من بين أول التعليقات التي رصدت في هوليوود فور انتشار الأنباء
المتحدثة عن
العمليات الإرهابية التي ضربت مدينة نيويورك والبنتاغون مدمّرة برجي مركز
التجارة
العالمية وغيرهما، حاصدة نحو ثلاثة آلاف قتيل، كان تعليق المخرج الأميركي
المشاكس
–
والذي رحل لاحقاً – روبرت آلتمان
إذ قال: «إن هؤلاء الإرهابيين لا
مخيّلة لديهم. فهم حين قاموا بأكبر جريمة في تاريخ الإرهاب
اكتفوا بممارسة السرقة
الفنية بدلاً من أن يبتكروا أفكاراً جديدة». لقد كان من الواضح حينها أن
آلتمان كان
يفكر، كمرجع للعمليات الإرهابية، بسلسلة أفلام أميركية سبقت جريمة نيويورك
الجماعية، في السياق والأسلوب، وروت حكايات كانت تعتبر من
الخيال المستحيل التحقيق،
عن سيناريوات لما قد يقترفه أولئك الإرهابيون وغيرهم. وكانت هناك أفلام
كبيرة حول
الموضوع نفسه قد عرضت خلال الفترة السابقة للجريمة وصل بعضها الى حد تصوير
خطة
لتدمير نيويورك نفسها.
سكوت من ذهب
والحال أن هذا «الواقع»
السينمائي، كان هو ما دفع الى الحديث من جديد عن فكرة أن الواقع هو الذي
يقلّد الفن
أحياناً. غير أن هذا النوع من التأكيد الذي أتى يحمل في طياته وإن في شكل
موارب،
نوعاً من النزعة الانتصارية، سرعان ما خفّت نبرته أمام هول ما
حدث إذ بات واضحاً أن
هوليوود والسينما لم يكونا في ذهن أحد حين أطلت الصورة الحقيقية من على
الشاشات
الصغيرة: اصطدام الطائرات بالبرجين «مباشرة على الهواء»، جثث تتساقط
بالعشرات، رعب
على الوجوه، حرائق في كل مكان...الخ. كان جحيماً حقيقياً يفوق عشرات
الأضعاف ما كان
في مقدور الفن وهوليوود بالذات أن يصوراه.
بل إن الأهمّ من ذلك كله كان سكوت
هوليوود في الزمن التالي تماماً. كان سكوتاً مقصوداً. لا يمكن
للتلفزة في أيّ حال
من الأحوال أن تعتبره انتصاراً لشاشتها الصغيرة على الشاشة الكبيرة. «على
أية حال..
وحتى من دون ضوابط أخلاقية، تحتاج هوليوود
الى أكثر من سنتين كي تستوعب الحدث وتقدم
فيلماً عنه مهما أسرعت» قالها يومها ناقد أميركي مبرراً. غير
أن هذا لم يمنع
هوليوود، إثـــر الأحداث من أن تسرع – ليس لتحـــقيق أفلام عن الجريمة – بل
للتمهل
في عرض أفلام حققت من قبل وتحمل إشارة ما الى أحداث متخيلة مشابهة أو
قريـــبة مما
حدث. ويقال إن عدد الأفلام الــتي أجّل في ذلك الحين عرضها أو
حتى إنجازها بلغ
الأربعين. ولقد وصــل الأمـــر يومها الى حذف بعض اللقطات من فيلم «سبايدرمان»
تظهر
فيه بنايتا البرج قبل تدميرهما. طبعاً، يومهاً، لم يكن في الأمر قرارات
حكومية أو
أوامر رقابية... كان الأمر مجرد إطاعة تلقائية لأعراف أخلاقية
معينة.
في
اختصار إذاً، أدى خفر هوليوود وسينماها إزاء الأحداث، الى تولي التلفزة أمر
الصورة
ولكن دائماً في سياق توثيقي سياسيّ النزعة همّه الأساس الحفاظ عل معنويات
«أمة وجدت
نفسها للمرة الأولى منذ كارثة بيرل هاربور تضرب على أرضها ووقف شعبها
مذهولاً لا
يدري ما يفعلّ».
طال صمت هوليوود سنتين أو ثلاثاً، ما أمن لمدينة الفن
السابع نوعاً من الاحترام جديداً... غير أنه لم يكن صمتاً شاملاً. وذلك لأن
المخرجين راحوا بالتدريج وبشكل موارب يدنون من الأحداث عبر
شرائط ملتبسة – منها على
سبيل المثال فيلم ريدلي سكوت «سقوط الصقر الأسود»، الذي بدلاً من أن يؤجل
عرضه قدّم
العرض بفضل طبيعة الفيلم نفسه عن مذبحة تعرّض لها جنود أميركيون في الصومال
يوم كان
ثمة تدخّل أميركي ضد الإرهابيين هناك. ولقد وصل الأمر بحضور
هذا الفيلم الى درجة أن
السلطات العسكرية الأميركية عرضته على طلاب أكاديمياتها العسكرية!! وكان
هذا النوع
من تسلل السينما الى أحداث نيويورك يتصاعد، إنما على حياء ما. وظلّ
المهتمون
بالسينما الأميركية أثناء ذلك متشوقين في انتظار أفلام تدخل في
صلب الحدث مباشرة.
