يتمثّل الجديد
السينمائي للممثلة نيكول كيدمان بحكاية انفعالية وقاسية. يتمثّل بنشيد
بُكائيّ عن
معنى الحياة والموت. عن الطريق الطويلة والقاسية المفضية إلى مصالحة صعبة
مع الذات.
عن الأسلوب المطلوب للتطهّر من شقاء الموت. لبلوغ الجهة المقابلة له أيضاً.
فيلم
انفعاليّ بامتياز. حادّ في قراءته اللحظات الإنسانية الجريحة والمدمَّرة،
الفاصلة
بين خراب ذاتيّ وخلاص منتظر. يتمثّل الجديد السينمائي للممثلة نيكول كيدمان،
الحامل
عنوان «حُفرة الأرنب» لجون كاميرون ميتشل، بإشارات مسيحية تُحيل على نصّ
مفتوح على
ألم الوجدان، وخاتمة الأحزان.
الفقدان
الطريق إلى الحرية محفوفة
بألغام شتّى. الحرية هنا معقودة على الاغتسال من الوجع، وبلوغ
المرتبة الأخيرة في
عقد مُصالحة مع الذات. نيكول كيدمان أمٌّ
شابّة فقدت ابنها المُراهق قبل ثمانية
أشهر، إثر تعرّضه لحادث سيارة. قُتل الابن
أمام عينيّ أمّه. انهارت الأم. باتت
منقطعة التواصل مع العالم المحيط بها.
الألم وحشيّ. الفقدان، بحدّ ذاته، مُدمِّر.
فقدان الابن قاس وعنيف. السقوط في فخّ الانقطاع عن العالم الخارجي ساحق.
السقوط في
فخّ الانقطاع عن الذات أكثر سحقاً. قبول السقوط لا وصف له. هذا واقعٌ ميؤوس
منه.
الأم قابلة ولوج العالم الغامض والملتبس لما بعد الموت. غموض العالم هذا
ناتجٌ من
الضبابية المُكثّفة في متاهاته. الالتباس نابعٌ من العجز المُفرط عن رؤية
منافذ
الخلاص. لكن القدر يعد المرء، أحياناً، بانفراج. يعده بهذا، إذا قرّر المرء
وضع حدّ
للانكسار والخيبة. عندها، يبدأ الحِداد. بعدها، يبلغ المرء لحظة انفراج.
«حُفرة
الأرنب» جزءٌ من هذا. الفيلم انفعاليّ جداً. مشغولٌ بأسلوب نفسيّ واضح.
أسلوب
متوغّل في شرايين المرء وانفعالاته وهواجسه ومخاوفه وشياطينه. اللعبة خطرة.
أقصد
بها تلك اللعبة التي خاضتها بيكّا (نيكول كيدمان)، الأمّ الملتفّة بسواد
الذات
وجدران الانفضاض المُطلق عن الخارج. الإشارات المسيحية واضحة. سواء انتُقد
بعضها أم
لا. سواء ظهرت كاملةً أم حافظت على خداعها في الانكشاف. «حُفرة الأرنب» ليس
محصوراً
بها فقط. إنه فيلم إنسانيّ أيضاً. فيلم منسوج على منوال القصص الرومانسية
والعائلية، البادئة بجمال الراهن، والمصطدمة بالخيبة والموت لاحقاً. «حُفرة
الأرنب»
بدأ، مباشرة، من اللحظة الصفر: الوالدان بيكّا وهووي (آرون إيكهارت)
منهاران، كلٌّ
بطريقته الخاصّة. الزوج مستعدّ للخروج من ورطة الموت. الزوجة لا تزال
منعزلة بنفسها
ومع نفسها عن الآخرين. كلّ واحد منهما مختلف عن الآخر في مقاربته المسألة:
بيكّا
منطوية على ذاتها. مع أنها تسعى إلى التخلّص من الأشياء التي تُذكّرها
بمصابها. مع
أنها تحاول الخروج بطرق ملتوية. هووي مسحورٌ بشريط مُصوّر عن ابنه.
يُشاهدها مساء
كل يوم. في النهار، يخطو خطوات بطيئة وحذرة ومرتبكة على الطريق المؤدّية
إلى
استعادة زمام الأمور. إلى وهم استعادة زمام الأمور، بالأحرى.
