رحلة في عالم الحب في السينما العالمية، ترصد أبرز نتاجات الفن السابع التي
توقفت في محطة الحب والرومانسيات العذبة... وهي دعوة للمشاهدة
والقراءة...والاستمتاع.
تذهب رواية «ذهب مع الريح» لمارغريت ميتشل بعيدا في التعامل مع موضوع الحب
على خلفية الحرب الأهلية في الولايات المتحدة الاميركية والتي تكاد قد دمرت
كل شيء ويظل الحب هو الرهان الحقيقي للخروج من مأزق ذلك الدمار وانهار الدم
التي سالت والعلاقات الاجتماعية التي اصابها الكثير من الخلل والعطب. فيلم
ورواية كل منهما يذهب الى الحب كموضوع وان ظلت الحرب الأهلية تطل بقوة
وتفرض حضورها وهيمنتها على الفعل الروائي للاحداث. فمع كل همسة حب عشرات
القتلى ومع كل مفردة سخية بالاحاسيس العاطفية شلال من الدماء التي تصبغ
الشاشة باللون الاحمر وكأن ذلك الفيلم يريدنا ان نقلب صفحة الالم وبلا رجعة
من اجل شيء اكبر واسمى وهو الحب.
فحينما صدرت رواية «ذهب مع الريح» لمارغريت ميتشل بادرت ستديوهات «ميترو
غولدين ماير» الى شراء حقوق ذلك العمل الروائي المتميز، من خلال احدى
شركاتها «سيلزبنك»، وبدأت التحضير لانتاج عمل سينمائي كان يومها هو الأغلى
والأعلى كلفة، من أجل ترسيخ المعاني والقيم الكبيرة التي تؤكد عليها
الرواية، فكان ذلك التحدي الأكبر، والمنعطف الأهم في تاريخ السينما
وستديوهات «ميترو غولدين ماير» ومع فيلم «ذهب مع الريح» (Gone
with wind) الذي أصبح لاحقا من التحف الخالدة في تاريخ الفن السابع والسينما
العالمية بشكل عام.
ومن خلال هذه الرحلة في فضاء سينما الحب والرومانسيات، تعالوا نذهب الى عرض
وتقديم ذلك العمل السينمائي الذي أخرجه فيكتور فيلمنغ عن رواية مارغريت
ميتشل الشهيرة التي تحمل الاسم ذاته، والتي تصدى لكتابتها كنص سينمائي
السيناريست سيدني هوارد.
ونذهب الى الفيلم والأحداث التي تأتي على خلفية انعكاسات الحرب الاهلية
الأميركية، بالذات في الجنوب الأميركي، وحالة الدمار التي عاشها المزارعون،
وفي المقابل فرض هيمنة المجتمع الصناعي، وترسيخ قواعد وخطاب وقيم الفائزين
في تلك الحرب الضروس التي التهمت كل شيء، وحولت الجنوب الأميركي الى نيران
مشتعلة أكلت كل شيء، وعملت على فرض منهجيات جديدة، لعل أبرزها انهيار
الكيانات الاقطاعية وتحرير العبيد، وانعكاس ذلك على الخط العاطفي الشذي
الذي كان يحرك الأحداث الدرامية في ذلك الفيلم ومن قبله العمل الروائي
المتفرد.
قصة حب كبيرة، متداخلة، قطباها الفتاة الجنوبية «سكارليت اوهارا» التي تقع
في غرام أحد أبناء الاقطاعيين في الجنوب اشلي ويلكس، والذي لا يلتفت الى
ذلك الحب وتلك العاطفة الجياشة، لتضطر بدورها للزواج من تشارلز هاملتون
«اخو زوجة اشلي ويلكس»، وتدعى «ميلاني» كل ذلك، من أجل ان تظل قريبة من
حبيب القلب «اشلي» والذي لم يكن حتى ذلك الوقت، يعرف بمكنون حبها.
في تلك الأثناء تبدأ شخصية جديدة، بالظهور خلال أحداث الفيلم تتمثل في
البطل المغامر ريت بتلر، الذي يحب بدوره «سكارليت» لكن انشغالها بحب اشلي
وظروف أسرتها وزوجها، جعلها لا تلتفت الى «ريت» الا في الأحداث الأخيرة،
خصوصا، بعد ان يتركها... الى مزيد من الكوارث من تداعيات تلك الحرب الكبرى،
التي خلفت من الويلات الشيء الكثير والكبير.
النص الروائي، كما الفيلم، تنطلق أحداثه، في عام 1861 في مزرعة للقطن في
ولاية جورجيا الأميركية، قبيل لحظات من اندلاع الحرب الأهلية الأميركية
«بين الشمال والجنوب» حيث نشاهد الصبية الجميلة سكارليت اوهارا وهي الابنة
الكبرى لمهاجر ايرلندي «جيرالد اوهارا» برفقة أمها ابلين، وهنا نلاحظ آثار
الحزن والاستياء بسبب خطبة اشلي لقريبته ميلاني وفي تلك الحفلة، تلتقي
مصادفة مع البطل القومي ريت بتلر، والذي يصارحها بان الحرب ستكون لصالح أهل
الشمال، لمستواهم الصناعي والمالي، ولكن سكارليت كانت مشغولة بحب اشلي
ولهذا توافق على الارتباط بشقيق زوجته، دون ان تحمل له أي عاطفة، في حين
يظل اشلي مشغولا عنها، في الوقت الذي يطاردها ريت بتلر بحبه وعواطفه وتندلع
الحرب... لتطحن كل شيء.
حيث يموت زوجها تشارلز هاملتون لتصبح أرملة، وهنا يحاول ريت ان يطور علاقته
بها، ويكشف عن جوانب ايجابية في شخصية، بعد سنوات من العمل في التهريب.
وتزدحم الأحداث بعد هروب سكارليت مع ميلاني الحامل... في حين يذهب ريت الى
الجبهة حيث يشهد انهزام جيش الجنوب ويتم أسره.
ولكن أحداث ذلك الفيلم لا تنتهي، اذ تقرر سكارليت ان تعود الى مزرعة
والدها، مع أخيها وميلاني زوجة اشلي، وهناك تبدأ مواجهة من نوع آخر، مع
الفقر والحاجة والجوع وهي تؤكد دائما، ان هناك دائما يوم آخر... حتى ولو
كانت من حصاد الألم والموت والحرب.
كم من الشخصيات التي تخوض كما من التحولات، نتيجة الحياة العاصفة التي تطرح
الحرب وويلاتها، وتظل الشخصية المحورية هي، سكارليت اوهارا، التي ترفض من
خلالها انهيار حياة الارستقراطية الجنوبية، وطغيان قانون الحرب وانتصار
الشمال، وايضا خسائرها العاطفية وتضحياتها من أجل معشوقها.. وأسرتها...
وعودتها الى البدء من جديد، في محاولة لتجاوز كوارث الحروب وويلاتها،
بالذات حينما تطحن الحروب أبناء الشعب الواحد، وتكون المواجهة بين أفراد
الأسرة الوحدة في أحيان كثيرة، عبر صياغة درامية مكتوبة باحتراف عال، تجمع
كما من العلاقات على خلفية تلك الحرب المرعبة، التي حولت الشاشة الفضائية
في العديد من المشهديات الى نار متقدة... تلتهم القطن... والمال...
