أتساءل هل التطور يكمن في العقل أم في الإمكانيات؟ من أجل هذا التساءل
سنعيد إحياء الحديث عن فيلم "دهب" إنتاج عام 1953، أي بعد مرور 58 عاما علي
ظهوره.
من المؤسف أن يتمني الإنسان المعاصر الرجوع للوراء إلى عصر لم يعشه بل
سمع عنه وشاهده من خلال سينما استطاعت مع بساطتها تجسيد أدق التفاصيل عن
عصر من ذهب.
"دهب" فيلم استعراضي بسيط داخل "حدوتة" تحمل صراعا تجسد بشكل هادئ
لطيف حيث دهب التي تولد من أم خادمة وأب ثري منير بك (سراج منير) المتزوج
.. وتصرهذه الزوجة (ميمي شكيب) علي إلقاء بنت الخادمة في النيل للتخلص منها
نهائيا. والتي ستقوم بهذا ابنة أخيه (ماجده) التي تحمل قلبا رقيقا لا يقبل
الظلم ، فتلقي بها في الشارع لعل أحدا يراها ويأخذها.
وبالفعل يأتي يحيى ألفنسو (أنور وجدي) يحمل نفس صفات قلب دهب الكبري(ماجده)
يأخد المولود الذي وجده و يحتار ماذا يفعل لأنه ضعيف معدم المال (علي باب
الله) ولكنه في طريق عودته يقابل دهب صدفة فيعرض عليها أخذها علي أن يسميها
دهب إن كانت فتاه ويحيى إن كان ولد ا
الدائرة تدور
ترفض دهب وتذهب لعمها فتخبره انها ألقتها في النيل وتؤكد لفاطمة
الخادمة أن مولودها بخير لكن تموت الأم بعد أن أخبرت دهب أن الزواج شرعي
وتعطيها الأوراق التي تثبت هذا لكن منير بك يسمع حوراهما ويأخذ الأوراق
بالقوة، وتدور الدائرة بعد أن يأخذ يحيي الفتاه ويربيها ويعلمها الغناء
وتكبر دهب وتجلب مالا وفيرا علي يحيى في الوقت الذي يصبح الأب فقيرا.
وبالمصادفة يعرف أن ابنته مازلت علي قيد الحياه وأنها فتاه مشهورة عن
طريق الراقصة بلطية (زينات صدقي) خلال مشهد عفوي، يحاول الأب أخذ الفتاه
فلا يرضي يحيى بذلك ويحكم القضاء في صالح الأب منير بك، لكن دهب تحاول
الإنتحار ويعترف الأب بخطأه وهو يحاول اقناع يحيى أن ينقذ دهب فينقذها،
وينتهي الفيلم بزواج يحيى ألفنسو من دهب الكبري.
رقصات استعراضية
من خلال هذه القصة يتخلل الفيلم رقصات استعراضية تخرج منها اسطورة
تدعي فيروز فهي ليست طفلة أمامك تعجب بها وبحركاتها ولكن يتلاشي عند
المشاهد احساس الطفولة فيها من خلال الطريقة التي صنع بها حوراها علي طول
مدة الفيلم وحركة جسدها غير الطفولية تماما، حالة اندهاش متكامل من أداء
فيروز المبهر التي أحسستك أنها فتاه في العشرين وليست طفلة تمثل عمرها سبع
سنين.
كذلك استخدام تعبيرات الوجه عندها وعند الفنان الراحل أنور وجدي جاءت
معبرة تنم عن مهارة ووعي تكمن في معرفة كيف يستغل الممثل جسده وخصوصا وجهه
في إقناع المشاهد عندما يخرج الحديث من بين شفتيه وبالمثل الفنان اسماعيل
يس المتميز في استخدام حركة شفتيه في التمثيل.
انظروا مشهده الطويل وهو يأكل الهواء وكيف أقنعك بحركة فمه وبأن في
الطبق وداخل فمه طعاما حقيقيا وليس هواء.. هذه هي المهارة والموهبة التي
تفرق بين ممثل وغيره.