المقاربة
السينمائية، شكلاً ومعالجة ورسماً للشخصيات ومونتاجاً، متداخلة في سياق
مبسّط
وهادئ. أقول مبسّطاً، وأعني به إتاحة الفرصة للمُشاهد كي يقرأ الصُوَر
بهدوء
وانفعال، قبل أن يغوص في التحليل النفسيّ لمسيرة الحِداد. أقول هادئاً،
وأعني به
جعل الصُوَر المتتالية مفتاحاً للمُشاهد، يُتيح له فتح الأبواب التي يُريد.
بهذا،
يجد المُشاهد نفسه مُشاركاً في اللعبة. اللعبة انفعالية جداً. كَمّ هائل من
الضغط
النفسيّ. الموت قاس. موت حبيب أقسى. موت ابن وحيد يكاد لا يوصف. تجربة
مرّة. الفيلم
مساهمة في تفتيت الأشياء وتبسيطها، قبل ولوج اللحظة المطلوبة: بدء رحلة
الخروج إلى
الحياة، مجدّداً.
تحايل
عثرت بيكّا على درب مؤلم وخطر للغاية،
اعتبرته خلاصها. لقاء الشاب المسؤول عن مقتل ابنها. جايزون (مايلز
تيلر) شاب في
مقتبل العمر. حصل أن بات محور الحبكة. محور
الحياة المضطربة لبيكّا وزوجها. محور
دقيق: من دونه، بدت الحياة أسهل. الجهل مفيدٌ، أحياناً. لكنه ظهر في
المشهد. بات
رقماً صعباً. في لحظة ما، يحتال السياق الدرامي على المُشاهد. خيال أم
واقع، هو
الشاب هذا؟ خيال أم حقيقة، مسؤولية الشاب هذا عن مقتل الابن؟ لعبة احتيال
أرادتها
بيكّا للخلاص من ألمها. لعبة خطرة. لعبة معقودة على استعادة اللحظات
البائسة. على
مواجهة المتخيّل الذي قاد الجميع إلى الهاوية. هل «قتل» الشاب جايزون الابن
الوحيد
لبيكّا؟ لماذا لا تريد بيكّا إنجاب طفل آخر، كما اقترح هووي عليها؟ الطريق
إلى
الخلاص تمرّ، دائماً، في حقل ألغام. وعلى هذه الألغام أن تنفجر، كي تستقيم
الأمور.
أو هكذت ظنّت بيكّا. تغيير ديكور البيت. التخلّص من أشياء موسومة بالابن
المفقود.
أمران لا يُعيدان بناء الثقة بين بيكّا ونفسها. بين بيكّا وزوجها. بيع
المنزل
أيضاً. موافقة هووي على بيع المنزل دونها صعوبة. التغيير داخلي بحت. الخارج
تذكير،
يُمكن للمرء الاعتياد عليه. التغيير داخلي بحت. هذه خلاصة معروفة، أكّدها
«حُفرة
الأرنب». العنوان جزءٌ من قصّة مصوّرة ألّفها جايزون. هناك كتاب عن الأقدار
والأزمنة من منظار تنظيري. عن احتمالات أخرى للحياة.
أفكار متداخلة بعضها بالبعض
الآخر. متداخلة إلى درجة مُعقّدة، أحياناً.
لكنها إشارات إلى اللحظات الأساسية في
المسار الدراميّ لحكاية بيكّا وابنها. لحكاية بيكّا وزوجها. للعالم الذي
عرفته
وعاشت أفراحه وأتراحه. الذي اختبرته بمساوئه وإيجابياته. الموت جزء من
عائلتها.
شقيقٌ لها تعرّض لحادث أودى به: جرعة زائدة من المخدّرات. هناك فرقٌ بين
الموتين.
والدة بيكّا (ديان ويست) عانت الفقدان وأسراره وآلامه. صدام بينها وبين
ابنتها.
صدام مبنيّ على توتّر وارتباكات جمّة.
هناك أمرٌ آخر: حلقات علاج نفسي جماعي.
هذا متداول جداً في المجتمع الأميركي. حلقات مختصّة بأمور
شتّى. في «حُفرة الأرنب»،
الحلقة منصبّة على البحث الدائم عن كيفية
الخروج من مأزق موت حبيب (ابن. ابنة زوج.
عشيق... إلخ.). كلام كثير قيل. الثنائي بيكّا وهووي منخرطٌ في الحلقة هذه.
