منذ عــرضه في تــظاهرة أسبوعي المخرجين في مهرجان «كان» السينمائي،
لم يكف
الفيلم الروائي الطويل الاول للمغربية ليلى كيلاني («على
الحافة») من التجوال في
المهرجانات، من تظاهرة ربيع السينما
العربية التي أقيمت في باريس الى مهرجان ابو
ظبي الذي منحه شهادة تنويه بالبطولة النسائيــة والمهرجان الدولي للفيلم
المستقل في
بروكسيل
حيث نال جائزة لجنة التحكيم ومهرجــان سالونيك...
ولن
تقف جولات الفيلم عند هذا الحد، إذ سيكون
على موعد مع أكثر من حدث سينمائي، أبرزها
مهرجان مراكش، حيث يخوض اختباره الاول امام الجمهور المغربي بعدما أثار
إعجاب
المشاهدين في الخارج.
تترقب كيلاني هذا الموعد، خصوصاً ان الفيلم يتناول
العالم السفلي لميناء طنجة من خلال قصة فتاة، يحوّلها عملها في مصنع لتقشير
القريدس، ضحية من ضحايا جشع الشركات الكبرى التي لا ترى في اليد العاملة
الا آلات،
ما يجعلها على حافة الهبوط في مستنقع الجريمة. وأمام سودواية الواقع لا
تتوانى
بطلتنا عن تأليف عصابة مكوّنة من أربع فتيات، تغرق شيئاً فشيئاً في ظلمة
يصبح صعباً
جداً الخروج منها.
«الحياة» التقت ليلى كيلاني في مهرجان أبو ظبي، وحاورتها
حول الفيــلم ومشــاركتها في مهرجان «كان».
·
ماذا يعني لك وصول فيلمك
الروائي الطويل الأول الى مهرجان «كان» السينمائي؟
-
هذا الفيلم كان مخاطرة
كبيرة على الصعيدين الإنتاجي والفني. فهو ليس فيلماً من السهل تصويره،
خصوصاً انني
أردته ان يكون نابضاً بالضغط والتهور، من دون ان أنسى الكتابة التي هي في
رحلة بحث
دائم. لذا أريد ان أعبّر عن شكري الكبير للمولفة تينا باز التي استطاعت في
المونتاج
ان تعبّر الى أبعد الحدود عن هذا البحث، لا سيما ان الشخصية الرئيسة ليست
من النوع
الذي تتعاطفين معه بسهولة. ولا انكر ان بعض الذين شاهدوا الفيلم كرهوا هذه
الشخصية
الى ابعد الحدود، في حين أحبها آخرون. هي شخصية لا يوجد من حولها إجماع.
وعندما
تأخذين هذا التحدي، إضافة الى تحدي الكتابة بطريقة تعتمد على التوتر
والطاقة،
بعيداً من السرد التقليدي، لا تكون لديك قدرة على التخمين ما اذا كان هذا
الأسلوب
سينال الاستحسان ام لا. أقول هذا من دون ادعاء، فأنا لم أدخل مدرسة
السينما، وما
قدمته في الفيلم هو نتاج البحث الدائم الذي أعيشه. كما ان ظروف التصوير لم
تكن
سهلة. إذ سبقته تحضيرات كبيرة وعشنا أيام تصوير طويلة، خصوصاً انني أصوّر
مع ممثلات
غير محترفات. عندما تأخذين هذه المخاطرة، وهي بأي حال مخاطرة «سينما
المؤلف»، يصبح
لديك خوف وتتعلقين بأمل ان يكون للفيلم وجود، وأن يحظى بفرصة عرض امام
الجمهور. من
هنا أتذكر شعوري جيداً حين أخبرتني منتجة الفيلم الفرنسية، قبل ان اعلم
بترشيح «على
الحافة» لمهرجان «كان»، أن أحدهم في اللجنة همس لها بأنه أحبّ الفيلم
كثيراً... كنت
حينها على حافة البكاء، ورحت أقول للمنتجة، أتظنين فعلاً ان أحداً سيحبّ
الفيلم؟
ولا انكر ان هذا الفيلم كان من الصعب تحمله، لكنّ أشخاصاً كثراً تحملوه
بعدما آمنوا
بي. اما وجودي في «كان» فكان معجزة بالنسبة إلي. وأنا فخورة جداً بأنني
كمغربية
استطعت ان أحمل فيلمي الى أعرق المهرجانات السينمائية.
