الروايات الرسمية التي اعتمدها النقاد والمؤرخون للتأريخ
لولادة السينما في فلسطين، (كما عند: عدنان مدانات، وحسان أبو غنيمة، ووليد
شميط،
وغي هانيبل، وقيس الزبيدي)، ترى أن ذلك تمَّ في العام 1935، عندما قام
«إبراهيم حسن
سرحان»، بتصوير فيلم تسجيلي قصير (مدته 20 دقيقة)، ويُقال إن هذا الفيلم
كان عن
زيارة الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود لفلسطين، وتنقّله بين
مدن فلسطينية عدة، من
أبرزها: القدس ويافا.. ويُذكر أن من رافق الملك سعود، في تلك الرحلة، كان
الحاج
محمد أمين الحسيني نفسه مفتي الديار الفلسطينية، والزعيم الديني الروحي
والسياسي
في فلسطين، خلال سنوات طويلة من القرن العشرين.
ولكن
كيف نشأت هذه الرواية أصلاً؟..
البداية في الكشف عن هذه الرواية تعود
إلى المخرج العراقي «قاسم حَوَل»، الذي كان قد غادر العراق، أواخر ستينيات
القرن
العشرين، للعمل في أبوظبي، فاضطر للحضور إلى بيروت، من سبيل الحصول على
تأشيرة، إذ
لم تكن دولة الإمارات العربية المتحدة قد قامت حينها، وكان لابد من الحصول
على
تأشيرة من قبل البريطانيين!..
وصل المخرج العراقي قاسم حَوَل إلى بيروت،
وهناك كان من مشيئات القدر أن يتعرَّف، عن طريق صديق مشترك، إلى الأديب
غسان
كنفاني، الذي أقنعه بالبقاء في بيروت، وانتهى المطاف بالمخرج قاسم حول أن
عمل في
«سينما
الثورة الفلسطينية»، منذ مطالع سبعينات القرن العشرين، وقدَّم عدة أفلام
تسجيلية قصيرة هامة، منها فيلمه التسجيلي «النهر البارد» عام 1971، و«لماذا
نزرع
الورد؟.. لماذا نحمل السلاح؟..» عام 1973، و«غسان كنفاني/
الكلمة البندقية» عام 1973، و«بيوتنا الصغيرة» 1974، و«لن تسكت البنادق» عام 1974، و«صبرا
وشاتيلا» عام
1984، كما أنجز فيلم «عائد إلى حيفا»، الفيلم الروائي
الطويل الأول، والوحيد، في
«سينما
الثورة الفلسطينية»، عام 1982، لصالح الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، عن
رواية للأديب الشهيد غسان كنفاني، بالعنوان ذاته.
المهم في أمرنا، هنا، أن
المخرج قاسم حَوَل، الذي يمكنني بثقة اعتباره أحد مؤسسي «سينما الثورة
الفلسطينية»،
بما قدَّمه من أفلام متميزة، وما صوَّره من وثائق سينمائية،
وما كتبه من مقالات
ودراسات، انتهى بحثه الدؤوب إلى مفاجأة عظيمة، إذ أعلن بغتة، في العام
1975، عن
اكتشافه وجود أول سينمائي فلسطيني، على قيد الحياة، هو «إبراهيم حسن
سرحان»، ولقد
التقاه فعلاً في مخيم شاتيلا، في بيروت، وأجرى معه حوارات
مطوّلة، وأخذ عنه شهادات
تاريخية، بصدد ولادة السينما الفلسطينية في فلسطين، قبل النكبة، ومنذ
النكبة حتى
تلك اللحظة، واستقى منه الكثير من المعلومات، التي لم تكن قد كُتبت بعد،
ولا
اعتُمدت في سياق واضح، يُعتدُّ به.
سرعان ما انتشرت هذه الرواية، كما النار
في الهشيم، وأثارت الكثير من المشاعر!.. لكن المثير، أن هذه الرواية، التي
لاقت
حفاوةً، حيناً من الزمن، واعتمدها بعض المؤرخين، كما ذكرنا أعلاه، إلا أنها
قُوبلت،
فيما بعد، بتشكِّكات، وبروايات أخرى، تتفق معها في بعض
الأجزاء، وتخالفها في أجزاء،
وتفاصيل، أخرى، مما يدفعنا بدورنا لإثارة الشكوك حول هذه الرواية، وتلك،
على
السواء..!
