استطاع الفنان عدلي كاسب أن يحقق المعادلة الصعبة في الحياة والفن، فقد بدأ
مهندساً وأستاذا في كلية الهندسة، ورياضياً متميزاً في رفع الأثقال، لكنه
اكتشف موهبته على يد كبار نجوم المسرح فاتجه الى التمثيل ليقدم أكثر
الأدوار تناقضاً واختلافاً من الطيب الى الشرير ومن الجاد الى الكوميدي
ليؤكد أن النجم لا يجب أن يسجن في شخصية واحدة.. فقدم الجزار الشرس خريج
السجون في فيلم «السفيرة عزيزة»... والعربجي في فيلم «الحرمان» والزوج الذي
لا حول له ولا قوة في فيلم «لقاء مع الغروب»... والزوج المسالم في فيلم
«الحب كده»... والزوج الذي لا يعرف قلبه الرحمة في فيلم «المراهقات»...
وكذلك هو الخديوي في أوبريت «الليلة العظيمة» وأبو جهل في «هجرة الرسول».
يحكي ممدوح عدلي كاسب قصة والده مع الفن فيقول: «بدأ أبي طريقه الى الفن من
المدرسة حين كان يقلد المدرسين والأصدقاء والمعارف على سبيل المزاح..
والتحق بفريق التمثيل بالمدرسة.. وكان يتابع العروض المسرحية لفرقة «رمسيس»
وفرقة على الكسار.. وبعد المدرسة التحق بالمعهد العالي للتمثيل وحصل على
الدبلوم عام1949 وتخرج معه في نفس الدفعة الفنانون الكبار عبدالمنعم
ابراهيم.. محمد السبع.. عبدالرحيم الزرقانى.. عبدالمنعم مدبولى.. سناء
جميل.. سميحة توفيق.. زهرة العلا.. سعيد أبو بكر.. حمدي غيث.. وكان أستاذة
«زكي طليمات» الذي أنشأ فرقة المسرح الحديث «المسرح القومي حالياً».. ثم
التحق بفرقة المسرح الحديث عام 1950 ومنها الى فرقة اسماعيل يس عام 1954،
ثم فرقة الريحاني 1957 وظل بها 10 سنوات وقدم مسرحيات منها: «الا خمسة»..
حسن ومرقص وكوهين.. حكم قراقوش.. و«30 يوم في السجن».. الشايب لما يدلع
«ومسرحية» سنه مع الشغل الذيذ «وحكم قراقوش» والستات ما يعرفوش يكذبوا
وحماتي قنبلة ذرية.. الدلوعة.. وقدم على المسرح الحديث «القومي الآن» ما
يقرب من 75 مسرحية منها ابن حلال.. كدب في كدب.. طبيب رغم أنفه.. وغيرها..
وكذلك أثرى السينما المصرية فقدم ما يقرب من مائتي فيلم أشهرهم «السفيرة
عزيزة» وفيلم لقاء مع الغروب.. والمراهقات.. وفيلم أجنبي واحد بالاضافة الى
المسلسلات الإذاعية..
يكمل ممدوح: «أثناء دراسة والدي في المعهد قدم فيلم «أمير الدهاء»
بالاشتراك مع أنور وجدى، صلاح منصور، ثم بعده توالت الأعمال، وقدم مسلسلات
مع بداية التليفزيون عام 1960 منها مسلسل الدوامة.. أستاذ منجى.. المجهول..
أشجان.. والعشرة الطيبة.. وكلمة حق وآخر مسلسل قدمه كان مع الفنان «عادل
امام» وعمر الحريري بعنوان «أحلام الفتى الطائر».. وقد قدم أدوراً مختلفة
فقد أجاد أدوار الشرير والطيب والباشا و«الخديوى» في الليلة العظيمة..
والعربجي في فيلم «الحرمان» وكان دائماً يقول: أنا هاوي ولست محترفاً ويحب
أن يكون له دخل غير الفن لأنه ليس مضموناً.. وهذا يجعل الفنان يختار
الأدوار بعناية ويرفض الأدوار دون المستوى ولا يجب أن ننسى أنه كان من جيل
العظماء الذين يهمهم في الأول والآخر الفن وليس المادة.. وهذا دليل على
نجاح أفلام هذا الجيل التي تتميز حتى اليوم ونشاهدها باستمتاع كبير.
يستكمل ممدوح كاسب: أبي كان مدرساً في كلية الهندسة «ادارة الورش» لمدة 12
عام مع حسن فهمي والد الفنانة فريدة فهمى، وكان مشرفاً على النشاط الرياضي
بالكلية من سباحة.. كشافة.. جوالة «بالاشترالك مع «حسن فهمى». ثم أصبح وكيل
وزارة في وزارة التربية والتعليم ومسؤولاً عن المسرح المدرسي ورائداً من
رواد التربية المسرحية، تتلمذ على يديه نجوم كثيرون، كان أبي يحب الموسيقى
وكان بارعاً في عزف «الناى» وكذلك علم أخوتي «كاسب» عزف الجيتار، وايهاب
العزف على الأورج وأنا علمني حب الإيقاع.. كما كان واحداً من أبطال حمل
الأثقال وكان مشرفاً على النشاط الرياضي بكلية الهندسة لأنه كان مدرساً في
كلية الهندسة «ادارة الورش» لمدة 12 عاماً.
أضاف ممدوح ان والده كان يحب دوره في فيلم «هجرة الرسول» دور «أبو جهل»
وكذلك دور زوج الأم القاسي الشرير في فيلم «المرهقات» وكان يتأثر عندما
يشاهده أما دوره في فيلم «لقاء مع الغروب» مع رشدي أباظة ومريم فخر الدين
فكان الأقرب لشخصيته الحقيقية بنفس الأخلاق والطيبة فقد كان ودوداً وله
أصدقاء كثيرون في الوسط الفني منهم: ماري منيب نجوى سالم.. نجيب الريحانى..