تعرية
مجتمع
·
هل من السهل تعرية المجتمع
المغربي وانتقاد المشاكل الاجتماعية
فيه؟
-
لا أشعر انني كنت في مهمة انتقاد المجتمع المغربي عندما اعددت
الفيلم. كما كان لديّ الحظ بأن المركز السينمائي المغربي يدعمني. اما في ما
خصّ
المجتمع المغربي فيبدو الفيلم مبهماً. أحياناً هو مجتمع تقليدي الى ابعد
الحدود.
وأحياناً نراه يحتضن تيارات من كل الاتجاهات. في الفيلم أردت ان أصوّر فتاة
مكافحة،
لكنني لم أشأ في الوقت ذاته ان أحمل راية الدفاع عن قضية او ما الى ذلك. في
المغرب
نعرف جيداً الحدود بين ما هو مسموح وما هو ممنوع، والشباب المغربي شباب
متمدن
ومكافح وذكي، يعرف كيف يمزج الأدوات ويدير الغضب الذي في داخله. أنا انتمي
الى هذا
الجيل والى هذا البلد.
·
ما الصعوبات التي واجهتها عند
إعداد «على
الحافة»؟
-
لم تكن هناك صعوبات إلا الوصول الى أسلوب سينمائي خاص للحديث
عن
قصة عصابة مؤلفة من أربع فتيات يعشن في مدينة طنجة. الصعوبة هي
صعوبة كل مخرج
للوصول الى ادواته ولغته السينمائية.
·
لماذا اخترت مدينة طنجة بالتحديد
مسرحاً للأحداث؟
-
انا اساساً من طنجة، وكبرت وفي رأسي أفكار حول هذه
المدينة، وقصص عن المافيا والعصابات. رأيت طنجة وهي تتغيّر فـــي العمق.
فهي، مرفأ،
وككل المدن/ المرافئ، لديها علاقة خاصة جداً بالقانون. كما انها مدينة
تستوعب اهل
الريف ومغاربة الداخل والأفارقة الذين يجتـــازونها للعبور... وقد شهدت
تحولات
كثيرة، وأضحت القاعدة الخلفية لصناعات عالمية كثيرة، فما يحدث في طنجة،
يشبه ما
يحدث على الحدود الصينية والمكسيكية. وهذه الظاهرة ساحرة وغريبة في آن.
فهناك مادة
آتية من بلد ما، تُصنّع في بلد ثان لتُصدّر الى بلد ثالث. في الفيلم أخذت
نموذج
العاملات في تقشير القريدس. فهو يأتي من البحر الشمالي، ويُقشّر في طنجة،
ليعود
ويعلّب في مكان آخر، ويباع حول العالم. هذا كله يرمز الى ما يشهده العالم
اليوم من
تغيرات. وهذا المــــزيج يتـــمّ استناداً الى جيش من الأيدي العاملة، وهو
أحد
نماذج العولمة. فالقرية الــعالمية ليست «فايسبوك» وحده، لكنّ ما يحدث في
طنجة يمكن
اعتباره ايضاً مثالاً على العولمة. هذا كله غيّر المدينة، من دون ان ننسى
ان النساء
في المغرب أصبحن المعيل للعـــائلة. من هنا، فإن علاقة التـــحرر الحســية
التي
تمرّ من خلال العـــمل كافية لتـــخلق المـــسمار الاول في المخيلة
السينمائية.
رعاة بقر
·
لماذا اخترت ان تكون «بديعة»،
الشخصية
الرئيسة في الفيلم، مراهقة أقرب الى الصبيان بتصرفاتها منها الى بنات
جنسها؟
-
أردتها ان تتشبه برعاة البقر، ولكن على طريقة كالاميتي جاين (أسطورة
اميركية شاركت في الحروب الهندية). كان الرهان في إيجاد علاقة بين هذين
النمطين، بما انني قريبة من الويسترن الاميركي والأفلام السوداء. اما في
الحياة
طبيعية، فهي فتاة لا ينقصها شيء من الانوثة. لذا، كان عليّ، أثناء
التحضيرات، أن
أُخضعها الى جانب الشخصية الرئيسة الثانية الى دورة تدريبية في احد مصانع
تقشير
القريدس، بعيداً من أجوائهما الطبيعية لتعيشا الضغط والتعب. وفي عملية بناء
هاتين
الشخصيتين لم تكن التحضيرات ذهنية بل جسدية. لم يكن هناك حوار بسيكولوجياً
حول
الشخصيات، بل كنا نتفق على الحركات وطريقة التنفس والإيقاع. كان عملاً
خاصاً جداً.
وأكثر ما ركزت عليه هو عملية التفاعل مع الفضاء والزمن والآخر. كان البناء
الجسدي
هو الأهم بالنسبة إلي، والشخصيات الرئيسة سرعان ما فهمت دورها جسدياً.
