عميد المسرح العربي يوسف بك وهبي (1898ـ 1982) عاش 84 عاماً لكنه كما
وصفها في مذكراته «عشت ألف عام» كانت حافلة بالمجد والأضواء والشهرة
والثروات والإفلاس والقمار والنساء والسياحة في شتى دول العالم.
يوسف وهبي هو ابن الباشوات الذي عشق المسرح وأسس دعائمه في العالم
العربي على النصوص العالمية والفكر والموضوعات الجادة واحترام الجمهور،
الذي قدم مئات المسرحيات ممثلا ومخرجا ومؤلفاً وكان له الفضل في اكتشاف
عشرات العباقرة من خلال مسرح «رمسيس» الذي أسسه بما ورثه عن والده الباشا
من ثروة.
يوسف وهبي هو «الدنجوان» الذي سحر بنات الطبقة الأرستقراطية بأدائه
على خشبة المسرح ولسانه المعسول وثقافته الواسعة وخفة ظله، فأطلقت عنه
عشرات الشائعات ونسبت إليه مغامرات لا حصر لها مع نجمات عصره أمثال عزيزة
أمير والراقصة ببا عز الدين وغيرهما.. والذي تزوج من حسناء إيطالية وهو في
عمر الثامنة عشرة ثم من سيدة أميركية وبعدها من عائشة هانم فهمي وكانت أغنى
سيدة في مصر آنذاك وقدمت دعما ماديا كبيراً لمسرحه وعرضت عليه تمليكه مئات
الأفدنة من ثروتها لكنهما انفصلا بسبب غيرتها الشديدة عليه، ليقضي بقية
أيامه مع رفيقة دربه «سعيدة منصور» ابنة أحد أعيان الإسكندرية.
مشوار باذخ وحافل بالقصص والأحداث، أنهاه في شبه عزلة بعدما أضاع على
القمار ما ورثه وما كسبه.. وتاريخ من الصعب اختزاله في كتاب واحد لكن
الأديبة لوتس عبد الكريم روت الكثير من المواقف التي جمعتها بعميد المسرح
وأسرته في فترة كهولته وكشفت العديد من القصص في كتابها «يوسف وهبي: السيرة
الأخرى لأسطورة المسرح». ولعل أطرف ما ذكرته عندما أعلن يوسف وهبي عن حاجته
إلى فتيات مثقفات للعمل في المسرح فأصدرت دار الإفتاء آنذاك فتوى تؤكد أن
من تظهر «سافرة على المسرح تعتبر كافرة». فرد يوسف وهبي على الفتوى بهجوم
شرس في مسرحيته «بنات اليوم» إذ في أحد المشاهد تهاجم «السلطة الدينية»
طبيبا اضطر لإجراء عملية إجهاض لفتاة اعتدى عليها قسراً، ودار هذا الحوار:
الشيخ: يا دكتور أنت بهذا تحرض على البغاءَ.
الطبيب: البغايا يدفعن الضرائب (حسب القانون وقتها) إلى الحكومة وقد
تقبضها عفواً ضمن راتبك الشهري!
وهنا انزعج مفتي الديار المصرية والتقى يوسف وهبي وطلب تعديل الحوار
فوافق وهبي شريطة إلغاء الفتوى التي تعتبر السافرة على المسرح كافرة!
Sherifsaleh2000@gmail.com
النهار الكويتية في
23/08/2011
صناع السينما نجوم الزمن الجميل
أنور وجدي.. الموهبة والعبقرية
القاهرة - أحمد الجندي
إذا كان المسرح هو «أبو الفنون» بحكم انه الفن الأقدم، وإذا كانت هناك
فنون أخرى مثل: الموسيقى الخالصة، وفن الأوبرا والباليه والفن التشكيلي،
تعرف بأنها فنون الخاصة والنخبة، فإن السينما كانت وستظل فناً شعبياً أي
«فن العامة»، وإذا كان الهدف منها عند اختراعها في نهايات القرن الـ 19 هو
التسلية والمتعة والترفيه، فإنها مع مراحل تطورها عبر سنوات وحقب زمنية
متلاحقة، تعاظم دورها ولم تعد لمجرد المتعة والتسلية، بل أصبحت مرآة
المجتمعات، تعكس وتكشف وتعبر عن واقع المجتمع أي مجتمع وتنتقد سلبياته
وتعلو بإيجابياته، من هنا أصبحت للسينما رسالة تنويرية وتثقيفية في حياة
الشعوب والمجتمعات، ومن هنا أصبحت «فن العامة» وفي مقدمة الفنون التي تحظى
بالشعبية.