والجاه... والتاريخ... وتغيير المعادلات، بالذات معادلات القوى.
وكما أسلفنا، فان الفيلم يعتمد على نص روائي، حصلت شركة سيلزبنك «احدى
شركات مترو غولدين ماير» على حقوقه مقابل (50) ألف دولار.
وحينما نذهب الى التمثيل، لابد من الاشارة إلى أن شخصية «سكارليت اوهارا»
استدعى لها النسبة الأكبر من نجمات هوليوود إلا أن الدور والشخصية الأهم
ذهبت لصالح الممثلة الشابة «فيفيان لي» في حين كان دور ربت تبلر محسوماً من
البداية لصالح «كلارك كبيل» وان كانت بعض المصادر في هوليوود، تشير الى أن
غاري غرانت حضر لتصوير بعض الاختبارات لتقديم الشخصية ولكن غرانت كان يومها
يتحرك بقائمة طويلة من الشروط وهذا ما جعل الشركة المنتجة لمخاطبة شركة
ميترو غولدن ماير (الشركة الأم) من أجل استعارة نجمها كلارك كبيل لتقديم
الشخصية الأساسية إلى جوار فيفيان لي.
هذه التحضيرات، اخذت بدورها الكثير حتى على صعيد التصوير، ولعل الجانب
الأهم، هو استبدال المخرج جورج كوكر، بعد عامين من التحضيرات وثلاثة أسابيع
من التصوير، بالمخرج فيكتور فيلمنغ، الذي كان خارجاً لتوه من انجاز التحفة
السينمائية «ساحرات أوز» ومع ستديوهات مترو غولدمان ماير ولكن جميع عناصر
الفيلم يشيرون بالفضل الكبير لكوكو في تدريبهم بالذات النجمة «فيفيان لي»
التي أكدت يومها بأنه لولا «كوكر» لما كان لها أن تقدم تلك النوعية من
الأداء.
والآن تعالوا نتوقف ولو لمجرد الاشارة، إلى أن النص الروائي، ذهب بعيداً في
تقديم عدد من الصور السلبية لممارسة القوات الاتحادية، في حين أكد الفيلم
على بعد آخر، وهو ترسيخ حضور (العرق) الأبيض ذي الأصول الإيرلندية، وإذا
كانت الرواية تحاول انصاف (السود) فإن الفيلم في أكثر من مشهد ظل التعامل
معهم بشكل سلبي، وفي احيان كثيرة وصفهم بـ «العدوانية» مع حالة من
الاستثناء تمثلت بشخصية (مامي) التي نالت عنها هاتي ماك دانيال على اوسكار
أفضل ممثلة مساعدة، وهي أول ممثلة سوداء تحصل على الأوسكار.
أما عن الأداء، فحدث وأسهب، بالذات، بالنسبة للنجمة البريطانية فيفيان لي،
التي عاشت التحولات في تلك الشخصية، بكل مفرداتها، فكانت العاشقة..
والغيورة.. والمحبة.. والانسانة... والمبادرة.. والجسورة.. وفي أحيان كثيرة
المتهورة.. وايضاً الإنسانة التي تحمل النظرة المستقبلية، بالذات، فيما يخص
عودتها مع افراد اسرتها الى مزرعتهم في الجنوب، لأنها قدرهم.. ومستقبلهم.
وهكذا الأمر مع كلارك كيبل في شخصيته «ربت تيلر» ونستطيع التأكيد، بأن
هنالك تعديلاً محورياً في سيناريو عن النص الأدبي الروائي، لأننا مام شخصية
بطل تم تعميق حضوره، ومن يشاهد الفيلم يخلص الى ان الفيلم رشح شخصية البطل
في ذلك الفيلم، عما كان عليه في العمل الروائي، حيث كم من الالتباسات، لا
تجعل البطولة نقية.. وطاهرة.. وهو في الفيلم أقرب الى مفردات البطولة
الحقيقية، بالذات، فيما يخص الذهاب الى النهاية، وهو يعرف جيداً بأن الحرب
ستكون لصالح الشمال.
كما قام المخرج فيكتور فيلمنغ بتقديم المشاهد الملحمية بالذات الحروب
والمواجهات وصراع الأضداد، سواء على صعيد العواطف أو الحروب، فلكل منها
أضداده وخصومه ومواجهاته وضحاياه.. وقد ظل في جملة المشاهد التي قدمها،
يعتمد على مجموعة من المستويات، أولها ما هو في مقدمة الشاشة وثانيها في
عمق الصورة، حيث الدمار هو الحاضر.. وحيث ويلات الحروب هي عمق الصورة..
وهذا ما خلق فعلاً متداخلاً، عمقه الموسيقار ماكس شتايز بحلوله الموسيقية
المدهشة، التي تجعل المشاهد يشعر وكان البناء الدرامي سينهار بكامله، إذا
ما تم إلغاء الفعل الموسيقى الذي اضاف حالة من الثراء للمشهديات
السينمائية.
والآن، تعالوا نستعيد بعض الحقائق، الموثقة والتي طرز بها الفيلم ومنها:
صنف معهد الفيلم الاميركي في عام 1998، في استبيان شارك به أكثر من ألف
سينمائي وناقد، الفيلم ليحتل المرتبة الرابعة في قائمة أعظم مئة فيلم في
تاريخ السينما الأميركية، فهل بعد ذلك من انجاز؟
كما صنف الموسيقى التصويرية التي أبدعها الموسيقار ماكس شتايز بأنها ثاني
أعظم موسيقى تصويرية في التاريخ، وذلك في استبيان اجري عام 2005 في
أكاديمية الفنون السينمائية في لوس أنجليس.
ونشير الى ان الفيلم فاز بثماني جوائز اوسكار من بينها افضل فيلم وافضل
مخرج (فيكتور فيلمنغ) وافضل ممثلة دور رئيس (فيفيان لي) وافضل ممثلة دور
ثان (هاني مكدانيل) وافضل مخرج فني وافضل تصوير وافضل مونتاج وافضل
سيناريو.. في حين لم يفز كلارك كيبل بالاوسكار كأفضل ممثل وهو الخاسر
الأكبر في ذلك الفيلم، رغم ان الفيلم رسخه كبطل تاريخي.. وأحد أهم نجوم
السينما العالمية.
يبقى أن نقول...