عباس فارس.. عادل خيرى.. عبدالعزيز أحمد.. ميميي شكب.. محمد الديب.. جمالات
زايد.. سعاد حسين.. عبدالمنعم ابراهيم.. صلاح سرحان، وأكثر المقربين له كان
الفنان.. حسن يوسف.. إبراهيم سعفان.. أبو بكر عزت... نبيل خيرى.. الصديق
المقرب له «حسن فايق» وكان عدلي كاسب هو الوحيد الذي يزوره باستمرار بعد
اصابته بالشلل وكان يخرج معه للفسحة والتنزه تخفيفاً عنه ووقوفاً الى
جانبه.. وأصدقاؤه المقربون كانوا من خارج الوسط الفنى.
وعن عدلي كاسب الانسان يقول ابنه: اسمه بالكامل «عدلي عبدالحميد علي كاسب»
من مواليد 17 أبريل عام 1917 بفم الخليج منطقة مصر القديمة.. تخرج في كلية
الفنون التطبيقية ثم المعهد العالي للفنون المسرحية في دفعته الثانية.. وفي
سن 29 تزوج من والدتي «آمال» وهي من عائلته وأنجب كاسب.. وأنا ممدوح..
وأختي «أمينة» وأخي الأصغر «ايهاب».. كان صديقاً لنا ولا يعطينا أوامر في
المنزل ولكن أسلوبه في التربية كان حديثاً ومرناً، فقد علمنا أن الدين
إصلاح وتهذيب للنفس، تزوج والدتي في سن صغيرة وهو ابن خالة والدتها رأت فيه
صفات كثيرة أعجبتها «وديعاً هادئاً متديناً أبن بلد» وكان وقتها عمرة 29
عاماً وأنجب ابنه الأكبر كاسب خريج لكية فنون جميلة وعدلي خريج كلية تجارة
ويعمل ممثلاً بالمسرح القومي ثم أمينة خريجة فنون جميلة ثم ايهاب خريج كلية
الاعلام.. والرياضة هي العقل السليم في الجسم السليم، والفن رقي بالأخلاق
والحس، وكان انساناً متواضعاً جداً فكان يشتري لنا الخبز.. وذات يوم وفي عز
مجده وشهرته كان يسير بسيارته مع أخي الأكبر «كاسب» فوجد «أراجوز»، فتوقف
فقال له كاسب ماذا تفعل يا أبي قال له: زميل لي فنان يعرض فنه فيجب على أن
أشجعه هكذا كان يقدر الفن والفنانين.. وكان يذهب كل يوم جمعه الى مسجد
«سيدي الأنصاري» في منطقته «مصر القديمة» ويجلس بعد الصلاة ليقابل أهل
المنطقة ويسلم على كل الناس، هذا كان بعدما انتقلنا الى فيلا مكونه من 14
غرفة في منطقة «حدائق القبة» وكان عندنا 7 شغالين ولكننا كنا نقوم بتنظيم
غرفنا لكي نتعلم من البداية الاعتماد على أنفسنا.
كانت البسمة لا تفارق وجه عدلي كاسب وكان قبل أن ينام يبتسم فسألته: لماذا؟
فقال: علشان لما أموت.. أموت وانا بضحك ع الدنيا « فضلا عن أنه كان يعشق
التجمع الأسرى ودائماً كان يقلد نجيب الريحاني وبعض الشخصيات الكوميدية..
وكان رقيق المشاعر الى أقصى درجه وذات يوم فاجأناه بعمل احتفال بعيد
ميلاده، ففرح لدرجة أنه جلس يبكي لأننا تذكرنا يوم ميلاده. كان نجيب
الريحاني مثله الأعلى في التمثيل وكان يقول أنه صاحب مدرسة في التمثيل،
وكان يعتبر زكي طليمات أستاذه لأنه ساعده على أن يصقل موهبته بالدراسة..
كما كان يستشير أمي وأختي «أمينة» في الأدوار التي تعرض عليه حيث كان يثق
فيهما وتقومان بمراجعة الأدوار معه، وكان يأخذ برأيها في السيناريوهات التي
تعرض عليه.
يستطرد ممدوح: كانت والدتي تقول: لم أشعر بالغيرة عليه بسبب تدينه ولأنه
يخاف من الله، وكان اذا أقبلت عليه احدى المعجبات لتسلم عليه كان لا يرفع
عينه الأرض، هكذا كانت أخلاقه لكنه كان يهتم بها خاصة أيام العيد، حين كنا
نفرش حديقة الفيلا، حيث يوجد أمامنا مسجد وبعد الصلاة كان يجلس مع المخرج «ابراهيم
عمارة» جارنا في حدائق القبة وبعض الجيران.. وكان يوم الجمعة بالنسبة لنا
يوماً مقدساً نجلس فيه على المائدة نتجمع ونناقش مشاكل الأسرة او مطالبها،
ودائماً كان يقول حاضر، ولا أتذكر أنه رفض طلباً لأحد منا، كان زوجاً شديد
الانسانية، وكان عندما يشاغلها يقول لها: «بكرة أتزوج واحده أحلى منك»
فكانت تضحك.
توفي وعمره 60 عاماً وعدد قليل من الأشهر وكان دائماً يقول لي اجمع صوري في
ألبوم فسوف تعرف قيمة هذا بعد وفاتى.. وفي يوم بروفات مع الفنان «حسن يوسف»
والمخرج «ابراهيم الشقنقيرى» عاد للبيت، وكان من عادته عندما يعود للمنزل
يلعب رياضة ثم يدخل للنوم وفي هذا اليوم لم يستطيع القيام بالرياضة وشعر
بالآم شديدة في ذراعة، وأخذ يعرق عرقاً غزيراً وشعر بفقدان السيطرة على نصف
جسده الأيمن «فجاءته أزمة قلبية» والأمر نفسه تكرر مع أشقائة طه واحسان
وعطية، وحين انتقل الى رحمة الله قال كل الذين رأوه بعد وفاته ان وجهه كان
يضحك.