ومن هنا نجد أن من حق هؤلاء الكبار من فناني السينما المصرية وصانعي
تطورها ونهضتها سواء الذين تحملوا عبء الريادة الأولى، أو الأجيال التالية
لهم التي تحملت عبء التواصل والتطور، علينا أن نكرمهم ونعرف الأجيال
بتاريخهم ومشوارهم ومسيرتهم السينمائية والفنية الحافلة، ليس فقط لأنهم
«صناع السينما المصرية» ومبدعوها عبر مراحل تطورها، ولكن لأنهم مع مرور
الزمن أصبحوا رموزاً لزمن وعصر من الفن الجميل، كان عصراً مفعماً بالهدوء
والجمال والرومانسية والمشاعر الصافية والإبداع الصادق والإخلاص الكامل
للفن وللسينما، عصر نفتقده جميعاً ونتمنى عودته.
ربما في تاريخ السينما المصرية كله لا توجد قصة حياة فنان أو نجم من
فنانيها ونجومها بها كل هذا الكم من الدراما والصعود والهبوط ما بين قمة
الفقر وقمة الثراء، قمة النجاح وقمة المأساة، أكثر من قصة حياة نجم السينما
المصرية وفنانها الكبير - أنور وجدي - كانسان وفنان، التي لو قدمت قصة
حياته - بكامل تفاصيلها - على الشاشة في فيلم سينمائي لانزعجنا جميعاً
وقلنا: ما كل هذه المبالغات واللامعقول؟!، لكنها حقيقة وواقع حياة هذا
النجم الكبير التي تصلح بالفعل لملحمة درامية ثرية بالمحطات والمنعطفات
والمفارقات المتناقضة.
لم يولد أنور وجدي «وفي فمه ملعقة من ذهب» فهو لم يكن ابناً لعائلة
أرستقراطية أو ثرية يمكنه أن يشق طريقه في الحياة بأموالها وجاهها، بل ولد
لأسرة وعائلة فقيرة وعانى الفقر والحرمان الشديد في طفولته وصباه وشبابه
المبكر، لكنه ورغم هذه الظروف القاسية كان يملك سلاح الارادة والتحدي
والصبر والعزيمة، وقبل هذا كله كان يملك بداخله موهبته الفنية الاستثنائية.
هذه الأسلحة هي التي جعلت أنور وجدي يصعد من أول درجة السلم ليصل الى
قمة المجد والنجومية، وأصبح نجم السينما المصرية الأول ومن كبار صناعها منذ
بداية الأربعينيات وحتى رحيله في منتصف الخمسينيات، كان يكتب وينتج ويخرج
العديد من أفلامه التي كان نجمها وبطلها الأول كما أنتج وأخرج وكتب أفلاماً
لنجوم آخرين، وعندما وصل الى قمة النجومية والعطاء، جاء القدر ليأخذ منه
مثلما أعطاه، فقد أصابه المرض بشكل مفاجئ وتدهورت صحته سريعاً ليرحل هذا
النجم الكبير وهو في أوج مجده وتألقه، وتصاب السينما المصرية بالحزن العميق
على هذا الرحيل المبكر جداً لواحد من أهم وأكبر فرسانها الذي قدم في رحلته
السينمائية القصيرة ما يقرب من «70» فيلماً كان بها كل ألوان وفنون السينما
قدمها بمنتهى الموهبة وقمة البراعة، سطر بها اسمه بحروف من نور في تاريخ
السينما المصرية كواحد من أهم وأكبر صناعها.
