لا أدري إذا ما كانت هناك سابقة لما سيلي أم لا،
لكنّ فيلماً حل في المركز الأول في سلّم الإيرادات قبل ستة عشر سنة منجزاً
نجاحاً
كبيراً، يعود إلى الصالات ليتبوّأ، مرّة أخرى المركز نفسه.
الفيلم هو «الملك
الأسد»، فيلم أنيماشن من ديزني ستديو وكان افتتح في الولايات المتحدة في
الخامس عشر
من حزيران/ يونيو سنة 1994 وعالمياً، بدءا بكوريا الجنوبية، في السابع من
تموز/
يوليو. آنذاك حصد من أسواقه العالمية 783 مليون دولار، أي ما يوازي بليون
و200
مليون دولار، إذا ما أخذنا في الحسبان التضخم المالي وسعر التذكرة الأعلى
اليوم مما
كان عليه في ذلك الحين.
الفيلم نفسه أطل في الأسبوع الماضي مزوّداً بسلاح
الأبعاد الثلاثة وحقق إيرادا غير مسبوق في أيامه الثلاث الأولى.
نجاحه المتجدد
سيكون مدعاة اهتمام هوليوود من حيث أنها قد تجلب بعض القديم المتميّز الذي
سبق له
وأن حقق نجاحاً كبيراً لتعيد طرحه فيما يشبه من يكتشف أن بذلة ما لازالت
تناسبه
فينظّفها ويعيد لبسها و "?والا"... لديه الآن بذلة جديدة.
لكن ما يخص تجربة
ديزني هذه هو أن الفيلم كان قد عُرض على جمهور من الأولاد والراشدين كحال
كل
الأفلام الكرتونية غالباً. في الأساس، هو فيلم آباء للصغار، فالصغار بحاجة
للكبار
كي يصطحبوهم إلى الصالة. التذكرة بتذكرتين والدولار بدولارين.... كيف لفيلم
أنيماشن
أن يفشل؟
لكن ما استند إليه الأستوديو هي عملية حسابية بسيطة: الجمهور الذي كان
صغيراً كَبُر وقد يرغب في مشاهدته من جديد، وأولئك الذين شاهدوه من فئة
الثلاثين
سنة وما فوق، ربما أرادوا مشاهدته من جديد أيضاً. إليهما سينضم
جيل صغير دون
السادسة عشر لم يلحق بتلك التجربة وسوف يود مشاهدته كما لو كان إنتاجاً
جديداً.
في صلبه، «الملك الأسد» هو طموح شكسبيري على الشاشة الشكسبيرية. شيء
من «هاملت»
مدفون مباشرة تحت تربة هذا الفيلم من دون السعي للذكر. صانعوه استعاروا
لكنهم لم يقدّموا الفيلم على أنه يحمل اقتباسا لـ«هاملت»
ممثّلاً بحكاية الأسد
الصغير، الأمير سيمبا ووالده الملك موفاسا وعمّه سكار. العم قتل الأب
والأمير يقرر
العودة لكي ينتقم. هذا إلى جانب إيحاءات دينية مسيحية غير خافية بدءاً من
مشهد في
مقدّمة الفيلم حين يوحي الفيلم أن الطفل سيمبا هو منحة مميّزة
من الله
تعالى.
إنه ليس فيلماً أخلاقياً وديزني ليست في صناعة السينما لكي تنتج
أفلاماً من هذا النوع، لكنه فيلم يقدّم لمن يشاء بضعة مبادئ ما يجعله
منتمياً إلى
تلك الأفلام الكرتونية ذات الأبعاد. أهم تلك المبادئ حب
العائلة واعتمادها الواجب
على وحدتها في مواجهة بعض الأطراف الشريرة. أيضاً تعلّم سيمبا أن الحفاظ
على مملكة
والده من مسؤوليّته. يستطيع أن يهرب ويستطيع أن يلتهي مع أصدقائه من
حيوانات الغابة
الأقل من مركزه الاجتماعي لكنه لا يستطيع أن يستمر في ذلك مغفلا شؤون الحكم.