فمثلاً، عندما يقول إبراهيم حسن سرحان، إن أول شريط سينمائي
فلسطيني صوَّره بنفسه، كان عام 1935، عن زيارة الملك سعود لفلسطين، وأنه
لاحقه في
زيارته تلك، من اللد إلى يافا، ثم إلى تل أبيب، وأن الحاج أمين الحسيني،
كان يؤشِّر
له عما ينبغي تصويره، وأن هذا الفيلم عُرض في موسم «روبين»،
وفي دار سينما «أمير»
في تل أبيب!.. نجد أن سينمائياً فلسطينياً آخر هو «أحمد حلمي الكيلاني»
يؤكد أن هذا
الفيلم حقَّقه «جمال الأصفر»، أما سرحان فكان مساعداً له..!
من ساعد من؟..
هل إبراهيم حسن سرحان؟.. أم جمال الأصفر؟..
وعلى أي رواية يمكن لنا أن نتكئ
ونركن؟..
الروايات تتصادم فيما بينها، وليس ثمة أدنى تحقيق، وسوف نضيع بين
ادّعاءات هذا، وروايات ذاك!.. فسرحان يقول إنه اشترى الكاميرا
من تل أبيب، بخمسين
جنيهاً فلسطينياً، وكانت كاميرا تُدار باليد، وأنه تعلَّم المهنة بنفسه،
حيث كان
يقرأ بمفرده كتباً عن فن التصوير والعدسات وعمليات الطبع والتحميض، وأنه
صنع جهاز
التقطيع/ المونتاج (المافيولا)، وأنشأ معمل التحميض والطبع،
بنفسه..!
وفي
هذا السياق، يروي سرحان أنه أنجز فيلماً بعنوان «أحلام تحققت»، وهو فيلم
قصير (مدته
45
دقيقة)، كان بمثابة دعاية لدار رعاية الأيتام، كما حقق فيلماً عن
«أستديو
فلسطين»، تظهر فيه الراقصتان شمس وقمر، والمطرب الفلسطيني سيد هارون، وأن
هذا
الفيلم عرض في دار سينما «فاروق»، مدة أسبوعين. كما أنجز فيلماً عن «أحمد
حلمي
باشا/ عضو الهيئة العربية العليا»، وهو فيلم قصير عرض في دار
سينما «الحمراء».
ومن الجدير ذكره، وبالعودة إلى ما كتبه المؤرخون، أن سرحان يؤكّد
أنه أسس «استديو فلسطين» عام 1945، وكان يحتوي ماكينة طبع،
وماكينة تحميض،
ومافيولا، صنَّعها جميعها بنفسه، وأن الأمر كلَّف ما قيمته بين 200/ 300
جنيهاً
فلسطينياً، وأن هذا المبلغ أمَّنه من إعلانات نشرها عن الأستوديو، وأنه
تعاون مع
شخص من القدس، لتأسيس «شركة الأفلام العربية»، حيث قدم ذاك
الشخص 2000 ديناراً،
وعبر هذه الشركة بدأ العمل بفيلم عنوانه «في ليلة العيد»، وقد مثَّل فيه كل
من حسن
أبو قبع، وأحمد الصلاح. ولم يكمل سرحان الفيلم، بسبب خلاف مع
المُموِّل..!
وبعد ذلك، أسّس شركة للإعلانات عن البضائع والمحلات التجارية،
بالمشاركة مع الصحفي زهير السقا، الذي كان يملك صحيفة «الحرية»
في يافا، وعبر هذه
الشركة أنجز شريطاً سينمائياً، هو عبارة عن مقدمة قصيرة (جريدة سينمائية)،
كانت
تُعرض قبيل عرض الأفلام، في دور السينما في فلسطين. وكانت تلك المقدمة
تتضمن صوراً
للحاج أمين الحسيني، مترافقة مع العلم الفلسطيني.
