بعد مرور أربعة أعوام
على إنجازها الفيلم الروائي الطويل الأول
لها بعنوان «سكّر بنات»، حقّقت المخرجة
السينمائية اللبنانية نادين لبكي فيلمها
الروائي الطويل الثاني «وهلأ لوين؟»: قصّة
متواضعة. قصّة عادية، شكلاً على الأقلّ: قرية معزولة، ينتمي أبناؤها
وبناتها إلى
الديانتين المسيحية والإسلامية. يعيشون مع بعضهم البعض منذ زمن بعيد.
يأكلون
ويشربون ويحبّون ويلعبون ويتسامرون ويختلفون. قرية تُشبه القرى الريفية
والجبلية
كلّها. تسامح وبساطة وألفة وتواصل. لكنها الحرب. التأثير الخارجي المقبل
إلى القرية
مسيء إليها وإلى ناسها. مرّت الحرب فيها وعليها، وانتهت. الضغط الخارجي
يُمارس أبشع
محاولاته لاختراق القرية وسلامها مجدّداً، وإن كان سلامها هشّاً ومنقوصاً:
«الرجال
متوترون»، قالت نادين لبكي. «النساء يسعين للحؤول دون وقوع الرجال هؤلاء في
مشاحنات
وخلافات، قد تؤدّي بهم وبهنّ وبالقرية إلى جحيم الحرب مرّة أخرى. تتّحد
النساء لمنع
التأثيرات الخارجية من إشعال نار الفتنة ثانيةً. لهذا، يستخدمن الوسائل
كلّها لدرء
الخطر عن أزواجهنّ وأبنائهنّ وقريتهنّ، وعن أنفسهنّ طبعاً. إنهنّ مستعدات
لاستخدام
أي وسيلة ممكنة، مهما كانت غريبة أو غير مألوفة، لبلوغ الهدف هذا. يُقدّمن
تضحيات
جمّة. يتجاوزن ذواتهنّ أحياناً. لا تمانع أية واحدة منهنّ من الاستعانة
بخدمات نساء
أوكرانيات مثلاً، لإلهاء الرجال عمّا يسعين لتحقيقه: إخفاء السلاح من
المنازل. هذا
كلّه بهدف منع الاقتتال مجدّداً داخل القرية، وبين رجالها».
تناقضات
ليس مهمّاً معرفة ما إذا نجحت النساء في تحقيق رغبتهنّ هذه أم لا: «لا
تتعلّق المسألة بما إذا نجحن أم لا، بقدر ما ترتبط بالسياق
المتكامل للحكاية. لا
تنسَ أن الفيلم مبنيّ على واقع ومتخيّل في
آن واحد. أمورٌ عدّة تحدث في القرية،
يراها المرء غريبة وغير ممكنة الحدوث في
الواقع. هذا مقصود منذ البداية. هذا مطلوب
أيضاً، لأني أرى أن السخرية حاجة ملحّة في حالة كهذه. بين الواقع الجاد
والمأسوي
واللحظات الطريفة المتنوّعة، هناك مسار إنساني جمع الأحداث والتفاصيل
والشخصيات.
السخرية وسيلة لاستحضار القوّة، وتسخيرها لاستعادة العافية. أعتبر هذا
الأسلوب
ضرورة. أردتُ الفيلم كوميدياً ودرامياً في لحظة واحدة. أردته مثيراً للضحك،
ودافعاً
إلى الشعور بانفعالات أخرى كثيرة».