يؤكد ممدوح أن والده قدم العديد من الأفلام أهمها فيلم لك يوم يا ظالم..
يسقط الاستعمار.. لحن الخلود.. مصطفى كامل.. الحرمان.. نشالة هانم.. بلال
مؤذن الرسول.. موعد مع السعادة.. حب ودموع.. فجر.. خالي شغل.. شياطين
الجو.. حب واعدام.. جرب حظك.. الكمساريات الفاتنات.. غرام المليونير.. رد
قلبى.. اسماعيل يس في دمشق.. الزوجة العذراء.. لقاء مع الغروب..
المراهقات.. عاصفة من الحب.. ست البنات.. السفيرة عزيزة.. اللص والكلاب..
سر طاقية الاخفاء.. أم العروسة.. زقاق المدق.. عائلة زيزى.. شقاوة بنات..
هجرة الرسول.. ثلاثة لصوص.. شاطىء المرح.. أجازة صيف.. أسرار البنات..
نادية.. نحن لا نزرع الشوك.. المخادعون.. عاشق الروح.. على من نطلق
الرصاص.. الكرنك.. الحياة نغم.. ملك التاكسى.. سنة أولى حب.. أولاد الحلال.
النهار الكويتية في
26/08/2011
حنين..
زكي أفندي طليمات دام مجده!
شريف صالح
في 3 يونيو 1938 كتبت الراقصة الشهيرة ببا عز الدين على ورقة كازينو مونت
كارلو بالشاطبي (الإسكندرية) رسالة إلى رائد المسرح العربي المرحوم زكي
طليمات بدأتها بالقول: «حضرة الأستاذ الأكبر والصديق الأوحد زكي أفندي
طليمات دام مجده».
الرسالة التي وثقها الفنان جعفر إصلاح في كتابه «روح مصر»، تعبر عن امتنان
ببا العميق لطليمات لأنه جبر خاطرها وساندها ضد «الخونة»! فمن هو زكي
طليمات الذي تخاطبه أشهر راقصة في مصر آنذاك، بهذا التبجيل والاحترام؟
هو زكي عبد الله طليمات (1894-1982) ولد لأب من أصول سورية ينتمي لأسرة
عريقة في حمص، درس فن التمثيل في فرنسا وعمل مديراً للمسرح القومي، و
مديراً ومؤسساً لمعهد التمثيل في مصر (1942-1952) كما أسس المسرح المصري
الحديث لخريجي معهد التمثيل، وهو المشرف الفني العام لمسرح البلدية في تونس
(54ـ-57) والمشرف العام على المسرح العربي مطلع الستينيات في الكويت. وبذلك
تخرج على يديه عمالقة التمثيل في العالم العربي وتحديدا في مصر وتونس
والكويت. نال العديد من الأوسمة والجوائز منها جائزة الدولة التقديرية في
الفنون عام 1975.
كان الصديق اللدود لزميله يوسف بك وهبي، رغم أن المسرح الجاد في العالم
العربي كله مدين لهذين الرائدين الكبيرين، وعن العلاقة بينهما نقلا عن كتاب
«يوسف وهبي: السيرة الأخرى» للأديبة لوتس عبد الكريم، يقول طليمات: «كان كل
منا يحلو له أحياناً أن ينادي الآخر بلقب «الصديق اللدود» إذ كانت تقوم
بيننا من وقت لآخر حرب صحفية نقدية وتحديات حارة حول اختلاف رؤية كل منا
للمسرح. لا تتفق مع ظاهر الصداقة والزمالة والمحبة التي تبدو للناس من
جانبنا وبعد أن تقدمت بنا السن والتجربة وصفت الرؤية اتضح لكلينا أنه على
حق وأنه يكمل الآخر في رسم رسالة المسرح».
من الصعب جداً اختزال زكي طليمات الرائد والمؤسس والمعلم والمؤلف والممثل
والمخرج والمترجم والإداري المتميز، ويكفي فضله الكبير في نقل فن التمثيل
العربي من خانة الهواية إلى خانة العلم والدراسة والاحتراف. ربما لا يعرف
الجمهور العربي الكثير عن زكي طليمات لأنه حتى نهاية العمر ظل مخلصاً
للمسرح، ولم تجذبه شاشة السينما ولا التلفزيون إلا فيما ندر ومن خلال
مشاركات شرفية بسيطة مع تلامذته، لعل أشهرها دوره في فيلم «الناصر صلاح
الدين» وجملته الشهيرة للفنانة ليلى فوزي أو فر:» في ليلة أقل جمالاً من
ليلتنا هذه ستأتين راكعة إلى خيمتى»
والمؤسف أن تراث طليمات لا يلقى التقدير الكافي لا في بلده مصر، وفي أرض
أجداده سورية، ولا في الكويت الذي أسس فيها فن التمثيل! ولو سألت ثلاثة
أرباع الممثلين على شاشة الدراما الخليجية لن يعرفوا من هو زكي أفندي عبد
الله طليمات؟ ولن نعثر على تمثال نصفي له في مدخل أحد المسارح ولا قاعة
باسمه؟
ولعله ليس الوحيد في التجاهل وعدم الوفاء للأساتذة والرواد. ويصدق عليه
مقولة الراحل العظيم نجيب محفوظ: «لكن آفة أهل حارتنا النسيان»!
Sherifsaleh2000@gmail.com
النهار الكويتية في
26/08/2011
صناع السينما نجوم الزمن الجميل
أحمد رمزي .. النجم الاستثنائي
القاهرة - أحمد الجندي
إذا كان المسرح هو «أبو الفنون» بحكم انه الفن الأقدم، وإذا كانت هناك فنون
أخرى مثل: الموسيقى الخالصة، وفن الأوبرا والباليه والفن التشكيلي، تعرف
بأنها فنون الخاصة والنخبة، فإن السينما كانت وستظل فناً شعبياً أي «فن
العامة»، وإذا كان الهدف منها عند اختراعها في نهايات القرن الـ 19 هو
التسلية والمتعة والترفيه، فإنها مع مراحل تطورها عبر سنوات وحقب زمنية
متلاحقة، تعاظم دورها ولم تعد لمجرد المتعة والتسلية، بل أصبحت مرآة
المجتمعات، تعكس وتكشف وتعبر عن واقع المجتمع أي مجتمع وتنتقد سلبياته
وتعلو بإيجابياته، من هنا أصبحت للسينما رسالة تنويرية وتثقيفية في حياة
الشعوب والمجتمعات، ومن هنا أصبحت «فن العامة» وفي مقدمة الفنون التي تحظى
بالشعبية.
