تطوّر
حضور
السينما
الهندية في فرنسا
"أن
نُحبها، أو نكرهها، أن نعتبرها في الصفوف
الخلفية، أو عصريةً تماماً، نحن لا يمكننا
الاستغناء عنها، ومعها نشعر بأننا أكثر
حيويةً من أيّ وقتٍ مضى، نحن نقول في
بلادنا، بأنها الثقافة الوحيدة القادرة على
جمع شمل الهند، وهناك من يقول أيضاً، بأنها تضفي هويةً، وفرديةً على ملايين
الهنود
الذين غادروا بلادهم، ومنذ عشرات السنين، أصبحت حمى أصابت كلّ الأجيال، هذه
هي
بوليوود".
ـ شيخار كابور ـ
***
كانت الأفلام التي يُقال عنها "بوليوودية غير معروفة في فرنسا، وأصبحت
اليوم ظاهرةً حقيقية، وتخطى هذا الشغف أولئك المُنحدرين من عائلاتٍ هندية،
إفريقية،
أو مغاربية، كي يصل إلى الجمهور الفرنسي نفسه.
في عاميّ 1983، و1985 منح
"المركز الوطني للفنّ، والثقافة" (جورج بومبيدو)
بباريس تكريماً لعموم السينما
الهندية، ونجومها.
وفي عام 2003 بدأ "فانسان بول ـ بونكور" مدير شركتيّ CARLOTTA
و BODEGA
بتوزيع الأفلام الهندية في فرنسا، وتزايد الاهتمام مع النجاحات
التي حققتها العروض التجارية لفيلميّ
"Lagaan"
لمُخرجه "أشوتوش غواريكر" في عام
2002،
و"Devdas"
لمُخرجه "سانجاي ليلا بانسالي" في عام 2003 الذي قدمه مهرجان كان
وقتذاك في عرضٍ خاص، تلاه مشاركة النجمة "أشواريا راي" في عضوية لجنة تحكيم
نفس
المهرجان عام 2003، وفي قلب تلك الأحداث، قدم "مركز جورج بومبيدو" في عام
2004
برنامجاً إستعادياً ضخماً، واحتفى بالأعمال الثمينة لهذه السينما منذ
الثلاثينيّات
وحتى ذلك التاريخ.
وفيما إذا كانت "بوليوود"(وهي كلمةٌ ناتجة عن التلاعب اللفظيّ
بين "بومباي" عاصمة الصناعة السينمائية الهندية، وهوليوود) تُستخدم غالباً
خارج
الهند للإشارة إلى الميلودرامات الكبرى للسينما الهندية
الشعبية مع توابلها الخاصة،
رقصات، أغاني، وموسيقى، أجد بأنه من
الضروري تصحيح سوء الفهم، والخلافات حولها،
وذلك بالكشف عن ثرائها، وتنوّعها.
وهكذا، يجب العودة إلى أصول العروض المسرحية
الحيّة، والتقاليد الشفهية في الهند لفهم
القواعد التي ارتكزت عليها، وتشكلت منها
هذه السينما، وتحيلنا إلى صورة الحكواتية الجوالين في طول البلاد، وعرضها،
يقصّون
حكاياتهم الملحمية، ويمثلون خلال ساعاتٍ، وساعاتٍ حلقاتٍ لا تُحصى من
النصوص
المؤسّسة للـ "مهاباهاراتا"، و"رامايانا" مصحوبةً بالغناء، والموسيقى،
والأشعار
التي أضافها المؤلفون أحياناً .
وجاءت السينما بمثابة استمرارية لتلك التقاليد،
واعتمدت على الشعراء، الموسيقييّن، ومصممي
الرقصات بحثاً عن عرضٍ متكامل، وسنةً بعد
أخرى، تطورت الاستوديوهات في كلّ البلاد من "بومباي" إلى مَدراس مروراً بـ "كالكوتا"، و"تريفاندروم"، وبدأت تتنافس في كمّ الإنتاج، ونوعيته.
ديكورات
مستوحاة من أجواء ألف ليلة، وليلة، إضاءة باذخة، أسلحة، مجاميع، أفواج من
الفيلة،
مؤثرات خاصة، موسيقى، أغاني، ونجوم صعدوا إلى مصاف أنصاف آلهة، وتجمعت
توابل من
الخيال، تلهب أحاسيس المتفرجين، وعواطفهم، وتنقلهم إلى عوالم مدهشة بعيداً
عن قسوة
الحياة اليومية التي يعيشونها.
