رغم انتهاء المخرج أحمد ماهر من فيلمه «المسافر» في أولى تجاربه
الإخراجية منذ أكثر من عامين، ومشاركته في عدد من المهرجانات الدولية، فإن
الفيلم الذي أنتجته وزارة الثقافة لم يُعرض حتى الآن، إذ تحدّد له أكثر من
موعد للعرض وفي كل مرة يتم تأجيله من دون أسباب واضحة.
عن أسباب هذه التأجيلات، وما أثير عن مشاكل الفيلم مع الرقابة، كان
اللقاء التالي مع ماهر.
·
ما هي أسباب التأجيلات المتكرّرة
لعرض فيلم «المسافر»؟
أسباب التأجيل غير واضحة بالنسبة إليّ، وإن كنت أرى أن موقفي من
النظام السابق قبل سقوطه هو أحد تلك الأسباب.
·
كان ذلك قبل ثورة 25 يناير،
فماذا عن التأجيل بعد حصولها؟
بعد 25 يناير، لم تكن ظروف البلاد السياسية تسمح بعرض الأفلام، وقد
بدا هذا واضحاً في إيرادات السينما في الفترة الأخيرة. كان محدداً
لـ{المسافر» أن يُعرض في شهر يونيو الفائت، إلا أنني اتفقت مع شركة التوزيع
أن يتم تأجيل عرضه احتراماً لثوار ميدان التحرير الذين كانوا لا يزالون
معتصمين فيه، لأنني أعتبر نفسي واحداً منهم، وأهتم في المقام الأول بتحقيق
أهداف الثورة، وبعد ذلك نحتفل بعرض الفيلم.
·
لماذا تقرَّر عرض الفيلم في خمس
نسخ فقط، على رغم تكلفته الكبيرة؟
أعتقد بأن هذا كان متّفقاً عليه قبل اندلاع ثورة 25 يناير، وذلك كجزء
من عقابي على مواقفي السابقة، إلا أن الأمر تغيّر الآن، وقد تحدّثت مع عماد
أبو غازي وزير الثقافة، ووعدني بالتدخّل مع «الشركة العربية للإنتاج
والتوزيع» لزيادة عدد النسخ.
·
قيل إن ثمة مشهدين مقحمين على
الفيلم لجذب المشاهدين، هما مشهد الرضاعة الطبيعية ومشهد ساخن بين سيرين
عبد النور وخالد النبوي.
هذان المشهدان ليسا مثيرين للغريزة، ولا يهدفان الى جذب الجمهور، وقد
تمسّكت بهما بعد اعتراضات الرقابة، لأنهما من الثوابت الدرامية في الفيلم،
وحذفهما سيضرّ بقصة العمل بشكل كبير.
·
لكن سيّد خطاب، رئيس جهاز
الرقابة على المصنفات الفنية، أكد أنه لم يعترض على هذين المشهدين، وأنك
تحاول افتعال مشكلة مع الرقابة من أجل الدعاية للفيلم؟
أولاً، أنا لست المنوط بدعاية «المسافر»، فهي مسؤولية الإنتاج
والتوزيع، وقد علمت باعتراض الرقابة من «الشركة العربية»، ولم أحاول افتعال
أي ضجة، فالفيلم عُرض في مهرجانات كثيرة ولقي إشادة من كثيرين تابعوه، وهو
يُعرض راهناً في أكبر دور العرض في فرنسا وقد وجد إقبالاً كبيراً.
·
ماذا عن هجوم عمر الشريف على
الفيلم؟
يدلي عمر الشريف في الفترة الأخيرة بتصريحات غير مسؤولة، لذا أصبح
كلامه غير مؤثّر.
·
لكن «المسافر» تعرّض للهجوم من
نقاد كثر؟
أرى أن الفيلم تعرّض لحملة منظّمة من الهجوم الشرس، لأن كثيراً من
الصحافيين والنقاد الذين هاجموه لم يشاهدوه، وهذا أمر غير منطقي ويدلّ على
أن الهجوم كان مسبق النية. أنتظر ردّ فعل الجمهور على الفيلم فهو الأهم
بالنسبة إلي.