فكل الأداءات الحركية لم تكن مفتعلة تستفز المشاهد مثلما نجد اليوم
علي سيبل المثال اللمبي وغيره، فإستخدام الجسد في التمثيل ثقافة لا يعرف
معناها وكيفية استخدامها غير الفنان الحقيقي.
الرقصات الإستعراضية جاءت متنوعة مختلفة منها الطويل والقصير علي مدار
الفيلم بأكلمه، يتخللها المحاكاه والتقليد فتجد الرقصة المبدعة التي قلدت
تحية كاريوكا وسامية جمال وبديعة مصابني وكذلك الرقصة التي عرضت فيها مختلف
انواع الرقص الشرقي والنوبي والكلاكيت ..إلخ
خفة، ليونة، بساطة، هدوء، تمكن، مهارة.. هذه هي صفات فريق الفيلم
بأكمله
الإبتكار والقوة في جميع الاستعراضات ليس في الصفة الحركية فقط ولكن
أيضا قوة الكلام والمنولوج حيث تقديم كلمات يسمعها المشاهد يشعر معها
بإستمتاع عالي يجعله ينتظر الإستعراض التالي بشغف.
كذلك دقق معي من خلال الإستعراضات التي كانت تحمل صفوفا من الراقصات
التي تشعر أنها ملائكة تقف علي الصفين تميل مع نوعية الموسيقي دون استياء
في عين المشاهد.
بساطة الديكورات
كذلك بساطة الديكورات وتصوير الحارة وملابس فيروز وأنور وجدي في بداية
الفيلم كانت لطيفة مرحة علي الرغم أنها تعبر عن الفقر والضيق، فبالرغم أن
قصة الفيلم تحمل صفة التراجديا التي تتجسد في موت الأم وأيضا في الأب
القاسي الذي يترك إبنته والفقر والجوع ، إلا أن كل هذا تجسد بشكل ترفيهي
يحمل انفعالا كوميديا، حتي في المشاهد الأخيره التي بكت فيها دهب وكذلك
فيروز تجسيد كل هذه الإنفعالات من قبل الممثلين لم يكن ليبكي المشاهد ولكن
من أجل أن يشعر المشاهد بالمتعة والأنتظار بالحل لأنه علي يقين أن دهب
سترجع لألفنسو.
نجاح أنور وجدي (المخرج) في توصيل هذا الشعور للمشاهد يدل علي الموهبة
الحقيقة التي حملها داخله ، فليس من السهل تجسيد مشهد مكمنه تراجيدي تجعله
يحمل إحساسا ممتعا لطيفا دون خوف أو قلق يحمله المشاهد أو المتلقي.
في الفن يكون الصدق أحد دواعي قوة العمل الفني ونجاحه، الصدق هنا ليس
فيما يقدمه بل فيما يشعر به وومدي اقتناعه وانغماسه في الدور الذي يؤديه
فالفنان ينجح في تأدية الدور علي قدر توصل الإنفعالات للمشاهد سواء كانت
كوميدا أو تراجيديا. ومن خلال ذلك أقول أن جميع كاست العمل يحملون صدقا
فنيا يتخلله روح الطيبة والبساطة التي نستشعر بها سمة هذا العصر الذهبي.
ولكني أريد أن أقف قليلا عند الفنان الراحل أنور وجدي. هل نجاح أنور
وجدي في تجسيد هذا الدور بشكل مقنع كان بسبب صدقة ومهارته الفنية، أم لأن
سمات كثير في أحداث الفيلم تشبة حياه أنور وجدي الإنسان حيث حياة الفقر
التي كان يعيشها والجوع وطرد والده له بعد علمه أنه سيمتهن الفن ، كذلك حبه
الشديد للطعام الذي جاء في كثير الروايات التي تحكي عن حياته.. وانقلاب
حاله من فقير لممثل كبير يسعي للعالمية .. ولكن أي كانت السبب في الإقناع،
يكفي روح يحيى ألفنسو الطريفة التي عشنا فيها علي مدار أحداث الفيلم ,يكفي
أنه عاش هذه الظروف وطرحها لنا بشكل مرح خفيف يكفي أنه فنان!
