ستيفن سبيلبرغ هو بلا شك أحد أكبر وألمع مخرجي السينما الهوليوودية بل
العالمية
حالياً، وتحقق أفلامه إيرادات خيالية أينما عرضت. وعلى سبيل
المثال هناك رباعية
«إنديانا جونز» من بطولة هاريسون فورد، و «إي تي كائن الفضاء»، و «فكوك»
وأفلام
أخرى تتميز كلها بعنصر واحد متفوق على غيره هو القدرة على سرد حكايات
بأسلوب شيق
يغري المتفرج ويسلّيه بصرف النظر عن اللون السينمائي الذي ينتمي إليه كل
فيلم، من
مخيف أو مغامرات أو فكاهة أو رومانسية.
أحدث أفلام سبيلبرغ عنوانه «تان تان» وهو مأخوذ عن كتب الرسوم التي
ألفها
البلجيكي الراحل إرجيه، وقد تم تصوير الفيلم بوسيلة تكنولوجية
متفوقة هي «موشيون
كابتيور» (الحركة الملتقطة)، الأمر الذي
يحقق نتيجة مذهلة وبالأبعاد الثلاثية فوق
الشاشة. وعلى رغم أن الشخصيات تبدو مرسومة، فقد أداها في الحقيقة ممثلون
خضعوا
لأساليب تكنولوجية غريبة الشكل من أجل أن يعرض الفيلم في حلّته الثورية
أمام
الجماهير.
يحكي «تان تان» مغامرات صحافي شاب يكتشف سرقة كنز ثمين فيقرر البحث في
الأمر
منطلقاً وراء المجرمين في صحبة كلبه الوفي وشرطيين يميزهما
الغباء. وتقوده خطاه فوق
البحار وفي الجو وفي الصحراء قبل أن يحل
اللغز ويستعد لمغامرة جديدة.
أتى سبيلبرغ إلى باريس للترويج لفيلمه الجديد، فألتقته «الحياة»
وحاورته.
·
هل توقعت في يوم ما أن تكون أحد
أكبر السينمائيين في العالم؟
-
لا أدري اذا كانت هذه التسمية صحيحة أو مبنية على أسس سليمة،
الشيء المؤكد هو
أنني أقف وراء رباعية سينمائية هي «إنديانا
جونز» حققت أعلى الإيرادات على المستوى
العالمي، لكنني أشك في كون هذا الواقع يكفي لاستحقاقي لقب أحد أكبر
السينمائيين.
وللرد على سؤالك، أقول نعم بمعنى أنني طوال حياتي ومنذ مراهقتي لا أعمل إلا
على
تحقيق حلمي في أن أكون مخرجاً سينمائياً مرموقاً ومعترفاً به.
·
أنت أخرجت أيضاً «إي تي كائن
الفضاء» و «فكوك» وقد دخل كل منهما إلى تاريخ
السينما من أوسع أبوابه؟
-
صحيح، فيبدو أن أفكاري تناسب ما يرغب به الجمهور العريض. وأنا
من هذه الناحية
محظوظ جداً.
·
ما هو في رأيك السر وراء النجاح
الخيالي لرباعية «إنديانا جونز»؟
-
جمال وفعالية الرواية التي ألفها جورج لوكاس في أول الأمر، ثم
كيفية تحويلها
إلى شريط سينمائي مع مراعاة أدق تفاصيلها على عكس ما يحدث في
العدد الأكبر من
الأفلام المأخوذة عن روايات حيث يتم حذف
مواقف عدة لأنها إذا بقيت تسبب الحصول في
النهاية على فيلم طويل جداً لا يدخل في الإطار الزمني المفروض. الميزة في
«إنديانا
جونز» والتي أنقذتني من هذه الورطة هي أنني لم أحول الكتاب إلى فيلم واحد
بل إلى
رباعية من أربعة أفلام تبلغ مدة كل واحد أكثر من ساعتين، ما معناه أن
الرواية حولت
إلى شريط مدته ثماني ساعات إذا شوهد دفعة واحدة. والشيء الآخر هو كون
الرواية في حد
ذاتها تحكي مغامرات البطل إنديانا جونز في مراحل مختلفة من حياته، وهذا ما
ساعدني
على إنجاز أربعة أفلام يبدو كل واحد منها في شكل متكامل وليس في حاجة إلى
تكملة.