والحقيقة أن انتظارهم لم يطل، حيث خلال فترة قصيرة من الزمن – بين 2005
و2006 – أحس
الهوليووديون أن الوقت حان لتغوص هوليوود في المعمعة. ولعل في إمكاننا هنا
أن نقول
إن ذلك الغوص سار في اتجاهين متزامنين: دنوّ غير مباشر وآخر
يمعن في التصدي للحدث
من دون لفّ أو دوران. وكما بات يحدث في هوليوود منذ عقود كان ستيفن
سبيلبرغ رائد الاتجاه الأول فيما ستكون ريادة الاتجاه الثاني
لمخرج «خارجيّ» كان
عرف باستفزازيته الراديكالية: مايكل مور. وهكذا مع فيلمي هذين «حرب العوالم»
لسبيلبرغ» و «فهرنهايت 11/9» للثاني، بدأت
هوليوود تخرج عن صمتها وتدنو من الحدث
الأعظم في تاريخ أميركا.
أشرار قادمون
في الحقيقة لا يمكن اعتبار
«حرب
العوالم»، في ظاهره كما في تاريخه وفي حبكته، فيلماً ذا علاقة بأحداث
نيويورك... ومع هذا لا يمكن أن نعزو الى الصدفة هنا أن يكون سبيلبرغ قد
اختار رواية
اتش دجي ويلز عن غزو أهل المريخ «الأشرار» لكوكب الأرض وتدمير
مدنه وحضارته،
موضوعاً لفيلمه الذي كان الرعب نقطة جذبه الرئيسية. مخرج من طينة صاحب «إي
تي» الذي
كان قبل عقود يدعو الى قبول التسامح والاختلاف ويدين في فيلمه الرائع هذا،
تعامل
البشر الشرير مع الآتين من الفضاء الخارجي... بدا اليوم وقد
تغيّر تماماً في فيلمه
الجديد. أما مايكل مور الممتشق سيف راديكالية مربحة له ومنتقدة دائماً من
قبل
اليسار العقلاني الأميركي، فسار وجهة أخرى: قدّم في فيلمه الذي أراد تسمية
الأمور
بأسمائها مرافعة تدين الرئيس بوش من ناحية بسبب رده على الجريمة باحتلال
العراق
وثانياً بسبب ما اعتبره تواطؤاً منه في ما حدث. وطبعاً لن نعود
هنا الى السجالات
العميقة التي دارت يومها من حول هذين الفيلمين ولكننا نقول إن أياً منهما
لم يلامس
الجرح الأميركي (النرجسي) العميق تماماً، وفي شكل ملائم. هذا فعله فيلم آخر
بدا
أكثر واقعية من أي فيلم آخر ويمكن اليوم لمخرجه (بول غرينغراس) أن يعتبر
نفسه صاحب
أول مبادرة واضحة وحقيقية في السينما «الأيلولية» وذلك بفضل
فيلمه المتوازن «يونايتد
93» الذي عرض في «كان» عام 2006 لينال إعجاباً عاماً: فالفيلم، بجودة
تقنية لافتة وباتزان سياسي مشهود، روى بصيغة بدت وثائقية الى
حد كبير حكاية تلك
الطائرة الي سقطت في ولاية ماساشوستس عاجزة عن بلوغ هدفها الإرهابي
التدميري بفضل
مقاومة ركابها للإرهابيين حتى سقطوا وقتلوا معاً.
طبعاً نعرف أن القصة
حقيقية مع أن فصولها رسمت تخييلياً إذ لم يبق أحد حقاً من الركاب ليروي
حقيقة ما
حدث: بنيت الأحداث السينمائية انطلاقاً من مكالمات هاتفية تمكن الركاب من
إجرائها.
ومع هذا اعتبر الفيلم واقعياً الى أبعد
الحدود.
في نفس السياق الواقعي، ولكن
ضمن بعد ميلودرامي جديد عليه – وكان من الواضح فيه أنه يسعى
الى التصالح مع بلده
الذي كان دائماً راديكالياً الى حد الأفراط في التعامل معه -، أتى بالتالي
فيلم
أوليفر ستون «مركز التجارة العالمي» الذي غاص من خلاله في الحدث النيويوركي
مباشرة
إنما من خلال حكاية شرطيّ وإطفائيّ حقيقيين ساهما في إنقاذ ما يمكن إنقاذه
عند دمار
البرجين واعتبرا – في الواقع وفي الفيلم – من أبطال التاريخ الأميركي...
لقد أتى
الفيلم امتثالياً تصالحياً من نمط لم يعهد في سينما أوليفر
ستون من قبل. وقيل أن
تقدم الرجل في السن أعاده الى أحضان الوطن.
وهو أمر سعى كثر الى تأكيده بعد
حين عندما عرض ستون فيلماً تالياً له دنا بدوره جزئياً من نفس
الأحداث ولكن من خلال
تأريخه لمسار الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش. عنوان الفيلم «دبليو» ما
يشرح موضوعه
من دون إسهاب. غير أن اللافت هنا هو أن الفيلم، وعلى عكس ما كان متوقعاً
منه، لم
يكن «شريراً» في تعامله مع شخصيته الرئيسية!.. بشكل أو بآخر
تكررت هنا من قبل
أوليفر ستون حكايته مع فيلم سابق له تناول جزءاً من سيرة الرئيس السابق
«نيكسون»:
التباس سياسي وما يشبه الافتتان الشخصيّ...
وانطلاقاً من هنا كان من الطبيعي أن يرى
كثر أن أحداث أيلول النيويوركي قد غيّرت – في ما غيّرته - ذلك
المخرج الذي جعل من
نسف الأساطير الأميركية خبز سينماه اليوميّ.