ومن هنا نجد أن من حق هؤلاء الكبار من فناني السينما المصرية وصانعي تطورها
ونهضتها سواء الذين تحملوا عبء الريادة الأولى، أو الأجيال التالية لهم
التي تحملت عبء التواصل والتطور، علينا أن نكرمهم ونعرف الأجيال بتاريخهم
ومشوارهم ومسيرتهم السينمائية والفنية الحافلة، ليس فقط لأنهم «صناع
السينما المصرية» ومبدعوها عبر مراحل تطورها، ولكن لأنهم مع مرور الزمن
أصبحوا رموزاً لزمن وعصر من الفن الجميل، كان عصراً مفعماً بالهدوء والجمال
والرومانسية والمشاعر الصافية والإبداع الصادق والإخلاص الكامل للفن
وللسينما، عصر نفتقده جميعاً ونتمنى عودته.
كان وسيظل النجم الكبير احمد رمزي هو المرادف والرمز للشباب والحيوية
والانطلاق على شاشة السينما المصرية فعندما ظهر في منتصف الخمسينيات استطاع
بحيويته وانطلاقه وجاذبيته ورشاقته وملابسه البسيطة أن يغير من شكل وصورة
ومواصفات البطل التقليدي على شاشة السينما «الذي يرتدي ملابسه كاملة ويتحدث
بوقار زائد ورومانسية لا تناسب عمره فقد كان نجوم الشاشة وقتها تجاوزوا
الـ30 أو الـ40 من عمرهم.. وكان ظهور رمزي وبهذه المواصفات بداية لأن تغير
السينما جلدها بعد ان أصبح هذا النجم الشاب هو النموذج والقدوة للشباب في
تلك الفترة وقالوا عنه «الولد الشقي» والمشاغب الوسيم «وغيرها من الألقاب..
وقدم رمزي نوعية مختلفة من الأفلام اعتمدت على المغامرات والبطولة الجماعية
وما سحر بأفلامه «الثلاثي» وحققت هذه الأفلام نجاحاً هائلاً ومدوياً.. ورغم
هذا النجاح الهائل لهذه الأفلام نجح رمزي في أن يقدم أفلاماً رومانسية
واجتماعية وسياسية شكلت علامات في تاريخ السينما المصرية.
واستطاع خلال مشواره السينمائي الذي استمر طوال «45» عاماً قدم خلالهما ما
يزيد عن «100» فيلم. أن تكون نجوميته وأسلوبه «ماركة مسجلة» بعيدة عن
التقليد فهو لا شبيه له.. لذلك كان وسيظل احمد رمزي بأفلامه وتاريخه
السينمائي صاحب النجومية المنفردة و«الحالة الاستثنائية» في تاريخ السينما
المصرية وستظل أفلامه وشخصيته الرمز والمرادف للشباب والحيوية والانطلاق
على مر العصور والأجيال اسمه كاملاً «رمزي محمود بيومي أبو السعود» أما اسم
أحمد الذي الحق باسمه الحقيقي فهذا جاء في مرحلة لاحقة من حياته وبالتحديد
عندما بدأ يعمل في السينما.. ولد رمزي في 23 مارس 1930 في حي الزمالك
الراقي بالقاهرة لأسرة ارستقراطية فالأب هو د.محمود بيومي طبيب العظام
الشهير. أما الأم فهي من اسكتلندا وتعرف عليها الأب أثناء دراسته بالطب في
انجلترا ونشأت بينهما ثقة حب انتهت بالزواج وعندما انتهى الأب من دراسته
بانجلترا عاد بزوجته الى القاهرة وأنجبت له ولدين الأول هو «حسن» الذي أصبح
لاحقاً طبيباً مثل والده.. أما الشقيق الثاني «رمزي» فقد اختار له الأب
والأم هذا الاسم ليتماشى مع الأسماء المصرية والانكليزية.
وسط هذه الأسرة الارستقراطية القليلة العدد نشأ الطفل رمزي وكان على عكس
شقيقه الأكبر الذي كان هادئاً مهتما بدراسته كان رمزي طفلاً شقياً مشاغباً
وأدت شقاوته الى أن يتم فصله من كلية البنات التي كان يدرس بها وانتقل
بعدها الى عدد من المدارس الثانوية مثل مدرسة الناصرية ومصر الجديدة
والأورمان والابراهيمية الثانوية بجاردن سيتي وكان يتنقل بين كل هذه
المدارس بسبب شقاوته ومشاغباته رغم انه تعدى مرحلة الطفولة ودخل مرحلة
الصبا.. وفي هذه الفترة يتوفى والده وتنقله الأسرة الى مدرسة «فكتوريا
كوليدج» بالاسكندرية التي كانت مدرسة الطبقة العليا والتي كان يتعلم بها
أبناؤهم وفي هذه المدرسة يتلى بعمر الشريف الذي كان اسمه حينها وقبل أن
يدخل مجال السينما «ميشيل شلهوب» وتنشأ بين الاثنين صداقة استمرت من وقتها
وحتى اليوم.. والمهم الاشارة اليه هنا أن رمزي أثناء دراسته في كلية
فكتوريا قد بدأ ينتظم دراسياً وتعلم ومارس العديد من الرياضيات مثل السباحة
والملاكمة وكرة القدم وشارك لأول مرة في فريق التمثيل بالمدرسة وقدم عدة
مسرحيات من الأدب العالمي وخاصة الأدب الانكليزي.
