ما الذي يجعل مخرجة شابة لديها أسلوب وتستطيع التعبير بلغة سينمائية
جيدة. أن
تبدأ تجربتها الأولي علي الشاشة الكبيرة لفيلم مأخوذ عن فيلم مصري. مقتبس
بدوره عن
فيلم أمريكي؟؟ وماذا يجبرها أن تغامر بدفع المتلقي إلي المقارنة وهي تعلم
أن ترتيب
فيلمها سيكون رقم 3 من حيث القيمة الفنية والترفيهية؟
الاجابة هنا ومن دون تردد
هي الإفلاس وغياب ملكة الابتكار.. فالافلاس في السينما المصرية
علي مستوي الابتكار
أمر
واقع وظاهر للعيان في أفلام العيد.. كلها دون استثناء أعمال "سكندهاند" أو
"يرد
هاند" أي درجة ثانية أو ثالثة وسبق استخدامها.
السيناريو الذي كتبه كل من كريم
فهمي وهشام ماجد يبدأ بافتعال يبدد أي قدرة علي الاندماج مع
الحكاية. إذ بني علاقة
البطلين بيبو وبشير علي فكرة ليست محتملة الحدوث. ألا وهي صعوبة الحصول علي
شقة
مفروشة مقابل ألفي جنيه. وهذا هراء لأن الشقق المفروشة في القاهرة "علي قفا
من
يشيل" والعثور عليها في حدود هذا السعر متاح. وليس من الضروري
أن تكون في منطقة باب
اللوق وسط القاهرة الصعوبة التي لم يلتفت إليها الكاتبان هو توفر ألفين
جنيه لمدرس
ألعاب أو مترجم لغة سواحيلي. ولعازفة درامز في فرقة هواة مغمورة.
أيضاً فكرة
الجمع بين "بيبو" و"بشير" من دون علمهما في شقة مفروشة واحدة دون علمهما
بعد وضع
شروط للإقامة وتحديد مواعيد التواجد داخل الشقة لكل واحد منهما. هي أيضاً
من قبيل
الكلام الفارغ صعب التحقيق..
ثم مسألة أن يتصادف وجودهما في أمكنة بعيداً عن
الشقة المستأجرة وهما يجهلان أنهما شركاء داخل جدران مشترك
يعتبر أمراً غير وارد.
والفيلم يبني علي هذا "الجهل" مواقف وبدعًا لإثارة الضحك لا تقنع أحداً ولا
تحقق
الحد الأدني من الفكاهة المتوقعة في فيلم كوميدي. مثل حكاية العفاريت
والزيارة
المفتعلة أيضاً لأسرة "بيبو".
من البداية إذن علينا أن نستقبل الفيلم كمجموعة
منفصلة من المواقف أو النمر وألا نلتفت إلي التفاصيل صعبة
التصديق. ولا نبالغ
ونتوقع والأمر كذلك أننا ازاء تجربة مترابطة ومتسقة.
وقبل حتي أن تبدأ الحكاية.
وقع اختيار الكاتبين علي فكرة ليست أصيلة. وقاما بزرعها في سياق مجتمعي
يلفظها
شكلاً وموضوعاً. حتي لو كانت بفعل صديق مشاكس وسمسار جشع..
يقول الافتعال فضلاً
عن رسمة الابتذال بعض النكات المصورة. علي سبيل المثال مشهد الجماع الجنسي
بين
كلبين أحدهما ضخم "انثي" والآخر ضئيل الحجم "ذكر". ثم توليد الضحك من
المفارقة بين
الحجمين مع استخدام مؤثر صوتي يرافق المشهد يعبر عن حالة النشوة التي تشعر
بها
الكلبة.. طبعاً لا أعرف كيف استطاعت المخرجة أن تنفذ هذا
المشهد وكيف "أدارت"
العملية وخططت لها!!
وما أريد أن أشير إليه هنا أن المخرجة الشابة المتعلمة.
