لا يبدأ فيلم "ممر الى الهند" بنفس المشهد الافتتاحى للرواية التى
كتبها اى ام فورستر واصفا مدينة شاندرابور الهندية فى عشرينات القرن
العشرين اثناء الاحتلال البريطانى للهند، ففورستر يستعرض المدينة وتاريخها
ويتوقف عند الشخوص الهندية موضوع روايته ، بينما فيلم ديفيد لين يبدأ من
احد شوارع لندن، حيث نتعرف على بطلة الفيلم ادلا كويستد (جودى ديفيس ممثلة
استرالية الاصل عرفها جمهور السينما العالمى فى الفيلم الامريكى
My Brilliant Career
.
إننا نرى ادلا كويستد تتوقف امام الواجهة الزجاجية لاحدى شركات
السياحة والسفريات، ثم تدخل لكى تحجز تذكرتين للهند واحدة لها والاخرى
للسيدة مور (بيجى اشكروفت) التى سنتعرف عليها لاحقا.
ان رحلة السيدتين الى الهند تستهدف زيارة ابن السيدة مور رونى هيسلوب
(نيجل هافرس)، الذى انجبته من زواجها الاول، والذى يعمل قاضيا فى مدينة
شاندرابور، وتربطه علاقة عاطفية بادلا كويستد لكنهما ليسا مخطوبين.
ومع لقطة بانورامية للميناء الهندى، نعرف ان السفينة وصلت، ومع وصولها
نستمع الى المارش العسكرى الذى تعزفه البحرية الهندية احتفالا باستقبال
احدى الشخصيات البريطانية الرفيعة، ثم تتواصل الرحلة فى قطار يقل السيدتين
الى المدينة.
انها براعة مخرج عظيم مثل ديفيد لين الذى لا يفوته ان يقدم الهند
بسحرها ضمن سرده الفيلمى وفى سياق الرحلة، فديكور قطار النوم وايقاعه ومشهد
مرور القطار فوق احد الكبارى عابرا احد انهار الهند، ثم محطة القطارات
وازدحام الهنود وفوضويتهم وايضا الرائحة الكريهة، اننا امام مخيلة ديفيد
لين الذى كتب السيناريو بنفسه معتمدا على رواية فورستر ومسرحية معدة عن نفس
الرواية قامت بكتابتها سانثا راما راو فحشد ديفيد لين في فيلمه كل هذه
التفاصيل الدقيقة، فقد عُرف عنه عشقه لهذه الرواية على مدى عشرين سنه قبل
ان يتشجع لاخراجها فى فيلم.
يقدم الفيلم الاستعمار من وجه نظر نقدية من ابناء الامبراطورية
البريطانية نفسها، فكل من فورستر وديقيد لين يدينان روح التعالى
لامبراطوريتهم، فالجالية البريطانية فى مدينة شاندرابور نقلت
ارستوقراطيتها معها من بريطانيا الى الهند، فملعب سباق الجياد وملعب
الكريكت والنادى البريطانى وحفلاته الغنائية المسائية، والفيلات التى تقيم
فيها الجالية، والخدم من الهنود، كل هذا يتناقض تماما مع واقع حال الهنود
التى يلخصها الدكتور عزيز (فيكتور بانارجيى)، ذلك الطبيب الهندى الذى
يُعانى الفاقة ويسكن فى منزل وضيع، ان المخرج يلخص هذه العلاقة بلقطة توديع
السيدة مور لعزيز فى اول لقاء لهما، فعزيز يودع مور على باب النادى فتذهب
اليه بينما يبقى عزيز امام البوابة، تلك التى تحظر على امثاله ولوج مثل هذه
الاماكن ( لعلنا نتذكر ايضا فيلم غاندى الذى ركز على نفس هذا السلوك
الاستعمارى المقيت اثناء ركوب غاندى لاحد القطارات وارغامه على الانتقال
الى الدرجة الادنى لانه ليس بريطانيا).
إن الظهور الأول لبطل الفيلم (دكتور عزيز) يأتى فى ادانة واضحة
للاستعمار البريطانى ومنذ اللحظة الاولى فالسيارة التى تقل الشخصية
البريطانية الرفيعة تكاد تصدم وتسحق عزيز وصديقه اللذين يركبان دراجتين
فيقعان على الارض بينما السيارة تواصل تقدمها الجنونى. لقد اراد ديفيد لين
ان يحدد موضوع فيلمه الاحتجاجى اللاذع من اللحظة الاولى لظهور عزيز.