وفي عام 1953 وعندما كان رمزي يجلس مع صديقه ميشيل شلهوب في كافتيريا
«جروبي» بوسط القاهرة يلتقيان بالمصادفة مع المخرج يوسف شاهين الذي يبدي
اعجابه بمشيل ويرشحه للعمل في السينما وبالفعل تكون بدايته السينمائية في
فيلم «صراع في الوادي» عام 1954 ويغير اسمه الى «عمر الشريف» ويبدي رمزي
سعادة غامرة بنجاح صديقه في أول تجاربه السينمائية وهذا ما جعله ملازماً
لعمر أثناء تصوير فيلمه الثاني «شيطان الصحراء» بل أن رمزي من شدة اعجابه
بأجواء السينما كان متواجد يومياً مع عمر في التصوير بل انه عمل كمساعد
اكسسوار في هذا الفيلم.. وان يمضي وقت طويل حتى لعبت الصدفة دورها معه كما
لعبته مع صديقة عمر الشريف.. وحدث هذا أثناء ممارسة رمزي للعبة «البلياردو»
التي يهواها في احدى الصالات بوسط القاهرة تقابل مصادفة بالمخرج حلمي حليم
الذي وجد فيه نموذجاً للشباب المنفتح المنطلق وهي الشخصية التي كان يبحث
عنها لفيلمه «أيامنا الحلوة» وعرض حلمي على رمزي العمل في السينما ويرحب
رمزي بشدة خصوصاً عندما علم انه سيشارك معه في الفيلم صديقه عمر الى جانب
فاتن حمامة وعبدالحليم حافظ وكانت بداية رمزي في مشواره السينمائي من خلال
فيلم «أيامنا الحلوة» عام 1955 مع المرج حلمي حليم الذي يعد أول من اكتشفه
وهو أيضاً الذي أضاف لاسم رمزي اسم أحمد ليصبح من بعدها اسمه الفني «أحمد
رمزي» وهو الفيلم الذي كتب على افيش الفيلم.. وكان رمزي يرفض تغيير اسمه
لكن المخرج حلمي حليم وجد أن اسم «رمزي بيومي» ليس اسماً سينمائياً وكان
الحل الوسط الذي يرضى به رمزي وحلمي اضافة اسم أحمد.. ليصبح الاسم أكثر
جاذبية. كان النجاح الهائل الذي حققه فيلم «أيامنا الحلوة» بداية لمرحلة
جديدة ليس لأحمد رمزي ولا لفريق عمل هذا الفيلم وحسب بل للسينما المصرية..
فقد كان ظهور رمزي وعمر الشريف ايذاناً ببدء مرحلة الشباب على شاشة السينما
المصرية التي بدت أنها دخلت مرحلة تغيير الجلد فقد كان أبطالها في ذلك
الوقت «منتصف الخمسينيات» هم عماد حمدي وكان على مشارف الـ50 من عمره.
ويحيى شاهين على مشارف الـ40 من عمره وكمال الشناوي تجاوز الثلاثين بعدة
سنوات ومحسن سرحان في نهاية الثلاثينيات من عمره وشكري سرحان تجاوز
الثلاثين.. وكان هؤلاء يلعبون ادوار البطولة التي هي للشباب وأحيانا كانوا
يقومون بأدوار طلبة في الجامعة وكان هذا يعطي نوعاً من عدم المصداقية لهذه
الأدوار ولأفلامهم. وكان رمزي وعمر الشريف في بداية وأواسط العشرين من
عمرهما وهذا ما جعل السينما تقبل عليهما بشدة خلال هذه الفترة بعد أن وجدت
فيهما مرحلة الشباب الحقيقية التي تحتاجها وأيضاً الوسامة والحضور
والجاذبية بالاضافة الى الموهبة.
من هنا استطاع احمد رمزي بموهبته ووسامته وجاذبيته وانطلاقة الشباب التي
يمثلها بعيداً أن يكون مع عمر الشريف البطل السينمائي المناسب لهذه المرحلة
بعيداً عن مواصفات البطل التقليدي بملابسه الرسمية والوقار الزائد الذي لا
يناسب الشباب بالاضافة الى عدم المصداقية من ناحية السن والعمر.. وانطلق
احمد رمزي سينمائياً بعد النجاح الهائل والمدوي لأول أفلامه «أيامنا
الحلوة» ففي نفس العام يقدم 4 أفلام أخرى ويزداد نجاحه من فيلم الى أخر
ويزداد طلب المخرجين والمنتجين عليه بعدما وجدوا فيه القدرة الأكبر على
التعبير عن شباب هذه المرحلة «ما بعد ثورة 1952» وأصبح احمد رمزي يمثل
مطلباًً هاماً للسينما المصرية وتزداد أفلامه عماً بعد عام ففي عام 1955
قدم «4» أفلام وفي العام الثاني «6» أفلام وفي عام 1957 كان قمة نشاطه وقدم
خلاله «9» الأفلام و«10» أفلام دفعة واحدة في عام 1958.