لكن
هذه المبادئ الاجتماعية الكبيرة ليست ناصعة من دون شوائب. ما يرسم إيجابية
طرح
لفيلم ليس أبطاله وما يقومون به، بل أشراره أيضاً وما يمارسونه. كنه هؤلاء
الأشرار.
ألوانهم وثقافاتهم. في هذا الإطار «ذي كينغ ليون» يحتاج إلى تنقية لسحب
الشوائب
منه. مصفاة حب تلتقط منه الحجارة الصغيرة التي يستخدمها لوصف سواه. هل
نأخذ مثلاً
بالصورة التي يرسمها الفيلم للأشرار كشخصيات ذات بشرة داكنة وقبلها لتنمية
ثقافة
أولادنا؟ وإذا كنا نستطيع أن نفعل متجاوزين، هل يستطيع ابن
السابعة من العمر أو
نحوه تمييز ما هو خيالي عما هو واقعي أو مستوحى من الواقع؟
خلو
الفيلم من الحس المسؤول شيء، لكنه أيضاً، وبصرف النظر عن جيش النقاد
الأميركيين
الذين وجدوا الفيلم آنذاك رائعاً، هناك التقنية الممارسة. أيامها (منتصف
التسعينات)
كانت ديزني تخطو خطوات فاصلة عن تقنية
الرسوم التي اعتمدتها سابقاً في الستينات وما
بعد. تلك المدرسة الكلاسيكية العريقة التي نتج عنها أفضل
أعمالها إلى اليوم: «كتاب
الأدغال»، «سنو وايت والأقزام السبعة»، «بامبي» وسواها. «ذي ليون كينغ» هو
آخر
العنقود الفاصل بين مدرستين: يحمل ما يكفي للتذكير بتلك التقنية التي صنعت
تلك
الكلاسيكيات، ويحمل تقنيات جديدة تبلورت لاحقاً عن أخرى أكثر
انتماءً للجديد من
القديم. لكن في صلبه، هو أيضاً فيلم قليل الجدوى. لا أقول قليل القيمة، لكن
جدواه
على صعيد الذخيرة الذهنية وعلى صعيد الترفيه ذاتيهما محدود. لا نحكم على
الأولاد
إذا ما أعجبوا بالفيلم، فشخصيات ساحرة كالأسد ومضحكة كالسعدان تسعد هؤلاء
كما
تخيفهم شخصيات الضباع وصوت الفحيح للممثل البريطاني جيريمي
آيرونز لاعب شخصية عم
الأسد الصغير الذي قتل شقيقه.
هذا يعيدنا إلى «هاملت» الذي احتوى، إلى جانب قيم
كثيرة، على شخصية شاب وجد أن لديه اختياراً بين أن يقبل باستيلاء عمّه على
الحكم
والزواج من أمّه (سنوات ضوئية قبل سيغموند فرويد) أو أن يعيش
حرّاً من الرغبة في
السُلطة والانتقام.
هذا الفيلم يوجّه بطله إلى الاختيار نفسه وهو إذ يختار
الحل الأول طبعاً يترك وراءه العيش بحريّة والاختلاط بقوم آخرين. أعتقد أن
ما هو
مقبول بالنسبة لهاملت شكسبير ليس بالضرورة مقبولاً في «الملك
الأسد» والسبب هو أن
الأول دراسة في ذلك الاختيار وفي المراجع النفسية عدا كونه عملاً أدبياً
رائعاً.
أما فيلم ديزني ففي أفضل حالاته ملهاة لا
نستطيع أن نقول عنها أنها بريئة فعلاً،
لكنها ترفيه تختلف حولها الآراء حسب مفاهيمها ومرجعياتها.