فمثلاً،
عندما عرضت عليها مجموعة افلام لمشاهدتها عشقت أفلام كين لوتش ووجدت ان
الشخصيات
صادقة جسدياً. كان كل شيء بعيداً جداً عن عالمهما. وكانتا مندهشتين به. حتى
ان
صوفيا (بديعة) قالت لي لو كنت فعلاً مكان «بديعة» لأحرقت هذا المصنع. إذ
ليس من
السهل ان تعملي في ظل هذه الظروف القاسية وأن تتقاضي على الكيلوغرام. من
هنا كان لا
بد من ان تُجيدا الحركتين السحريتين لتقشير القريدس بطريقة أسرع، وكان
عليهما ان
تتآلفا والمكان ليقتنع المشاهد بواقعهما المزري.
·
ولكن لماذا إهمال
الجانب البسيكولوجي بالتركيز على الجانب الجسدي؟
-
هو شكل من أشكال
التعبير، فالقصة تدور حول مراهقة آتية من
بيئة شاقة لتعيش في طنجة. أردت ان تكون
قصة 4 فتيات في سباق، وقصة فتاة في حالة
هوس. فتاة تدور حول نفسها، وإذا توقفت
تقع.
·
حدثينا عن تجربة العمل مع ممثلات
غير محترفات؟
-
مررنا
بتحضيرات طويلة جداً. وحاولت قدر المستطاع
ان أبعدهنّ عن كل خيالاتهن حول السينما،
خصوصاً انهن لا يعرفنّ حول التمثيل إلا القليل مما يشاهدنه في المسلسلات.
بدأنا
بمشاهدة الافلام. وكان هناك عمل حول تلقيهنّ للفيلم. لم نقرأ أبداً
السيناريو
بالكامل، إنما اشتغلنا مشهداً مشهداً على الايقاع والجسد والتنقلات. أثناء
الكاستينغ لم يكن هناك اي ارتجال، إذ لا بد من ان يأتي من أشخاص أصحاب
تجارب متينة
جداً ونضج في التمثيل. هذا كان واحداً من أوائل مخططاتي التي أُحبطت. ومع
هذا لا
انكر انهنّ استطعنّ ان ينقلن الضغط. وهذا كان صعباً عليهنّ. كنّ يعملنّ
لـ10 ساعات
في اليوم، ويعدن المشهد اكثر من مرة، على رغم انهن في البداية حلمن قليلاً،
خصوصاً
اننا كنا نسكن في فيلا خاصة، وكان لديهن شعور انهن في «ستار أكاديمي». وكان
أول
إحباطات «بديعة» اننا لم نحولها الى نجمة، إنما اردنا ان تكون فتاة عادية.
لذا كانت
تضع ماكياجاً بالخفاء، خصوصاً انها كانت تحلم بالتشبه بنجمات مثل نانسي
عجرم. ثم
تغيّرت الامور، وأرى ان المسافة التي قطعتها الشخصيات جيدة جداً لأن
الأشياء تغيرت
في منظارهنّ، خصوصاً علاقتهن بالسينما. كنت مدهوشة كيف تغيرت رؤيتهن
للمسلسلات وكيف
اصبحن يشاهدن الافلام. كنت اشعر في البداية انني أعمل مع مراهقات كبيرات،
لكنهن
الآن ممثلات كبيرات.
·
لماذا التحول الى السينما
الروائية بعد تجربة في
السينما الوثائقية؟
-
صحيح ان الوثائقي والروائي سردان مختلفان، لكنّ كلاهما
في النهاية لغة سينمائية. وبصراحة لم أفكّر يوماً بأن الوثائقي يعني الصف
الابتدائي، والروائي الصفّ الثانوي. فهي ليست مسألة تراتبية، بل إن الموضوع
برأيي
هو الذي يحدد عملية الاختيار. في ما خصّ هذا الفيلم شعرت منذ البداية ان
السينما
الروائية هي القادرة على التعبير عنه. وأتتني الفكرة حين كنت أصوّر
وثائقياً عن
طنجة، ولمست كم تغيّرت هذه المدينة، وتعرفت الى جيش النساء من الأيدي
العاملة،
وظروف عملهن. كان هناك بعد كبير لفيلم روائي من نمط الأفلام السوداء، وهذا
لا يمكن
ان يترجم إلا في خيالي. وقلت في نفسي لا بد من ان احقق هذا العمل. كنت أرى
الشخصية
تركض في رأسي، ولم أتخيل قط انني سأحقق وثائقياً عن الموضوع على رغم ان
عدّة
الأفلام الوثائقية كانت معي، وكنت أمضيت آلاف الساعات مع العاملات. لكن
عندما بدأت
الكتابة نسيت الوثائقي، كما لم أشأ ان يكون فيلمي فيلماً اجتماعياً يأتي
ليفسّر
بطريقة مأسوية واقع العمالة النسائية.