·
ماذا عن مشاريعك السينمائية
المقبلة؟
انتهيت من كتابة فيلم بعنوان «في أي أرض تموت»، تدور أحداثه في
إيطاليا، ويتناول فكرة الموت في الثقافتين الشرقية والغربية من خلال عالم
عنيف ومخيف، يؤدي بطولته عمرو واكد، وأبحث راهناً عن ممثل آخر أوروبي.
سنصوِّر العمل في إيطاليا وفرنسا بميزانية تقترب من الخمسة ملايين يورو.
·
أعلنت عزمك على إخراج فيلم عن
السيد المسيح، فهل تراجعت عنه؟
كنت أجّلت تنفيذ الفيلم بسبب مشاكل رقابية، إذ ثمة فزع دائم من
الاقتراب من أي موضوعات خاصّة بالأديان، وأعتقد بأن الوقت حان لصنع هذا
الفيلم، خصوصاً أنه بعد الثورة أصبحت ثمة مساحة أوسع من الحرية تسمح بتناول
هذه الموضوعات.
·
هل تتّفق مع دعوات إلغاء
الرقابة؟
من المنطقي أن تسقط الرقابة مع سقوط النظام، إلا أننا ما زلنا أمام
كتلة رجعية لم تصنع الثورة ولم تشارك فيها، لذلك لا بد من إلغاء الرقابة
بعد إعداد قوانين تردع من يعتدي على الحرية.
·
كيف يمكن أن تتأثر السينما بثورة
25 يناير؟
السينما دائماً مرآة تعكس المجتمع، وأعتقد بأن الجمهور سيختلف
بالتأكيد بعد الثورة وستزدهر السينما البديلة والمستقلة والمختلفة
والمتحرّرة أيضاً، خصوصاً أن المؤسسة الصناعية التي كانت مسيطرة قبل الثورة
والتي كانت تسهم في صنع حالة ثقافية متردّية قد سقطت بسقوط النظام.
·
لماذا لم تفكّر في إخراج فيلم عن
الثورة، كما فعل البعض؟
أعتقد بأن الثورة لم تنتهِ، فالصورة غير واضحة حتى الآن. أما بالنسبة
إلي فلم أتخلّص بعد من تعصّبي وانتمائي الى الثورة ودفاعي عنها وانحيازي
التام إليها، وما زلت غير قادر على تقبّل الآراء الأخرى، وبالتالي لا يمكن
أن أكون موضوعياً بل ستكون وجهة نظري أحادية.
·
زرت أخيراً إيران مع وفد سينمائي
بدعوة من وزارة الثقافة هناك، فما هو تقييمك للسينما الإيرانية؟
السينما الإيرانية أول سينما فقيرة في العالم تتمكّن من الوصول إلى
مكانة مرموقة، لأنها تختار موضوعات نابعة من ثقافة الإيرانيين، ولأن الدولة
لديها معهد للسينما وتنتج عدداً ضخماً من الأفلام سنوياً استطاعت بها أن
تصل الى المهرجانات العالمية.
·
برأيك، كيف تحقّق السينما
المصرية نهضة مماثلة لنظيرتها الإيرانية؟
عندما تتخلّص من محاولة إرضاء شريحة واحدة من الجمهور وتتمكّن من
الاستفادة من الثقافة المصرية العريقة.
الجريدة الكويتية في
14/08/2011
ظهور الشخصيّات الدينيّة… قضيّة قديمة جديدة
كتب: محمد بدر الدين
في مرحلة مبكرة في السينما المصرية شرع يوسف وهبي في تقديم فيلم ـ بإنتاج
ضخم ـ يؤدي فيه شخصية النبي محمد (عليه الصلاة والسلام)، فقامت الدنيا
وأثار جدلاً طويلاً، ربما توقّف بشأن صنع هذا الفيلم بالذات، لكنه لم يتوقف
حتى اليوم بشأن قضية ظهور الأنبياء والشخصيات الدينية عموماً، في وسائط
التعبير والتجسيد الدرامي المختلفة من مسرح وسينما إلى دراما تلفزيونية،
فبحكم حداثتها، لم تعرف هذه الفنون اجتهادات وفتاوى الفقه الإسلامي في زمن
مؤسّسيه ورواده، لذلك لزم على المعاصرين النظر والاجتهاد.
