السينما المستقلة.. أفلام مدهشة بميزانيات قليلية < فيلم «حاوي» يحاول
مقاومه تيارات السينما التجارية التقليدية، ويسبح ضد التيار مع غيره من
المتحمسين لسينما المستقلة أو البديلة ويجدون فيها الوسيلة الوحيدة للخروج
من أزمة السينما ، وهم في ذلك محقون < الفيلم قصيدة شعر مرئية، في عشق
مدينة الإسكندرية وناسها وبقايا ملامحها التي طمسها القبح والتخلف وتغير
حال الناس! ولا أعرف إن كان «البطوط» من مواليد الإسكندرية مثل «شاهين»،أم
إنه متيم بها لإنها تستحق أن يقع في حبها < أبطال الفيلم مجموعه من
الفنانين الذين لا تعرف أسماءهم، وبعضهم يقف أمام الكاميرا للمرة الأولي ،
وربما تكون الوحيدة التي نعرفها جيداً من بين هؤلاء هي الفنانة حنان يوسف <
لن تفقد إحساسك بالمتعة والشجن وإنت تتابع هذا الكم من الشخصيات الإنسانية
التي تشترك في أداء معزوفة سينمائية بديعة الحاجة أم الاختراع، والعقول
المبتكرة تستطيع أن تجد أكثر من طريق للخروج من الأزمة أو الازمات، وقد
اصبحت السينما المستقلة التي يطلق عليها البعض السينما البديلة هي المخرج
الوحيد أمام مجموعة من السينمائيين للخروج من سيطرة شركات الانتاج التي
تسيطر علي سوق السينما، ومن باب الدهشة أن الافلام التي طافت مهرجانات
السينما في العام الماضي وحققت قدرا كبيرا من النجاح تنتمي إلي تيار
السينما المستقلة، التي تقدم افلاما مدهشة بميزانيات ضعيفة تصل احيانا إلي
أقل من أجر واحد من نجوم الصف الاول في السينما التجارية! الفيلم الأول إذا
كان من الصعب أن نحكم علي أي مخرج جديد من فيلمه الاول، فإن المنطق يجبرنا
أن ننتظر حتي يقدم ثاني أفلامه، فلم يكن فيلم «الغيرة القاتلة» مؤشرا
منطقيا للحكم علي موهبة المخرج الراحل عاطف الطيب، ولا فيلم "سنة اولي نصب"
مناسبا للحكم علي موهبة المخرجة كاملة ابو ذكري! وقد يكون نجاح الفيلم
الاول مثل بيضة الديك، أي صدفة مستحيل أن تتكرر هذا إن حدثت في الاصل، ولكن
الشهادة لله أن فيلم «عين شمس» كان يؤكد اننا أمام مخرج صاحب فكر مختلف هو
إبراهيم البطوط الذي صادف حالة قصوي من التعنت مع رقابة علي أبوشادي، التي
كادت تذبح تجربته، لولا أن الفيلم دافع نفسه واستطاع أن يفرض وجوده وينتزع
الاعجاب بعد عرضه في عدة مهرجانات عالمية ومحلية! وجاء ثاني أفلامه "حاوي"
ليؤكد أنه صاحب اتجاه ورسالة فنية وأنه عازم أن يفرض اتجاهه السينمائي رغم
أنف السينما التجارية والمهيمنين عليها! يؤكد إبراهيم بطوط أنه يستطيع أن
ينتج افلاما منطلقا من ميزانية "زيرو"، أي بأقل قدر من الاموال حيث يعتمد
علي مجموعة من اصحاب المواهب البكر في شتي المجالات، فريق من الهواة وعشاق
السينما لا يملكون إلا الموهبة والحماس يمكن أن يكونوا تيارا متدفقا ينقذ
صناعة السينما من ركودها القاتل! ولكن الرياح لاتسير دائما وفق ما تشتهي
السفن، فالجمهور المصري المكبل بذوق فني متواضع لا يقبل علي تلك النوعية من
الافلام التي تخلو من النجوم والمشهيات الفنية التقليدية، وهذا ما يدفع
اصحاب السينما المستقلة للقتال علي كل الأصعدة وفي جميع الميادين وساحات
القتال! قصيدة عشق فيلم «الحاوي» قصيدة شعر مرئية، في عشق مدينة الاسكندرية
وناسها وبقايا ملامحها التي طمسها القبح والتخلف وتغير حال الناس! ولا أعرف
إن كان المخرج إبراهيم البطوط من مواليد الاسكندرية مثل الراحل يوسف شاهين،
أم أنه متيم بها لأنها تستحق أن يقع في حبها، فهي مدينة الآداب والفنون
ومنارة الحضارة، علي امتداد التاريخ، ابطال فيلم «الحاوي»هم مجموعة من
الفنانين الذين لا تعرف أسماؤهم، وبعضهم يقف امام الكاميرا للمرة الاولي،
وربما تكون الوحيدة التي نعرفها جيدا من بين هؤلاء هي الفنانة حنان يوسف !
