يقول لنا فيلم
Rise Of The Planet Of The Apes «ثورة كوكب القردة» المعروض حالياً في دور العرض المحلية، إن القردة
خيار لا بأس به عند البحث عن التمرد لدى كائنات غير الإنسان، ولعله الخيار
الوحيد، وهنا التمرد توصيف بعيد عن «طيور» هيتشكوك التي أصيبت بخلل ما
تحولت من خلاله من كائنات تطير وتحلق، أو تملأ الساحات العامة دليلاً على
السلام والأمان إلى كائنات عدوانية تقوم بغزو البشر وترويعهم، الأمر الذي
فتح هيتشكوك من خلاله الباب على مصراعيه للكثير من الأفلام التي تحكي عن
كائنات أو حشرات تحولت إلى تهديد حقيقي للبشر، في اتباع للتنويع في التشويق
والإثارة.
لنضع هيتشكوك جانباً ونمضي مع «ثورة كوكب القردة» الذي يسعى إلى تقديم
فسحة ترفيهية وتشويقية ممتعة، ليكون على مقربة من فيلم انتج عام 1968 كان
بعنوان «كوكب القردة» إخراج فرانكلين شوفنر والذي يحكي عن وقوع مركبة
فضائية في كوكب مستقبلي، يحكمه القردة، بينما البشر عبيد عندهم، حيث نشاهد
كل المنجز الحضاري الإنساني قد اصبـــح منجزاً حضـــارياً قردياً، بينما
البشر مجموعة من القطعان الهائمة على وجهها في البراري. طبعاً مع «ثورة
كوكب القردة» الأمر مختلف تمامــاً، لكن يبقى فيلم شوفنر ممهداً له، مع
الإصرار على أن يكون في العنوان «كوكب القردة»، رغم أننا لن نكون في هذا
الكوكب بل على سطح الأرض وفي عصرنا الحالي، كما أن كل ما سنشاهده سيكـون
درامياً أولاً، أي أنه سيتشكل أمامنا، وسنكون على اتصال مع أسبابه، وهكذا
فإننا سنكون أمام فيلم تمتزج به الدراما بالخيال العلمي بالأكشن، كما أن
الفيلم يقول لنا إن القرد ــ كما نعرف ــ هو الكائن الأكثر ذكاء بعد
الإنسان! لكن ماذا إن أصبح بذكائه وربما تفوق عليه؟ ولعل الإجابة عن هذا
السؤال ستقوده إلى أن يتمرد على الإنسان، خصوصا إن أصبح يدرك بأنه ليس إلا
حقلاً للتجارب، وحياته لا تساوي شيئاً.
فيلم «ثورة كوكب القردة» الذي أخرجه رابرت ويت وكتبه كل من ريك جافا
وأماندا سيلفر يمضي قدماً مع أنسنة القرد، وربما القرد توصيف يشمل «الشمبانزي
والغوريلا... إلخ» كون سيزار سيكون شمبانزي، وستتشكل الدراما في الفيلم من
خلال أبحاث ويل رودمان (جيمس فرانكو) على عقار يسعى من خلاله معالجة مرض
الزهايمر، وحين يقوم بتقديمه للممولين في شركة الأدوية والأبحاث التي يعمل
فيها، فإن القردة التي تخضع لتلك التجارب تهرب من المختبر، وتبدأ بتكسير
وضرب كل ما تقع عليه إلى أن تصل غرفة الاجتماعات، ولتقتل على يد رجل أمن،
وتقع صريعة على طاولة المجتمعين، ما يدفع مدير شركة ويل إلى إيقاف الأبحاث،
ومع اكتشاف أن تلك القردة حامل، وبالتالي يتم انقاذ ابنها، ويقوم ويل بأخذه
إلى بيته ليتولى رعايته.
سيطلق على ذلك القرد اسم سيزار، وسيكون شديد الذكاء، لدرجة سيتمكن
فيها من لعب الشطرنج، وعليه يمضي نمو سيزار مع تطور أبحاث ويل الذي يقوم
بحقن والده المصاب بالزهايمر بالعقار الذي كان يجربه فقط على القردة، وتكون
النتائج إيجابية إلى حين.