ويقول إبراهيم حسن سرحان،
إنه بعد وقوع النكبة عام 1948، ذهب إلى الأردن، حيث قام بإنجاز فيلم روائي
طويل
عنوانه «صراع في جرش»، من إنتاج «شركة أفلام الأردن للتمثيل
والسينما»، عام 1957،
وقد عُرض هذا الفيلم (بعد ممانعات) في دور السينما في الأردن، واعتُبر
بمثابة
الفيلم الأردني الطويل الأول.
ورغم كل هذا التاريخ، الذي تحدَّث عنه، فإن
إبراهيم حسن
سرحان (السينمائي الفلسطيني الأول، على ما يذكر)، انتهى به مطاف النكبة
أولاً، والجهل والتجاهل تالياً، إلى حالة مأساوية، إذ انحدر إلى قاع الحال
الاجتماعي والاقتصادي، فعاش أواخر حياته، في مخيم شاتيلا يعمل
«سمكرياً»، حتى العام 1976، حيث وافته المنية، فقيراً معدماً..!
وبالعودة إلى بدايات السينما في
فلسطين، نجد أنه إضافة إلى الروايات التي قدمها إبراهيم حسن سرحان،
السينمائي
بالفطرة، أو التجربة المحضة، كما يبدو من كلامه، فإن ثمة
روايات أخرى، تتحدث عن دور
أحمد حلمي الكيلاني، وهو السينمائي الفلسطيني المولود عام 1925، في مدينة
يافا،
والذي درس السينما في القاهرة، وتخرج عام 1945، من معهد السينما بمصر،
ليُعدَّ بذلك
أحد السينمائيين الفلسطينيين الأوائل، الذين درسوا السينما أكاديمياً.
أي
أنه في مواجهة الروايات التي قدمها إبراهيم حسن سرحان، سنجد
استدراكات واعتراضات
على الكثير من تفاصيلها، فبصدد أول فيلم قال سرحان إنه أنجزه، يقول أحمد
حلمي
الكيلاني إن من أنجزه هو جمال الأصفر، بكاميرا «آرغان»، وأن سرحان كان
مساعداً له،
ليس إلا..!
كذلك الأمر بشأن فيلم «أحلام تحققت»، إذ يقول الكيلاني إن من
أنجزه هو خميس شبلاق، السينمائي الفلسطيني (من يافا)، عام
1940، وإن من صوَّره كان
مصوراً يهودياً اسمه ناثان (أو أغارادي). ولأسباب ما (لعلها ديانة
المصوِّر)، لم
يتمّ ذكره!.. وكان إبراهيم حسن سرحان مساعداً في العمل.
كما
يذكر أن من صنع الآلات في «أستوديو فلسطين» هو جمال الأصفر، وأن فيلم «ليلة
العيد»
إنما صوَّره أحمد حلمي الكيلاني، وأن من أخرجه هو جمال الأصفر، وأن الفيلم
لم يتمّ.
وبذلك يكون أول فيلم فلسطيني روائي، هو
الفيلم الذي حقّقه المخرج صلاح الدين
بدرخان، عام 1946، وكان بعنوان «حلم ليلة»، الذي يقال إنه عُرض
في كل من القدس
ويافا وعمّان، قبل أن يجد طريقه إلى العرض في القاهرة.
ولكن ثمة من ذكر أن
المخرج صلاح الدين بدرخان، هو من أصل مصري، وأن مصوِّر الفيلم هو يهودي
اسمه
«ناثان»،
ولقد عُرض الفيلم في مصر عام 1948، لنعود إلى الارتباك ذاته في
الروايات!.. إذ يبدو أن إبراهيم حسن سرحان، لم يكن له إلا دور المساعد، أو
المصور،
بينما كان لجمال الأصفر وخميس شبلاق الدور السينمائي الحقيقي..!
ولما كنا لا
نملك القدرة على إثبات هذه الرواية، أو نفي تلك، فإننا نترك الأمر مفتوحاً
على
أسئلة لا نملك أجوبتها الجازمة، راهناً.