ولد «محمد أنور وجدي» وهذا هو اسمه كاملاً - قبل أن يصبح «أنور وجدي»
عندما بدأ مشواره الفني - في 11 أكتوبر سنة 1904 لأسرة تنتمي للطبقة دون
المتوسطة أو الطبقة الفقيرة وتتكون من الأب والأم «وثلاث شقيقات» وينتمي
الأب الى أصول شامية وبالتحديد في مدينة «حلب» شمال سورية، وتقول بعض
المصادر انه كان يعمل بائعاً متجولاً للقماش أو تاجراً للأقمشة ثم بارت
تجارته ما جعله يتعرض للافلاس وتعاني أسرته الفقر، أما أنور فقد أحس
بموهبته الفنية في سن مبكرة وهذا ما جعله يترك الدراسة بعد أن أخذ قسطاً
معقولاً من التعليم لكي يتفرغ للفن وأيضاً لأن ظروف أسرته لم تكن تساعد على
الاستمرار في الدراسة وعمل في العديد من المهن ولم يكن منتظماً في العمل
بسبب عمله كهاوٍ في العديد من الفرق الفنية الصغيرة، وطرده أبيه من المنزل
عندما علم بأنه يريد أن يكون ممثلاً، وعاش أنور سنوات في شبابه الأول
متجولاً بين العديد من الفرق الفنية الصغيرة وكان يعاني من شطف العيش وقلة
الدخل المادي.
وجاءت النقلة الفنية المهمة في حياته عندما التحق عام 1927 بفرقة
«رمسيس» المسرحية التي أنشأها يوسف وهبي، ورغم أن عمله في بداية التحاقه
بالفرقة لم يكن يزيد على «عامل اكسسوار» بسيط كل مهمته أن يتأكد من وجود
قطع الاكسسوار في مكانها الصحيح على خشبة المسرح، الا أنه كان سعيداً جداً
بهذا العمل لأنه اعتبره الوسيلة التي جعلته داخل عالم الفن وفي واحدة من
أهم الفرق الفنية في مصر وقتها وكان سلاح الارادة وثقته بموهبته في داخله
هو الذي جعله ينتظر الفرصة ولم يتعجل أو يكل ويمل، ولم ينتظر كثيراً فسرعان
ما لفت أنظار يوسف وهبي بحركته واجتهاده وملامحه الوسيمة، فأعطاه الفرصة
ليصعد على خشبة المسرح لأول مرة كممثل وكان هذا أثناء احدى جولات الفرقة في
أميركا اللاتينية.
لم يدع أنور وجدي هذه الفرصة الذهبية تفلت منه فسرعان ما أظهر موهبته
كممثل واعد يملك الحضور على المسرح بالاضافة الى موهبة وقدرة غير عادية على
الأداء وهو ما جعل يوسف وهبي يعتمده كممثل بالفرقة وودع أنور وظيفة عامل
الاكسسوار الى الأبد وواصل الصعود كممثل وبدأ بأدوار صغيرة ثم بدأ يأخذ
أدواراً أكبر في مسرحيات فرقة رمسيس ومع الوقت بدأ يوسف وهبي يزداد
اقتناعاً بموهبته، وهذا الاقتناع هو السبب الأساسي في حصول أنور وجدي على
الفرصة السينمائية الأولى في حياته والتي تعد بمثابة درجة السلم الأولى في
مشوار نجوميته.
كانت السينما في بداياتها الأولى واختار يوسف وهبي الممثل الشاب في
فرقته المسرحية أنور وجدي لينضم الى قائمة الممثلين الذين سيقدمون أول فيلم
سينمائي مصري ناطق وكان فيلم «أولاد الذوات» 1932 والذي قام ببطولته يوسف
وهبي في أول بطولة سينمائية له وأول فيمل له في السينما ومعه بطلة فرقته
أمينة رزق لتشاركه بطولة الفيلم الذي أخرجه المخرج اللامع محمد كريم،
ومشاركة أنور وجدي في هذا الفيلم تعكس ارتباط هذا الفتى الموهوب الطموح
بتاريخ السينما المصرية منذ بداياتها الأولى، وعندما أثبت أنور موهبة
وحضوراً لافتاً أمام كاميرات السينما رشحه يوسف وهبي أيضاً للمشاركة في
فيلمه الثاني «الدفاع» 1935 الذي كتبه وأنتجه وأخرجه وقام ببطولته يوسف
وهبي أمام أمينة رزق أيضاً، لكن الفيلم لم يحقق النجاح المنتظر ولا
الايرادات المتوقعة وأدى هذا الى بعض المشاكل المالية ليوسف وهبي كمنتج
وأثر على أعمال فرقته المسرحية وهذا ما جعل أنور وجدي يترك الفرقة لينضم
الى «الفرقة القومية للمسرح» التي كانت حديثة النشأة والتأسيس وقتها عام
1935، ولم ينسجم أنور وجدي كثيراً مع عروض الفرقة القومية لأنها كانت تقدم
أعمالاً مترجمة من كلاسيكيات المسرح الغربي وكانت تقدمها باللغة الفصحى ما
جعل الجمهور عازفاً عن عروضها، هنا وجد أنور بعد مشاركته لعدد من العروض
التي لم تكن تحقق النجاح الجماهيري أن السينما هي المجال الفني الأكثر
موائمة لموهبته والأكثر انسجاماً مع طموحه لشعبيتها وقدرتها على الوصول
لقطاعات عريضة من الجمهور.
