رحلة في عالم الحب في السينما العالمية، ترصد أبرز نتاجات الفن السابع التي
توقفت في محطة الحب والرومانسيات العذبة... وهي دعوة للمشاهدة والقراءة...
والاستمتاع.
الحكاية وباختصار شديد، ان الصبية هيلاري تكتشف خيانة صديقها، ولهذا تقرر
ان تبدأ حياة وانطلاقة ومهمة جديدة، حيث تبدأ في العمل كممرضة خاصة لشاب
يعاني من سرطان الدم.. حيث الموت البطيء.. وهنا تقع في الحب.. وهي تعرف
جيداً ان قدرها الجديد وحبها الجديد سيموت.. هكذا هو المحور الأساسي لذلك
الفيلم العاطفي والرومانسي المشبع بالشجن والألم والحسرة.
الفيلم يعتمد على نص واف بالاسم نفسه كتبه مارتي ليابيش، وتصدى لكتابة
السيناريو ريتشارد فريدنبرغ، الذي كتب العديد من التحف السينمائية ومن
بينها «نهر يجري خلاله» 1992، و«ثلج في اغسطس» 2001، و«تعليم الحقائق
الصغيرة» 1997، كما أنجز العديد من الأعمال التلفزيونية.
أما الإخراج فهو لجويل شوماخر، الذي اقترن اسمه بأفلام المغامرات، ويبدو
انه وجد في هذا النص ما يجعله يحقق نقلة رومانسية حيث الكاميرا تنساب
بعذوبة وعفوية، وهي ترصد عذابات الشخصية المحورية، التي جسدتها الرائعة
جوليا روبرتس.
في رصيد شوماخر كم من أفلام المغامرات ومنها «باتمان» و«الرفقة السيئة»
و«شبح الأوبرا» و«كشك الهاتف» وغيرها من الأعمال، التي اعتمدت منهجية
المغامرة.
إلا أنه هنا وفي هذه التجربة يذهب الى التحليل النفسي العميق، ورصد
المتغيرات التي تعيشها الشخصيات ومساحات الألم التي تحاصرها.
ونحن نرحل من خلال حكاية الصبية «هيلاري أونيل» (جوليا روبرتس) التي تذهب
لعلاج ذاتها، بعد الأزمة التي مرت بها، والتي كانت قد دمرت حياتها، وهي
ترصد لحظات الخيانة من قبل صديقها، ولهذا فإنها تذهب إلى الخلاص.. الى حياة
جديدة وأمل جديد.
وتسند إليها مهمة رعاية تمريض الشاب فيكتور جيدس (كامبيل سكوت)، والذي
تأمنت له كل الظروف المادية، إلا أن المرض يلتهمه رغم تلقيه العلاج
الكيماوي.
وتمضي الأيام، لتجد نفسها تتجه بعواطفها وأحاسيسها الى المريض الذي تقوم
برعايته، هي تريد حياة جديدة، وأملاً جديداً، حتى وإن كان الأمل مريضاً،
وهو يرى في عينيها الأمل، حتى وهو يعرف جيداً، بأن عمره في هذه الحياة بات
اياماً قليلة.. وان الموت هو قدره.. بل انه امام معادلة «الموت شابا».
حينما جاءت جوليا روبرتس الى الفيلم، كان في رصيدها عدد من الأعمال ذات
البعد العاطفي، ومنها «امرأة جميلة» و«النوم مع العدو» ولكنها هنا تذهب الى
مساحة أكبر من الألم.. والعاطفة بل هي لجة الألم.. وطغيان العاطفة.
امرأة ترى فيمن تحب شمعة تذوب.. وتذبل.. وتذوي.. وفي طريقها لأن تفقد
وهجها.. والحياة.
انها تريد هكذا نوعية من الأفلام، والمحملة باللوعة والألم، وكأنها تريد ان
تؤكد مقدرتها على تفجير الأحاسيس، وهكذا نوعية من المشاعر الفياضة.
وقد يتصور البعض انها مهمة سهلة، ولكنها في حقيقة الأمر، وفي الدراما
السينمائية، تبدو مثل تلك الشخصيات غاية في الصعبة، لأن الأداء يأتي من
القلب.. ويتطلب حالة من (الجهوزية) العالية، خصوصاً، إذا ما عرفنا ان
الفيلم يصور على مدى ستة أسابيع كمعدل، وهذا يعني ستة أسابيع من الألم..