فيلم «ذهب مع الريح» السينما حينما تذهب الى سخاء الرواية وعظمتها.والسينما
حينما تذهب الى موضوع الحب في زمن الحروب الأهلية والويلات والالم والموت
حيث لا رهان سوى الحب .. فما اروع ان نحب.
anaji_kuwait@hotmail.com
النهار الكويتية في
02/08/2011
صناع السينما نجوم الزمن الجميل (2-26)
فاتن حمامة.. سيدة الشاشة العربية
القاهرة - أحمد الجندي
إذا كان المسرح هو «أبو الفنون» بحكم انه الفن الأقدم، وإذا كانت هناك فنون
أخرى مثل: الموسيقى الخالصة، وفن الأوبرا والباليه والفن التشكيلي، تعرف
بأنها فنون الخاصة والنخبة، فإن السينما كانت وستظل فناً شعبياً أي «فن
العامة»، وإذا كان الهدف منها عند اختراعها في نهايات القرن الـ 19 هو
التسلية والمتعة والترفيه، فإنها مع مراحل تطورها عبر سنوات وحقب زمنية
متلاحقة، تعاظم دورها ولم تعد لمجرد المتعة والتسلية، بل أصبحت مرآة
المجتمعات، تعكس وتكشف وتعبر عن واقع المجتمع أي مجتمع وتنتقد سلبياته
وتعلو بإيجابياته، من هنا أصبحت للسينما رسالة تنويرية وتثقيفية في حياة
الشعوب والمجتمعات، ومن هنا أصبحت «فن العامة» وفي مقدمة الفنون التي تحظى
بالشعبية.
ومن هنا نجد أن من حق هؤلاء الكبار من فناني السينما المصرية وصانعي تطورها
ونهضتها سواء الذين تحملوا عبء الريادة الأولى، أو الأجيال التالية لهم
التي تحملت عبء التواصل والتطور، علينا أن نكرمهم ونعرف الأجيال بتاريخهم
ومشوارهم ومسيرتهم السينمائية والفنية الحافلة، ليس فقط لأنهم «صناع
السينما المصرية» ومبدعوها عبر مراحل تطورها، ولكن لأنهم مع مرور الزمن
أصبحوا رموزاً لزمن وعصر من الفن الجميل، كان عصراً مفعماً بالهدوء والجمال
والرومانسية والمشاعر الصافية والإبداع الصادق والإخلاص الكامل للفن
وللسينما، عصر نفتقده جميعاً ونتمنى عودته.
لا يصح أو لا يمكن بل من المستحيل على الاطلاق الحديث عن السينما المصرية
والعربية دون ذكر واحدة من أكبر وفي مقدمة فناناتها ألا وهي - فاتن حمامة -
ليس فقط لأنها علامة بارزة في تاريخ هذه السينما ولا لأنها ظهرت لأول مرة
على شاشتها ولم تكن تتجاوز الـ9 سنوات من عمرها وكان ذلك عام 1940 وكانت
السينما المصرية لاتزال في بداية مراحل تطورها، وأيضاً ليس لأنها عاصرت
عقوداً طويلة ومتواصلة في تطور فن وصناعة السينما المصرية، ولكن لأنها
ساهمت وبشكل كبير في هذا التطور وفي اثراء هذا الفن، وأيضاً لأنها ساهمت
وبشكل مؤثر للغاية في صياغة صورة جديرة بالاحترام للمرأة والسيدة العربية
على شاشة السينما، ولعل أفلامها وتاريخها الفني والشخصي يؤكدان هذا بشكل لا
يخطئه ناقد أو مؤرخ أو جمهور، من خلال قائمة طويلة من الأفلام شكلت علامات
تطور حقيقي ومهم في مشوار السينما المصرية والعربية.
لهذا فقد تم اختيار فاتن حمامة كأفضل ممثلة في تاريخ السينما المصرية أثناء
الاحتفال بمناسبة مرور 100 عام على بدايتها ونشاطها وكان هذا عام 1996،
وبعد هذا التاريخ بثلاث سنوات تم اختيار 18 فيلماً من أفلامها ضمن قائمة
أفضل 150 فيلما في تاريخ السينما المصرية، ومنحتها الجامعة الأميركية
بالقاهرة الدكتوراه الفخرية تكريماً لتاريخها ومشوارها الفني الحافل
والمشرف، ولم يكن هذا هو تكريمها الوحيد، فقد حصلت طوال مشوارها على عشرات
التكريمات والأوسمة والجوائز محلياً وعربياً وعالمياً، ولهذا كله هي صاحبة
لقب «سيدة الشاشة العربية» وهي في مقدمة الفنانات والنجمات التي تسكن قلب
وعقل الجمهور العربي كله من المحيط الى الخليج وتحظى بكل الحب والاحترام
والتقدير.
ولدت «فاتن أحمد حمامة» - وهذا اسمها كاملاً - في مدينة المنصورة عاصمة
محافظة الدقهلية بدلتا مصر في 27 مايو عام 1931 وان كان البعض يشير الى
انها ولدت في حي عابدين بالقاهرة دون أي تشكيك في تاريخ ميلادها الذي لم
يثر أي جدل أو خلاف، والدها أحمد حمامة كان موظفاً في وزارة التربية
والتعليم، وبدأ حبها للفن والسينما بالتحديد في سن صغيرة للغاية حينما
أخذها والدها وكان عمرها 6 سنوات لمشاهدة فيلم في السينما وتصادف انه كان
فيلم للممثلة والمنتجة آسيا داغر، وبعد انتهاء الفيلم صفق الجمهور في دار
العرض احتفاءً وتقديراً للفيلم وهنا تهمس الطفلة الصغيرة فاتن لوالدها
وتقول له انها تشعر ان كل هؤلاء الناس يصفقون لها، ومنذ هذا اليوم بدأ حبها
للسينما وبدت مفتونة بهذا العالم الساحر.
ولعبت المصادفة دورها في بداية دخول فاتن لعالم السينما والفن ففي عام 1940
كان المخرج محمد كريم يبحث عن طفلة لها مواصفات خاصة لتشارك في فيلم «يوم
سعيد» الذي لعب بطولته الموسيقار محمد عبدالوهاب، وأثناء تصفح كريم لمجلة
«الاثنين» حيث طالع صورتها وهي بملابس التمريض ضمن مسابقة أجمل أزياء
الأطفال والتي فازت الطفلة فاتن بجائزتها الأولى وأدرك كريم ان هذه هي
الطفلة التي كان يبحث عنها فقد لاحظ البراءة والذكاء اللذان يطلان من عينها
وتذكر انه يحتفظ بصورة لهذا الطفلة ضمن صور الهواة التي كان يتلقاها وقد
أرسلها والدها أحمد حمامة وبادر كريم بالاتصال به على الفور، وفي مكتب محمد
عبدالوهاب جاء بها أبيها وأجرى لها كريم اختبار كاميرا ونالت اعجابه
ليمنحها دور «أنيسة» ورغم ان الدور كان صغيراً الا ان كريم عدل السيناريو
والحوار ليعطي لهذه الطفلة الموهوبة التي لم يتجاوز عمرها 9 سنوات مساحة
أكبر، ومن هنا يكون محمد كريم هو أول من اكتشفها وهو الذي لقنها أول درس في
عالم التمثيل وقام بتوقيع عقد مع والدها ليضمن مشاركتها في أفلامها
المقبلة.