انجرفت وراء أسوأ "داءات" السينما
التجارية. تحديداً الفبركة والابتذال وغياب كلي
للابتكار وأضيف للتأكيد علي وجهة النظر العلاقة شديدة التكلف
بين صفية العمري وعزت
أبو عوف برغم محاولات الاستظراف في الأداء التمثيلي للأخير أيضاً الشخصية
الهزلية
التي لعبها باسم السمرة التي لم تكن مصدراً للفكاهة بقدر ما كانت مناسبة
للقرف إلا
بمناسبة المشاهد "كريهة الرائحة" تسوق مشهد "حمادة"" الصديق
المهرج لبطل الفيلم
"بشير" في دورة المياه. وهو مشهد لم أفهمه في البداية. وأقل ما يوصف به
أنه قليل
الذوق.
والمفارقة قدرة هذا الممثل نفسه محمد ممدوح علي أداء المشاهد الدرامية
في
نفس الفيلم علي نحو أفضل والتي تحتاج إلي مهارات تمثيلية تتجاوز التعبير
الخارجي
إلي الايحاء بأحاسيس ومشاعر تتجاوز الملامح الظاهرة.
ولكن
لست أريد مما تقدم
أن أنسف بالكامل هذه التجربة الأولي للمخرجة مريم أبو عوف. بل قد يستطيع
القارئ أن
يستخلص الشعور بالخسارة أمام عمل يعكس لغة حية ومميزة تدل علي امكانيات
تملكها ظهرت
في مواقع من الفيلم بعيداً عن الحبكة ومنطق سير الأحداث.
عنصر إدارة الممثل
وتصميم الحركة داخل اطار الصورة يؤكد قدرة المخرجة علي الإمساك بمفردات
العملية
الاخراجية والسيطرة علي اجواء المشهد.. فالفيلم يتضمن مشاهد تقتضي منطق
للحركة
واحساس بدلالتها وبالذات مشاهد المجاميع علي أرض الملعب. وداخل
حجرة الملابس الخاصة
بفريق كرة السلة وأثناء الاشتباكات اللفظية بين اللاعبين. وكذلك في معظم
المشاهد
الرومانسية التي جمعت بين آسر ياسين "بشير" وبين بيبو "منة شلبي" نلحظ بناء
جيداً
للأحاسيس. كما تلحظ هذه المهارة نفسها في الاحساس العالي الذي تم بوعي من
أجل
الترويج لروح الفريق والتأكيد علي فكرة التجرد من "الأنا"
لحساب "الكل" واخلاص
"الكل" لحساب الوطن "مصر" ثم السخونة التي استشعرتها شخصياً في في
الربع الأخير
وتحديداً اثناء المباراة بين الفريق المصري والتنزاني حيث يحرص الجميع في
عفوية من
أجل تحقيق النصر.. واعتقد أن المخرجة في هذه المشاهد استعارت روح "الميدان"
إن صح
حدسي. واجتهدت لإشاعتها. ولم تكن إدارة مثل هذه المشاهد لفريق كرة السلة
سهلة حيث
الإيحاء بالارتجال وبعنصر العفوية في تصوير الصدام والاشتباكات
اللفظية بين أفراد
الفريق.
مدينة بورسعيد
اختيار مدينة بورسعيد كمسقط رأس للفتاة "بيبو" ومكان
للمباراة لا يخلو من دلالة. وقد ظهرت بعض معانيها في أسلوب رسم الشخصية.
البورسعيدية التي جمعت بين الجدعنة والقوة ومنتهي الخشونة إذا اقتضي الأمر.
وبين
الرقة والرومانسية في مواقف أخري..
كذلك رسم الفيلم صورة الأسرة البورسعيدية في
العلاقة الطريقة التي جمعت الزوجين سلوي محمد علي وهي
بالمناسبة ممثلة قوية ومحترمة
ومقنعة في معظم الأدوار التي تؤديها. وبين محمد خان الذي نعرفه مخرجاً له
اسهامات
متينة ممتازة ورؤية اجتماعية نافذة "هند وكاميليا بنات وسط البلد" ويمتلك
بالتأكيد
خبرة في فن إدارة الممثل وقد ترجم جانباً منها في الدورة الصغير الذي لعبه
كوالد
محب ل "بيبو". وزوج منصاع ومغلوب علي أمره لزوجته أم بيبو..
أداء الزوجين جاء
طبيعياً وعفوياً متحرراً من التكلف.