والعزف على أوتار الأحاسيس، والعمل على تفجير الألم الذاتي ليكون هو الرصيد
الذي يصل الى الجمهور.
هي تعلم أن الموت قدر رجلها الجديد، وهي تعلم بأن هذا الموت لا مفر منه،
فلماذا لا تحول رحلة الموت الى رحلة سعيدة، بدلاً من ايقاع الألم والحزن..
وهذا أهم ما نكتشفه في تلك الشخصية، التي تسخر كل أحاسيسها في ان تمنح تلك
الشخصية التي أمامها، الأمل.. والفرح.. والسعادة.
رغم أن الموت هو المحطة الأخيرة.
لهذا نظل كمشاهدين نشاطرها حزنها... والمها... حتى ونحن نعرف ان الموت
قادم، فالعنوان هو «الموت شابا» وهذا يعني اننا نذهب الى الفيلم والى
الصالة، ونحن نعرف جيدا اننا امام كم من اللحظات التي تدعونا لان نذرف
الدمع، ولعلي أتذكر المرة الأولى التي شاهدت بها الفيلم عام 1991، وكان ذلك
في مهرجان لوكارنو السينمائي الدولي «سويسرا» ويومها كانت الى جواري امرأة
ايطالية راحت تبكي بحرقة... تلغي مقولة بان المرأة الاوروبية خالية من
الدموع...
حكاية هيلاري وفيكتور، هي حكاية الألم... والحب... سيناريو كتب بعناية،
يذهب بنا الى مساحات بداخلنا قد لا نعرفها، فكشف عن قدرات نجوم كبار، تأتي
في مقدمتهم جوليا روبرتز، التي تكشف بان جمال الاحاسيس التي تمتلكها يتجاوز
جمالها الظاهري.. من ملامح... وجسد.
ممثلة عالية القدرات فمن امرأة جميلة 1990، وهي تحصد النجاحات وفي رصيدها
عدد هام من الاعمال التي رشحت حضورها كواحدة من أهم نجمات هوليوود، حتى نصل
الى فيلم «ايرين بروكوفيتش» والذي نالت عنه أوسكار أفضل ممثلة، وهي تسخر جل
طاقتها في هذه المرحلة من مشوارها حاليا للمسرح... وقليل من السينما
الجادة.
اما كامبيل سكوت والذي يمثل هذا الفيلم بالنسبة له نقلة كبرى، حيث راح يؤكد
مقدرته كممثل يختار بعناية وبدقة متناهية، ومن يشاهد عدداً من نتاجاته يعرف
حقيقة موهبته، بالذات سنكلز 1992، و«السجين الاسباني 1997»، وغيرها من
الاعمال.. وهو يعمل بالاضافة الى التمثيل في مجالات الانتاج والافراج معهم
في الفيلم مانستت دواورفو.
ومن أجل زيادة شحنة الاحاسيس العاطفية، يؤمن المخرج شوماخرو كماً من
المعطيات، اولها القطع الموسيقية الاصلية التي أبدعها الموسيقار جيمس ينوتن
هيوارد، والذي صاغ قصيدة موسيقية، تجعلنا نغرق في الحزن... عبر موسيقى تذهب
الى التحليل.. والعزف على شغاف القلب.
وايضا هنالك مدير التصوير، خوان رويز انشيا، الذي يؤكد تجربة بعد أخرى، ان
للكاميرا عيناً هي أقرب من عين المشاهد... تحس الاشياء، وتتفاعل معها.
في «الموت شابا» مساحة أكبر من الفلسفة، في التعامل مع «الموت» عبر لغة
سينمائية، وكتابة شيقة للحوار، تعتمد الفكر.
أتذكر جيدا، ان الفيلم حينما عرض في وقتها أضيف «تحت 17 عاما» ليس لوجود
مشاهد مثيرة كما سيتصور البعض، بل لمساحة الألم.. والعاطفة.. وايضا الحديث
عن الموت بأبعاد فلسفية، قد لا يفهما المشاهد الصغير، وهذا ما يتطلب عمراً
أكبر.
مئة دقيقة قدمتها ستديوهات، فوكس للقرن العشرين وهي عامرة بالتفاعلات
والحس... والنبض... وقبل كل هذا البحث عن الخلاص من معادلة القدر.
ونعود حيث البدء...