علاقات إنسانية
يرصد الفيلم العلاقات الانسانية بين المجتمعين فى ظرف استثنائى، فعزيز
يتعرف على السيدة مور عن طريق الصدفة، فبينما كان قابعا وحيدا فى المسجد
ربما ليرثى حاله فهو ارمل وفقير، فيُفاجأ بدخول السيدة مور، فقد اتت بدافع
الفضول، ومنذ تلك اللحظة يصيران صديقين.
ان عزيز له صداقة ايضا بناظر المدرسة ريتشارد فيلدينج (جيمس فوكس)،
وسوف تُذكرنا هذه الشخصية بشخصية القس فى فيلم غاندى، ان فيلدينج يختلف عن
البريطانيين المتغطرسين، انه الوجه العظيم للبريطانيين العظماء ولكنهم
للأسف لا يملكون سوى الاحتجاج، فالروح السائدة معادية للشعوب ومتعالية
عليهم.
يستقبل فيلدينج عزيز فى منزله اثناء الاستحمام، فنرى عزيز منبهرا
بديكور المنزل ومقتنيات فيلدينج، لكن عزيز لا يحسده، ومن خلال هذا الناظر
يصير الدكتور عزيز صديقا للآنسة ادلا كويستد اثناء حفل تعارف فى منزل
فيلدينج يحضره ايضا جادبول (اليك جينيس) وهو فيلسوف هندى، يٌبدى نوعا من
التعلق بالسيدة مور التى تحضر اللقاء والتى تُباغتها نظرات جادبول فتتهرب
منها.
سيتوجب على الدكتور عزيز ان يُنفق الكثير على ضيوفه الاربعة، الآنسة
إدلا والسيدة مور والناظر فيلدينج والفيلسوف جانبول، فسوف يصطحبهم لزيارة
كهوف مارابان على نفقته الخاصة، تلك الكهوف المنحوتة فى الكتلة الصخرية،
والتى لا تحتوى على اى آثار دينية أو تاريخية، انها مجرد فجوات فى الكتلة
الصخرية، وهناك فى هذه الكهوف تنفرد ادلا بعزيز بعد ان شعرت السيدة مور
بالتعب ففضلت الجلوس، وبعد ان تخلف الرجلان عن الرحلة بعد ان فاتهما
القطار.
تسأل إدلا عزيز عن زوجته المتوفاه، فيهرب عزيز منها ويبتعد عنها ليدخن
سيجارته وربما راثيا حاله كأرمل، وعندما يعود لا يجد ادلا.
ان إدلا تعود الى المدينة، ولكنها تكون فى حالة مزرية، فخفافيش احد
الكهوف نهشوا جسمها. وبينما يتم علاج ادلا، تكون قد تسربت شائعة تقول ان
الدكتور عزيز اعتدى جنسيا على ادلا فى احد الكهوف، فيتم القبض عليه
لمحاكمته.
تلك المحاكمة هى الخطاب النقدى الحاد الذى يتشارك فيه كل من مؤلف
الرواية ومخرج الفيلم، لتوجيه اشد نقد ممكن الى امتهم البربطانية، ان هذا
النقد لا يبدو تطهيريا من جيل ديفيد لين الذى شهد فى حياته انتهاء
الامبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس، لأنه ببساطة كان نقد فورستر مؤلف
الرواية الذى كان معاصرا لهذه الامبراطورية فى عشرينيات القرن العشرين فى
اوج الامبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس فقد عاش فورستر 81 عاما وتوفى
فى عام 1970، ما يعنى انه كان فى بداية الثلاثينيات من عمره عندما كتب هذه
الرواية التى تُؤرخ لعشرينيات القرن العشرين فى الهند.