فتحت واقعة تجسيد يوسف وهبي شخصية الرسول الكريم في النصف الأول من القرن
العشرين الباب مبكراً لمناقشة الموضوع، أول ما نلاحظه في هذا الخصوص هو سعة
أفق ظهرت منذ البداية، ثم أخذت تقلّ وتضيق، فقد كان ما يشبه الإجماع على
عدم جواز تجسيد شخصيات الأنبياء، لأنهم في مكان من السمو والرفعة بحيث لا
تجوز المجازفة بتصويرهم في السينما، على نحو يستحيل أن يضمن أحد ـ سلفاً ـ
أنه سيكون على مستوى قيمتهم ومكانتهم الخاصة، التي تسمو على كل قيمة ومكانة
بين البشر.
لكن في الوقت نفسه، لم تذهب الآراء والاجتهادات إلى درجة من التضييق،
يأباها الذوق والمنطق، بحيث لم يشمل منع الظهور سوى شخصيات قليلة معدودة.
لذا رأينا في السينما المصرية الفنان حسين صدقي يجسد شخصية خالد بن الوليد،
في فيلم يحمل اسم هذا الصحابي العظيم والقائد العبقري، والفنان يحيى شاهين
يجسّد شخصية بلال بن رباح في فيلم يحمل اسم هذا الصحابي الجليل مؤذن الرسول
والإسلامي الأول والأعظم.
وفي مرحلة لاحقة رأينا على شاشة التلفزيون المصري الفنانة محسنة توفيق
تجسّد شخصية أسماء بنت أبي بكر في تمثيلية سهرة مؤثرة رائعة عن حياة هذه
الجليلة النبيلة الباسلة، من إخراج نور الدمرداش، أحد رواد دراما التلفزيون
المصرية والعربية، كذلك رأينا الفنان عبد الله غيث يجسّد شخصية أبي ذر
الغفاري في تمثيلية سهرة أخرى بالغة الإتقان، عن حياة هذا الصحابي الفذ،
ضمير ملحمة رسالة الإسلام، والرمز الثوري الخالد على مدى الأزمان، وقد أخرج
هذا العمل البديع المخرج الكبير محمد فاضل في أحد أنضج أعماله الدرامية.
لكن لو سألنا أنفسنا: هل نستطيع أن نرى أعمالاً جيدة، عن مثل هذه الشخصيات
الجليلة ونظرائها، في السينما وغيرها من فنون الدراما؟ لوجدنا أن سعة الأفق
ولّت أو انحسرت، والرؤية الرحبة الحصيفة، التي تجتهد بوعي وفهم، حلّ محلها
ضيق أفق كئيب بلا حدود، وأصبحت أعمال مهمة جادة تلقى المطاردة أو العقاب،
ويزداد باطراد التعنّت والتزمّت والإصرار على منعها، والمثال الأشهر هنا
فيلم «الرسالة» للمخرج العربي العملاق الراحل مصطفى العقاد، لا لشيء سوى
أنه ظهر فيه من يجسّد شخصية حمزة عم الرسول، ومن المؤكد أنه كان أحد الأمور
الميسورة أن نرى هذه الشخصية العظيمة الجسورة، لو قُدّمت في مراحل الاجتهاد
الصحيح وسعة الأفق السابقة، التي رأينا فيها الشخصيات السالفة الذكر، حتى
عقد الستينيات ـ وإلى حد ما السبعينيات ـ من القرن العشرين.
على أن سوء الحال والأمور، استمرّ واستشرى ابتداء من الربع الأخير من القرن
العشرين، في هذا المجال كما في كل مجال غيره.