واتجه أنور الى السينما وقرر ترك المسرح نهائياً، وكان مستنداً في ذلك
على تجربتيه مع يوسف وهبي في فيلمي «أولاد الذوات» و«الدفاع»، فرشحه المنتج
والمخرج أحمد سالم ليشارك في فيلم «أجنحة الصحراء» 1938 الذي أخرجه أحمد
سالم وقامت ببطولته راقية ابراهيم أمام حسين صدقي، ويثبت أنور أنه موهبة
سينمائية حقيقية وتتوالى أفلامه فيقدم في عام 1939 أربعة أفلام دفعة واحدة،
الفيلم الأول «خلف الحبايب» مع المخرج فؤاد الجزايرلي، والثاني «الدكتور»
مع المخرج نيازي مصطفى، والثالث «بياعة التفاح» مع المخرج حسين فوزي، أما
فيلمه الرابع فكان واحداً من أهم أفلام السينما المصرية وواحداً من
كلاسيكياتها الشهيرة وهو فيلم «العزيمة» الذي أخرجه المخرج الكبير كمال
سليم وقامت ببطولته فاطمة رشدي أمام حسين صدقي واعتبر نقاد السينما
وباحثيها هذا الفيلم بداية لأفلام الواقعية في السينما المصرية وحصل مخرجه
كمال سليم على لقب رائد السينما الواقعية في مصر، وحقق الفيلم نجاحاً
ساحقاً - لم يكن منتظراً - وقتها حيث كان الفيلم نوعية مختلفة تماماً عن
الأفلام السائدة والتي كانت تقدم وقتها.
واعتبر أنور وجدي أن مشاركته في بطولة هذا الفيلم هي بدايته الحقيقية
في السينما، وأن القدر اختاره للمشاركة في بطولة هذا الفيلم الناجح والذي
يعد علامة من علامات السينما، لكي يكون نجماً سينمائياً مقبلاً وبقوة ويكون
صاحب تاريخ هائل في هذه السينما، هكذا كان يشعر أنور وجدي ويقول لنفسه، وأن
عليه أن يستغل هذه الفرصة الذي ساقها له القدر والتي قد لا تتكرر كثيراً.
وبالفعل بعد هذا الفيلم ومع بداية حقبة الأربعينيات أصبح أنور وجدي
نمطاً سينمائياً مطلوباً بشدة في تلك الفترة، حيث استغل منتجي السينما
ومخرجيها ملامحه الناعمة ووسامته في تقديم أدوار «ابن الباشوات» الثري
المستهتر الذي يكون رمزاً للشر، وكانت غالبية الأفلام في تلك الفترة تدور
أحداثها حول الصراع بين الخير والشر والصراع بين ميول القلب والعاطفة
والانتماء الطبقي وكان أنور وجدي مقنعاً أكثر مما توقع الجميع في هذه
الأدوار فشارك فيما يزيد عن «20» فيلماً من هذه النوعية في السنوات الخمس
الأولى من الأربعينيات، ومن أشهر وأهم هذه الأفلام: «شهداء الغرام» 1944 مع
المخرج كمال سليم، «انتصار الشباب» 1941 مع المخرج أحمد بدر خان، «الورثة»
1940 من بطولة واخراج استيفان روستي، «ليلى بنت الريف» 1941 من اخراج توجو
مزراحي، «ليلى في الظلام» 1944، «قلب امرأة» 1940 والفيلمان لتوجو مزراحي
أيضاً، «الحياة كفاح» و«بين نارين» والفيلمان من اخراج جمال مدكور عام
1945، «أحب الغلط» 1942 مع المخرج حسين فوزي، «القلب له واحد» 1945 مع
بركات، «تحيا الستات» 1943 مع توجو مزراحي، «مصنع الزوجات» 1941 مع المخرج
نيازي مصطفى.