روح نقدية
تلك الروح النقدية تنتمى للنقد الذاتى، وهى تتخذ عند هذين العبقريين
شكل الجلد لشعبهمها البريطانى، وربما لهذا السبب يتم وضع رواية "ممر الى
الهند" ضمن احسن مائة رواية فى تاريخ الادب البريطانى الحديث، ويتم وضع
الفيلم أيضا ضمن أروع ما انتجته السينما فى تاريخها كله ، فقد حصل هذا
الفيلم - ولأول مرة فى تاريخ الاوسكار الامريكى على 11 ترشيحا.
ان مشهد المحاكمة سبق التقديم له باعتقال عزيز بمجرد وصول القطار الى
المدينة، ولان اتهام عزيز بالاعتداء الجنسى على ادلا يبدو اتهاما بشعا وغير
ممكن الحدوث بالنسبة لمن يعرف عزيز عن قرب، مثل الناظرفيلدينج والسيدة مور
واصدقاء عزيز من الهنود، فان هذا الاتهام يقود الى تظاهر الهنود تعبيرا عن
استيائهم، كما يُهدد فيلدينج بالاستقالة من النادى البريطانى احتجاجا على
اتهام عزيز بهذه الوقاحة دون وجود دليل مادى، لكن الجالية البريطانية
تتمادى فى سفهها، ويمثل عزيز فى المحاكمة التى تحضرها ادلا، ويطلب محامى
عزيز حضور السيدة مور لكى تُدلى بشهادتها، لكنها كانت قد سافرت كما كان
مخططا لذلك منذ المشهد الافتتاحى للفيلم، فتذكرتها لها موعد عودة محدد.
ان السيدة مور توافيها المنية فى عرض البحر، وبينما يبدو ان الدليل
الوحيد على براءة عزيز قد غاب بغياب السيدة مور، فان ادلا تتحدث عن الواقعة
وتنفى حدوث تحرش من عزيز، فيتم تبرأة عزيز، فنرى رد الفعل على الهنود
المحتشدين خارج قاعة المحكمة، فقد تحولت القضية من مجرد حادثة سلوكية عادية
يصح فيها الادانة او البراءة، الى قضية الاستعمار نفسه.
ديفيد لين لا يسرد لنا تفاصيل ما حدث فى الكهف اثناء حدوثه، ولكنه
يسرد لنا هذه التفاصيل بصيغة الفلاش باك فى مشهد المحاكمة من وجهة نظر
ادلا.
المعالجة الدرامية لفيلم ديفيد لين يمكن النظر اليها من عده وجوه، فهو
قد حول الحدث الى مُفاجأة درامية، على حين ان الحدث يمكن تقديمه بصيغة
المفارقة الدرامية، فالمشاهد عندما يعرف تفاصيل ما حدث فى الكهف سيعرف ان
عزيز بريئ، وغنى عن القول ان المفارقة الدرامية اوقع من المُفاجأة الدرامية
لانها تسمح بمشاركة المشاهدين للحدث وتوريطهم عاطفيا، لكن ديفيد لين ربما
كان واعيا الى ان فيلمه فذ وسوف يكرر الجمهور مشاهدته مرات اخرى، ما سيؤدى
الى تحويل المفاجأة الى مفارقة فى المرة الثانية للمشاهدة، ربما ايضا ان
ديفيد لين اراد ان يُكثف الزمن فى مشهد المحاكمة - وهو المشهد الرئيسى
للفيلم - من اجل تحويل الحدث من الشكل الروائى الى الشكل الدرامى، وربما
اراد ديفيد لين الا يُعيد سرد وقاع ما حدث، فيقع فى رتابة التكرار، وربما
تأثر ديفيد بنوعية الفيلم الحداثى الذى بدأ فى ستينيات القرن العشرين مع
افلام الموجة الجديدة فى فرنسا وألمانيا، حيث مالت السينما الى عزل
المشاهدين عاطفيا عن الحدث الدرامى بهدف استفزاز الجمهور لكى يتخذ موقفا
عقليا فى موضوع لا يقبل الا ان نناقشه بدلا من التسلى به كدراما.
ما فعله ديفيد لين يُصادف معظم كتاب الدراما عندما يُحُولون الادب
الروائى الى فيلم سينمائى ، وغالبا فان اختيارهم سيكون عكس اختيار ديفيد
لين لاعتبارات نظرية، اما ديفيد لين فانه يقلب الثوابت ليستكشف بفنه مناطق
لم تطأها قدم درامتورج – وهو جدير بذلك – فالفيلم يبدو افقا لا يستطيع احد
ان يصل اليه وسرا من اسرار السينما الخالدة.