نسف للتابوات
مهما يكن
فإن مايكل مور وستيفن سبيلبرغ وبول غرينغراس وحفنة غيرهم، في نسفهم بعد
سنوات الصمت
والانتظار، التابوات التي حالت بين هوليوود وتعاملها المباشر مع أحداث
أيلول 2001،
طوال سنوات إنما تضافروا معاً ليخلقوا سينما جديدة فيها ما فيها من
الالتباس لكنها
تصب معاً في خانة التناول الجدي الذي راح يأخذ في اعتباره
أن ما حدث هو أكثر خطورة بكثير من أن يصار الى التعامل معه بخفة هوليوودية
معتادة
وبلعبة الأبيض والأسود. لقد كان واضحاً بالنسبة الى هؤلاء
وغيرهم أن نمطاً معيناً
من النتاج الهوليوودي قد وصل الى سن الرشد بسبب تلك الأحداث... بل إن هذا
البعد
تسرب حتى الى السينما الهوليوودية الأكثر جماهيرية بحيث إن من يبحث في عمق
الأعماق
لن يفوته أن يلمح تأثيرات أيلولية في عشرات الأفلام التي على
شاكلة أعمال ضخمة من
نوع « آيرون مان» أو «سبايدر مان 4» أو «الفارس الأسود» أو حتى «ميونيخ»
لستيفن
سبيلبرغ وصولاً الى عشرات الأفلام التي حكت وتحكي عن حرب العراق أو حرب
أفغانستان،
لم يعد في إمكانها أن تتحقق متناسية ذلك اليوم المظلم من تاريخ نيويورك
وأميركا
والإنسانية كلها.
الحياة اللندنية في
09/09/2011
«توم
جونز» لهنري فيلدنغ:
لا تقل شئنا فإن
الحظ شاء!
إبراهيم العريس
اذا كانت «النهاية السعيدة» اعتبرت دائماً واحدة من السمات الأساسية
في نمط من
أنماط السينما الهوليوودية، فإن من المؤكد ان هذه السينما لم تكن هي من
اخترع «النهاية السعيدة». وحتى من دون ان يكون ثمة
ما يؤكد ان هذه «النهاية» كانت لها
بداية ما في الأدب أو غير الأدب، يمكن القول ان الخاتمة التي
تنتمي اليها رواية «توم
جونز» احدى أهم الروايات في تاريخ الأدب الانكليزي، يمكن التوقف عندها
باعتبارها رائدة لـ «انتصار الطيبة» على الشر، الذي يأتي من خارج البطل ومن
داخله،
في نهاية الأمر. فهذه الرواية التي كتبها هنري فيلدنغ ونشرت للمرة الأولى
في عام
1749، تختتم احداثها على ذلك الانتصار الكبير لطيبة
الانسان، وعلى لحظة يكتشف فيها
هذا الانسان ان الجانب الخيّر في شخصيته يتفوق في نهاية الأمر
على الجانب الشرير.
وفي هذا المعنى تعتبر «توم جونز» واحدة من أولى الروايات الغربية التي جعلت
ايمانها
بالانسان موضوعاً أساسياً ومحركاً لأحداثها. وهي، في هذا، وليس في احداثها،
ولا في
بنيانها، على رغم أهمية هذه العناصر، أثرت كثيراً في معظم ما كتب من أدب
انكليزي
بعدها. غير ان فيلدنغ كان يصر دائماً على ان ينفي عن نفسه،
وأدبه، طابع الريادة حتى
في هذا المجال، اذ كان لا يفوته ان يشير الى انه انما يدين لثلاثة من
الكتّاب سبقوه
وهم: اللاتيني لوسيانوس والانكليزي سويفت والاسباني سرفانتس، وخصوصاً في
مجال
الكتابة المرحة، الكتابة التي تعالج أصعب المواقف وأكثرها
إيلاماً، معالجة ملحمية.
وفي هذا اعتبر أدب فيلدنغ - وعلى رأسه رواية «توم جونز» - فاتحة الأدب
الروائي
الحديث في بريطانيا، وربما في العالم.
>
ليس من السهل تلخيص احداث رواية وزّع مؤلفها أحداثها على ثمانية عشر كتاباً
تشكل في مجموعها سعة ستة مجلدات سميكة. فهي عمل «بيكاري» حافل بالشخصيات
والحبكات
والخبطات المسرحية، يتخذ من المجتمع المدني ميداناً له، ويحاول
ان يكون صورة
متكاملة عن ذلك المجتمع وأخلاقياته في زمن صعود الطبقات الوسطى مع ازدهار
الثورة
الصناعية، وفي زمن بدأ الفكر يجد ميادين لتحركه في حيز العلاقات
الاجتماعية، معطياً
الفرد ومشكلاته مكانة أساسية. ولكن يمكن رسم الخلفية التي تدور
فيها الأحداث.
>
وهذه الخلفية يشغلها أساساً، ذلك الطفل الوليد الذي يعثر عليه
أرمل ثري
يعيش في سامرست، هو السيد آلوورثي، في فراشه ذات مساء. يفتن السيد بالوليد
ويقرر ان
يتبناه، وهو يعتقد ان أمه خادمة تدعى جيني جونز. ومن هنا يسميه توم جونز.
واذ يسوّي
آلوورثي المسألة بطرد المدرس باتريدج الذي يظن انه هو الأب، يختفي باتريدج
مع
الخادمة. فيما تتزوج شقيقة آلوورثي التي تعيش معه بريدجت من
الكابتن بليفيل وينجبان
ولداً هو ماستر بليفيل يربّى سوية مع توم. وينمو الولدان معاً، حتى تعود
الرواية
وتلتقطهما بعد ذلك بتسعة عشر عاماً، حين يكتشف توم ان حبه الطفولي لجارتهم
الطفلة
صوفيا، أضحى حباً بالغاً. لكن صوفيا منذورة للزواج من ماستر...