ومن أشهر أفلامه خلال هذه المرحلة أفلاماً مثل «حب ودموع» 1955 مع المخرج
كمال الشيخ - «أيام وليالي» 1955 مع المخرج بركات وفي هذا الفيلم يعود
لمشاركة صديقه عبد الحليم حافظ البطولة بعد فيلمهما الناجح «أيامنا الحلوة»
- وفي عام 1956 يشارك مع صديق عمره عمر الشريف وفاتن حمامة فيلم «صراع في
المينا» مع المخرج يوسف شاهين ثم فيلم «أين عمري» في نفس العام أيضاً مع
المخرج احمد ضياء الدين -«القلب له أحكام» 1956 مع مكتشفه المخرج حلمي حليم
ويعود للعمل مع يوسف شاهين في فيلم أخر مهم هو «ودعت حبك» في نفس العام
أيضاً.. ويستهل عام 1957 بفيلم ثالث مع صديقه عبد الحليم حافظ هو «بنات
اليوم» مع المخرج بركات.. ومن أهم أفلامه خلال هذا العام 1957 «تمر حنة» مع
المخرج حسين فوزي - «ابن حميدو» مع فطين عبدالوهاب «الوسادة الخالية» مع
صلاح أبوسيف «صراع مع الحياة» تأليف واخراج زهير بكير ونأتي الى عام 1958
وهو من أكثر الأعوام في مشواره السينمائي غزارة كما ذكرنا ومن أهم أفلامه
في هذا العام «الشيطان الصغير» مع حسن الامام «سلم على الحبايب» مع حلمي
حليم «الأخ الكبير» مع فطين عبد الوهاب «غريبة» مع المخرج بدرخان «حبيب
حياتي» مع المخرج نيازي مصطفي - و«حياة امرأة» مع المخرج زهير بكير. وفي
نهاية الخمسينيات يظهر على ساحة السينما المصرية اثنان من النجوم الشباب
لهما نفس مواصفات احمد رمزي من ناحية الشكل والتكوين وانطلاقة الشباب وهما
«حسن يوسف» و«يوسف فخر الدين» وسرعان ما اثبتا وجودهما وبسرعة فائقة حققا
كماً كبيراً من الأفلام خلال ثلاثة أو أربعة أعوام. وقد اثر هذا بشكل واضح
على احمد رمزي الذي تراجع معدل أفلامه من 9 و10 أفلام في العام الى 3و 4
أفلام في العام فالأفلام التي قدمها الاثنان حسن ويوسف كانت ستكون من نصيب
رمزي لو كان موجوداً بمفرده على الساحة.. لكن رمزي سرعان ما استعاد توازنه
مرة أخرى وعاد معدل أفلامه الى شكله الطبيعي منذ عام 1963 وحتى نهاية
الستينات.. وخلال هذه الفترة برزت نوعية افلام جديدة قام بها هذا الثلاثي
«رمزي وحسن ويوسف» وظهرت معهما خلال هذه الحقبة سعاد حسني التي مثلت بدورها
نموذجاً منفرداً للبطلة الشابة المنطلقة المليئة بالحيوية والشباب على ساحة
السينما.. من هنا انطلق هذا الجيل بأفلامه يشكلون تغيراً هائلاً في شكل
شاشة السينما للمصرية وأصبحت موجة أفلام الشباب والمغامرات أكثر بروزاً..
بل وبرزت البطولة الجماعية وأصبحت من عناصر النجاح وكون رمزي مع حسن ويوسف
ثنائيات وثلاثيات فنية حققت العديد من الأفلام الرائعة التي حققت نجاحاً
هائلاً وكان معهم سعاد حسني ثم نادية لطفي وزيزي البدراوي اللتان ظهرتا
خلال نفس الفترة «أي منذ بدايات الستينيات».
ومن أهم أفلام احمد رمزي خلال هذه الفترة عام 1959 وحتى نهاية الستينيات
نرى أفلاماً مثل «حب الى الأبد» مع يوسف شاهين عام 1959 وأيضاً «عودة
الحياة» مع المخرج زهير بكير في نفس العام وفي عام 1960 يستهل العام بفيلم
«رجل بلا قلب» مع المخرج سيف الدين شوكت وشجرة العائلة مع المخرج شريف والي
«ابوالليل» من اخراج حسام الدين مصطفى «غراميات امرأة» من اخراج طلبة رضوان
ومن أهم أفلامه عام 1961 «حياة وأمل» مع المخرج زهير بكير- «السبع بنات»
لعاطف سالم - «لن اعترف» مع المخرج كمال الشيخ «لا تطفئ الشمس» مع المخرج
صلاح ابو سيف وكان الفيلم من انتاجه أيضاً- «الأشقياء الثلاثة» عام 1962 من
اخراج حسام الدين مصطفي- «مذكرات تلميذة» اخراج أحمد ضياء الدين عام 1962
«امرأة في دوامة» مع المخرج محمود ذو الفقار.. وسيشهد عام 1963 نشاطاً
هائلاً لأحمد رمزي وعدداً من الأفلام الجيدة منها «عائلة زيزي» مع المخرج
فطين عبد الوهاب- «النظارة السوداء» مع المخرج حسام الدين مصطفى- وفيلم آخر
مع نفس المخرج هو«شقاوة بنات».
