في الثقافة ينبغي ألاّ تكون أنانياً ومن الضروري نقل المعرفة إلى
الآخرين
أمين صالح:
أكتب عن أفلام أحبها فالنقد في رأيي فعل
حب
حاوره:
نديم جرجوره
بين الأدب والسينما،
حافظ الكاتب البحريني أمين صالح على مكانة واضحة المعالم في المشهد الثقافي
العربي
العام. شغفه السينمائي لم يمنع ذهابه إلى الأدب. وكتابته الأدب
لم تقف حائلاً أمام
حماسته لترجمة نصوص وحوارات وتفاصيل متفرّقة عن هذا المخرج أو ذاك. ترجمة
عربية
أضافت شيئاً جوهرياً على المكتبة العربية، هي المنطلقة من حبّه العميق
للسينما،
أساساً.
بمناسبة صدور كتابه الأخير (ترجمة وإعداداً) بعنوان «عباس كياروستامي،
سينما مطرّزة بالبراءة» (الطبعة الأولى، 2011، «المؤسّسة العربية للدراسات
والنشر»
في بيروت، و«وزارة الثقافة» في البحرين)،
هذا الحوار مع أمين صالح.
·
تغلب الترجمة
على نتاجك المتمثِّل بكتب سينمائية عدّة، أصدرتها بدءاً من عام
1995 (السينما
التدميرية). ما الذي يُغريك بالترجمة؟ الترجمة بحدّ ذاتها كفعل إبداعي، أو
أداة
تواصل مع الآخر؟ أم النصوص الأجنبية التي تثير لديك حشرية الترجمة، وليس
حشرية
القراءة فقط؟
^عشقت السينما منذ الصغر. وجدتُ أمامي نافذة مستطيلة هائلة الحجم،
تطلّ على مدى رحب وأفق شاسع. على عوالم مختلفة ومتنوّعة، غنية بالشخوص
والأحداث،
ومحكومة بالصُوَر الآسرة، وبالحركة والتتابع. عوالم سحرية كنّا
ندخلها بغبطة من
يدخل حلماً جميلاً يتمنّى ألاّ يغادره. لم أكتف بالمتعة والترفيه والتسلية،
التي
كانت توفّرها الصالات بسخاء، كما فعل أقراني آنذاك، بل أردت أن أعرف أكثر
عن صانعي
الأفلام تلك. العوالم الجميلة تلك. أردتُ أن أعرف كيف يصنعون
الأحلام الأخّاذة هذه.
كيف يكتبونها ويخرجونها ويصوّرونها ويمثّلونها. أسئلة كثيرة معلّقة بلا
إجابات.
الفضول وحبّ المعرفة دفعاني إلى البحث
والقراءة. المكتبة العربية، في ما يتعلّق
بالكتب السينمائية، كانت شحيحة جداً. دور النشر لا تزال تنظر
إلى الثقافة
السينمائية بوصفها هامشية. غير ضرورية. لا قرّاء لها. المثقفون أنفسهم
كانوا (لا
يزال قسم كبير منهم هكذا) يرون السينما شكلاً ترفيهياً أقل قيمة وأهمية من
الأشكال
الفنية الأخرى. لا يرونها، كما هي في حقيقتها وجوهرها، نتاجاً ثقافياً
وفكرياً
ورؤيوياً وجمالياً، يضاهي الأشكال الأخرى.
من خلال المشاهدة والقراءة، اكتشفتُ
عوالم خصبة وثرية. عوالم مكتظّة بالرؤى والأفكار والمفاهيم
والدلالات، الجديرة
بالتعميم، وبتقديمها إلى الآخرين ليتقاسموا معك المكتشفات هذه. في الفن، في
الثقافة
عموما، ينبغي ألاّ تكون أنانياً. ينبغي ألاّ تستحوذ وحدك على معرفة شيء ما.
ضروريّ
نقل المعرفة إلى الآخرين، سواء كانوا بحاجة إليها أم لا. من
هذا المنطلق، وبسبب عدم
توفّر الكتب السينمائية والمجلاّت الجادّة، لجأت «مضّطراً» إلى ترجمة
المقالات
والحوارات التي وجدتها مهمّة ومفيدة. التي وجدتُ أنها قد تساعد القرّاء على
«فهم»
عوالم صانعي الأفلام. على رؤاهم ودوافعهم وتأويلاتهم. إنها اختيارٌ
اضطراري،
بإملاءٍ من الحاجة المعرفية، والرغبة في توصيل الأفكار إلى الآخرين.