نهج البردى
أحسست شعورا جميلا عندما ذكرت كلمة "نهج البردى" من قبل البقال الأن
اسأل طالبا جامعيا ماهي نهج البرده فلن يستطيع الاجابة. وتشعر أن الثقافة
في هذا العصر كانت فطرية، جيل يحمل موروث تركه أجداده.
الموسيقي كانت مناسبة لأحداث الفيلم متناغمة في أذن المشاهد يسير
معها وتسير معه دون نفور.
أما عن الحدوتة وأحداثها، فالأحداث تسير بطريقة متسلسلة ، نمطية
فتنامي الشخصيات جاء وفق تنامي الأحداث كذلك تجسيد اختلاف الأوضاع حيث
تدور الدائرة علي الجانب الخير والشرير فقلب الأوضاع جاء بصورة جيده منطقية
متميزة.
ربط الفيلم بين جانبي الصراع من خلال فكرة قوية وهي "أن اليقين بالله
وبنفسك يفعل المستحيل" نجد ذلك في مشهد وقوع التفاحة ودخول القصر .
وأيضا تغير حال يحيى ودهب مع يقين دهب أنها تستطيع أن تجلب المال
وبالفعل أصحبت فنانة مشهورة أتت ليحي الفقير بالمال الوفير.
سؤال
علي الرغم أن في الفيلم مناطق قوية كثيرة إلا أن السيناريو غفل عن طرح
سبب رجوع منير بك عن صفاته السيئة وقلبه القاسي. منير بك تأسف ليحيى وعرف
خطأه دون أن نعرف السبب في ذلك علي الرغم أنه فقد كل شئ من قبل ولم يتغير.
ويبدو أنه أحس بقيمة الطفلة أو أن الله يهدي من يشاء. المؤلف يعلم لكننا لا
نعلم.
سؤالي الآن هو هل التطور يكمن في العقل أم في الإمكانيات. لا شك أن
صناعة السينما تطورت في مصر كثيرا منذ انتاج هذا الفيلم. 58 عاما ليس
بالقليل لكن انظر إلي السينما المعاصرة هل تحمل أفلامنا اليوم مثل هذا
الفيلم مثل قوته أم تحمل أفلاما بذيئة مخلة تحمل رقصات غرضها الإباحية فقط
لانذهب بعيدا فنحن مازلنا نعيش في أزمة فيلم "شارع الهرم" الذي لا نعرف
ماهيته حتي الآن فيلم "دهب" حمل استعراضات طويلة وكثيرة جاءت متناغمة مع
أحداث الفيلم ولم تكن منفرة أو مقتحمة في الأحداث ، لكن تشاهد الآن فيلم
"شارع الهرم" وكأن دينا تعطي للجمهور دروسا في الرقص من خلال فيلم هابط ..
رحم الله أنور وجدي وفيروز!
عين على السينما في
03/11/2011
رؤية خاصة
لا
رفيق الصبان
يعجبني عناد وإصرار هشام عبدالحميد.. وتحمسه لأفكاره والدفاع عنها حتي
الثمالة، مهما كانت التيارات الرافضة له أو الواقفة في طريقه.
لقد أراد هشام عبدالحميد أن يعبر عن رأيه بثورة الشباب الأخيرة.. فقدم
رؤية مسرحية تعتمد علي الحركة والبانتومايوم، وقليل من الحوار أراد أن يدعو
إليها شباب ثورة التحرير.
ولكن ظروفاً استثنائية أوقفت هذا العرض الذي كان مقرراً له أن يقام
علي خشبة الأوبرا المصرية.. وحولته إلي أجل غير مسمي.
