متعة المُشاهدة
السينمائية متمثّلة بثلاثة أفلام أوروبية، تُعرض في إطار الدورة الثامنة
عشرة
لـ«مهرجان السينما الأوروبية»، في «متروبوليس» في «أمبير صوفيل» (الأشرفية): «ألمانيا»،
أو «أهلاً بكم في ألمانيا» (2010، 101 دقيقة، باللغتين الألمانية
والتركية المرفقتين بترجمة إلى الفرنسية) للألمانية التركية الأصل ياسمين
سمديريلّي (الثامنة
مساء اليوم الاثنين في الصالة الأولى، والعاشرة والنصف ليل الجمعة المقبل
في الصالة الثانية)، و«إذا أردتُ أن أُصفّر، سأصفّر» (2010، 94 دقيقة،
بالرومانية
المرفقة بترجمة إلى الإنكليزية) لفلوران سربان (الخامسة والنصف بعد ظهر
اليوم
الاثنين في الصالة الثانية، والعاشرة والنصف ليل الجمعة في الثاني من كانون
الأول
المقبل في الصالة الأولى)، و«صبيّ الدرّاجة الهوائية» (2011، 87 دقيقة،
باللغة
الفرنسية المرفقة بترجمة إلى الإنكليزية والعربية) للأخوين البلجيكيين جان
ـ بيار
ولوك داردن (الخامسة والنصف بعد ظهر غد الثلاثاء في الصالة الثانية، علماً
أنه عُرض
للمرّة الأولى مساء أمس الأول السبت في الصالة الأولى).
هجرة
وفقدان
الأفلام الثلاثة هذه مختلفة عن بعضها البعض، شكلاً جمالياً وأسلوباً
فنياً ومعالجة درامية. غير أن قواسم مشتركة، على مستوى العناوين العامّة
للحبكة،
يُمكن العثور عليها في طيّات المضامين الحكائية والدرامية، على الأقلّ:
الهجران.
النفي. صدمة الواقع. أميل إلى القول إن هذه العناوين الثلاثة إطارٌ عام
للأفلام
المختلفة عن بعضها البعض، تماماً، في آلية الاشتغال السينمائي: الأول مرتكز
على
نَفَس كوميديّ سلس في مقاربة سؤال الهجرة. الثاني غائصٌ في متاهة الذات
الطامحة إلى
خلاصها الذي تستحقّ، بينما للقدر حكمه المناقض والقاسي. الثالث مشحون بكَمّ
هائل من
العنف الداخليّ المبطّن، المرسوم بأدوات مبسّطة، والمفتوح على سؤال الصدام
الحادّ
بين الفرد وذاته والآخر. الكوميديا جزءٌ من رحلة العائلة التركية إلى
جذورها الأولى (ألمانيا).
التراجيديا لغة اليوميّ في السيرة الحياتية للشاب سيلفيو الساعي لخروجه
من نفق السجن، فإذا بالحياة أقسى وأعنف (إذا أردتُ أن أصفّر، سأُصفّر).
الدراما
لصيقة المسار اليومي للصبيّ سيريل في مقارعته الفقدان والهجران معاً (صبيّ
الدرّاجة
الهوائية). غير أن الكوميديا ليست ركيزة درامية وحيدة، والتراجيديا لم تطغَ
كلّياً
على الأسبوعين الأخيرين من حياة الشاب في سجنه، في حين أن الدراما حصن منيع
جعل
النصّ والحبكة والمعالجة والشخصيات متناغمة في سياقها المأسوي المفتوح على
أمل ما.
فالكوميديا غلّفت سؤال الهجرة والعلاقة بالأصل والهوية والانتماء
والجغرافيا.
والتراجيديا طرحت سؤال الهجران والعلاقة بالذات والرغبة في التحرّر من سلطة
الأم
المتّهمة، ضمناً، بشرذمة العائلة. والدراما إطلالة على جوانيّة الفرد
المعلّق بين
أب غيّب نفسه عن الفرد (الابن) هذا، وشابّة محتاجة إلى نسق آخر من العلاقات
الإنسانية والانفعال الداخلي، وحراك مجتمعيّ قاس.