غالب الظنّ أن الأحداث الدرامية كلّها تُحيل
المُشاهد إلى لبنان وحربه والآثار المخيفة والمدمِّرة التي خلّفتها خمسة
عشر عاماً
من الحروب، وما تلاها من أعوام سلم هشّ ومنقوص. لكن، بعيداً عن أي إسقاط
ممكن، بدا
النصّ السينمائي مشغولاً بفكرتين اثنتين، على الأقلّ: الشرّ موجودٌ فينا،
وتحديداً
في الرجال. بينما النساء هنّ الخلاص المنتظر أو المتوقّع أو المطلوب: «ليس
الجواب
سهلاً. لا ألخّص المادة الدرامية والحكاية الفيلمية بهذا الاختزال. النساء
لسن
الحلّ. صحيح أن الشرّ موجود فينا. أن الشرّ كامنٌ في يومياتنا وتفاصيل
عيشنا
وأساليب تعاطينا مع أنفسنا ومع بعضنا البعض. هذا ما أشعر به يومياً. الدليل
على
ذلك: بمجرّد وقوع إشكال بسيط أو صغير أو تافه بين شخصين ينتميان إلى فئتين
مختلفتين
دينياً أو فكرياً أو سياسياً أو اجتماعياً، أو ينتميان إلى حزبين سياسيين
مختلفين
أو متناقضين، بمجرّد وقوع إشكال صغير كهذا لا علاقة له بالسياسة أو الدين
أو
الطائفة، «تشتعل الدنيا». منذ زمن طويل نسمع عن وقوع إشكالات كهذه، يذهب
ضحيتها
أفرادٌ شاركوا فيها، أو أفرادٌ لا علاقة لهم بها أبداً. يذهب ضحيتها أناسٌ
عديدون،
قتلاً أو إصابات جسدية. الشرّ موجود فينا. هذا أمرٌ مؤكّد جداً. ذلك أننا
لم نتخطّ
الأحقاد التي نمت بيننا وعاشت زمناً طويلاً معنا وفينا. أكاد أقول: لم يشأ
كثيرون
منّا أن يتخطّوا الأحقاد هذه، الواقعة في النفوس. أي عذر أو سبب أو حالة أو
لحظة،
يندفع الناس بسببها إلى حمل السلاح، والنزول إلى الشارع، والاقتتال فيما
بينهم».
تستعيد نادين لبكي اللحظات الرئيسة التي أفضت إلى بزوغ الفكرة الأولى
للفيلم:
«كان كل شيء يسير بشكل طبيعي، أو شبه طبيعي. كانت الأمور حسنة.
فجأة، اندلعت أحداث
السابع من أيار 2008. لا أتحدّث في الشأن
السياسي. ما حدث جعلني أشعر أن حرباً
أهلية اندلعت. سئلتُ مراراً عمّا إذا
استوحيتُ فكرة الفيلم وقصّته من حقائق ووقائع.
جوابي: لا. الفكرة نبعت من تجربة شخصية بحتة، لها علاقة بي كامرأة وأم،
أولاً
وأساساً. في السابع من أيار 2008 نفسه، اكتشفتُ أني حامل. عرفتُ أني سأصبح
أمّاً في
اليوم نفسه الذي شهد استعادة واضحة لمناخ الحرب الأهلية: حواجز على
الطرقات. إقفال
مطار بيروت الدولي. اشتعال حرائق. إطلاق رصاص وقذائف. قتلى وجرحى. إلخ.
فجأة، انتشر
العنف سريعاً في الأجواء كلّها. يومها، كنتُ أفكّر بفيلم جديد لي، مع صديقي
وشريكي
في الكتابة جهاد حجيلي. القتال في شوارع المدينة عنيفٌ. الذين تجاوروا
لأعوام
مديدة، وترعرعوا سوياً، وارتادوا المدرسة نفسها عاماً تلو آخر، أصبحوا
يتقاتلون،
لاختلاف الأديان والطوائف بينهم. يومها، سألتُ نفسي: عندما أُرزق بطفل،
ماذا سأفعل
كي أمنعه من حمل السلاح، والنزول إلى الشارع؟».
أكّدت لبكي مجدّداً أن «الشرّ
موجود فينا». رأت أن «ما من أحد تحرّر منه،
أو تخطّاه». أضافت: «الجيل الجديد، الذي
شعرنا ذات لحظة أنه قد يحمل أملاً ما لتجاوز هذا كلّه، يعيش الحالة نفسها،
للأسف.
