إذا كان المسرح هو «أبو الفنون» بحكم انه الفن الأقدم، وإذا كانت هناك فنون
أخرى مثل: الموسيقى الخالصة، وفن الأوبرا والباليه والفن التشكيلي، تعرف
بأنها فنون الخاصة والنخبة، فإن السينما كانت وستظل فناً شعبياً أي «فن
العامة»، وإذا كان الهدف منها عند اختراعها في نهايات القرن الـ 19 هو
التسلية والمتعة والترفيه، فإنها مع مراحل تطورها عبر سنوات وحقب زمنية
متلاحقة، تعاظم دورها ولم تعد لمجرد المتعة والتسلية، بل أصبحت مرآة
المجتمعات، تعكس وتكشف وتعبر عن واقع المجتمع أي مجتمع وتنتقد سلبياته
وتعلو بإيجابياته، من هنا أصبحت للسينما رسالة تنويرية وتثقيفية في حياة
الشعوب والمجتمعات، ومن هنا أصبحت «فن العامة» وفي مقدمة الفنون التي تحظى
بالشعبية.
ومن هنا نجد أن من حق هؤلاء الكبار من فناني السينما المصرية وصانعي تطورها
ونهضتها سواء الذين تحملوا عبء الريادة الأولى، أو الأجيال التالية لهم
التي تحملت عبء التواصل والتطور، علينا أن نكرمهم ونعرف الأجيال بتاريخهم
ومشوارهم ومسيرتهم السينمائية والفنية الحافلة، ليس فقط لأنهم «صناع
السينما المصرية» ومبدعوها عبر مراحل تطورها، ولكن لأنهم مع مرور الزمن
أصبحوا رموزاً لزمن وعصر من الفن الجميل، كان عصراً مفعماً بالهدوء والجمال
والرومانسية والمشاعر الصافية والإبداع الصادق والإخلاص الكامل للفن
وللسينما، عصر نفتقده جميعاً ونتمنى عودته.
هي في مقدمة نجمات الزمن الجميل للسينما المصرية اللواتي تميزن بالجمال
والأنوثة الطاغية إلى جانب الموهبة والحضور والجاذبية، بل إنها «جميلة
الجميلات» كما كانوا ينادونها عندما جسدت شخصية «فرجينيا» في فيلمها الشهير
«الناصر صلاح الدين» مع يوسف شاهين، واستمر هذا اللقب واستمرت هي محتفظة
بجمالها الأرستقراطي المبهر على مدى عقود متتالية، حتى عندما تقدم بها
العمر ظلت محتفظة بكل ملامحها الجميلة.
إنها جميلة الشاشة العربية ليلى فوزي التي شكلت مع نجمات جيلها فاتن حمامة
ومديحه يسري الحالة الاستثناء بين نجمات السينما في بداية الأربعينيات،
بسبب اختلافهن عن الجيل السابق لهن اللواتي ظهرن في نهاية العشرينيات وطوال
الثلاثينيات لأنهن دخلن السينما عن طريق المسرح أمثال عزيزة أمير ودولت
أبيض وفاطمة رشدي وميمي شكيب وعقيلة راتب وأمينة محمد وبهيجة حافظ وزينب
صدقي، أو من عالم الغناء أمثال: رجاء عبده ونجاة علي ونادرة وليلى مراد وأم
كلثوم وبديعة مصابني ومن عالم الرقص أمثال تحية كاريوكا. دخلت ليلى فوزي
وبنات جيلها إلى السينما مباشرة والغريب أن هذا الثلاثي ليلى ومديحة وفاتن
لم يقفن على خشبة المسرح طوال مشوارهن الفني الطويل، قفزت ليلى فوزي إلى
أدوار البطولة على الشاشة بعد أدوار صغيرة قليلة في بداياتها وخلال مشوارها
الفني الذي استمر ما يزيد عن «60» عاماً قدمت سجلاً حافلاً بالأفلام
الرائعة التي شكلت علامات بارزة في تاريخ السينما المصرية، كما قدمت مختلف
الشخصيات والأدوار ولم تجعل ملامحها الأرستقراطية تحبسها في أنماط وشخصيات
محددة، إنها- ولا شك- جميلة جميلات الشاشة العربية- ربما- في كل العصور
وواحدة من أهم نجماتها وبطلاتها. ولدت «ليلى محمد فوزي إبراهيم» وهذا هو
اسمها كاملاً لعائلة أرستقراطية ثرية، فالأب كان تاجراً ثرياً يعمل في
تجارة الأقمشة وتمتد تجارته من القاهرة إلى دمشق إلى إستانبول وكان يملك
محلات عديدة في هذه البلدان، أما الأم «لمعان هانم رضا» فهي سليلة إحدى
العائلات الأرستقراطية التركية فهي حفيدة عثمان قيعدلي باشا أحد قادة الجيش
التركي أيام حكم الدولة العثمانية، وقد تزوجت والدة ليلى من أبيها عندما
كان في إحدى زياراته التجارية لإستانبول لذلك فإن محل ميلاد ليلى كان في
منطقة بجوار إستانبول تسمى «يني كاي» أثناء تواجد أسرتها هناك في إحدى
زياراتها السنوية، وعادت الأسرة إلى القاهرة وتم تسجيل ليلى في دفتر
المواليد في يوم 3 فبراير عام 1923. وليلى ترتيبها الثالث في أخوتها بعد
«محمد وهالة» ومن بعدها رزقت الأسرة بابن رابع هو «سعيد» وعاشت ليلى
طفولتها في سعادة وسط هذه العائلة الأرستقراطية الثرية، وعندما بلغت
الخامسة من عمرها ألحقها والدها مع شقيقتها هالة بمدرسة الراعي الفرنسية
للراهبات، وكانت تحظى بعناية وتدليل الراهبات بسبب جمالها الباهر مما جعلهن
يصاحبنها إلى الكنيسة صباح كل يوم أحد لترتل معهن الصلوات وكانت تمتلك
صوتاً جميلاً، وهذا ما جعلها وهي في هذه السن المبكرة تدرك معنى الأنغام
وتفتح وعيها أكثر على الفنون عندما كانت الأم تصاحبها مع أشقائها أسبوعياً
إلى دور السينما ليشاهدوا أحد الأفلام وبدأت ليلى التي كانت قد وصلت إلى
مرحلة الصبا تدرك معنى الفنون وبدأت ترتبط بهذا الفن الساحر المسمى السينما
كما بدأت ومن خلال صوتها الجميل تردد أغنيات محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش
دون أن تدرك مطلقاً أنها في يوم من الأيام ستقف أمام كل منهما لتمثل في
أفلامهما. وعندما بلغت من العمر 15 عاماً أثنت إحدى صديقات الأسرة على جمال
ليلى وقالت إنها تصلح لأن تكون نجمة سينما وقد أغضب هذا الرأي أسرتها
كثيراً خصوصاً الأب الذي طلب من أمها ضرورة مقاطعة هذه الصديقة لأنه- وكما
كان شائعاً في تلك الفترة- كان عيباً وعاراً أن يفكر أبناء الطبقة الراقية
في العمل بالفن حتى ولو لم يتعدى الأمر مجرد التفكير.