·
التنويع
سمة أساسية لديك، بمعنى اتّساع خيارات الترجمة على أساليب
وهواجس مختلفة، إن لم تكن
متناقضة أحياناً: أندره تاركوفسكي، فيديريكو فيلّيني، ثيو أنغلوبوليس، عباس
كياروستامي. ما الذي يجمعك بهؤلاء: انفعال ذاتيّ إزاءهم وإزاء أعمالهم وطرق
اشتغالاتهم؟ أساليبهم المهنية؟ رؤاهم الفنية والجمالية؟ أم
مجرّد رغبة في الترجمة
لا أكثر؟
^
لكلّ مخرج عالمه الخاص، وأسلوبه الخاص، ولغته الخاصة. لكن هذا
لا
يعني أن كل واحد منهم منفصلٌ عن الآخر. العوالم والرؤى والأساليب تتداخل
وتتشابك،
مثلما تتباين وتتعارض. لكل مخرج فرادته، لكنه متصل بالآخر على
نحو وثيق. مثل هذا
التنوّع والتعدّد والتباين يُضفي على السينما فتنةً وحيوية.
عندما شاهدتُ أفلام
تاركوفسكي، وقعت في أسر جمالياتها وموضوعاتها. سحرتني أعماله. قرّرت أن
أعرف كلَّ
شيء عنه. نقلتُ كتابه الرائع والمهمّ «النحت في الزمن» إلى العربية (2006)
ليتقاسم
الآخرون معي هذا الولع بأفلامه. قبله كان أنتونيوني، وبيرغمان،
وفلّيني، وبريسّون،
وأوزو، وغيرهم.
دافعي تحريض الآخرين على التعرّف إلى المخرجين الذين أحبّهم.
الذين يلهمونني ويستفزون وعيي ومخيلتي
وذاكرتي. الذين يجلبون المتعة واللذة
والنشوة. من خلال الكتب هذه، أحاول مرافقة القارئ في رحلة
(أتمنّى أن تكون ممتعة
وغير مرهقة) داخل عالم المخرج الذي يحكي، عادةً، عن تجربته الحياتية
والفنية، ويطرح
آراءه وفلسفته وهمومه.
·
ما الذي يُبعدك عن تأليف نصّك
النقدي السينمائي المباشر،
على الرغم من أنك أصدرت مقالات في السينما ضمّها كتاب «الكتابة بالضوء»
(2008)؟
^
أود أن أوضح أولاً أني لستُ ناقداً، بالمعنى الحقيقي. عندما
أكتب عن
الأفلام، أكون قد اخترتُ الأفلام التي أحبّها. النقد، في رأيي، فعل حب. من
العبث،
ومن غير المجدي، الكتابة عن نصّ أو فيلم تكرهه. هذا لن يفيد أحداً. من
الأفضل أن
تتجاهل العمل، وتتجنّب التوتر الذي تحدثه الكتابة عن شيء لا
تطيقه. أميل إلى قراءة
النقد الذي هو، في جوهره، رسالة حب إلى الفيلم أو صانعه. حتّى لو اتّسمت
بالقسوة،
أو اشتملت على توبيخ ما. لكن، لا براعة لديّ في سبر الأفلام وتحليلها
نقدياً. في
استكشاف ما يوجد خارج الصورة أو خلفها. إنها طاقة يمتلكها
ناقدٌ موهوب ومتخصّص،
يُكرِّس وقته وطاقته لهذا الفن الذي يعشقه. لا أشعر أني موهوب في النقد.
معظم
كتاباتي في السينما محاولة لتحريض المتفرّج على مشاهدة الفيلم. إنها عملية
إغواء،
أكثر ممّا هي نقد.
·
تشهد دول الخليج العربي كلّها
تقريباً، وإن بتفاوت ملحوظ
كَمّاً ونوعاً، حركة إنتاجية بصرية، بعضها القليل جداً صادم إيجابياً بلغته
السينمائية التجديدية. كيف تنظر إلى الحركة هذه: كتابة، نصّاً سينمائياً،
معالجة،
إخراجاً، استخدام التقنيات، إنتاجاً، إلخ.