ومن جهته، يُذكر أن السينمائي
الفلسطيني محمد صالح الكيالي، كان قد سافر إلى إيطاليا، ودرس الإخراج، بعد
أن كان
قد أسّس أستديو للتصوير الفوتوغرافي، في يافا عام 1940، أي في الفترة ما
قبل
النكبة، وبالموازاة مع الفترة ذاتها التي تحدث عنها إبراهيم
حسن
سرحان.
وتُورد الروايات أن محمد صالح الكيالي عاد إلى فلسطين بعد أن
أنهى دراسته السينمائية الأكاديمية في إيطاليا، ليتعاون مع المكتب العربي
في جامعة
الدول العربية، الذي كلّفه حينذاك بإخراج فيلم عن القضية الفلسطينية، غير
أن هذا
الفيلم لم يُنجز!.. ومن المعروف أن الجامعة العربية كانت
أُسِّست في مؤتمر «أنشاص»
في العام 1945، بما يرجِّح أن تكليفه بالعمل على ذاك الفيلم لابد أن يكون
قد حصل
قبل العام 1948.
باختصار، يمكننا القول إن ما بين أيدينا عن ولادة السينما
العربية في فلسطين، قبل العام 1948، هو مجموعة روايات متضاربة، على الأقل
من ناحية
الفلسطينيين أنفسهم، وفيما بينهم، خاصة دون توفر وثائق صريحة، وحاسمة، فلا
الأفلام
موجودة، ولا ثمة كتابات واضحة عنها، ولعل فيما حدث لفلسطين من نكبة،
المُبرِّر في
عدم وجود هذه الوثائق، وفي ضياعها، فضلاً عن الدور الذي لعبه
الانتداب البريطاني،
قبل النكبة، والاحتلال الصهيوني، منذ ذلك الحين.
الجزيرة الوثائقية في
21/08/2011
هوليوود تطلق صعودا جديدا لـ"كوكب القردة"
سميّة متيش
"صعود
كوكب القردة"، هو أحد الأفلام
الجديدة التي ازدانت بها باقة الأفلام الهوليووديّة في الموسم الصيفي،
والمستقاة من
مجموعة أفلام سينمائيّة كثيرة أنتجت فيما مضى بتصوّرات ورؤى مختلفة عن
"كوكب
القردة" منذ العام 1968 مع "فرنكلين تشافنر"، مرورًا بـ "جاك
لي تومسون" سنة 1972..
واليوم وبعد مرور أكثر من أربعة عقود ها هو "روبيرت ويات" يُطلق صعودًا
جديدًا لـ "كوكب
القردة" والمقتبس من الرواية الفرنسيّة لـ/ بيار بولي، والذي تنسج مخيّلته
الروائيّة تفاصيل قصة حيكت أحداثها في المختبرات العلميّة المتطوّرة، أين
أجرى فريق
من العلماء البيولوجيين تجربة علميّة، سعيا منهم لمحاولة إيجاد علاج لـ
"مرض
الزهايمر" وذلك عن طريق التلاعب بعلم الجينات؛ بحيث اختيرت
القردة لتكون محلا
للتجربة، إذ حقنت بعقارات معدلة جينيّا، لتتم مراقبتها، ومتابعة نتائج
التجربة
العلميّة الجينيّة، ومدى تأثيرها على معدّل ذكاء القردة.
لتنجح التجربة العلميّة التي
قام بها الفريق العلمي، ويحققوا من خلالها قفزة في مجال علم الأحياء
والجينات، إلا
أنّ نجاح كان كبيرا، وفظيعا أيضا، إذ أغفل فريق العلماء
المخبريين الآثار الجانبيّة
التي يُحتمل أن تترتب عن العقارات الجينيّة، إذ انجرّت عنه إنعكاسات
كارثيّة لم
يتوّقعها عالم الجينات، بحيث تمكنت تلك القردة من الهروب من المختبر، بفعل
ذكائها
المكتسب من العقارات المعدلة التي تلقتها والتي أثرت جليّا على
نشاطها الدماغي،
وخلاياها العصبيّة، لتشكل خطرا مروّعا على سكان مدينة "سان فرانسيسكو"
الأمريكيّة،
والتي أعلنت حالة الطوارئ، فباشرت قوّات الأمن مهامها وسط المدينة، معلنة
معركة
شعارها "إحتواء القردة المتطوّرة".