ولكن ذلك لم يفت في عضد هشام عبدالحميد . الذي قرر أن يحول عرضه
المسرحي إلي فيلم سينمائي ينتجه بنفسه ويخرجه ويقدمه برؤية سينمائية تجمع
بين الرؤية المسرحية والنظرة السينمائية التي يمتلكها من خلال تجاربه
الكثيرة في ميدان السينما ومن خلال عشقه لفن البانتومايوم الذي يدافع عنه
ويقدمه بمهارة تستحق الانتباه.
العرض كما قلت. مؤلف من اسكتشات متصلة منفصلة يصب أغلبها في ثورة
الشباب وغضبهم وصرخاتهم النبيلة المعترضة علي الفساد وانهيار القيم والتي
تتلخص في كلمة واحدة هي لا.
بالطبع كأغلب أفلام وعروض الاسكتشات، هناك خيط سحري واحد يربط بين
مواضيعها، ولكن هذه الموضوعات تختلف قوة وضعفاً، حسب رؤية المشاهد وذوقه
وأفكاره، ولكن في حال فيلم هشام عبدالحميد فالموضوعات كلها التي يقدمها من
خلال لوحات سريعة الإيقاع .
تضع المتفرج أمام تساؤل لابد أن يطرحه علي نفسه، وتجبره علي أن يتخذ
موقفاً إيجابياً أو معارضاً لما يري.
قد تكون بعض هذه الاسكتشات ذات روح مسرحية محضة.. وقد يكون بعضها
الآخر يعتمد علي رؤية سينمائية، ولكن سواء كان هذا أو ذاك.. فإن العرض في
مجموعه يدور حول محور واحد مضيء.
هو ثورة الشباب وغضبهم ورغبتهم العارمة بالتغيير، وصرختهم النبيلة
المعترضة علي كل ما يرونه فاسداً.. أو فاقداً لمصداقيته.
العرض كله يقوم علي أكتاف ممثل واحد هو الذي يملأ الشاشة خلال هذه
العروض كلها، وهذا تحد آخر من تحديات هشام عبدالحميد إلي جانب دخوله ميدان
الإخراج لأول مرة ليقدم رؤيته هذه الصادرة من أعماق قلبه دون حاجة إلي وسيط
خارجي بينه وبين جمهوره.
التجربة كما قلنا مثيرة وقابلة لكثير من النقاش، ولكنها قبل كل شيء
تحرك المياه الراكدة في المستنقع الذي تغوص فيه سينمانا المصرية اليوم.
إنها تجربة ذاتية بكل ما تحمل هذه الكلمة من معني.. يتحمل مسئوليتها
كاملة النجم المسرحي والسينمائي.. الذي يقدم خبرته وماله وحماسه ليدافع عن
قضية آمن بها وليجعلنا نطرح علي أنفسنا بعد مشاهدة عريضته الفنية أكثر من
سؤال.. وأكثر من تساؤل .
هل يمكن لتجربة مثل هذه أن تكون بداية لاتجاه جديد في سينمانا
المصرية، أم أنها صرخة منفردة سيضيع صداها دون أن تترك أي أثر؟! سؤال حارق.
ستجيب عنه العروض التجارية لهذه التجربة السينمائية الذاتية التي قد
تكون حجر زاوية في طريق السينما.
أم تكون مجرد صرخة في الهواء تتقاذفها الرياح.
قبل أن تصل إلي هدفها المنشود.
أخبار النجوم المصرية في
03/11/2011
سينمائيات
الثورة ورحلة عذاب
الامبراطور الاخير
مصطفي درويش
احتفلت النخبة الحاكمة في الصين الشعبية قبل بضعة ايام، بمئوية الثورة
التي قامت من أجل الإطاحة بنظام أمبراطوري عفا عليه الزمن، وبدلا من إقامة
نظام جمهوري مواكب لروح العصر الحديث.