^
في رأيي، أفضل ما يُنتج سينمائياً،
في اللحظة الراهنة، موجود في دولة الإمارات العربية المتحدّة،
مع بروز أسماء شابة
في الإخراج أمثال وليد الشحي وسعيد سالمين وعبد الله حسن ونوّاف الجناحي
وخالد
المحمود وآخرين. بالإضافة إلى حضور مواهب عدّة في كتابة السيناريو، كمحمد
حسن وأحمد
سالمين وغيرهما. نجح هؤلاء، عبر أفلامهم القصيرة، في لفت الانتباه إلى
تجاربهم،
التي تتّسم بروح شاعرية، وبوعي بجمالية الصورة، وبحسّ مغاير
للدراما.
بالنسبة
إلى دول الخليج الأخرى، كالكويت والسعودية والبحرين وعمّان وقطر، هناك
مواهب جديرة
بالاهتمام، لكنها متفرّقة، ومتفاوتة الإنتاج من ناحية الكَمّ. بمعنى أنها
لا تُشكّل
حركةً أو تياراً. لكن، ينبغي ألا ننسى أن السينما في دول الخليج حديثة
زمنياً. إنها
لا تزال في مرحلة التأسيس، وخلق البنى التحتية. إنها، بتصوّري،
تُمهّد الطريق
لتجارب أكثر وفرة ونضوجاً وأهمية.
هناك تنوّع وتفاوت في التجارب السينمائية التي
نشهدها الآن في دول الخليج. هناك نواقص وعيوب. هذه أمور
متوقّعة، نظراً إلى أن
غالبية العاملين في هذا الحقل شبابٌ هواة وعزَّل إلاّ من كاميرا فيديو،
وميزانية
ضئيلة جداً، وعناصر فنية لا تزال تجرّب أدواتها. لكنهم مسلّحون بالشغف
والرغبة
الجارفة في التعبير عن ذواتهم وواقعهم. إنهم يحتاجون إلى
الوقت، وإلى الدعمين
المادي والمعنوي.
·
ما هي أسباب الحركة الراهنة هذه
برأيك؟
^
لا شكّ أن وجود
مهرجانات سينمائية في دول الخليج ساهم، إلى حدّ كبير، في تحريك الإنتاج
السينمائي
وتفعيله. في تشجيع الشباب على إنتاج أعمالهم، بمختلف الوسائل المتاحة لديهم.
المهرجانات هذه بثّت فيهم الحماسة، وخلقت دافعاً لتقديم أفضل ما لديهم من
أجل
المشاركة والدخول في المسابقات. ليست صدفة أن تبرز السينما في دولة
الإمارات مع
مسابقة الأفلام في أبوظبي في العام ألفين، ثم تنتعش وتتزايد مع
إقامة مهرجاني دبي
والخليج. كذلك الأمر مع أفلام دول الخليج الأخرى. لولا المهرجانات، لما وجد
الشباب
فضاءً وأفقاً يعرضون فيهما تجاربهم، ويتلاقون في حوار جادّ. أيضاً، مارس
السينمائيّ
الإماراتيّ مسعود أمر الله، بإدارته مسابقات أبو ظبي ومهرجاني دبي والخليج،
وبحكم
اقترابه الشديد من تجارب معظم الشباب في دول الخليج، دوراً
مهمّاً وأساسياً في
تفعيل الحركة وتشجيعها، وتوفير المناخ الملائم لتتفاعل في ما بينها،
بالإضافة إلى
محاولة تسويقها وإبرازها في المحافل العربية والعالمية.
·
ماذا عن الراهن
السينمائي في البحرين: صناعة أفلام محلية، عرض أفلام محلية في صالات
تجارية، وضع
الصالات هذه، الأفلام المستوردة، المُشاهدة؟ هل المُشاهدة هذه
نتاج رغبة شعبية في
التسلية، أم نتاج ثقافة سينمائية ما؟
^
في البحرين، هناك عددٌ كبيرٌ من الصالات
السينمائية، لكنها تعرض كلّها أفلاماً أميركية وهندية ومصرية،
من النوع التجاري
طبعاً. أما السينما الأوروبية، والسينما غير التجارية في دول العالم،
فغائبة
تماماً، لكن يمكن توفيرها من خلال أشرطة الـ«دي. في. دي.» وشبكة «إنترنت».
الجمهور
البحريني، كما هو حال الجمهور العربي عموماً، يذهب إلى السينما للترفيه. لا
يميل
إلى الأعمال الجادّة، الخارجة على الأطر السائدة في السرد
والشكل البصري. لهذا، لا
يفرض الجمهور العربي شروطاً ورغبات مغايرة على أصحاب الصالات.