كأننا لم نغسل الدم. كأننا لا نريد أن نغسل الدم. في كل مرّة، أو بالأحرى
بين وقت
وآخر، ندخل حرباً جديدة. نخوض صراعاً جديداً». ركّزت أيضاً على أن «الإحساس
بالأمومة زاد الشعور هذا فيّ. لم أكن لأتعاطى بهذه الأمور ربما، لو لم
أكتشف أني
حاملٌ، في إحدى اللحظات المصيرية في لبنان. ربما لأني خفت على ابني،
وتساءلتُ عن
المصير الذي ينتظره، وعمّا سيعيشه، وكيف. لهذا كلّه، ربما، انخرطت في بلورة
الفكرة
وكتابة الفيلم. رودني حداد وجهاد حجيلي (شاركاها في كتابة السيناريو) شعرا
بهذا
أيضاً. نمضي أوقاتنا بمناقشة أمور لا علاقة لها بالفيلم. بمناقشة ما يجري
حولنا.
كانا يشعران بهذا أيضاً. بدأت الفكرة من قصّة أم تفعل المستحيل لمنع ابنها
من حمل
السلاح والنزول إلى الشارع. ثم تطوّرت الأمور، فإذا بنا نضع الأحداث في
قرية، بلغ
الأمر بنسائها حدّ الشعور بالقرف والغضب من ارتداء الأسود، ودفن الأحبّة،
والبكاء
على الراحلين. لم تعد النسوة يرغبن في ارتداء الأسود، ودفن الأحبّة،
والبكاء على
الراحلين. لهذا، يحاولن المستحيل لتجنيب القرية من الوقوع في العنف والحرب
والدم
والخراب. أقول إن الكيل طفح بهنّ، فابتكرن أموراً «غريبة» و«طريفة» أحياناً
لمنع
الانزلاق مجدّداً في آتون الخراب».
ملاحظات
هناك شخصيتا رجلي
الدين، المسيحي (سمير عوض) والمسلم (زياد
أبو عبسي). هناك مشكلة في أنهما عاجزان عن
أن يكونا حقيقيين أكثر. مأزق التمثيل واضح. إنهما يمثلان، بدلاً من أن
يكونا
مندمجين في الشخصيتين. بدلاً من أن يكونا الشخصيتين. لم تشأ نادين لبكي أن
يكونا
قياديين أو شبيهين برجال الدين اللبنانيين: «تعاطيتُ معهما من منظار شخص
يحلم أن
يتصرّف رجال الدين بالطريقة هذه. أردت أن يكونا لذيذين و«مهضومين». لا
أعرف. ربما
حالة ضعف لم أعيها. عندما بدأت العمل على الفيلم، أنجزته بسرعة فائقة.
أنهيت النسخة
الأخيرة قبل ثلاثة أيام فقط من بدء الدورة الأخيرة لمهرجان «كانّ» (قسم
«نظرة ما»
في الدورة الرابعة والستين للمهرجان، المُقامة بين الحادي عشر والثاني
والعشرين من
أيار 2011). عندي نضوج واضح في العلاقة بالمكان والزمان. نضوج في الكتابة
أيضاً.
أعرف ماذا يشعر الناس. أتقبّل ملاحظة كهذه يسوقها شخصٌ مثلك. ما أشرتَ إليه
ربما
يكون صحيحاً. لكنّي لا أصل دائماً إلى الهدف الذي أريد. شخصياً، أحببتُ
هاتين
الشخصيتين تحديداً. مع هذا، أتقبّل ملاحظة نقدية. ربما لم أنتبه أو لم أكن
واعية
تماماً أثناء الكتابة والاشتغال. لا أعرف». في المقابل، هناك ملاحظة ثانية:
مشاهد
العراك بالأيديّ بين الشباب المنتمين إلى الديانتين السماويتين: «سأكون
صريحة معك.
لم يشأ أحدٌ خوض المجازفة أو المخاطرة. جاء من امتهن تدريب ممثلين على عراك
بالأيدي. كنتُ ضد هذا الأمر. النتيجة: «مضبوط»، معك حقّ. العراك لا عنف
كافياً فيه.