الجزيرة الوثائقية في
22/09/2011
"صمت صفر".. الثورات العربية بعيون سويدية
قيس قاسم
معرفتهم ومتابعتهم للأوضاع في منطقتنا، وقبل انطلاق
ثوراتها، مكنت صناع "صمت صفر" من انجاز فيلم وثائقي فيه الكثير من عناصر
التميّز عن
أخرى وثقت الثورات العربية وغلب عليها طابع العجالة، مع
أهميتها. فالمقابلات
والأحداث سجلت ما بين الأعوام 2009 الى
2011، أي قبل اندلاع الثورات في تونس ومصر
وبعدها، وبهذا أسس المخرجون السويديون لفيلمهم قاعدة "تسجيلية" مهمة لفهم
الخلفية
التأريخية للحدث، وبالتالي إعانة المشاهد على متابعة تطوره
الزمني، ومعرفة عوامله
الموضوعية، وساهم الكم الجيد من ساعات
التسجيل الى جانب المقابلات الحية مع عدد من
الشخصيات، التي ساهمت في التعجيل وإنضاج تلك الثورات، في تمتين بنيته
التسجيلية.
العنصر الإضافي في هذا الوثائقي الذي قام به: جوني
فون فالستروم، جعفرية رضوي والكسندرا ساندلز يتمثل في فهمهم لفكرة الثورة
أو عملية
التغيير الاجتماعي، والتي تتجاوز فعل، إسقاط الأنظمة المستبدة، الى تغيير
عقلية
المجتمع نفسه وأسلوب تعامله مع مشكلاته، وأولها قبوله بمبدأ حق البشر في
التعبير عن
آرائهم ومعتقداتهم، ومن هنا كانت أهمية ذهابه الى لبنان لتلمس الحراك
الناشيء هناك
مع أن أغلب التركيز "الإعلامي"
إنصب على الدول التي بدأت شعوبها برفض الواقع
السائد فيها. في لبنان، قدمت الناشطة
الحقوقية والكاتبة الشابة ربيكا سعدة صورة
عن واقع مجتمعها وسبب تأخره في إحداث
التغيير المنشود، خاصة وأن الناس فيه تعاني
من مشكلات عديدة، وفي مقدمتها التركيبة
الطائفية للمجتمع أو النظام القبلي السياسي كما وصفته سعدة، بالعائق
الحقيقي لنهوض
لبنان، الذي يحتاج بدوره، وبسبب هذه التركيبة المعقدة، الى عدة ثورات وليس
لثورة
واحدة فقط. في الجزء اللبناني يسجل "صمت صفر" حالة كسر حاجز الصمت وإتحاد
الكثير من
اللبنانيين على مشتركات بعيدة عن انتمائتهم الطائفية، وبروز
الإحساس بالحاجة الى
جرعة "غيرة" من بقية الثورات العربية وفهم
حقيقي لحقوق الإنسان، تَجسد عبر ما سجلته
الكاميرا لجزء من يوميات الكاتبة ونشاطها المرتبط بسلسلة من العلاقات تكشف
كلها عن
وجود حراك حقيقي ما زالت ناره خفية مع أن المُقدم أمامنا يشي ببروز جزء منه
على
السطح.
الشباب يصنع
ثورته
ثمة إجماع بين معظم الناشطين في حقل نشر المعلومات عن
الثورات العربية، على أن الشباب هم من أشعلها وليست وسائل الاتصال الحديثة،
فالأخيرة تبقى وسيلة تقنية بدون الدور البشري لا قيمة لها. ومع توزع قصص
الوثائقي
في أكثر من مكان وعلى أكثر من شخص يبقى الدور الريادي للإحتجاجات
الجماهيرية،
والتي جاءت كنتيجة منطقية لقمع وعسف وقهر اجتماعي طال عقود، هو الأساس،
فيما ظل دور
وسائل الاتصال تكميليا، وفي التجربة التونسية ك نجد كل هذه الدلائل كما
قالت
الصحفية والمدافعة عن حقوق الإنسان ليلى وسلاتي: لقد ألهم الشباب العرب
بعضهم بعضا،
وكانت مطالبهم تنطلق من شعورهم بالحيف ورغبتهم في إقامة مجتمعات يعيش فيها
الإنسان
بكامل كرامته.