حتى الآن، لم تدخل
السينما ضمن النسيج الثقافي للمجتمع العربي. لم تصبح من المكوّنات
الثقافية، كالأدب
والمسرح والرسم والموسيقى. لا تزال السينما، من خلال المنظور العام، مجالاً
للتسلية
والترفيه والتنفيس عن عواطف معيّنة. هذا يشير إلى قصور حضاري، وتخلّف فاضح.
بالنسبة
إلى السينما المحلية، شهدت البحرين محاولات متفرّقة في إنتاج الأفلام
الوثائقية
والقصيرة منذ الستينيات الماضية. تجارب قليلة ومتواضعة. في
مجال الفيلم الدرامي
الطويل، تمكّن بسام الذوادي، المتخرّج من معهد السينما في القاهرة، من
تحقيق ثلاثة
أفلام طويلة في عشرين عام تقريباً، بدأها بفيلم «الحاجز» (1990). أما في
مجال
الأفلام القصيرة، فقد تمكّن الشباب من إنتاج عدد من الأفلام
التي لاقت استحساناً،
وعُرض بعضها في مهرجانات عربية ودولية. غير أن العاملين يشكون من غياب
الدعم
المادي، ما يؤثّر على استمرارية الإنتاج، وتراكم التجارب.
لدينا مواهب وطاقات
فنية. لكنّها تعمل بجهود ذاتية تقشفية، وفي مناخ يكاد ينعدم فيه التشجيع،
سواء من
قبل المؤسّسات الحكومية أم من قِبل القطاع الخاص.
·
هناك صدام، مبطّن أو مُعلن،
بين العاملين في صناعة الفيلم السينمائي والقواعد الاجتماعية الصارمة،
المنبثقة من
محرّمات السياسة والدين والعلاقات. كيف تنظر إلى الحالة هذه؟
^
هذه الحالة
الصدامية موجودة في مختلف المجالات والأوساط الفنية والأدبية. هي ليست
شأناً محلياً
أو عربيا، بل كونياً. دائماً هناك تضارب وتعارض بين الفنان والمؤسّسات
(بأجهزتها
المختلفة، السياسية والدينية والثقافية، من خلال أداتها
القمعية: الرقابة). هذه
حالة أزلية لا حلّ لها (إلاّ إذا عشنا ضمن أطر ديموقراطية حقيقية). المهم
أن يعرف
الفنان كيف يتعامل معها بدهاء، وبحسّ فني واع. أن يعرف كيف يوصل فكرته عبر
المراوغة
والتحايل. عبر الرموز والمجازات. عبر الظاهر والخفيّ. عبر
الصوت والصورة.
السفير اللبنانية في
19/11/2011
دراسة جديدة: الهولوغرام والأفلام ثلاثية الأبعاد
معتز طوبر*
الهولوغرام صورة ثلاثية الأبعاد ، إزاء سحرها كان سيرفس في قبره دهشة
وحيرة الفرنسي (جوزيف نيبس 1765- 1833) مخترع التصوير الفوتوغرافي.
الهولوغرام (Hologram)
ليس صورة فوتوغرافية بالمعنى المادي للكلمة بل ربما يكون ذلك بمعناها
الوصفي من حيث التقاط صورة ساكنة وبكافة الوضعيات بزوايا مختلفة وأبعاد
مختلفة وليس صورة سينمائية بالمعنى ألإسقاطي أيضا على شاشة كبيرة بيضاء بل
صورة سينمائية ( ممسرحة ) بالمعنى الحركي أيضا من حيث خلق جو متحرك مليء
بغبطة المَشاهد وواقعيتها أو قربها من الواقعية.
الطبيعة الهولوغرامية هي المسقط – المنفى لأي ظاهرة فيزيائية حتى
بتنا نعتقد أن الكون كله منطوٍ في في هولوغرام كلي يؤسس لنظير كوني آخر
ربما لنا فيه كائنات تشبهنا أو أنه حقيقة عالم موازٍ لعالمنا تنمو فيه
نظائرنا بانفعالات مختلفة ووعي مختلف أو بدرجة أقل هو صورة عن نظيرنا في
هذا الكون ولكنه لفرط جماله أصبح في متناول اليد.
ولا غرابة من أن ينسجم معنى هذه الكلمة "هولوغرام" مع تصورنا عن هذا
النظير الذي هو رؤية شاملة مسجلة لدينا ، فالكلمة " هولو " تعني " الرؤية
الشاملة " و " غرام " يعني " الكتابة " والكلمة هي اشتقاق لاتيني كمعظم
المصطلحات الفلسفية والعلمية التي يمكن إحالتها إلى معنى فلسفي.