·
هل سيُطرح فيلمك في الصالات
المغربية؟
-
نعم. وأعتقد انه سيشارك في مهرجان الفيلم الوطني. وهذا هو
الاختبار الحقيقي للفيلم، فالجمهور الأصعب بالنسبة إلي هو الجمهور المغربي،
لكنه في
الوقت ذاته الأكثر استقبالاً
لأفلامه المحلية. ففي المغرب يقصد الناس
الصالات لمشاهدة الأفلام المغربية، حتى لو
كان رد فعلهم غير ايجابي أحياناً، خصوصاً انهم ينتقدون بقسوة. «على الحافة»
أنتجته
لهذا الجمهور. ولدينا الحظ في المغرب ان نصنع افلامنا بأموال مغربية وأن
تكون لدينا
سينمات متنوعة من السينما الشعبية الى السينما الكلاسيكية الى سينما
المؤلف... ليست
هناك سينما مغربية واحدة، بل هناك أفراد يصنعون أفلاماً مغربية. ثم ان
الحراك الذي
تجدينه في الشارع ينعكس في السينما. المهم ان ننتج صورتنا الخاصة، ولا نسأل
اي فيلم
نريد ان نحقق إنما نصنع أفلاماً فحسب، لأن للتراكم إيجابيات. من هنا يجب ان
نحمي
مؤسسات مثل «سند» في ابو ظبي لديها إيمان بأن العالم العربي لا بد من ان
يموّل
افلامه، ونحن في المغرب محظوظون في هذا المجال.
الحياة اللندنية في
18/11/2011
أكثر الأفلام شعبية تأتي من خارج الدعم
الرسمي
الدار البيضاء - مبارك حسني
من حين الى آخر تظهر ملصقات إعلانية لأشرطة تعرض في الفضاء العام
للحياة
السينمائية المغربية، أو يسمع خبر تنظيم عرض أول لها. وتكون في أحيان كثيرة
أفلاماً
لم يسمع بها كمشاريع قدمت إلى لجنة الدعم السينمائي، التي يتسابق الكل
للفوز بإحدى
منحها كتسبيق على المداخيل الضامنة لانطلاق العملية الفيلمية. عدد هذه
الأفلام لا
يشكل رقماً كبيراً لحد الساعة، لكنه يعلن عن نفسه، وهو مرشح للارتفاع.
والحق أن السينما بما حققته من تراكم، وما تجلبه من ذيوع وشهرة وحضور
ومداخيل
مالية ووعود بالانخراط في مجال الإنتاج السمعي البصري الواسع، هذه السينما
في
منحاها المغربي جعلت عدداً لا بأس به من القريبين من عوالمها يأخذون على
عاتقهم أن
ينتجوا أفلاماً بالتمويل الذاتي أو بالاشتراك مع منتجين آخرين، بل يخرجونها
بأنفسهم
من دون المرور بآليات الإخراج الرصينة وبالمدرسة سواء كانت
أكاديمية أو طبيعية أي
من داخل الممارسة والتجربة لا غير.
وطبعاً يكون الحلم التالي لحلم الإنتاج والإخراج، تحقيق النجاح
الجماهيري الذي
يمكّن من التعرّف والشهرة، وبعد ذلك بالمرور إلى صندوق الدعم على أمل
الحصول على
دعم ما بعد الإنتاج الذي يشكل إحدى منح صندوق الدعم هذا، وبالتالي يصير
الربح
ربحين. من شباك التذاكر ومن الدولة.
آخر هذه الأفلام والذي بدأ عرضه في القاعات منذ نهاية الأسبوع الأول
من شهر
أيلول (سبتمبر)، هو شريط «نهار زاد طفا الضوء» (في يوم مولده انطفأ الضوء)
وهو من
تمثيل الممثل المعروف رشيد الوالي وإخراج محمد الكراط، وتؤدي فيه دور
البطولة
النسوية الممثلة القديرة العائدة هدى الريحاني. وهو شريط من
نوع الأشرطة الشعبية
الخفيفة التي تمكّن الجمهور من قضاء وقت مريح رفقة حكاية بسيطة. الأدهى من
ذلك أنه
يعلن في سابقة خطيرة في ملصقه الدعائي قائلاً إنه فيلم «لكل العائلة»! وهو
ما يثير
الكثير من الأسئلة حول الدوافع. كما لو أنه يمنح سيرة حسن سلوك
سينمائية، أخلاقياً
طبعاً بعد الحديث الذي تناول أفلاماً مغربية بدت «جريئة» وفق آراء كثيرة.