هذا العدد الكبير من الأفلام التي تُنتج سنوياً،
وتتخطى كمياً الإنتاج الأمريكي، لا تحوي
جواهر فحسب، ولكن الأعمال الكبرى لهذه
السينما الشعبية أصبحت من الكلاسيكيات (ظلت
بعض الأفلام تُعرض في الصالات الهندية
أكثر من 100 أسبوع)، ومع مرور الوقت عرفت كيف تجعل جمهوراً كبيراً يحلم،
وبالآن
ذاته، تُرضي هواة السينما عن طريق أصالتها، وتفردها.
ومع أنّ تيمات الأفلام
متشابهة غالباً، تمزقاتٍ عائلية، علاقات حبّ متعارضة، صراعات اجتماعية، أو
سياسية،
قصص تاريخية، ميثولوجيا ملحمية،.. إلاّ أن السيناريوهات لا تقدم ما ينتظره
الجمهور
فقط، هي في كثير من الأحيان أكثر تعقيداً، تمنح مستوياتٍ متعددة للقراءة،
وتعكس
تساؤلاتٍ مُعمّقة عن نشأة، وتطوّر أمة مازالت تُعتبر شابة، ومجتمعاً
هنديّاً تتصارع
فيه التقاليد، والمُعاصرة.
انتظمت تلك الاحتفالية السينمائية في مرحلتيّن، تركزت
الأولى على تكريم خمسة من مخرجي العصر
الذهبي للسينما الهندية الشعبية فترة
الخمسينيّات، واهتمّت الثانية بموضوعاتٍ
أنشأت جسوراً بين فتراتٍ مختلفة، ومقارنةً
بين مختلف الإنتاجات الإقليمية منذ الثلاثينيّات، وحتى عام 2004.
وانطلاقاً من
النجاح الذي حققته تظاهرة صغيرة بعنوان
Bollywood Week-end
في إحدى صالات باريس،
وبعد دورتين ناجحتين، انتقل هذا الحدث إلى صالةٍ أكبر، وأصبح أسبوع السينما
الهندية Bollywood week
في 26 أبريل عام 2006 تجمع آلافٌ من المُعجبين أمام صالة
Le Grand Rex
لرؤية، وسماع ثلاثة من نجوم السينما
الهندية : بريتي زينتا، راني موخرجي،
شاروخان، وواحدٌ من كبار المنتجين،
والمخرجين، ياش شوبرا، حضروا بمناسبة الدورة
الثالثة لأسبوع الفيلم الهنديّ.
ويمكن تفسير هذا الشغف بثلاثة أسباب، هناك
نماذج مختلفة من الجمهور، المتفرجون
المنحدرين من أصولٍ هندية، مغاربية، وأفريقية
حيث تُشكل هذه السينما جزءاً من ثقافتهم، وهم يشاهدونها منذ صباهم، ومن ثمّ
الفرنسيون، وهي، بالنسبة لهم، اكتشافاً جديداً، سينما تعكس ما يرغبون
مشاهدته،
ملاحم من ثلاث ساعاتٍ، وقصص حبٍّ ممكنة، ومستحيلة، ببساطةٍ شديدة، تيمات
إنسانية
قوية.
وفي 3 ديسمبر عام 2008، شهدت باريس عروضاً استثنائية لفيلم
Jodhaa Akbar (إخراج أشوتوش غواريكر، وإنتاج عام 2008)، ومن ثمّ
تجول في معظم المدن
الفرنسية.
وكان النصر الساحق الذي حققه فيلم
Slumdog Millionaire (إنتاج عام 2008)
في جوائز الأوسكار عام 2009، إشارةً بأنّ نظرة الغرب عن السينما الهندية في
طريقها إلى التغيير، حتى وإن كان الفيلم من إخراج بريطانيّ (داني بويل)،
فقد فازت
الصناعة السينمائية الهندية بكاملها في لوس أنجلوس، تقنييّها، ممثليها،
ومؤلف
الموسيقى، وكانت تحيةً حارة لبلدٍ، واعترافاً هوليوودياً متأخراً بمواهب
بوليوود.
في 29 يوليو عام 2009 عُرض الفيلم الهندي
Saawariya(إخراج سانجاي
ليلا بانشالي، إنتاج 2007) في واحدة من صالات أهمّ المُجمعات السينمائية
المُتمركزة
في وسط العاصمة باريس.
وفي عام 2009 أيضاً بدأت صالة
Le Brady
في وسط حيّ شعبي
يعيش، ويعمل فيه خليطٌ من الأجانب، بعروض تجارية لمجموعةٍ من الأفلام
الهندية
الجديدة.