لكن الطريف ـ على سبيل المثال ـ أنه في عام 2011، اعترض الأزهر في مصر على
عرض المسلسل العربي «الحسن والحسين»، فقرر وزير الإعلام عدم عرضه في أي من
قنوات التلفزيون المصري، ومع ذلك عرضت قنوات عربية ومصرية خاصة هذا المسلسل
على نطاق واسع، خلال شهر رمضان، وحقق أعلى نسبة مشاهدة في زمن الفضائيات
والسماوات المفتوحة ووسائل التقنية والتواصل الحديثة، لم يعد المنع ممكناً
ولم يعد القمع في هذا الميدان يجدي شيئاً أو يعني شيئاً.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن فيلماً ملحمياً ناضجاً فنياً وصادقاً
مؤثراً مثل «الرسالة» للعقاد، يقدّم جدوى وخدمة جليلة للإسلام ومبادئه
السامية، أكثر بما لا يقاس أو يقارن، من أدوار المتحدثين باسم الإسلام على
نحو تقليدي متزمّت متعنّت، وهم نوع يهرع إلى المنع والتحريم في كل شيء في
الحياة الإنسانية ـ ما وسعه جهده! ـ وقبل أن يتأمل أو يفكر أو يعقل… لأنهم
ليسوا جديرين بالحياة الإنسانية الحقة، ولا بالإسلام بمفهومه الحقّ، وليسوا
من أولي الألباب… فهم لا يعقلون.
الجريدة الكويتية في
14/08/2011
التصوير في رمضان…
هروب من الكساد وملء فراغ دور العرض
كتب: رولا عسران
قبل بداية شهر رمضان أعلن النجم أحمد حلمي أنه سيبدأ تصوير فيلمه الجديد «إكس
لارج» خلال الشهر الفضيل، على غير عادة، فهو شهر يعتبره النجوم غير
المشاركين في أعمال درامية محطّة للراحة لا سيما أن الاستديوهات تكون
محجوزة للمسلسلات الدرامية، فما الأسباب التي دفعت المنتجين والمخرجين إلى
إحداث هذا التحوّل؟
يرى كثر أن الأحداث التي شهدتها مصر، منذ بدء الثورة في شهر يناير الفائت،
وما استتبعها من فوضى أمنية وحظر تجوال وإلغاء حفلات المساء وتوقّف تصوير
أفلام كان يفترض أن تكون جاهزة للعرض خلال الموسم الصيفي وموسمَي عيدَي
الفطر والأضحى، كلّها أمور فرضت ظروفاً استثنائية تستلزم حلولاً استثنائية
أيضاً.
يبرّر أيمن بهجت قمر، مؤلف فيلم «إكس لارج»، قرار بدء التصوير بعدما كان
مؤجلاً بقوله: «منعتنا الأوضاع الأمنية في بداية العام من بدء التصوير، كما
كان مقرراً، خصوصاً التصوير في الشارع، بالإضافة إلى أن حظر التجوال وقف
عائقاً لأن مواعيده تتعارض مع مواعيد التصوير التي تستمر حتى ساعات الصباح
الأولى، لكن مع الاستقرار النسبي الذي نشهده وتعديل بعض أماكن التصوير أصبح
متاحاً بدء التصوير واللحاق بموسم عيد الأضحى».
ما زال أمام «إكس لارج» متسعاً من الوقت يسمح بالانتهاء منه، وإذا سار
الجدول الذي وضعه فريق العمل حسب ما هو مقرّر سيُعرض الفيلم في موعده
المحدّد، وهذه ميزة لا يملكها فيلم «واحد صحيح» بطولة هاني سلامة، إذ يعدّ
أحد الأفلام السيّئة الحظ، فما إن يتغلّب على مشكلة حتى تواجهه أخرى.