لكن
الخطورة تكمن في محاولة «إعادة خنق» التعريف السينمائي في مجتمع محافظ.
لكن الحقيقة غير ذلك، فنوعية هذا الأفلام وانطلاقاً من موضوعها
وأسلوبها
التبسيطي تروم جمهوراً تخاله بسيطاً، وبالتالي تقدّم له ما تظن أنه يرضيه
ويلبي
ذائقته. كل فيلم حسب رؤيته التي تتحكم فيه. فقبل هذا الشريط شاهدنا «سوينكم»
أو
«فكِر»
لمخرجه الممثل الشعبي عبدالله توكونة الملقب بفركوس. وهو شريط ناطق
بالأمازيغية ويتناول حكاية درامية كما تقدمها السينما الميلودرامية الهندية
والمصرية في أيامها الذهبية مع قياس الفارق والمتجلي في تقنية
تصوير ومعالجة جد
بسيطة متأثرة بعوالم وتقنيات أفلام الفيديو الأمازيغي. وهذا العمل يؤكد
أيضاً كونه «عائلياً» أي أنه لا يتضمن مشاهد عري، وإن
كان يتضمن مشاهد عربدة وسكر ومعاشرة
مومس، لكن بتصوير ذلك سلبياً.
لكن الذي بدأ الظاهــــرة فـــي شكل جلي كان هو المخرج محمود فريطس
عبر أفلامه «نانسي
والوحـــش» و«إكس شمكار». الأول يتناول قصة فتاة بدوية تهرب من ظروف عيش
قاسية بعد أن أخفقت في زواجها بحبيبها، فتعمل راقصـــة وترافق
رجالاً يقتلون فيما
بعد في ظروف غامضة. الثاني يحكي قصة متسكع سابق أصبح ثرياً من خلال إتجاره
في أفلام
الجنس وتوفيره الشغل لرفقائه المتسكعين السابقين. لكن كل ذلك في الحلم وليس
في
الواقع. وهكذا نلاحظ أنها أشرطة تمزج المواضيع والحالات
والــمواقـــف وتنـــوعها
بهدف الإثارة التي تلقى قبولاً في القاعات.
الأمر نفسه أتاه المخرج محمد اليونسي الذي أنتج فيلم «آلو 15» الذي
تدور أحداثه
في عالم له علاقة برجال المطافئ، عبر قصة شاب موسيقي يعيش قصة حب محسودة
وفي ظروف
تتسم بعقبات ومثبطات تحول دون شعوره بالسعادة والهناء. إنها كلها أفلام لا
تحمل
شعار «النقاوة» في الصورة، لكنها تشترك مع الأولى في لعبها على
الوتر الحماهيري
والحكي ذي القابلية الشعبية. أفلام للجمهور وليس للنخبة، همها أن تقدم
فيلماً
مقبولاً لدى الشريحة العريضة من المشاهدين الكثر الذين لا يلتفتون إلى
الطابع الفني
أو الأسلوب أو طرق استدرار العاطفة، بقدر ما يبحثون عن المضحك من المواقف،
والدرامي
من الوقائع، والمألوف في حياته اليومية. أفلام تنحو منحى السينما الشعبية
كما
كرستها أفلام الكوميدي والمخرج سعيد الناصري في السابق، والذي
يعد مؤسس سينما شعبية
وسينما جمهور ترتكز إلى الكوميدي الخفيف والمعتمد على المقالب، وعلى تنويع
الأحداث
الغريبة وغير المتوقعة. فأفلامه مثل «البانضية» و «عبدو عند الموحدين» و
«الخطاف»
جميعها حصلت على نسبة مشاهدة عالية في القاعات السينمائية، وعلى شهرة في
الشارع
المغربي تلعب فيها شخصية المخرج المنتج كممثل كوميدي ذي قدرات خاصة على
الإضحاك
خاصة بتميزه في بناء شخصية «الكازاوي» أي ابن مدينة الدار
البيضاء العملاقة بكل ما
تنتجه من رمزيات وما تشكله في ذات ساكنيها.