هناك مسألة التأمين أيضاً. الخوف من أن ينعطب هذا الممثل أو ذاك. شعرتُ
بهذا
أيضاً».
هناك مشهد رائع ومهم: الأم التي فقدت ابنها المراهق مؤخّراً، أثناء
زيارته المدينة لشراء ما تحتاجه نساء القرية. في المدينة، قتلته الحرب.
تهرع هي إلى
الكنيسة. تخاطب العذراء. تهاجمها. تبكي أمامها فقدان ابنها. تسألها عن
ابنها وعن
ضرورة أن تحمي الناس. «تفشّ خلقها». تنتقدها: «أرى المشهد ذروة الإيمان.
الأم
الفاقدة ابنها تساوي بينها كأم وبين العذراء كأم أيضاً. أم مات ابنها
تتحدّى أماً (مات
ابنها أيضاً). أعتقد أنه يُمكن لأي أم عانت صدمة مقتل ابنها أن تحكي
العذراء
بالطريقة نفسها. يُمكن أن أطلِقَ النار على قدم ابني. يُمكن أن أدفع ابني
إلى
مشاهدة فيلم إباحي. يُمكن أن أفعل أي شيء كي أحمي ابني من الموت».
انتهت نادين
لبكي إلى القول إن قصّة الفيلم وأحداثه
الدرامية مرآة شفّافة لتناقض حاصل في الحياة
اليومية. الخُرافة عبثية. لكنها قريبة من الواقع إلى درجة يستحيل العثور
معها على
الفرق بين التناقضات: «الواقع خرافي بقدر ما هو سخيف وعبثي ولا منطقي. من
هذا
المنطلق، أحببتُ كتابة الفيلم. إذا ابتعدتُ عن السياسة، ولم يسمعني أحدٌ،
أو لم
ينتبه إلى أن الكيل طفح بي. إذا لم أشتغل في الشأن السياسي ولم أقتل
أناساً. في
الحالة هذه، أصنع فيلماً. الغضب موجود. الأسئلة أيضاً: ماذا نفعل؟ أنت تكتب
مقالة.
أنا أصنع فيلماً. هذا الغضب لا تستطيع أن تتركه في داخلك».
بدءاً من بعد ظهر
اليوم، يُعرض الفيلم في صالات «سينما سيتي»
(الدورة) و«أمبير دون» (فردان)
و«متروبوليس/ أمبير صوفيل» (الأشرفية) و«إسباس» (جونيه)
و«أمبير سوديكو» (سوديكو
سكواير) و«غالاكسي» (بولفار كميل شمعون)
و«سيتي كومبلاكس» (طرابلس) و«أبراج» (فرن
الشبّاك).
كلاكيت
اتهامات
واتهامات مضادّة
نديم جرجوره
الغيرة تولّد حقداً.
تولّد عدائية، مفرطة أحياناً، في التواصل مع الآخر. تولّد
بُغضاً يُكمِّل الحقد في
بناء العلاقات القائمة بين الناس. الغيرة
مرضٌ. هوس مرضيّ مقيم في الذات، وذاهبٌ
بها إلى أقصى التخوم المتطرّفة في النظرة
إلى الآخر. في العلاقة به أيضاً. الغيرة
مُضرِّة. صاحبها أول المتضرّرين بها، وإن لم ينتبه إلى هذا سريعاً. تُصبح
الغيرة
أقذر وأبشع، إذا نمت في وسط إبداعي. إذا تفشّت في المساحات الإبداعية
المفتوحة على
الخلق والجمال. على صناعة الوجه الآخر للدنيا والحياة. أو بالأحرى على
صناعة الدنيا
والحياة.