لكن
بيكّا أكثر واقعية. إحالة المُصاب إلى الخالق كاختبار للأهل، مزعجٌ جداً
بالنسبة
إليها. رافضةٌ هي الفكرة تلك: «أراد الله ملاكاً جميلاً في مملكته، فأخذ
ابننا»،
قالت إحدى المُشاركات. «إذا أراد ملاكاً جميلاً، لماذا لم يخلق واحداً،
بدلاً من أن
يأخذ أحداً؟»، ردّت بيكّا. الحلقة ليست قادرة على تحرير بيكّا من ألمها.
هووي بلغ
مرحلة إقامة علاقة بزوجة مُشاركة، اكتشفت فجأة أن زوجها غادر المنزل
نهائياً. بدا
أن هووي مُغرم ببيكّا. الفيلم عبارة عن مسار تصاعديّ قاس، لتصوير الطريق
المفضيّة
إلى المصالحة مع الذات. إلى التحرّر من ألم الفقدان والفراق. إلى التطهّر
من أدران
الخيبة والوجع والقسوة.
السفير اللبنانية في
25/08/2011
«مسابقة
أفلام من الإمارات» تحتفل بعيدها العاشر
نافذة على النتاج البصري الخليجي
نديم جرجورة
احتفلت «مسابقة أفلام
من الإمارات» في إمارة أبو ظبي في دولة الإمارات العربية المتحدّة بالعيد
العاشر
لولادتها. عشرة أعوام مرّت. زمن قصير. لكنه بات أساسياً في
العمل البصري الإماراتي.
المسابقة جعلت شباباً إماراتيين ينخرطون في الاشتغال البصري. جعلتهم يعملون
ويثقّفون النفس ويُتابعون ويجتهدون، بحماسة واضحة. لا يُمكن، بأي شكل من
الأشكال،
التغاضي عن دور جوهريّ لعبه السينمائي الإماراتي مسعود أمر الله آل علي في
المجال
هذا. أسّس «مسابقة أفلام من الإمارات». دعا سينمائيين ونقّاداً
مهتمّين بالسينما
إلى حضور دورات عدّة. التقوا شباباً إماراتيين راغبين في المعرفة والتواصل.
قالوا
وكتبوا وناقشوا. هناك من استمع وناقش. هناك من استمع وناقش، ثم اشتغل على
ذاته.
هناك من أبدع في طلب المعرفة. شبابٌ متحمّسون. راغبون في التطوّر. في تطوير
الثقافة
الذاتية، وأدوات العمل. المسابقة أتاحت فرصاً لشباب إماراتيين عديدين،
باتوا اليوم
في المشهد الأول. في الواجهة. لأن مساراتهم المهنية عكست بلورة
إبداعية لافتة
للانتباه. عكست توقاً إلى مزيد من المعرفة والوعي الثقافي والاطّلاع الفني.
عشرة أعوام. كأنها أمس. كأن الصُوَر لا تزال حاضرة: اللقاءات داخل «المجمّع
الثقافي» في أبو ظبي. مُشاهدة الأفلام. قراءة الكتيّبات
الصادرة بعنوان «كرّاسات
السينما». تأسيس صداقات جميلة. متابعة اشتغالات مؤثّرة.
خطوات
عشرة
أعوام مضت. لم تعد «مسابقة أفلام من الإمارات» كما كانت سابقاً. الأمور
تبدّلت.
باتت المسابقة جزءاً من «مهرجان أبو ظبي السينمائي». المهرجان يخطو خطوات
عملية
وثابتة ومؤكّدة على طريق النجاح والتبلور والتطوير. المسابقة حاضرة.
الاحتفال
بعيدها العاشر تمّ في الفترة الممتدّة بين السابع عشر والتاسع
عشر من آب 2011. لم
يكن احتفالاً خطابياً. اختيار أفلام مُشاركة في الدورات السابقة، اتاح فرصة
للمشاهدة. لإعادة المُشاهدة. هناك أسماء واعدة. أسماء لمعت، ولا تزال
مُستمرّة في
التطوير والاشتغال الاحترافي العملي البحت: وليد الشحي. نواف الجناحي. خالد
المحمود. هناك آخرون أيضاً. شبانٌ وشابات. مشحونون جميعهم
بالهمّ السينمائيّ.