هي أشرطة خارجة من دائرة المتوقع السائد من طرف مؤسسي السينما الوطنية
خلال
الخمسين سنة التي هي عمر هذه الأخيرة، ومن دائرة السؤال الثقافي العميق
الذي كان
مُنطلق فكرة إشاعة فن سابع ثقافي ومعبّر وحامل للقيم الكبرى للبلد. الشيء
الذي يبين
أن أمور الفن السينمائي صارت لا تخضع للإرادة الأولى، سواء كانت ثقافية أم
سياسية،
مع تطور تقنيات التصوير والإخراج، وانحسار الاحتكار الذي كان
يمارسه بعض المنتجين
المخرجين في تعالق مع ظروف مساعدة لم تعد قائمة. مع التذكير بانفتاح عالم
التصوير
على سهولة التناول وانفتاح المجتمع أيضاً على حساسيات جديدة ليست كلها
مهمومة
بالإبداع الخالص وبالتعبير فقط بل بالإمتاع اللحظي السريع
كاستهلاك وقتي.
الحياة اللندنية في
18/11/2011
السينمات العربية في انطباعات
برلينية
برلين - إبراهيم العريس
يهز الصديق الجالس في الجوار رأسه ويديه بشيء من العصبية... ويتكرر
تصرفه هذا في
كل مرة يغرق فيها جمهور الصالة الصغيرة في الضحك. واضح أن التصرف نابع من
الغيظ
فيما الضحك نابع من القلب. واضح أن الصديق لم يحب كثيراً أن يضحك فيلم مصري
قديم،
جمهوراً ألمانياً - عربياً مختلطاً في تلك الصالة السينمائية الغريبة
الواقعة في
قلب الحي التركي في ما كان يعرف إلى سنوات، ببرلين الغربية.
كان العرض يشكل الحفلة
الختامية لمهرجان الفيلم العربي في برلين. المهرجان كان ينهي دورته
الثالثة. وكان
الحفل الختامي من دون جوائز ولا نجوم ولا احتفالات صاخبة. فقط نحو مئة
متفرج
ومتفرجة وضيفان أو ثلاثة استقبلوا بترحاب، وشلال من الأسئلة
وفيلم مصري بات عمره
نحو نصف قرن، قد يتساءل المرء أول الأمر ما الذي جاء يفعله في مهرجان أقيم
تحت
شعارات «الربيع العربي». فالفيلم وهو «اعترافات زوج» من إخراج فطين
عبدالوهاب
وتمثيل فؤاد المهندس وماري منيب وشويكار وهند رستم ويوسف وهبي،
فيلم تجاري بحت من
المؤكد أن أحداً قبل الآن لم يفكر بأنه يصلح لمهرجان من المهرجانات فكيف
تراه عرض
في ختام مهرجان طليعي من هذا النوع؟ ثم كيف حدث أن تحققت «أعجوبة صغيرة»
فإذا
بالفيلم يضحك الجمهور الطليعي المؤلف في غالبيته من مثقفين
ومناضلين سابقين
وحاليين؟
غرابة
>
في الحقيقة إن «غرابة» هذا الوضع، الغرابة التي أثارت غيظ
الصديق وربما
اشمئزازه أيضاً، لا بد أن تسجّل نقطة لمصلحة المهرجان... ولا سيما بالنسبة
إلى
متفرج كان يعرف هذا الفيلم، كما يعرف سينما فطين عبد الوهاب بشكل عام ولم
يخيّل
إليه أبداً أن في إمكان هذه السينما أن تضحك الناس أكثر مما
فعلت في الماضي... لكن
تخيّله هذا لم يكن صائباً، وذلك لأن «اعترافات زوج» لم يكن فريداً من نوعه
خلال
المهرجان البرليني، بل كان جزءاً من سلسلة عروض ضمن إطار تظاهرة حول الضحك
في
السينما العربية، توّجت بندوة مع الناقد كمال رمزي حول الموضوع
نفسه تميزت بنقاش
عميق أهم ما فيه انه أعاد إلى الكوميديا السينمائية العربية اعتبارها في
مدينة لم
تكن الكوميديا جزءاً من سماتها... كما أعاد المهرجان نفسه، على صغره،
الاعتبار إلى
ما يمكننا أن نسميه: حب السينما ودورها في حياة الناس. وآية
ذلك، بالتأكيد ما كان
يمكن ملاحظته بسهولة، وبدا مختلفاً عما يحدث في العدد الأكبر من التظاهرات
السينمائية التي تقام - في مدن أوروبية، بخاصة - للأفلام
العربية، سواء كانت
أفلاماً قديمة أو جديدة: ونتحدث هنا عن الحضور اللافت لجمهور لكل أنواع
الأفلام:
حتى أفلام مارون بغدادي أو برهان علوية،
المكرّمين طوال أيام المهرجان، عبر عرض ما
لا يقلّ عن دزينة من أفلامهما الشهيرة، أو الأقل شهرة، غالباً
ما كان عرضها يملأ
الصالات بحيث أن متفرجين كثراً لم يجدوا مقاعد يجلسون عليها فشاهدوها
واقفين، وفي
صالات تتسع لمئات المشاهدين.