تحصيل حاصل
لا يحتاج آسر ياسين أو منة
شلبي شهادة عن كونهما من أفضل الممثلين الشباب وأكثرهما موهبة
علي خريطة السينما
العربية في الحقبة الأخيرة ولكنهما يحتاجان ربما هذه الشهادة عن قدرة كل
منها علي
تحمل مسئولية جسيمة في ظل المفهوم السائد في مصر عن هذا الجنس الفني الذي
تم
ابتذاله واختزاله في ماركة مصرية مسجلة من المسخرة. ابتذال
للحركة ولغة الجسد.
والحوار ولغة الخطاب السوقي..
بعض عناصر هذا النوع لم يتحملها بيبو وبشير في
الفيلم ولكن "الكلاب" من ناحية و"حمادة" من ناحية أخري.. بينما
اعتمد آسر ياسين
ومنة شلبي علي "مواقف" بعضها احتوي قدراً من الفكاهة الفاترة
إن صح التعبير. وبعضها
جاء طريفاً محملاً بالروح الخفيفة والدعابة.
عنصر الموسيقي والغناء
ضمن
العناصر الايجابية في هذه التجربة الأولي. عنصر الموسيقي. والأغنية علي نحو
أخصها
وتوظيفها الايجابي لإشاعة اجواء دافئة دعمت الصورة وأضفت علي الانطباع
الأخير مشاعر
طيبة.
والفيلم في محصلته الايجابية المحدودة. يعتبر تجربة شبابية تضم أسماء
ليست
مألوفة. وتلقي الضوء أكثر علي موسيقار ومغني شاب "هاني عادل" قدم الأغنية
بحساسية
ومذاق فني وتوجهات مختلفة. وتعتبر بعض اغنياته تعبيراً جميلاً عن روح ثورة
25
يناير.
وليس من قبيل الصدفة أن يختار بطلة الفيلم عازفة "درامز" أي "طباّلة"
بالبلدي. وهو ما أثار احساساً فكاهياً أولاً من خلال الكلمة التي اعتاد أن
يستقبلها
الناس كعمل لاسم مذكر "طباّل" وليس لأنثي تعمدت أن تبدو من خلال المظهر
والأداء
وتسريحة الشعر ولغة التعامل كشيء مزيد غير مألوف..
نفس "الأسلوب" ظهر به آسر
ياسين. بالإضافة إلي اللغة "السواحيلي" التي استخدمت في الفيلم
كأحد مصادر
الفكاهة.
حرص صناع الفيلم علي الاحتفاء بفرقة رياضية بعيداً عن كرة القدم التي
انفردت بالمزايا الإعلانية والإعلامية والمالية أيضاً وحتي لا يتشابه
الفيلم ربما
مع "واحد صفر" وحرص أيضاً علي الاحتفاء بأفريقيا ليس فقط من خلال مباراة مع
تنزانيا
من خلال فريق كرة السلة والأكثر بتقديم بطل مصري مخلط من أب مصري وأم
تنزانية وهو
أمر غير مستبعد لو تذكرنا حكاية زواج نكروما من سيدة مصرية
وابنها الذي أصبح حالياً
مصرياً وهو يعمل في مجال الإعلام المصري.
آخر كلام
المساء المصرية في
18/09/2011
«بيبو
وبشير»..
اقتباس بلا معنى من أشهر الكلاسيكيات
الكوميدية
رامى
عبدالرازق
فى نقطة معينة من الأحداث عندما يكتشف «بيبو» و«بشير» أنهما وقعا ضحية
خدعة صديقهما «حمادة» واستأجرا نفس الشقة، بحيث تسكن هى فى الصباح وهو فى
المساء تقول «بيبو» لـ«بشير»: «دى صدفة ما بتحصلش غير فى أفلام الأبيض
والأسود الوحشة»، ولا ندرى إن كانت تسخر من تيمة الفيلم التى يكررها صناع
التجربة أم تعترف بأن التيمة مقتبسة حتى لا يتهمهم أحد بذلك، أو لأن المهم
الضحك مهما كانت التيمة!