وهنا تبدأ الاحداث
بالتعقّد، والمؤامرات بالتركّب. وينتهي هذا الجزء بدفع آلوورثي الى طرد توم
من
المنزل... فيفعل، ما يوقع توم في يأس شديد، اذ فقد في آنٍ عطف ابيه بالتبني
ومسرح
طفولته وحبّه. فيقرر ان يتوجه الى بريستول للارتحال بحراً.
ولكن يحدث في الآن نفسه
ان تهرب صوفيا لتقيم عند قريبة لها في لندن. وهكذا تنتقل الأحداث كلها الى
العاصمة
التي يصلها توم بدوره. لكن توم، على رغم حبه لصوفيا وحزنه الشديد، لا يتورع
عن
مواصلة حياة لهو وشبق جنسي كان بدأها باكراً، وجعلته يرغب في
كل امرأة يراها. وهكذا
يحدث له ذات يوم ان يرتبط بعلاقة مع سيدة سرعان ما يتبين انها هي جيني
جونز، التي
يفترض انها أمه الحقيقية
التي هربت بعد ولادته. فيغرق توم اذ يعرف هذا، في يأس شديد
اذ يخيل اليه انه انما ارتكب معصية حب المحارم. غير ان الحقيقة تكون في
مكان آخر،
لأن توم سيعرف لاحقاً ان امه الحقيقية ليست جيني، بل بريدجت شقيقة آلوورثي،
التي
تعترف لشقيقها بكل شيء وهي على فراش الموت، مؤكدة ان الوالد
الحقيقي لتوم هو شاب
التقته ذات يوم ثم ارتحل ومات بعد ذلك. وعلى رغم ما انكشف من ان توم وماستر
أخوان
غير شقيقين، فإن ماستر يواصل مؤامراته ضد توم طمعاً في الحصول وحده على
ثروة
آلوورثي وعلى فؤاد صوفيا. ولكن يحدث أن يصحو ضمير واحد من
الذين شاركوا ماستر في
مؤامراته ضد توم، ويرسل رسالة مطولة الى السيد آلوورثي يحكي فيها كل شيء،
واصفاً
كيف ان ماستر بليفيل يتآمر ضد توم منذ الطفولة، وأن تلك المعاملة هي التي
جعلت توم
يسلك دروب الشر والمجون. وهكذا تبدأ النهاية السعيدة: آلوورثي يعفو عن توم
جونز
ويجعله وريثه الوحيد. وصوفيا تعلن حبها لتوم بعد ان فهمت ان كل
العبث الذي عاشه
والمجون الذي كان من سماته، ليسا سوى النتيجة الظالمة للظروف التي عاشها.
وتنتهي
الحكاية بانتصار الخير على الشر، وطبعاً بتطبيق أخلاقي تبريري لقول شاعر
«الأطلال»:
«لا
تقل شئنا فإن الحظ شاء!».
>
لم يكن من قبيل الصدفة ان ينبه فيلدنغ قارئه منذ البداية الى
أن «الاحداث
والأمور التي أصفها هنا انما هي صورة للطبيعة الانسانية»، مؤكداً في مكان
آخر أن «الجهد الذي بذلته في هذه الحكاية انما كان
قصدي منه ان ادعو الناس الى الطيبة
والبراءة». والحال ان الطيبة والبراءة هما السمتان الاساسيتان اللتان
تطبعان شخصية
توم جونز. وواضح هنا ان فيلدنغ انما اراد ان يرسم الصورة التي تؤثر بها
الظروف
الاجتماعية في سلوك الناس. فالمرء اذا كان يسلك على هذه
الطريقة أو تلك، فما هذا
إلا لأن الظروف الاجتماعية، لا تركيبته الوراثية هي التي تدفعه الى هذا.
وفي هذا
المعنى يكمن جزء أساس من جوهر هذا العمل الذي سيعتبره كتّاب مثل تشارلز
ديكنز
وويليام ثاكري، مدرستهم الحقيقية، بمعنى ان الأدب الانكليزي
بعد «توم جونز» لم يعد
في امكانه ان يتغاضى عن دور العوامل الاجتماعية في رسم الاخلاقيات
والأحداث. وكان
هذا بدوره جديداً. وسيصبح منذ ذلك الحين واحداً من أعمدة الأعمال الفنية،
وممهداً
لثورة التحليل - نفسية التي ستجعل العوامل الاجتماعية العنصر الأساس في
تكوين
العوامل النفسية، لكن هذه حكاية أخرى.
>
حين كتب هنري فيلدنغ «توم جونز» كان في الأربعين من عمره، هو
المولود عام 1707،
في سامرست، مثل بطله توم جونز. وتربّى فيلدنغ في تلك المنطقة، لكنه أُرسل
بعد
ذلك الى ايتون، حين تزوج أبوه بعد وفاة أمه وهو في الحادية عشرة من عمره.