لا يُمكن لنجاح سينمائي تجاري أو نقدي، داخلي أو خارجي، أن يتلقّى
دعماً أو متابعة إيجابية. لا يُمكنه أن يستقطب التفافاً إنسانياً ومشاركة
فعّالة في
النقاش المؤدّي إلى مزيد من التطوّر. لبنانيون كثيرون ينطلقون إلى الآخر من
البؤر
السوداء للغيرة والحقد. يعجزون عن قبول نجاح لم يبلغوه. «الآخرون هم الجحيم»
بالنسبة إليهم. الآخرون لا يتردّدون عن بيع ذواتهم وأفكارهم للغرب، للحصول
على شهرة
ونجاح مدبّرين. هذا ما يتفوّهون به، عند مصادفة أحدهم نجاحاً. لبنانيون
كثيرون
يشنّون حملات تجنّ وافتراء ضد من أدرك استخدام المفردات والأدوات المطلوبة
للترويج
والتسويق. الترويج والتسويق جزءٌ من اللعبة. السينما محتاجة إلى علاقات
عامّة. إلى
ترويج وتسويق كفيلين بإيصال الصنيع البصري إلى أكبر شريحة ممكنة من
المُشاهدين.
الترويج والتسويق يُصبحان أفضل، إذا انعقدا على مضمون وشكل سليمين للصنيع
البصري.
هناك من يروِّج ويُسوِّق لأفلام منبوذة، نقداً ومُشاهدة.
هذا كلّه مسيء إلى
المقيمين في الغيرة والحقد. النجاح الذي لا
يصيبونه دافعٌ إضافي إلى تأجيج الغيرة
والحقد ضد من أدرك نجاحاً تجارياً ونقدياً. تهمة الانبطاح أمام المال
الغربي باهتة.
سينمائيون لبنانيون يتقنون لعبة المصالح الخاصّة بهم. يذهبون إلى الغرب
بمشاريع
جدّية ومهمّة ومكتوبة بلغة سينمائية جاذبة. لا يتوصّلون جميعهم إلى تأمين
إنتاج، أو
جزء من الإنتاج. لا يتوصّلون إلى هذا دائماً. يصيبون وتراً حسّاساً
أحياناً،
فيُنجزون ما يرونه ملائماً لهواجسهم وأسئلتهم. لكن الآخرين حسودون. لا
ينتبهون إلى
بهتان المخيّلة وغياب الوعي المعرفي عندهم. لا ينتبهون إلى الفراغ الإبداعي
المقيمين فيه. يظنون أن إنجازاتهم «هي السينما»، ولا شيء آخر. إن رافضي
تمويل
مشاريعهم هذه خاسرون وسفلة ومنحطّون، لأنهم لم يجدوا في أعمالهم ما يثير
حشريتهم أو
حماستهم للعمل والإنتاج والتمويل.
هذه أمور ليست حكراً على لبنانيين كثيرين.
عربٌ عديدون اختبروا هذا أيضاً. اتهامات واتهامات مضادة. شتائم وحملات.
الفيلم
الناجح متهم، دائماً، بالتواطؤ مع الغرب. بالتساهل معه. بالترويج له
ولقيمه. تهم
قميئة ومرفوضة. النجاح نقمة على صاحبه، خصوصاً إذا حقّق عملاً بديعاً
ومتماسكاً
ومشغولاً بحرفية واضحة. إذا حقّق عملاً أتقن مزج التجاريّ بالإبداعي الفني.
تريدون مثلاً؟ «وهلأ لوين؟» لنادين لبكي: انتظروا الإيرادات، وتابعوا
رواجه
الغربيّ الآنيّ.
السفير اللبنانية في
22/09/2011
«جمعية
السبيل» تعرض ثلاثة أفلام في «حرش بيروت»
سؤال السينما الملتزمة
نديم جرجورة
بدءاً من مساء غد
الجمعة، يُمكن للمهتمّين بالسينما متابعة نشاط جديد نظّمته «جمعية السبيل»
بعنوان «مهرجان ثقافي في الأماكن العامّة».
الاحتفال هذا ينطلق السابعة مساء اليوم: معرض
صُوَر «ذاكرة البحر المتوسّط»، بالتعاون مع «المؤسّسة العربية
للصورة»، وأمسية
موسيقية خاصّة بالجاز، تقدّمها فرقة مؤلّفة من جويل خوري (بيانو) وتوم
هورنغ (ساكس)
وموريس خوري (باص) ووليد الطويل (طبلة)،
يليها عرض فيلم قصير بعنوان «لمن يهمّه
الأمر» (2000) لسابين سرسق.