ومع ذلك فلن تفقد إحساسك بالمتعة والشجن وأنت تتابع هذا الكم من الشخصيات
الانسانية التي تشترك في أداء معزوفة سينمائية بديعة هي «الحاوي»،
و«الحاوي» هي أغنية الفيلم التي تحمل معانيها ترجمة لبعض شخصيات العمل
وتقول كلماتها التي يؤديها الفريق الغنائي السكندري مسار إجباري" بقيت غاوي
في عز الجرح أنا ماببكيش.. بقيت عارف أطلع من ضلوع الفقر لقمة عيش.. بقيت
قادر أداري الدمعة جوايا مابينهاش.. بقيت راضي أنام رجليا مقلوبة كما
الخفاش"وإذا كنت ممن يبحثون في السينما عن الحدوتة فقط، فلن تجد مبتغاك في
فيلم «الحاوي»، الذي يقدم شخصيات إنسانية تتفاعل مع البيئة والظروف
الاجتماعية المحيطة وتمثل كل منها حالة خاصة غير متكررة. العودة إلي الغربة
بعض هذه الشخصيات هي مفتاحنا إلي قلب الحدث، الذي يبدأ بخروج يوسف"محمد
السيد" من السجن بعد سنوات طوال قضاها بعيدا عن ابنته" ياسمين "الكفيفة،
بمجرد خروجه يبحث عنها ويجدها في إحدي المدارس الخاصة "الجيزويت" تدرس
الموسيقي وتشارك بالغناء ضمن فريق الكورال، وفي لقائهما الأول يغلب الصمت
عليهما ثم يحتضن الرجل ابنته ويلوذ مرة اخري بالصمت عندما تسأله هل تنوي
السفر مرة اخري أم ستبقي معي؟ ولكن يوسف يخفي عنها أسباب دخوله السجن،
وماذا ينتظره بعد خروجه منه، فهو يحمل مستندات تشكل خطورة ما علي أحد
المتنفذين، وأن هناك من يتابعه ويرصد تحركاته بمجرد خروجه من السجن
استعدادا للانقضاض عليه وتصفيته! أما إبراهيم "إبراهيم البطوط" فهو الآخر
يعود للاسكندرية بعد سنوات من الغربة، يبحث عن ابنته" آيه" أو بيري معتز
مونتيرة الفيلم، وهي لا تعرف عنه شيئا وحرصت امها علي أن تخفي كل صورة، وما
يمكن أن يذكرها به، إبراهيم يحاول أن يتواصل مع ابنته دون أن يفصح لها عن
نفسه، يدعي انه يحتاجها مراسلة لقناة إخبارية ويمنحها كاميرا لتصور بها أهم
الاحداث، ولكن مشاعر الفتاة تقودها للشك في كونه والدها، وحتي تتأكد من
حقيقته تطلب منه نقودا وتخبره أنها حامل وفي حاجة لإجراء عملية، الرجل
تنهمر دموعه ويشعر بعذاب شديد ويصر أن يصطحبها عيادة الطبيب ليكون جوارها
اثناء إجراء العملية، وبعد أن يكشف عليها الطبيب يخبر والدها أن الفتاة
ليست حاملا، وعندما تبدو عليه الدهشة، تقول له كنت فاكر اني مش حا أعرف؟
ومش حا أحس أنك أبويا؟ علاقات قديمة تدخل بنا كاميرا الفيلم إلي محل احذية
لرجل من اصول اجنبية، لعله الوحيد من افراد اسرته الذي قرر البقاء في
الاسكندرية بعد أن هاجر معظمهم إلي كندا، ولكنه متمسك بصنعته في تفصيل