لكن الأمور لم تمضي وتمر ببساطة على ليلى فرأي صديقة الأسرة فتح وعيها على
أنها تصلح لأن تكون فنانة ونجمة، وهذا ما جعلها تفكر في تحقيق هذه الرغبة
وهذا الحلم وحين عثرت على إعلان في إحدى الصحف تطلب فيه إحدى شركات الإنتاج
السينمائي وجوهاً جديدة، فرحت ليلى وأرسلت صورتها على عنوان الشركة المنتجة
وعرف الأب بما حدث فثار ثورة عارمة كان من نتيجتها أن منع ليلى من قراءة
الجرائد والمجلات وفرض عليها حراسة شديدة ومنعها من الخروج من المنزل، لكن
هذا جعلها تزداد إصراراً على دخول عالم الفن وبدأت تمثل أمام المرآة وتقلد
الممثلات اللواتي سبق وشاهدتهن في السينما، وأمام إصرارها رضخت الأم
وجعلتها تنضم إلى فريق التمثيل في مدرستها وأقنعت الأب بهذه الفكرة فوافق
ما دام تمثيلها سيكون قاصراً على المدرسة ومع زميلاتها، وفي نهاية العام
قدمت المدرسة عرضاً مسرحياً شاركت فيه ليلى وشاهدته أسرتها وأعجب أبيها
بأدائها وأثنى عليها ولم يغضب طالما أن الأمر سيظل قاصراً على المدرسة
وكانت هذه المرة الأولى التي تمثل فيها ليلى أمام جمهور كله من أولياء أمور
التلميذات.
لم تمض شهور قليلة على هذه الواقعة إلا وانقلب حال أسرتها رأساً على عقب
عندما تعرض الأب لأزمة مالية طاحنة أدت إلى إفلاسه بعد أن كان ينوي إقامة
مصنع كبير للنسيج وأرسل لأحد أصدقاءه في ألمانيا ليشتري ماكينات للمصنع
وأعطاه الكثير من الأموال لكن مع بلوغ الحرب العالمية الثانية ذروة
اشتعالها توقفت حركة السفن واختفى هذا الصديق بكل ما أخذه من أموال فما كان
من الأب وحتى يتغلب على هذه الأزمة أن باع ممتلكاته وعزبته وقصره الفخم
وانتقلت الأسرة إلى شقة صغيرة واكتفى الأب بممارسة تجارته في محل وحيد بحي
الأزهر بالقاهرة، وأثناء كل ذلك تفوز ليلى بمسابقة أجمل طالبة في مدرستها
وتنشر صورتها على غلاف إحدى المجلات وتعود صديقة الأسرة لتخبر ليلى سراً أن
الريجسير قاسم وجدي- وكان أشهر مكتشف للوجوه الجديدة في ذلك الوقت- قد رأى
صورتها وأنه يريد أن يقدمها في السينما، وكان قاسم وجدي على معرفة بوالد
ليلى وكذلك المخرج جمال مدكور ابن مدكور باشا والذي كان أيضاً ينتمي لعائلة
أرستقراطية ثرية، واستطاع الاثنان إقناع الأب بأن ابنته تصلح لأن تكون نجمة
سينمائية ولابد من دخولها مجال السينما، وقالا له إن العديد من أبناء الأسر
الراقية أصبحوا لا يجدوا حرجاً في ذلك أمثال يوسف وهبي وسليمان نجيب وعزيزة
أمير وغيرهم وغيرهن. ورغم أن الأب بدأ يلين إلا أن ليلى تتحدث عن هذا اليوم
في حوار لها أورده الكاتب «محمد دياب» في كتابه عنها الذي حمل اسمها قالت
ليلى: «اعترضت أمي بشدة واعتبرت الأمر إهانة كبرى فكيف تعمل حفيدة قصيري
باشا «مشخصاتية» وتحول بيتنا إلى حالة هائلة من الحزن وكأننا في «مأتم»،
لكن قاسم وجدي والمخرج جمال مدكور لم يملا من الضغط على والدي الذي اقتنع
في النهاية، ورشحها قاسم لدور صغير في فيلم «مصنع الزوجات» مع المخرج نيازي
مصطفى وبطولة محمود ذو الفقار وكوكا وأنور وجدي ودولت أبيض وماري منيب
ولعبت ليلى دور طالبة في المدرسة وصديقة للبطلة كوكا، وكان هذا في عام
1941، وهذا هو التاريخ الذي شهد بداية ليلى فوزي في عالم السينما، لكنها
ظهرت على أفيش الفيلم باسم «ليلى رضا» وكان هذا شرط والدها من أجل الموافقة
وذلك حتى لا تظهر على أفيش فيلم في شوارع القاهرة وهي تحمل اسمها الحقيقي
وهذا فيه إساءة كبيرة لأسرتها فهو لا يريد أن يعرف الناس أن ابنة التاجر
الكبير وحفيد قصيري باشا تعمل ممثلة ورضخت ليلى لشرط أبيها لكن أحزنها هذا
جداً لأنها شعرت بتحكم التقاليد الباليه في مهنة تحبها واعتبرها مهنة غير
محترمة لا تشرف العائلات، وكان اسم «رضا» هو اسم جدها لوالدتها. واستمر هذا
الاسم مع ليلى فوزي لفيلمين آخرين الأول هو «محطة الأنس» للمخرج عبد الفتاح
حسن عام 1942 رشحه له قاسم وجدي بعد نجاحها في الفيلم الأول، أما الفيلم
الثالث فكان من إنتاج تونس ولم يعرض في مصر مطلقاً وكان فيلمها «محطة
الأنس» من بطولة عقيلة راتب وعلي الكسار.
وكانت البداية الحقيقية لها في عالم السينما- رغم نجاحها في أفلامها الثلاث
السابقة- عندما التقت مع المخرج محمد كريم الذي كان بصدد التحضير لفيلمه
«ممنوع الحب» لمحمد عبد الوهاب وكان يبحث عن فتاة تقوم بدور «خالة» بطلة
الفيلم رجاء عبده وجاءه قاسم وجدي في مكتبه ومعه ليلى فوزي وكان معها أبيها
الذي كان لا يفارقها منذ بداية عملها في السينما، وأعجب محمد كريم بها
وبجمالها رغم سنها الصغير التي لم يتجاوز الـ17 عاماً، ولم يكن كريم قد رأي
فيلميها السابقين، وعلى الفور قرر إسناد الدور لها رغم اعتراض عبد الوهاب
ورجاء عبده بطلي الفيلم لأن سنها صغيراً جداً على الدور، فكيف تكون «خالة»
رجاء عبده. وتحكي ليلى فوزي قصة هذا اللقاء في مكتب محمد كريم في أحد
حواراتها الإعلامية وتقول: غير لي كريم تسريحة شعري وبدلاً من الضفيرتين
جعله منسدلاً علي كتفي وطلب من الماكيير أن يعمل لي ماكياجاً لسيدة تبدو في
الثلاثين واشترى لي ملابس وقبعات لسيدة في هذا السن وبالفعل ساعدني تكويني
الجسماني في الظهور بهذه الصورة وبدوت فعلاً كسيدة في الثلاثين من عمرها
وزاد كريم على ذلك أن جعلني أدخن سيجارة وذلك حسب مقتضيات الدور وكان هذا
صعباً جداً لأنني لم أدخن لكنه أصر على ذلك، وكل هذا بعد أن وقع مع ومعي
والدي عقد الفيلم وبدأنا التصوير وكان كريم يوليني رعاية فائقة وشملني
بعطفه ومعه زوجته الألمانية وكانا يشعراني أنين ابنتهما، وعلمني كيفية
الأداء أمام الكاميرا وكيفية مواجهتها بطريقة محترفة وكان يمثل المشهد
أمامي أكثر من مرة قبل أن أمثله أمام الكاميرا. وفي مذكراته يثني كريم على
ليلى فوزي كثيراً وقال عنها «إنه عندما رآها لأول مرة جذبه ورائع الجمال
وفي غاية الأدب والتلقائية كما أن نطقها ولغتها سليمة تماماً رغم أصولها
التركية»، وعن موهبتها بعد عرض الفيلم ونجاحه قال: نجحت ليلى نجاحاً هائلاً
وكان جمالها وحضورها وموهبتها يجعلانها «تيباً» متفرداً لا تشاركها فيه
واحدة من نجماتنا وكان وجودها في السينما المصرية في هذا الوقت ضروري
لتطعيم الشاشة بنوع خاص من الجمال الأرستقراطي والموهبة كانت السينما تحتاج
إليه بشدة.