وهكذا استطعت أن أنفذ الرباعية على مدار عشرين سنة بل أكثر بعض الشيء.
مراحل العمر
·
ما الذي جعلك تختار شخصية «تان
تان» التي ألفها البلجيكي إرجيه لتحولها إلى
فيلم سينمائي أميركي؟
-
تابعت مغامرات «تان تان» منذ شبابي على رغم أنها ليست شائعة في
الولايات
المتحدة، فأنا أجد في هذه الشخصية كل مقومات البطل المثالي
القادر على جذب الجمهور
العالمي وفي كل مراحل العمر، فيكفي أن
الناس تعرفه كي تحبه وتتعلق به.
لقد التقيت المؤلف إرجيه في مطلع الثمانينات (من القرن العشرين) إثر
تنفيذي فيلم
«إي تي كائن الفضاء»، وتحدثت معه عن رغبتي في تحويل إحدى
مغامرات «تان تان» إلى
شريط سينمائي، وشعرت بأنه أكثر من إيجابي
أمام فكرتي، خصوصاً أنه أدرك مدى حبّي
لعمله واستحالة خيانتي له من طريق «أمركة»
الشخصية الأصلية. ولكنه فارق الحياة بعد
ذلك بفترة وجيزة، وأنا لم أرغب في التعاطي مع عائلته إذ بدت الأمور معقدة
بعض الشيء
من هذه الناحية في ذلك الحين. ومع مرور الوقت وتنفيذي أفلامي الأخرى، وجدت
نفسي لا
أكف عن التفكير في مشروع «تان تان»، إلا أنني غيرت رأيي في شأن تصويره
بطريقة عادية
ووجدت شخصية «تان تان» المرسومة أساساً في كتب إرجيه جديرة بأن تحول إلى
الشاشة
الكبيرة مرسومة بدورها ولكن طبقاً لأحدث الوسائل التكنولوجية أي «موشيون
كابتيور» (الحركة
الملتقطة).
·
فسّر لنا هذه الوسيلة
التكنولوجية؟
-
إنها تتلخص في الاستعانة بممثلين من أجل أداء الأدوار المختلفة
لكنهم يخضعون
في أثناء التصوير لتغطية أجسامهم بلباس
معين توضع فوقه أجهزة التقاط صغيرة جداً
وكثيرة، تسمح في ما بعد بإعادة رسم الشخصيات طبقاً للتكوين الجسماني لكل
ممثل
وأيضاً لتعبيرات وجهه في المواقف المختلفة. وهكذا يبدو الفيلم في النهاية
وكأنه من
نوع الرسوم المتحركة بينما شارك فيه ممثلون حقيقيون. والميزة طبعاً في
استخدام هذه
التكنولوجيا الحديثة هي تعبيرات الوجه التي مهما كانت الرسوم المتحركة جيدة
وفعالة
لا يمكنها أن تضارع التعبيرات الحقيقية لإنسان حي. وتأتي النتيجة النهائية
بالأبعاد
الثلاثية.
تغيير المصباح
·
هل يمكن اعتبار فيلمك «تان تان»
إذاً بمثابة ثورة في ميدان التطور
السينمائي؟
-
نعم على رغم أن فيلم «أفاتار» صوّر بهذه الطريقة قبل ثلاث
سنوات، ثم حديثاً
فيلم «نهوض كوكب القردة»، فأنا وفريقي
التقني طورنا الأسلوب ووصلنا به إلى مدى أبعد
مما سبق إنجازه. فأنا على سبيل المثال أشترط على دور السينما التي تعرض
فيلم «تان
تان» أن تغير المصباح المضيء المستخدم في عرض الفيلم وتبدله بآخر أقوى، لأن
الأبعاد
الثلاثية تخفف في شكل عام من حدة الضوء عند عرض الأفلام، وأنا أردت أن
تتميز عروض «تان
تان» بقوة كهربائية أقوى من أي فيلم آخر مقدم بطريقة الأبعاد الثلاثية.