نقاشٌ
اختارت «جمعية السبيل» مكاناً مفتوحاً
لإحياء الاحتفال (الدخول مجاني). اختارت «حرش بيروت» (المدخل
المقابل لحلويات
البابا، الطيونة) هذه المرّة. اختارت أفلاماً مختلفة، شكلاً ومضموناً، رأت
أنها
صالحة لإثارة نقاش ما. من فلسطين إلى العلاقة الإنسانية بين عجوز مسلم
ومراهق
يهوديّ، مروراً بآخر ظهور سينمائي لمطرب أثار في حياته كَمّاً
كبيراً من السجال
والإبداع: فلسطين الغارقة في خرابها النابع من سطوة الصهاينة عليها، لكن من
وجهة
نظر أفراد هاموا على وجوههم بحثاً عن لقمة عيش، أو لحظة خلاص. العلاقة
الإنسانية
والانفتاح الثقافي والتواصل الاجتماعي بين منتمين إلى ثقافتين
مختلفتين وديانتين
سماويتين. والغناء، درّة البهاء البصريّ اللاقط عبث شباب مسحورين بالحياة،
وإبداع
ذاهب بهم إلى المزيج المبسّط بين التجاريّ البحت والوداع الأخير.
ثلاثة أفلام
تُعرض السابعة والنصف مساء، وفقاً للبرنامج التالي: «المخدوعون» (1972)
للمصريّ
توفيق صالح (مساء غد الجمعة). «أبي
فوق الشجرة» (1969) للمصريّ أيضاًَ حسين كمال
(مساء
بعد غد السبت). «السيّد إبراهيم وأزهار القرآن» (2003) للفرنسي فرنسوا
دوبييرون (مساء الأحد المقبل). ثلاثة أفلام مُقبلة من هواجس مختلفة،
ومقتبسة من
نصوص أدبية (رواية أو قصّة قصيرة)، وطارحة أسئلة الذات والآخر،
من خلال مأساة
المنافي الفلسطينية في الضفة الخليجية للمنطقة العربية. أو من خلال اللهو
والبحث عن
معنى الفرح، أو وهم الفرح، وسط استعراضات راقصة وأغنيات متفرّقة. أو عبر
التوغّل في
اللحظة الجامعة مشتركاً أخلاقياً وإنسانياً وثقافياً بين الناس. ثلاثة
أفلام تُعيد
المُشاهد المهتمّ إلى الحيّز السامح له إعادة اكتشاف سؤال
السينما الملتزمة همّاً
فردياً أو هواجس منقلبة إلى الداخل الفرديّ في مقابل هوس الجماعة بالنقيض.
ثلاثة
أفلام جعلت النصّ السينمائي أداة معرفة بصرية لوقائع العيش على الحدّ
الفاصل بين
قسوة الواقع ووهم الخلاص.
البداية مع «المخدوعون» لصالح: النصّ مستلّ من رواية «رجال في الشمس» (1963) للفلسطيني غسان
كنفاني. النصّ السينمائي مشبع بالتفاصيل
والحكايات. الفرد الفلسطيني منفيّ ومشرّد. تائه في العالم
العربي. تائه في التاريخ
والجغرافيا. البحث عن لقمة عيش دونه مشقة الخلاص. البحث عن خلاص دونه مشقة
الانهيار
في تحدّيات الأزمنة والأمكنة. رجال يسعون لعمل في الكويت، يواجهون قدرهم:
الموت
احتراقاً في شمس الصحراء. لم يدقّ أحدٌ منهم على «جدران»
الصهريج. القدر لعين.
الموت قدر. الحكاية مفتوحة على أسئلة الهوية والتطهّر والانعتاق من وطأة
العيش في
حياة معقودة على القهر والتمزّق. أقول التطهّر، وأرى الاحتراق داخل الصهريج
اغتسالاً من نار الفوضى والمتاهات.