بين الكوميديا والتراجيديا
والدراما وأحوالها وبواطنها المتنوّعة، قدّم المخرجون سمديريلّي وسربان
والأخوان
داردن بعض جوانب الإقامة على الحافة الأبشع للحياة. طرحت الهجرة، تاريخياً،
سؤال
العلاقة الصعبة بين الأصل والراهن. السجن، بدوره، حيّز للتقرّب من الذات،
ومحاولة
فهم اتّجاهاتها المقبلة ورغباتها الداخلية، من خلال معنى العلاقة الصعبة،
هنا
أيضاً، بين الماضي والمقبل من الأيام. نكران العلاقة الأبوية مدخل إلى جحيم
أرضيّ
منته في لحظة الاصطدام الحادّ بقسوة الواقع. سؤال الهجرة قاس. سؤال السجن
قاس هو
أيضاً. سؤال النكران والفقدان. ذهب البعض إلى اعتبار المهجر سجناً من نوع
آخر. قال
البعض الآخر إن السجن طريقٌ إلى خلاص ما من وطأة الحياة وبشاعتها. من سجن
الحياة
أيضاً. السقوط في لجّة النكران والفقدان أسر من نوع آخر. التحليل الاجتماعي
للهجرة
والسجن والنكران والفقدان مفتوحٌ على اجتهادات جمّة. أفلام سمديريلّي
وسربان
والأخوين داردن اختارت المواضيع هذه، من دون ولوج عالم التحليل الاجتماعي
المباشر،
وإن احتملت مفردات عدّة مستلّة منه. المجتمع حاضرٌ بفعالية وقوّة في
«ألمانيا»:
التناقض الثقافي والحياتي والتربوي الحاصل بين البيئتين الأصلية والجديدة،
جعل
المجتمع ومفاهيمه وأدواته وثقافته وطقوسه، إلى حدّ ما، فاعلاً، وإن بشكل
مبطّن
وهادئ، في البناء الحكائي لـ«ألمانيا». التمزّق العائلي والتشرذم الاجتماعي
أساسيان
في تكوين الخلفية الحياتية والاجتماعية لسيلفيو (جورج بيستريانو)، المنتظر
مرور
الأسبوعين الأخيرين له في سجن الأحداث، قبل خروجه منه. ولسيريل (توماس
دوري) أيضاً،
الذي بلغ حافة الخراب، بل شيئاً منه، قبل استعادته من قِبَل سامنتا (سيسيل
دو
فرانس)، أكثر شخصيات الفيلم البلجيكي التباساً وتوهاناً وقدرة على إيجاد
التوازن
المطلوب، وإن كان مؤقّتاً.
السياسيّ
السياسي حاضرٌ بدوره في «ألمانيا».
السرد الروائي الخاصّ بذاكرة الجدّ، المروية للحفيد عبر عمّة الأخير
وابنة الأول (لعبة ذكية ومبسّطة وجميلة في السيناريو، ارتكزت على منح
الأجيال
الثلاثة فرصة التواصل العفوي عبر التاريخ أيضاً)، مرّ بمواربة مبسّطة
أحياناً،
وبشكل مباشر أحياناً أخرى، على السياسيّ: فألمانيا المتأثّرة بالمخلّفات
العنيفة
للحرب العالمية الثانية ولهزيمتها المدوّية محتاجة، مطلع ستينيات القرن
المنصرم،
إلى أيد عاملة للمساهمة الفعّالة بالنهوض من الخراب، وببناء المستقبل (هناك
تعليق
رائع وُضع في بداية جينيريك النهاية: «استدعينا عمّالاً، فأتى أشخاصٌ»).