وكان نجاح فيلم «ممنوع الحب» عام 1942 بداية حقيقية بالفعل لهذه الفنانة
الجميلة الشابة فانهالت عليها العروض السينمائية وشاركت في نفس هذا العام
في عدد من الأفلام منها «بنت ذوات» مع يوسف وهبي، «أخيراً تزوجت» مع المخرج
جمال مدكور، «على بابا والأربعين حرامي» مع المخرج توجو مزراحي، وهنا لابد
من الإشارة إلى نقطة مهمة تتعلق باسمها، فأثناء مقابلتها مع محمد كريم في
فيلم «ممنوع الحب» سألها عن اسمها فقالت «ليلى رضا» فاعترض على اسمها
وسألها عن اسمها الحقيقي وعندما أخبرته قال لها اسمك الحقيقي أفضل لذلك ظهر
اسمها «ليلى فوزي» لأول مرة على فيلم «ممنوع الحب» بعد إصرار محمد كريم على
أن تحتفظ باسمها الحقيقي وليس المستعار، الطريف أن فيلميها «ممنوع الحب»
و«محطة الأنس» عرضا في توقيت واحد عام 1942 لكن الأول كان باسمها الحقيقي
والثاني كان بالاسم المستعار وربما تكون هي المرة الوحيدة في تاريخ السينما
التي يعرض لممثلة أو نجمة فيلمان في توقيت واحد يحملان اسمين مختلفين.
قدمت ليلى فوزي للسينما 70 فيلماً خلال رحلتها السينمائية التي استمرت على
مدى 43 عاماً بدأتها عام «1941 وحتى عام 1984» عندما قدمت آخر أفلامها وهو
الفيلم التونسي «الملائكة» مع المخرج رضا الباهي ومنذ عام 1984 وحتى وفاتها
تركز نشاطها الفني على الدراما التلفزيونية وقدمت كماً هائلاً من المسلسلات
الناجحة التي لا يتسع المجال للحديث عنها هنا، وسنقسم مشوارها السينمائي
إلى ثلاثة مراحل، المرحلة الأولى تبدأ من بدايتها وحتى عام 1954، لنرى أنها
خلال هذه المرحلة التي شهدت بدايتها وانطلاقتها الفنية والتي أشرنا إليها
قدمت كماً كبيراً من الأفلام المتنوعة وكانت السينما المصرية خلال هذه
الفترة قد وصلت إلى أوج ازدهارها خصوصاً في الفترة بعد انتهاء الحرب
العالمية الثانية ومن أهم أفلامها خلال هذه المرحلة فيلميها التاليين مع
محمد عبد الوهاب بعد «ممنوع الحب» وهما «رصاصة في القلب» عام 1944 و«لست
ملاكاً» عام 1946، ونجح الفيلم الأول نجاحاً هائلاً، أما الثاني فلم يحقق
نفس نجاح أفلام عبد الوهاب لكن تكتسب أهمية هذا الفيلم لليلى فوزي في أنه
الفيلم الثالث لها مع محمد عبد الوهاب لتكون بذلك الممثلة والنجمة الوحيدة
التي شاركت محمد عبد الوهاب في 3 أفلام وهذا يرجع للقناعة الشديدة والإعجاب
الكبير من المخرج محمد كريم بها وبموهبتها وحضورها.
ونواصل استعراض أهم أفلامها في تلك الفترة لنرى أن من بين أفلامها المهمة
والمؤثرة: «البؤساء» مع المخرج كمال سليم عام 1943، «تحيا الستات» 1943 مع
توجو مزراحي، «يسقط الحب» مع إبراهيم لاما عام 1944، «سفير جهنم» مع يوسف
وهبي عام 1945، «جمال ودلال» من إخراج استيفان روستي عام 1945، «الأم»
للمخرج عمر جميعي عام 1945، «ملكة الجمال» إخراج نيازي مصطفى عام 1946،
«غني حرب» عام 1947 مع نيازي مصطفى أيضاً، «العقل في إجازة» من إخراج حلمي
رفلة عام 1947، «الستات عفاريت» 1948 مع المخرج حسن الإمام وفي نفس العام
أيضاً فيلم «سجن الليل» مع بركات «أسير العيون» من إخراج إبراهيم حلمي
1949، «ست الحسن» 1950 لنيازي مصطفى، «مشغول بغيري» مع المخرج إبراهيم
عمارة 1951، «على كيفك» 1952 مع حلمي رفلة، «أنا ذنبي إيه» مع حسن الإمام
1953، «ابن الحارة» للمخرج عز الدين ذو الفقار عام 1953، «المرأة كل شيء»
مع حلمي رفلة 1953، «الشيخ حسن» من إخراج وبطولة حسين صدقي عام 1954 وهذا
الفيلم سبق عرضه في عام 1952 باسم «ليلة القدر»، وآخر أفلامها في هذه
المرحلة كان «خطف مراتي» مع المخرج حسن الصيفي عام 1954 وكان من بطولة أنور
وجدي وفريد شوقي وصباح.
وخلال هذه المرحلة تنوعت أفلام ليلى ما بين البطولة المطلقة والبطولة
الجماعية والبطولة الثانية وقد غلب الطابع الغنائي والميلودرامي والكوميدي
أحياناً على أفلام هذه المرحلة التي كان المخرجون يستثمرون جمالها في تقديم
أفلام تحمل أسمائها دلالات خاصة مثل «ست الحسن»، «جمال ودلال» «ملكة
الجمال» وقدموها في أدوار تقدم جمالها الأرستقراطي في إطار أسطوري أحياناً
وفي إطار رومانسي في أحيان أخرى. ونأتي إلى المرحلة الثانية في المشوار
الفني لهذه النجمة الجميلة لنرى أنها خلال هذه المرحلة التي استمرت ما بين
«عام 1956 1967» قدمت خلالها 20 فيلماً كانت المرحلة الأكثر تألقاً وتميزاً
في مشوارها وقدمت خلالها عدداً من أروع أفلامها ويرجع هذا التألق والتطور
في أدائها كما يقول النقاد إلى حالة الحزن والشجن التي عاشتها ومرت بها بعد
الرحيل المفاجئ لزوجها الثاني الفنان أنور وجدي والتي غابت عن السينما
عامين بسبب حالة الحزن هذه «وهذا ما سنعرض له في سطور مقبلة»، ومن أبرز
أفلامها خلال هذه المرحلة «الأرملة الطروب» عام 1956 مع المخرج حلمي رفلة،
«بورسعيد» 1957 مع المخرج عز الدين ذو الفقار، وكان هذا الفيلم نقطة تحول
في أدوارها فقد برعت خلاله في تقديم أدوار الشر وهو ما تكرر بعد ذلك في
أفلاماً أخرى عديدة خلال هذه المرحلة وحتى نهاية مشوارها السينمائي. ونعود
لنستكمل رصد أهم أفلام هذه المرحلة لنجد أفلاماً مثل: «من أجل امرأة» مع
المخرج كمال الشيخ 1959، «ليلى بنت الشاطئ» من تأليف وإخراج وإنتاج حسين
فوزي عام 1959، «من أجل حبي» مع كمال الشيخ في نفس العام أيضاً، «صبر
الخالدين» مع المخرج محمد إسماعيل 1960، «طريق الدموع» مع المخرج حلمي حليم
1961، «الناصر صلاح الدين» مع يوسف شاهين 1963، «بياعة الجرائد» 1963 مع
حسن الإمام، «الجبل» 1965 إخراج خليل شوقي، «حكاية العمر كله» مع حلمي حليم
1965، «المراهقة الصغيرة» 1966 مع محمود ذو الفقار، «المخربون» كمال الشيخ
1967، «فارس بني حمدان» 1966 مع نيازي مصطفى، «الدخيل» 1967 مع المخرج نور
الدمرداش.