ففي البداية كانت مشكلته مع الرقابة لأن أحداث الفيلم تتضمّن قصة حب بين
شاب مسلم وفتاة مسيحية، تلاها انسحاب بطلات الفيلم بعد موافقتهن على
المشاركة فيه، وقد استهلك صناعه سنتين لحلّ هذه المشاكل لم يتقدّم الفيلم
خلالهما خطوة، لتأتي الثورة وتعطّل التصوير.
إذا كان التأجيل حلاً يملكه فريق عمل «إكس لارج» فهذا الحل لا يملكه فريق
عمل «واحد صحيح»، خصوصاً أن الموعد المقرّر لعرضه وهو عيد الفطر لم يتأكّد
لغاية اليوم.
حلّ مبتكر
لا شك في أن توقّف تصوير الأفلام المقرّر عرضها في عيدَي الفطر والأضحى فرض
حلاً مبتكراً هو التصوير خلال شهر رمضان. في هذا السياق قرّر مخرج «أنا
بضيع يا وديع»، الذي يعدّ استغلالاً لنجاح شخصيّتي حملة قنوات «ميلودي»
الإعلانية وديع وتهامي، تكثيف التصوير لينتهي من الفيلم في النصف الأول من
شهر رمضان، ومن المقرر أن يحلّ على دور العرض المصرية في موسم عيد الفطر،
لذا يبدو الوقت ضيقاً أمام شريف عابدين، فلجأ إلى حلّ آخر هو البدء بمونتاج
المشاهد التي صُوِّرت وتلك التي تصوَّر راهناً استغلالاً للوقت ورغبة منه
في اللحاق بموعد عرض الفيلم.
بدوره تأجّل فيلم «شارع الهرم» مرات بسبب انسحاب بطلاته، وعلى غرار باقي
الأفلام أخّرت الأوضاع الأمنية غير المستقرّة تصويره، لذلك لحق بقافلة
الأفلام التي تُصوَّر في شهر رمضان إنما بمواعيد محددة حرصاً على أمن
الممثلات، حسب ما أشار بطله المغني سعد الصغير بقوله: «دفعنا خوفنا من
تعرّض دينا أو البطلات الأخريات لهجمات البلطجية إلى تحديد مواعيد التصوير
من الثامنة صباحاً حتى الثامنة مساء، خلال هذه الساعات تكون الشوارع مليئة
بالمواطنين، بشكل لا يسمح بوجود بلطجية»، وأضاف: «سينتهي التصوير في غضون
أيام، تمهيداً لعرض الفيلم خلال موسم عيد الفطر».
هروب من الكساد
الهروب من حالة الكساد وإعادة الانتعاش إلى الصناعة السينمائية واللحاق
بموسمَي عيد الفطر وعيد الأضحى وسدّ الفراغ الذي خلّفه غياب الأفلام
العربية في دور العرض واستبدالها بأفلام أجنبية حققت إيرادات عالية خلافاً
للعادة في مصر… وغيرها من الأسباب دفعت المنتجين إلى استغلال الشهر الكريم
لتصوير أفلام من بينها: «ساعة ونصف» للمخرج وائل إحسان، «إصحَ يا نايم»
لمحمد سعد، «صابر مان» للمخرج أكرم فريد… وذلك في محاولة من صناعها للخروج
من أزمتهم.
الجريدة الكويتية في
14/08/2011
وجوه من زمن النهضة لإبراهيم العريس…
الفكر العربيّ تحت المجهر
كتب: بيروت – عبد الله أحمد
صدر عن «مؤسسة الفكر العربي» في بيروت كتاب «وجوه من زمن النهضة»
للكاتب والصحافي اللبناني ابراهيم العريس، ليكون العدد السادس من سلسلة كتب
«معارف» التي تصدرها المؤسّسة شهرياً.