وبعد ذلك
بأقل من عشر سنوات بدأ توجهه الى الكتابة، بتشجيع من بعض اصدقائه. وكان من
أول
أعماله التي عرفت، مسرحية «الحب تحت اقنعة عدة» (1728) التي
قدّمت وعرفت نجاحاً
كبيراً. ومنذ ذلك الحين لم يتوقف فيلدنغ عن الكتابة، المسرحية خصوصاً،
متأثراً
بموليير. كما انتقل من الكتابة للمسرح الى كتابة الروايات، وكان يتخذ من
الأشخاص
المقربين اليه، نماذج للشخصيات التي يرسمها في أعماله. وكان
الطابع المسيطر على
أعماله ساخراً الى حد اثارة غضب الآخرين. وهو في الوقت نفسه عمل في القضاء
وفي
الصحافة. وكان النجاح حليفه في كل ما يحقق، ما جعل كبار كتاب زمنه اعداء
له. ومن
ابرز أعمال فيلدنغ، الى «توم جونز» روايتاه: «اميليا» و «باميلا»
وكتاب رحلته الى
البرتغال «رحلتي في لشبونه» و «توم تامب» و «مأساة المآسي» التي سخر فيها
من كتّاب
معاصرين له، و «دون كيشوت» التي جعلها تحية الى «استاذه» سرفانتس. رحل
فيلدنغ في
عام 1754 في لشبونة التي احبها كثيراً وكتب عنها.
alariss@alhayat.com
الحياة اللندنية في
09/09/2011
توليفة سينمائية بين احتجاج موارب وأرض
معطاء
دمشق - إبراهيم حاج عبدي
لا يبذل المخرج السينمائي الكردي بهمن قُبادي جهداً كبيراً في العثور
على مواضيع
أفلامه. لكن العقبات التي تعترض سبيل الفيلم لا تحصى من صعوبة إيجاد
الـــممولين،
إلى البحث عن المــمثلين والتـــقنيين، إلى ظــروف الإنتاج القاسية، إلى
سطـــوة
الرقابــة وصولاً إلى مسألة التوزيع والدعاية وهو يقول هذا في
حوار: «هذه المسائل
تأخذ 95 في المئة من الجهد والوقت. إنها مسائل تصيب الرأس بالصداع. يبقى
لدي 5 في
المئة فقط للإبداع»، مضيفاً: «في كل مرّة حينما أبدأ بفيلم جديد، تعترض
سبيلي مشاكل
كثيرة، إلى درجة أني أكتب وصيتي الأخيرة بعد تصوير المشهد الأول من
الفيلم».
تطغى على مواضيع أفلام قبادي لغة الأسى والألم الإنساني، فهو ينتمي
إلى منطقة غارقة في الأحزان والخيبات، إذ ولد سنة 1969 في مدينة «بانه» في
كردستان
إيران، وهي منطقة قريبة من الحدود العراقية تعرضت للقصف إبان الحرب
العراقية
-
الإيرانية ما أجبر أسرته على النزوح إلى مدينة سَنَنْدَج؛ الحاضرة
الإقليمية
الإيرانية. كان والده شرطياً متسلطاً يراقب حركات الفتى ويتحكم في سلوكه،
ويريد
للابن أن يكون مصارعاً.
كان هذا التوجه غائباً عن اهتمامات قبادي الذي وجد
لدى مصور فوتوغرافي، يعمل بالقرب من مكان تدريبه، ملاذاً آخر يشبع فضوله
الغامض،
وحين كلفه تصويرَ مشاهد طبيعية عاد قبادي بصور أثارت إعجاب
المصور الذي خاطبه بجملة
حدّدت مصيره، لاحقا: لقد اجترحتَ معجزة!
عندئذٍ، راح الفتى يهتم بكتب
التصوير والرسم، ويستأجر أجهزة فيديو لمشاهدة الأفلام. كانت
والدته وشقيقته
تساعدانه، أو بمعنى أدق «تتواطآن» معه، كي لا يعلم الأب المتزمت بميول
الابن. وبعد
أن انضم إلى نادٍ سينمائي للهواة في سَنَنْدَجْ، قرّر قبادي أن يدرس
السينما، فسافر
إلى طهران حيث درس في الجامعة لمدة ثماني سنوات مضنية. الفرصة الذهبية سنحت
له
عندما استطاع إقناع المخرج عباس كيارستامي بالعمل معه كمخرج
مساعد في فيلم «ستحملنا
الرياح» الذي صوّر في قرية في المنطقة الكردية اختارها قبادي. لاحقاً،
التقى بمحسن
مخملباف، النجم الصاعد في السينما الإيرانية، ووالد صديقته سميرة مخملباف،
فعمل مع
الأخيرة كمستشار تقني، ثم ظهر كممثل رئيس في أحد أهم أفلامها،
وهو «اللوح
الأسود».
مباشرة إلى «كان»
وبعد أن أنجز أفلاماً قصيرة عدة
بينها فيلمه المعروف «حياة في الضباب»، جاء فيلمه الروائي
الطويل الأول «زمن الجياد
الثملة» (2000) كتحفة فنية أثارت إعجاب النقاد، ونال عنه جائزة الكاميرا
الذهبية في
مهرجان «كان» الفرنسيّ. يروي الفيلم قصة شبابٍ أكراد يكسبون معيشتهم من
العمل في
التهريب عبر الحدود العراقية - الإيرانية، ضمن ظروف بالغة
الخطورة، وصعبة حتى
بالنسبة للجياد التي تُسقى مشروباً مسكراً حتى تقوى على تحمل مشقات الرحلة
والظروف
الجوية القاسية. يقول قبادي إنه عندما ذهب لمقابلة الموظف الحكومي للحصول
على إذن
يسمح له بتصوير فيلمه، لامه الموظف على مشهد الخيول السكرى في
الفيلم: «أخبرته
مازحاً، أن الخيول هي السكرى وليس الرجال، فمنحني الرخصة».