·
هل تعتقد بأن الجمهور الأميركي
سيعجب بالبطل الأوروبي «تان تان»؟
-
هذه هي أمنيتي في طبيعة الحال. وعلى العموم، فأنا شخصياً أحب
أوروبا والحكايات
الأوروبية والتاريخ الأوروبي، وأعتبر
القارة الأوروبية زاخرة بالحكايات الجديرة بأن
تحول إلى أفلام سينمائية. إن التاريخ الأميركي حديث العهد وفقير إلى حد ما
بالأحداث
الشيقة.
·
أسندت دور «تان تان» إلى الممثل
البريطاني جيمي بيل الذي حصد الجوائز
والشهرة قبل عشر سنوات عن دوره في الفيلم
الناجح «بيلي إليوت». لماذا هو
بالتحديد؟
-
هل رأيت ماذا فعل جيمي بيل في الفيلم الذي تذكره؟ أنا أتابع
خطاه منذ ذلك
الوقت باحثاً عن الفرصة المناسبة لإشراكه في أحد أفلامي. ولم
أعثر على ممثل أفضل
منه لترجمة ما يعيشه البطل «تان تان» من
أحاسيس مختلفة في المواقف الخطرة ثم
الفكاهية أيضاً من الحكاية.
·
أنت أردت إسناد الدور إلى فنان
أوروبي؟
-
نعم، وكل شيء في هذا الفيلم أوروبي بحت باستثنائي أنا. فهناك
الممثل الفرنسي
جاد المالح والبريطاني أندي سركيس
والبريطاني الآخر دانيال كريغ الذي وافق على أن
يتخلى موقتاً عن شخصية جيمس بوند ليشارك في «تان تان». والشيء نفسه في شأن
الفريق
التقني. فأنا في النهاية أخرجت أول أفلامي الأوروبية تحت شعار أميركي.
·
ما هو رد فعل هؤلاء الممثلين
تجاه كونهم لا يظهرون بملامحهم الحقيقية في
الفيلم؟
-
لقد وقف جاد المالح في أثناء العرض الافتتاحي للفيلم هنا في
باريس وهتف «ها
أنا ذا يا أمي، ها أنا ذا»، مشيراً إلى
الشخصية فوق الشاشة التي أداها ومخبراً
والدته الجالسة في القاعة بالأمر. أعتقد أن
هناك خيبة أمل ولو خفيفة، فلعلهم
يتعلمون القناعة من وراء هذه التجربة.
·
يقال إنك فتحت باب أستديو تصوير
«تان تان» أمام مخرجي العالم الراغبين في
اكتشاف طريقة التصوير الحديثة التي
اعتمدتها. فهل هذا واقع؟
-
أجل أنا فعلت ذلك حتى يتحول تصوير فيلمي إلى مدرسة سينمائية.
إن المستقبل
يهمني، وعلى العاملين في السينما أن يكتشفوا ما الذي ينتظرهم
في السنوات القليلة
المقبلة. وكانت مجانية الزيارة بمثابة فرصة
ذهبية للكثير منهم. وأتذكر قدوم كلينت
إيستوود ذات يوم إلى الاستديو، حيث ألقى نظرة سريعة على ما كان يحدث ثم جاء
إليّ
وهمس في أذني: «هذا كثير عليّ، فأنا لن أصور أي فيلم من أفلامي أبداً بمثل
هذه
الطريقة»، وغادر المكان بينما كان غيره يبقى ساعات طويلة يتأمل ويسأل
ويدوّن
ملاحظاته في مفكرة.