ومنذ بداياته، حرص "صالون السينما" في باريس على اختيار سينما بلدٍ
معين لتكون ضيفة شرف، وكانت السينما الهندية من نصيب الدورة الثالثة عام 2009.
السينما الهندية حاضرة أيضاً في مهرجاناتٍ فرنسية مثل فيزول، نانت، آميان،
باريس،.. وحتى في كان.
بعد محادثةٍ مع "شيخار كابور" الذي كان عضواً في لجنة
تحكيم مهرجان كان عام 2010 بدأت حكاية إنتاج الفيلم التسجيلي "بوليوود،
أشهر قصة
حبٍّ رُوّيت" ( إخراج راكيش أومبراكاش مهرا، وجيف زمباليست)، وعرض في
الدورة
الرابعة، والستين للمهرجان عام2011.
وتُعتبر التظاهرة السنوية الأهمّ، تلك التي
يُنظمّها "المتحف الوطني للفنون الآسيوية"
في باريس، حيث تقدم في كلّ دورة مجموعة
كبيرة من الأفلام تتمحور حول تيمة محددة : مختارات من الأفلام الهندية
(2004)،
السينما البنغالية (2005)، هنديّ القلب (2006)، الهند نحو استقلالها
(2007)، نجوم
السينما الجماهيرية الهندية (2008)، السينما الهندية الناطقة بلغة
الماراتي،
والمالايالام (2009)، عوالم ساتياجيت راي (2010).
حالياً، لا أحتاج الذهاب إلى
"مومباي"، أو "كيرالا" لمُشاهدة الأفلام الناطقة
بالهندية، أو التامولية، في نفس
الوقت الذي احتفى مهرجان أبو ظبي السينمائي الدولي بالعرض الأول لفيلم Blue "أزرق" (إخراج
أنتوني دسوزا، وإنتاج عام 2009)، كان الفيلم يُباع في المحلات الهندية،
وعندما سمعت بأنّ الفيلم الهندي "نيويورك"(إخراج كبير خان، وإنتاج عام
2009) سوف
يعرض في حفل افتتاح الدورة الـ 33 لمهرجان القاهرة السينمائي
الدولي حتى بادرت إلى
شراء نسخة منه، وشاهدته قبل الوصول إلى
القاهرة.
وعندما تعرفت على قائمة الأفلام
المُدرجة في نفس المهرجان احتفاءَ بالسينما الهندية، وجدت
معظمها في مكتبتي، بينما
كنت أشاهد في "المتحف الوطني للفنون
الآسيوية" بباريس أفلام المخرج الأكثر تفرداً
في السينما الهندية الناطقة بلغة المالايالام "أدور غوبالاغريشنان".
الجميع يعرف
بأنّ باريس مُدللة سينمائياً، ويطال هذا الدلال الأفلام الهندية، والتي
نستطيع
العثور عليها في كلّ مكانٍ تتدلى في واجهته أقمشةً ملونة، وتفوح منه رائحة
البخور.
تجدر الإشارة، بأنّ الأفلام الناطقة بالهندية أكثر حظاً في سوق
المبيعات، لأنها مترجمة إلى لغاتٍ متعددة، ومنها العربية، ويمكن العثور على
الكثير
من الأفلام الناطقة بالتامولية مترجمة إلى الإنكليزية، ولا تخلو الأسواق
من
الأفلام الناطقة بلغاتٍ هندية أخرى، بالإضافة إلى أفلام الجارتين باكستان،
وسيريلانكا.
لا تتوفر اليوم في فرنسا إمكانية مشاهدة الأفلام الهندية في ظروفٍ
جيدة (صالات السينما)، ماعدا المهرجانات، والعروض الاستثنائية، وبين خوف
الموزعين
الفرنسيين، وأصحاب الصالات، والمُتطلبات المالية الهائلة لشركات الإنتاج
الهندية،
يبدو بأنّ السوق الفرنسية مغلقة أمام الإنتاج البوليوودي.
ومع ذلك، يمتلك
المخرجون الذين يعيشون خارج الهند حظوظاً أكبر في العواصم الغربية،
وأفلامهم تتخطى
غالباً الكثير من المحظورات كحال : ميرا نائير، ديبا ميهتا، غوريندر شادا،
نيخيل
أدفاني،...
ورُبما يجب الانتظار، كما حدث في الولايات المتحدة، بأن يبادر ثريّ
هنديّ بشراء شبكة توزيع مكوّنة من 250 صالة كي يتمكن الجمهور الفرنسي من
المُتابعة
المُنتظمة للسينما الأكثر خصوبةً في العالم.