ومن أفلامه المهمة الأخرى خلال النصف الأول من الأربعينيات نرى
أفلاماً مثل: «قضية اليوم» 1943 و»ليلة الجمعة» 1945 والفيلمان للمخرج كمال
سليم، ومع المخرج أحمد بدر خان قدم ثلاثة أفلام هي: «حياة الظلام» 1940،
«من الجاني» 1944، «كدب في كدب» 1944 مع المخرج توجو مزراحي، «غرام
وانتقام» 1944 بطولة واخراج يوسف وهبي، «ليلة حظ» 1945 مع المخرج عبدالفتاح
حسن، «رجاء» 1945 مع المخرج عمر جميعي، «أحب البلدي» 1945 مع المخرج حسين
فوزي، «مدينة الغجر» 1945 للمخرج محمد عبد الجواد.
ومن خلال هذه الأفلام تلاحظ أنه تعاون مع المخرج الكبير كمال سليم في
4 أفلام ومن خلال هذا الارتباط بين أنور وجدي وهذا المخرج والمنتج الكبير
تأثر أنور كثيراً بهذا الارتباط وهذه العلاقة في مشواره السينمائي فيما بعد
عندما أصبح يكتب وينتج ويخرج معظم أفلامه وكان كمال سليم يفعل ذلك مع
استثناء واحد وهو أنه لم يكن ممثلاً ولم يقف أمام الكاميرا كبطل لأفلامه
التي أخرجها كما أن أسلوبه كمخرج ومنتج ومؤلف لمعظم أفلامه كان له تأثير
كبير في فهم أنور وجدي لأبعاد العملية السينمائية ولحرفية السينما نفسها.
ونتوقف هنا لنعرج الى جانب شخصي مهم في حياة أنور وجدي وهو الجانب
المتعلق بقصة حبه وغرامه بـ«ليلى فوزي» والتي تزوجها فيما بعد في مرحلة
لاحقة من حياته، تقابل أنور مع ليلى في فيلمين، الأول «مصنع الزوجات» 1941،
والثاني «تحيا الستات» 1943 الا أنهما خلال هذين الفيلمين لم يلتقيا أثناء
تصوير وتنفيذ الفيلم لعدم وجود مشاهد عديدة تجمعهما معاً، وكانت لقاءاتهما
عابرة لكن في الفيلم الثالث «من الجاني» 1944 تقابلا كثيراً، حيث كانت هناك
مشاهد عديدة تجمعهما وبدأ أنور يشعر بانجذاب هائل ناحية ليلى فوزي صاحبة
الجمال الأرستقراطي المبهر والعينين الساحرتين ولم يكن يستطيع أن يصارحها
بما يجول في قلبه من مشاعر ناحيتها لأن ليلى كان والدها لا يفارقها أثناء
التصوير، ولم تفهم ليلى نظرات العشق والغرام التي كان أنور يوجهها لها دون
أن يصرح بشكل مباشر، ولم ينتظر أنور طويلاً فلجأ الى حيلة ليلتقي بها، حيث
طلب من أحد أصدقائه أن يتصل بوالدها على تليفون الاستديو وعندما خرج والد
ليلى اندفع أنور ناحيتها ليخبرها بمشاعره وعندما تأكد أنها غير مرتبطة
عاطفياً ذهب الى منزلها ليخطبها من والدها، لكن المشكلة أن أنور كان
معروفاً عنه في ذلك الوقت أنه «دنجوان» وكثير العلاقات النسائية فما كان من
والدها الا أن رفض بشدة الموافقة على هذا الزواج وأخبر أنور بغلظة أنه يعرف
الكثير عن علاقاته النسائية وأنه لا يمكن أن يزوج ابنته الصغيرة في السن
والخبرة لرجل هذا هو سلوكه وأسلوبه في الحياة، وحاول أنور اقناعه والتعهد
أمامه بأن سيثبت له أنه سيصون ليلى ويرعاها جيداً لكن الأب أصر على موقفه،
وكانت هذه هي النهاية المؤقتة لقصة حبه وغرامه بليلى فوزي التي تزوجت بعد
هذا الرفض من جانب والدها بالفنان عزيز عثمان وتزوج هو بعد عام واحد من
ليلى مراد وهذا ما سنصل اليه لاحقاً.