اشتغالاتهم عكست هذا. السياق المهنيّ الخاصّ بكل واحد منهم، قدّم نموذجاً
عن معنى
التطوّر والبلورة. هناك فضلٌ أول وجوهري: مسعود أمر الله آل علي. اختار
الحيّز
الإماراتيّ أولاً. انفتح على المساحة الخليجية كلّها، لاحقاً.
كانت فرصة مهمّة:
التعرّف على ما يجري بصرياً في تلك البقاع العربية.
شكّل الاحتفال بالعيد
العاشر لـ«مسابقة أفلام من الإمارات» فرصة استعادة سريعة لأمر مُفرح وجميل.
الاحتفال تمّ في «جناح وسط المدينة». اختيرت عشرة أفلام لعرضها. انطلقت
المسابقة من
الاهتمام بالإنتاج البصري الإماراتي. باتت اليوم نافذة مهمّة للإطلالة على
الإنتاج
البصريّ الخليجي. هذا كلّه قبل أن يؤسّس مسعود أمر الله آل علي «مهرجان
الخليج
السينمائي» قبل خمسة أعوام. التظاهرتان السينمائيتان
الإماراتيتان مفتوحتان على
الإنتاجين البصريين في دولة الإمارات العربية المتحدة ودول «مجلس التعاون
الخليجي».
نافذتان ضروريتان لمعرفة الحراك الفني
البصريّ هناك: «كان لورشات العمل والعروض
السينمائية للأفلام الإماراتية والخليجية حضور مهمّ في السينما
الخليجية منذ العام
2001.
مثّلت منبراً للمخرجين المحليين والخليجيين»، الذين تواصلوا، بعضهم مع
البعض
الآخر، بفضل أعمالهم ولقاءاتهم وتبادل تجاربهم. هذا جاء في بيان صادر عن
إدارة «مهرجان أبو ظبي السينمائي»، الذي ضمّ إليه
المسابقة، فباتت «أحد أقسامه الرئيسة».
والمسابقة «تستمرّ اليوم كبادرة معنيّة، أساساً، بمنح سينمائيي دول الخليج
العربي
فرصة الاحتكاك بالوسط السينمائي العالمي، عبر إمكانات «مهرجان أبو ظبي
السينمائي»،
الذي يُتيحها لهم».
مختارات
الأفلام المختارة للاحتفال بالعيد
العاشر لتأسيس المسابقة هي: «آمين» (2005) لعبد الله حسن: «للصلاة التي
تُنهي
طقساً. للحبّ الذي نُكنّه تجاه لون بارد. للقسوة الكامنة في داخلنا. «آمين»
هي
البداية». «على الطريق» (2003) لنواف الجناحي: طرح الفيلم
تساؤلاً حول ما إذا كان
البشر يبذلون فعلياً أقصى ما بوسعهم، لمواجهة تحدّيات الدنيا والحياة.
«رسالة
خاطئة: منع الدخول» (2004) لريم الهاملي: من دون وجه أو شخصية تميّزه، سعى
رجل
معدنيّ لأن يُصبح ديفيد بووي، في مرحلة نجومية الـ«روك»
الفضائي «زيغي ستاردست».
هناك، في الاحتفال نفسه أيضاً: «أحلام في الصندوق» (2003) لخالد المحمود:
عن رجل
يعيش حياته العادية، لكن هناك مشكلة تعتري يومياته. «الموت للمتعة» (2005)
لندى
الكريمي: تابع الفيلم صيصان الدجاج منذ خروجها من البيض إلى
موتها صغيرة، مروراً
بصبغها وعرضها وبيعها كصيصان ملوّنة. «طريقتي» (2003) لسالم فيصل القاسمي:
عن فتاة
يُجبرها رجل حاقد على قتل أحدهم. «طوي عشبة» (2004) لوليد الشحّي: تأمّل
بصري في
طبيعة الأحلام، وفي مدى قدرتها على أن تضمّ الواقع في ذاتها.
«عبور» (2009) لعلي
جمال: حكاية رمزية بسيطة عن الحبّ والتضامن، متمثّلة بطير يُكافح لحماية
بيوضه من
قطعة بلاستيكية. «الأرضية المبتلة» (2003) للميا حسين قرقاش: محاولة لكشف
علاقة
تربط فتاة بشاب. أهو زواج مدبَّر، أم لقاء عاطفي حميم. «لال» (2010) لياسر
النيادي
وهناء الشطري: عالج الفيلم فكرة روح الإنسان، مصوّراً الصراع بين القيم
الإنسانية
وإغراء المادة.