الفيلم واضح من عنوانه... فهو «الموت شابا» وهذا يعني ان الموت سيكون هو
المحور، ورغم ذلك تذهب مع الشخصيات الى محطات عدة، وفي كل لحظة نعتقد، أو
نتمنى بان «الموت» سيخطئ تلك الشخصية التي جرها قدرها الى المرض الخبيث...
وتمضي الأحداث واللحظات، وفي كل مرة، نظل نبحث عن شيء ما يغير «القدر» ولكن
الفيلم يذهب ما هو أبعد.. الى ان يكون الموت محفوفا بالحب... من أجل تخفيف
الألم.
فما أروع ان يظل الحب حاضرا... حتى عند الموت.
هذا ما يخلص اليه... فالشفاء من الحب بالحب... ومن الألم بالحب... وان ظل
القدر لا مفر منه.
anaji_kuwait@hotmail.com
النهار الكويتية في
14/08/2011
حكايات إنسانية يرويها الأبناء
حفيدها المطرب عامر منيب يتذكرها ويروي أسراراً من حياتها
ماري منيب أشهر الحموات «الفاتنات» في السينما العربية
القاهرة - سماح مكي
عاشوا بيننا، وأسعدونا بفنهم الجميل على مدار سنوات طويلة قبل أن يرحلوا عن
عالمنا تاركين تراثا فنيا يخلدهم، ويؤرخ لحقبة شديدة الأهمية في تاريخ الفن
العربي.. حتى ان الأجيال الجديدة تتابع روائعهم عبر شاشة التلفزيون دون أن
تعرف شيئاً عن هؤلاء العمالقة الراحلين.
«النهـار» في هذه الحلقات.. تقترب منهم.. من شخصياتهم.. من حياتهم.. تقترب
من هؤلاء الفنانين العمالقة عبر حوارات مع أقرب الأقربين لهم.. الابن أو
الابنة.. الزوج أو الزوجة.. أو حتى الحفيد. نتعرف منهم عن جوانب خفية من
حياة هؤلاء الفنانين العظام.. كيف عاشوا وكيف كانت رحلة كفاحهم عبر الألم
والأمل حتى شارع النجاح والنجومية..
نكشف في هذه السلسلة الحوارية جوانب جديدة في حياة فنانينا الراحلين فنياً
وإنسانياً وأسرياً.
ماري سليم حبيب نصر الله ..أو أمينة عبد السلام.. أو ماري منيب.. هي واحده
من نجوم كوميديا الزمن الجميل الذين أسسوا له ووضعوا قاعدته، فمن منا ينسى
عبقريتها في الاداء وعفويتها البالغة التي لم تتكرر.. وابتسامتها الخالدة
على وجه السينما المصرية.. وأعمالها التي مازلت تضحك الأجيال جيلاً بعد جيل
الى اليوم.. فالفنانة ماري منيب أبرع من جسد شخصية «الحماة» على شاشة
السينما وخلقت لها مزيجاً خاصاً يجمع بين الطابع الكوميدي بالتراجيدي.
وهي أيضاً ساهمت في حركة الفن المصري والعربي مع نجوم كثيرين أمثال
وإسماعيل ياسين وزينات صدقي وعلي الكسار وعبد الفتاح القصري والريحاني
وفؤاد المهندس وغيرهم من كبار فناني الكوميديا.
يحدثنا عن مشوارها ونشأتها وحياتها حفيدها المطرب عامر منيب فيقول: اسمها
ماري سليم حبيب نصر، ولدت بإحدى ضواحي مدينة دمشق لأسرة لبنانية في 11
فبراير عام 1905، كان والدها يعمل بالتجارة وفي ذات مرة حضر إلى مصر لكي
يعمل في بورصة القطن، وطالت غيبته في مصر، فما كان من الأم «أسما» إلا أن
تلحق بالأب في مصر بعد أن أصبحت في حاجة إلى المال، وحضرت مع طفلتيها أليس
والصغرى التي تصغرها بعامين هي ماري ونزلت الأسرة في الإسكندرية قادمة من
ميناء اللاذقية ، في نفس التوقيت كان الأب في باخرة أخرى في طريقه إلى
الشام بعد أن زادت خسائره .. فكرت في العودة الى سورية لتلحق به ولكن قبل
أن تبدأ الأسرة خط وطريق العودة جاءها الخبر موته أثناء رحلة العودة نتيجة
مرض مفاجئ، لم تجد حلا الا البقاء في القاهرة وأستأجرت شقة صغيرة وكان
عليها أن تواجه الظروف وتسعى الى العمل لتواجه متطلبات الحياة فمارست مهنة
الحياكة على ماكينة صغيرة اشترتها بالأموال القليلة التي بقيت معها من رحلة
سفرها إلى مصر وأخذت تعمل عليها لتعول أسرتها الصغيرة، وتحسنت أحوال الأسرة
قليلاً عندما علمت كنيسة الروم الكاثوليك في القاهرة بالأسرة وأحوالها
فخصصت لها إعانة شهرية قدرها ثلاثة جنيهات تقريباً وتكفلت بإلحاق الطفلتين
(أليس وماري) بمدرسة وليفرند وأخرجت ماري من المدرسة لتساعدها في الحياكة.