وتقول: لم ننقل تجربتنا لأحد الكل كان يشعر بسوء أوضاعة، لكن
الشرارة الأولى شجعت البقية على الثورة. تفاصيل النشاط التحريضي في تونس
يدهش
المشاهد خاصة في ضوء المعطيات التي قدمها المشاركون عن طبيعة النظام
البوليسي وكيف
تحولت الساحة المقابلة الى وزارة الداخلية كنقطة مواجهة صريحة مع النظام مع
إشارة
ليلى الى دورها وبقية الشباب في نشر المعلومات ومقاومة الرقابة الحكومية
الصارمة
والمطالبة دون كلل بحرية التعبير. لقد انصب دورها على تصوير كل مظاهر
التعذيب
والقمع ونشرها عبر "شبكة الانترنيت" وحين اندلعت الثورة كان عليها نقلها
الى العالم
كله.
وفي مصر
كانت قاعدة نشر المعلومات تتشكل بهدوء على
أيدي شباب شجعان قبل سنين من الثورة،
و"صمت صفر" يسجل ذلك بروية عبر ملاحقته
لبعض الناشطين في مجال نقل المعلومات ودورهم
في تكوين شبكات الاتصال الأولى والتي أخافت رجال السلطة المصرية، فقامت
بملاحقتهم،
ومع هذا أستمروا في عملهم والتحموا فيما بعد في ساحة التحرير مع أخوانهم في
تجربة
غنية ومثيرة كانت الكاميرا تسجل تفاصيلها منذ عام 2009 حين دخلت بيت الصحفي
حسام
الحملاوي الذي كان من أوائل الناشطين في الكتابة الألكترونية المحدودة
الانتشار في
بدايتها: لقد
إستخدمت في باديء الأمر إسما سريا في مراسلاتي على (بلوغ) وكنت
أصور
بنفسي كل ما أكتشفه من ممارسات قمعية للسلطة وأقوم بإرسالها
فورا، ولكن ومع الوقت
سأمت السرية فقمت بكتابة اسمي صريحا، فلم
يعد الصمت مقبولا! ولم أعد الوحيد الذي
يقوم بهذا الدور الاعلامي التي توسع ليشمل
الكتابة في الفيس بوك والتويتر وغيرها.
ويشدد بدوره: هذه ثورة شعب وليست ثورة أنترنيت و"ساحة الميدان"
كانت مركزها
الحقيقي.
أمهات بطلات وموسيقى
دون لبس
يظهر ميل صناع الفيلم نحو إبراز دور المرأة
في الثورات العربية الى جانب الموسيقى
كوسيلة مؤثرة من وسائل التعبير عن مشاعر الناس ومكنوناتهم النفسية. فوالدة
ربيكا
اللبنانية تتفهم نشاط إبنتها وتتحمس له وتعلن أمام الكاميرا بأن بلدها
بحاجة الى
تغيير والمرأة لا بد لها من لعب دور أكبر مما هو عليه الآن. وفي ساحة
التحرير أعلنت
والدة الناشط وائل عباس عن افتخارها بعمل إبنها والنصر الذي تحقق لهما في
النهاية:
لقد تعذب كثيرا وأنا فخورة به. لقد تحقق لي حلمي أخيرا وسعادتي بمشاركته
والشعب هذه
اللحظة لا توصف، لقد كان بيني وبين النظام ثأر بدأ حين حين قال لي رجال
مبارك يوما:
إذا لم يعجبكم الحال اخرجوا من مصر!. اليوم أنا أقف على أرض وطني ومعي
ابني، أما
مبارك ونظامه فقد رحلا! بينما كانت الأم الشجاعة تتحدث بفرح، كانت الموسيقى
تصدح
بالقرب منها فنسمع صوت آلاف المصريين وهم يرددون أغنية "الجدع جدع والجبان
جبان".