ولقد ذكرني الاحتفال بمئوية تلك الثورة بفيلم عرض لها، بلغة سينمائية
راقية، اهلته للفوز بتسع جوائز أوسكار، اخص من بينها بالذكر جائزتي افضل
فيلم ومخرج برناردو برتولوتش.
ذلك الفيلم هو الامبراطور الأخير واحداثه لاتبدأ بواقعة الثورة،
ولاباعتلاء بوبي عرش التنين، امبراطورا للصين، وهو لايزال في المهد صبيا،
لايعرف من أمر السياسة وخباياها شيئا.
وانما تبدأ بعد ذلك بحوالي اربعة عقود من عمر الزمان.
وتحديدا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بخمسة اعوام، حيث نري بوبي
في سن متقدمة، اسيرا يجري تسليمه من طرف الروس الي الصينيين،عقب انتصار
الثورة الشيوعية، وارتفاع راياتها الحمراء علي ارض الصين. .
وها هو ذا الامبراطور السابق يسلم الي الصين لا لإطلاق سراحه، وانما
لاستجوابه عن جرم تعاونه مع العدو الياباني، وقت احتلال قواته للصين.
وبدءا من تسليمه، يعمل سجانوه غلاظ القلب علي اعادة تعليمه، أو بمعني
أصح غسل مخه من الأفكار القائمة علي استحلال استغلال الإنسان لاخيه
الإنسان.
واثناء ذلك، ومن خلال لقطات تعود به الي ماضيه، يقف السرد عند بضع
محطات من حياته، المليئة بالتعاسة والشقاء، حتي عندما كان امبراطورا
صغيرا..
او صبيا مراهقا، او فتي يافعا.
وعلي امتداد ثلاثين عاما بعد إعلان الجمهورية ، نراه في منفاه وقد جري
طرده من المدينة المحرمة حيث كان يعيش، وكأنه في سجن ، لايستطيع الخروج
منه، إلي العالم لنسيج الاحتلال ثم في اقليم منشوريا، حيث فرضه الاحتلال
امبراطور صوريا، تمهيدا بسلخ ذلك الأقليم عن الصين وجعله محمية تابعة
لليابان .
باختصار كانت حياته فاشلة منذ البداية وحتي النهاية فهو يتوج
امبراطورا، وليس له من العمر سوي ثلاثين شهرا.
ولاتمر سوي ثلاث سنوات علي اعتلائه العرش حتي يفقد كل شيء، لان ثورة
قامت، وأعلنتها جمهورية وهو، بعد الثورة، رهين المدينة المحرمة، لايتركها
إلا مطرودا مجردا من اللقب الامبراطوري نهائيا .
انه، والحق يقال كان سجينا طوال حياته، دائما امامه سد لايستطيع ان
يتجاوزه.
وكان السد منيعا من صنع تاريخ لايرحم.
والغريب، انه وهو في نهاية المطاف، وجد عالما جديدا.
استطاع ان يعيش فيه متلائما مع نفسه، ومع الناس.
هذا العالم الجديد، هو حدائق المدينة المحرمة بالعاصمة بكين، حيث عمل
جناينيا.
تلك المدينة التي اعتلي فيها عرش التنين، امبراطورا مقدسا في عصر
طواه النيسان.
أخبار النجوم المصرية في
03/11/2011
تييييييت
مهرجان جوته
للمستقبل
أحمد بيومي
كم كانت سعادتي عندما دعاني أحد الأصدقاء لحضور فعاليات مهرجان جوته
للفيلم القصير، وهو المهرجان الذي حرصت علي حضور فعالياته في الأعوام
السابقة. سعادتي تضاعفت عندما جلست داخل القاعة الصغيرة الأنيقة ورأيت
العشرات ممن اضطروا إلي افتراش الأرض والوقوف علي أقدامهم لمشاهدة أعمال
عدد من ممثلي مستقبل مصر السينمائي دون أدني مبالغة .