ونأتي الآن الى واحد من أهم النقلات والمحطات المهمة في المسيرة
السينمائية لهذا المبدع الكبير، في عام 1945 ورغم ما قدمه أنور خلال هذا
العام من أفلام ناجحة الا أنه ولأول مرة كتب سيناريو فيلم «ليلى بنت
الفقراء» وتصدى لانتاجه أيضاً ورشح لبطولته ليلى مراد وكانت نجمة السينما
المصرية الأولى ونجمة الشباك رقم واحد في تلك الفترة، ورشح أيضاً المخرج
كمال سليم الذي كان أنور يعتبره بمثابة أستاذه لاخراج الفيلم، ووافق كمال
سليم ورحبت ليلى مراد وبدأت جلسات العمل للتحضير للفيلم، لكن أثناء ذلك
يتوفى المخرج كمال سليم ويرحل عن الدنيا بشكل مفاجئ، ويصاب أنور بحالة من
الحزن الشديد على وفاة هذا المخرج الكبير وباصرار يقرر أن يستمر في انتاج
الفيلم ويقرر أن يقوم هو باخراجه الى جانب البطولة، ويعرض الفيلم ويحقق
نجاحاً هائلاً ويصبح أنور وجدي مطروحاً على الساحة السينمائية ليس فقط كنجم
وممثل وبطل سينمائي بل أيضاً كمؤلف ومنتج ومخرج، والأهم من ذلك أن أنور
خلال تصوير الفيلم قد وقع في غرام ليلى مراد وبادلته هي نفس المشاعر وطلبها
للزواج فوافقت وتم زواجهما بالفعل أثناء تصوير الفيلم ويعلم جمهور السينما
بهذا الزواج فقد ساهم في نجاح الفيلم لأن الجمهور كان يشعر أن ما يراه
أمامه على الشاشة من حب وغرام بين بطلي الفيلم أنور وجدي وليلى مراد هو
حقيقي وليس تمثيل.
بعد النجاح الهائل للفيلم أسس أنور وجدي شركة للانتاج السينمائي وأطلق
عليها اسم «شركة الأفلام المتحدة» وقدم مع زوجته ليلى مراد سلسلة رائعة من
الأفلام حققت نجاحاً كبيراً وقام ببطولتها واخراجها وانتاجها ووصلت الى 8
أفلام كتب القصة والسيناريو والحوار لأغلبها وباستثناء فيلم وحيد هو الذي
أخرجه نيازي مصطفى وبالطبع كان من بينها الأفلام الشهيرة التي حملت اسم
«ليلى» استمراراً لنجاح أول أفلامه كمخرج ومنتج «ليلى بنت الفقراء» وبعد
قدم «ليلى بنت الأغنياء» 1946، «قلبي دليلي» 1946، «عنبر» 1948، «غزل
البنات» 1949، «حبيب الروح» 1951، «بنت الأكابر» 1952، أما الفيلم الوحيد
الذي أخرجه نيازي مصطفى فكان «الهوى والشباب» عام 1947، وهذه الأفلام
جميعها - كما ذكرنا - من بطولة أنور وجدي وليلى مراد والاخراج والانتاج
لأنور وجدي، وقد كتب السيناريو والحوار أيضاً لنصف هذه الأفلام تقريباً.