العلاقة التي تنشأ بين سيزار من جهة وويل ووالده، ومن ثم صديقة ويل
الطبيبة البيطرية كارولين (فريدا بينتو) ستكون مكثفة وودية إلى أن يبلغ
سيزار فتبدأ معالم القسوة تبدو عليه، وفي حادثة تجري مع والد ويل يقوم
بالهجوم على جاره بعنف ووحشية، ما يؤدي إلى نقل سيزار إلى مركز احتجاز خاص
بالقردة، وهناك يؤسس سيزار لثورة القردة متبعاً كل ما على الثورات البشرية
أن تتحلى به، إذ إنه يعمل على رفع الوعي من خلال سرقة العقار الذي اخترعه
ويل، ومن ثم فرض سيطرته بوصفه القائد والمحرض والمخطط.
اكتفي بما تقدم من أحداث الفيلم، وأترك الباقي للمشاهدة، مع التأكيد
على أن «كينغ كونغ» سيكون وارداً في هذا الفيلم مع الحفاظ على الاختلافات
الكثيرة، كون كينغ كونغ ليس بأكثر من حيوان غاضب، بينما سيزار فإنه زعيم
ثوري، ينقل التمرد من الفردية إلى روح قردية جماعية، ولعل نهاية «ثورة كوكب
القردة» تخبرنا بشيئين، لهما أن يكونا قادرين على أن يمنحا الفيلم
استمرارية في جزء ثانٍ أو أكثر، كون تلك الغابة التي ستصلها القردة بعد
معركة طاحنة ستكون «البيت» كما سيقول سيزار، أو «الوطن» والذي يمكن أن يكون
أيضاً «كوكب القردة»، وربما علينا أن نرى مستقبلاً نسخة جديدة من «كوكب
القردة» فيلم الستينات، لا أعرف، ربما! كما أن إصابة جار ويل بما أصيب به
أحد العاملين على أبحاث ويل من جراء تنشقه العقار الذي يجري تجاربه عليه،
ينذرنا ربما بشيء قد ينتقل من القردة إلى الإنسان ــ طبعاً هذه افتراضات
مبنية على النهاية ــ وبكلمات أخرى ألم ينتقل «الإيدز» مرض نقص المناعة
المكتسبة من القرد إلى الإنسان!
ختاماً، تبقى أفلام الخيال العلمي إن صيغت جيداً محرضة للكثير من
الأفكار، وربما في هذا ما يشكل معياراً بسيطاً ربما لمقاربتها، والمرجعية
دائماً تكون على اتصال بالواقع، واقع مستقبلي أو حالي، دون التعامل معها
وفق ما تقدمه حرفياً، فإن كان الحديث هنا عن ثورة قردة فإن في الأمر الكثير
من الإنسان، ولعل الخيال كان ومازال دائماً متكئاً على الواقع، فكيف لسيزار
أن يكون كذلك لولا آلاف النماذج البشرية التي يحتذي بها.
الإمارات اليوم في
11/09/2011
«اقتل الإيرلندي».. رجل العصابـات النبيل
زياد عبدالله
يمكن له أن يكون مثقفاً ونبيلاً وقاتلاً، وكل ذلك من صنيع يديه، ولا
منة لأحد عليه، أي إنه لم يحصل على الشهادة الثانوية، لكنه قرأ عدداً من
الكتب يقارب كتب مكتبة الكونغرس، وهو ليس نبيلاً بالسلالة والحسب والنسب
وغير ذلك مما لا يد فيه، بل هو من بيئة متواضعة، إلا أن أفعاله تتحلى بهذا
النبل، ولديه حساسية عالية تجاه الظلم، أما كونه قاتلاً فهذا على اتصال
بمسعاه لتحقيق كل شيء بيديه، وكونه يعيش في أميركا وأصوله ايرلندية وكل ما
حوله في «كليفلاند» يدار بواسطة المافيات، لا بل إن العمل النقابي يمضي
جنباً إلى جنب مع تلك المافيات.
الأوصاف السابقة تنطبق على داني غرين في فيلم
Kill The Irishman «اقتل الإيرلندي»، اسم الشخصية التي جسدها في ذاك الفيلم راي
ستيفنسون، واسم شخص حقيقي يسعى الفيلم إلى تقديم سيرة حياته التي يختلط
فيها كل ما تقدم، لنكون في النهاية أمام رجل يستحق الاهتمام، وقد اجتمعت
الكثير من الصفات فيه، ونحن نشاهد في الفيلم مقاطع وثائقية على اتصال
بالأحداث المجسدة.