والأتراك
المقيمون في الفقر والتقوقع داخل مجتمعاتهم الريفية الضيّقة بتقاليدها
الصارمة
وطقوس عيشها المتزمّتة أحياناً، وجدوا في النداء هذا (المُصَوَّر بطريقة
كوميدية
سلسة وجميلة، تماماً كبعض اللقطات الخاصّة بسرد الحكاية للحفيد)، مناسبة
لخلاص
منشود، ولعمل مُثمر مالياً، على الأقلّ. حتى صدمة الحضارة والثقافة صُوِّرت
بسلاسة
وعفوية، بعيداً عن الشعارات الكبيرة. هنا، أدّت الكوميديا، غالباً، دوراً
في تخفيف
حدّة المادة الدرامية، وفي تبسيط المسائل، من دون الانتقاص من عمقها أو
التخفيف من
عمق أسئلتها الإنسانية والثقافية والأخلاقية.
السجن عالم قائم بحدّ ذاته. ليست
مهمّة معرفة أسباب سجن سيلفيو. التفكّك المعنيّ بكشف جوانب من
سيرته أتى لاحقاً.
التقاط نبض الحياة اليومية الخاصّة به أهمّ. مواكبة سلوكه كشفت
شيئاً من ذاته:
هادئ. محبّ. متواضع. عفوي. شاب ساع للخروج من السجن. لكن
الانقلاب مدوّ. كذلك العنف
المبطّن والغضب المعتكف داخل الذات. كأن
الانقلاب والعنف والغضب أقسى من أسباب
دخوله السجن. الانقلاب حاصلٌ إثر زيارة
شقيقه الصغير. التفاصيل الدرامية مهمّة
جداً، بدءاً من هنا. مرسومة هي بشكل مبسّط
وعميق. الانقلاب أدّى إلى انفجار العنف
والغضب. العلاقة التي ربطته بآنا (آدا
كوندستشيو)، الصبيّة الجميلة القادمة إلى
السجن ضمن فريق عمل تدريبي للمساجين، جعلته ينظر إلى العالم بعين مختلفة.
هنا أيضاً
التفاصيل مهمّة. الشقّ الآخر من الحبكة ذاهبٌ بمشاهديه إلى أعماق الذات
المكبوتة
والحادّة في التعاطي مع أحوال الدنيا القاسية. أكاد أقول إن اللحظة واحدة
في
الفيلمين هذين، تلك التي أسّست الانقلاب: خرج الانقلاب في المسار الحياتي
لسيلفيو
من لحظة انكشاف حقيقة عودة والدته الهاربة إلى إيطاليا برفقة عشيقها. خرج
الانقلاب
في سيرة الجدّ حسين (فيدات إرنكين) من لحظة انكشاف معنى الهجرة وسؤال
الهوية
والأصل. لا يعني هذا أن الانقلابين متشابهان، شكلاً وأسباباً. لكنهما
متشابهان على
مستوى تحويل المسار الدرامي إلى اتّجاه أكثر جوانيّة وذاتية، خاصّة بالجدّ
حسين
وبالشاب سيلفيو. بدوره، عاش سيريل انقلاباً ساحقاً: بحثه عن درّاجته
الهوائية غطاء
لرغبة دفينة في استعادته والده. لكن الأخير منشغلٌ بقلقه وارتباكه ورفضه
الابن.
هنا، الانقلاب مدوّ. كأن الغضب والعنف المبطّنين في ذات الصبيّ المقبل على
نهاية
أعوامه الاثني عشر لا يكفيان في شحن انفعاله وتسيير خطاه، حتى جاء نكران
والده له
وفقدانه هو لوالده ليفتحا طريقاً واسعة أمام انبثاق العنف والغضب من الذات
ووجعها.