الجزيرة الوثائقية في
02/08/2011
"قمر في زجاجة" ..
أمل الجمل
السماء سقفاً والقمر وسادة إذا قلت "لا" عالية بجرأة
"أبداً لا يفوت الأوان".. بهذا الأمل يحيا أولئك الذين يتخذون من السماء
سقفاً، ومن القمر وسادة.
إن هدفهم في الحياة هو أن يقولوا "لا" كبيرة عالية بجرأة.. ففي رأيهم إما
أن يقول الإنسان "لا" وعندئذ يتطهر، أو يتلقى هو هذه الـ "لا".
تُرى إلى أي الفريقين ينتمي كل منا؟ وإذا كنا ضمن الفريق الأول فكم مرة في
العمر قلنا "لا" كبيرة؟.. ما يحدث في عدد من البلدان العربية المشتعلة
بثورات شعوبها أعاد إليَّ ذلك التساؤل، وذلك الفيلم الإسباني "قمر في
زجاجة" للمخرج "إدوارد جروخو" الذي يدور محوره حول كثير من الترنيمات
الكونية، وماهيات الوجود.
في بداية أحداث الشريط السينمائي يعجز أحد كتاب الرواية المشهورين عن تأليف
روايته الجديدة التي وعد بها القراء، عندئذ يُصيبه الإكتئاب ويلتحق بمصحة
نفسية؛ تفشل كل محاولاته في معاودة الكتابة، مع ذلك يُطمئنه الناشر الخاص
به بوجود "كاتب من الباطن"، مؤلف شاب، موهوب، وكتوم يوافق دائماً على
الكتابة من أجل الآخرين على أمل أن يقوم ذلك الناشر بطباعة روايته التي
ستحمل اسمه هو "زيتا" بعد ثلاثة سنوات.
يبدأ "زيتا" ـ الكاتب الشبحي ـ في البحث عن شيء يمنحه إلهام السرد، يتردد
على ملهى ـ "منتدى ليلي" ـ مسكون بمجموعة من الشخصيات المثيرة، المتنوعة
تتوق إلى الماضي، يجمعها الإحساس بالوحدة، والحرمان من الحب؛ إنهم أكثر
وحشة من القمر، هم أناس لم يُحققوا ما كانوا يرغبون في تحقيقه فأصبحت
الشكوك تُساورهم حول ماهية تلك الحياة.. هل حقاً الحياة ليست إلا مجرد متعة
زائفة؟ ليست إلا خداعا وسراب سعياً وراء أحلام لن تتحقق لأن الأحلام ليست
إلا أحلام؟ ..ذلك ما كان يعتقده عدد من أبطال العمل حتى وقت قريب، قبل أن
يكتشفوا أنه لازالت هناك فرصة ثانية قادرة على تقديم نفسها إليهم، قبل أن
يكتشفوا أنهم كانوا في حاجة إلى الإيمان فقط بوجود مثل تلك الفرصة.
أبطال الفيلم الذين أصبحوا شخوص رواية "زيتا" هم: الفتاة الصينية العرافة
التي اعتدى عليها مجموعة من الشباب الفاسدين لكنها رفضت التخلص من الجنين
وأصرت على الإحتفاظ به؛ و"إليزا" الفتاة الشابة التي تعمل كنادلة في "نادي
ليلي" والتي وقفت يوم زفافها بجوار خطيبها أمام القسيس الذي أخذ يتلو مراسم
الزفاف، لكنه عندما يسألها هل توافقين على الزواج من هذا الرجل تُجيب: "لا
" ملتفتة إلى الحضور ومشيرة إلى إحدى الفتيات قائلة: فلتتزوجه هي، لأنها هي
التي كانت تُضاجعه؛ ثم شخصية صانع الأحذية الذي أدمن الكحول بعد إفتراقه عن
حبيبته، مما جعل صاحب المصنع يُهدده بالطرد فقرر أن يستقيل هو بكرامته..
إنه قال "لا" يوماً ما، مع ذلك فقد تحوّل إلى أسير مرضه رافضا مراجعة
المستشفى خوفاً من الموت، مؤكداً أن أخطاء الأطباء تنتهي في توابيت، إلى
جانب ذلك تُوجد شخصية "البروفسور" الكيميائي الذي كان مهووساً بتحليل ألوان
الكون.