التجربة الروائية
الثانية تجسدت عبر فيلم «السلاحف أيضاً تستطيع الطيران» (2004)، الذي نال
نحو 13
جائزة، وفيه يعود قبادي من جديد للنبش في الذاكرة الجريحة. فتيان وأطفال
صغار شهدوا
أهوال الحروب ودفعوا أثماناً باهظة من أعمارهم الغضّة. مسرح
الفيلم هو مخيم للاجئين
على الحدود التركية - العراقية يترقب ساكنوه الأخبار عن دخول قوات التحالف
إلى
العراق. أطفال انتزعوا من حنان الأم ودفء الأسرة، ذاكرتهم مثقلة بالأوجاع
والمعاناة، وحاضرهم بائس. وها هم يجوبون دروب الحياة كبالغين،
كما لو أنهم لم
يكونوا أطفالاً، قط، ذات يوم. هنا يمتحن قبادي أبطاله الصغار الذين عاشوا
ويلات لا
تطاق، واختبروا المستحيل لدرجة تغدو معها فرضية قدرة السلاحف على الطيران
أقرب إلى
التصديق مما مر به هؤلاء الأطفال.
فيلم «نصف قمر» (2006 )؛ التجربة الروائية
الثالثة لقبادي؛ لا يخرج عن أجواء التراجيديا، فهو يروي حكاية
تنطوي على جوانب
مؤلمة وقاسية عن الموسيقي الكردي - الإيراني المعروف مامو الذي منع لأكثر
من ثلاثة
عقود من دخول كردستان العراق. وعندما حان الموعد، وسقطت الديكتاتورية في
العراق
استيقظت في دواخل هذا الموسيقي أمنيته القديمة لإحياء حفلة في
مدينة أربيل. لكن
المشقات تسير معه في تلك الدروب التي تقوده إلى كردستان العراق، إذ يكشف
حرس الحدود
الإيراني أمر الفنانة التي اصطحبها معه والمخبأة في مكان ما من الحافلة
التي تقله
مع فرقته، فوجود امرأة ضمن الفرقة يخالف القانون الإيراني. لا
يكتفي حرس الحدود
بمنع الفنانة من العبور، وإجبارها على العودة، بل يحطمون آلات الفرقة،
فيتحطم معها
قلب مامو لينتهي الفيلم نهاية ملتبسة توحي بأنه قد فارق الحياة.
قمع
طموح الشباب
في فيلمه الأخير، حتى الآن، «لا أحد يعلم بأمر القطط الفارسية» (2009)،
يكشف قبادي، مرة أخرى، جانباً من القمع الإيراني ضد طموح الشباب وأحلامهم،
إذ يدخل بطلا الفيلم السجن بعد تأسيسهما فرقة لموسيقى الروك، تعزف في
الأقبية
وحظائر الأبقار هرباً من الرقابة الشديدة. ففي إيران يحظر تسجيل الأسطوانات
أو
تقديم حفلات موسيقية، ومن يخالف يتعرض لعقوبات الجلد والسجن،
وهو ما يجبر الشباب
على المغادرة إلى أوروبا بحثاً عن فضاءات حرة. لكن هذا التزمت الرسمي لا
ينجح في
إخفاء الغليان الثقافي الذي تعيشه إيران خلف حجب القمع السميكة.
تحفل أفلام
قبادي بالأبعاد والدلالات الرمزية، تجنباً للرقابة حيناً وبحثاً عن مقترحات
جمالية
بصرية حيناً آخر. وعلى رغم حساسية المواضيع التي يتناولها من الواضح في
أفلامه،
أهمية الشكل أو الأسلوب الفني الذي يتبعه المخرج، إذ يظهر
تفاصيل مدهشة عن طبيعة
الحياة القاسية في كردستان بصورة خاصة. هناك حيث يختلط الخيال بالواقع
وتمتزج
الأساطير والخرافات مع اليوميات المضنية القاسية. يجتهد قُبادي في نسج هذا
الثراء
البصري عبر لغة سينمائية رشيقة، فيأتي كل كادر بمثابة لوحة
سوريالية؛ غرائبية تعبر
عن خصوصية الأكراد؛ هؤلاء الذين وجد قُبادي شيئاً واحداً يجمعهم بالسينما
وهو
الحركة، في إشارة إلى أن الأكراد دائمو الحركة كالسينما، وفي ترحال
أبدي.
على أن اهتمام قبادي بخصوصية شعبه واستثمار ملامح الثقافة المحلية،
وتمظهرات الفولكلور الكردي في المنطقة... كل ذلك لا يتنافي مع البعد
الإنساني الرحب
لمقولات أفلامه التي تتحدث عن الأحلام المجهضة، وعن الحسرات والانكسارات
والخيبات،
عن بشاعة الحروب وعن ضحايا القمع والاستبداد. وليست هذه
القضايا الكبرى، فحسب، هي
التي تمنح أفلامه قيمتها، إنما الأهمية تأتي، كذلك، من مشاهده السينمائية
الشاعرية،
إذ تتكامل مفردات وعناصر الفن السينمائي ضمن توليفة نادرة من الإضاءة
والألوان
والأزياء والأكسسوار والديكورات الطبيعية والاصطناعية إلى
الحوار المقتضب، والمعبر،
إلى المؤثرات الصوتية وصولاً إلى الموسيقى التصويرية التي تشكل، غالباً،
ركناً
رئيساً في بناء شريط الفيلم، فهي موسيقى نابعة من روح المكان، تتسلل برفق
خلال
اللقطات والمشاهد لتضفي على أفلامه مسحة صوفية حيناً، وعبثية
أحياناً. واللافت هو
قدرة المخرج على المزج بين الكوميديا والمنحى العبثي من جهة، وبين لحظات
التراجيديا
والخيبات المريرة من جهة ثانية، وبهذا المعنى يأتي الفيلم كتأمل صوفي
حيناً، وإدانة
للذهنيات المتخلفة أحياناً، وهي إذ ترثو الأماني والأحلام
المؤجلة، فإنها تحتفي،
كذلك، بإرادة الحياة.