فيلم "ممر الى الهند" ينتمى الى نوعية افلام الملاحم، وهى النوعية
التى بدا ديفيد لين متخصصا فيها، فله فيلم "لورانس العرب" و"جسر نهر كواي"
- ولقد شاهدنا الفيلمين مرارا فى التليفزيونات العربية- حيث نجد ان الاحاطة
البانورامية بالمجتمع تسيطر على الاحداث اكثر من الشخصيات وان اطراف
المجتمع تتداخل جميعا فى سياق الفيلم، دون التخلى بالطبع عن الشخصيات
الرئيسية، وغالبا فان سلوكها يكون مرهونا بهذا الظرف الاجتماعى والتاريخى،
وانها تمثل رموزا اكثر من كونها حالات شخصية.
حبكات صغيرة
الفيلم الملحمى يهتم بالحبكات الصغيرة التى تصيغ الموضوع الرئيسى ،
وربما لهذا السبب فان الحكم على الافلام الملحمية بنفس قواعد الفيلم
الدرامى سيكون نوع من التجنى، لاننا على سبيل المثال سنلاحظ فى فيلم "ممر
الى الهند" ان اطراف الصراع ليسا شخصين وانما مجتمعين ، ورغم ذلك سنجد نوع
من التركيز على شخصية ادلا وعزيز رغم انهما لا تربطهما علاقة يمكن
متابعتها كموضوع درامى، فهما مجرد صديقين، لكن الفيلم يتابع ادلا ويتوقف
عندها كثيرا مثل ولوجها على دراجة الى منظقة اثرية هندية، وكذلك عزيز وما
يتعلق به كأرمل محروم عاطفيا، لكن هذا التركيز على الشخصيات ليس دراميا،
انه نوع من الدراسة عن قرب لنماذج انسانية، نجد انفسنا متشوقون لمعرفتهم عن
قرب بصرف النظر عن خلو الفيلم من المواقف الدرامية المخطط لها باحكام فى
الفيلم الدرامى التقليدى.
اود ايضا ان انبه الى اصطلاح آخر لكلمة ملحمى، وهى صيغة غير درامية
للفيلم السينمائى او المسرحية، هذا الاصطلاح تم استحداثه فى ألمانيا على يد
الرائد المسرحى بريخت، بهدف تأسيس فن غير درامى وانما سردى لعزل المشاهدين
شعوريا عن الحدث، وينتمى فيلم "ممر الى الهند" لنفس النوعية، فنحن لا نتوحد
مع الشخوص، اننا نرقب ما يحدث، تمام مثلما تمنى بريخت، لكن لديفيد لين
اسلوبه المتفرد فى الملحمية بوسائل غير بريختيه، فهو لا يطلب من الممثلين
عدم التمثيل او النظر الى الكاميرا مثلما اعتاد جان لوك جودار، او ان يقسم
الفيلم الى اجزاء منفصله يحمل كل قسم لوحة مكتوب عليها عنوان، او غير ذلك
من وسائل كسر الايهام ، ان ديفيد لين يحقق كسر الايهام عن طريق السيناريو
فقط ، فالبنية ملحمية – سردية – لا تسمح لنا بالتوحد مع شخوصه ولكن
مراقبتهم.
لقد قام ديفيد لين بعمل المونتاج بنفسه لهذ الفيلم، ومن المعروف انه
بدأ عمله السينمائى كمونتير، ثم تخلى عن هذه الوظيفة فى كل اعماله كمخرج
باستثناء هذا الفيلم، ولعلنا نفهم مقدار تعلقه الشخصى بهذا الفيلم الذى
اراده ان يكون خطابا تقريزيا لشعبه.