يسجّل الهولوغرام على فيلم حساس خاص بهذا النوع من التصوير وعلى
الأغلب يكون مصنوعا من مادة حساسة للانكسارات الضوئية تلك الصفة التي
تحتاجها الصورة الهولوغرامية لتحيا وتنمو. وبالطبع يتم تقدير وصنع هذه
المادة بإشراف فيزيائيين مختصين.
الايحاء بالواقعية
ويتشكل الهولوغرام على الفيلم الحساس بعد تسليط ضوء الليزر عليه،وهو
ضوء أحادي اللون مترابط ذو شدة عالية، ينقسم الى حزمتين بوساطة عدسات
الانكسار، إحدى الحزمتين تمر على الجسم المراد تصويره فتحمل معها معلومات
عن الجسم (وهي هنا نفسها معلومات الصورة الفوتوغرافية) والحزمة الأخرى تذهب
مباشرة الى الفيلم الحساس لتعطينا الإحساس بعمق الصورة أو ما نسميه البعد
الثالث والذي يوحي بواقعية الصورة وحيويتها.
وبتداخل هاتين الموجتين (لأنه لهما توقيت انطلاق واحد) على الفيلم
الحساس تُسجّل الصورة أي يتشكّل الهولوغرام، طبعا دون أن ننسى وجود
الأدوات الأخرى لتحقيق هذه الصورة من طاولة ثابتة وعدسات تؤمن انعراج
الحزمة الضوئية وغيرها من الأدوات التي يحتاجها المصور والتي ستبقى ثابتة
أصلا من معدات الاستديو، تماما كتلك الموجودة في استوديوهات التصوير
العادية من فلاشات وغيرها التي تؤمن شروط رؤية وتصوير فوتوغرافي مثالي.
وحديثا يمكننا التحدث أيضا عن هولوغرام منزلي باستطاعة أي هاوٍ تطبيقه
في المنزل والتمتع بسحر الهولوغرام مع روعة الانكسارات الضوئية الساقطة
على الأجسام والتي ربما تحقق عوالم مخيلتنا الطفولية.
الفيلم الحساس يكون إما مستويا ويتم استخدامه من اجل تسجيل هولوغرام
ثابت أو على شكل مكعب يسجّل هولوغراما متحركا يُمكّننا من استعادة الصورة
من جهات وزوايا مختلفة . بحيث يمكن أن تُخزَّن على فيلم هولوغرامي حساس
للضوء بحجم مكعب السكر حركةُ كتيبة عسكرية كاملة لمدة أربع وعشرين ساعة كما
جاء في تقارير بعض المختبرات الأمريكية في تسعينيات القرن الماضي.
وتتم رؤية الصورة الهولوغرامية بتسليط ضوء الليزر نفسه على الفيلم
الحساس ليظهر خلفه صورة في الهواء الطلق بأبعادها الثلاثة لنحس ونرى معها
بحبل من الأفكار والرؤى والتصورات فيها استشراف لما يمكن أن يوازي هذا
الكون وكأنها نبوءة تحيلنا الى السؤال هل كوننا عالم بلا نظير؟
هذه الصورة ( الهولوغرام ) هي ظل لنا يسبح وينغمر في الهواء، كائن
يجرّب الحياة أو تجربة للحياة بانفلات وانثيال كوني مادته الطاقة فقط وليس
تجربة للموت كما يذهب رولان بارت من " أن الصورة تجربة مصغرة للموت ، تكمن
في تحويل ذات حية إلى موضوع ميت في جمود أبديومن أن العالم في رأيه أخرس لا
يتكلم إلا عبر اللغة فالمادة البصرية لابد من أن تصاحبها مادة لفظية لتحمل
قيمة دلالية معبرة".