في سينما قبادي إشارات وملامح تذكرنا بسينما يلماز
غوناي حيناً، وتحيلنا حيناً آخر إلى الفانتازيا والكوميديا السوداء لدى
أمير
كوستوريتسا، وفي أحيان أخرى تعيدنا إلى صفاء وبراءة الإيطالي
تورناتوري، أو شاعرية
تاركوفسكي وهدوئه، وهي في الآن ذاته لا تبتعد كثيراً من فضاءات السينما
الإيرانية،
ومع ذلك لا تفتقر هذه السينما إلى البصمة الخاصة لقبادي والتي تتمثل في
النهل من
هذا الأرشيف السينمائي لإتقان لغته السينمائية الخاصة، حالماً،
كما يقول في حوار،
أن يكون أفضل مخرج سينمائي في العالم.
الحياة اللندنية في
09/09/2011
اللعب بمنافذ الضوء... وتبديل زوايا
الأسرار
دمشق – فجر يعقوب
«طنجة : سحر مدينة» فيلم وثائقي جديد للمخرج المصري سعد هنداوي . طنجة
لمن
يزورها ويعرفها ، مدينة لا يمكن وصفها إلا بالصورة السرية المتوغلة في
زواياها
العنيدة، كاتمة الأسرار الكبيرة، وحتى حين يستعين هنداوي بمؤرخ
أو بمصور للحديث
عنها، نجد أن هذه الزوايا تزيد من مكابرتها وعنادها. لا يبدو أنها ستفضح
شيئا من
هذه الخفايا، ورويدا رويدا، تعطي من يحبها ويهيم بها، بعض ما يسد رمقه، وإن
عجز
المغامر عن فك أسرارها، فإن كل ما يفعله يبقى في علم الغيب
والغائبين.
ومنذ البداية هنا يمكن القول ان امام هذا الفيلم، ليس هناك سوى شعور
بالحيرة
الايجايبة، وبعض الرضى حين تتوغل كاميرا هنداوي في بعض أسرار هذه المدينة «
العارية، الرنانة، الشفافة مثل كأس
الأسطورة «، وحين يقرر المخرج استعارة الأدب في
مديحها من صنوف كتب شتى.
يزعم أهل طنجة ان اصل الأسم هو «الطين جاء»، وإن لم يكن هذا أصل
التسمية بالفعل،
فإن السكان يعشقون اضافة العبارة إلى معجم الأسطورة، ويتغنون بها أمام
زائري
مدينتهم قائلين انه حين غمر الطوفان الكون، كان على الطائر أن يجيء من
العدم ، وفي
أسفل قدمه طين علامة على وجود اليابسة ، طوق النجاة والأمن
والأمان. طنجة ملجأ
أيضا، ليس تهرباً من ضريبة رومانية فرضت اسم «طنجيس» عليها، ولكن لأن
الأسطورة تكون
مصدر قوة في السرد أيضا. هذا ما أدركه بعض عشاقها، وعاشوا عليه. السرد
علامة في
جدران هذه المدينة الاستراتيجية، حتى حين توافد عليها كثر، كما
تسطر الروايات، فمن
قبائل الهاندال المتوحشة، والفينيقيين، وحتى خضوعها لوصاية دولية بين
الأعوام 1921 – 1956،
ظلت تضع قواعد للسرد ومعاجم لضبط الصورة فيها، وليس ثمة هنا اذاعة لسر، إن
عرفنا أنه قد صوّر فيها حوالى أربعمئة فيلم سينمائي، وكل ذلك بسبب قدرتها
الاستثنائية على اللعب بمنافذ الضوء، وتبديل زويا الرؤيا دون
التسبب بخلل في محور
الكون الذي تقوم عليه.
عاشت طنجة، كما يقول لنا هنداوي في فيلمه، منذ عهد بعيد، عشق المصورين
لها حتى
من قبل أن تصنع الكاميرات السينمائية. مصور فوتوغرافي طنجاوي يروي في
الفيلم حكاية
الرسام الرومانسي الفرنسي يوجين ديلاكروا مع المدينة، وحسب الفنان المغربي
محمد
الرقراقي كان ديلاكروا قد قصدها عام 1832 بمهمة رسمية من ملك فرنسا متوجها
إلى
سلطان المغرب. كان ديلاكروا في مهمة جاسوسية بالأحرى، ولما لم
تكن هناك آلة تصوير،
وكان مطلوباً منه أن يصور ويكتب كل ما يلاحظه، رسم الفنان الفرنسي بشغف
وأحس انه
بات مأخوذاً من هذه المدينة الملغّزة، فكان انه بدل أن يخدم مصلحة فرنسا
وملكها خدم
مصلحة طنجة نفسها.
وطنجة كانت مصدراً لإلهام كثر قصدوها وعاشوا فيها: الصوفي اليهودي
محمد أسد الذي
فيها أعلن اسلامه وترجم القرآن إلى الانكليزية في تسع مجلدات، والروائي
الموسيقي
الأميركي بول بولز الذي عاش فيها مايقرب من ست عقود حتى توفي فيها، وعاش
فيها كذلك
الروائي المغربي محمد شكري ناهيك بعشرات الفنانين والأدباء
الأميركيين والأوروبيين
الكبار. ولهذه المدينة - كما يذهب هنداوي في فيلمه - سحر لا يمكن التعبير
عنه، فـ «
طنجة تألف وتؤلف «. غير ان هذا المجد كله
لم يمنع مخرج الفيلم من التوقف عند
مهاجرين سريين ينتظرون قوارب الموت وقد أداروا ظهورهم للكاميرا بالدرجة
الأولى، قبل
أن يديروها للمدينة نفسها. فقد تجمع في الشهور الأخيرة في طنجة ما يقرب من
2490
شخصا كانوا يرغبون بمغادرتها إلى شواطئ يحلمون بالوصول غليها
هرباً من أوضاع سيئة
في بلدانهم، ومعظمهم قصدها من السودان، والصومال، وكلهم أمل وعشم، بأن
يستقلوا مثل
هذه القوارب، وبعض رحلاتهم أكلافها قوية.