جمهور
>
من ناحية الإقبال على الأفلام كان الأمر مفاجئاً حقاً، سواء
تعلّق ذلك
بأفلام المخرجين اللبنانيين المكرمين، أو بأفلام عربية أخرى آتية من مصر أو
تونس أو
الجزائر أو المغرب... ناهيك بأفلام تسجيلية وقصيرة وجدت هي الأخرى متفرجين
كثراً
لها، ولا سيما - بشكل خاص - الفيلم المصري الجماعي «18 يوم»
الذي عرض في الافتتاح
ومرات أخرى وازدحمت الصالة لدى عرضه. غير أن الأكثر مدعاة للدهشة، كان ما
يحدث عند
انتهاء عرض كل فيلم من الأفلام إذ يعلن عن فتح النقاش حول الفيلم، أو حول
بعض
الأوضاع الاجتماعية السياسية المتعلقة به: كان معظم الجمهور
يتسمّر في أماكنه ويحضر
النقاش ويساهم فيه. والنقاش كان سرعان ما يتنوع ويتشعب متأرجحاً بين الراهن
العربي
والحروب ووضعية المرأة وربيع بعض الدول في المنطقة، وأحياناً وضعية الإنتاج
السينمائي وأصحابه. ولئن كان كثر من الحاضرين يبدون فضولاً ثم
دهشة إزاء ما يسفر
عنه النقاش، فإن هذا النقاش سرعان ما يكشف أن المثقفين والمناضلين العرب
الحاضرين،
الذين يقيم معظمهم في ألمانيا، سواء كانوا أتوا من فلسطين أو لبنان أو
سورية أو
العراق أو مصر - وهم كثر في هذا القطاع من برلين يقيمون أو
يدرسون منذ زمن طويل -
ليسوا بعيدين عن أحداث المنطقة ومستجدات الفنون والآداب فيها. والحال أننا
إذا
استثنينا باريس - التي تعتبر حاضرة عربية في هذا المجال - سنلاحظ من برلين
«العربية»
هي، بشكل أو آخر، أكثر مدن العالم الغربي تواصلاً مع ما يحدث عربياً.
فأشخاص مثل الدكتور عصام حداد ومي شاوي -
من مسؤولي المهرجان - وصلاح حولي ومنى
حمزة - من الفنانين العرب المقيمين في برلين بشكل دائم أو
متقطع، أو حتى كثراً من
المتفرجين العاديين، يبدون دائماً على ارتباط متواصل مع ما يحصل في
«الأوطان
العربية». ناهيك بأن علاقتهم بالسينما علاقة محكمة وشديدة الأناقة.
مناضلون
>
هذه العلاقة تبدو بشكل أوضح - وربما أكثر ارتباطاً بالسياسة أو
ما تبقى
منها - حين يرتب ابن طرابلس المقيم في ألمانيا مناضلاً فيها إلى جانب حزب
اليسار،
الدكتور حداد، الطبيب المتقاعد والمناضل السياسي الدائم العامل من أجل
إبقاء
القضايا العربية حيّة في الضمير الألماني، يرتب لـ «الوفد
اللبناني» ولا سيما لممثل
«نادي
لكل الناس» ضيف المهرجان والمشارك في تنظيم تكريم برهان علوية ومارون
بغدادي،
نجا أشقر، لقاء مع مسؤولي «متحف وأكاديمية السينما» في برلين، هدفه إيجاد
صيغ
لتعاون ألماني/ لبناني غايته مساعدة النادي اللبناني على ترميم
أفلام لبنانية
قديمة، أو تنظيم مي شاوي، الأستاذة في المدارس الألمانية وزوجة الطبيب زهير
شاوي (ابن الراحل نقولا شاوي، الأمين العام
الأسبق للحزب الشيوعي اللبناني)، لقاءً مع
مسؤولي جماعة روزا لوكسمبورغ الثقافية (التابعة لحزب «اليسار»
الشيوعي الألماني
السابق)، هدفه إيجاد سبل للدعم والتعاون مع السينما اللبنانية. في مثل هذه
اللقاءات
تجلت علامات اللقاء المثمر ليس فقط بين بيروت وبرلين، بل بين السينما
وتاريخها،
وكذلك علامات الدهشة إزاء تلك الأفلام اللبنانية التي حققت قبل
ثلث قرن ولا تزال «فعّالة»
حسب تعبير مندوبة «جماعة روزا لوكسمبورغ». وكان السؤال الأساسي، حينها،
بعد الحديث عن سينما علوية وبغدادي، يدور من حول امتداداتها في السينما
اللبنانية
الأكثر راهنية. غير أن الأكثر إلحاحاً بين الأسئلة خارج تلك
اللقاءات، كان يتعلق
بالمصير الذي سوف تكون عليه السينمات العربية، لا سيما منها السينما
المصرية
والتونسية في سياق الأزمان المقبلة للربيع العربي. وقد يكون من المفيد هنا
أن نذكر
أن أجزاء من النقاش، أمام بعض أجزاء «18 يوم» و «مسخرة» الجزائري و «خلص»
لبرهان
علوية، دار من حول التضافر بين الفكاهة والسينما والأحداث
الخطيرة في المنطقة...