·
هل تنوي تصوير تكملة واحدة أو
أكثر لفيلم «تان تان»؟
-
الأمر يتوقف على مدى نجاح هذا الجزء الأول. أما عن رغبتي
الدفينة فهي فعلاً أن
أصور منه أجزاء عدة مقبلة.
الحياة اللندنية في
04/11/2011
بهيج حجيج:
فيلمي عن عودة المفقود
فجر يعقوب
يواصل المخرج اللبناني بهيج حجيج تنقله مع فيلمه «شتي يا دني» بين
المهرجانات
المختلفة. ليس في الأمر ما هو جديد، إذ نعرف منذ زمن ان هذا
التجوال بات إجبارياً
لكلّ الأفلام الجديدة وذات القيمة التي
يحققها المبدعون العرب خلال الأعوام الأخيرة
ويحصل المميّزون منهم على الجوائز والمنح وربما الشهرة ايضاً. وهكذا حال
بهيج حجيج
مع فيلمه الجديد هذا، حيث نال الفيلم ومخرجه وأحياناً ممثلوه الرئيسيون
جوائز
متفاوتة هنا وهناك. ولكن يظل تناوله موضوع المفقودين في لبنان، ولا سيما
بعد العودة
من الخطف يشكل علامة فارقة في هذه النوعية من الأفلام اللبنانية الجديدة
التي لا
تلبث تحاكي هذه الموضوعة بالذات. يقول حجيج إنه شاء أن يتكلم في فيلمه عن
العودة
وليس عن الاختفاء القسري، وبخاصة أن صورة القسوة تنشأ هنا عن حال المفقود
بعد
عودته، وليس عن الموت. فالصورة في الحالة الأولى تدفع بصاحبها للتأرجح في
ذاكرة
معارفه، وفي أحسن الأحوال في اللامكان، في ما قد يختتم في القبر نهاية
مقبولة لرحلة
مؤلمة حتى ولو كانت مأسوية كما في الحالة الثانية. هنا حوار مع بهيج حجيج
حول
الفيلم:
·
أين يكمن الخط الفاصل بين مسرحية
«عندما تمطر أكياساً» التي اقتبست عنها
الحكاية، والفيلم كما عرض علينا؟
-
أعتقد أن السيناريو الذي عملت عليه، وهو يستند أساساً إلى نص
مسرحي قصير كتبه
أسامة برودويل وإيمان حميدان، يجمع في
خطوطه الأساسية الشخصيات الرئيسة. لكنّ ما
فعلته هو اعادة تركيب هذه الشخصيات على حامل وسياق دراميين مختلفين، بمعنى
أن
السيناريو تولى الناحية البصرية، فيما كان النص المسرحي يعتمد على العناصر
المسرحية
الكلاسيكية المعروفة، وأنا قمت بحذف الكثير من المشاهد، وكتبت فصلاً
جديداً، لأنني
أعتقد جازماً بأن كتابة السيناريو السينمائي تختلف تماماً عن المسرحية، فهي
تعتمد
على بنيان درامي مختلف وعلى مشهدية خاصة بها.
القاعدة او الاستثناء
·
عودة رامز (حسان مراد)... هل هي
عودة جميع المخطوفين، أم أنه الاستثناء،
لأن ليس ثمة من يريد فتح ملف المفقودين على
طريقتك؟
-
سبق واشتغلت على موضوع المفقودين في الحرب اللبنانية عام 1989
في فيلم
«مخطوفون». وفي هذا العمل الوثائقي تناولت قضية المخطوفين ليس
من الوجهة القائلة
بمن خطف وكيف تمت عملية الخطف، وإنما
تناولته من زاوية الانتظار. انتظار أهالي
المخطوفين لأولادهم وأقاربهم والأمل الكبير بعودتهم، أي أنهم يعيشون على
وقع هذا
الأمل. في فيلم «شتي يادني» تناولت القضية ذاتها ولكن مع اختلاف أساسي يكمن
في
شيئين اثنين: أولاً هذا فيلم روائي وليس وثائقياً، وثانياً تناولت موضوع
الخطف من
ناحية العودة وليس الانتظار. وطبعاً هذه فرضية وضعتها لنفسي تستند إلى
حقائق، تشكلت
مع عودة بعض المخطوفين في ظروف مختلفة. انهم حتى الآن قلة قليلة، إلا أنهم
عادوا.