ويمكن مشاهده الفيلم على الرابط التالى :-
http://www.youtube.com/mamdoughshalaby#p/c/6928AE92EFC90D77/0/3SzpXKLhEqs
كما يمكن قراءة الرواية فى لغتها الاصلية فى نسخة
PDFعلى
الرابط التالى :-
http://ia600307.us.archive.org/9/items/APassageToIndia_109/APassageToIndia.pdf
اقرأ ايضا مقالة ديفيد لين فى موقع عين على السينما :-
http://www.eyeoncinema.net/Details.aspx?secid=38&nwsId=201
عين على السينما في
03/12/2011
قراءة أخري لفيلم "إكس لارج"
يسرا علي
قدم لنا أحمد حلمي العديد من أفلام الكوميديا التي جعلت منه فنانا
ينتظر الجمهور أعماله بشغف كبير، فإذا نظرنا للفيلم الذي نحن بصدده نجد أنه
حقق إيرادات عالية بلغت حوالي 12 مليون جنية.
ولكن دعونا نناقش الفيلم كي نحدد هل قدم لنا شيئا فنيا قيما يوازي هذه
الإيرادات أم لا؟
"مجدي مكاوي" قضية جوهرية
يناقش الفيلم قضية البدانة أو السمنة وحياة الإنسان معها، من خلال
شخصية مجدي مكاوي (أحمد حلمي) الذي لا يستطيع فعل شئ في حياته بسهولة غير
فتح الفم وبلع الطعام، هو شخصية محبوبة من قبل صديقاته البنات، لديه موهبة
الكاريكاتور فهو يعمل في مجلة ميكي المصرية.
لكنه يخاف من الوحدة بسبب بدانتة ويريد الإرتباط مع أي فتاه ترضي
بضخامة جسده ، استطاع أن يتواصل مع زميلة الطفولة دينا (دنيا سمير غانم)
التي كانت تحبه بشده آنذاك، وهنا تظهر حلقة صراعية هي: هل توافق عليه بعد
أن أصبح رجل إكس لارج أم لا؟
من خلال هذه الحلقة الصراعية تولدت عدة عقد أمام البطل، فهو لم يستطع
تقديم نفسه لفتاته ولذلك إخترع شخصية عادل (ابن عم مجدي) ليقدم من خلالها
نفسه، وهنا يدور الفيلم في محاولة تمويت مجدي وزرع عادل في قلبها لتخلص
البطل من هذه العقدة.
ولكنه سرعان ما يجد نفسه أمام عقدة جديدة يولدها الخال "إبراهيم نصر"
حيث يعترف لدينا بالحقيقة ويطلب منها أن تخبر مجدي أنه مجرد حالة في رسالة
الماجستير.
يستسلم مجدي ولا يستطيع أن يجد حلا حتي بعد أن يخبره خاله أنه سيتخلي
عنه ويخرج من حياته إن لم يستطع التخلص من ثقل وزنه، فينقطع عن أصدقائه
ويعيش بمفرده إلا أن خاله يستنجد به وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة.
وهنا ندخل في بوادر النهاية بعد موت الخال حيث تعترف دينا لمجدي
بالحقيقة وتصارحه بأنها لا تستطيع العيش معه هكذا.
وأخيرا يقرر البطل تغيير حياته ويلجأ لأحد أصدقاء الطفولة "خالد
سرحان" ليساعده في عمل معسكر للتخلص من وزنه وبالفعل ينجح في هذا، وينتهي
الفيلم بظهور أحمد حلمي بجسده النحيف في حفلة الإحتفال بمجلة الكاريكاتير
الجديدة.
هكذا قدم لنا الفيلم قضية السمنة حيث وضعها في زاوية الإرتباط والحصول
علي الحب وهي زاوية قوية يمكن من خلالها مناقشة خطورة هذا المرض علي حياه
الإنسان، إلا أن نظرة كاتب السيناريو أيمن بهجت كانت ضيقة إلي أقصي
الحدود، فقد دار الفيلم علي هيئة مشاهد تعرض كمية الطعام التي يأكلها
البدين والتركيزعلي فكرة الطيبة والحب لكن الجسد هو حاجز لكل شئ ممتع ، وهو
دليل علي النظرة السطحية الفقيرة في فهم القضية التي يناقشها الفيلم.
علي سبيل المثال نجد مشهد أخذ حقنة الأنسولين بدل أن يعرض المعاناة
التي يجدها المريض عند تناولها نجد الفيلم يعرضها بصورة ساذجة جدا، كأن هذه
الحقنة بمثابة حبوب تبلع بشربة ماء.