يكمل عامر: بعد أن أجبرتها ظروف وفاة والدها على دخول عالم الفن وشقيقتها..
وقفت على المسرح لأول مرة في مسرحية بعنوان «القضية رقم 14»، وكانت تغني
أغنية كلماتها تقول «يا خويا بردانين يا أهل الشفقة جعانين» وعلى حد قولها
ان اول يوم لها على المسرح كانت صامته لا تتكلم ولم تستطع التمثيل وتشاء
الظروف وتمرض بطلة الفرقة إحسان الجزايرلي ابنة صاحب الفرقة والتي كانت
تقوم بشخصية «أم احمد» زوجة المعلم بحبح وهي شخصية كوميدية كانت معروفة في
تلك الفترة .. وعندما تقدمت ماري منيب الى فوزي الجزايرلي وطلبت منه تقديم
الشخصية التي كانت تحفظها وبعد الاختبار وافق الجزايرلى على إسناد الدور
لها انقاذا للموقف وبالفعل نجحت ماري في تمثيل الدور ونالت اعجاب
الجمهورالأمر الذى ادى الى دب الغيرة الى صدر بطلة الفرقة إحسان وبدأت في
مضايقتها الأمر الذي دفع ماري الى ترك الفرقة .. وعلمت أن على الكسار بصدد
تكوين فرقه خاصة به فذهبت إليه وطلبت منه العمل معه ولن يرفض الكسار فقد
سبق ورآها على المسرح تقدم شخصية أم أحمد وضمها لفرقته وخصص لهما راتباً
شهرياً قدره ثلاثة جنيهاً لماري ومثلها لأختها أليس.. ومع الكسار برزت
قدراتها لكنها اضطرت لترك فرقة الكسار بسبب غيرة البطلة زكية إبراهيم لتحمس
الكسار لها وإعطائها شخصيات بمساحات أكبر وتركت الفرقة ايضاً بعد بضعة شهور
قليلة وشقيقتها أليس.
وذهبت لفرقة أمين عطا الله بالاسكندرية، وقدمت دور الخادمة سليطة اللسان
وأظهرت براعة في أداء هذه الشخصية ما جعلها تأخذ أدواراً أكبر مع الفرقة في
المسرحيات التي تلتها، وهناك التقت مع بشارة واكيم الذي أعجب بموهبتها
واتفق معها على العمل معه بالفرقة التي كونها محمد بيومي رائد السينما
العربية واول مصري وقف وراء آلة التصوير السينمائي مصوراً ومؤلفاً ومخرجاً
ولكن سرعان ما توقفت فرقة بشارة واكيم فعادت للعمل مرة أخرى في فرقة أمين
عطا الله.
يكمل عامر: كانت ماري تقدر الفنان بشارة واكيم وكان أيضاً يبادلها نفس
المشاعر ولكن عندما طلبها للزواج رفضته لأن قلبها كان مشغولاً بفوزى منيب
الممثل الكوميدي في فرقة أمين عطا الله وحدثت بينهما قصة حب سريعة انتهت
بالزواج وكان هذا في نهاية عام 1919 وكان عمر ماري منيب وقتها 14 عاماً..
وحملت اسم زوجها وتحول اسمها من ماري سليم حبيب نصر إلى ماري منيب وهو اسم
شهرتها الذي عرفها الجمهور به منذ هذا التاريخ وحتى وفاتها في نهاية
الستينيات، وانجبت منه ولدين وبنتاً، إلا أنه لم يكتب لهذا الزواج
الاستمرار والصمود سوى 6 سنوات فقط.