والبطل في فيلمي (حسان مراد) يرمز الى فرضية عودة المخطوفين الذين لا يعرف
لهم مصير
أبداً، وهي فرضية يعيش عليها كثر من أهالي هؤلاء المفقودين، وليس أدلّ على
ذلك من
موقع الخيمة القريب من مبنى «الإسكوا» في بيروت حيث يجتمع فيها في شكل دائم
الأهالي
الذين لم يفقدوا الأمل أبداً بعودة أبنائهم.
·
انجذاب رامز إلى جمع الأكياس في
مختلف حجومها وألوانها، هل هو متأت فقط من
عنوان المسرحية التي اقتبست منها فيلمك؟
-
رامز شخصية مركبة تستند إلى مجموعة أشخاص واقعيين مروا بتجربة
الاختفاء القسري
لفترة طويلة. والبحث الذي قامت به ايمان
حميدان حول المخطوفين الذين عادوا، كان هو
المرجع الرئيس لتركيب شخصية رامز حول هذا المحور. ومن هنا، فإن جمعه
للأكياس ليس
بدعة، وإنما قصة حقيقية وموثقة وأردتها أن تحمل تفسيرات عدة، منها ما يتعلق
بلملمة
شتات الذاكرة، وارتباط الأكياس بمشاهد التعذيب، وعدم الاحساس بالطمأنينة
والأمان،
وهي حالة (هوسية) تقوم على جمع شيء معين يرتبط بذاكرة مشتتة ومعذبة تخضع
لضغوط
نفسية قد يصعب تحملها في حالة الانسان العادي.
إضافة
·
لماذا لم يتم توظيف هذا الرمز
حتى النهاية؟
-
لقد حذفت مشهداً خيالياً في نهاية الفيلم تتطاير فيه الأكياس
مع المطر كلحظة
تصعيد لهذه الحالة الهوسية التي يعيشها
رامز، لأنني أحسست بأن النهاية يجب أن تكون
واقعية تماماً، وليست من نسج الخيال.
·
ما الذي تضيفه نايفة النجار (برناديت
حديب) إلى الفيلم حين تعود إلى
رسائلها وصورتها بالأسود والأبيض،
والمفلترة بغموض ظاهر للعيان. هل هي رسالة خاصة
جداً في الفيلم؟
-
رسائل نايفة النجار هي ضمير الفيلم بالمعنى التوثيقي للكلمة،
لأنها امرأة
حقيقية كانت موجودة وضاعت في زحمة انتظار ابنها المخطوف. وهي
برسائلها تعيد الفيلم
إلى المنبع الأساسي، أي إلى القضية
الأساسية الكامنة في الجرح المفتوح الذي لا يزال
مفتوحاً ويكمن في اختفاء الآلاف من اللبنانيين والأبرياء الذين لم يعودوا
حتى يومنا
هذا. لقد ترددت طويلاً في إدراج حكايتها في الفيلم، ولكن حسمت أمري من خلال
مشاهد
شبه توثيقية تجيء ضمن سياق درامي مستمر، وبعد توليف الفيلم وتأمله من زوايا
عدة
وجدت أن فيلمي كان سيخسر الكثير من دون نايفة النجار.
·
هل هي مفاجأة أن الفيلم يعتمد في
شكل رئيس على الممثل؟
- «شتي يادني» يعتمد بالدرجة الأولى على الممثل فعلاً، لأن
السيناريو مبني على
ثلاث شخصيات رئيسة، هي: رامز وماري وزينب.