رجل لا يعرف الخوف، علينا أن نضيف، ونحن أمام فيلم «غانغستر» بامتياز،
إنه «عراب» على طريقته الخاصة التي يمكن اعتباره من خلالها «عراب نفسه»،
ونحن نقع عليه في البداية وهو يقود سيارته ويسمع أغنية تصدح من الراديو،
فإذ بتشويش يطرأ عليها، فيرمي بنفسه منها قبل أن تنفجر سيارته بثوان.
ومن ثم يتولى المحقق جو (فال كيلمر) مهمة الراوي الذي يعود بنا إلى
طفولة داني، وصولاً إلى شبابه وعمله في تفريغ وتحميل السفن في كليفلاند،
ومن ثم توليه نقابة العمال، وبالتالي تحوله إلى رجل على اتصال بالمافيا،
وتورطه بعدد من العمليات المشبوهة، ومن ثم اعتقاله ونجاته من السجن.
يمكن متابعة سرد هكذا أحداث قدمها الفيلم بما يؤكد كم هي غنية وحافلة
حياة ذلك الرجل، وبما ينقلنا بالتأكيد إلى التمركز حول تلك الشخصية كما هو
الفيلم ورهانه، ولنكون في النهاية أمام فيلم رجل عصابات ومعه تلك «اللكن»،
أي أنه أولاً ايرلندي وليس ايطالياً، ومحتكم على عدد من الخصال التي تلتقي
والمصائر التي تنتظره، ونحن في سبعينات القرن الماضي، ولعل شخصية داني غرين
تنتمي إلى تلك الشخصيات الإيرلندية الكثيرة القادرة على أن تكون أثيرة، من
جراء قدرتها أن تشق طريقها على طريقتها الخاصة، فهو ليس «مايكل كولينز» في
فيلم نيل جوردن عن هذه الشخصية السياسية في عشرينات ايرلندا وهو يسعى إلى
الاستقلال، وليس بوبي ساندس القائد في الجيش الإيرلندي الجمهوري الذي قضى
من جراء اضرابه عن الطعام في فيلم ستيف ماكوين «جوع» ،2009 لكنه يلتقي مع
تلك الشخصيتين وغيرهما من شخصيات إيرلندية في أشياء كثيرة، لا بل إن داني
غرين يمتلك كل مقومات الزعيم السياسي، وهو كذلك في البداية حين يطرح عليه
أن يتولى نقابة عمال رصيف الميناء في كليفلاند، لكن المحيط سيقوده إلى أن
يكون زعيم مافيا سرعان ما تنمو وتكبر، وتنتقل من عمل إلى آخر، ومن مواجهة
إلى أخرى، وهو على عناده وكبريائه واعتزازه بهويته الإيرلندية التي تدفعه
طيلة الفيلم ليشعر بأنه مقاتل سلتي، وأن نجاته من السجن والقتل ليست إلا
عناية إلهية، وصولاً إلى النهاية التي عليها أن تكون على اتساق مع حياة هذا
الرجل وعنوان الفيلم.
الإمارات اليوم في
11/09/2011
لم يعمل بنصيحته للعقاد عنف بكنباه يتجدد
في "هوليوود"
محمد رُضا
في مطلع الستينات من القرن العشرين، دخل المخرج والمنتج الراحل مصطفى
العقّاد ذات مرّة على المخرج (الراحل أيضاً) سام بكنباه طالباً منه النصيحة
بشأن مهم . جمع الشاب المهاجر من سوريا إلى “هوليوود” شتات أفكاره وقال:
“معروض عليّ أن أشترك في إعداد حلقات تلفزيونية، لكن المحطّة عرضت عليّ
مبلغاً قليلاً مقابل وضع اسمي في المقدّمة، أو تغييب الاسم مع رفع الأجر .
ماذا اختار؟” .
نظر بكنباه، الذي كان آنذاك لديه حلقات تلفزيونية وكان العقاد يعمل
معه في قسم الإنتاج وقال له: “خذ الاسم بالطبع . لماذا تريد المال؟” .