هناك قصور في رسم الشخصية ذاتها، فمجدي طوال الفيلم لم يملك عصا تحريك
الأحداث بالرغم أنه البطل إلا أن القوة والدافع تأتي نتيجة لفعل الشخصيات
الأخري سواء خاله (إبراهيم نصر )، أو حبيبته (دينا) أو أصدقاؤه، ولم يضع
فيه المؤلف سوي صفة الطيبة التي تشعرك بعد مدة بالملل والغباء تجاهها.
كذلك بالرغم من تعدد العقد وتأخير لحظة التنوير إلا أنك تجد أن الصراع
الذي دار حوله الفيلم تجسد بصورة فاترة، لأن الأزمة تكمن في الشخصية،
والشخصية تعيش في سلبية متناهية فمن أين تأتي قوة وحيوية الأحداث، كذلك
تعداد العقد ليس له أي داع ، فهي عقدة واحدة تقدم بشكل وبزاوية مختلفة.
وإذا نظرنا من جانب التأثير الشعوري الذي تقدمه هذه الشخصية لدي
المتلقي نجد أنها عجزت عن تجسيد حالة إنسانية يتفاعل معها المشاهد، بل يمكن
القول إنها لم تجعل أي شخص بدين يشاهدها يقرر ولو لدقائق، تغيير حياته.ز
وهناك جوانب كثيرة في الفيلم كان من الممكن استغلالها بصورة دارمية
تقوي الأحداث وتعمقها فعلي سبيل المثال:
عندما تصارحه دينا بأنها لا تحبه فهو مجرد حالة في رسالة الماجستير
جاء حزن البطل بصورة عادية جدا.
وأيضا حين وفاة خاله كان لابد من تجسيد حالة إنهيار فهو لم يكن يملك
من أهله سوي خاله.
كذلك الجانب الذي يظهر فيه القوة والإرادة حين يقرر مجدي أن يسلم نفسه
لزميله لكي يساعده علي إنقاص وزنه، لم يستغل استغلالا قويا لأن الفيلم
اعتماده الأساسي علي الجانب العاطفي في حياة البدين وليس علي قضية السمنة
ذاتها.
بالنظر إلي دور الحبيبة في الفيلم التي قدمته دنيا سمير غانم نجد أن
أداءها متميز في ضوء الشخصية التي رسمت، واستطاعت أن تضفي طابعا حميميا على
بعض مشاهد الفيلم منها علي سبيل المثال:
مشهد المرآة وهي لا تصدق أن الحب يغازل قلبها لهذا الرجل السمين ..
طريقة نظرتها وأدائها جديد، كذلك المشاهد التي كانت تقدم فيها النصحية
لمجدي والمبادئ التي أخذتها من والدها.
إلا إنني أقول أيضا إن السيناريو كان في إمكانه تعميق دور الحبيبة في
مساعدة مجديعلى التخلص من وزنه بدلا من تهميشها في هذا الجانب الذي أدي إلي
سطحية قصة الحب المجسدة بينهما.
بنية فرعية
بجانب قضية السمنة ناقش الفيلم ثلاث قضايا فرعية أخري متدرجة وذلك من
خلال أصدقاء البطل: القضية الأولي هي قضية الفتاه التي تعيش داخل مستنقع
الفيسبوك، وفكرة ارتباط الشباب من خلاله، قامت بدور الفتاه إيمي سمير غانم
التي جسدت بصورة جيدة أنواعا متعددة من الفتيات وهذه أقوي قضية استطاع
الفيلم أن يعبر عنها ويجسدها بحيوية وفكاهة وعمق وتألق.
القضية الثانية وهي الخطيبة التي تعاني من خطيبها، فهو لا يستطيع
العيش بدون رأي أمه وخالته، والثالثة هي قضية الزوجة التي تمارس رياضة
الكاراتيه ولكنها تخاف من ضعف الحب فتمنع مشاعرها عن زوجها.
هذه القضايا التي طرحها الفيلم عمقت من المضمون الفكري بالرغم من أنه
لم يدخلها في حلقات صراعية تنفك في لحظة التنوير.