أكرّر القول إن الكوميديا في «ألمانيا» أعانت النصّ السينمائي السرديّ على
مواجهة تحدّي الأسئلة الصعبة، المطروحة على أفراد العائلة جميعهم، من قِبل
الحفيد:
عندما رفض رفاقه إشراكه في أحد فريقي كرة القدم، لعدم قدرتهم على تصنيف
هويته (أهو
تركي أم ألماني)، أطلق الحفيد تلك الرحلة في التاريخ والجغرافيا معاً، لفهم
الجذور
والأصل، ولقبول الواقع الراهن. فجدّاه حصلا مؤخّراً، بعد خمسة وأربعين
عاماً على
الهجرة الأولى، على الجنسية الألمانية، تلك التي لم يرغب فيها الجدّ، على
نقيض
زوجته. أما التراجيديا، فقدر النصّ السينمائي للفيلم الروماني ولسيلفيو
أيضاً، على
الرغم من انفتاح الشاب وتواضعه وبساطته في التعاطي مع زملائه المساجين، وإن
أبدى
بعضهم رغبة جامحة في ممارسة العنف. هذا الأخير قدر سيريل ومساره وسط سكون
الطبيعة
والهدوء الظاهر للبيئة المجتمعية المقيم فيها، وإزاء طيبة سامنتا التي
أرادته
خلاصاً لها من قسوة غير معروفة، عاشتها ولا تزال تعيشها.
إذا أبدى ممثّلو «ألمانيا»
براعة في تحصين الحكاية التاريخية من الوقوع في الفراغ الإنساني، وإن ذهب
بعضهم، بحكم الشخصيات التي يؤدّون، إلى التأمّل في أحوال الدنيا والمسارات
والأحزان
المرافقة لها؛ فإن جورج بيستريانو، الممثل الأساس في «إذا أردتُ أن أُصفّر،
سأُصفّر»، اتقن أداء دوره ببراعة، خصوصاً بانتقاله من لحظات الصفاء الأولى،
إلى
العنف المدمِّر والحبّ المكبوت والأحلام الموؤودة. تماماً كما فعل الصبيّ
توماس
دوري، الغارق في غضبه حتى الثمالة، والباحث عن منفذ حتى الجنون، والعائد
إلى ذاته
حتى البساطة. الألوان المستخدمة في الفيلم الألماني ـ التركي ساهمت في
تنقية المسار
التاريخي من جفافيته في قراءة الأسئلة، والسعي للإجابة عنها بشكل موارب.
الألوان
المستخدمة في الفيلم الروماني أثّرت في تنظيم المسار الحكائيّ لسيلفيو
وللناس
المحيطين بهم، كما للأشياء المفتوحة على أسئلة تبدأ بالجُرم والذنب
والخطيئة، ولا
تنتهي عند وقاحة البيئة، أحياناً، في تحطيم آمال عادية وبسيطة وهادئة.
الألوان
المستعان بها في الفيلم البلجـيكي سمحت بإشاعة روح نقيضة للذات الجامحة في
عنفها
وغضبها.
السفير اللبنانية في
28/11/2011
كريم أبو شقرا من الشانسونييه إلى السينما
رحيـل فنـان النمـط البسيـط
نديم جرجوره
تستحيل الكتابة على الفنان اللبناني كريم أبو شقرا، المتوفّى أمس
الجمعة عن
ثمانية وستين عاماً، من دون التنبّه إلى واحدة من المراحل السينمائية
اللبنانية
المرتبكة، التي عانت الأمرّين على مستوى الهوية والمضمون تحديداً، جرّاء
ظهور
الرساميل المصرية في بيروت إثر قرارات التأميم الناصرية مطلع
الستينيات المنصرمة.
تستحيل الكتابة عليه، من دون الإشارة إلى واقع النتاج السينمائي اللبناني
أثناء
الحرب الأهلية، لمشاركته الفعّالة في إضفاء منحى لبناني بحت على أفلام لا
تزال
عاجزة عن التحوّل إلى صناعة متكاملة. كريم أبو شقرا، الفنان
المسرحي والكاتب الذي
استعان بأدوات فنية شتّى لبلوغ جمهور مال إلى الضحك العفوي والعادي، أكاد
أضيف
المسطّح أحياناً، بات جزءاً من الارتباك اللبناني والالتباس الفني اللذين
صنعا
حكاية البلد ونتاجاته الفنية.