وكانت الصدمة بهجر زوجها وزواجة من نرجس شوقي اثناء رحلة الفرقة للشام
وكانت على حد قولها أنها ثاني صدمة لها بعد صدمة وفاة والدها.
وكانت أختها أليس قد تزوجت من المحامي عبدالسلام وأنجبت منه ولداً اسمه
طاهر وبنت اسمها كوثر لكن تموت بشكل مفاجئ على إثر مرض أصابها في رئتيها،
فما كان من ماري إلا أن تزوجت بعد ذلك من زوج أختها الراحلة عبدالسلام فهمي
لكي تربي أولاد أختها وهذا ما جعلها تبتعد عن الفن لعدة سنوات قليلة حتى
تربي أبناءها وأبناء أختها.
وأشهرت إسلامها على يديه وصدرت وثيقة من محكمة مصر الابتدائية الشرعية وهي
اعلان شرعي خاص بإشهار اسلام ماري منيب وكان نصه كالتالي بمحكمة مصر
الابتدائية الشرعية في يوم السبت 25 صفر سنة 1358 هجرية، 15إبريل سنة 1939
لدى فضيلة الاساذ الشيخ محمود العرابي القاضي بها بالاحالة عليه من حضرة
صاحب الفضيلة الاستاذ الشيخ أحمد الجداوي رئيس المحكمة حضرت الست ماري منيب
سليم بن حبيب نصر المقيمة بشارع روبير شماع رقم 6 بقسم شبرا وأخبرت بأنها
كانت مسيحية كاثوليكية واشهدت على نفسها بأنها اعتنقت الدين الإسلامي ونطقت
بالشهادتين واختارت لنفسها اسم أمينة عبدالسلام نسبة الى زوجها عبد السلام
فهمي وصدر هذا بحضور زوجها عبد السلام فهمي عبد الرحمن أحمد سكرتير معالي
وزير الاوقاف ومقيم بالمنزل المذكو وأنها تأثرت بالطقوس الدينية الإسلامية
للأسرة وتلاوة القرآن من شيخ كان يأتي كل يوم إلى المنزل وأن حماتها كانت
تشرح لها بعض معاني السور والآيات القرآنية.
يتابع عامر: بعد أن عكفت ماري عن الفن عدة سنوات لتربية أولادها وأولاد
أختها عادت مرة أخي للفن مع الريحاني، فبعد أن جرفها الحنين إليه والتحقت
بأكثر من فرقة مسرحية مثل فرقة فاطمة رشدي وفرقة يوسف عز الدين وفرقة رمسيس
مع الفنان يوسف وهبي، تنقلت بين هذه الفرق وشاركت في العديد من عروضها
المسرحية، فكانت أكثر فرقة ارتبطت بها وأظهرت مواهبها فرقة الريحاني وكانت
هي بدايتها الفنية الحقيقية، وفي العام 1934 أسند لها الريحاني دوراً في
مسرحية «الدنيا لما تضحك» ونجحت ماري في الاختبار والتجربة وأعجب الريحاني
بأدائها واعطها دور البطولة في المسرحه التالية الشايب لما يدلع واصبحت منذ
هذا التاريخ أصبحت عضواً أساسياً بفرقة الريحاني وهي الفرقة التي لم تغيرها
أو تتركها وظلت بها حتى بعد وفاة الريحاني عام 1949 وظلت ماري متمسكة
بالعمل والوجود مع الفرقة حتى رحيلها هي بعدة بعشرين عاماً أي في عام 1969
حتى الخلافات الصغيرة التي حدثت بينها وبين بديع خيري الذي أصبح بطلاً
للفرقة ومشرف عليها بعد رحيل نجيب الريحاني لم تؤثر في ماري منيب وتجعلها
تترك الفرق وعلى مدى 35 عاماً طوال وجودها في فرقة الريحاني من عام 1934
حتى عام 1969 شاركت ماري في كل أو معظم عروض الفرقة وأصبحت جزءاً أساسياً
من التراث المسرحي لنجيب الريحاني .