الهولوغرام والمشاعر
الهولوغرام كائن يقيس مشاعرنا في لحظات صمت بينية ، يتناول المشاعر
ويقيس العاطفة في كل لحظة حركة.. روح خزينتها ملايين العصبونات الحية ،
نراها فنتذكر ونشعر وننشد لحظات عود أبدية . صورة مقتطعة منك متجاوزة
أبعادها الديكارتية الميتة في الصورة الفوتوغرافية . وهي ليست لحظات زمن
مفقود تفتح أبوابا للنسيان، بل هي لحظات إشعاع دائم لا لحظات توقف. صورة
معادلها الموضوعي هو ذلك الارتياب أو الشك القائم بين الجسم وظله،بين الجسم
والصورة، بين الكتلة والطاقة إلا أنه لابد من أن ترشح الكفة الى قياس
أحدهما بدقة على حساب الآخر حسب ما ذهب إليه العالم الفيزيائي هايزنبرغ في
مبدأه الارتياب أو الشك فأما الكتلة أو الطاقة ، وإذا كانت الطاقة هنا
الصورة الهولوغرامية فهي معادلا حقيقيا لعالمنا المادي(الكتلة) إلا أن
الريبة تبقى في مقدار ما تحمله هذه الصورة من إيحاءات بوجودها أو ما تعكسه
من رموز تُناغمُ أحاسيسَنا ومشاعرَنا.
والذي يدعونا الى التساؤل بالقول متى سنُدعى الى غاليري ومعارض فنية
تكون مادتها الفنية صورة هولوغرامية فقط ، وما هي حدود التجريب في هكذا
تصوير . ما الذي يمكن أن يضفيه خيال الفنان التشكيلي إذا ما صحت التسمية
عليه لعرض صورة تكون مقبولة فنيا، وليست مستحضرة فقط بآلة هولوغرامية كأن
يتلاعب الفنان بصورة هولوغرامية لتركيب خيال جديد فوق خيال أساسي لتحقيق
الشرط الفني من غرابة جمالية وإبداع رائد ، على الرغم من معرفتنا وعلمنا
بأن التجريب في الفن التشكيلي ذهب الى أبعاد حدية في التصوير المجسم ولا
أقصد هنا فن النحت مع أنه لا يستنثى من هذا الشرط ومن هذا الحقل.
الطبيعة الفيزيائية
أجمل ما يمكن أن يقال عن الطبيعة الفيزيائية للهولوغرام هو أن أي جزء
من الفيلم الحساس الذي يحتوي على الهولوغرام يمكن أن يحوي الصورة نفسها ،
فصورة وردة على سبيل المثال الموجودة على الفيلم الحساس الكامل ستكون نفسها
موجودة على أي جزء مقتطع من هذا الفيلم ، كالمرآة تماما إذ أن أي جزء من
مرآة مكسورة سيعكس الصورة نفسها. أي جزء من الفيلم الحساس سيعطي الصورة
الهولوغرامية نفسها فالجزء مثل الكل وكما أن كل نقطة من الدماغ تعطينا
تصورا كاملا عن الأشياء كما لو كان الدماغ نفسه كاملا ، فلا مركزية
المعلومات في الدماغ هي نفسها في الهولوغرام مما يحدو بنا الى القول بأن
الدماغ هو صيغة هولوغرامية عن الكون .وكما يُسجّل العالمُ هولوغراميا يسجّل
في الدماغ.
وهذا يقودنا الى التأكيد على أننا نتكلم على الهولوغرام في شموله
على منطقين ، المنطق الفلسفي الذي هو منطق موازٍ للمنطق العلمي ، فالصيغة
الفلسفية هي صيغة منطقية تم الأخذ بها لتفسير العالم شفاهيا أداتها اللغة
والصيغة العلمية هي صيغة أخرى لتفسير العالم أحد أهم أدواتها التجربة
والعنصر الرياضي بشقه الحسابي الهام .
في السينما كانت هناك محاولات عديدة لتحقيق سينما أقرب ما تكون الى
الواقع وخرجت أولى المحاولات من رحم الصورة الفوتوغرافية ، حتى أمكننا
القول بأن السينما هي نتاج غيرة غير طبيعية من الصورة الفوتوغرافية لأنها
تأخذ التزامن والتسلسل السريع للصور الفوتوغرافية والعيون أداة الدماغ
هي التي تدمج الصور المنفصلة معا لخلق ما نعتقد انه حركة أو الوهم في
الحركة.
فالسينما الصامتة ، سينما اللونين الأسود والأبيض هي سينما الصورة
الفوتوغرافية بتسلسل سريع للزمن يفوق القدرة البصرية على إسكان الشيء بحيث
يكون الشعور بالصورة لحظات بريق قائمة على الحالات الحدية بين إطار صورة
وإطار صورة أخرى .والسينما التي حاولت أن تشق لنا أسلوبا في الحياة هي
السينما متعددة الألوان سينما الصورة الملونة بحيث تم عندها إدراك البعد
الديكارتي ( البعد الثنائي) بشكل يحاكي الواقع ، هذه السينما فتحت لنا بابا
الى خلق طموح وتطلع لرؤية مشهد حقيقي لا يحاكي الواقع فقط وإنما يمكن النظر
إليه على أنه رؤية الواقع من زاوية خاصة ، رؤيته بأبعاده الثلاثة بصورة
هولوغرامية تجسد الواقع مجردا من مادياته.