ارتباك
بين المسرح في ذروة تألّقه المنضوي في
إطار الشانسونييه، والسينما التي شارك فيها منذ وصول مخرجين
مصريين إلى بيروت نهاية
الستينيات المنصرمة نفسها، شكّل كريم أبو شقرا حالة استفزّت مثقفين
ونقّاداً، وجذبت
مُشاهدين تحوّل بعضهم إلى روّاد أساسيين على صالات تعرض أعماله. بين المسرح
والسينما، لم يتكبّد الراحل عناء تطوير اشتغاله التمثيلي،
لاكتفائه بحضور راسخ في
وجدان كثيرين، رافقوه من الشانسونييه إلى صالة السينما، أو ذهبوا إليه
بإرادتهم،
بحثاً عن لحظة صفاء واستقالة من وجع الخراب، وضجر الأيام والعمل. فهو،
ببساطته
وعفويته وجمال حضوره وسط الناس والمحبّين، حافظ على نسق واحد
تقريباً في مقاربة
الشخصيات وكتابتها، أو في معالجة المواضيع وتمثيل أدوارها. وهو، بوقوفه على
الحافة
الأخيرة للفن الجميل قبل انزلاقه (الفن الجميل) في متاهة
التفريغ والتبسيط
القاتلين، بدا كأنه الحارس الأمين لاختراع خاصّ به: جعل النكتة السياسية أو
الجنسية
أساس مسرح قائم على السخرية المرّة.
لكن كريم أبو شقرا انزلق إلى فخّ النكتة
السياسية أو الجنسية، الباهتة أحياناً كثيرة، في أعماله
المسرحية، لأنه وجدها خير
جاذب لأناس سئموا الخضوع لابتزاز السياسيين، أو لقواعد الأخلاق الحميدة،
المضروبة
أصلاً إما على أيدي رجال الحرب والموت والعنف، وإما بسبب الاهتراء الحاصل
في جسد
المدينة وروحها. أما السينما، فحالة مستقلّة بحدّ ذاتها، مع
أنها لم تقدّم للراحل
إضافات إبداعية، لأنها وُلدت من ثقافته المرتكزة على البساطة الجميلة، قبل
وقوعها
في المتداول حينها. في السينما، حاول أن يساهم في جعل الصورة المتحرّكة
منفذاً
للتسلية، أو سبيلاً إلى التنفيس عن الذات المُرهَقة. ربما لهذا
لم يتبدّل ولم يسع
لتغيير: شخصية الرجل المهووس بالنساء الجميلات، الواقع في مآزق يومية شتّى،
والباحث
الدائم عن خلاص منها بأية وسيلة ممكنة. ومع أن التجربة الأولى الخاطرة على
البال
إثر شيوع نبأ رحيله، متمثّلة بمشاركته في التمثيل ضمن فريق
«سارق الملايين» (1968)
للمصري نيازي مصطفى (تأليف عبد الحيّ أديب، حوار بهجت قمر)، إلاّ أن
اشتغالاته
السينمائية انحصرت في أفلام وقّعها سمير الغصيني (أكثر المخرجين اللبنانيين
تحقيقاً
للأفلام، إلى جانب محمد سلمان) ووئام الصعيدي، بالإضافة إلى تجربة «سورية»
خاضها مع
رفيق السبيعي في «شيطان الجزيرة» (1978).
المعادلة المرفوضة
قبل اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية في العام 1975، عاشت السينما في
لبنان مرحلة
إنتاجية غزيرة، ارتكز جزءٌ أساسي منها على أفكار مبسّطة ومواضيع مرتبطة
بالأكشن
والإغراء الجسدي والأغنية، لتسهيل عرضها التجاري. في تلك الفترة، لمع اسم
سمير
الغصيني، الذي خاض عراكاً طويلاً مع الواقع اللبناني العام، لإسرافه بإنجاز
نمط
واحد تقريباً من الصورة السينمائية. لكن سمير الغصيني ليس
وحيداً. والمرحلة تطلّبت
نتاجاً تجارياً بالمعنى الاستهلاكي للتعبير، امتدّ إلى أعوام الحرب نفسها،
في مقابل
صعود سينما بديلة وملتزمة وساعية لفهم الذات والعلاقات والواقع من منظار
الإيديولوجيا والثقافة النضالية، غالباً.