وتمضي 4 أعوام كبرت فيهما فاتن وأصبحت صبية صغيرة فأسند لها كريم دور شقيقة
راقية ابراهيم في فيلم «رصاصة في القلب» أمام محمد عبدالوهاب أيضاً وكان
هذا عام 1944 وبعدها انطلقت فاتن لتقدم في عام 1946 فيلمين الأول «ملاك
الرحمة» الذي اختارها مؤلفه ومخرجه وبطله يوسف وهبي لتمثل دور ابنته بعدها
اقتنع تماماً بموهبتها وأيضاً التقت مع محمد كريم في نفس السنة لتشارك في
فيلم «دنيا» وكان عمرها 15 عاماً وتبدأ فاتن من هذين الفيلمين ما عرف
بمرحلة الميلودراما في مشوارها السينمائي، وخلال ما تبقى من سنوات حقبة
الأربعينيات قدمت فاتن عدداً من الأفلام المهمة وعرضت أدوار البطولة
المطلقة ومن أشهر أفلام هذه الحقبة «القناع الأحمر» و«كرسي الاعتراف» مع
يوسف وهبي و«اليتيمتين» مع حسن الامام و«ست البيت» مع أحمد كامل مرسي و«نحو
المجد» مع حسين صدقي، و«خلود» و«أبو زيد الهلالي» مع المخرج عز الدين ذو
الفقار وحققت هذه الأفلام نجاحاً كبيراً على مستوى الايرادات وشباك التذاكر
اضافة الى النجاح الفني.
وخلال السنوات الأخيرة من الأربعينيات لابد ان نشير الى حدث مهم في حياة
ومشوار فاتن وهو زواجها من المخرج عز الدين ذو الفقار وكان ذلك عام 1947
بعد ان جمع الحب بينهما أثناء تصوير فيلم «أبو زيد الهلالي» وكان عمرها 16
عاماً وكان هو يكبرها بعدة سنوات، وكان لهذا الزواج تأثيراً هائلاً على
المشوار الفني لفاتن، قد تعلمت منه الكثير وقدمت معه عدداً من أهم أفلامها
التي تميزت بالرومانسية الفائقة وشكلت علامات بارزة ليس في مسيرة فاتن
وحدها بل في مسيرة السينما المصرية كلها.
ونأتي الى حقبة الخمسينيات وقد بلغت السينما المصرية في هذه الحقبة أوج
تطورها وازدهارها وقد أطلق النقاد على هذه الحقبة العصر الذهبي للسينما
التي تميزت أفلامها خلال هذه المرحلة بمزيج من الرومانسية والواقعية، وكانت
بالفعل الخمسينيات من أفضل الفترات التي شهدت نضوج وتألق فاتن كماً وكيفاً،
ففي عام 1950 كان لقاءها الأول مع المخرج الكبير يوسف شاهين في فيلم «بابا
أمين» وكان أول أفلامه وتقدم معه بعد ذلك ثلاثة من أهم أفلامه وأفلامها
الأول «ابن النيل» عام 1951 والثاني «صراع في الوادي» 1954 والثالث «صراع
في الميناء» عام 1956 ولهما معاً خلال حقبة الخمسينيات فيلم آخر هو «المهرج
الكبير» عام 1952.
ومن أهم وأبرز أفلام فاتن خلال الخمسينيات أفلام مثل «الأستاذ فاطمة» مع
المخرج فطين عبدالوهاب عام 1952 وأفلامها مع عز الدين ذو الفقار «أنا
الماضي» عام 1951، و«موعد مع الحياة» عام 1953، و«موعد مع السعادة» عام
1955، و«سلوا قلبي» عام 1952، «وبين الأطلال» عام 1959، وقدمت مع المخرج
حسن الامام عدداً من أفلامها المهمة منها «ظلموني الناس» 1950، «أنا بنت
ناس» 1950، «أسرار الناس» 1950، «قلوب الناس» 1954، «الملاك الظالم» 1954،
«لن أبكي أبدا» عام 1957، ومع المخرج حلمي حليم «القلب له أحكام» عام 1956،
و«أيامنا الحلوة» عام 1955، ومع المخرج كمال الشيخ «المنزل رقم 13» عام
1952 و«أرض السلام» 1957 و«سيدة القصر» عام 1958.
كما قدمت مع المخرج بركات عدد كبير من الأفلام المهمة في تاريخها الفني بل
وكونت دويتو سينمائي معه وقدما معاً عدداً من أهم أفلام السينما المصرية
خلال الخمسينيات منها «لحن الخلود» 1953، «أرحم دموعي» 1954، «موعد غرام»
1956، «دعاء الكروان» 1959، «حتى نلتقي» عام 1958، ومع المخرج صلاح أبو سيف
قدمت «الطريق المسدود» عام 1958 و«الله معنا» مع المخرج أحمد بدر خان عام
1955، و«بعد الوداع» عام 1953 مع المخرج أحمد ضياء الدين و«حب ودموع» مع
المخرج السيد زيادة عام 1955، وأيضاً «بنت الهوى» مع يوسف وهبي تأليف
وتمثيلاً واخراجاً.
ولابد من ان نشير هنا الى حدث مهم في حياة فاتن الفنية والشخصية أثناء
الخمسينيات وهو طلاقها من المخرج عز الدين ذو الفقار وزواجها من النجم
الشاب وقتها عمر الشريف، والقصة بدأت عام 1954، حيث كان اللقاء الأول بين
فاتن وعمر من خلال فيلم «صراع في الوادي» الذي جمعهما فيه المخرج يوسف
شاهين وكان أول أفلام عمر وكانت فاتن لاتزال زوجة لعز الدين ذو الفقار،
رفضت فاتن ان يشاركها بطولة الفيلم شكري سرحان، فما كان من شاهين الا ان
رشح الشاب «ميشيل شلهوب» زميل دراسته في كلية فيكتوريا بالاسكندرية، وعرض
الأمر على فاتن التي وافقت على هذا الشاب بمجرد رؤيته والتحدث معه وكان
وقتها قد تخرج من الكلية ويعمل في شركات والده تاجر الأخشاب المعروف حين
ذاك، وأثناء تصوير الفيلم تطلب أحد المشاهد ان تجمع ميشيل «الذي أصبح عمر
الشريف فيما بعد» وفاتن «قبلة» حارة فوافقت فاتن على المشهد - رغم ما عرف
عنها رفضها الدائم لتلك النوعية من المشاهد في أفلامها السابقة - مما أغضب
زوجها عز الدين ذو الفقار وتسبب ذلك في حدوث الطلاق، وفي احدى التصريحات
الصحافية السابقة لفاتن أكدت «أن علاقتها الزوجية مع عز تدهورت في السنوات
الأخيرة لزواجهما بعد ان اكتشفت ان علاقتها معه كانت علاقة تلميذة مبهورة
بحب الفن وانجذبت لأستاذ كان يكبرها بعدة سنوات»، لكن قيل وقتها ان غيرة
فاتن الشديدة على عز الذي كان يعيش حياته بتحرر وانطلاق شديدين كان من أهم
أسباب فتور علاقتهما حتى وقع الطلاق.