وهنا لابد أن نشير الى أمرين مهمين، الأول هو التحول الذي أحدثه أنور
وجدي على أدواره وشخصياته في أفلامه بدءاً من فيلم «ليلى بنت الفقراء» أول
فيلم يقوم بكتابته وانتاجه واخراجه، منذ هذا الفيلم قدم أنور نفسه لجمهور
السينما بصورة مغايرة غير التي اعتادوا مشاهدته فيها فبعد أن كان شبه متخصص
في نمط وشخصية الثري ابن الذوات المليء بالشر والانتهازية، أصبح يجسد
أدواراً وشخصيات تقدمه في شخوص ومواقف انسانية خصوصاً صورة الشخص الفقير
الذي يتفاني في أداء واجبه سواء الانساني أو المهني ومن خلال حرصه على هذا
الواجب يصل لقلب حبيبته التي غالباً ما تكون من أسرة ثرية أرستقراطية، كما
تميزت شخوصه السينمائية خلال هذه الفترة أيضاً بالرومانسية والشفافية
والشهامة وهذا ما جعله يظهر أيضاً في صورة المدافع عن الحق الانساني في
الحب والحياة، ونجح أنور وجدي في أن يكسب قلوب جمهور السينما من خلال هذا
التحول الهائل والعكسي في أدواره لذلك فهو منذ منتصف الأربعينيات أصبح
الفتى الأول والنجم الجماهيري الأول في السينما المصري، وأصبحت أفلامه تحقق
ايرادات هائلة وغير مسبوقة، خصوصاً التي جمعته مع زوجته ليلى مراد، وبما أن
معظم هذه الأفلام من تأليفه وانتاجه واخراجه فقد جمع من وراءها ثروة مادية
طائلة عوض بها الفقر والحرمان الذي عاناه في طفولته وشبابه المبكر، أما
الأمر الثاني المهم فهو يتعلق به كمؤلف ومنتج ومخرج، حيث استطاع بذكائه
الفني والانساني أن يدرك أن جمهور السينما في تلك الفترة كان يقبل أكثر على
الأفلام ذات الطابع الغنائي فقدم في معظم أفلامه الغناء والاستعراض ونجح في
ذلك الى حد بعيد لدرجة أن بعض النقاد يرون أنه من رواد السينما الغنائية
والاستعراضية في مصر، وان كان هذا الرأي به بعض المبالغة.
ونعود لنشير الى أفلاماً أخرى مهمة قدمها في النصف الأخير من
الأربعينيات وكانت بعيدة عن مشاركة ليلى مراد في بطولتها ومن هذه الأفلام:
«ليلة العيد» 1949، سيناريو وانتاجه وبطولته واخراج حلمي رفلة، «فاطمة»
1947 وهو الفيلم الشهير لأم كلثوم وأخرجه أحمد بدر خان، «سر أبي» 1946 من
اخراج ولي الدين سامح، «عروسة للايجار» 1946 من اخراج فريد الجندي، «طلاق
سعاد هانم» 1948 من تأليفه وانتاجه واخراجه.
ونأتي الى حقبة الخمسينيات لنرى أن أنور وجدي استمر في تقديم نفس
الشخصية التي أشرنا اليها في كل الأفلام التي قدمها خلال السنوات الأربع في
بداية الخمسينيات «أي الى نهاية مشواره السينمائي» فبالاضافة الى أفلامه مع
ليلى مراد والتي أشرنا اليها قدم خلال هذه الفترة أفلاماً أخرى مهمة نذكر
منها: «المليونير» 1950 من تأليفه وانتاجه والاخراج لحلمي رفلة، «ليلة
الحنة» 1951 من تأليفه وانتاجه واخراجه، «قطر الندى» 1951 من تأليفه
وانتاجه واخراجه، وبالطبع كل هذه الأفلام كانت من بطولته، بالاضافة الى
أفلام أخرى مهمة جميعها بطولته لكنه لم يكن مخرجها مثل: «شباك حبيبي» 1951
مع المخرج عباس كامل، «مسمار حجا» 1952 من تأليفه وانتاجه واخراج عباس
كامل، «النمر» 1952 للمخرج حسين فوزي، «البطل» 1950 من تأليفه وانتاجه
والاخراج لحلمي رفلة، «ريا وسكينة» 1953 من اخراج صلاح أبو سيف، «خطف
مراتي» 1954 للمخرج حسن الصيفي، «أربع بنات وضابط» 1954 من تأليفه وانتاجه
واخراجه، «قلوب الناس» 1954 من اخراج حسن الامام، «الأستاذ شرف» 1954
والاخراج لكامل التلمساني.
ونأتي الآن الى النهاية الميلودرامية في حياة هذا الفنان والنجم
العبقري، ونعرج الى حياته الشخصية لنرى أن زواجه من ليلى مراد قد وصل الى
نهايته بعد 6 سنوات كاملة قضاها كزوجين لم تكن كلها سعادة وهناء كما بدأت
فمع مرور الوقت دبت بينهما الخلافات بسبب الغيرة والعصبية الشديدة من جانب
أنور على زوجته وكثيراً ما كانت الخلافات تصل الى ذروتها ويقع الطلاق لكن
سرعان ما يعودان لاستئناف حياتهما الزوجية وحدث هذا مرتين لكن في المرة
الثالثة وصلت الخلافات الى ذروتها فوقع الطلاق الثالث الذي كان يستحيل معه
الرجوع وانتهت الى الأبد قصة زواجه من ليلى مراد.