وأحد هذه القردة "سيزار"، والذي يعدّ أول
قرد من نوع "شمبانزي" ظهرت عليه ملامح ذكاء ملحوظ بعد تلقيه للعقار، إلا
أنّه سخر
كل ذكائه المكتسب في معركة لمحاربة محيطه ككلّ، نظرا لتعرّضه للخيانة من
قبل أولئك
العلماء المحيطين به، والذي كان يُكنّ لهم ثقة كبيرة.
لا يخل فيلم "صعود
كوكب القردة" من القوّة الدراميّة والعاطفيّة، كما تتميّز مشاهده بحبكة
وتسلسل
يُقحم المشاهد في قلب الأحداث التي جسّد بطولتها كلّ من: "جيمس فرانكو"،
و"فريدا
بينيتو".
وإن كان فيلم "روبيرت ويات" يوضع
في خانة أفلام الخيال العلمي، إلا أنه انفرد بقوّة الطرح الفلسفي، والطبيعة
المذهلة
في تصوير المشاهد، التي تماشت وموضوع الفيلم، الذي ارتقى لا محالة بمستوى
أفلام
الخيال العلمي، وسجل نقلة نوعيّة في الطرح والتصوير، التمثيل
والإخراج؛ على الرغم
من استهلاك السينما الهوليووديّة عديد المرّات للموضوع ذاته، المستقى من
احد
الروائع الأدبية للرواية الفرنسيّة.
هذا وقد شرعت قاعات السينما الأمريكيّة
والأوروبيّة في عرض "صعود كوكب القردة" منذ العاشر من آب/ أغسطس الجاري.
الجزيرة الوثائقية في
21/08/2011
أفلام حرب العراق الهوليوودية
خليل
حنون
ظهر مصطلح أفلام حرب العراق عام 2005 مع فيلم
Jarhead
للمخرج سام منديز، وهو
يطلق على كل فيلم يتناول حرب العراق وآثارها الجانبية المباشرة وغير
المباشرة. وبلغ
الإنتاج الهوليوودي لهذا النوع إلى اليوم حوالي ثمانية عشر فيلماً. وهذا
المصطلح لا
يدخل فيه أفلام الحرب على الإرهاب والصراعات في الشرق الأوسط
(مثل Body of lies, traitor
وغيرها) أو أفلام الحرب في أفغانستان (مثل
Brothers ).
جرت عادة هوليوود
أن تنتج أفلام كل حرب خاضتها الولايات المتحدة بعد إنتهائها، مثل ما جرى مع
أفلام
الحرب العالمية الثانية وحرب كوريا وفيتنام، أما هنا مع حرب العراق فكان
الإستثناء
لهذه العادة.
حملت أفلام الحرب العالمية الثانية نكهة البطولات والانتصارات لكن
هذه النكهة تلونت بالخيبة والمشاكل النفسية والتساؤلات مع
أفلام حرب فيتنام. وطغت
لاحقاً على مواضيع أفلام العراق.
ما الذي دفع بهوليوود إلى الإسراع بإنتاج أفلام
عن حرب عمرها عامين وأفقها غير واضح أبداً؟
بعض المنتجين أرجع الأمر إلى حاجة
أو حشرية لدى المشاهد الأميركي ليرى أكثر. فالتغطية الصحفية للحرب في
العراق اختلفت
جذريا عن التغطية في حرب فيتنام. وأصبحت أكثر إلتصاقاً بالحدث وبشكل يومي
لا وبل
بشكل آني. وقد أنتجت هذه الحرب رغم عمرها القصير الكثير من
القصص والحكايات التي
بحاجة لأن تروى ويلقى الضوء عليها بشكل أوضح، خاصة أن السياسة الإعلامية
للمؤسسات
الصحفية متلازمة نوعاً ما مع السياسة الأميركية. وهي تتعمد في الكثير من
الأحيان في
إبراز القسم الممتلئ من الكوب.