وتتطور سريعاً قصة الحب بين فاتن وعمر الشريف ولم يمض سوى عام واحد على
لقائهما الا وحدث الزواج وكان ذلك عام 1955 بعد ان أشهر ميشيل اسلامه وحمل
اسم عمر الشريف ليكون هذا هو الزواج الثاني لفاتن التي كانت وقتها نجمه
شهيرة وكان عمر نجماً جديداً في بداية مشواره ولاتزال صورة زفافهما وفاتن
بالثوب الأبيض وعمر ببدلته السوداء هي الصورة الأشهر بين صور الفنانين
المتزوجين واستناداً الى ما صرحت به فاتن وقتها قالت انها تعيش مع عمر حياة
سعيدة للغاية أشبه بالحلم الذي لا تريده ان ينتهي، لكن الطلاق وقع بينهما
بعد ذلك عام 1974.
ونعود الى استكمال مشوارها السينمائي ونأتي الى حقبة الستينيات لنرى ان هذه
الحقبة مبتورة في مشواره فاتن التي اضطرت الى مغادرة مصر والهجرة منها في
منتصفها وهذا ما سنعرض له في السطور المقبلة، لكن منذ بداية هذه الحقبة
وحتى رحيلها من مصر قدمت فاتن عدداً من أفضل وأهم أعمالها السينمائية والتي
وصلت فيها الى أقصى مراحل نضجها الفني ودقة اختياراتها صحيح لم يكن الأفلام
كثيرة كماً لكن جاءت جميعها مؤثرة ومهمة للغاية ليس في تاريخ فاتن فقط،
ولكن في مسيرة السينما المصرية أيضاً واستهلت هذه الأفلام بفيلم «نهر الحب»
عام 1960 مع زوجها السابق عز الدين ذو الفقار الذي قدم تحفة سينمائية بكل
المقاييس واعتبر الفيلم المأخوذ عن الرواية العالمية الشهيرة «آنا كارنينا»
واحداً من أفضل الأفلام الرومانسية في تاريخ السينما العربية.
هذا بالاضافة الى أفلام مهمة أخرى مثل «الباب المفتوح» للمخرج بركات عام
1963 وفيلمي «لن أعترف» عام 1961 و«الليلة الأخيرة» عام 1963 مع المخرج
كمال الشيخ، و«المعجزة» مع المخرج حسن الامام عام 1962، «وحكاية العمر كله»
عام 1965 مع المخرج حلمي حليم، وبالطبع تحفتها السينمائية الرائعة المتمثلة
في فيلم «الحرام» الذي يعد من كلاسيكيات السينما المصرية وقدمته مع المخرج
بركات عام 1965.
وهنا نأتي الى رحيلها من مصر في منتصف الستينيات وهي قصة قد تكون معروفة
للبعض ولكن الكثيرين لا يعرفونها، ففي عام 1966 تعرضت فاتن لضغوط سياسية
هائلة من جانب أجهزة المخابرات المصرية لاجبارها على التعاون معها وقد حدث
هذا مع فنانات كثيرات غيرها، حيث كانت الأوضاع السياسية في مصر خلال هذه
الفترة مضطربة للغاية، ورفضت فاتن هذا التعاون لأنها وجدت انه يسييء لها
وسيكون نقطة سوداء في مشوارها الفني والانساني الناصح البياض، وزادت عليها
الضغوط وبدا التهديد واضحاً ونصحها صديقها المخرج حلمي حليم الذي عاني
كثيراً من اعتقالاتهم بسبب آرائه السياسية بأن ترفض وترحل من مصر اذا اضطرت
لذلك، وهو ما فعلته فاتن فقد استطاعت السفر سراً بمساعدة الصحافي علي أمين
وكانت قد ساعدها في تهريب بعض أموالها من مصر، وعاشت فاتن متنقلة بين لندن
وباريس وبيروت 5 سنوات كاملة ولم تعد الى مصر الا عام 1971بعد وفاة جمال
عبدالناصر، الذي عندما علم بسفرها وعدم رغبتها في العودة طلب من مشاهير
الكُتاب والفنانين من أصدقائها ان يقنعوها بالعودة الى مصر وكان يصفها
بأنها «ثروة قومية» وقد منحها وساماً فخرياً في بداية الستينيات، الا ان
هزيمة يونيو 1967 وما حدث بعدها قد صرف نظر عبدالناصر عن الأمر كله ولم تعد
فاتن الا في بداية السبعينيات. وأثناء تواجدها خارج مصر قدمت فاتن في لبنان
عددا قليلا للغاية من الأفلام أشهرها «الحب الكبير» عام 1968 مع بركات
و«رمال من دهب» مع يوسف شاهين، وعند عودتها للقاهرة في مطلع السبعينيات كان
في استقبالها في المطار عدد من أصدقائها من الفنانين مثل عبدالحليم حافظ
وحلمي حليم وهنري بركات وسميرة أحمد ورمسيس نجيب وكانت عودتها حدثاً،
واستأنفت فاتن نشاطها الفني على الفور بفيلم «الخيط الرفيع» مع المخرج
بركات عام 1971، وتوالت أفلامها التي كانت قليلة العدد عالية القيمة أثناء
هذه الحقبة مثل «امبراطورية ميم» مع المخرج حسين كمال عام 1972، «أريد
حلاً» مع المخرج سعيد مرزوق عام 1974، و«حبيبتي» عام 1974 و«أفواه وأرانب»
عام 1975و«لا عزاء للسيدات» عام 1979 والأفلام الثلاثة كانت مع المخرج
بركات. ومنذ بداية الثمانينيات وحتى اليوم قلصت فاتن حمامة وجودها
السينمائي بشكل ملحوظ للغاية فلم تقدم سوى ثلاثة أفلام فقط أولها «ليلة
القبض على فاطمة» عام 1984 مع بركات والثاني «يوم مر ويوم حلو» عام 1988
وتعاونت فيه لأول مرة مع المخرج خيري بشارة وفيلمها الثالث والأخير «أرض
الأحلام» عام 1993 وتعاونت فيه لأول مرة أيضاً مع المخرج داود عبدالسيد،
ومن يومها لم تقدم فاتن أي عمل للسينما وأصبحت في شبه اعتزال فني لكنها لم
تعتزل الفن بشكل صريح ومعلن كما روجت بعض الشائعات، حيث كانت تقول في
تصريحاتها الاعلامية المحدودة للغاية انها لم تعتزل واذا عرض عليها دور
مناسب في عمل يحمل قيمة فلن ترفضه وان كانت قد رفضت العديد من السيناريوهات
التي عرضت عليها والتي لم يمل مخرجي ومنتجي السينما من محاولات عودتها، وان
كانت قد قدمت للتلفزيون خلال التسعينيات مسلسل «ضمير أبله حكمت» ومسلسل آخر
عام 2011 حمل اسم «وجه القمر» مع المخرج عادل الأعصر. وبعد هذا الاستعراض
للمسيرة السينمائية لسيدة الشاشة العربية لابد من الاشارة الى نقاط مهمة
جعلت فاتن حمامة تحوذ هذا اللقب بجداره واستحقاق. فالناقد السينمائي د.