هذا التعليق من «بيبو» يحتاج إلى بحث فى نفسية صناع الأفلام المقتبسة
فى السينما المصرية، فهذه التيمة قدمت عشرات المرات من قبل خلال الأربعين
سنة الماضية، وإعادة تقديمها الآن لا يبدو أن له أى معنى سوى التسلية فقط،
فلا هو يناقش أزمة المساكن كما كانت تتجه التجارب السابقة، ولا هو يتحدث عن
أفكار جديدة فى علاقات الحب والصداقة، بل إن التيمة نفسها تعتبر أكثر
كلاسيكية من أن يفكر أحدهم فى صناعتها الآن لسبب بسيط هو أن ذكاء وخبرة
متفرج ٢٠١١ يختلفان بالطبع عن بساطة عقول الستينيات والسبعينيات التى قدمت
التيمة فى الأساس وقتها، فيجب بذل مجهود درامى خارق من أجل إقناعنا بأن
هناك شخصين يعيشان فى نفس الشقة دون أن يدرى أحدهما بالآخر حتى لو كان هناك
شخص مثل «حمادة» يقوم بالتنسيق وإعادة ترتيب الشقة وكأنه متفرغ تماماً لهذا
الأمر فقط!
إن اختيار كتاب السيناريو لشكل الكوميديا الرومانسية أهدر طاقتهم فى
الإيهام بالفكرة، فهذه فكرة تحتاج إلى معالجة بارودى «ساخرة من الفكرة» لأن
متفرج القرن الجديد ليس من السهل إقناعه بمجرد نقل تمثالين من مكانهما أو
إغلاق حجرة على من فيها.
عندما قدمت هذه الفكرة فى أمريكا كان تعداد سكان مدينة نيويورك ٨
ملايين نسمة فى الستينيات، وكانت هناك أزمة سكن بالفعل، بالإضافة إلى أن
الفكرة كانت تسخر من تحول الإنسان فى المجتمع المدنى لمجرد آلة تعمل وتأكل
وتنام فقط دون أن يشعر حتى بأن ثمة من يشاركه نفس الغرفة والفراش، ولكن
«بيبو وبشير» لا يهتم سوى بلوذعية الفكرة وبمحاولة تقديم مواقف طريفة شديدة
السذاجة تنحو نحو الكوميديا الحركية أحيانا مثل هروب «بشير» المتكرر من
الشقة عندما يشعر بأن العفاريت التى تسكنها -كما أوهمه صديقه- تظهر له،
وللأسف نحن لا نقدم هذا النوع من الكوميديا الحركية بشكل متقن لأنها
تحتاج إلى تصميم حركى معين وزوايا كاميرا وإيقاع مونتاجى خاص، بالإضافة إلى
استخدام السيناريو بعض الإفيهات البصرية واللفظية المقززة والمنتشرة فى
السينما الأمريكية مثل مشهد المرحاض الذى يقوم فيه «حمادة» بعد أصابع
البراز قبل أن يصرفها، ثم يعود فى المساء للتبرز مرة أخرى بنفس العدد كى لا
يشعر «بشير» بفرق، ومثل مشهد باسم سمرة فى القطار الذى يعتمد على السخرية
من رائحة فمه وعرقه وأصابعه التى يغرزها فى العسل ويحاول وضعها فى فم
«بشير» وهو نوع من الكوميديا لا يناسب شريحة عريضة من الجمهور ويحتاج
لمتذوق عفن الخيال ليضحك عليه.
اجتهدت مريم أبوعوف فى محاولة تقديم إيقاع نشط للأحداث وكسرت الحاجز
الضيق لحركة الممثلين فى فراغ الشقة المحدود وملعب كرة السلة وستديو الفرقة
بأن صورت الكثير من المشاهد الخارجية لتهوية الفيلم بصريا على الأقل،
وحاولت تقديم أكثر من أسلوب بصرى بداية من استخدام اللقطة الواحدة مثل مشهد
استيقاظ بشير ليجد أباه تزوج من «طنط كوكى»، التى استخدمت فيه مريم أسلوب
الكاميرا المحمولة فى لقطة واحدة طويلة تبدأ وتنتهى من حجرة «بشير»، وتكثف
رغبته فى أن يغادر بيت أبيه، وكذلك أسلوب تقسيم الشاشة إلى نصفين للتعرف
على ما يحدث لكلا الشخصيتين فى نفس الوقت، أو كيف يتعامل «حمادة» مع أغراض
كل منهما، وكذلك صياغة أكثر من كليب سريع لتنشيط الإيقاع، خاصة أن زمن
الفيلم طويل نسبيا (ساعتان)،
ولكن من الغريب أن يُبذل هذا الجهد فى السعى لتجسيد فكرة مكررة لا
تستحق كل هذا العناء فى إخراجها، وهو نفس الجهد الضائع الذى نشعر به مع
شخصية «بشير» التى قدمها آسر ياسين فى لون كوميدى جديد تماماً على أدواره،
لكنه استطاع أن يثبت نفسه فى كثير من تفاصيله، خاصة لحظات الغضب الأفريقى
النابعة من كونه من أم تنزانية، ورغم عدم تمكنه من أداء كوميديا الحركة
بشكل طريف وإنما بدا مفتعلاً وهو يسقط ويرتطم بالأشياء.