أداء الأصدقاء(ايمي غانم ، محمد شاهين، لؤي عمان ، ناهد السباعي) ظهر
بصورة جيدة علي قدر الدور الذي كتب لهم ، وأعطت جوا من الحيوية على
الفيلم.
حالة تناقض ولا منطقية
هناك في الفيلم حالات كثيرة من عدم المنطقية والتناقض فمثلا الخال
يحاول بكل الطرق أن يغير من وضع مجدي أو وضع جسده حتي لا يعيش وحيدا بدون
زواج مثله بالرغم أن جسد الفنان إبراهيم نصر لم يكن بدينا بصورة تجعله لا
يتزوج طوال حياته، فكان لابد من التغيير في جسده حتي يقنع المشاهد بما
يقول.
وكذلك مشهد السينما حين يجلس مجدي فلا يستطيع من خلفه المشاهدة فيأتي
مسؤول القاعة ليطلب منه الخروج من قاعة العرض، ويخرج حزينا لأن بدانته لا
تؤهله الدخول للسينما.. كيف؟
قدم الفيلم مشاهد رقص تدل علي ليونة جسد مجدي وقدرته علي الرقص رغم
بدانته وبالرغم من ذلك هو لا يستطيع لبس ملابسه إلا بصعوبة شديدة وأحيانا
بمساعدة خاله، كيف ؟
حجم البدانة التي ظهر فيها مجدي في الفيلم لا توافق الأربعين بيضة
التي يتناولها في العشاء والثلاثين رغيفا في السهرة وكل كميات الطعام التي
ورد زكرها في الفيلم، كذلك عنوان الفيلم لم يكن مناسبا فحجم مجدي لم يكن
إكس لارج فقط، فعندما اختار قميصا جاء بمقاس 3 إكس لارج وأكثر!! لا أدري ما
السبب في حالة التناقض التي تعتري الفيلم هذه؟
حالة صناعية
جودة المكياج تقنع الجمهور بأن ما يشاهده حقيقي، وهذا لم يتحقق في
الصورة التي ظهر لنا بها أحمد حلمي حيث أن المتلقي يري بسهولة في وجه حلمي
خطا فاصلا بين الوجة الحقيقي وبداية المكياج من خلال حركاته.
وأيضا اعتمد الفيلم علي تعرية جسد حلمي حتي يقنع المشاهد بطبيعة ما
يراه، لكن للأسف المكياج يشعرك أنك أمام رجل اسمنتي ليس به أي شعور
بالحياة.
كذلك نجد أن المكياج طمس معالم أحمد حلمي وهذا أدي إلي انفصال تام مع
صورة حلمي الحقيقة التي تظهر في الختام، فأنت لا تصدق أنه هو مجدي ، بل
تشعر أن حلمي جاء كضيف شرف في الفيلم ولم يكن معنا طواله، كذلك مدة ظهوره
القليلة علي الشاشة لم تكفي بالنسبة للمشاهد الذي جاء ليري حلمي الحقيقي
بحركاته ووجهه البشوش الذي تعود عليه، فالمتلقي لم يأت ليسمع صوته من خلال
هيكل متحجر حرق الممثل نفسه من خلاله.
وإذا نظرنا إلي أفلامنا المصرية نجد أن الفنانة مي عز الدين قدمت هذا
الشكل البدين في فيلمين هما "أيظن" و"حبيبي دائما" لكن كان هناك توافق بين
ظهور الجسد البدين والجسد الحقيقي، ففي فيلم "حبيبي دايما" كان المشاهد يري
الشكلين بطريقة موازية جعلت الجمهور يتقبل الأمر، لكن هنا كانت مغامرة
كبيرة في ظهور الشكل البدين طوال مدة الفيلم لم تسفر بنجاح.
ولكنني في النهاية أستطيع القول إنه بالرغم من وجود سقطات كثيرة في
الفيلم كما أوضحت، إلا أن الفيلم لم يسقط في فخ الكوميديا السخيفة الفجة.
عين على السينما في
03/12/2011
مفتكر يكلم “صمت الأب” على
الشاشة الفضية
لعل أصعب رهان لمخرج أن ينجز فيلما في أعقاب آخر حقق به نجاحه وشهرته.