أحمد شوقي عبدالفتاح والناقد حليم ذكري يشيران في كتابهما المهم «نجوم
الرومانسية في السينما المصرية» الى ان «فاتن تعد واحدة من الممثلات
والنجمات القليلات اللاتي تعاملن مع التمثيل عمل في المقام الأول والثاني
والثالث ثم تأتي الأشياء الأخرى كالشهرة والمال والمكانة الاجتماعية وربما
الحب والسعادة، ويعود هذا المفهوم وهذه القناعة الى عملها الفني المبكر فقد
بدأت التمثيل في سن صغيرة جداً، اضافة الى ذكاؤها الموروث وتنشئتها
المستقلة وقد أدى هذا الى ان تدرك معنى «الاحتراف» مبكراً دون ان تمر
بمرحلة الطفولة المنطلقة أو المراهقة المغامرة».
وبالطبع وفق هذا التكوين لفاتن حمامة كان طبيعياً ان تدرس التمثيل دراسة
أكاديمية ولم تكتفي بالنجاح الذي حققته والتحقت بالفعل بـ «المعهد العالي
للتمثيل العربي» وكانت من أوائل الدفعات التي تخرجت منه، وذلك حتى تتعرف
على أصول المهنة التي تمارسها بدقة وتلم بكل مفرداتها، وهذا ما تعمدت الا
أشير اليه في بداية استعراضنا لنشأتها وخطواتها الأولى وفضلت ان أشير اليه
هنا مع استعراضنا لتركيبتها الفنية والانسانية، وقد مكنتها هذه التركيبة
الاحترافية الذكية القدرة اضافة الى موهبتها المتفردة أداء جميع الأدوار
ومختلف الشخصيات وهي تضمن النجاح الجماهيري لما تقدمه الى جانب النجاح
الفني والنقدي.
ورغم ان فاتن قدمت - تقريباً - المرأة في جميع أحوالها وتركيباتها ومختلف
مراحل عمرها وطبقتها الى الحد الذي قال عنه أحد النقاد «لا أعتقد ان هناك
امرأة عربية مهما كانت مكانتها الاجتماعية أو العمرية أو الثقافية لم تعبر
عنها فاتن حمامة في أفلامها، ورغم ذلك ستظل الرومانسية هي المساحة الأكبر
التي قدمت خلالها فاتن أروع أفلامها والتي جعلتها نموذجاً للرومانسية على
مدى عصوراً عديدة متوالية وجعلتها تتبوأ هذه المكانة التي احتلتها في قلوب
وعقول الجماهير العربية من المحيط الى الخليج، كما لم تحظى فنانة أو نجمة -
ربما في تاريخ السينما - بالاشادة النقدية مثلما حظيت فاتن فهي كانت صاحبة
أداء خاص، أطلق عليه النقاد «التقمص الداخلي» للشخصية وهذا ما جعلها عندما
تقف أمام الكاميرات تبدو انها بلا ذاكرة غير ذاكرة الشخصية أو البطلة التي
تجسدها ولا شيء آخر غيرها.
وقد شارك العديد من أفلام فاتن في مهرجانات سينمائية عالمية وحظيت فاتن
وهذه الأفلام بالجوائز والاحترام والتقدير، أما الجوائز والتكريمات
والأوسمة التي حصلت عليها فهي كثيرة وعديدة، فبالاضافة الى الدكتوراه
الفخرية من الجامعة الأميركية بالقاهرة عام 1999 وجائزة «نجمة القرن» عام
2000 و3 جوائز من مهرجان القاهرة السينمائي بينهما تكريمان عن مجمل أعمالها
عام 1991 و1996، وجائزة أفضل ممثلة عن فيلمها «أفواه وأرانب» عام 1977
وتكريم من مهرجان الاسكندرية السينمائي عام 2001، كما شاركت في لجان تحكيم
7 مهرجانات سينمائية دولية كبرى هي: موسكو وكان وبرلين والقاهرة وطهران
وفينيسيا والاسكندرية وجاكرتا.
حصلت أيضاً على 3 أوسمة من لبنان منها وسام الأرز مرتين عام 1953، و2000
الى جانب ميدالية الشرف من الرئيس اميل لحود ووسام الشرف من الرئيس رفيق
الحريري، جائزة المرأة العربية عام 2001 وميدالية الشرف من الرئيس السادات،
وميدالية الاستحقاق من الحسن الثاني ملك المغرب، و3 جوائز من مهرجان طهران
السينمائي أعوام 1972 و1974 و1977 عن أفلامها على الترتيب «الخيط الرفيع،
أريد حلاً، أفواه وأرانب»، هذا بالاضافة الى حصولها على لقب أفضل ممثلة
طوال 27 عاماً متتالية حسب استفتاء مجلة «الموعد» التي كانت تقيمه سنوياً
لقرائها ما جعل فاتن تطلب من المجلة - على استحياء - رفع اسمها من
الاستفتاء حتى تعطي الفرصة لممثلات أخريات، ولا يبقى الا ان نقول ان فاتن
حمامة وبعد كل هذه الجوائز والأفلام والتكريمات قدمت للشاشة العربية ما
يزيد عن 90 فيلماً واستحقت ان تكون سيدة الشاشة بجدارة واستحقاق وهي
كانسانة أم لاثنين من الأبناء «نادية» من زوجها الأول عز الدين ذو الفقار،
و«طارق» من زوجها الثاني عمر الشريف وهي جدة رائعة لعدد من الأحفاد ونتمنى
لها المزيد من الصحة والعمر وأن نرى عودة فنية مقبلة لهذه العبقرية.
النهار الكويتية في
02/08/2011
حكايات إنسانية يرويها الأبناء
السيدة مشيرة زوجة سي السيد السينما المصرية تحكي
يحيى شاهين.. لم يكن سي السيد في بيته
القاهرة - سماح مكي
عاشوا بيننا، وأسعدونا بفنهم الجميل على مدار سنوات طويلة قبل أن يرحلوا عن
عالمنا تاركين تراثا فنيا يخلدهم، ويؤرخ لحقبة شديدة الأهمية في تاريخ الفن
العربي.. حتى ان الأجيال الجديدة تتابع روائعهم عبر شاشة التلفزيون دون أن
تعرف شيئاً عن هؤلاء العمالقة الراحلين.
«النهـار» في هذه الحلقات.. تقترب منهم.. من شخصياتهم.. من حياتهم.. تقترب
من هؤلاء الفنانين العمالقة عبر حوارات مع أقرب الأقربين لهم.. الابن أو
الابنة.. الزوج أو الزوجة.. أو حتى الحفيد. نتعرف منهم عن جوانب خفية من
حياة هؤلاء الفنانين العظام.. كيف عاشوا وكيف كانت رحلة كفاحهم عبر الألم
والأمل حتى شارع النجاح والنجومية..
نكشف في هذه السلسلة الحوارية جوانب جديدة في حياة فنانينا الراحلين فنياً
وإنسانياً وأسرياً.
هو واحد من الفنانين الذين تركوا بصمة خالدة في تاريخ السينما المصرية..