ونواصل استعراض أهم أفلامه خلال تلك المرحلة ولنرى أفلاماً مهمة في مشواره
السينمائي مثل «بنت الحتة» مع المخرج حسن الصيفي- «الشياطين الثلاثة» لحسام
الدين مصطفى- «آخر شقاوة» من اخراج عيسى كرامة- «نمر التلامذة» مع نفس
المخرج- «فتاة شاذة» مع احمد ضياء الدين العام التالي 1965 استعاد احمد
رمزي كامل نشاطه وقدم خلال هذا العام «10» أفلام منها «هي والرجال» مع حسن
الامام- «العقلاء الثلاثة» من اخراج محمود فريد- «الشقيقان» لحسن الصيفي-
«العنب المر» للمخرج فاروق عجرمة- «صبيان وبنات» من اخراج حسين حلمي-
«حكاية العمر كله» مع حلمي حليم- «المغامرون الثلاثة» لحسام الدين مصطفي-
«الباحثة عن الحب» لأحمد ضياء الدين. ومن أهم أفلامه منذ عام 1966 وحتى عام
1970 هناك أفلاما مثل «خذني معاك» للمخرج عباس كامل- «ليلة الزفاف» لبركات-
«الأصدقاء الثلاثة» للمخرج احمد ضياء الدين- «المراهقة الصغيرة» للمخرج
محمود ذو الفقار- وجميعها في عام 1966 وفي العام الذي يليه 1967 نجد
أفلاماً مثل «الخروج من الجنة» لمحمود ذو الفقار- «شباب مجنون جداً» للمخرج
نيازي مصطفي-»شقة الطلبة»- «حواء والقرد» عام 1968 من اخراج احمد بدر خان-
«للمتزوجون فقط» 1969 من اخراج اسماعيل القاضي- «هي والشياطين» للمخرج حسام
الدين مصطفي.. والملاحظ أن أفلام هذه المرحلة منذ بدايات الستينيات وحتى
نهايتها كان يغلب عليها طابع المغامرة والبطولة الجماعية وغلب الطابع
الكوميدي أيضاً على بعضها وهذا يرجع الى الطبيعة المنطلقة لشباب السينما
الذين كان رمزي في مقدمتهم والذين كانوا أبطالاً في تلك الحقبة. مع بداية
مرحلة السبعينيات استمرت أيضاً أفلام المغامرات والبطولة الجماعية وربما
يرجع هذا الى متطلبات السوق السينمائية في هذا الوقت وربما تم ذلك بمباركة
الدولة من خلال مؤسساتها الفنية التي كانت ترغب في استمرار هذه النوعية من
الأفلام الخفيفة وذلك نظراً لاستمرار الظروف النفسية السيئة للشعب والمجتمع
بعد هزيمة 1967.. لذلك استمر رمزي وعدد من زملاء جيله في تقديم هذه النوعية
من الأفلام ونشير هنا الى أفلام أحمد رمزي في هذا الاتجاه ومنها «هاربات من
الحب» للمخرج عدلي خليل 1970- «الساعات الرهيبة» من اخراج عبد الحميد
الشاذلي - «الشياطين في اجازة» 1973 مع المخرج حسام الدين مصطفى - «شلة
المراهقين» عام 1973 من اخراج نيازي مصطفي - «غرام تلميذة» حلمي حليم في
نفس العام أيضاً.. وفي عام 1974 يقدم احمد رمزي مجموعة من أفلام الحركة
التي حققت نجاحاً كبيراً أهمها «الابطال» و«العمالقة» والفيلمان من اخراج
حسام الدين مصطفي.. ومن أفلامه المهمة خلال نفس العام أيضاً «الأحضان
الدافئة» مع المخرج نجدي حافظ - «لغة الحب» مع المخرج زهير بكير-
«امبراطورية المعلم» مع المخرج ذكي صالح وفيلم وحيد في عام 1975 هو «الحب
تحت المطر» مع المخرج حسين كمال.
هنا نتوقف عند بداية مرحلة التراجع في المشوار السينمائي لهذا النجم الكبير
فمنذ منتصف السبعينيات وحتى عام 1981 لم يعرض له سوى فيلمين الأول هو «جنون
الشباب» مع المخرج خليل شوقي وعرض عام 1980 مع انه صدر في عام 1972 وكان
ممنوعاً لأسباب رقابية..والفيلم الثاني كان «حكاية ورا كل باب» مع المخرج
سعيد مرزوق وبطولة فاتن حمامة وكان الفيلم عبارة عن 4 قصص منفصلة قام
ببطولة كل حكاية بطلاً منفصلاً وكان من الابطال مع رمزي أحمد مظهر وجميل
راتب وأبوبكر عزت.. ويرجع السبب في تراجع أفلام رمزي منذ عام 1975 وحتى
بداية الثمانينيات الى انه تقدم في العمر وأصبح من غير المعقول أن يقدم نفس
النوعية من الأدوار للشباب المنطلق أو الرومانسي أو حتى نجم أفلام الحركة
فما كان يلائمه في الماضي أصبح لا يلائمه في هذه المرحلة العمرية وكان هو-
وهذا يحسب له صادقاً مع نفسه ولم يكابر ويقف ضد الزمن لذلك كان يرفض معظم
الأفلام والأدوار التي تعرض عليه لأنه كان يراها لا تلائمه حالياً وكان
سيسعد بها لو جاءته قبل ذلك لـ 15أو 20 عاماً لذلك ابتعد تماماً ولم يعاود
الظهور سينمائياً الا بعد 15 عاماً كاملة عندما شارك في فيلم «قط الصحراء»
مع المخرج سعيد مرزوق ومشاركة بطولة الفيلم نيللي ويوسف منصور.. وبعد ذلك
لـ 5 سنوات كاملة عاد في عام 2000 ليقدم فيلماً وحيداً هو «الوردة الحمراء»
مع يسرا والمخرجة ايناس الدغيدي وكان هذا فيلمه الأخير على شاشة السينما
المصرية وحتى الآن.
وهنا لا بد من الاشارة الى جانبين في غاية الأهمية في مشوار هذا النجم
الكبير.الجانب الأول دخول لأول مرة الى مجال الدراما التلفزيونية وارتبط
ذلك بصديق عمره عمر الشريف وفاتن حمامة فقدم في السنوات العشر الأخيرة
مسلسلين الأول مع فاتن حمامة عام 2000 وحمل اسم «وجه القمر» من اخراج عادل
الاعصر والثاني مع عمر الشريف عام 2007 وحمل اسم «حنان وخنين» مع المخرجة
ايناس بكر وكان العمل التلفزيوني الوحيد لعمر الشريف.. ولم يكرر رمزي
التجربة مرة أخرى بل وقبلها تحت الحاح صديقه عمر وفاتن.. أما الجانب الثاني
المهم فيتمثل في محاولته خوض تجربة السينما العالمية بعد التجربة الناجحة
لصديقه عمر الشريف لكنه لم يحقق النجاح المنتظر وهاجمه النقاد بشدة عندما
ظهر في دور كومبارس في فيلم «ابن سبارتكوس» عام 1963 ولم يحقق أيضاً النجاح
في تجربتين أخريين هما «حديقة الشيطان» و»يمكنك أن تفعل الكثير بالنساء»
عام 1971.. واعتذر أحمد رمزي لجمهوره عن هذه الأفلام والتجارب الفاشلة
وأسقطها من حساباته ومشواره السينمائي.