وثمة بالطبع شخصيات ثانوية، ولكن لها
حضورها القوي مثل البنت والابن والجارة،
فضلاً عن شخصية نايفة النجار على رغم قصر
مدة ظهورها في فيلمي. من هنا اعتمدت على ممثلين محترفين، وإن لم يكونوا
نجوماً
بالمعنى الدارج للكلمة، وقد تطلّب توزيع الأدوار مني الوقت الطويل، وبخاصة
أنني
وقعت في حيرة أمام حضور جوليا قصار وكارمن لبّس، ولكن ثقتي بهما دفعتني
لأعطي
السيناريو المكتوب لهما، وطلبت منهما أن يقوما باختيار دوريهما، وجاء توزيع
الدورين
مثالياً، فقد ظهرت كارمن بدور زينب، فيما لعبت جوليا دور ماريا. أما في
خصوص الممثل
الرئيس حسان مراد (رامز في الفيلم)، فقد اكتشفته في مرحلة ثانية متقدمة من
العمل،
وكان يعمل حينها في العاصمة الإماراتية أبو ظبي، وجاء إلى بيروت بغرض إجراء
اختبار
الشخصية، وتجددت الكرّة ثانية بعد مرور ستة شهور، وهكذا أيقنت أنه الممثل
المناسب
لفيلمي بسبب حرفيته العالية، والشحنة الانسانية التي امتلكها في وجهه حين
عبّر من
خلالها عن حال المخطوف الذي يعود فجأة من الغياب القسري، ليكشف عن قصص
كثيرة ما
زالت رهن العودة الجماعية إن حدثت أو ستحدث يوماً.
الحياة اللندنية في
04/11/2011
نقاد اعتبروه واقعياً وآخرون تمرداً سلبياً
فيلم مغربي يثير جدلاً كبيراً بسبب لغته "الصادمة" من قاع
المجتمع
الرباط - حسن الأشرف
أثار فيلم جديد، بدأ عرضه للجمهور أخيراً في القاعات السينمائية لبعض
المدن المغربية، الكثير من الجدل والنقاش حول جرأته الكبيرة، ومنها طبيعة
لغته الحوارية، التي تتسم بألفاظ وشتائم بذيئة تُستعمل في الخطاب الشفوي
للقاع المجتمعي، فضلاً عن لقطات وإيحاءات جسدية ساخنة كثيرة.
وتتحدث قصة فيلم "فيلم"، الذي يعد أول فيلم طويل للمخرج أشاور الذي
يلعب دور البطولة أيضاً، عن مخرج سينمائي يبحث عن تحقيق ذاته وطموحاته
الفنية في إنجاز سيناريو مثالي لشريطه، فتحدث لديه شلالات من القلق الداخلي
الذي ينكشف بمعية زوجته الممثلة وصديقه أيضاً، عبر رحلة لاستكشاف خبايا
العلاقات الإنسانية والعاطفية بكل انكساراتها وخيباتها.
وفيما يرى نقاد سينمائيون أن فيلم "فيلم" للمخرج محمد أشاور، يندرج
ضمن الموجة الجديدة عند السينمائيين الشباب الذين يسعون للخروج من
الانتهازية المزدوجة في المجتمع المغربي، فإن نقاداً آخرين يعتبرون أن
اللغة الساقطة المستعملة والمشاهد الساخنة المُقحمة لا علاقة لها بالواقعية
السينمائية، بل الهدف منها هو التمرد السلبي على قيم مجتمع مغربي محافظ.
أحكام جاهزة
وقال أحمد بوغابة، الناقد السينمائي المغربي، إن تناول آراء حول فيلم
ما، ومناقشتها تختلف إن كانت صادرة من الجمهور، أو من لدن مَنْ يعتبر نفسه
متخصصاً في الشأن السينمائي، مبدياً استغرابه من الأحكام الجاهزة، دون
محاولة قراءتها في سياقها؛ إذ إن محتوى الفيلم هو الذي يحدد القراءة
السينمائية.