وفي لبنان يتخذ الشباب الموسيقى وسيلة للتعبير عن
كراهيتهم للطائفية
وحلمهم في بلد خال منها، أما في تونس
فالثورة قد تحققت والموسيقى لعبت دورا فيها
وأحد مبدعيها مغني الراب محمد بن سالم يغني بلهجته المحببة أمام الكاميرا
وتعبيرا
عن رفض الناس لمبدأ الصمت عن الظلم: "ساعات نخاف.. نخاف من ربي.. خاطرني
سنين ساكت
على حقي". ولم يعد الناس ساكتين عن حهمق كما جاء في مقدمة "صمت
صفر": "لأن، بعد كل
هذا لم يعد الصمت خيارا".
الجزيرة الوثائقية في
22/09/2011
بعد "حشاد" .. الوثائقية تبحث عن "بن يوسف"
"صالح
بن يوسف، جريمة دولة" .. لجمال
الدلالي
تونس – صالح سويسي
يبدو أنّ المخرج
التونسي المقيم في لندن جمال دلاّلي قد تخيّر لأعماله التخصص في سير شخصيات
تونسية
تعمّدت التأريخية الرسمية تجاهلها أو تناسيها. وهو ما حدا به إلى أن يقدم
أعمالا
مثل "المنصف باي" و"فرحات حشاد" الذي أنتجته الجزيرة الوثائقية. وكان
الدلالي قد
اعترف في وقت سابق أن عملية تصوير الفيلمين تمّت في كنف السرية المطلقة
بعيدا عن
عين الرقيب في النظام التونسي السابق.
هذه الأيام يتجول دلاّلي بعدسته في تونس
من أجل إتمام تصوير عمله الوثائقي الجديد والذي تخيّر أن يسرد فيه فنيّا
سيرة
المناضل التونسي صالح بن يوسف من خلال شريط يحمل عنوان "صالح بن يوسف..
جريمة دولة"
وهو أيضا من إنتاج الجزيرة الوثائقية.
ولم يشأ
المخرج أن يكون عمله مجرد سرد تاريخيّ لأحداث بل سعى ليضفي على العمل مسحة
روائية
من خلال التعاون مع المخرجة التونسية إيمان بن حسين التي اهتمت بالجانب
الروائي في
الفيلم. ليكون فيلمه من نوع الدوكدراما وهو الأسلوب الذي اتبعه الدلالي في
كل
أفلامه الوثائقية.
ويسعى الدلاّلي في أعماله إلى تقديم قراءة جديدة للرواية
التاريخية التي عادة ما تكون على قياس النظام الحاكم وتحمل في
طيّاتها كثيرا من
المغالطات والتضخيم لذات الحاكم وهو ما كان في تونس حيث دأب كتبة التاريخ
التونسي
لتلميع صورة الحاكم وكمس معالم الثراء وسحب صفة النضال عن كل رموز البلاد
بقطع
النظر عن المرحلة التي عاشوا فيها أو أثّروا فيها. أعمال
الدلاّلي تدخل في إطار
تقديم الصورة الأخرى، الصورة الأكثر واقعية والتي تحمل جزءا كبيرا من
الحقيقة التي
أراد البعض تزييفها أو محوها من الذاكرة.
آخر أعمال جمال الدلاّلي والذي
يواصل تصوير آخر لقطاته يتمحور حول شخصية الزعيم التونسي
الراحل صالح بن يوسف الذي
أثارت حياته مثل وفاته جدلا كبيرا سواء في مرحلة حكم الزعيم بورقيبة أو بعد
ذلك مع
مرحلة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. وإلى حد الآن وفي مراحل تصويره
الأخيرة
يحمل الفيلم عنوان "صالح بن يوسف.. جريمة دولة" ويسرد الفيلم
تفاصيل عن حياة الزعيم
بن يوسف ومراحل نضاله والذي يعتبر أحد أبرز زعماء الحركة الوطنية التونسية
الذين
عرفوا بنقده الشديد ومعارضته لكثير من مواقف بورقيبة.