تُرى في أي لون نرى الكون؟ في لون أحمر مختلط بخط أزرق رفيع؟ أم أنه "بيج "
مثلما يراه البروفسور؟ ..ربما تفاؤل ذلك البروفسور وإحساسه بالكون هو ما
جذب إليه تلك المرأة العجوز المتفائلة المنقبة عن البهجة والحب حتى بعد أن
ولى شبابها وإنزوى جمالها.
إلى جانب ذلك هناك الفرقة الموسيقية الغجرية التي يدعي قائدها المتوحد مع
الكون أنهم عبروا المحيط "بالأكورديون" سباحة ومن خلفهم بغلهم المثير للضحك
والمحمل بالمعاني الرمزية؛ هذا الرجل الغجري لا يمتلك مالاً لتناول طعامه
فيجعله مدير الملهى يرسم مقابل الحصول على الخبز، وعندما يأتي الليل يرقد
إلى جوار الكنيسة قائلاً : "ربما يتذكرنا الرب.. فالحياة تتغير على حين
غرة.. ربما تتحول أحياناً إلى الأسوأ.. لكن أملنا في المدينة الكونية
الفاضلة.. فيها يمكننا أن نمتطي القمر؛ إنه أشبه بمحاولة وضع القمر في
زجاجة.. هل يبدو ذلك أمراً مستحيلاً، وجنوناً؟ ولماذا لا نعتبره شجاعة؟"
أما "باسكال" مدير "النادي الليلي" فكان يعمل "بلياتشو" في السيرك الروسي،
إلى جانب رفع الأثقال الحديدية.
مثّل "باسكال"
على خشبة المسرح دوراً لمرة واحدة فقط في حياته، كان أحد أفراد فرقته
الثلاثية مع المغنية "إيريني"، وعازف البيان "كورت"؛ وقع كلا
الرجلين في غرام
"إريني" وتنافسا على قلبها لكنها أحبت الإثنين معاً.. عندما هُدم
المسرح التاريخي
الكبير بعد مائتي عام من إقامته انحلت الفرقة إذ قرر "كورت" و"إيريني"
الرحيل في
حين رفض "باسكال" ذلك مُصراً على البقاء.
لكن اليوم بعد أن أعلن المسئولون
عن قرارهم بوضع تمثال لبيضة ضخمة في نفس مكان المسرح الذي هُدم، وعن
إصرارهم برفض
بناء مسرح جديد بدلاً منه، يُقرر رفيقا "باسكال" العودة مُجدداً من أجل قول
"لا"
عالية وجريئة.
فكر "كورت" في طريقة ثورية فعالة يقول بها هذه الـ"لا". أخذ
على مدار أيام طويلة يُجرب إنتاج خلطة لأحد أنواع الصمغ الذي
يلتصق بالأشياء فلا
يُمكن فكه؛ كانت خطته أن يذهب إلى مكان التمثال وعندما يرفعوا عنه الستار
يُغرق
يديه بالصمغ ويسرع إلى البيضة واضعاً يديه عليها فيلتصق بها ، وكذلك
"إيريني" وربما
يُشجع ذلك المتظاهرين على دعم الرفيقين. يرفض "باسكال" في البداية الإنضمام
إلى
صديقيه.
يُظهر الشعب ردود فعل متفاوتة
إزاء تصرف المسئولين، البعض يثور غاضباً محتجاً، البعض الآخر يُبدي عدم
إكتراث،
ويُحاول المسئولون تهدئة المتظاهرين، وتبرير تصرفهم قائلين: إن البيضة
تُمثل
العالم، كلنا نعيش تحت قشرتها ودائماً على الحافة.. يُؤكدون أن
الأعمال الفنية
الحقيقية تمرّ بفترة تكيّف حتى يفهمها الجمهور.
تُصبح حادثة المسرح هى
الشعرة الدقيقة التي بقطعها ينهار حاجز الصمت والاستسلام فتندلع المظاهرات
كاشفة
بوضوح عن روح المقاومة والقدرة على التضحية.
تنجح محاولة "كورت" ويُطلق
الرصاص على "إريني" فتسقط قبل أن تصل إلى التمثال، توهم المسئولون أن
الرصاص سيُرهب
المتظاهرين، أسقطوا من حساباتهم أن التضحية ستلهب مشاعر المتظاهرين وتُؤجج
غضبهم..
تعالت الصرخات تنادي بإسم "إيريني".
أخذ المحتجون الواحد تلو الآخر يُمررون
دلو الصمغ فيما بينهم يضعون الصمغ على أيديهم، ويتقدمون بخطوات ثابتة ثم
يلتصقون
بالبيضة الضخمة مما إضطر الشرطة إلى تكسير التمثال حتى يفّكوا أيدي
المحتجين عنه.