السفير اللبنانية في
25/08/2011
«هانا» فيلم للإنجليزي جو رايت
مملكـة «الأكشن» في خطر
زياد عبدالله
شيء وكل شيء في آن، العبارة ملتبسة، لكنها مع الفيلم، حيث ننوي تعقبها
من خلاله، ستتضح، ولها أن تكون في صياغة أخرى وعلى هيئة سؤال: كيف نصنع
فيلم «أكشن» مختلفاً؟ يبدو أن الإجابة ستكون حاضرة لدى المخرج الإنجليزي جو
رايت وفيلمه الجديد
Hanna
«هانا» المعروض حالياً في دور العرض المحلية، إجابة لها أن تكون إشكالية
على مبدأ شيء وكل شيء في آن!
بداية علي توضيح ذلك، فأنا ذهبت لمشاهدة الفيلم من دون أن أتحرى أية
معلومات عنه، بما فيها مخرج الفيلم، وتعاملت معه بوصفه فيلماً تجارياً لا
يستدعي اهتماماً أو استعدادت مسبقة، ومع بداية الفيلم ومعرفتي بأن مخرجه جو
رايت فإنني دخلت في مرحلة استعداد ما، لا بل داهمتني رغبة لمعرفة إن كان
الفيلم مأخوذاً عن عمل أدبي، كون ما قدمه هذا المخرج كان دائماً مقتبساً عن
عمل روائي مثلما الحال مع
Pride &
Prejudise
«كبرياء وانحياز» 2005 عن رواية جين أوستن الشهيرة، ونحن نتابع كيرا نايتلي
تنتقل من هذا الفيلم إلى آخر بعنوان
Atonement «توبة» 2007 عن رواية بالعنوان نفسه للروائي البريطاني إيان ماكوين،
وصولاً إلى
The Soloist
«العازف المنفرد» ،2009 المأخوذ عن كتاب لستيف لوبيز، لكن في عتمة الصالة
فإن هكذا معلومة لم أعثر عليها على الرغم من أن «تترات» الفيلم لم تذكر أن
الفيلم مأخوذ عن رواية أو كتاب، وهو كذلك حقاً، فالقصة والسيناريو كتبها
سيث لوتشهيد، لكن يبقى أن نذكّر في هذا السياق بأن الفيلم الذي يعمل عليه
جو رايت حالياً هو «آنا كارنينيا».
بداية مشجعة
البداية مشجعة جداً في «هانا»، نحن حيال فتاة لم تتجاوز 16 من عمرها في
غابة بيضاء مغمورة بالثلوج، تطلق السهم وتصيب وعلاً، فيمضي يركض بعيداً إلى
أن تخونه قواه ويقع، ومن ثم نقع على تلك الفتاة تلحق به، وحين تصل إليه
تقول: لم أسدد على قلبك وعليه تطلق رصاصة الرحمة، ومن ثم تنهمك في إفراغ
أحشائه إلى أن يأتي رجل ويهاجمها من الخلف وتبدي تلك الفتاة شجاعة ومهارة
خارقتين في مقاومة ذاك الرجل.
البداية تعدنا أولاً بتصوير جميل، وتنويع في اللقطات واستثمار جمالي في
اللون والإضاءة والمساقط، الفتاة اسمها هانا «ساوريس رانون» بينما الرجل
الذي تحاول مقاومته هو والدها ايريك (ايريك بانا)، إنهما في مكان ناء
تحاصره الثلوج، وكل ما تعرفه هانا قادم من والدها، هذه الفتاة خارقة القوة،
وقادرة على اجتياز كل ما يضعها والدها في مواجهته، وهي تعرف أكثر من عشر
لغات كما سيتضح لنا، ولديها ركام هائل من المعرفة النظرية التي تأتيها من
الكتب التي يقرأها لها والدها.