ثم يتطرق عامر منيب إلى قصة جديته مع السينما فيقول : هي بدأت مشواراً
سينمائياً حافلاً منذ عام 1934 مع بشارة واكيم الذي كون شركة إنتاج باسم
فيلم النصر مع المخرج إيلي ابتكمان وعرض بشارة على ماري المشاركة في باكورة
إنتاج الشركة وكان فيلم ابن الشعب ووافقت ماري ليكون هذا الفيلم الذي صور
وعرض في سنة 1934 هو أول بداية لها في السينما، ولكن لم يتح لها الدور
الصغير الذي جسدته في فيلم ابن الشعب أن تبرز كامل موهبتها فجاءت أفلامها
التالية على نفس الدرجة مثل الغندورة مع منيرة المهدية وأحمد علام وبشارة
واكيم وعبد السلام النابلسي وبسلامته عاوز يتجوز مع نجيب الريحاني وعزيز
أمير وبشارة واكيم وعبد الفتاح القصري ونشيد الأمل مع أم كلثوم وحسن فايق
وزكي طليمات واستيفان روستي للمخرج أحمد بدر خان.. وفي عام 1937 كانت أول
بطولة سينمائية من خلال فيلم مراتي نمرة 2 الذي اختارها لبطولته مخرجه
الإيطالي توليو كاباريني وفيه جسدت ماري منيب دورة امرأة شعبية تعيش في حي
شعبي ومتزوجة من حلاق وهنا بدأت ماري منيب ومن خلال نجاحها في هذا الفيلم
أن تبلور شخصيتها السينمائية التي تتمتع بالشعبية وخفة الظل والأفيهات
التلقائية الجميلة.. وفي عام 1939 اختارها المخرج كمال سليم لتقوم بدور
(أم) فاطمة رشدي في الفيلم الشهير العزيمة الذي يراه النقاد بداية الواقعية
في السينما المصرية وهو التيار الذي بدأه المخرج كمال سليم واستكمله من
بعده المخرج صلاح أبو سيف، وفي الأربعينيات انطلقت ماري منيب سينمائياً
بقوة لدرجة أنها كانت تشارك في أكثر من خمسة أفلام دفعة واحدة مثل الذي حدث
في عام 1947فقدمت فيلم مصنع الزوجات.. محطة الأنس.. أحلام الشباب..، من فات
قديمه.. تحيا الستات.. كدب في كدب.. شهداء الغرام.. ليلة الحظ.. أول
الشهر.. ليلة الجمعة.. ليلى بنت الفقراء.. لعبة الست.. النفخة الكدابة..
الفرسان الثلاثة.. أبو حلموس.. حلاوة.. على قد لحافك.. منديل الحلو..
جواهر.
ومن أبرز أفلامها في الخمسينيات فيلم «بابا أمين.. بابا عريس».. أسمر
وجميل.. ليلة الحنة.. الحموات الفاتنات.. بنت الشاطئ .. حضرة المحترم ..
شباك حبيبي.. حماتي قنبلة ذرية.. خد الجميل.. الأسطى حسن.. حميدو.. كدبة
أبريل.. حماتي ملاك.. أم رتيبة.. هذا هو الحب.. تار بايت.. الحياة الحب..
عفريتة إسماعيل ياسين.. اوعى تفكر.. أحلام البنات.. بيت الطاعة،..
المحتال.. علشان عيونك.. عريس في المزاد.. مملكة النساء.. وفي حقبة
الستينيات بدأت المسيرة الفنية لماري منيب تتراجع بشكل ملحوظ سواء على
المسرح أو في السينما وذلك بسبب ظروفها الصحية، أما في السينما فقد تراجع
معدل أفلامها من ناحية العدد والكم مقارنة بحقب زمنية سابقة فلم تقدم منذ
عام 1960 وحتى وفاتها عام 1969 سوى 12 فيلماً فقط وهو رقم ضئيل جداً لمن
كانت تقدم مثله في عام واحد في فترات زمنية سابقة، ومن أشهر أفلامها في
الستينيات: الناس اللي تحت، بنات بحري، المراهقان، اعترافات زوج، شجرة
العائلة، رسالة من امرأة مجهولة، حكاية جواز، العائلة الكريمة، بالإضافة
إلى آخر أفلامها وهو الفيلم الشهير «لصوص لكن ظرفاء» التي شاركت فيه مع
أحمد مظهر وعادل إمام ومديحة سالم ويوسف فخر الدين والمخرج إبراهيم لطفي.