إلى جانب الكوميديا الحركية وإفيهات «المراحيض» اعتمد السيناريو على
كوميديا عكس الأشياء مثل أغلب مشاهد «بشير» و«حمادة» الذى يقول فيها بشير
«مش حشرب حشيش» فنجده يشرب حشيش فى المشهد التالى أو يقول له «مش حعاقبك»
فنجده يربطه فى اللقطة التالية فوق أحد الأسطح، وفكرة عقاب «بشير»
لـ«حمادة» من أسمج مواقف الفيلم، لأنها غير منطقية وكرتونية للدرجة التى لا
تناسب الحد الأدنى من الهزل فى التجربة، والاستغراق فى أنواع معينة من
الإفهيات دون النظر لمصداقيتها ومدى تقبل الجمهور لها، يصنع حاجزا ما بين
المتلقى والشخصيات بدلا من أن يتقبلها بطرافة، ومشاهد تعذيب «بشير»
لـ«حمادة» بربطه فوق السطوح وفى عمود كرة السلة ليصوب عليه الأطفال، مفتعلة
جدا، وربما باستثناء مشهد إطلاق «بشير» التمساح فتحى «على» «حمادة» فى
السيارة وهو أكثرها مصداقية وإقناعا لأنه من الصعب الاقتناع بأن «حمادة»
ضعيف الشخصية للدرجة التى يقبل فيها ما يفعله به «بشير» دون أن يقاوم أو
حتى يهرب!
ناهينا عن كم المشاهد المأخوذة من أفلام أخرى مثل مشهد دخول «بشير» من
باب المطبخ، بعد أن أغلقت «بيبو» باب الشقة مثلما فعلت سعاد حسنى مع أبو كف
فى «غريب فى بيتى» أو مشهد إحضار «حمادة» لفتيات ليل إلى «بشير» فى الشقة
ظنا منه أن «بيبو» غادرت مثلما فعل طلعت زكريا مع مصطفى قمر فى «حريم
كريم»، وكان يمكن الاكتفاء بمشهد التحية لفيلم «الشقة من حق الزوجة»، وهو
مشهد الحمام الشهير الذى يقذف فيه محمود عبدالعزيز رأس نعيمة الصغير
بالغسيل والذى نفذه صناع الفيلم بشكل بارودى جيد ويثبت ما ذكرناه فى
البداية من أن المعالجة كانت تحتاج إلى مزيد من المحاكاة الساخرة بعيداً عن
الاقتباس السافر الذى بلا معنى أو هدف.