وخلال هذه المرحلة نوعت ليلى فوزي في أدوارها بشكل احترافي غير مسبوق ينم
عن نضج فني هائل فقدمت أدواراً لم يتصور أحداً أنها ستقدمها مثل دور «بنت
البلد» وأدوار الشر ولعل أبرز أدوارها في هذا الإطار دور «فرجينيا» في فيلم
«الناصر صلاح الدين»، أيضا قدمت نموذج راقي للغاية لأدوار الإغراء ولعبت
دور الأجنبية والمرأة المتسلطة والمحبة العاشقة المضحية والمرأة المغلوبة
على أمرها وكانت تخرج من دوراً لتدخل دوراً آخر على النقيض منه تماماً
وبرعت بشكل غير مسبوق في تجسيد كل هذه الأدوار وهذا ما جعل النقاد يرون هذه
المرحلة من حياتها من أنضج مراحلها الفنية، ونأتي الآن إلى المرحلة الثالثة
والأخيرة في مشوارها السينمائي وهي التي تقع بين أعوام «1970 1984» وهنا
يجب الإشارة إلى أن ليلى فوزي ابتعدت عن السينما طيلة ثلاثة سنوات من عام
1967 حتى عادت عام 1970 وقد مرت خلال هذه السنوات الثلاث بفترة إحباط بعد
خلاف نشب بينها وبين أحد المنتجين رفضت هي نفسها في أكثر من مقابلة إعلامية
أن تتحدث عنه بالتفصيل. لكن المهم أنها خلال هذه المرحلة الأخيرة من
مشوارها السينمائي والتي استمرت 14 عاماً لم تقدم فيها ليلى الكثير 8 أفلام
قط والملاحظ أنها تحولت في معظمها إلى تجسيد دور الأم ولهذا يمكن أن نطلق
على هذه المرحلة «مرحلة الأمومة» وهي نقلة أدهشت الوسط السينمائي حينها لأن
آخر أفلامها «الدخيل» قدمت خلاله شخصية امرأة ذات أنوثة طاغية، وبعد عودتها
تقدم دور الأم في فيلم «دلال المصرية» مع المخرج حسن الإمام عام 1970.
وأغرى نجاحها في هذا الدور المخرجين والمنتجين فأسندوا إليها نفس الدور في
أفلام أخرى مثل «أمواج بلا شاطئ» 1976 مع المخرج أشرف همي وأيضاً
«المتوحشة» مع المخرج سمير سيف عام 1979، ومن أفلامها المهمة أيضاً خلال
هذه الفترة «سلطانة الطرب» مع حسن الإمام عام 1979، «إسكندرية ليه» مع يوسف
شاهين في نفس العام 1979، لكن يظل أهم أفلامها خلال هذه المرحلة فيلم «ضربة
شمس» مع المخرج محمد خان عام 1980، حيث أذهلت النقاد من خلال تجسيدها
لشخصية امرأة تتزعم عصابة لتجارة وتهريب الآثار وكان دورها صامتاً لم تتحدث
خلاله مطلقاً وكان أداءها يعتمد فقد على الحركة والتعبير بالوجه والعينين
ويعد هذا الدور من أروع أفلامها السينمائية ربما في كل مشوارها السينمائي
الذي اختتمته بفيلمين الأول هو «وادي الذكريات» عام 1981، والثاني
«الملائكة» وهو فيلم إنتاج وإخراج تونسي لرضا الباهي عام 1984 وهو آخر
أفلامها. وخلال هذا المشوار السينمائي الحافل تعاونت هذه النجمة الجميلة مع
كبار مخرجي السينما كما أشرنا في استعراضنا لأهم أفلامها وأيضاً وقفت أمام
كبار نجوم السينما المصرية الذين شاركوها وشاركتهم بطولة أفلامها وأفلامهم
نذكر منهم: محمد عبد الوهاب، يوسف وهبي، حسين صدقي، أنور وجدي، عماد حمدي،
كمال الشناوي، شكري سرحان، عمر الشريف، أحمد مظهر، فريد شوقي، محمود
المليجي، محمود ذو الفقار، علي الكسار، سراج منير، فريد الأطرش، عزيز
عثمان، إسماعيل ياسين، محسن سرحان، محمد فوزي، ومن الأجيال التالية: يوسف
شعبان، صلاح قابيل، حسين فهمي، سمير صبري، محمود عبد العزيز، نور الشريف،
عزت العلايلي. وإذا كان هذا عن مشوارها السينمائي فإن مشوارها الإنساني كان
به ثلاثة زيجات، الزواج الأول كان من الفنان عزيز عثمان وكان صديقاً
لوالدها ووافقت على الزواج منه وهي في سن صغيرة وكان فارق السن بينهما
هائلاً وكان ذلك حتى تستقل بنفسها بعيداً عن تحكمات وسيطرة أسرتها واستمر
زواجهما 6 سنوات من عام «1948 إلى 1954» وعانت خلال هذه السنوات من الغيرة
الشديدة لعزيز عثمان وتنفست الصعداء عند طلاقها منه، أما زوجها الثاني فكان
من أنور وجدي ولم يستمر سوي 9 شهور من 6 سبتمبر عام 1954 وحتى 14 مايو عام
1955 وهو تاريخ وفاة أنور وجدي بعد رحلة قصيرة مع المرض وقد حزنت ليلى على
رحيله بشدة بسبب قصة الحب التي جمعتهما وقد تزوجا في باريس بعد فيلمهما
«خطف مراتي» وبعد أن وقع الطلاق بين أنور وجدي وليلى فوزي، والجدير هنا
بالذكر أن أنور وجدي سبق وتقدم للزواج من ليلى مراد وهي في بداية حياتها
عندما شاركت في أول أفلامها «نصب الزوجات» عام 1941 لكن أسرتها رفضته بسبب
ما أشيع عن علاقاته النسائية المتعددة واستمر أنور وجدي يحبها رغم زواجه
بعد ذلك من ليلى مراد، وتزوجها بعد طلاقه منها. أما الزواج الثالث فكان
الأخيرة في حياتها واستمر لمدة 38 عاماً وكان من الإذاعي القدير والمعروف
جلال معوض وتزوجا عام 1960 واستمر الزواج حتى وفاته عام 1998، وقد تعرف
عليها أثناء طلبه لها لتقدم إحدى فقرات حفلات «أضواء المدينة» ونسج الحب
خيوطه بين قلبيهما وكانت قصة حب شهيرة وقتها تم تتويجها بالزواج. وبعد وفاة
جلال معوض عاشت ليلى فوزي وحيدة بلا زواج خصوصاً أنها لم ترزق بأولاد من
أزواجها الثلاثة وكرست كل وقتها في أعمالها التلفزيونية حتى تنسى أحزانها
وفي يوم 12 يناير 2005 ترحل عن دنيانا هذه النجمة الجميلة عن عما ناهز 82
عاماً بعد أن ملئت حياتنا بالفن والجمال وتركت لنا أعمالاً خالدة لا تنسى.