حيث أن كثراً من الأصدقاء الألمان ابدوا دهشتهم أمام قدرة بعض السينما
العربية على
أن يتّسم بكل هذا القدر من المرح وحسّ السخرية. والحقيقة أن معظم هؤلاء
الأصدقاء،
بعدما شاهدوا الأفلام المصرية الهزلية القديمة، اعتبروا أن هزل
الماضي «المجاني»،
يجد الآن دعامة جدية - حديثة له، في سينما الحاضر التي تستخدم،
في رأيهم، المرح
لقول أشياء خطيرة.
سينما السينما
>
غير أنهم، في الوقت نفسه، كانوا يدركون انه لا يزال عليهم أن
يبرهنوا على
هذا «الاستنتاج». وهم في انتظار ذلك قالوا، خلال الأيام الأخيرة للمهرجان،
انهم
باتوا، اليوم، وبكل تأكيد، اكثر معرفة بشؤون العالم العربي وشجونه، مؤكدين
مرة
أخرى، أن السينما – في أيامنا هذه – لا تزال أفضل نتاج فني
يعكس أمزجة الشعوب
والعلاقات في ما بينها. وفي هذا السياق نفسه، كان الاستقبال الطيب،
والاستثنائي،
للفيلم الذي حققته المصرية – ألمانية التربية والدراسة السينمائية – فيولا
شفيق،
حول الممثل العربي – التونسي – الهادي بن مبروك الذي كان صديقاً للمخرج
الألماني
الراحل راينر فاسبندر، وتولى بطولة واحد من أكثر أفلام هذا
الأخير شعبية «كل
الآخرين اسمهم علي». فيلم فيولا شفيق حمل عنوان «جنة علي» وأتى عملاً
مميزاً
تحقيقياً بشكل أخاذ صوّر بين ألمانيا وفرنسا وشمال أفريقيا بحثاً عن ذلك
الممثل
الذي اختفى ذات يوم أواخر القرن الفائت مخلفاً ذكرى غامضة
وعدداً من الأفلام وأسئلة
كثيرة. في هذا الفيلم عرفت المخرجة كيف تنسج فيلمها كالتحقيق البوليسي. غير
أن فيلم
فيولا شفيق لم يكن العمل الوحيد عن «ألغاز تحيط» بحياة نجم سينمائي، بل كان
هناك
فيلم آخر من النوع نفسه تقريباً، هو «اختفاءات سعاد حسني
الثلاثة» للبنانية رانيا
اسطفان. ويقيناً أن هذين الفيلمين إضافة إلى بعض سمات «خلص» لبرهان علوية،
أعمال
أمنت حضور السينما في السينما خلال مهرجان لولا هكذا أعمال ولولا الهزليات
المصرية
القديمة التي عرضت فيه لكان من شأنه أن يكون مهرجاناً
سياسياً... مثل معظم الحوارات
الجانبية التي دارت فيه، بدءاً من حضور الحرب اللبنانية (في أفلام علوية
وبغدادي)،
وصولاً إلى حضور الربيع العربي الراهن في أفلام من مصر وتونس... وهو حضور
تمنى كثر
من أهل المهرجان أن يتواصل في دورة العام المقبل، التي بدأ التحضير لها منذ
الآن،
مع الأمل في أن اللقاءات التي عقدت مع مسؤولي الهيئات السينمائية في برلين
ستسفر عن
إنجاز ترميم وإعداد مزيد من الأفلام القديمة التي ستمكن
الجمهور البرليني من اكتشاف
المزيد عن السينمات العربية.
الحياة اللندنية في
18/11/2011 |