ريفيو
سيناريو: كريم فهمى - هشام ماجد ـ إخراج: مريم أبوعوف
ـ بطولة: آسر ياسين - منة شلبى ـ إنتاج: نيوسنشرى
ـ مدة الفيلم: ١٢٠ ق
المصري اليوم في
18/09/2011
سبتمبر.. الواقع أكبر من أن تستوعبه ذاكرة السينما
الأمريكية
كتب
ريهام جودة
فى الوقت الذى جاءت فيه هجمات الحادى عشر من سبتمبر لتسطر اتهامات
واضحة للمسلمين بالوقوف وراءها، مستعدية العالم بأسره نحو الإسلام والعرب
ولصق تهمة الإرهاب بهم، إلا أن السينما الأمريكية لم تنجح حتى الآن فى
توثيق هذا الحدث الجلل، الذى أصاب الأمن القومى الأمريكى، وفقا لآراء عدد
من المحللين وخبراء السينما فى هوليوود، ورغم أن الأحداث والوقائع التى
عاشها ملايين الأمريكيين وقتها - إثر مصرع ٣ آلاف شخص أثناء الهجمات -
مليئة بالتفاصيل التى يمكن تقديم مئات الأفلام عنها، فإن الأفلام التى قدمت
عن هجمات الحادى عشر من سبتمبر جاءت قليلة جداً، مقارنة بهذا الحدث وتأثيره
فى الكيان الأمريكى، خاصة بعد مرور ١٠ سنوات، وهو ما كشفت عنه الاحتفالات
الأخيرة بالذكرى العاشرة للهجمات قبل أيام قليلة،
حيث رصد خبراء السينما قلة عدد الأفلام، خاصة الروائية تحديداً، التى
تناولت الهجمات، وأيضاً قلة عدد النجوم والمخرجين الذين تفاعلوا مع الأحداث
وقدموا أفلاماً عنها، إلا أن نقاداً آخرين رأوا عزوف صناع السينما فى
هوليوود عن توثيق تلك الأحداث يرجع إلى كونها أكبر بكثير من أن تستوعبه
الأعمال، ورغبة من صناع السينما فى عدم استغلالها فى تقديم أفلام تجارية
وجنى الأرباح من خلالها، لكن هذا الرأى يدحضه رأى آخر، يتمثل فى أن السينما
الأمريكية طوال عمرها تجنى الأرباح من الأفلام التى تتناول المآسى والأحداث
القومية الأليمة، بل تعيد تقديم تلك الأفلام مجدداً، كما حدث فى عدة أفلام
منها «بيرل هاربور»، الذى تناول أحداث تفجير القاعدة الأمريكية العسكرية
الشهيرة خلال الحرب العالمية الثانية على يد القوات اليابانية، إضافة إلى
إقامة مهرجان بالكامل «تريبيكا» السينمائى الدولى، ليكون رمزاً للهجمات،
ويخصص عوائده لصالح ضحاياها، وهو المهرجان الذى أسسه ويموله النجم «روبرت
دى نيرو».
ورأى نقاد آخرون أن مصرع أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة، والمتهم
الأول فى الهجمات قبل أشهر قليلة فى باكستان كان له تأثير كبير على تحول
صناع السينما إلى اتجاه آخر فى النظر إلى الهجمات والتعامل معها سينمائياً،
فبعد أن كان الهدف الأول لهم تقديم أفلام ترصد الأحداث، وتقدم الضحايا،
وتستعرض مآسيهم دون التطرق إلى ظهور شخصية «بن لادن» سينمائياً، بات ظهور
تلك الشخصية وتناولها هو الهدف الرئيسى لصناع الأفلام بعد اغتياله،
فالمخرجة «كاثرين بيجلو» تستعد لتصوير فيلم «قتل بن لادن»، بعد تعديل
السيناريو الخاص به، حيث كان من المقرر أن يتناول فشل القوات الأمريكية فى
مهمة لاغتيال زعيم تنظيم القاعدة، إلا أنه بعد نجاح القوات الأمريكية على
أرض الواقع، كان من المهم تعديل السيناريو لرصد هذا النجاح، ويلعب بطولة
الفيلم كل من «مايكل فاسبندر» و«جويل إدجر تون» و«فييجو مورتينسون»، فى حين
يقدم المخرج البريطانى «ستيفن دالدرى» الحياة الناجمة عن الهجمات بالنسبة
لأسر الضحايا فى فيلمه الجديد
Extremely Loud and Incredibly Close، الذى يجهز له حالياً، ويلعب بطولته كل من «توم هانكس» و«ساندرا
بولوك» و«جون جودمان».