لكن المثير للسخرية هو تصريحات المسئولين عقب ذلك بأن "الفن الحقيقي يجب أن
يكون
زائلاً "!!.
ذلك الحادث الرمزي يُصبح محور تبدل كثير من شخصيات الفيلم
فيقوم "زيتا" بتحطيم الدرع الذي قيد به نفسه ، بالتمرد على الناشر الذي
طالما
استغله وخدعه دون أن يُحقق وعده له، ساعده على ذلك مواجهته لنفسه وللضعف
الذي أصبح
يكتنفه فقد أدرك أن المشكلة لا تكمن في أنه روى قصته وإنتهى الأمر، لكن
لأنه أصبح
خائفاً من مواجهة القراء، والنقاد، من مواجهة الصفحة البيضاء. كذلك تفعل "إليزا"
إذ
تتخلى عن إحساسها بأن كل الرجال خونة فتوافق على الارتباط بـ"زيتا"؛ ويتحرر
صانع
الأحذية من أوهامه فيسأل عن حبيبته ليعرف مصيرها، ثم يذهب إلى الطبيب
ليكتشف أن
صحته بخير. ويعود "كورت "وباسكال" إلى الملهي للعزف سوياً على
"البيان" عرفانا
بذكرى "إيريني" التي جمعتهما وتركت روحها في تلك الآلة
الموسيقية الساحرة، كذلك
تفعل بقية الشخصيات التي لعبت لحظات المواجهة دوراً جوهرياً في تبديل
مصائرها، لقد
نجحوا في تحقيق حلم وضع "مركب في زجاجة" بنفس القدرة على وضع "القمرفي
زجاجة".
تدور أحداث الفيلم على مدار يومين فقط ، لكننا من خلال "الفلاش
باك" ـ العودة للماضي ـ والفلاش فورورد ـ الذهاب للمستقبل ـ
نتعرف على كثير من
الأحداث التي تسهم في رسم ملامح الشخصيات، وتكشف عن تطورها، وعن العلاقات
القائمة
بينها.
أهم ما يميز العمل ذلك الحس الكوميدي الساخر المستمد من التراث
الإسباني، ذلك الأداء التلقائي للممثلين، والصوت الجذاب
للمغنية، والموسيقى
المتنوعة الألحان، وأسلوب المخرج الذي يُؤكد موهبة سينمائية واعدة في أول
أفلامه
الروائية الطويلة.
مخرج الفيلم "إدوارد جروخو" من مواليد مدريد، أسبانيا
1971؛ أخرج ثلاثة أفلام قصيرة ـ نالت العديد من
الجوائز ـ هى "التسريب " 1996،
"السد والجنينة" 1998، "هذه حجرة الشيطان " 2001.
كان "جروخو" في فيلمه "قمر
في زجاجة " يبحث عن الإختلاف، لكنه إختلاف مرتبط بالقديم، فالروح المسيطرة
على
الشريط الفيلمي تكشف عن تأثره بالسينما الكلاسيكية، عن تعدد مصادره
السينمائية سواء
من "إنجمار برجمان" أو"فيليني". رغم ذلك فالفيلم يجب أن يُقرأ
كما هو، بشخصيته
المستقلة وليس بكم المراجع الموجودة فيه. إن "قمر في زجاجة"
يكتسب سحره الفني من
شخصيته المتفائلة ومن روح المخرج التي تُشع بهجة، أما تلك المراجع
السينمائية فهى
تحية إلى هؤلاء المخرجين العظام، كما أنها تكشف عن الذوق الفني للمخرج
الشاب.
لم ينف "إدوارد " ذلك التأثر بالمخرجين الكبار لكنه يُفسر الأمر على
نحو آخر قائلاً: "إن كل مخرج عندما يصنع أول أفلامه يُضمنه كل
ما يُريد أن يقوله،
وكل ما يشعر به، لأنه يعتقد أن ذلك الفيلم سيكون أول وآخر فيلم له."
الجزيرة الوثائقية في
02/08/2011
حقائق جديدة تمثل ذروة الانقلاب الدرامي للسلسلة
هاري بوتر.. نهاية الملحمة وبداية الأسطورة
القاهرة - رامي عبد الرازق
السينما هي صانعة الملاحم الفنية الكبرى في عصرنا.. هذه حقيقة لا يمكن
إنكارها.. صحيح أن بعض الأفلام تعتمد بشكل أساسي على نصوص أدبية مثل
"ثلاثية مملكة الخواتم" أو سباعية "هاري بوتر"، إلا أنها نجحت، من خلال لغة
الصورة، في تجسيد الحس الملحمي والشكل البصري الفخيم لتلك النصوص.. ووفرت
عليها عشرات السنوات من الترجمة للغات أخرى.. فإذا كان الكتاب يوزع ملايين
النسخ، فإن الفيلم يشاهده مليارات البشر في كل الأرض.