الخيار لم يكن نفسه حين واجه المخرج الأمريكي بكنباه (1925- 1984)
النقد الغاضب حيال العنف في أفلامه . منذ البداية توسّم لنفسه منهجاً
مختلفاً في إخراج أفلامه التي انتمى معظمها إلى نوع “الوسترن”، فأفلامه
كانت عنيفة . ومع أن عنفها لم يكن مقززاً (لا دماء تسيل ولا لقطة قريبة على
سكين يذبح الضحية او حالة تشوّه تسبب التقزز) إلا أن مدلولاتها كانت قويّة
إلى حد أنها أثارت لدى البعض الرافض خشية من معانيها . أفلام بكبناه الأولى
خرجت أيام الحرب الفيتنامية، وهي كانت صدى للعنف الدائر هناك . وهو أحب
الوسترن، لكنه أحبّه على طريقته الخاصّة وليس على طريقة الكلاسيكيات التي
عمد إليها الرعيل السابق من المخرجين أمثال جون فورد وهنري هاثاواي وبد
بوويتيكر . بالتالي، أبطاله لم يكونوا مجموعة من المقتدين بالمفاهيم
الاجتماعية ومطبّقي العدالة والإنصاف، لأن هذه كانت، بالنسبة إليه، أكاذيب
“مستخدمة لطمأنة المشاهدين” . أبطاله كانوا سقطوا من حسابات المجتمع العلوي
وأصبحوا الآن مطاردين ومضطهدين . في مجمل أفلامه هناك بحث عن الغرب
المتوحّش وليس الحضاري . الحنين الذي كانت أفلامه تبثّه هو لغرب غير
متحضّر، لأن الحضارة أمر مشكوك فيها .
وهذا هو لب موضوع فيلم من غير نوعية أفلام الغرب عنوانه “كلاب من
القش” قام ببطولته دستين هوفمان والإنجليزية سوزان جورج سنة 1971 وصوره في
بريطانيا (فيلمه الوحيد هناك) . بطله ديفيد، عالم حسابات أمريكي متزوّج
حديثاً ووصل للعيش في بلدة بريطانية ريفية . إنه، بالتقسيم أعلاه، رجل
متحضّر . لكن حين تتمادى محاولات أبناء البلدة للنيل منه ومن زوجته (التي
تتعرّض لاحقاً للاعتداء) يستبدل الحضارة بالنزوع إلى القوّة، والسلام
بالحرب . يبرر المخرج لبطله اللجوء إلى السلاح للانتقام من كل هؤلاء الذين
هددوا سلامته وآذوه في شرفه .
في أيام ينطلق “كلاب من القش” آخر هو إعادة صنع للفيلم السابق .
الحبكة لا تزال ذاتها، لكن مكان الأحداث انتقل إلى بلدة في المسيسيبي ومهنة
البطل تغيّرت من عالم حسابات إلى كاتب سيناريوهات (جيمس مارسدن) الذي ووجه
بالاستفزاز والمعاداة ورغبة البعض في الوصول إلى زوجته (كايت بوزوورث) من
أول ما حطّ وزوجته البلدة . الموضوع لا يزال واحداً: كيف يمكن لرجل مسالم
أن يبقى كذلك وهو يجد نفسها محاصراً بالعنف الذي يحاول أن يتجنّبه؟
هذا الفيلم هو واحد من ثلاثة أفلام مبرمجة لإعادة تقديم، فهناك
“التكساسيون” الذي كتبه ولم يستطع تحقيقه، و”الزمرة المتوحّشة” أشهر أفلامه
وكان أنجزه سنة 1969 وفيه جسّد المعاني المذكورة أعلاه في ما يتعلّق
بالمجتمع والحضارة وتهشيم رومانسية الغرب الأمريكي وتصوير العنف على أن
نتاج المجتمع وليس اختياره المرفّه .
حنين بكنباه إلى غرب آخر اضمحل قبل بدء أحداث أي من أفلامه، موجود في
“مسدسات بعد الظهر” (1962) مع اثنين من ممثلي “الوسترن” التقليديين (راندولف
سكوت وجوول ماكراي) وقد تقدّم بهما السن ومفهوم كل منهما للفترة الزمنية
المقبلة (مشارف القرن العشرين) .
“الزمرة المتوحّشة” أيضاً يقع في مشارف القرن
العشرين ويدور حول عصابة من لصوص المصارف يقودها وليام هولدن تتعرّض لكمين
فتهرب إلى المكسيك حيث تتعرّض لكمين آخر . مع نهاية الفيلم لا يمكن إحصاء
كم قتيل يسقط من الطرف المعادي، لكن المعركة من الشراسة بحيث باتت من
كلاسيكيات السينما .
ذات مرّة قرر المخرج تحقيق فيلم غير عنيف استجابة لنقد النقاد .