وصاحب كاريزما خاصة جعلته يبدع ويتألق في شخصيات كثيرة أبرزها سي السيد
التي قدمها في ثلاثية نجيب محفوظ شاهدة على عبقريته الفنية.. وكذلك في دوره
المتميز في «ارحم دموعي» ودور «بلال مؤذن الرسول» (ص).. اضافة الى مئات
الشخصيات التي جسدها طوال مشواره الفني الطويل.. انه الفنان يحيى شاهين
الذي نتناول أهم ذكرياته مع ابنته داليا وأرملته «السيدة مشيرة».
تبدأ السيدة مشيرة حديث الذكريات عن سي السيد وتقول: اسمه الحقيقي «يحيى
يحيى حسن شاهين» ولد بامبابة بحي «ميت عقبه» بمحافظة الجيزة..في 28 يوليو
1917.. تلقى دراسته الابتدائية في مدرسة عابدين، وقد اشترك في فريق التمثيل
بالمدرسة ثم تولى رئاسة الفريق وبعدها حصل على شهادة الدبلوم في الفنون
التطبيقية قسم النسيج من مدرسة العباسية الصناعية عام 1933.. ثم حصل على
بكالوريوس في هندسة النسيج، وعين في شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة
الكبرى، لكن شغفة بالتمثيل وموهبته دفعاه الى التأخر في تنفيذ قرار التعيين
لينضم الى جمعية هواة التمثيل حتى أتيحت له الفرصة والتقى بأستاذه «بشارة
واكيم».. الذي كان مديراً للمسرح في دار الأوبرا الملكية، والذي أعجب
بموهبة يحيى شاهين واقترح عليه ان يتقدم الى الفرقة القومية للتمثيل التي
كانت تطلب وقتها وجوهاً جديدة من الشباب، غير ان فرص التمثيل على المسرح لم
تتحقق لموسم كامل ما أقلق يحيى شاهين الى ان علم بأن الممثلة «فاطمة رشدي»
تقوم بتأسيس فرقة جديدة وأنها بحاجة الى «جان بريمير» (فتى أول) فتقدم
بالأداء وأعجبت جداً بتمثيله فاختارته لدور الفتى الأول في فرقتها عقب ان
تركها «أحمد علام» الذي انضم الى الفرقة القومية، وهنا بدأت رحلة الفن،
فقدم أعماله المسرحية أمثال «مجنون ليلى» و«روميو وجوليت»، وقد اختتم حياته
المسرحية بمسرحية «مرتفعات ويذيرينج».
تواصل السيدة مشيرة أرملة الفنان الراحل يحيى شاهين ذكرياتها وتقول: في عام
1946ترك المسرح ليتفرغ للعمل السينمائي بعد ان نادته السينما وفتحت له
صدرها ليحقق فيها أضعاف أمجاده المسرحية وكان أول ظهور له في فيلم «لو كنت
غني» بدور هامشي وسرعان ما سطع نجمة ولفت الأنظار اليه ولعب دور البطولة
أمام كوكب الشرق أم كلثوم في فيلم «سلامة» وبعدها انطلق في رحلة سينمائية
تضمنت نحو مئة فيلم أبرزهم: دنانير، محطة الأنس، لو كنت غني، عايدة،
المتهمة، بنت الشيخ، حبابة، المظاهر، سلامة، ضحايا المدينة، غرام الشيوخ،
عواطف، راوية، عادت الى قواعدها، الطائشة، خاتم سليمان، ضربة القدر، أزهار
وأشواك، سلطانة الصحراء، جوز الاثنين، كانت ملاكاً، ورد شاه، فتح مصر،
فتنة، الريف الحزين، ليلى العامرية، قسمة ونصيب، الهام، ابن النيل، انتقام
الحبيب، سلوا قلبي، سيدة القطار، زينب، تاجر الفضائح، مؤامرة، غرام بثينة،
بلال مؤذن الرسول، مرت الأيام، انا الحب، الفارس الأسود، الحياة الحب،
جعلوني مجرماً، ارحم دموعي - قرية العشاق، في سبيل الحب، أين عمري، نساء في
حياتي، عشاق الليل، لا انام، الملاك الصغير، هذا هو الحب، الحب الصامت،
المعلمة، كهرمان، سمراء سيناء، رجل بلا قلب، امرأة وشيطان، زيزيت، مخلب
القط، هذا الرجل أحبه، بين القصرين، المرهقات، صبيان وبنات، باسم الحب،
الاعتراف، تفاحة آدم، 3 لصوص، رجل وامرأتان، ابن كليوباترا (ايطالي)، قصر
الشوق، حدث في مصر (المجر)، روعة الحب، شيء من الخوف، شيء من العذاب،
الأرض، أشياء لا تشتري، البعض يعيش مرتين، الأضواء، الحاجز، السكرية،
الاخوة الأعداء، عجائب يا زمن، الشك يا حبيبي، اسكندرية ليه، الأقدار
الدامية، كل هذا الحب، بنت الباشا الوزير، مذبحة الشرفاء، دموع صاحبة
الجلالة، بالاضافة الى عدد من الأعمال التلفزيونية أبرزها «شارع الموردى»
و«الطاحونة».
بصوت ممزوج بالحزن والحنين تتحدث داليا ابنة الفنان يحيى شاهين وتقول:
عندما رحل والدي كان عمري 13 سنة، وكنت أدرس بالصف الثاني الاعدادي.. لذلك
أتذكر أيامنا الجميلة معاً، والتي علمني خلالها كيف أتحدث بحرية وأقول ما
أحب وما اقتنع به، فكان دائماً يأخذني معه في المقابلات التلفزيونية وأيضاً
خلال التصوير أفلامه بشكل دائم، وكأنه كان يعلم ان الوقت الذي يجمعنا معاً
وقت قصير.. كذلك كان حريصاً على ان يحفظني «القرآن الكريم» وكنا نجلس معاً
كثيراً لقراءة القرآن وحفظه.. والحقيقة انني كنت معجبة جداً بوالدي واخلاصه
في عمله واتقانه لأدواره بشكل كبير، وفي الوقت نفسه الدور الذي لا يعجبه أو
الشخصية التي لا يقتنع بها لا يجسدها، فلم تكن المادة تهمه مطلقاً، وكان
دائماً يحرص على ان تكون الشخصية التي يجسدها صعبة ومركبة.. كي يصل الى
مرحلة من الاستمتاع، خاصة انه كان يدرس الشخصية ويتقمصها ويعيشها بكل
جوارحه.