النهار الكويتية في
15/08/2011
صناع السينما نجوم الزمن الجميل (12 - 26)
فريد شوقي .. الملك
القاهرة - أحمد الجندي
إذا كان المسرح هو «أبو الفنون» بحكم انه الفن الأقدم، وإذا كانت هناك فنون
أخرى مثل: الموسيقى الخالصة، وفن الأوبرا والباليه والفن التشكيلي، تعرف
بأنها فنون الخاصة والنخبة، فإن السينما كانت وستظل فناً شعبياً أي «فن
العامة»، وإذا كان الهدف منها عند اختراعها في نهايات القرن الـ 19 هو
التسلية والمتعة والترفيه، فإنها مع مراحل تطورها عبر سنوات وحقب زمنية
متلاحقة، تعاظم دورها ولم تعد لمجرد المتعة والتسلية، بل أصبحت مرآة
المجتمعات، تعكس وتكشف وتعبر عن واقع المجتمع أي مجتمع وتنتقد سلبياته
وتعلو بإيجابياته، من هنا أصبحت للسينما رسالة تنويرية وتثقيفية في حياة
الشعوب والمجتمعات، ومن هنا أصبحت «فن العامة» وفي مقدمة الفنون التي تحظى
بالشعبية.
ومن هنا نجد أن من حق هؤلاء الكبار من فناني السينما المصرية وصانعي تطورها
ونهضتها سواء الذين تحملوا عبء الريادة الأولى، أو الأجيال التالية لهم
التي تحملت عبء التواصل والتطور، علينا أن نكرمهم ونعرف الأجيال بتاريخهم
ومشوارهم ومسيرتهم السينمائية والفنية الحافلة، ليس فقط لأنهم «صناع
السينما المصرية» ومبدعوها عبر مراحل تطورها، ولكن لأنهم مع مرور الزمن
أصبحوا رموزاً لزمن وعصر من الفن الجميل، كان عصراً مفعماً بالهدوء والجمال
والرومانسية والمشاعر الصافية والإبداع الصادق والإخلاص الكامل للفن
وللسينما، عصر نفتقده جميعاً ونتمنى عودته.
إن المتابع لتاريخ السينما المصرية لا شك أنه سيتوقف طويلاً أمام اسم «فريد
شوقي»، ليس لأنه يمثل فصلاً كاملاً وجزءاً مهماً من هذا التاريخ بحكم أنه
قدم ما يزيد على «300» فيلم خلال مشواره السينمائي الذي امتد لأكثر من «50»
عاماً مما جعله ضمن عدد قليل من صناع السينما الذين امتازوا بغزارة
الإنتاج، ولكن لأن فريد شوقي يعد ظاهرة سينمائية قد لا تتكرر كثيراً، فهو
منذ أن اضطلع بأول بطولة سينمائية له في مطلع الخمسينيات ظل محافظاً على
مكانته وظل اسمه يتصدر أفيشات وتترات أفلامه كبطل لهذه الأفلام، عكس كل أو
معظم أبناء جيله من فناني ونجوم السينما الذين تراجعت أسمائهم ومساحة
أدوارهم وبعضهم ابتعد تماماً عن السينما مع التقدم في العمر، لكن فريد ظل
بطلاً لأفلامه واسمه يتصدر أفيشاتها حتى آخر أفلامه قبل رحيله.
أيضاً لم يقتصر المشوار السينمائي لفريد شوقي على بطولته للأفلام بل كان
مؤلفاً وكاتباً ومنتجاً لعدد كبير من هذه الأفلام التي برع تماماً في أن
يغير وينوع من أدواره فيها فهو قدم أدوار الشر في بداياته ثم تحول إلى
أفلام الحركة وأصبح النجم الأول لهذه النوعية من الأفلام بـ «وحش الشاشة»
و«شجيع السيما» و«ملك الترسو» لأن أفلامه كانت ماركة مسجلة مضمونة النجاح
على مدى عقود طويلة وعندما تقدم في العمر غير جلده واختلفت أدواره وتحول
إلى الشخصيات الإنسانية وظل محافظاً على نجاحه وجماهيريته ولهذا تحول إلى
ظاهرة قد يصعب تكرارها ولهذا أطلقوا عليه لقب «الملك» وأصبح هذا هو اللقب
الذي ينادي به في الوسط الفني المصري ومن جانب الجمهور الذي أحبه وعشق
أفلامه وظل هذا اللقب ملازماً له حتى حيله عن الدنيا.
ولد فريد شوقي في 30 يوليو عام 1920 بالقاهرة لأب يعمل موظفاً وأسرة تضم
أربعة أشقاء غيره هم «ممدوح وأحمد وعواطف ونفيسة» وبدأ وعيه الفني يتفتح
ويكشف عن مواهبه الفنية أثناء دراسته الابتدائية، حيث انضم لفريق الخطابة
والتمثيل بالمدرسة، وبعد حصوله على الشهادة الابتدائية كون فرقة مسرحية من
زملائه وأصدقائه من هواة التمثيل وأطلق عليها اسم «الرابطة القومية
للتمثيل» وفي الوقت نفسه أكمل دراسته والتحق بمدرسة الفنون التطبيقية «كلية
الفنون التطبيقية حالياً»، وتخرج منها عام 1941 وأثناء دراسته بها مارس
التمثيل مع فريق الهواة بالمدرسة وكان يشرف على فرقة التمثيل الفنان
والمخرج المسرحي الكبير «عزيز عيد» الذي أعجب بموهبة فريد ونصحه باحتراف
التمثيل وتعلق فريد بالفرصة والتحق بفرقة «رمسيس» المسرحية مع الفنان يوسف
وهبي الذي أسند إليه عدد من الأدوار الصغيرة في عدد من المسرحيات التي
قدمتها الفرقة في ذاك الوقت.
ولما كان التمثيل في حد ذاته مهنة محفوفة بالمخاطر من ناحية الدخل المادي
فقد عمل فريد فور تخرجه من مدرسة الفنون التطبيقية بوظيفة «بمصلحة الأملاك
الأميرية» لكن يوسف وهبي نصحه بأن الفنان الحقيقي الذي يريد أن يحترف الفن
وينجح فيه لابد أن يتفرغ له ويدرسه إذا سمحت له ظروفه بذلك، وهذا ما جعل
فريد شوقي يسارع بالالتحاق بمعهد الفنون المسرحية الذي كان قد فتح أبوابه
حديثاً في بداية الأربعينيات وتخرج منه في أول دفعات المعهد عام 1945، وقدم
استقالته من وظيفته ليتفرغ للفن الذي وجد أنه هو كل عالمه، وبالفعل انتظم
بشكل كامل في عروض فرقة مسرح «رمسيس» وكان إعجاب يوسف وهبي به متزايداً،
لكن أول دور رئيسي يقدمه على المسرح كان من خلال مسرحية «الجلف» وهو نص
عالمي لأنطون تشيكوف، وكان هذا عام 1946، وقدم فريد شوقي تاريخاً مسرحياً
لا بأس به «وهو ما سنعود إليه لاحقاً».