وفي العام التالي 1954 عندما التقى أنور وجدي مع ليلى فوزي في فيلم
«خطف مراتي» وهو آخر أفلامه السينمائية في مشواره السينمائي والفني كله
تجددت داخل أنور مشاعر الحب تجاه ليلى فوزي وعرض عليها الزواج للمرة
الثانية بعد أكثر من 13 عاماً عندما طلب منها الزواج ورفضه أبيها، وفي هذه
المرة خافت ليلى من غيرته وعصبيته الشديدة والتي كانت السبب في انفصاله
للأبد عن ليلى مراد، وكانت ليلى خائفة من تكرر تجربة الزواج بعد تجربة
قاسية عاشتها في زواجها الأول من عزيز عثمان وكانت قد تطلقت منه لتوها،
وكانت خائفة أيضاً بسبب علاقاته النسائية المتعددة التي ممكن أن يعود اليها
وكان السبب الرئيس في رفض والدها من قبل لكن أنور طمأنها بأنه تغير وأنها
حبه الأول والأخير وحبيبته التي لم ينسها طوال هذه السنوات فوافقت ليلى وتم
اعلان الخطوبة خلال أيام قليلة.
في هذا الوقت بدأ أنور وجدي يشعر بآلام المرض بشكل أكبر وكان في بداية
الخمسينيات قد بدأ يشعر بأعراض المرض لكنه كان يتناساها لكن مع تعرضه لأزمة
صحية نصحه الأطباء بضرورة السفر الى فرنسا وعرض نفسه على الأطباء هناك وكان
أنور يعاني من مرضاً وراثياً في «الكلى» مات بسببه والده وشقيقاته الثلاث.
وطلب أنور من ليلى أن تسافر معه في رحلة علاجه الى فرنسا، وهو ما حدث
بالفعل وبمجرد وصولهما الى باريس فاجأها أنور باصطحابها الى القنصلية
المصرية حيث تم زواجهما هناك وكان هذا في 6 سبتمبر 1954 واعتبر أنور رحلة
علاجه مع ليلى فوزي الى باريس هي أيضاً رحلة شهر عسل بعد زواجهما ومكثا
هناك 4 أشهر تجولا خلالها في العديد من البلدان الأوروبية، وعادا الى
القاهرة وانتقلت ليلى للاقامة في شقته الفخمة بوسط القاهرة واشترى لها فيلا
في الزمالك وسيارة جديدة من أجل حياتهما الجديدة معاً كزوجين، وكان أنور قد
حقق في مسيرته السينمائية ثروة ضخمة - كما ذكرنا - لكن من سخرية القدر أنه
كان ممنوعاً بأوامر الأطباء عن تناول العديد من الأطعمة وكان يصاب بالحزن
بسبب هذا المنع فعندما كان فقيراً لا يجد ما يأكله كان يمكنه أن يأكل أي
شيء وعندما أصبح يملك المال لم يعد في امكانه أن يأكل ما يشتهيه، لم تمض
فترة طويلة على عودته للقاهرة فسرعان أشهر قليلة عاودته آلام المرض وأصيب
بأزمة صحية شديدة نقل على أثرها الى مستشفى دار الشفاء ولازمته زوجته ليلى
فوزي، وساءت صحته للغاية فنصحه الأطباء بالسفر الى السويد حيث هناك طبيب
اخترع جهازاً جديداً لغسيل «الكلى» وكان الأول من نوعه وبالفعل سافر أنور
مع ليلى الى هناك، لكن ما هي الا أيام قليلة ووقعت المأساة وخرجت روح أنور
الى خالقها ورحل عن الدنيا وكان هذا في يوم 14 مايو 1955 وعادت ليلى فوزي
بمفردها الى القاهرة حزينة وعاشت لسنوات تعاني من الأحزان على رحيل زوجها
التي أحبته.
النهار الكويتية في
23/08/2011 |