أعتقد أن نار الفوضى والمتاهات حاضرة في
الخفايا المبطّنة داخل السياق الدرامي لـ«السيّد إبراهيم
وأزهار القرآن». عام 2001،
أصدر الفرنسيّ إيريك إيمانويل شميت رواية قصيرة بالعنوان نفسه. بعد ثلاثة
أعوام،
اشتغل الروائي مع السينمائيّ فرنسوا دوبييرون في كتابة السيناريو
والحوارات. فوضى
العلاقات الممنوعة، ومتاهات التواصل بين التناقضات.
اختلاف
السيّد إبراهيم
(عمر
الشريف) قادر، بحكم نضجه الإنساني والحياتي على الأقلّ، على ولوج التفاصيل
التي يكمن الشيطان فيها، من دون الوقوع في حبائله. استطاع أن يخترق
المحظور. إيمانه
أقوى من أن يردعه أي شيء عن الاقتراب من الآخر. خصوصاً إذا كان
الآخر مختلفاً
تماماً، في الثقافة والتربية والجذور الدينية والأخلاقية. التقى مراهقاً
يهودياً
يُدعى مونو (بيار بولانجي). نار الفوضى والمتاهات قدر المراهق المقيم في
الانفصال
الحادّ بين والديه. سؤال الانفصال مدخلٌ إلى فهم الحكاية. مدخلٌ إلى مزيد
من
المعرفة والوعي. الوعي المعرفي قادر على التحرّر من بشاعة
التقوقع والحقد. قادر على
إنشاء مساحة قابلة لأن تكون سياجاً يُحصّن المرء من الوقوع في فخّ الأحقاد
والتطرّف
والتمييز العنصري.
هناك استحالة واضحة إزاء الرغبة في اختزال الحكايتين،
الفلسطينية والغربية. «أبي فوق الشجرة» مأخوذٌ من إحدى قصص إحسان عبد
القدّوس.
النصّ السينمائي مرتكز على تبسيط كل شيء. إنه أحد أكثر الأفلام رواجاً
تجارياً. قيل
إن مدّة عرضه التجاري في صالات السينما مساوية لثمانية وخمسين أسبوعاً
متتالياً
(هناك
من قال إن مدّة العرض بلغت ثلاثة وخمسين أسبوعاً): «لا يُعرض (الفيلم) في
التلفزيون، لاحتوائه على مشاهد مخلّة بالآداب، إلى درجة أن المُشاهد لا
يُصدّق أن
عبد الحليم حافظ هو البطل». رأي قاس بحقّ الفيلم. هناك رأي
آخر: «الطابع التجاريّ
المفرط جعل الفيلم نادراً مع مرور الأيام»، وهذا في مقابل رأي مفاده أن
الفيلم «من
أقوى الأفلام الاستعراضية». إنه «من أكثر الأفلام العربية تحقيقاً
للإيرادات». قصّة
حب وسعي للعيش على الضفة الجميلة للحياة. قصّة تجاوز ملحوظ
للخطوط الاجتماعية
الحمراء، باقتراب البطل من راقصة منبوذة. حبّ وكراهية وتفاصيل وأغنيات
جمّة: «أجريت
على القصّة الأصلية تعديلات خاصّة بالعمل السينمائي، لم يكن الكاتب راضياً
عنها،
على الرغم من قوله إنها كانت بسيطة». في الفيلم هذا، ساهم حسين
كمال بشكل واضح «في
تطوير الأغنية السينمائية العربية، وقدّمها في صورة تختلف كثيراً عن الشكل
التقليدي
الذي عوّدتنا عليه الأفلام الغنائية المصرية السابقة»، كما كتب الناقد
البحريني حسن حداد. أشار الناقد أيضاً إلى أن كمال
اعتمد «على حكاية ضعيفة فنياً ومستهلكة، بل
إنها لم تصل أحياناً إلى مستوى الكثير من الأفلام الغنائية التي سبقت فيلمه».