انطلق المخرج في التصوير
منذ ستّة أشهر واختار أن يقوم بالتصوير في أحد الفنادق في جهة
"لافايات" بالعاصمة
تونس، وفيما يتعلّق بالسيناريو فقد اعتمد المخرج على عدد من الأشرطة
الوثائقية
بمساعدة من الأستاذ لطفي زيتون الباحث في التاريخ المعاصر مع الاعتماد على
الأرشيف
الخاص بالزعيم بن يوسف والذي يعتبر نادرا جدا بعد أن تعرض إلى
الإتلاف، ومع ذلك
هناك محاولات حثيثة للحصول على أكثر ما أمكن من وثائق حول حياة
الراحل.
بين التوثيقي
والروائي
شخصيات العمل تنقسم إلى نوعين : الأولى شخصيات واقعية
تسرد وتروي تفاصيل عايشتها في حياة بن يوسف مثل زوجته وأبنائه وبعض
المقربين منه
والمعاصرين له، وممثّلين تقمصوا أدوارا لشخصيات تاريخية معيّنة وقد اهتمّت
المخرجة
إيمان بن حسين بهذا الجانب حيث اختارت عددا من الممثّلين
بملامح مشابهة للشخصيات
الواقعية. ومن المشاهد التي تمّ تصويرها مثلا صورت لقاء بورقيبة ببن يوسف
في سويسرا
والخلاف الحاد الذي دار بينهما والذي جعل بورقيبة يتخذ قرار اغتياله
بالتعاون مع
بشير زرق العيون وبن طربوط الذين خططا لعملية الاغتيال والتي
تمت في بون بألمانيا.
الفيلم يتضمّن تسعة مشاهد تمثيلية يشارك فيها ممثلون أغلبهم من الوجوه
الجديدة
اعتمدت فيها إيمان بن حسين على البروفايل، وسعت لتقترب أكثر ما يكون إلى
الشخصيات
الحقيقية. حيث قامت بزيارة السيدة صوفيه بن يوسف وأبنائها
لضمان أكبر قدر من
المصداقية والواقعية. كما اختارت المخرجة عبد الله بورقيبة الذي تقترب
ملامحه كثيرا
من ملامح الزعيم الراحل بورقيبة أما دور صالح بن يوسف فقد لعبه الممثل وجدي
بالقايد
ونجوى مبارك في دور صوفية بن يوسف وعبد الله بن شامخ في دور بن
طربوط...
صالح بن يوسف
يعتبر الراحل صالح بن يوسف الذي ولد في جزيرة جربة
يوم 11 أكتوبر/تشرين الأول سنة 1907 واغتيل في ألمانيا في العام 1961 احد
أبرز
زعماء الحركة الوطنية في تونس، وأحد أهمّ قادة الحزب الحر
الدستوري الجديد والذي
تولّى أمانته العامة. بدأت مرحلة المواجهة بينه وبين الزعيم بورقيبة حين
عارض بن
يوسف مشروع الاستقلال الداخلي سنة 1955 ما أدى إلى بداية صدام بين الرجلين
ما أرخى
بظلاله على الحزب وأحدث فيه شرخا كبيرا، ورغم حصوله على تأييد
عدد كبير من قيادات
الحزب إلاّ أن بن يوسف خسر معركته مع بورقيبة وخسر بالتالي الزعامة ووقع
فصله من
الحزب. فخيّر المنفى وسافر إلى مصر أين تقرب من الراحل جمال عبد الناصر حتى
إلى أنّ
تمّ اغتياله في العام 1961 في ألمانيا.