في عام 1920 قال المخرج الروسي الشهير سيرجي ايزنشتاين (Sergei
Eisenstein) صاحب الفيلم الشهير "المدرعة بوتمكين" 1926)
بأن مستقبل التصوير السينمائي هو صورة ثلاثية الأبعاد و كلامه هذا كان
تمهيدا لفكرة آمن فيها العديد من مخترعي السينما وصنّاعها، و قاد الأخوة
لومير (
Lumière brothers)
لتجريب العرض المجسم
(stereoscopic)الثلاثي
الأبعاد بوضع إطارين لنفس الفيلم بلونين مختلفين الأحمر والأزرق أو الأخضر
وتسليط ضوء البليجكتور بتزامن واحد للإطارين على شاشة العرض ، وظهر العرض
مجسما باستخدام العدسات (النظارات) وباللونين الأبيض والأسود، والتجربة
هذه كانت تشبه الى حد بعيد العرض ألمجسمي الشهير " قوة الحب 1922" (Power
of Love) للمخرج الأمريكي فيرهول.
التصوير المجسم
وبعدها في الثلاثينيات من القرن الماضي ظهرت سينما التصوير المجسم
بحيث استخدمت مبدأ الاستقطاب الضوئي لكن العدسات الخاصة التي تشكل الرؤية
المجسمة كانت متعبة للعين وتتطلب صناعة خاصة.
إلا أن الاختراع العظيم في الفيزياء والذي جلب الكثير من التفاؤل
والأمل لصناع السينما والذي جاء بالصدفة هو اختراع الهولوغرافيا (holography) 1947 م على يد العالم البريطاني دينيس غابور (هنغاري الأصل)
واستحق عليه جائزة نوبل في الفيزياء 1971.
الصورة الهولوغرافية هي صورة ثلاثية الأبعاد يمكن أن تُرى من زوايا
مختلفة . لا عدسات بل حقيقة تراها في الهواء ، الهواء سيكون بلازماها
وماءها والتربة الذي سيغذيها بشروطه من حرارة وضغط وتآين ذراته ، ستكون
هناك حياة للصورة في الهواء باللونين الأبيض والأسود أولا ومن ثم حياة
ملونة كما هي عليه في الواقع.
هذا الاختراع سيكون ثورة في السينما التي تطمح لأن تكون حقيقية أي
بأبعاد الواقع والرؤية المباشرة.
كان أول فيلم هولوغرافي في عام 1966م في أمريكا من قبل " ليمين " (M. Lehmann)
واتجه بعدها الكثير من صناع السينما الهولوغرافية لصناعة هكذا أفلام من
فرنسيين وبريطانيين ومهندسيين يابانيين وغيرهم .. إلا أن تقانة صناعة
السينما الهولوغرامية اصطدمت بقيود كثيرة من حيث صغر شاشة العرض وزمن العرض
.. الخ فعلى سبيل المثال كانت الأفلام الهولوغرافية في فرنسا محصورة في
حجرة لا تسع لأكثر من شخصين أو ثلاثة مما يفقد متعة الحضور السينمائي وسحر
هذا الاختراع .
وبعدها في السبعينيات من القرن الماضي ظهرت أبحاث التصوير السينمائي
الهولوغرافي بقوة في الاتحاد السوفياتي إذ كان للبروفسور كومر (
Professor Victor Komar ) وفريقه (NIKFI) تطلعات طموحة في تقديم سينما هولوغرافية عالية الجودة بحيث يشاهدها
الكثير من الناس دون إزعاجات تقنية .. وبعد بحوث مكثفة وكثيرة قدم فريق
البروفسور كومر1976 م فيلما هولوغرافيا قصيرا بالأسود والأبيض أدهش وحيّر
المشاهدين إذ رأوا صورة ثلاثية الأبعاد تتحرك خارج شاشة العرض وربما تستطيع
أن تدور من حول الشاشة في أي اتجاه (شاشة العرض هنا بالطبع فسحة من الهواء
.. ارض مسرح كأنك ترى عليه ممثلين واقعيين لا خيالات مجسمة لهم).