أعتقد أن كريم أبو شقرا لم تستهوه
المعادلة تلك، القائمة على سينما ملتزمة قضايا الناس، أفراداً
وجماعات. لم يشأ خوض
غمار التجربة هذه لقناعة لديه مفادها أن الفن حكرٌ على اللهو والبساطة
والتسلية. أن
الفن نابعٌ من مفردات الحركة والتشويق والإغراء، في لحظة التخبّط اللبناني
بين
غليان المجتمع وانتشار الأفكار الثورية والنضالية، والمقدّمات
الأولى للحرب
الأهلية. وهي لحظة سابقة لاندلاع الحرب، في حين أن المنطق هذا ظلّ فاعلاً
أثناء
الحرب نفسها: لحظة تخبّط من نوع آخر، منعقد على ارتباك المسار الدموي
والعنف
اليومي، والحاجة إلى هواء مغاير.
كريم أبو شقرا جزء من اللعبة تلك. بساطته
الشخصية في التعاطي مع الناس قابلت كسره الحاد تقاليد راسخة.
والكَسْر، إذ شقّ
طريقاً طويلة استفاد منها عاملون في الشانسونييه لاحقاً، تمثّل بجعل النكتة
الجنسية
تحديداً (أو الحركات الإغرائية والهوس بالنساء) فعلاً قابلاً للإضحاك
والغمز من
قنوات الجميع. في أفلامه، اختار أبو شقرا مواضيع اجتماعية
غلّفها بقوالب كوميدية
ضاحكة: الحب المبتور مثلاً، أو الصراع الزوجي، أو السرقات والعصابات، أو
دور الشرطة
في فرض الأمن. الأغنية حاضرة أيضاً، لأنها جزء من التسويق. وكريم أبو شقرا
حاضرٌ
أيضاً، لأنه جزء من حالة لبنانية محتاجة، فعلياً، إلى قراءة
نقدية مستندة إلى
مفردات علمي الاجتماع والنفس وإلى الدراسات الجمالية والفكرية، لفهم
مكوّناتها
ومنعطفاتها، ومتاهاتها أيضاً. أي أن المرحلة اللبنانية التي لمع كريم أبو
شقرا فيها
محتاجة إلى القراءة هذه، تماماً كالنتاج المتكامل الذي صنعه
الراحل، والمنبثق من
أعماق المرحلة المذكورة نفسها.
السفير اللبنانية في
27/11/2011
شاهده الجمهور أكثر من "زهايمر" عادل إمام
"نهار تزاد طفا الضو".. فيلم عائلي يلقى نجاحاً لافتاً
بالمغرب
الرباط ـ حسن الأشرف
يلقى الفيلم العائلي الكوميدي " نْهار تْزاد طفا الضّو"، أي "في اليوم الذي
وُلد فيه انطفأت الكهرباء"، نجاحاً فنياً وجماهيرياً لافتاً بعرضه للأسبوع
الحادي عشر على التوالي في القاعات السينمائية ببعض المدن المغربية،
لاعتماده على المواقف المضحكة بطريقة لائقة، وعلى أسلوب "العجائبية"
والمؤثرات الخاصة التي أُعدت بتقنيات حديثة.
وعزا طاقم "نهار تزاد طفا الضو" نجاحَ الفيلم فنيا إلى طبيعة فكرته الطريفة
والجديدة قياسا بالمواضيع التي تطرقت إليها السينما المغربية، فضلا عن كونه
شريط يمكن لكل أفراد الأسرة وجميع الفئات الاجتماعية أن تتابعه بدون حرج،
لكن بالمقابل مُني هذا الفيلم بالخسارة من الناحية المالية، بسبب قلة قاعات
العرض السينمائي في البلاد.