لقاء سينمائي متنوّع. هذا ما بدا أن «جمعية السبيل» ساعية له. هذا ما
يُمكن أن
يكون نشاطاً ثقافياً مهمّاً: مُشاهدة أفلام سجالية، وإن بدت السجالات
مختلفة بين
فيلم وآخر.
السفير اللبنانية في
22/09/2011
'سينما
المرأة' تنتشل سلا المغربية من براثن
الجريمة
ميدل ايست أونلاين/ سلا (المغرب)
أحدث مهرجان دولي لفيلم المرأة يسعى إلى إعادة التألق إلى مدينة
يعود بناؤها إلى آلاف السنين وتعاقبت عليها حضارات تاريخية متنوعة.
قال منظمون إن أحدث مهرجان دولي لفيلم المرأة بسلا قرب الرباط يهدف
إلى اعادة التألق إلى المدينة الغارقة في مشاكل الإجرام والهجرة القروية
والتخلف وهي المدنية التي يعود بناؤها إلى آلاف السنين وتعاقبت عليها
حضارات تاريخية متنوعة.
وقال نور الدين اشماعو رئيس المهرجان الذي بدأت دورته الخامسة في 19
من سبتمبر الحالي ويستمر حتى 24 منه "هذا المهرجان من شأنه أيضاً أن يعمل
على اصلاح الصورة النمطية التي التصقت بسلا كالإجرام والارهاب والتهميش".
وأضاف قوله "انها مساهمة بسيطة جدا للتخفيف من أعباء المدينة
والمهرجان بدأ يخطو خطواته نحو النجاح وبدأ يذيع صيته".
وقال ان المدينة "للاسف تزخر بالمبدعين والفنانين لكن مشاكل الاكتظاظ
والهجرة القروية وضعف البنية التحتية واغلاق القاعات السينمائية كلها تجعل
المدينة تغرق في مشاكلها وتهمش الفن".
وأضاف "نحن في بداية الطريق بامكانياتنا المتواضعة ما زلنا في
البداية".
ويتنافس 12 فيلماً على جوائز المهرجان المتمثلة في جائزة المهرجان
الكبرى وجائزة لجنة التحكيم وجائزة أفضل سيناريو وأفضل ممثل وممثلة.
وتشارك فرنسا والولايات المتحدة الاميركية وفيتنام وسويسرا وسلوفينيا
والمانيا واستراليا وايطاليا والنمسا وبوركينا فاسو ومصر والمغرب بأفلام
تتناول في معظمها قضايا المرأة.
وكرم المهرجان الحقوقية التركية حليمة جونز مؤسسة مهرجان سينما النساء
بأنقرة كما كرم الممثل المصري حسين فهمي.
ويرى بعض المراقبين أن الانتفاضات في العالم العربي أو ما بات يعرف
باسم "الربيع العربي" أثر على المشاركة العربية في هذه الدورة التي تميزت
بالضعف.
ونفى اشماعو ذلك وقال "هناك حضور واضح للسينما المصرية عن طريق عدد من
الافلام وكذلك تكريم الفنان حسين فهمي ووجود الفنانة هالة صدقي في لجنة
التحكيم".
وأضاف "فقط في هذه الدورة ركزنا على الحضور الافريقي حيث اختيرت
بوركينافاسو ضيفة المهرجان وربما في السنوات المقبلة نكرم السينما الاسيوية
أو سينما أميركا اللاتنية".
وقال "السينما العربية حاضرة عن طريق مصر وغياب دول عربية أخرى كما
قلت ربما جاء عن طريق الصدفة باستثناء سوريا التي حالت الاوضاع هناك دون
مشاركة سينمائييها في هذه الدورة".
وقال الفنان المغربي مصطفى منير ان ما أضافته "الثورات العربية"
للسينما "هو أن الناس بدأوا يتحدثون بكل جرأة ويناقشون المواضيع بكثير من
الشجاعة والانفتاح. لاحظت في هذه الدورة أن الخوف بدأ يضمحل وهذا شيء
مفرح".
ميدل إيست أنلاين في
22/09/2011 |