يستعيد العريس في مؤلفه الجديد أسماء كتّاب نهضويين أثروا الفكر
العربي بنتاجهم خلال الفترة الممتدة من الخمسينيات وصولاً إلى بداية القرن
الحالي. تحمل عناوين الفصول التي تتناول المفكرين النهضويين، علاوة على اسم
المفكّر، خلاصة قراءة العريس لفكره، فجاءت على النحو التالي: نجيب محفوظ
ذكريات شخصية ومحاولة أولية لقراءة أعماله، يحيى حقي عين ترصد التخلّف وعين
تواكب السير إلى الأمام، روز اليوسف إسمها الأصلي فاطمة اليوسف، ابنة
طرابلس اليتيمة التي أسست مسرحاً وصالة، توفيق الحكيم مسار متألّق بين روح
تعود ووعي مفقود، عباس محمود العقاد ساخر موسوعي صنع نفسه بنفسه، طه حسين
البحث عن نهضة تستوعب العصر وتهضم الأصالة، محمد كرد علي الانفتاح على
العالم دواء لجمودنا وتخلّفنا، جبران خليل جبران أحلى الحقائق تكون أكثر
جمالاً وفائدة حين لا تقال، أمين الريحاني أديب وشاعر ومؤرخ أم مبعوث
أميركي في المنطقة، شكيب إرسلان نحو حلّ أمثل لمشكلة العلاقة بين العروبة
والإسلام، جرجي زيدان الإسلام ضرورة عربية والأديب كاتب عمومي، محمد رشيد
رضا عودة إلى الجذور على أن ندرس علوم الغرب وتقنياته، عبد الرحمن الكواكبي
بين حب القاهرة واستبداد اسطنبول ولدت الفكرة العربية، جمال الدين الأفغاني
ألغاز في الحياة وفي الممات، رفاعة الطهطاوي عين ترصد وعقل ضد الانغلاق على
الذات.
يستعيد العريس مع هؤلاء المفكرين والكتاب حقبة من التاريخ الثقافي
العربي المعاصر ومن خلاله ملامح مسيرتهم الفكرية والميادين التي خاضوها
والمجالات التي تطرّقوا إليها، والطابع الإشكالي الذي وسم نصوصهم بحثاً
ودراسة وتحليلاً، إضافة إلى محاولات التجاوز والتخطّي التي مارسوها لكل ما
هو تقليدي ومغلق في مجتمعاتهم، سواء من خلال البحث في النصوص المقفلة أو من
خلال الاحتكاك بثقافة الحضارة الغربية.
يبدأ المؤلّف من رفاعة الطهطاوي ورحلته الباريسية التي انعكست على
كتابه الشهير «تخليص الإبريز» وبدا ذلك من خلال مواقفه الداعمة لتعليم
المرأة والتقدّم العلمي والقانون والمساواة والحرية، على أن رحلة الطهطاوي
الباريسية، التي شكّلت نقطة تحوّل، ليس في حياة هذا المفكر فحسب، بل أيضاً
في نسيج الثقافة العربية وفي نسيج المجتمع العربي. فـ{تخليص الإبريز» يختلف
جذرياً عن كلّ كتب الرحلات والانطباعات التي نعرفها، سواء أكانت كتباً
وضعها غربيون عن زياراتهم إلى الشرق، أم كتباً وضعها شرقيون عن زيارتهم إلى
الغرب، لأن الطهطاوي وكما ورد في الكتاب – كان يقيم على الدوام نوعاً من
المقارنة بين ما يراه «هنا» ويعرفه «هناك»، لكن محكومة دائماً بمبدأ عقلي
لا مراء فيه، مبدأ عقلي قد يصل أحياناً إلى حدود التلفيق والتوفيق، حين نرى
الشيخ وهو يتمنّى لو اجتمع في هذا المجال أو في تلك الظاهرة «أحسن ما
عندنا» و{أحسن ما عندهم».
الأفغاني
يتناول العريس بالتحليل الأسئلة كافة التي طرحتها هوية جمال الدين
الأفغاني وما قيل في فكره، وما كتبه عنه كبار المؤرخين من أمثال جرجي زيدان
وسليم العنهوري وآخرين. ثم يعرض لأبرز محطات حياة جرجي زيدان الذي لجأ إلى
مصر هرباً من ظلم الدولة العثمانية وجورها، وكان له الفضل في تأسيس مجلة
«الهلال» المصرية، وأثار مسألتين مهمتين هما مسألة التأقلم العربي ومسألة
الإبقاء على الهوية العربية.