وبالنظر إلى الأفلام التى تناولت هجمات ١١ سبتمبر، رأى خبراء السينما
أن هناك بعض الأعمال التى عرضت هذا العام وحاولت تقديم صورة متوازنة وتصفية
الأجواء، بل اتهمت تلك الأفلام بأنها تروج لفكرة مرفوضة فى الأوساط
الأمريكية، وهى التسامح مع المسلمين، مما أثار جدلاً كبيراً، ومن هذه
الأفلام «المسافة بيننا»، الذى عرض فى مهرجان «تريبيكا» السينمائى الدولى
مؤخراً، وجاءت شخصية «بن لادن» لتطارد صناع الفيلم، من خلال الإشارة إلى
تسببه فى تشريد طفل باكستانى توفى والده حارس أحد برجى مركز التجارة
العالمى أثناء الهجمات، فى رسالة مفادها أن العالم بأسره تضرر وليس أمريكا
فقط، ولكن لأنها راعية السلام، كما تقدمها السينما الهوليوودية دوما، فإن
أماً أمريكية ترعى الطفل فى تعبير مزعوم عن تسامح أمريكا بعد ١٠ سنوات من
الهجمات، حتى لو كانت ملامح الطفل ببشرته وشعره السمراوين تذكرها دوما
بأصله العربى، وقد صورت بعض المشاهد فى مجلس العلاقات الخارجية الإسلامية
فى نيويورك كأول فيلم عن ١١ سبتمبر يلقى قبول المجلس، مؤكداً أن العاملين
به أعجبوا كثيراً باللقطات والجمل الحوارية لتلك المشاهد.
واستعرض النقاد عدداً من الأفلام التى قدمت منذ الهجمات، وكانت الكفة
الراجحة للأفلام الوثائقية، وأنها نجحت أكثر فى تناول الهجمات والتعبير
عنها، لدرجة تحقيقها نجاحا تجاريا مثل الأفلام الروائية، وبرز ذلك واضحاً
فى الفيلم الشهير «٩/١١ فهرنهايت»، للمخرج «مايكل مور»، وتلته أفلام ربما
لم تحقق النجاح التجارى نفسه، لكنها لاقت إعجاب النقاد، منها «أين أسامة بن
لادن فى العالم؟»، للمخرج الأمريكى «مورجان سبورلوك»، الذى كتب السيناريو
أيضا بمشاركة «جيرمى تشيلنيك»، أيضاً «القسم»، للمخرجة الأمريكية «لورا
بويتراس»، الذى قدم لقاء مع «أبوجندل»، الحارس الخاص لـ«بن لادن» الموجود
فى اليمن، و«إحياء»، للمخرج «جيم وايتكر»، الذى عرض فى مهرجان «صندانس»
للسينما المستقلة، ويستعرض حياة تسعة أشخاص على مدى السنوات العشر التى مرت
منذ الهجمات، وكيف تغيرت أحوالهم بسببها، و «إعادة التفكير فى أفغانستان»،
للمخرج «روبرت جرينولد»، الذى يقدم مجموعة من المقابلات مع متخصصين سياسيين
وتاريخيين أمريكيين إلى جانب لقاءات مع عدد من المجاهدين الأفغان للنظر إلى
ما آل إليه المجتمع الأفغانى بعد الاحتلال الأمريكى للبلاد.
وبالنسبة للأفلام الروائية برز فيلما «مركز التجارة العالمى» للمخرج
«أوليفر ستون»، وبطولة «نيكولاس كيدج»، و«يونايتد ٩٣» للمخرج «بول جرين
جراس»، اللذان كانا الأقرب للتعبير عن ضحايا الهجمات دون رغبة الاستغلال
والربح التجارى فى وجهة نظر كثير من النقاد، مثلما فعلت بعض الأفلام التى
قدمت تيمة واحدة لأحد العسكريين يذهب فى تعقب «بن لادن» أو أحد رجاله فى
تنظيم القاعدة وكان منها «جسد الأكاذيب»، الذى لعب بطولته «راسل كرو»
و«ليوناردو دى كابريو»، وأخرجه البريطانى «ريدلى سكوت»، عن سيناريو «ويليام
موناهان»، و«ستيف زيليان»، وتناول قصة مأخوذة عن كتاب للصحفى الأمريكى
«ديفيد إيجناتيوس» حول عميل المخابرات المركزية الأمريكية الـCIA الذى يختار لذكائه ومهارته الفائقة ليسافر إلى الأردن فى مهمة تعقب
قيادى بتنظيم القاعدة بدعم وخبرة زميله «إد هوفمان» الذى يرى العالم أقرب
إلى نهايته مما قد يتصور.
المصري اليوم في
18/09/2011 |