ومحمد
مفتكر يقف هذا الموقف وهو يستعد لإخراج فيلمه الجديد “صمت الأب” على مسافة
أقل من
عامين من شريطه “براق” الحائز على عدد من التتويجات أهمها الجائزة الكبرى
بمهرجان
السينما الإفريقية بواغادوغو والأمر ذاته في المهرجان الوطني
للفيلم الطويل
بطنجة.
مفتكر يعي هذا التحدي الذي يطرحه عليه عمله الجديد. لذلك يضع نصب عينه
ليس فقط
نجاح “براق” الذي يمكن أن يتحول إلى عائق وإنما أيضا مشروعه السينمائي الذي
انطلق
بدءا من أفلامه الثلاثة القصيرة وحمل دمغته الخاصة. قد يبدو له الحديث عن
قصة فيلمه
المقبل أمرا نافلا لا علاقة له بما سيكون عليه العمل في
استوائه النهائي. فقصة كل
فيلم هي السينما في آخر الحديث. لكنه يصرح بأن موضوعة الشريط هذه المرة
أيضا هي
الأب. «الأب كسلطة، كرمز، كجيل، كتاريخ ضاغط وكمثال. ودوري ككاتب ومخرج أن
أسائله.
لا أحاكم هذا الأب. أنا فقط أسعى لفهمه حتى
أستطيع قراءة تأثيراته عليّ».
هذا الاختيار حتم على مفتكر أن يعود إلى عقدي السبعينيات
والثمانينيات. وهي
عودة إلى الذات. ذات المخرج وجيله. لا بالمعنى الأطوبيوغرافي الصرف. بل
بمعنى تقديم
رؤيته الخاصة التي يشترك فيها مع جزء من مجايليه و”لا يقدر أحد آخر أن
يقدمها بدلا
عنه” بتعبير الخطيبي. الحكي في “صمت الأب” سيتولاه طفل إلى أن
يبلغ المراهقة. يقول
صاحب “براق” : «سأسافر عبر السنوات لأتقمص شخصية طفولتي. لأتحول كمخرج إلى
طفل يحكي
عن طفل. ويقدم صورة عن الأب. ما أحاوله عبر هذا البعد الذاتي هو أن أكون
صادقا في
عملي».
من هذا المنطلق يأخذ الفيلم الجديد وجها آخرا مغايرا لأول شريط روائي
لمفتكر. «براق
كان يسبح في السواد. تركز فيه الكاميرا على العوالم الداخلية.. على نفسية
الشخصيات. تسبر لاشعورها.. آلامها وجروحها التي تسبب فيها واقع ما. كان
فيلما
يستنطق النتائج. أما صمت الأب فتتحول فيه الكاميرا إلى الخارج. تسجل
الوقائع
والأحداث. وتهتم بالواقع.. بالمشاهد الخارجية. بالصراعات. لذلك
سيجد المشاهد الكثير
من الضوء والحركة».
اختيارات ستنعكس على السرد الفيلمي. فبعد أن كان الحكي في “براق”
محكوما
بالتشابك والتداخل والتلاعب بالزمن، سيأخذ السرد في “صمت الأب” منحى خطيا
متصاعدا.
وسيأخذ الواقع مظهرا مكشوفا هذه المرة
بعدما كان في الفيلم السابق مغمورا بالعتمة
لا يستشفه المشاهد إلا من خلال ردود الفعل السيكولوجية
للشخصيات. لكن الأساسي هو أن
يأتي العمل متفاعلا مع واقع المخرج كما عاشه وخبره..
يقول مفتكر أن الهاجس الذي يشغله هو أن يعكس جزء من الواقع كما يقرأه
هو لكن في
الوقت نفسه أن يكون للفيلم قيمة سينمائية بما تعنيه عبارة سينما. ومن
منظوره، خلف
مساءلة هذا الواقع تكمن أيضا مساءلة للأدوات الفنية التي يشتغل بها وعليها
السينمائي. فكلما ساءل المخرج أدواته كلما أتاح للواقع الذي
يعمل عليه إمكانية
البروز أكثر. يبقى أن عنوان الفيلم هو عنوان مؤقت إلى أن يرسو مفتكر على
فريق عمله
والإسم الدال على عوالم فيلمه الروائي الثاني.
الأحداث المغربية في
03/12/2011 |