الفيلم كان “وسترن” عاطفياً بعنوان “أنشودة كايبل هوغ” (1970) وفشل ذلك
الفيلم، على جودته وجماله، كان سبباً في أن بكنباه لم يكترث بعد ذلك (سوى
مرّة واحدة) لتحقيق أفلام “مسالمة”، بل ازداد شراسة ومعاداة للنظام حتى
النهاية .
"لندن"
يتفوق في الصف الثاني
أعلنت إدارة مهرجان لندن السينمائي الدولي، قبل أيام، القائمة الكاملة
للأفلام التي اختارتها للبرمجة في إطار دورتها الخامسة والخمسين التي
ستنعقد ما بين الثاني عشر والسابع والعشرين من الشهر المقبل .
ومن قراءة الاختيارات يتبيّن أن المهرجان لا يزال محافظاً على مستواه
المعهود كحدث يقع في الصف الثاني في ترتيب المهرجانات الدولية . لأنه إذا
ما كانت المهرجانات الرئيسية حول العالم، “كان”، “فنيسيا”، “برلين”،
“سندانس” و”تورنتو” و”دبي” (على الجانب العربي)، تستحوذ على الصف الأمامي،
فإن مهرجانات “سان سابستيان” و”مونتريال” و”لوكارنو” و”كارلوي اري” و”لندن”
وسواها، تكمن في الصف التالي مباشرة . بالنسبة لمهرجان لندن، فإنه حقق
تقدّماً ملحوظاً منذ أن كان مهرجاناً يستقطب ما كانت المهرجانات الأخرى
عرضته ويتّجه بها إلى جمهوره المحلي وحده . منذ بضع سنوات الصورة تغيّرت
كثيراً عما كانت عليه . حجم المهرجان لم يكبر بضم المزيد من الأفلام، بل
ازداد رسوخاً وأصبح من بين المهرجانات التي تستطيع استقطاب عروض عالمية
أولى . هذا العام هناك 13 عرضاً دولياً أوّل، و18 عرضاً عالمياً أول
(الفارق أن العرض العالمي يأتي بعد عرض الفيلم في بلد المنشأ)، و22 عرضاً
أوروبياً أول (أي لم يسبق له أن عُرض في أي بلد أوروبي قبل الآن) .
من بين العروض الدولية الأولى “أسماء” وهو فيلم جديد للمخرج المصري
الشاب عمرو سلامة والفيلم الألماني “كوخ في الغابات” لهانز واينغارتر . أما
الباقي فهو من صنع بريطاني يضم، في ما يضم، “لورنس البلغرافي” لبول كيلي،
و”أول ولادة” لمايلز مندر و”أحلام حياة” لكارول مورلي وكلّهم مخرجون حديثو
العهد في العمل السينمائي .
حقيقة أن معظم العروض الدولية بريطانية تدلل على أن قدرة المهرجان على
إقناع منتجين عالميين بتخصيصه أفلامهم الجديدة لا تزال ضعيفة . لكن ما لا
يمكن نفيه هو موقع المهرجان بالنسبة لهواة السينما البريطانيين أنفسهم
واستقطابه أعمالاً كبيرة لمخرجين معروفين هناك جمهور يتحلّق عادة حول
أفلامهم .
هذا صحيح بالنسبة للفيلم الجديد من المخرج مايكل وينتربوتوم “تريشا”
يتناول فيه تضارب المصالح والثقافات من بطولة فريدا بنتو وريز أحمد .
وينتربوتوم قدّم عدداً لا بأس به من الأفلام التي تتمحور حول هذا الموضوع
من بينها “أهلاً في سراييفو” و”ووندرلاند” و”في هذا العالم” .
من بين الأفلام التي ستجد طريقها إلى شاشة المهرجان، قبل أيام من
عروضه التجارية المنتظرة، فيلم أندريا أرنولد “مرتفعات وذرينغ” الذي هو
ثاني أفلام المخرجة بعد “حوض السمك”، وفيه تصوغ المخرجة الحكاية الكلاسيكية
بأسلوب واقعي خاص تنأى به عن الاقتباسات السابقة من رواية إميلي برونتي
كلها.
وهناك الفيلم الثاني أيضاً للمخرج ستيف ماكوين وعنوانه “العار” بطولة
مايكل فاسبيندر، بطل فيلمه السابق “الجوع” . كلا الفيلمين يدور حول مفهوم
الكبت العاطفي القابع نتيجة ظلم اجتماعي أو حياة داكنة في السجن .