أما مشواره السينمائي الحافل والممتد فقد بدأ عام 1946 عندما اختاره يوسف
وهبي ليشارك في فيلم «ملاك الرحمة» وأثبت فريد إمكانيات وقدرات تمثيلية
جيدة أمام الكاميرا في هذا الفيلم رغم دوره الصغير، وهو ما مهد له لينطلق
سينمائياً فيما بعد خصوصاً بعد اكتشف فيه صناع السينما وقتها وجهاً جدياً
مبشراً يصلح لأدوار الشر التي برع فيها محمود المليجي منذ منتصف
الثلاثينيات وطوال الأربعينيات، وأصبح ينوء من كثرة طلب المخرجين له خصوصاً
مع الانتعاشة التي شهدتها السينما المصرية خلال تلك الفترة، ووجدت السينما
في فريد ممثلاً جديداً يقدم هذه النوعية، فمع أفلامه التالية عام 1947 يطل
فريد على الشاشة «بصلعة» ملحوظة ضمن عصابة إجرامية تولى رئاستها استيفان
روستي في فيلمي «عنبر» و«قلبي دليلي» ومن الواضح أن أنور وجدي مخرج
الفيلمين هو الذي منحه هذه الأدوار وهو الذي منحه فيما بعد فرصاً أكبر في
التمثيل، فقد جعله نداً له في فيلم «طلاق سعاد هانم» عام 1948، وقد قام
فريد بتجسيده فيما بعد في فيلم «جوز مراتي» لنيازي مصطفى عام 1961 «أي أنه
أعاد الفيلم القديم».
وفي السنوات الأولى من مشواره السينمائي لم تبد على سماته التي عرفناها
ابتداء من فيلم «الأسطى حسن» البطولة المطلقة الأولى له، لذا فإننا سنؤجل
الحديث عن سماته على بدايات النجومية، فهو في قرابة 50 فيلماً رجل العصابات
الشرير الذي يدبر المكائد أو الوغد الذي يوقع ببنات الأسر الراقية مثلما
حدث في «غزل البنات» 1949 و«ليلة العيد» 1950 ثم في «أمير الانتقام» 1950
وفي العام نفسه جسد دور المخرج الذي يغرر بالنجمات الجديدات الراغبات في
الشهرة في فيلم «بابا أمين» ليوسف شاهين.
ويكفي أن نقول إنه جسد دور الشرير 23 مرة في عامي 1950 و1951 أما عام 1952
فقد قام فيه بدور أحد رجال «النمر» في الفيلم الذي أخرجه حسين فوزي ثم بدور
«فتوة الحتة» وفيلم «الإيمان» لأحمد بدر خان، والطريف أن هذا هو الفيلم
الذي قام فيه بور الشرير أما محمود المليجي فهو الرجل الطيب الذي يتصدي
للشاب الذي حاول الاعتداء على ابنة أخيه، وفي فيلم «زينب» الذي أعاده
المخرج محمد كريم ناطقاً عام 1952 يقوم فريد شوقي بدور «حسن» والواضح أنه
ارتبط خلال هذه الفترة بهذا الاسم في أفلام عديدة فقدمه في نفس العام في
فيلم «الأسطى حسن» وهو أيضاً حسن في فيلم «أبو حديد»، في تلك السنة 1952
بدأت ملامح فريد شوقي تظهر بشكل جلي «فهو عملاق طويل ملئ بالشباب والحيوية
عريض المنكبين يليق في أدوار ابن البلد، كما أنه في أغلب الأحيان صنايعي أو
حرفي» ولم يحدث له قط أن جسد أياً من الأدوار العاطفية حتى في الأدوار
القليلة التي جسدها في هذا الإطار فكان إما وغداً أو سوقياً!!، مثلما حدث
في أفلام مثل «المجد» و«خطف مراتي» و«مجرم في إجازة».
وهذه السمات التي أشرنا إليها جعلت منه ممثل الحركة الأول في السينما
المصرية لفترة طويلة امتدت حتى نهاية الستينيات، واستفاد من هذه الصفات وهو
يقوم بأدوار الإجرام في عشرات الأفلام الأولى في بداية حياته لكن لا شك أن
دور «الأسطى حسن» في الفيلم الذي حمل نفس الاسم والذي أخرجه صلاح أبو سيف
عام 1952 هو الفيصل في مشواره السينمائي صحيح أنه سيظل يؤدي دور المجرم
الوغد الذي يوقع بالنساء في أفلام كثيرة طوال ثلاث سنوات منذ عام 1953 1955
باعتبار أنه سيتوج مكانته في أحسن حالتها في الفيلمين اللذين قام ببطولتهما
عام 1956 وهما «النمرود» و«رصيف نمرة 5».
بعد «الأسطى حسن» أسند إليه صلاح أبو سيف دور «الأعور» في فيلم «ريا
وسكينة» عام 1953، وفي هذا العام بالتحديد ظهر فريد شوقي على الشاشة في 17
فيلماً كان فيها جميعاً الرجل الشرير صاحب المكائد ومرتكب الجرائم، وكان في
أغلب هذه الأفلام الشرير الذي يبتز النساء مثلما ظهر في أفلام «ظلموني
الحبايب» و«تاجر الفضايح»، لكن رغم كل هذا استطاع فريد شوقي أن يؤكد على
أنه ممثل سينمائي من طراز خاص يملك الموهبة والقدرة على تجسيد مختلف
الشخصيات حتى ولو كانت كلها شريرة.
وفي نفس العام أيضاً 1953 يأتي دوره الذي وضعه في مصاف العمالقة وكان ذلك
في فيلم «حميدو» مع المخرج نيازي مصطفى الذي قدم فيه فريد أفضل أدواره
وأكثرها شعبية، لكن مثلما كان الأسطى حسن وغداً ومتمرداً على أسرته وظروفه
الاجتماعية كان «حميدو» أيضاً وقد قام فريد شوقي بكتابة القصة السينمائية
وأسند السيناريو والحوار إلى السيد بدير والمخرج، مما يعني أن فريد قرأ
ملامحه السينمائية بشكل جيد وصنع من أجل نفسه دور «حميدو» الصياد الخارج
على القانون والذي يتحول إلى مهرب مخدرات، ورغم أن هذه الشخصية خارجة على
القانون فإنها صنعت نجوميته ومن هذا أصبح فريد شوقي يسير إلى الأمام ويمشي
في الطريق نفسه الذي سار عليه أنور وجدي والذي بدأ مسيرته السينمائية أيضاً
بأدوار الشرير والوغد ثم صار يقوم بأعمال رجل القانون، وقد كان فيلم
«حميدو» هو الفيلم الأول الذي بدأت بعده سلسلة طويلة قام فيها فريد شوقي
بالصراع ضد الشخصية التي يجسدها محمود المليجي وهو بداية للثنائي السينمائي
الذي قدم للسينما المصرية تراثاً هائلاً من أفلام الحركة والجريمة
والمغامرات.