الجزيرة الوثائقية في
22/09/2011
"الإعلان" التجاري في قلب الفيلم الوثائقي
محمد موسى
يواصل مخرج الافلام التسجيلية الأمريكي مورغان
سبورلوك في فيلمه الجديد "أعظم فيلم مبيعا حتى اليوم"، والذي
يعرض حاليا في عدة دول
اوربية، الاسلوب ذاته الذي ميز فيلميه التسجيلين السابقين،
(سوبر سايز مي، 2004)،
(في
أي مكان في العالم اسامة بن لادن؟، 2008)، بتجنبه الاسلوب التقليدي في
مقارباته
لموضوعاته بانشغالاتها الشعبية الراهنة، مستعيضا عنه بتجربة حقيقية،
يبتكرها هو
نفسه. ستكون لها حياتها الخاصة خارج المشروع السينمائي، الذي
يسجل في معظمه ردود
أفعال واستجابات على "التجربة" تلك. المخرج هنا لا يكتفي بالفكرة فقط، بل
يكون في
قلب هذه التجربة السينمائية وأحيانا بطلها الوحيد. فهو سيكون "فأر التجارب"
لفيلمه (سوبر سايز مي)، والذي أطلق شهرة المخرج
العالمية، عندما يقرر أن يقتصر نظامه
الغذائي، ولشهر كامل، على الأطعمة السريعة التي تقدمها سلسلة
مطاعم (ماكدونالد)
الأمريكية. وهو الذي سيبدأ رحلة حول العالم، للبحث عن أسامة بن لادن في
فيلمه (في
أي مكان في العالم أسامة بن لادن؟). والذي على الرغم من السخرية التي
يتضمنها
الفيلم، يوجه انتقادات حادة، وبكل الاتجاهات، للدول والنظم
الاجتماعية، التي مهدت
أو تغاضت عن الأفكار العنيفة التي يحملها بن لادن وتنظيمه القاعدة. وأيضا،
يسخر من
الخوف الذي ضرب العالم بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والذي جرى تسخيره
للترويج
لحروب مدمرة، ولسياسيات تخللتها أخطاء وعنصريات.
ومقارنة بوضوح الغاية التي اتسم بها الفيلمان
السابقان للمخرج (نقد مطاعم الأكل السريع في الأول، والإهمال
في القبض على زعيم
القاعدة، حتى ذلك الوقت، في الفيلم الثاني)، يتعثر الفيلم الجديد في
تَّبْيينُ
هدفه. حتى أن الفيلم نفسه، يسخر من تعقيد الموضوع بمشاهد تتضمن توليفا
كوميديا
سريع، للشخصيات العديدة التي تمر في الفيلم، والتي تبدو عاجزة
في لقائها الأول مع
المخرج عن فهم مقصد المخرج وفريقه من التجربة التسجيلية التي يعتزمون البدء
بها.
فالفيلم يرغب في كشف النتائج السياسية
للإعلان التجاري في الأفلام والمسلسلات. وليس
المقصود هنا، الإعلان الذي يظهر قبل عرض الأفلام في الصالات
السينمائية، أو ذلك
الذي يتخلل الأفلام والمسلسلات أثناء عرضها التلفزيوني، بل الإعلانات
"المبطنة"
التي تظهر أثناء أحداث الفيلم نفسه، وتروّج لعلامات تجارية معينة، فاختيار
هاتفا
محمولا من نوع معين لشخصية ما في الفيلم، لا يتم هكذا، بل يسعى
الفيلم للتعاقد مع
شركة هواتف معينة، لعرض هاتفها في مشهد واحد، أو عدة مشاهد، وحسب اتفاقات
معقدة
ترتب بين إستديوهات سينمائية وشركات تجارية مختلفة.
وكان
من الممكن للموضوع فيلم (أعظم فيلم مبيعا حتى اليوم) أن يكون أكثر تعقيدا
للمشاهد
العادي، لولا "هوس" محطات التلفزيون في السنوات الأخيرة، بتغطيتها لكل
الشعارات
التجارية، التي تظهر في البرامج والتحقيقات التلفزيونية، ومؤخرا في برامج
تلفزيون
الواقع، والتي يبدو أن المحطات تلك، قد فشلت في إبرام اتفاقات
مع الشركات التي تظهر
علامتها بالصدفة في تلك البرامج. الأمر الذي جعل العين المدربة، تنتبه إلى
علامات
تجارية تظهر بشكل واضح في سياق الأعمال الفنية.
تكشف لقاءات مع مخرجين ومنتجين في هوليويود، وعرضها
الفيلم في ثلثه الأخير، الضريبة التي تدفعها الأعمال الفنية أحيانا للحصول
على تلك
الإعلانات، والتي أضحت مداخليها مهمة في حساب التكلفة
الإنتاجية لتلك الأعمال.