نوع آخر من الظلم الاجتماعي هو ذاك الناتج في أيامنا هذه عن وضع
المسنين في المجتمعات الغربية (والمرء يستطيع أن يضيف و”غير الغربية
أيضاً”) وكيف أن نظاماً غير رسمي أو معلن يتبلور سريعاً صوب عزلهم
واختزالهم من المجتمع الذي عملوا له وفيه طويلاً . إنها مسألة منتشرة وبصمت
بالغ يطرحها الفيلم الدنماركي “بركان” للمخرج رونار رونارسون تقول سارا
هبرون، رئيسة المهرجان إنه أحد أهم الأفلام الأوروبية التي يعرضها المهرجان
.
سينما بديلة
مسألة الجمهور
عندما نطلق لقب “السينما البديلة” على نوع أو مستوى معيّن من الأفلام
هل نفكّر في مفردات ومفاهيم الكلمة؟ في الأساس، وكما مرّ معنا هنا قبل
أسابيع، هناك ضرورة تحديد ماهية البديل . أي البديل عن ماذا؟
الجواب هو نقطة انطلاق ممتازة . فحتى تكون السينما بديلة، عليها أن
تكون بديلة لسينما أخرى، وهذه السينما الأخرى عليها أن تكون مرفوضة وإلا
لما تطلّب الأمر استبدالها بأخرى . نتساءل إذاً: أين هذه السينما الأخرى
التي نرفضها؟ ما هي؟ وماذا نفعل بملايين المشاهدين الذين يحبّذونها؟
في نقاش مثرٍ مع المخرج السوري عمّار البيك توصّلنا إلى تحديد أن
الدول التي تعرف عادة كماً إنتاجياً كبيراً هي المؤهلّة أكثر من سواها لكي
تكون صرحاً للسينما البديلة . وثبت ذلك في كل مرّة: هناك سينمات بديلة
(سمّها مستقلّة، أو سينما مؤلف الخ . . .) في كل بلد ينتج عشرات الأفلام من
الهند إلى “هوليوود” ومن مصر إلى فرنسا، ومن إيران إلى بريطانيا . لو أخذنا
مصر مثلاً لوجدنا أن السينما البديلة ترعرعت كغصن من شجرة الإنتاجات
التقليدية التي كانت سائدة في الستينات والسبعينات من القرن العشرين . حال
تراجع تلك السمة التجارية والجماهيرية الغالبة، تراجع بدوره التيار البديل
والآن هو بالكاد موجود كأفلام وليس كتيار فاعل .
لماذا السينما الإيرانية في تجارب إبداعية أكثر من سواها رغم نظامها؟
لأن إيران ما زالت تطلق نحو ستين فيلماً في السنة، معظمها جماهيري ورديء .
إذاً هناك حاجة لبديل عن السائد، لكن حين يغيب السائد، كما هو غائب أغلبية
دول العالم، فإن البديل لا يعد مطروحاً . البديل للبديل هو تحقيق أفلام هي
في الأساس مختلفة وغير جماهيرية بالضرورة كما الحال في لبنان مثلاً .
السؤال الآخر، والأخير هنا، هو: ماذا لو أن الجمهور لم يكترث لسينما
غير تلك الجماهيرية او التجارية؟ هذا من حقّه طبعاً . السينما الجماهيرية
قد تكون جيّدة وفي السينما العربية عمل لها بعض أفضل مخرجي السينما
المصرية: صلاح أبوسيف، وكمال الشيخ، وعاطف سالم، وعلي بدرخان، وعاطف
الطيّب، ومحمد خان وأشرف فهمي من بين آخرين . لذلك على السينما البديلة ألا
تبدو كما لو كانت رفضاً تامّاً لكل تيار آخر، وإن كان لابد لها أن تفعل-
انطلاقاً من الرغبة في الدفاع عنها وتبريرها، وهي ليست بحاجة إلى تبرير-
فإن الانشغال بالهجوم على السينما التقليدية ليس نافعاً .
السينما البديلة لكي تستمر اليوم عليها أن تتخطّى عراقيل كثيرة تضعها
لا الأوضاع السينمائية والظروف السياسية في بلدها فقط، بل التوجّه العام
صوب عصر من محو الثقافة الوطنية للانصهار في عالم لا يكون للسينما،
جماهيرية كانت او مستقلّة، أي تقدير أو مبالاة .
م.ر
merci4404@earthlink.net
http://shadowsandphantoms.blogspot.com
الخليج الإماراتية في
11/09/2011 |