في عام 1954 وبعد القفزة الهائلة له في فيلم «حميدو» يجسد فريد دور الشرير
في أكثر من فيلم لكنه بدأ يقلل منها «شيئاً فشيئاً» ومع رحيل أنور وجدي
وخلو ساحة الممثلين الذين يؤدون أدوار الأخيار بدأت أدوار فريد تتغير بشكل
ملحوظ وبدأ يرسم لنفسه نمطاً جديداً من الأدوار يعتمد على كونه البطل الذي
لابد أن يقاوم الشر وينتصر عليه في النهاية وبدأ الجميع يدرك وقتها من
العاملين في حقل السينما أن فريد أصبح هو أكثر المؤهلين ليحل مكان أنور
وجدي على شاشة السينما فنراه يقدم شخصية «سلطان» في فيلم «جعلوني مجرماً»
وهذا النوع من الشخصيات يجد التعاطف الشديد من جمهور السينما فهم ضحايا بلا
سبب. وفي عام 1955 يتوقف فريد تماماً عن العمل ولم تعرض له شاشة السينما أي
فيلم وهذا كان عكس السائد تماماً، فقد كان يقد ما يقرب من 10 أفلام في
العام الواحد وفي كثيراً من الأحيان زاد هذا الرقم حتى وصل إلى «17» عام
1953 كما أشرنا من قبل، وبدا واضحاً أن فريد يحاول اختيار هويته السينمائية
الجديدة وأنه يريد أن يكون بطل الشاشة الجديد الذي يسد فراغ أنور وجدي ولم
يطل انتظار الجمهور فقد ظهر في شكل مغاير تماماً في اثنين من أفضل أفلامه
وهما «رصيف نمرة 5» لنيازي مصطفى و«النمرود» لعاظف سالم وبالطبع لم نشعر
بالدهشة هنا إذا عرفنا أن فريد هو الذي كتب القصة السينمائية للفيلمين،
لأننا أدركنا أنه كان يريد أن يبدأ مرحلة وهوية سينمائية جديدة.
بعد النجاح الهائل لفيلميه الأخيرين بدأ فريد شوقي مرحلة سينمائية مهمة
جداً في حياته وهي من أكثر مراحل مشواره السينمائي نجومية وإنتاجاً كون
خلالها مع محمود المليجي ثنائي سينمائي رائع قدم سلسلة ضخمة من أفلام
الحركة والجريمة والمغامرات ولم يتخلي خلالها فريد شوقي عن شخصية الرجل
الصالح المدافع بقوة عن الحق وعن الخير لنفسه وعن الآخرين وتحول في نظر
جمهور السينما إلى بطل شعبي ولقبه الجمهور بـ «وحش الشاشة» بسبب قوته
الجسمانية التي كان يهزم بها كل أعدائه مهما كانت قوتهم خصوصاً، وبسبب هذا
النجاح الجماهيري الهادر الذي جعل فريد «نجم الشباك» الأول في السينما
المصرية على مدى 20 عاماً منذ فيلميه «رصيف نمرة 5» و«النمرود» عام 1956
وحتى منتصف السبعينيات تقريباً، وهذا ما جعل النقاد يطلقون عليه لقب «ملك
الترسو» وإن كان الأمر لا يخلو من بضع أفلام قليلة جداً خلال هذه المرحلة
كان يحن فيها إلى تقديم شخصية الشرير والغريب أن هذه الأفلام كانت تحقق نفس
النجاح الهادر ويرجع ذلك للعلاقة القوية والحب الجارف بينه وبين جمهوره.
ومن أشهر أفلامه خلال تلك المرحلة نجد أفلاماً مثل: «تجار الموت» 1957،
«الفتوة» 1957، «سلطان» 1958، «أبو حديد» 1958، «بورسعيد» 1957، «أبو
الدهب» 1958، «سواق نص الليل» 1958، «أبو أحمد» 1959، «سوق السلاح» 1960،
«الأخ الكبير» 1960، «دماء على النيل» 1961، «عنترة بن شداد» 1961، «أنا
الهارب» 1963، «بطل للنهاية» 1963، «طريق الشيطان» 1963، «المغامرة الكبرى»
1964، «هارب من الأيام» 1965، «المشاغب» 1965، «شياطين الليل» 1966، «فارس
بني حمدان» 1966، «ابن الحتة» 1968، «ابن الشيطان» 1970، «الغشاش» 1970،
«عصابة الشيطان» 1971، «بلا رحمة» 1971، «ملوك الشر» 1972، «وكر الأشرار»
1972، «رجال لا يخافون الموت» 1973، «أبو ربيع» 1973، «الأبطال» 1974،
«لعنة امرأة» 1974، «شاطئ العنف» 1975.
وإذا كانت هذه قائمة تمثل أهم أفلامه التي غلب عليها طابع أفلام الحركة
والمغامرات والعنف وبلا شك كان يغلب عليها الجانب التجاري، فإن فريد شوقي
كان من الذكاء بمكان بحيث أنه لم يغفل طوال هذه الفترة أن يقدم أفلاماً لها
طابع سينمائي خاص بحيث تبقى من أبرز العلامات في مشواره الفني وبالفعل قدم
عدداً من الأفلام المهمة التي تعد من كلاسيكيات السينما المصرية دون أن
يعبأ مطلقاً بحجم دوره فيها ولا مساحته واختلافه عن أدواره الشجيع التي
تخصص فيها خلال هذه الحقبة، ومن أبرز هذه الأفلام: «صراع في الوادي» 1954
مع يوسف شاهين، «جعلوني مجرماً» 1954 مع عاطف سالم، «باب الحديد» 1958 مع
يوسف شاهين، «بداية ونهاية» 1960 مع صلاح أبو سيف، «واسلاماه» عام 1961،
«كلمة شرف» 1972، مع حسام الدين مصطفى، «أمير الدهاء» 1965، «رابعة
العدوية» 1963. ولابد أيضاً أن نشير هنا إلى محطة مهمة في المشوار
السينمائي لهذا النجم الكبير وهي محطة الكوميديا، ففي بدايات الستينيات قام
بزيارته الكاتب والمؤلف الكبير بديع خيري وطلب من فريد شوقي أن يساعده في
إحياء تراث نجيب الريحاني، من خلال إعادة تقديم بعض مسرحياته وأفلامه،
واندهش فريد بشدة من هذا الطلب الغريب من الكاتب الكبير وقال له «أنا ممثل
أكشن وحركة وتراجيديا ودراما ولا علاقة لي بالكوميديا، والريحاني كان وسيظل
نجم الكوميديا الأول على مر العصور» لكن بديع أخبره أنه لا يصلح لهذه
المهمة غيرك لأنك أكبر نجم سينمائي الآن وأنا واثق على أنك ستقدر على هذه
المهمة، وأمام ضغوط عاطفية وأحلام إنسانية وافق فريد شوقي على خوض التجربة
رغم خطورتها فهو لم يجرب الكوميدي لكن حبه الشديد للريحاني جعله يوافق رغم
المخاطر.
ويقدم فريد شوقي خلال حقبة الستينيات وخلال تألقه غير المحدود في أفلام
الحركة والمغامرات عدداً من مسرحيات الريحاني على مسرحه ثم بعد ذلك حول هذه
المسرحيات إلى أفلام، والمدهش أن هذه الأفلام حققت نجاحاً هائلاً لم يصدقه
فريد شوقي نفسه فقد تقبله جمهوره في الكوميديا وضحك معه مما جعل فريد يواصل
التجربة في أفلاماً أخرى حتى السبعينيات، ومن أهم هذه الأفلام: «المدير
الفني» 1965» «العائلة الكريمة» 1964، «صاحب الجلالة» 1963، «طريد الفردوس»
1965، وقد أخرج هذه الأفلام رائد السينما الكوميدية فطين عبد الوهاب،
بالإضافة لأفلام كوميدية أخرى ناجحة منها: «لعب الحب والزواج» 1964، «30
يوم في السجن» 1966 للمخرج نيازي مصطفى الذي يعد من أكثر المخرجين الذين
تعامل معهم فريد شوقي طوال مسيرته السينمائية، وأفلام أخرى مثل «الزوج
العازب» 1966 لحسن الصيفي، «ألف ليلة وليلة» 1964 لحسن الإمام، «دلع
البنات» 1969 من إخراج حسن الصيفي.