أيضاً لابد من الاشارة الى فيلمين من أهم الأفلام ليس في مشوار أحمد رمزي
فقط بل في تاريخ السينما المصرية وهما «ثرثرة فوق النيل» مع المخرج حسين
كمال و«أغنية على الممر» أول أفلام المخرج على عبد الخالق والفيلمان عام
1971.. كما يجب الاشارة الى عدد من الأفلام قدمها خارج مصر في الفترة من
عام 1967 الى 1971 ومنها ما قدم في بيروت وما قدم في تركيا والأفلام هي
«فندق سعادة» مع المخرج فطين عبد الوهاب وكان من أفلامه الأخيرة «همسة
الشيطان» مع المخرج سيد طنطاوي- «مسك وعنبر» مع المخرج احمد ضياء الدين-
«بنات الحب» من اخراج رضا ميسر وشاركه في بطولة هذه الأفلام عادل أدهم- شمس
البارودي- ناهد شريف- نيللي- نادية الجندي- عماد حمدي- عبد المنعم ابراهيم..
الى جانب عدد من الممثلين من سورية ولبنان. وبعد هذا الاستعراض السريع لهذا
المشوار السينمائي الحافل الذي قدم خلاله هذا النجم الكبير ما يزيد عن 100
فيلم طوال مسيرته الفنية التي امتدت الى 45 عاماً لابد من التوقف أما
مجموعة من النقاط المهمة في مقدمتها أن ظهور احمد رمزي على شاشة السينما
المصرية في منتصف الخمسينيات كان- وكما اشرنا- بمثابة انقلاب في شكل
ومواصفات البطل التقليدي للسينما المصرية وقادها الى ما سمي بمرحلة تغيير
الجلد فكان البطل الذي يرتدي القميص المفتوح الصدر والمنطلق بشباب وحيوية
ومرح في الحركة والكلام وتوائم هذا مع شباب ذاك العصر واستمر رمزي في قيادة
هذا الانقلاب السينمائي حتى ظهر حسن يوسف ومحمد عوض ويوسف فخر الدين ومعهم
نادية لطلفي وزيزي البدراوي وسعاد حسني هذا الجيل فترة الستينيات بأكملها
وقدموا عشرات الأفلام لهذه المرحلة لذلك يعد احمد رمزي هو الحالة
الاستثنائية بين كل نجوم السينما.. أيضاً لابد أن نشير الى انه قدم معظم
النوعيات السينمائية ونجح فيها فأفلامه الرومانسية كانت رائعة ومن أهم
رومانسيات السينما المصرية خصوصاً التي قدمها مع فاتن حمامة.. وأيضاً نجح
في أفلام الحركة والأفلام الاجتماعية والسياسية الجادة وحتى عندما قدم
الكوميديا كان بارعاً فيها خصوصاً في الأفلام التي كانت بها البطولة
الجماعية مع حسن يوسف ومحمد عوض.. وأفلامه أيضاً مع اسماعيل ياسين والتي
حملت اسمه.
أيضاً لابد من الاشارة الى أن أحمد رمزي عمل مع كبار مخرجي السينما المصرية
منذ منتصف الخمسينيات وحتى توقفه عن السينما وقد اشرنا الى أسماء هؤلاء
المخرجين ونحن نستعرض أهم أفلامه.. كما وقفت أمامه معظم نجمات السينما
المصرية خلال هذه الفترة التي اشرنا اليها مثل فاتن حمامة- هند رستم- ايمان-
أمال فريد- لبنى عبد العزيز- صباح- ماجدة- شادية- نعيمة عاكف- زهرة العلا-
سميرة احمد زبيدة ثروت- نادية لطفي- سعاد حسني- زيزي البدراوي- نيللي- ليلى
طاهر- نجوى فؤاد- مديحه يسري- سامية جمال شويكار- نوال أبوالفتوح- برلنتي
عبد الحميد- ناهد شريف- ماجدة الخطيب نجلاء فتحي- ميرفت أمين- نبيلة عبيد-
ناهد يسري- صفاء أبو السعود وأخر النجمات كانت يسرا في امهر أفلامه الوردة
الحمراء. ومن الأشياء التي تحسب لهذا النجم الاستثنائي انه لم يهتم يوماً
بمساحة الدور ولا بحجمه رغم انه ظهر في أفلامه الأولى كبطل ونجم أحدث
انقلاباً الا انه ورغم كل هذا النجاح وهذه النجومية كان لا يمانع من الظهور
في ادوار عبارة عن مشاهد قليلة لكنها مؤثرة في الفيلم كما انه ظهر في عدد
من الأفلام كضيف شرف أحياناً باسمه الحقيقي في مشهد أو مشهدين مجاملة
لأصدقاء من أبطال الفيلم وأحياناً مخرجه.. وكان لا يقبل الا الدور الذي
يقتنع به ولو كان صغيراً وهذا جعله نجماً محصناً من الغرور والتكبر
والتعالي. ونأتي الآن الى الجانب الانساني لأحمد رمزي لنرى انه بعد
الانتهاء من دراسته الثانوية بـ«فكتوريا كوليدج» التحق بكلية الطب ليصبح
طبيباً مثل والده الراحل.. لكنه لم يوفق ويتوائم مع الدراسة فيها وتركها
واتجه الى كلية التجارة ولم تشر أي من المصادر هل أنهى الدراسة بهذه الكلية
أم تركها من أجل التفرغ لمشواره وطريقه السينمائي.. وقد تزوج أحمد رمزي
زواجه الأول كان عام 1956 من السيدة «عطية الله أحمد الدرمللي» وأنجب منها
ابنته الكبرى «باكينام» وانفصل عنها عام 1963 وتزوج بعدها من نجوى فؤاد
ولكن زواجه بها لم يستمر الا أسابيع قليلة.. أما زواجه الثالث والأخير فكان
عام 1967 من فنانة يونانية مقيمة في القاهرة وهي السيدة «نيكول البرت
ديليندا» وهي أم ولديه «نواف» ونائلة» وهي مازالت الزوجة التي تقاسمه حياته
حتى الآن.
النهار الكويتية في
26/08/2011 |