عامل آخر ساعد هو الإقبال الجماهيري الجيد على فيلم
Jarhead
وهو فيلم عن حرب
الخليج جرى الترويج له على أنه فيلم عن "حرب العراق"، وهنا تكمن مفارقة حيث
أن
الأفلام التي أنتجت مؤخراً عن حرب العراق حاول المنتجون الترويج لها على
أنها أفلام
بمواضيع أخرى. مثل فيلم "In the Valley of Elah"
الذي تم تسويقه على أنه فيلم
تحقيق في جريمة. وفيلم "Green zone"
روّج على أنه فيلم حركة وجاسوسية على نسق أفلام
بورن Bourne .
وكل ذلك لأن الجمهور الاميركي ثبت أن لديه نفوراً من مواضيع حرب
العراق. وتبين أيضاً أن التغطية الإعلامية عرضت ما يكفي وجعلت
الحرب بأسرها غير
مثيرة. فكان حظ معظم هذه الأفلام الفشل على شباك التذاكر الأميركي.
فالمشاهد
الأميركي يريد الهروب من أزماته الاقتصادية والسياسية ولا يريد رؤية صورته
إلا
كمنقذ لهذا العالم وبطله الأول. وفيلم مثل redacted
للمخرج برايان دي بالما والذي
يروي حادثة إغتصاب فتاة وقتل أهلها على يد جنود أميركيين. هذا الفيلم
بالطبع لن
يجذب أي مشاهد أميركي إذ سيشعره بالخجل والعار. وبالفعل الفيلم حقق فشلاً
ذريعا على
شباك التذاكر الأميركي وجلب 60 ألف دولار فقط رغم الاستقبال
النقدي الجيد له، واتهم
دي بالما من قبل اليمين الأميركي المحافظ بأنه خائن لبلده وتجدر محاكمته،
ودي بالما
حقق سابقا فيلما عن اغتصاب فتاة فيتنامية من قبل جنود أميركينن يدعى
casualties of war
كان له حظ أفضل مع المشاهد الاميركي.
أفلام حرب العراق هي أفلام محبطة
للمشاهد الاميركي وتريه عورة سياسات بلده وتكشف له الجانب القاسي
واللاإنساني من
الحرب. كما تريه امتداد أثرها إلى الداخل البعيد عن أرض المعركة أي إلى
المجتمع من
خلال عودة الجنود وتفجر أزماتهم النفسية أو التغيير الدرامي
الذي يتركه مقتل أحد
هؤلاء الجنود على أهله وأقربائه.
السؤال الذي يكثر طرحه حالياً، هل تخلّت
هوليوود عن أفلام حرب العراق ولن تعود إلى إنتاجها وندمت على هذا التسرع؟ .
الآن ليس هناك من فيلم ينتج عن هذه الحرب. أو يجري التحضير له. فشركات
الانتاج الكبرى في هوليوود يبدو أنها تعلمت درساً، وتصرفاتها
تنبيء عن نفور من هذه
المواضيع. لكن من جهة أخرى إن نجاح ثلاثة أفلام عن حرب العراق بالوصول إلى
ترشيحات
الأوسكار (In the loop, Hurt locker, the messenger)
لا وبل بفوز أحدها ب ست جوائز
منها أفضل فيلم وأفضل مخرج وهو Hurt locker
هذا الأمر مع أنه نجاح فني وليس
جماهيري، إلا أنه سيؤثر بالتأكيد على عملية إنتاج أفلام عن هذه الحرب
الدائرة، ولكن
من زوايا جديدة ومختلفة تبتعد عن الخطاب السياسي والوعظي المباشر. وربما
يراد لها
أن تكون أكثر قربا من عيني الجندي الأميركي في أرض المعركة
تنقل يومياته المثقلة
بالموت والترقب على غرار فيلمي
Jarhead
و hurt locker .
فالأول نجح جماهيرياً،
والثاني حصد الكثير من الجوائز واختارته أكاديمية الفنون لأوسكار هذا العام
باعتباره أفضل من تحدث حرب العراق أميركياً. أو بالأحرى النموذج الذي يجب
أن
يحتذى.
الجزيرة الوثائقية في
21/08/2011 |