كذلك يخوض المؤلف في فكر شكيب إرسلان المفكر السياسي، ويفنّد
الإشكاليات التي طرحها كتابه الأشهر «لماذا تأخر المسلمون وتقدّم غيرهم»،
ومبررات دعوته إلى الوحدة الإسلامية، ومطالبته الحثيثة لرابطة بين المسلمين
أعلى وأرقى.
شدّد الكتاب على عروبة النهضويين. فكان الكواكبي، الذي اعتبر أن العرب
رواد الإسلام وممثلوه الأكثر نقاء، يعلن أن الخلافة ينبغي أن تكون لهم، وأن
تستعاد من العثمانيّين غير الجديرين بها. السلطنة وحدها قد تكون جديرة بهم.
وعبر هذا الكلام الذي كان فريداً من نوعه في ذلك الحين، يظهر اهتمام
الكواكبي بإعادة الاعتبار إلى الجنس العربي الذي كان فقد الأسبقية في
الدولة الإسلامية منذ عهد الأمويّين، وبهذا المعنى عبّر «عن يقظة الوعي لدى
العرب، لكن هذا لا يمكن أن يتمّ إلا عبر الإسلام: أي أن الكواكبي، في كلمات
أخرى، لا يعبّر بصورة مباشرة عن مطلب عربي خالص بل عن مطلب إسلامي: إنه في
سبيل إعادة الاعتبار إلى الإسلام في عظمته الأولى يقترح أن تعود الخلافة
إلى الجنس الذي كان جعل للدولة الإسلامية تلك العظمة».
جبران
يطرح إبراهيم العريس سؤالاً رئيساً حول أدب جبران خليل جبران والسيرة
الجبرانية عموماً، مثيراً مسألة نتاجه الذي لم يخضع حتى اليوم لدراسة
منهجية عميقة، واهتمام النقاد والكتاب بالأسطورة الجبرانية وشخصية الكاتب
وانتمائه اللبناني وحسب، عارضاً لسيرة حافلة بالمآسي ونظريات جبران في بلده
وفي قضايا فلسفية وإنسانية كونية إلى جانب علاقاته العاطفية بكل من ماري
هاسكل والكاتبة مي زيادة. ويفتح الكتاب النقاش على فكر محمد كرد علي
وأسلوبه الخلدوني، والأديب طه حسين أو «فولتير مصر» كما لقّبه العرب،
قارئاً في أدواره الجذرية المتعددة التي أسهمت في الانتقال بالإنسان العربي
من التخلّف إلى التقدّم، وملقياً الضوء على جوانب مهمة مما كتبه طه حسين في
مجال الفكر والأدب والإصلاح والتاريخ واللغة أيضاً، ودوره في إرساء عقلانية
الفكر والاستقلال في الرأي والتحرّر في البحث.
يشكِّل هذا الكتاب إضافةً في هذا المجال، لتعريفه بفكر النهضة
العربيّة الممتدّة من أواسط القرن التاسع عشر وحتى نهاية الربع الأول من
القرن العشرين، ولا سيما تعريفه بالاتجاهات الفكرية المتنوّرة التي سادت
الحياة الثقافية العربية في تلك الفترة الزمنية الواعدة من تاريخنا العربي
الحديث. ولعلّه في هذا السياق يتميّز في منهجيّته التي تناولت حيوات وأفكار
ومواقف ورؤى عدد من المفكرين العرب الأكثر تنوّراً، وصهرها من ثم في مزيج
مبدع، يُدخل القارئ، على اختلاف مستوياته التعليميّة والثقافيّة، في صلب
هذه الشخصية وإطارها البيئي والثقافي والاجتماعي والسياسي، ذلك من ضمن
جدلية الخاص والعام، والفردي والمجتمعي، والذاتي والعمومي.
الجريدة الكويتية في
14/08/2011 |