في الجزء الثامن من "هاري بوتر"، الذي هو الجزء الثاني من الرواية السابعة
الأخيرة، تنتهي الملحمة التي شاهدها الملايين طوال العقد الأول من القرن،
لكن الأسطورة الحقيقة تبدأ، فلقد تمكن صناع السلسلة من أن يصيغوا حالة
سينمائية ستبقى في وجدان عشاق السينما لأجيال، وسيكون من الصعب إقصائها عن
المركز الأول؛ من حيث عدد الأجزاء وقوة البناء الدرامي من البداية للنهاية،
والمحافظة على فريق الممثلين نفسه، وخاصة في الأدوار الرئيسية منذ أن كانوا
أطفالاً حتى صاروا شبابًا ملء السمع والبصر.
الانقلاب الدرامي
الفيلمان الأخيران من السلسلة يكادان يكونان الأصعب في الاقتباس للسينما،
لأنهم في الأصل جزء واحد، وكان على كاتب السيناريو أن يحافظ على الشكل
الدرامي المعروف للسلسلة.. أي وجود لغز محير وحوادث غريبة تقع لبوتر في
صراعه مع "فولدمورت".
وفي نهاية كل جزء، نكتشف سر اللغز في لحظة تنوير وهو أسلوب معروف في البناء
الدرامي التشويقي.. والأدب الإنجليزي، الذي تنتمي إليه السلسلة، مشهور
بتفوقه في هذا اللون القصصي منذ أن كتب آثر كونان دويل سلسلة شيرلوك هولمز.
في الجزء السابق كانت المطاردة على أشدها بين هاري ورفيقيه هرميوني ورون،
وبين جماعة الظلام من آكلي الموت، في محاولة للعثور على الهوروكوكس أو
الأشياء السحرية التي خبأ فيها فولدمورت روحه؛ كي يبعث من الموت، وفي هذا
الجزء ومع تواصل البحث وتصاعد المطاردات تتكشف لهاري ولنا حقائق جديدة تمثل
ذروة الانقلاب الدرامي للسلسلة كلها، فعندما يعود هاري لمدرسة السحر
هورجوتس، ويطرد سنايب ويطارده إلى مقر فولدمورت يشاهد سنايب وأمير الظلام
يقتله بثعبانه الشرير، للحصول على العصا السحرية الأقوى في العالم، وهي
إحدى مقدسات الموت الثلاث مع الحجر الذي يعيد الموتى من الأحباب والعباءة
الشهيرة التي تُخفي من يرتديها.
وقبل موت سنايب، يطلب من هاري أن يلتقط دموعه ويذهب بها إلى منخل الأفكار،
كي يرى ذكريات سنايب.. وفي أطول فلاش باك بالسلسلة نكتشف علاقة سنايب
الحقيقية بهاري، فعلى الرغم من كل القسوة والعنف اللذين كان يعامله بهما،
فإن أصل الحكاية يكمن في حب سنايب الكبير لليلي أم هاري! ذلك الحب الذي
ترعرع منذ الصغر في نفسه، وتحول إلى حنق دفين عندما أخذها منه جيمس والد
هاري.
وفي الفلاش باك ذاته نكتشف أن دمبلدور كان يحمي هاري لا خوفًا عليه، لكن
لأن جزءًا من روح فولدمورت موجودة فيه منذ أن حاول أمير الظلام قتله وهو
صغير، ومن ثم ارتد جزء من روحه داخل هاري وأصبح هاري على صلة روحية به،
وأخيرًا نكتشف أن قتل سنايب لدمبلدور في نهاية الجزء السادس جاء بطلب من
دمبلدور نفسه، لأنه كان يعاني مرضًا مميتًا.
هذا الانقلاب الدرامي يمثل ذروة الحبكة في الجزء الجديد، رغم أنه يأتي في
منتصف الأحداث وليس في آخرها كما تعودنا، لكنه يشحن المتفرج بطاقة انفعالية
تجعله يعيد استرجاع عشرات المواقف التي حدثت بين هاري وسنايب طوال سنوات،
بل يغير من دفة المشاعر لدى المتلقي بشكل عكسي، ليصبح سنايب شهيدًا في
نظره، ويتحول دمبلدور إلى نصف طيب ونصف ماكر ولئيم.