يعود عامر إلى قصة ارتباط جدته بالحماة في السينما فيوضح: في فيلم العزيمة
كان دور ماري منيب فيه جرأة شديدة منها فهي تجسد شخصية الأم وعمرها لم
يتجاوز 34 عاماً وأم لممثلة ربما في مثل عمرها أو أكبر قليلاً غير أن
التركيبة الجسمانية وربما الشكلية لها جعلها مؤهلة لتأدية هذا الدور الذي
أخذ ملامح الحماة الشريرة لبطل الفيلم حسين صدقي زوج ابنتها ونجح الفيلم
ونجحت معه ماري منيب ورسخت لشخصية الحماة أو الأم القوية.. واستطاعت أن
تحول شخصية الحماه المصرية الى جزء من الفلكلور الشعبي وقدمت أفلامها التي
لاتزال في الوجدان.. حماتي قنبلة ذرية .. حماتي ملاك.. الحموات الفاتنات .
يضيف عامر: ماري قدمت ما يزيد عن مئتي فيلم سينمائي، ومن أهم أعمالها ابن
الشعب والعزيمة للمخرج كمال سليم وسي عمر .. وليلى بنت الفقراء.. ولعبة
الست .. بابا امين .. الاسطى حسن.. حميدو .. إلا خمسة .. 30 يوم في السجن..
استنى بختك .. الستات ما يعرفوش يكدبوا.. كدبة ابريل .. عفريت اسماعيل
ياسين .. أم رتيبة.. حماتى ملاك.. حماتي قنبلة ذرية .. الناس اللى تحت ..
رسالة من امرأة مجهولة.. حتى أخر أعمالها لصوص لكن ظرفاء عام 1969.
ويؤكد أنها كانت دقيقة في أعمالها : يضبط ساعتهم على موعد وصولها في
الثامنة الا الربع تماما تقف سيارة تاكسي امام باب المسرح تهبط منها ماري
حيث تحيى الموجودين وتتجه الى غرفتها، وكان لها بعض الطقوس تؤديها فور
وصولها وهي إطعام القطط التي تملأ المسرح، والغريب أنه قبل وصولها بربع
ساعة تتجمع القطط وكأنها تستعد لاستقبال طعامها الحنون وتتزايد القطط في
موائها ولا يسكتها الا لفافات الطعام التي تحضرها لها .
ولخفة دمها حولت بيتها الى مسرح كوميدي كبير فكانت تهوى تربية الارانب
والديوك الرومى والببغاوات في حديقة فيلتها بحي شبرا وتمضي معها معظم وقتها
وتتحدث إليها وأطلقت عليها أسماء أصدقائها المقربين في الوسط الفني مثل
كانت لديها بطة اسمتها ميمي شكيب وديك رومي اسمته يوسف وهبي وديك أخر سراج
منير ومن مواقفها الطريفة ايضاً أنها كانت تؤدي دورها على خشبة المسرح وفي
احدى المسرحيات وكان الموقف يستدعي ان تنادي على خادمتها فاطمة وكان من
المفروض الا ترد عليها الخادمة لكن عندما نادت ماري بنت يا فاطمة فوجئت
بفتاة تصيح من آخر الصالة وهي تخترق الصفوف نعم يا ستي وباظ المشهد وتبين
ان هذه الفتاة هى خادمتها الحقيقية .
يضحك عامر وهو يتذكر حكايات جدته ثم يصمت عندما يصل الحوار: إلى وافتها
المنية حيث يقول في سنواتها الأخيرة تراجعت صحتها وبدأت تشتكي من بعض
الأمراض ولكنها لم تنقطع عن الفن حتى آخر يوم في حياتها كانت واقفة على
المسرح مع فرقة الريحاني، تشارك في بطولة مسرحية خلف الحبايب، وبعد انتهاء
العرض استقلت السيارة التاكسي التي تنتظرها كل ليلة أمام باب المسرح لكي
تذهب إلى فيلاتها بحي شبرا بالقاهرة، كانت الساعة قد تجاوزت الثانية صباحاً
وكانت في حالة نفسية وصحية جيدة وفي منزلها تناولت عشاء خفيفاً كعادتها
وداعبت أفراد أسرتها زوجها الحاج عبد السلام فهمي وابنها بديع ودخلت إلى
غرفتها لتنام لكن لم تمض سوى ساعتين حتى سمع من في المنزل صوت أنين مكتوم
لها فاستدعوا طبيبها على الفور لكن القلب كان قد توقف ورحلت ماري منيب في
فجر يوم 21 من يناير عام 1969، وشيعت لها جنازة مهيبة من جامع عمر مكرم
بميدان التحرير.
النهار الكويتية في
15/08/2011 |