كل ذلك سيقول لنا نحن حيال فيلم «أكشن» من نوع خاص، وهذا ما سيثبته لنا
المخرج جو رايت طيلة أحداث الفيلم، حيث لن يستسلم إلى الحركة والإثارة، بل
سيكون هناك الكثير من الغرائبية التي تنتظرنا، والرهان بصري على الأغلب
ويتناغم تماماً مع شخصية هانا، وهي تقول لوالدها إنها أصبحت جاهزة،
وبالتالي فإنها تصبح في قبضة الـ«سي آي إيه»، وتحديداً ماريسا (كيت
بلانشيت). حبكة الفيلم بسيطة، فـ«هانا» ليست إلا فتاة لها الكثير من
الأهمية لدى الوكالة المركزية وماريسا، وبالتالي فإن وصولها مركز
الاستخبارات سيخضعها لعدد من الاختبارات التي تؤكد أنها«غير عادية»، الأمر
الذي سنتعرف إليه لاحقاً، في رحلة «هانا» من المغرب إلى برلين، وما يشكله
والدها بالنسبة إليها، وصولاً إلى مجابهة ماريسا.
امرأة خارقة
كل ذلك يبدو أقل من عادي في سياقات أفلام «الأكشن»، بمعنى أننا سنكون حيال
امرأة خارقة ذات ماض غامض سنكتشفه تباعاً وأثناء ملاحقات كثيرة لها، لكن
قولنا إن هذا جزء من الفيلم سيقودنا إلى ما له أن يدفعنا للتوقف عنده،
بمعنى الكيفية التي قدم فيها كل ذلك، وللإجابة عن ذلك يكفي أن نقول إن هروب
«هانا» من الاستخبارات المركزية سيضعها في صحراء مترامية، فإذا بها في
المغرب، وهنا سندخل في نفق الغموش والجماليات التي بدأ بها الفيلم، ونحن
نلاحق «هانا» من عالم إلى آخر، من دون أن ننسى أنها تختبر كل شيء للمرة
الأولى في حياتها، مثلما الحال بخصوص صداقتها مع فتاة انجليزية تكون برفقة
عائلتها في المغرب، أو تلقيها أول قبلة في حياتها، الأمر الذي لا يحدث
كونها ستجد في القبلة تهديداً لا يختلف عمن يحاول قتلها، ودائماً هناك
تنويع في المناخات ومواقع التصوير والشخصيات الغرائبية، كما حال المهرج
والمكان الذي يسكنه، حيث تحيط به مجسمات الديناصورات والحيوانات العجيبة
وصولاً إلى مكان سكنه. في فيلم «هانا» تصبح الحبكة التي تتوالى في سياقها
أحداث الفيلم أمراً ثانوياً أمام العوالم التي تفتحها أمامنا «هانا»، فنحن
سننتقل من عالم إلى آخر ونطمئن إلى أننا برفقة امرأة خارقة، لها أن تركض
كما في فيلم «اركضي يا لولا اركضي» أو اعتبار ذلك القاتل الذي يصفر خارج من
«البرتقالة الآلية» ومنتمٍ بامتياز لهؤلاء الشبان الشقر الذين يمجدون القتل
والعنف في فيلم ستانلي كوبريك، وكل ذلك برفقة خيال علمي، خيال ينتصر فيه
البصري على الافتراضي بمعنى حالة «هانا» نفسها، إنه رهان على فيلم يريد
للأكشن أن يكون أكثر من مجرد مجموعة من المواجهات و«هانا» في حالة هرب
دائم، إنه فيلم يطوع كل ما هو ممكن في خدمة الغرائبية التي تمثلها «هانا»،
بحيث تمسي حالتها فرصة لتقديم عوالم غريبة وفق منطق الفيلم نفسه، وعليه
فإننا سنقبل بظهور الغزال في نهاية الفيلم بينما تعبر «هانا» نفقاً، ولتنجح
في النهاية أن تسدد إلى القلب، قلب امرأة لا قلب الوعل السابق الذكر.
الإمارات اليوم في
25/08/2011
«العرّاب الأخير».. الآسيوي في المافيا الإيطالية
زياد عبدالله
متى وردت كلمة «العراب» تصحو الذاكرة على وجه مارلون براندو بوصفه الدون
كورليوني، حيث إنه ماثل في الذاكرة كما هو، وصالح للمحاكاة، وإن كانت
النتيجة فيلماً لا ينتمي لا من قريب ولا من بعيد إلى «عراب» فرانسيس كوبولا،
لا بل إن المسعى هو تقديم الكوميديا من خلال الاتكاء على العراب و«الدون»
والمافيا وما إلى هنالك من عناصر أصبحت حاضرة في أفلام كثيرة متى كان
الحديث عن العصابات المنظمة، ولعل هناك عشرات بل مئات الأفلام في هذا
السياق.