تستطرد داليا مواصلة ذكرياتها عن والدها يحيى شاهين وحرصه على اتقان
أدواره، وتقول: أثناء استعداده لتقديم فيلم سينمائي كان يحرص على ان تكون
حالة المنزل هادئة، بعيدة عن التوتر، وكانت أكثر أوقات عمله بعد نومي انا
ووالدتي حتى يصل الى الهدوء الذي يرغبه، وعندما كنت أدخل عليه الغرفة وهو
يحضر للشخصية التي يجسدها لا يغضب منى.. بل كان يعلمني كيفية تنفيذ بعض
الحركات بملامح وجهي.. كيف أضحك.. وفي نفس الوقت أبكي؟ وكيف أعبر عن الموقف
بملامح وجهي؟.. في الوقت نفسه كانت والدتي حريصة على ان توفر له جواً
مناسباً للعمل وتتجنب المطالب الكثيرة أو العزومات والولائم للأقارب
والأصدقاء خلال فترة العمل.. ونحن حريصون كل عام على احياء ذكرى والدي
وللأسف الشديد فان هناك حالة من النسيان لتاريخ هذا النجم الكبير، فالصحف
لا تكتب عنه، حتى لو كلمة واحدة وأحياناً والدتي تتصل بجريدة الأهرام كي
تكتب عنه أي خبر بهذه المناسبة، وللأسف لو كتبت لا يكون بالشكل اللائق
لفنان كرس كل حياته للفن واسعاد الناس، لذلك نحرص في ذكراه على قراءة
«القرآن الكريم»، خاصة ان المتواجدين في هذا اليوم هم صديقات والدتي
وصديقاتي والعائلة، وأرملة الفنان «صلاح ذو الفقار» خصوصاً ان كل من كانوا
في جيله انتقلوا الى رحمة الله.
تتجمع الدموع في عيني داليا.. وتقول: مازلت افتقده.. وكنت أتمنى ان يكون
بجانبي يوم زواجي وهو الذي يعطيني لزوجي.
نحترم دموع داليا ونستكمل الحوار مع السيدة مشيرة أرملة الراحل يحيى شاهين
التي تعترف ان يحيى كان متزوجاً قبلها وأن زواجهما كان تقليدياً وتقول:
يحيى كان متزوجا بامرأة مجرية تكبره بسنوات كثيرة وعندها ولدان ولكنه
تركها، وطلب من احدى أقاربه ان تجد له عروسة من بيت محترم ووقع الاختيار
على وتزوجنا في فترة قصيرة جداً وكان الفرح عائليا يضم العائلتين فقط،
وكانت الشبكة «خاتم سوليتير» مازال موجودا عندي وكلما اشتاق ليحيى ألبسه،
وأنجبنا داليا وكان هو في سن كبيرة لذلك كان شديد الخوف عليها.. وكان يحب
الأكل المصري كله وكذلك محشي الفلفل.. والكرشة.. وكان يحب أداء العبقري
«زكي رستم» وكذلك الفنان «فريد شوقي»، بينما كان يكره النفاق والكذب جداً..
ويحب السفر لحد العشق، وكان دائم السفر، وأجمل رحلة جمعتنا معاً كانت رحلة
أميركا وقبل ما ننجب «داليا» وكذلك رحلة المكسيك واليابان وأوروبا.. كل عام
كان لنا شهر نقضيه خارج مصر.. وكان حريصا أيضاً على السفر لأداء العمرة كل
عام.
بابتسامة خفيفة تتحدث السيدة مشيرة أرملة الفنان الراحل يحيى شاهين وتقول..
على فكرة رغم انه أبدع في تجسيد شخصية «سي السيد» في ثلاثية نجيب محفوظ، لم
يكن «سي السيد» في المنزل ولم يكن في أي يوم من الأيام بهذه الشخصية.. فكان
عكس ذلك تماماً فهو شخص حنون وعطوف بل انه لم يكن يتناول طعامه قبل ان
يتأكد من تناولنا الطعام، وكان شديد الاهتمام بنا الى أقصى درجة ويخاف
علينا الى حد الجنون.
أما أقرب الأدوار التي جسدها.. الى شخصيته فهو دوره «آباء وأبناء» وشاركته
الفنانة كريمة مختار.. هذا الدور قريب من شخصيته الطبيعية في المنزل.. كما
انه كان - رحمه الله - وفياً للأصدقاء. وأقربهم الفنان صلاح «ذو الفقار
وعائلته، وحسين المهندس وعائلته.. والفنان حمدي أحمد وكان يحبه جداً.. وكان
لا يفارق الفنان محسن سرحان فكان صديق عمره.. وظل -رحمه الله- وفياً للجميع
حتى مات فجأة.. فقد كانت صحته جيدة جداً لا يشتكي من أي شيء وقبل الوفاة
بأيام كنا عائدين من العمرة.. وقضينا أيام العيد في الاسكندرية، وعند
العودة تعب وتوفى فجأة.
وبفخر تواصل السيدة مشيرة ذكرياتها وتقول: أعتقد ان كل المصريين لم ينسوا
الحملة الدعائية لشركة
GMC وهي «المصري هيفضل مصري النيل رواه.. والخير جواه» فلم يتقاضى عنها
أي أجر وقال انه عمل لمصر، لذلك قام الأستاذ محمد جنيدي (صاحب الشركة)
بتسجيل هذا الاعلان على شريط وأعطاه لي حتى احتفظ به مع باقي أعماله..كانت
وصيته لي ان يدفن مع والدي، رغم انه كان اشترى أرضاً للمدفن الجديد، لكنه
توفى قبل بناء المدفن لذلك عندما حدثت الوفاة فجأة تم دفنه مع والدي، وقد
قام الأستاذ محمد جنيدي بكل تجهيزات المدفن الجديد كنوع من رد الجميل ليحيى
شاهين.. وتم نقله من مدفن والدي الى المقبرة الجديدة التي تم بناؤها بعد
ذلك.
وتختتم السيدة مشيرة ذكرياتها وتقول: رحل يحيى شاهين رحل الزوج الحنون
والانسان الوفي المحترم وترك لي ولابنته داليا رصيدا هائلاً من حب الناس
وتقديرهم وعددا كبيرا من الجوائز والنياشين التي حصل عليها، واحتفظ بها في
دولاب خاص وهذا أجمل ما تركه لنا.. تاريخ فني كبير، وجوائز كثيرة خير دليل
على مكانته في السينما المصرية، أهمها جائزة دعم السينما الجائزة الأولى عن
دوره في فيلم «ارحم دموعي» والثانية عن فيلم «جعلوني مجرماً» وشهادة تقدير
عن فيلم «نساء في حياتي» من مؤتمر فينسيا الدولي، والجائزة التقديرية
الذهبية من جمعية كتاب ونقاد السينما المصرية، كما فاز بوسام العلوم
والفنون من الدرجة الأولى كمهندس تطبيقي سنة 1980، وقد حصل أيضاً على شهادة
تقدير من مهرجان القاهرة الدولي عام 1987، وجائزة مهرجان القاهرة
السينمائيين وجائزة غرف السينما سنة 1989، وحصل أيضاً على وسام الجمهورية
من الطبقة الثالثة من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.. وحصل عل درع أسوان
وشهادة تقدير وتفوق للرواد للسينمائيين سنه 1993 من جريدة الأهرام المسائي.
لقد كان من أبرز الممثلين الذين مروا على السينما المصرية، وله علامات لن
تنسى، مثل أفلام فجر الاسلام.. الاخوة الأعداء.. بين القصرين.. شيء من
الخوف.. قصر الشوق.. وغيرها من الأعمال المهمة التي تركها لنا قبل رحيله عن
عالمنا في 18 مارس عام 1993.
النهار الكويتية في
02/08/2011 |