وهذا ما وجده هنداوي في أحراش المدينة البحرية الساحرة، لا يتعدى
وجوها ممحية
تماما، بفعل اليأس الذي يمر به أصحاب هذه الأحلام على الشواطئ الأخرى هرباً
من جحيم
أوضاع اقتصادية، أو حروب أكلت في طريقها الأخضر واليابس، ولم تترك أمام
هؤلاء
الهاربين سوى الجلوس على شواطئ مدينة طنجة وادارة ظهورهم
للكاميرا، و»التجسس» على
قوارب الموت التي لا تتوقف عن رحلاتها باتجاه شواطئ الأمل المفترض
.
طوال فيلمه لم يتوقف سعد هنداوي عن الاستعانة بنصوص الكاتب المغربي
الراحل محمد
شكري، وبخاصة من كتابيه «الخبز الحافي» و»الشطار» ما بدا وكأنه يشكل غواية
كاملة
لفيلمه، وهي نصوص قرأها هو بصوته من باب التأكيد على الحيرة التي انتابته،
وهو يقرر
ولوج المدينة من أبوابها السرية، فتظل عصية على تسليم نفسها
بالكامل. طنجة مدينة
للسرد البصري أيضا، فللسينما نفسها شأن آخر في حياة الطنجاويين. شأن مختلف
تماماً.
الحياة اللندنية في
09/09/2011
مهرجان بغداد ... طموح بلا حدود
بغداد - «الحياة»
في بيان صحافي حمّله الرقم واحد (على طريقة الانقلابات العسكرية
العربية!) أعلن
مهرجان بغداد السينمائي الدولي عن برامج دورته الثالثة التي ستقام مطلع
الشهر
المقبل. وقال طاهر علوان مدير المهرجان ان هذه الدورة ستكون «نقطة تحول في
تاريخ
المهرجانات في العراق، فهي الأضخم والأوسع من جهة تنوع البرامج
وعدد الدول وعدد
الأفلام المشاركة». وأضاف ان عدد الدول المشاركة 30 دولة تشارك بأكثر من
140 فيلماً
قسم كبير منها يعرض للمرة الأولى في العالم العربي وقسم آخر يعرض للمرة
الأولى في
العراق.
وستتوزع الأفلام المشاركة على مسابقات المهرجان الثلاث للأفلام
الروائية الطويلة
والقصيرة والوثائقية حيث مجال المنافسة في هذه المسابقات واسع ويشمل
مشاركات من
العراق ومن دول عربية وأجنبية، ففي المسابقة الرسمية للأفلام الروائية
الطويلة
ستشارك 8 افلام، وفي المسابقة الرسمية للفيلم القصير وبسبب
كثافة المشاركة تم
اختيار 25 فيلماً من الكثير من دول العالم وسيكون هنالك عدد مقارب في
مسابقة الفيلم
الوثائقي.
وأعلن طاهر علوان عن استحداث قسم خاص تحت عنوان «مخرجات من العالم
العربي»، وهي
تظاهرة تتيح للمرة الأولى في المهرجان مساحة عريضة لإبراز ابداع
السينمائيات من
مختلف البلدان العربية ومن مختلف الأجيال، حيث ستشارك في هذه
الدورة اكثر من 20
مخرجة من العراق ومصر ولبنان والإمارات وتونس والمغرب واليمن والجزائر.
وللمرة
الأولى سيخصص المهرجان قسماً خاصاً لشباب السينما العراقية وذلك من خلال
قسم «آفاق
جديدة» حيث سيشارك اكثر من 30 فيلماً عراقياً في هذا القسم
سيتنافسون على الجوائز.
كما سيخصص المهرجان، وفق بيانه «الأول» قسماً لأفلام حقوق الإنسان تحت
عنوان «صورة
انسان» بمشاركة افلام من الكثير من بلدان العالم.
وأعلن مدير المهرجان عن ان الدولة ضيف الشرف لهذه الدورة هي ألمانيا
حيث ستقام
تظاهرة كبيرة للسينما الألمانية بالتعاون مع معهد غوته في العراق تتضمن
بانوراما
واسعة من الأفلام الألمانية تشتمل على افلام كلاسيكية وحديثة، وثائقية
وروائية
وقصيرة وستدخل افلام ألمانية اخرى في المسابقات الرسمية
للمهرجان وستقام حلقة
دراسية عن تاريخ السينما الألمانية وأساليبها تشارك فيها نخبة من
الأكاديميين
والنقاد.
وسينظم المهرجان الكثير من الندوات، منها ندوة عن «اتجاهات السينما
الألمانية
المعاصرة» وأخرى عن السينما المستقلة في العراق والعالم العربي.
وامتداداً للتقليد الذي اختطه المهرجان في اقامة معرض بغداد العالمي
للتصوير
الفوتوغرافي على هامش المهرجان، فإن معرض هذا العام سيشهد مشاركة عراقية
وعربية
وعالمية واسعة للمصورين الفوتوغرافيين تنوعت موضوعاتها مثل البورتريه
والمدينة
والإنسان والطفولة وغيرها وستمنح افضل الصور المشاركة جوائز
تقديرية.
الحياة اللندنية في
09/09/2011 |