وداعًا للقبلات المسروقة
مثلما شهدت هورجوتس الصراع في كل الأجزاء وتحولت إلى ساحة الحرب بين هاري
وفولدمورت، وعلى الرغم من غيابها الجزئي في الفيلم السابق، فإنها تعود بقوة
في هذا الجزء لتصبح أرض المعركة الأخيرة التي يواجه فيها طلاب المدرسة
ومعلموهم قوى الظلام، بل ويسقط منهم شهداء وقتلى، وهذا الجزء يحتوي أكبر
عدد من القتلى في الجانبين، فبعد مقتل سيفروس في الجزء الخامس وهو الأب
الروحي لهاري ومقتل دمبلدور في الجزء السادسيُقتل ريموس وزوجته أثناء
المعركة، ويقتل فريد توأم جورج الشهير أصحاب المقالب خفيفة الظل.. وفقدان
الأصدقاء والأحباب هو سمة الذرى التراجيدية في الملاحم الكبرى.. فهناك
دائمًا شهداء يسقطون في المعركة الأخيرة ضد الشر، لكن موتهم دائمًا يشحذ
البطل بالهمة والرغبة في الانتصار انتقامًا لأرواحهم. وموت عدد من أصدقاء
هاري في هذا الجزء، ثم استدعائه لهم عن طريق حجر بعث الأحباب، دلالاته
الدرامية أكبر من كونه عنصرًا خياليًا.. لكنه التعامل مع فكرة أن الموت
مجرد غياب جسدي، لكن ذكرى الأحباب وعبق أرواحهم يظل في القلب.. فهم أحياء
طالما تذكرناهم بالخير والمحبة.
ويحتوي هذا الجزء عددًا كبيرًا من القبلات بين العشاق الصغار بشكل علني،
بعد أن كانت همسات الحب وقبلاته مختلسة طوال الأجزاء السابقة، ولأول مرة
يقبل رون هرميوني بعد الانتصار في المعركة، ولا تأتي القبلة تتويجًا
للانتصار فقط، لكن بعد أن تطورت شخصية رون في هذا الجزء، وأصبح قوي الشكيمة
قيادي النزعة؛ حتى أن هرمويني نفسها تصبح بجانبه مجرد أنثى منقادة وليست
صاحبة الشخصية القوية التي كانت تسيطر على مجرى العلاقة في السابق.
ما بعد الذروة
أضعف ما في الفيلم هي نهايته التي يطلق عليها دراميًا "انتكاسة ما بعد
الذروة" أو (الأنتي كلايمكس)، فبعد انتصار هاري على فولدمورت وإفنائه، ثم
كسره للعصا السحرية الأقوى في العالم.. دلالة على أن السحر الحقيقي في
إرادة النفوس وفي التشبث بذكرى الأحباب الطيبة وعلمهم الذي يتركونه لنا.
وبعد وقوف الأصدقاء الثلاثة أمام المدرسة المحطمة عقب المعركة، ونظرة الأمل
في المستقبل تشع من عيونهم، نفاجأ أن السيناريو يقفز بنا 19 عامًا للأمام
في مشهد يذكرنا بالأفلام المصرية؛ حيث "مكياج" مضحك للشخصيات.. هاري وزوجته
جيني.. وهرميوني وزوجها رون.. وقد أنجبا عددًا من الأطفال، وجميعهم مجتمعين
في الرصيف السحري لتوصيل أطفالهم إلى قطار هورجوتس السريع.. تمامًا كما بدأ
الجزء الأول، ونرى هاري يطمئن ابنه الصغير من مسألة اختيار القبعة السحرية
للقسم الذي سينتمي إليه، وكلها تفاصيل زائدة عن الحاجة الدرامية، ومعطلة
لفورة الشعور الانفعالي لدى المتلقي بنهاية المعركة، وخصوصًا مع العناصر
الاجتماعية الخاملة (الزواج وإنجاب الأطفال) التي ليس لها علاقة بجوهر أو
شكل الملحمة نفسها، وفكرة تجسيد الأمل في المستقبل بوجود جيل جديد تعتبر
مستهلكة وغير مؤثرة. على عكس قوة المضمون الشعوري الذي حمله إلينا الانتصار
في المعركة الأخيرة، ونظرة الأصدقاء الثلاثة إلينا عبر "الكاميرا" وكأنهم
يشركوننا في انتصارهم.
الـ
mbc.net في
02/08/2011 |