية التي كانت الشركة تنتجها كدعاية لشركات بنك مصر، لم
يكتف نيازي بذلك فقد كان طموحه السينمائي ابعد من ذلك بكثير فيعمل مساعدا
ليوسف وهبي في فيلم "الدفاع"، كما يقوم باخراج اول فيلم سياسي دعائي في مصر
لصالح حزب الوفد وزعيمه مصطفي النحاس باشا وتم تصويره بمدينة رمسيس، كما
اخرج في هذه الفترة فيلما قصيرا للراقصة بديعة مصابني بعنوان " سوق الملاح
" كتبه ابوالسعود الابياري وكان يتضمن مشاهد الرقص والغناء وشاركت فيه تحية
كاريوكا. لم يكتف نيازي بكل ذلك أيضا انما كتب أيضا للصحافة العديد من
المقالات والدراسات عن تعليم السينما في اوروبا، وشرح لتفاصيل العمل
السينمائي وتعريف به، إلي جانب نقد للافلام التي كان يشاهدها في هذه
الفترة، وكأنه كان يكتب ما افتقده يوما وهوصغير ليعرفه بالسينما!! نوعيات
مختلفة بدأ نيازي مصطفي حياته العملية بفيلم كوميدي اعتبره النقاد من افضل
افلام الكوميديا في السينما المصرية، إلي جانب كونه من افضل مائة فيلم في
تاريخها، إنه فيلم "سلامة في خير" للفنان الكبير نجيب الريحاني وتلي ذلك
العديد والعديد من الافلام الكوميدية لأجيال متعددة، فيقدم مع اسماعيل
ياسين "اسماعيل ياسين طرزان" 1958، ويلتقط الثنائي الناجح فؤاد المهندس
وشويكار ويقدم معهما مجموعة من افضل اعمالهما معا وعلي رأسهم " اخطر رجل في
العالم"1967، " العتبة جزاز"1969، "عريس بنت الوزير"1970، "انت اللي قتلت
بابايا"1970، " سفاح النساء"1970. كما يقدم نجوم افلام الاكشن في افلام
كوميدية فيقدم رشدي اباظة في فيلم " الساحرة الصغيرة"1963 وكذلك فيلم
"صغيرة علي الحب" 1966 مستعينا معه بالنجمة سعاد حسني،والتي يقدم لها خلال
الستينات العديد من الافلام الناجحة . وفي هذا الفيلم يستعين بثلاثي اضواء
المسرح والذين قدم لهم العديد من الافلام قبل وبعد هذا الفيلم لعل اشهرها
إلي جانب هذا الفيلم هو" 30 يوم في السجن" والذي قدم فيه أيضا فريد شوقي في
فيلم كوميدي اكشن (لاحظ التنوع وعدم النمطية كما اشرنا من قبل)، وتستمر
مسيرة الكوميديا ويلتقط بحسه السينمائي الصائب نجومية عادل امام فيقدمه في
بطولة مطلقة لأول مرة في تاريخه بفيلم "البحث عن فضيحة"1972، هكذا كانت
مسيرة نيازي مصطفي مع الافلام الكوميدية. أفلام الحركة بعد تجربة فيلم
"مصنع الزوجات"، يقرر نيازي مصطفي أن يدير ظهره لهذه النوعية المتقدمة من
افلام السينما ويتجه مباشرة للجمهور، كانت افلام مغامرات الصحراء في هذا
الوقت تحقق نجاحا كبيرا لنجمها اللامع بدر لاما، وكان مخرجنا يشاهد هذه
الافلام وهويضحك من بدائية هذه الافلام ويستغرب اقبال الناس عليها، فيقرر
أن يبدأ في تنفيذ هذه النوعية ولكن بتقنيات متقدمة وهكذا قدم للجمهور فيلم
" رابحة " 1943، ولاقي الفيلم نجاحا كبيرا عوض المخرج عن فشله السابق، في
مرحلة اخري يقدم نيازي مصطفي افلام الحركة والجريمة مع نجمه الجديد فريد
شوقي في مجموعة من اهم افلامه «فتوات الحسينية» 1954، «رصيف نمرة 5» 1956،
«سواق نص الليل» 1958، «أبوحديد» 1958، «النصاب» 1961، «دماء علي النيل»
1961، «آخر فرصة» 1962، «سلطان» 1958، «أنا الهارب» 1962، «الجاسوس» 1964،
«شيطان الليل» 1966، «العميل 77» 1966 «المشاغب» 1965، كما قدم نيازي مصطفي
عدداً من أفلام الحركة الناجحة مع نجوم آخرين مثل رشدي أباظة ومحمود
المليجي وأحمد رمزي خلال نفس المرحلة، ومن أهم هذه الأفلام: «شياطين الجو»
1956، «سجين أبوزعيل» 1957 . أفلام الخدع والحيل السينمائية اتقن نيازي
مصطفي دراسة الحيل السينمائية في المانيا، ولم يكتف بما درسه هناك وإنما
كان دائما يتابع كل جديد في رحلاته الخارجية العديده خاصة في رحلته الشهيرة
إلي ستديوهات هوليوود عام 1951، كما أنه كان حريصا علي حضور فعاليات مهرجان
«كان» السينمائي كل عام فيشاهد كل جديد في سينما العالم، وقد بدأ نيازي
افلام الخدع والحيل مبكرا جدا في فيلم "طاقية الاخفاء"1944 عن فكرة رائد من
رواد الفانتازيا في مصر وهو المخرج والمؤلف عباس كامل، وكان جمهور السينما
يشاهد لأول مرة ظهور واختفاء ابطال الفيلم وتحريك الاشياء بدون أن يمسكها
أحد . وهكذا وعبر مسيرته الممتدة عبر خمسين عاما قدم نيازي مصطفي أفلامه
التي احبها الناس واقبلوا عليها، ولا نزال حتي الآن نستمتع بها عندما
تعرضها القنوات الفضائية، ورغم هذا الاعجاب الكبير لم يسأل أحد من جمهوره،
من قتل نيازي مصطفي؟!! وهكذا كانت النهاية صاخبة رغم أن حياة نيازي مصطفي
كانت هادئة، وقد نال العديد من الجوائز والتكريمات حيث كرمته الدولة في عيد
العلم عام 1965، كما منحته الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما الشهادة
الذهبية عام 1976، وكرمه المركز الكاثوليكي عن مجمل اعماله عام 1977،
وجائزة الريادة من الجمعية المصرية لفن السينما عام 1986.
جريدة القاهرة في
06/12/2011 |