وربما أحد المتغيرات التي طرأت علي المهرجان هذا العام هو حضور وزير
الثقافة الدكتور عماد أبوغازي إلي القاعة متخليا عن البدلة الرسمية مكتفيا
بقميص فضفاض وبنطلون وكلمة قصيرة مقتضبة. بطبيعة الحال عرض المهرجان أفلام
قادمة من مختلف الدول .
لكني أرغب في التوقف عند بعض الأفلام المصرية.
فيلم كريم التسجيلي الذي تناول قصة كريم سايس السيارات أمام أحد مطاعم
الأكل الشهيرة وحياته قبل وبعد الثورة، وإيمانه بأن التغيير شيء ايجابي
للبلد مع رفضه النزول إلي ميدان التحرير وقت الثورة لأنه في حالة اشتراكه
كان سيسرق الثوار وهو الأمر الذي رفضه، لكن السرقة هي حرفته .
عمر الشامي مخرج الفيلم استطاع خلال دقائق معدودة رسم بورتريه صادق
إلي حد الصدمة، ومضحك إلي حد البكاء، ورسم أمل وخلق حلم وسط كابوس نراه
يوميا في شوارعنا لكننا نخشي تأمله أو حتي القرب منه، كريم الذي يتمتع بصوت
غنائي أفضل كثيرا من عشرات الأصوات التي علي الساحة، ويرتدي تيشرت يحمل
شعار اليونيسيف إلي جانب عبارة إيد علي إيد.
نبني مصر من جديد«، يدرك تماما واقعة ويضع سقفا لطموحاته وكل أمله في
الحياة هو الوجبة الدافئة ومستقبل به قدر قليل من المخاطر.
فيلم آخر يجب التوقف عنده وهو أشغال شاقة للمخرجة مي الحسامي، عن سيدة
تعمل في تنظيف البيوت مقابل أجر زهيد لكنه يتيح لها القدر الأدني من طعام
الأطفال وإيجار الشقة - وهو الأهم بعد أن أصبح حمل الأسرة ملقي علي كتفيها
لحبس زوجها في قضية اتجار في المخدرات تري أنه بريئا منها، وأن الضابط قد
لفق الأمر برمته فزوجها فقط مدمن ومتعاطي.
هذه السيدة تحمل نفس مشاعر كريم، الخوف من قادم الأيام، ترقب المجهول،
الصراع محسوم النتيجة بينهم وبين المستقبل، الفيلم يلمس المشاعر بطريقة
متسللة .
وتجد نفسك قد قابلت هذه السيدة يوما من الأيام لكن وكالعادة - لم
تنتبه، سيدة تصارع المرض اللعين وتضطر إلي استئصال قطعة من لحمها .
تسعي طوال اليوم عبر مواصلات القاهرة التي لا تعرف الرحمة للحصول علي
قوت اليوم، ورغم كل هذا تشعر أن بداخلها رضا واقتناع وإيمان يقينا هو من
جينات المصريين.
سلاحنا للمخرج زياد حسن ربما هو المحاولة الأكثر مثالية لخلق فيلم
قصير، فهو يتناول بصورة بصرية خالصة، وبكثافة حوارية متناهية، حياة فناني
الجرافيتي في مصر وطريقتهم الخاصة في التعامل مع الواقع اللي يرفضوه، تلك
الرسومات التي تجدها منتشرة في كل شوارع مصر .
وتحمل رسائل قد لا تحتملها الكثير من الصحف والفضائيات،سلاح الفن هو
كل ما يملكه هؤلاء الشباب الذين لا يعرفون سوي الطرق المباشرة للتعبير دون
لف ودوران، فتجدهم في منازلهم يحملون الصور ويجهزون الألوان مستنكرين
منتقديهم بتلويث الشوارع قائلين علي أساس أنها نظيفة وينزلون إلي الشارع
لكتابة يسقط حكم العسكر وطباعة قلب أحمر يتوسطه مبارك والمشير.
أخبار النجوم المصرية في
03/11/2011 |