ويلعب دور البطولة في هذا الشريط السينمائي الذي يعد الفيلم الطويل الأول
للمخرج المغربي محمد الكغاط، كل من الممثل رشيد الوالي الملقب بفنان الشعب،
وهدى الريحاني، وحسن فولان، وحنان الإبراهيمي، وأسماء الخمليشي، وطارق
البخاري، وممثلون شباب آخرون.
أفضل من زهايمر
ويحكي فيلم "نهار تزاد طفا الضو" قصة شاب يدعى سعيد، ويقوم بدوره الممثل
رشيد الوالي، الذي تسبب وهو طفل في حدوث صعقة كهربائية أفضت إلى وفاة
والديه معا، ليترعرع وحيدا في ملجأ للأيتام، لكنه اعتمد على نفسه ورسم
لحياته خطوات النجاح، لكن حدث أن أدت صعقة كهربائية مرة أخرى، بشكل مفاجئ،
إلى ظهور شبيه لهذا الشاب بنزعات الشر في داخله، وهي الشخصية التي يؤديها
الوالي أيضا كـ"دوبلير" بفضل تقنية المؤثرات الخاصة، فيسرد الشريط بطريقة
كوميدية المواقف التي اتسمت بها المواجهة بين الشخصيتين المتناقضتين.
ووفق إحصائيات للمركز السينمائي المغربي، فإن هذا الفيلم حصد أزيد من 45
ألف تذكرة لمشاهدته من خلال 183 عرضا، وذلك إلى حدود الشهر المنصرم،
متجاوزا بذلك عدد التذاكر التي أداها الجمهور المغربي لمشاهدة الفيلم
المصري "زهايمر" من بطولة نجم الكوميديا عادل إمام، وأيضا النسخة الأخيرة
من الفيلم البريطاني "هاري بوتر"، وغيرها من الأفلام السينمائية العربية
والدولية.
وعزا الفنان رشيد الوالي، بطل الفيلم، في تصريحات لـ"العربية.نت" عوامل
نجاح وتألق هذا الشريط الكوميدي على الصعيد الجماهيري والفني، إلى أنه فيلم
موجه أساسا إلى العائلة، وأيضا إلى الجمهور الكبير، باعتبار أن جميع الفئات
الاجتماعية والعُمرية يمكنها أن تشاهد الفيلم دون حرج.
وأفاد الوالي أن الذي يجعل "نهار تزاد طفا الضو" يتميز عن باقي الأفلام
السينمائية ذات الطابع الكوميدي، أنها تناولت الضحك من خلال كوميديا
الموقف، وليس الكوميديا التي يخلقها السرد والحوار بين الممثلين، مشيرا إلى
عامل آخر جذب الجمهور للفيلم، وهو الإتقان في أداء الممثلين والممثلات داخل
الفيلم، ومن ذلك الدور التركيبي المزدوج الذي قام به، الشيء الذي جعله يبذل
جهودا مضاعفة أكثر من قيامه بأدواره المعتادة في السينما.
خسارة رغم الإقبال
وبالنسبة للمخرج محمد الكغاط فإن عوامل النجاح الفني لفيلمه الكوميدي، عدا
كونه مُوجه للجمهور الواسع، هي كثيرة ومتنوعة تتلخص أساسا في توظيف تقنية
"التأثيرات الخاصة" التي تم إنتاجها وإبداعها كلها بالمغرب، دون أن يستورد
أية تقنيات من هذا الصنف خارج البلاد.
وأشار الكغاط إلى أنه حاول استغلال تجربته الأصلية وبراعته في الاشتغال في
مجال هذه التقنيات الحديثة، فاستخدمها في أول فيلم طويل له لتفرز لقطات
ومشاهد عديدة تتسم بما يسمى "الفانتاستيك" أو العجائبية، والتي تعد سابقة
إبداعية في صناعة السينما بالبلاد، وهو الشيء الذي جذب العديد إلى الرغبة
في استكشاف عوالم الفيلم التي تجمع بين اللقطة الكوميدية وبين التقنية
الحديثة.