هذه الانجازات الروسية حيّرت العالم ونبهته الى روعة هكذا اختراع
وخصوصا بعد أن حل فريق كومر مشكلة اللون وقدم فيلما ملونا عام 1984.
وهكذا أصبحت فكرة السينما الهولوغرافيا ممكنة وموجودة بانجازاتها
وأصبحت شعبية وشائعة لدى صناع السينما وهذا ما جعل المخرج تاركوفسكي( مؤتمر
صناع السينما في ايطاليا 1985م) أن يقول :إنه لهام جدا للسينما أن تصبح
هولوغرافية وإنه لمن الضرورة أن نسعى إلى هذا الهدف.
وهكذا تتالت تجارب وانجازات السينما الهولوغرافية ففي عام 1986م أطلق
فريق "استديو أفلام غوركي" فيلما هولوغرافيا مدته 20 دقيقة في قاعة مسرح
تتسع ل 50 مقعدا . وفي عام 1991م قدمت الأكاديمية الأمريكية لفن الصورة
المتحركة والعلوم جائزة الأوسكار ل
NIKFIمن اجل الانجازات التقنية الرائعة في حقل
صناعة الأفلام ثلاثية الأبعاد وهذا الجائزة كانت حقيقة تكريما لفيكتور كومر
الذي قدم وطور التصوير السينمائي الثلاثي الأبعاد خلال عدة عقود.
ثورة حقيقية
وما إن بدأ عقد التسعينيات من القرن الماضي حتى كان هناك ثورة حقيقية
في مجال الصورة الثلاثية الأبعاد فبتنا نرى شاشات تلفزيون هولوغرامية أي لا
تحتاج صناعة التلفزيون شاشات مسطحة بل تكون الشاشة فقط في الهواء فوق او
أمام المدفع الإلكتروني الذي يبث العرض ونشاهد أيضا في مجال الدعاية
والإعلان صورة ثلاثية الأبعاد لا تحتاج الى عدسات لتعطينا ذلك الشعور
بالبعد الثالث هذا عدا عن استخدام أفلام الخيال العلمي هذه الفكرة ضمن
سيناريوهاتها . وفي نهاية التسعينيات من القرن الماضي وجدنا صانع الأفلام
Roland Bykovرولاند
بايكوف قد عمل على بناء مسارح كثيرة لسينما الهولوغرام في العالم.
في عام 2002 منحت الأكاديمية الروسية للفنون والتصوير السينمائي
البروفسور كومر جائزة الفيلم الوطني الروسي وهي توازي في أهميتها جائزة
الأوسكار. وكتب البروفسور الأمريكي ستيفن بينتون وهو واحد من أهم مطوري
الهولوغرافيا في معهد ماسوشستس التقني الى كومر معبرا عن اغتباطه لما حققه
من انجازات مذهلة في علم التصوير السينمائي الهولوغرافي ومتفائلا بأن
السينما في طريقها لأن تكون سينما هولوغرافية – ثلاثية الأبعاد..
مع سينما الهولوغرام أصبح صنّاع السينما يلتقطون لنا صورة هي لحظة
مؤجلة من زمن كلي نلتقطها لنتذكرها بعاطفتها وسياقها وهي لحظة متعددة
نلتقطها لا لتنسى بل لنراها من زوايا مختلفة ،و لحظة مقتطعة من زمن كلي
لنتكلم فيها على نص بصري في طياته شعر. مع هذه السينما تصبح الصورة خزينة
حية لملايين عصبونات الذاكرة فالمغزى الحقيقي يكمن في مسرحة الصورة
وتجسيدها بعيوبها وشوائبها لا في استنساخ ميكانيكي لها ، ودون أن تكون هناك
معايير تذوق لها أو قوننة لهذه المعايير وفق شرط بشري ثابت.
مع سينما الهولوغرام هل نستطيع أن نقول بأن الصورة أصبحت تحفة فنية
تجعلنا نحس بمساقط الصورة مليئة بالعاطفة من حب وبؤس وحرمان(بعيدا من سطوة
الكاميرا وطغيانها)، نرى المشاعر الإنسانية مسكوبة في وعاء آلامها الحقيقي
وكل ذلك ونحن مأثورين ببهجة الصورة الهولوغرامية ومشدوهين بروعة العلم
الذي أوصلنا الى هذه الصورة بحيث كان له أن يخلق لنا ظلالا أشبه ما تكون
بأرواحنا متخلصة من جسد مبتلى بطعامه ونزواته.
*كاتب وشاعر من سورية
عين على السينما في
19/11/2011 |