وفي منتصف السبعينيات يفاجئ فريد شوقي جمهوره بتغيير جلده السينمائي تماماً
وذلك عندما أدرك بحسه وذكاءه الفني أن عمره قد وصل إلى «55» عاماً وفقد
الكثير من لياقته البدنية وأنه أصبح لا يصلح للاستمرار في تقديم أدوار
وأفلام الأكشن والحركة والمغامرات، وأنه لو استمر في تقديمها ستفتقد هذه
الأفلام للمصداقية وهو لا يرضي أن يخدع جمهوره فمن سيصدق أن رجلاً في هذا
السن يستطيع أن يضرب أعداءه ويهزمهم مهما كانت قوتهم كما كان يفعل في
أفلامه، فقرر أن يتحول إلى نوعية مختلفة تماماً من الأفلام والأدوار حيث
قرر أن يقدم الأدوار والشخصيات الإنسانية الأقرب إلى الميلودراما وأيضاً
شخصية الأب بكل صورها وأشكالها، وبدأ هذه المرحلة بالفعل بفيلم غارق في
الميلودراما وجسد خلاله دور رجل في أواخر العمر وقد هزمته الحياة وتنكر له
أبناءه الذين أصبحوا رجالاً، وكان هذا الفيلم هو «ومضي قطار العمر» مع
المخرج عاطف سالم عام 1975.
حقق الفيلم نجاحاً جماهيرياً هائلاً وكان الجمهور يبكي في صالة العرض
السينمائي وهنا أدرك فريد شوقي أن مغامرته نجحت وحساباته كانت صحيحة واستمر
فريد يقدم هذه النوعية من الأدوار حتى آخر حياته أي على مدى أكثر من 20
عاماً وكانت أفلامه جميعها تحقق النجاح ولم تتراجع نجوميته أو تتقلص مكانته
على عكس الكثيرين من أبناء جيه التي تراجعت مكانتهم وتقلصت نجوميتهم عندما
تقدموا في العمر وبعضهم ابتعد عن السينما تماماً، لكن فريد ظل محتفظاً
بمكانته وكان اسمه هو الاسم الأول على أفيش وتترات أفلامه حتى وفاته.
ومن أشهر أفلامه التي قدمها خلال هذه المرحلة «الكرنك» 1975، «توحيدة»
1976، «وبالوالدين إحساناً»، «كفاني يا قلب»، «هكذا الأيام»، «دعاء
المظلومين»، «السقامات»، «أفواه وأرانب» وكل هذه الأفلام عام 1977، «قطة
على نار» «البؤساء»، «الندم»، «أريد حباً وحناناً» 1978، «الملاعين»،
«إسكندرية ليه» 1979، «أبو البنات» 1980، «الباطنية»، «عيون لا تنام»،
«طائر على الطريق» 1981، «الخبز المر» 1982، «مرزوقة»، «وحوش المينا» 1983،
«الليلة الموعودة»، «عندما يبكي الرجال» 1984، «الموظفون في الأرض»، «شهد
الملكة»، «سعد اليتيم» 1985، «امرأة مطلقة»، «منزل العائلة المسمومة» 1986،
«المتمرد» 1988، «قلب الليل» 1989، «شاويش نص الليل» 1990، «آه وآه من
شربات» وهو الفيلم الذي أنتجه وقام ببطولته من أجل ابنته «رانيا» ليشجعها
لتخطو خطوتها الأولى في عالم السينما وقد شاركته رانيا في بطولة الفيلم عام
1992، «دموع صاحبة الجلالة» 1992، «لا يا عنف»، «ليه يا هرم» 1993، «الطيب
والشرس والجميلة» 1994، «الغاضبون»، «الرجل الشرس» 1996، ولم يكن النجاح
الجماهيري وحده هو الذي حققته هذه الأفلام التي قدمها فريد شوقي في الـ 20
عاماً الأخيرة من حياته، بل إنها حققت نجاحاً نقدياً هائلاً وأشاد بها
النقاد بل إنهم اعتبروا أن هذه الفترة من مشواره من أكثر فترات حياته خصوبة
وعطاء وأن كم الأفلام الجيدة والرائعة التي قدمها خلالها تعد أضعافاً
مضاعفة لما قدمه من أفلام جيدة طوال مسيرته الفنية، ولا شك أن هذا الاحترام
والتقدير النقدي والجماهيري يحسب لفريد شوقي، فنادراً ما يحافظ نجم على
مكانته الفنية بهذا الشكل وهو في نهاية مشواره الإبداعي، لهذا ظل محتفظاً
بلقب «الملك» حتى آخر يوم في عمره، وكان الوسط الفني في مصر وخارجه لا
ينادونه إلا بهذا اللقب. ولم يكن فريد شوقي مجرد نجم سينمائي قدم للسينما
ما يزيد على «300» فيلم وحققت أفلامه النجاح المنقطع النظير واحترمها
النقاد والجمهور، بل إنه أيضاً كان منتجاً وأسس شركته للإنتاج عام 1952
وحملت اسم «أفلام العهد الجديد» وقدم من خلالها كماً كبيراً من أفلامه
الناجحة، كما اشترك في تأسيس «شركة اتحاد الفنانين» عام 1986 وهي من أكبر
شركات التوزيع والإنتاج السينمائي في مصر وقد أطلقت الشركة اسمه وهو لا
يزال على قيد الحياة على إحدى دور السينما التي تملكها بالقاهرة. لم يكن
نشاط فريد شوقي الفني قاصراً على السينما فقط فهو أيضاً صاحب تراث هائل في
المسرح والتلفزيون وقد كتب أيضاً قصص مسلسلاته التلفزيونية التي نذكر منها:
«الصول مجاهد»، «الشاهد الوحيد»، «شاهد إثبات»، «عم حمزة»، «البخيل وأنا»،
«قلب الأسد»، «العرضالجي»، ومن أهم مسرحياته «الجلف»، «صلاح الدين»، «أولاد
الفقراء»، «رجل الساعة»، «أولاد الشوارع»، «الدلوعة»، «شارع محمد علي»، «30
يوم في السجن»، وقد حصل فريد شوقي طوال مشواره الفني ما لا يمكن حصره من
الجوائز على أعماله وأفلامه في مهرجانات سينمائية دولية ومحلية عديدة كما
حصل أيضاً على العديد من الأوسمة والتكريمات من جهات ومؤسسات وحكومات من
مصر والدول العربية.
أما على المستوى الإنسان فقد تزوج فريد شوقي 5 مرات وأنجب 5 بنات من ثلاثة
زوجات ابنته الكبرى «منى» من زوجته الأولى «زينب عبدالهادي» وتزوجها في
الأربعينيات، وأنجب من زوجته الفنانة هدى سلطان اثنتين من بناته «ناهد
ومها» وبعد انفصاله عن هدى تزوج من «سهير ترك» عام 1971 وأنجب منها ابنتيه
«عبير ورانيا» وتعمل ثلاثة من بنات بالفن، ناهد منتجة سينمائية وتلفزيونية،
وعبير مخرجة ورانيا ممثلة ونجمة معروفة، وفي يوم 27 يوليو عام 1998 رحل عن
عالمنا «الملك» هذا التاريخ السينمائي والفني المسمى بفريد شوقي، رحل وترك
فنه حاضراً وترك أيضاً شارعاً يحمل اسمه بحي المهندسين بالقاهرة وهو الشارع
الذي يقع فيه منزله وترك أيضاً مسجداً يحمل اسمه إلى جوار منزله لتنتهي قصة
واحد من أساطير السينما المصرية والفن المصري.
النهار الكويتية في
14/08/2011 |