ورغم كل هذا النجاح المتوالي في "الصالات" السينمائية في بعض المدن
المغربية، فإن الفيلم، بحسب الكغاط، لم يجلب الأموال التي تكفي للحديث عن
ربح مادي مريح حصده أصحابه، وهو ما يعني نوعا من الخسارة المالية، بسبب قلة
القاعات السينمائية التي يجني أصحابها خمسين مرة أكثر من ما يحصل عليه
صُناع الفيلم.
ويُذكر أن القاعات السينمائية تعاني من أزمة حادة ترتبط بالتناقص العددي،
حيث لا يتجاوز عددها حاليا أكثر من 30 قاعة فقط في مجموع مدن البلاد، بعد
أن كان عددها يصل إلى زهاء 300 قاعة قبل ثلاثين عاما.
العربية نت في
28/11/2011
أوين ويلسن 'نجم العام'
دبي ـ من محمد
الحمامصي
مجلة 'فاريتي' تمنح أحد أهم نجوم الكوميديا في هوليوود جائزتها
السنوية خلال الدورة الثامنة لمهرجان دبي السينمائي.
قررت مجلة "فاريتي" منح جائزتها السنوية "نجم العام" التي تقدمها من خلال
مهرجان دبي هذا العام إلى الممثل والكاتب المرشح لجائزة الأوسكار أوين
ويلسن الذي يُعتبر أحد أهم نجوم هوليوود الكوميديين.
وشارك ويلسن في بطولة العدي من الأفلام الهامة مثل "زولاندر" و"ذا رويال
تينينباومز" و"ويدينغ كراشرز" و"منتصف الليل في باريس".
ويُعرف عن ويلسن مشاركته في العديد من أفلام الكوميديا، ذات البطولة
الثنائية، أو ما يعرف بـ"Buddy
Comedy"، إلى جانب العديد من الوجوه السينمائية العالمية، وأشهر نجوم
هوليوود، بدءاً من صديقه القديم "بين ستيلر"، إلى "إيدي مورفي"، ووصولاً
إلى نجم الحركة "جاكي تشان"، إلى جانب مشاركته في أفلام درامية، ورومانسية
كوميدية، وأفلام حركة وتشويق.
وقد أثبت ويلسن جدارته وتميّزه كمنتج وكمؤلف مُشارك، حيث حصل على ترشيح
لنيل جائزة الأوسكار عن نص فيلم "ذا رويال تينينباومز".
وقالت شيفاني بانديا، المدير الإداري لمهرجان دبي "لقد أضفى أوين ويلسن، من
خلال الشخصيات الفكاهية، التي بثَّ فيها الحياة، البسمةَ على وجوه ملايين
الناس، حول العالم، وأدخل البهجة إلى حياتهم".
وأضافت "تعكس أفلام ويلسن الوجه المُحبَّب والمُشرق لهوليوود، وتحظى بجمهور
واسع من المعجبين، حول العالم، ويسرُّنا أن نكرّم موهبته الفذّة، متعدّدة
الجوانب، وجهوده الحثيثة، وأعماله القيّمة، ويسعدنا أن نرحِّب به في مدينة
دبي".
ويقوم المهرجان في إطار الفعاليات المتعددة التي يقدمها لجمهوره هذا العام،
بتنظيم جلسة نقاشية بعنوان "في حوارٍ شيق مع أوين ويلسن".
يذكر أن الدورة الثامنة لمهرجان دبي السينمائي تنعقد بين 7 و14 ديسمبر،
وتتضمن 171 فيلماً، من 56 دولة، تمثّل أفضل الأعمال السينمائية المحلية
والعالمية.
وستُعرض هذه الأفلام في "مول الإمارات"، و"مدينة جميرا"، وفي منطقة "ذا ووك"
(الممشى) في "جميرا بيتش ريزيدنس".
ميدل إيست أنلاين في
28/11/2011 |