فيلم
The last Godfather «العراب الأخير» المعروض حالياً في دور العرض
المحلية، يأتي من ذلك الباب ليقدم مساحة من الضحك، وعلى شيء من الانحياز
إلى هزلية مفتعلة ترتكز على عنوان الفيلم نفسه، فنحن ومن البداية أمام
الدون كاريني (هارفي كيتيل) وهو يعلن نيته التقاعد والتخلي عن منصبه،
وبالتالي تولي توني (مايكل روسيبلي) منصبه، الذي تربى كابن للدون، لكن
سرعان ما يطالعنا كاريني بمفاجأة مفادها أن لديه ابناً وأنه ينوي توريثه
هذا المنصب، ولد انجبته له امرأة تعرف إليها في كوريا، وعليه سنقع على
يانغو (هيونغ شيم مخرج الفيلم أيضاً)، بحيث يشكل يانغو الرهان الكوميدي
للفيلم عبر بلاهته وشراهته أولاً، ومن ثم كونه آسيوياً وليس إيطالياً، وقد
نشأ وتربى في دار أيتام وهو لا يعرف شيئاً عن المافيا والأتاوات والعداوات،
وغير ذلك من عتاد العصابات المنظمة. وعليه سنكون أمام سلسلة من المفارقات
في هذا الخصوص، تعتمد على مواقف ومصادفات مثل أن يكون يانغو مخترع «البيغ
ماك» إضافة إلى التنورة القصيرة، وغير ذلك مما سيطالعنا به وهو يتنقل من
موقف إلى آخر، بما في ذلك وقوعه في حب نانسي ابنة العدو التاريخي لوالده،
بما يمضي بالفيلم في مسار الحب المستحيل، حيث يكون هوس نانسي الرئيس
متمثلاً في مساعدة الجمعيات الخيرية وعلى رأسها دار الأيتام، ومع ذلك تحضر
أيضاً مجموعة من المواقف التي تتحقق شروطها الكوميدية تحت وطأة بلاهة يانغو،
الذي يعيش مع نانسي حلم يقظة سرعان ما يتحقق. يانغو سيفعل كل شيء كما لو
أنه لم يفعله، ستكون المصادفة هي الحكم، ويبقى والده منحازاً له لا لشيء
إلا لكونه من لحمه ودمه، وبالتالي فإنه سيكون في حالة عمى مستفحلة أمام
غباء ابنه المتأصل، وحين يفقد ايمانه بإمكانية أن يكون ابنه صالحاً
لوراثته، تحدث مجموعة من المواقف التي تغيير ذلك، سواء بالمنجزات التي
يحققها لسكان الحي من حيث لا يدري أو من خلال إنقاذه رجال المافيا بسلسلة
من الحركات الخرقاء التي تفضي إلى نجاحه أيضاً في ذلك من دون أن يعرف إن
كان ما فعله يصب في هذا الاتجاه. كل ما تقدم سيقودنا إلى أن نكون أمام فيلم
رديء بكل ما تعنيه هذه الكلمة، وعلى الرغم من رهاناته البسيطة فإنه سيفشل
في كسبها، من دون أن يكون هذا الحكم قادماً من إخضاع الفيلم لشيء سوى قدرته
على اجتراح الضحك، القدرة التي خانته دائماً بعيداً عن مسعاه لأن يصير
الزعيم أو «الدون» بعد والده هو الذي نعرف من البداية بأنه سيفشل في ذلك
وما نجاحاته من جراء المصادفات الكثيرة التي تحيط به إلا المساحة التي وجد
فيها الفيلم كل رهانه على المواقف الطريفة التي ستكون تكراراً في سياق لا
يحيد عنه الفيلم، هذا إن كانت رائحة حذائه الذي يستخدمه في انعاش من يغمى
عليه أمراً مضحكاً، أو أن العد للخمسة كما في القسم الأخير من الفيلم
وإطلاقه النار على فيني (جاسون ميوس) كلما وردت كلمة «خمسة» سيدفعنا إلى
اعتبار الكوميديا شيئاً مثل هذا الفيلم.
الإمارات اليوم في
25/08/2011 |