وتابع بوغابة في تصريحات لـ"العربية.نت" أنه إذا كانت السينما
المغربية قد عانت سابقاً من قراءات أيديولوجية أو سياسية معينة، فهي الآن
تخضع لحكم أخلاقي صرف، بحيث يريد البعض فرض سينما خالصة.
وأبرز بوغابة أن قوة فيلم "فيلم" لمحمد أشاور، هو أنه اعتمد على
تسميته بـ"فيلم" غير مُعرَّف نحويا، يتساءل فيه عن "الفيلم" الذي يريده
الجمهور في تعدده، والمؤسسات الرسمية المختلفة، والمتخصصين بكل ألوان
أطيافهم؛ فهو بالتالي دعوة للنقاش عن "النموذج" الخالص المقبول، وبذلك نرفض
التعددية، مما يؤدي إلى رفض ديمقراطية الفن.
وخلص بوغابة إلى كون فيلم "أشاور" يشكل واحداً من الأفلام المغربية
التي تنتمي إلى الموجة الجديدة عند السينمائيين الشباب، الذين يسعون للخروج
من الانتهازية المزدوجة في مجتمعنا، مشيراً إلى أن له حق التعبير برؤيته
التي يريدها، كما أن الحق لمن لا يريد مثل هذه السينما أن يكتفي بمشاهدة
التلفزيون، ولا داعي للذهاب إلى السينما، على حد تعبير بوغابة.
تمرد سلبي
وفي الجهة المقابلة، يرى الناقد السينمائي مصطفى الطالب أن السينما
المغربية أخذت في السنوات الأخيرة منحى جديداً، يتمثل في بروز أفلام جديدة
لمخرجين شباب، تتسم بالعنف اللفظي المتمثل في الكلام الساقط من سب وشتم، لا
يراعي قيم المجتمع أو المشاهد المغربي الذي يتطلع إلى سينما تعكس ثقافته
وحياته بشكل صحيح، والعنف الجسدي من خلال مشاهد العنف والتشاجر على شاكلة
أفلام المافيا وغيرها، ثم المشاهد الجنسية الصارخة التي أصبحت ديدن كل مخرج
يريد ولوج عالم السينما والشهرة، بل دخول سوق الإنتاج.
وسرد الطالب في حديث مع العربية نت نماذج من أفلام مستفزة، مثل "كازا
نكرا" لنور الدين لخماري، و "شقوق" لهشام عيوش، وغيرها... ثم شريط "نهاية"
لهشام العسري" و"فيلم" لمحمد أشاور، حيث كانا صادميْن للمشاهدين، بسبب
اللغة الساقطة المستعملة والمشاهد الجنسية المقحمة عنوة، مبرزا أن لا علاقة
لذلك بالواقعية، لأن مفهوم الواقعية في الفن لا يعني نقل الواقع حرفيا،
بقدر ما هو محاكاته والتلميح والترميز إليه.
وأفاد الطالب أن الهدف من هذه الأفلام ليس المضامين، أو الاستمتاع
بالجانب الفني ـ الذي لا نرى جماليته إلا في مشاهد قليلة ـ ، وإنما هو
التمرد السلبي والصارخ على قيم المجتمع المغربي، زيادة على البحث عن الشهرة
والمال السهل.
اوخلص الطالب إلى أن حرية الإبداع لا تعني الحرية المطلقة، والانفلات
من أية ضوابط اجتماعية وأخلاقية، لأن الحرية التزام ومسؤولية، مضيفا أن أي
حرية مطلقة تؤدي إلى فساد مطلق وعبث مطلق، فأسهل شيء في الإبداع ـ خاصة
السينما ـ هو الإسفاف، مثل ما أن أسهل شيء في الوجود هو الهدم والإفساد،
وليس البناء.
العربية نت في
04/11/2011 |