فشركات الإعلان لا تكتفي غالبا بعرض منتجاتها هكذا، بل تملك شروطا تصل إلى
العملية
الفنية ذاتها، بل تملك أحيانا نفوذا يجعلها قادرة على تغييرات في
السيناريو، بحدود
التي تراها تلك الشركات، مناسبة للمبالغ المدفوعة في تلك
الإعلانات.
اختار
المخرج أن يعرض لقاءات "أهل المهنة"، ورغم أهميتها في تفسير دوافع إنتاج
الفيلم، في
نهاية الفيلم، عوضا عن بدايته، التي جاءت مرتبكة كثيرا، وجنحت إلى التكرار،
بسبب
تعقيد المشروع الذي أطلقه الفيلم، بمحاولة الحصول على إعلانات
تجارية تعرض ضمن
الفيلم التسجيلي (أعظم فيلم مبيعا حتى اليوم)، والذي يتناول الإعلان
التجاري "المبطن"
في السينما. لكن، ورغم شعبية العملين السابقين للمخرج في الولايات المتحدة
وأوربا، رفضت أغلب الشركات الكبيرة، التعامل معه، واعتبرت المشروع مبهما،
ولا يناسب "صورة"
البضائع التي تنتجها.
في النهاية ينجح المخرج في الحصول على عقود من
شركات صغيرة، قدمت ما يقارب المليون دولار من الأموال مقابل
استخدام منتجات من تلك
الشركات في الفيلم التسجيلي. وتقدم الاجتماعات التي يعقدها المخرج والشركات
المعلنه، نموذجا لما يمكن أن يشبه اجتماع أستوديو سينمائي كبير
مع شركة عملاقة.
وكيف تتعقد قائمة المطالب وتطول مع قيمة المبلغ الذي يجلبه الإعلان. فشركة
عصير
الرمان التي قدمت المبلغ الأكبر للفيلم التسجيلي، اشترطت أن يشرب المخرج
مورغان
سبورلوك عصيرهم وعلى طوال الفيلم، كما اشترطت أن يكون العصير
موجودا في كل اجتماع
قادم للمخرج مع شركات أخرى. المخرج بدوره سخر من القواعد تلك، وذكّر بها في
مشاهد
كوميدية عديدة.
الفيلم مر سريعا على سياسية الإعلان بمجملها في
الولايات المتحدة الأمريكية، والنفوذ الذي تملكه شركات الإعلان
على الحياة اليومية
هناك. فقدم مشاهد من احد المدارس الإعدادية الأمريكية، والتي جهزت كل صف
منها بجهاز
تلفزيون يعرض إعلانات بين الدروس التي تقدمها المدرسة. تغطي جدران المدرسة
ذاتها،
إعلانات أخرى، أصبحت مداخليها، مهمة في النظام التعليمي
الأمريكي، رغم الأثر الذي
تتركه بعض المنتجات التي يروج لها في المدارس على صحة ووعي التلاميذ هناك.
تشبه الأفلام التسجيلية التي يقدمها المخرج مورغان
سبورلوك، تلك التي يقدمها زميله المعروف مايكل مور، بمرجعياتها
التلفزيونية،
وكوميديتها وحضور المخرج الطاغي فيها. لكن طموحات مايكل مور
وقدرته الإنتاجية
وإخلاصه لمثال ونموذج سياسي واجتماعي معروف، جعلها أكثر قدرة على الإحاطة
بالمواضيع
التي تنشغل عليها وبالتالي الانتهاء إلى خلاصات أكثر فعالية. في حين يشير
تعثر
الفيلمين الأخيرين لمورغان سبورلوك، إن الظاهرة التي مثلها،
كرجل أمريكي عادي يملك
الكثير من الغضب على ما يجري في بلاده، تحتاج إلى مراجعة جدية، ربما تشمل
أسلوب عمل
المخرج نفسه. والقيود التي تفرضها أحيانا "تجاربه" المثيرة للجدل.
الجزيرة الوثائقية في
22/09/2011 |