الأحذية وله زبائن يقصدونه بشكل خاص، وتربطه بهم علاقات قديمة تمتد لسنوات
خلت، ومن هؤلاء "حنان يوسف "مدربة العزف علي البيانو التي اعتادت شراء
أحذيتها من محله الصغير في حي العصافرة، ذلك المحل الذي لايزال يحتفظ
بديكوره القديم ولم يجر عليه اي نوع من التعديلات، فظل يحمل رائحة ايام
زمان! أما عم جعفر "شريف الدسوقي" فهو عربجي كارته، يعشق حصانه ليس لكونه
مصدر رزقه ، ولكن لأنه عشرة العمر، يكاد عم جعفر يفقد صوابه، عندما يخبره
الطبيب البيطري أن حصانه " ضرغام " مصاب بمرض في القلب ويحتاج إلي عملية لا
تجري في مصر، ويرجو جعفر الطبيب أن يجد لضرغام اي علاج، وخوفا علي حياته لا
يتركه يبيت في الأسطبل بل يصحبه إلي حجرته البسيطة ليكون امامه طوال الوقت،
ويقرر الا يضع عليه أحمالاً أو يرهقه خوفا علي حياته، تكاد تكون علاقة جعفر
وضرغام من اروع مشاهد الفيلم، وأكثرها لمساً للمشاعر وإثارة للشجون، أما
شخصية الراقصة حنان "رينا عارف" فهي من اكثر شخصيات فيلم «حاوي» تفردا، فهي
تعشق الرقص الشرقي وتحترفه، وتستمتع به، وتحاول أن تقنع الآخرين بمدي رقي
هذا الفن، ولكنها تعاني طوال الوقت من نظرة الآخرين لها، وتقارن بينه وبين
رقصة الفلامنكو الإسبانية ، التي لاتصم من يرقصها بالعار. لكن في ظل مجتمع
مرتبك تفشل حنان دائما في فرض وجهة نظرها في أن الرقص الشرقي فن محترم،
وليس وسيلة للاثارة الرخيصة، وتتعرض من اجل عشقها للرقص لمشاكل ومواقف
مهينة خاصة عندما تذهب لقسم الشرطة للابلاغ عن حادث سرقة تعرضت له،
ويعاملها الضابط باسلوب شديد الشراسة والتخلف وتجادله في انها جاءت شاكية
وليست متهمة، ومع ذلك يعاملها مثل فتيات الآداب فالنساء من وجهة نظره لا
يتخيرن عن بعضهن! تيارات تجارية فيلم «حاوي» يحاول مقاومة تيارات السينما
التجارية التقليدية، ويسبح ضد التيار مع غيره من المتحمسين لسينما المستقلة
أو البديلة ويجدون فيها الوسيلة الوحيدة للخروج من أزمة السينما، وهم في
ذلك محقون، ويبقي أن الجمهور المصري الذي يعاني سوء مستوي الاستقبال
للتجارب الفنية الجديدة، هو العائق الأساسي لانتشار أفلام السينما
المستقلة، وحتي الآن لم يتم استقبال اي منها بالشكل اللائق فلم يصادف فيلم
«ميكرفون» أو «عين شمس» أو «هليوبوليس» أو «حاوي» إقبالا جماهيرا يليق
بقيمة تلك الأفلام التي حصدت جوائز في معظم المهرجانات التي شاركت فيها،
والأمر يحتاج إلي نوع من الصبر والإلحاح في تقديم المزيد من تلك الأفلام
التي تحترم قيمة الفن بغض النظر عن القيمة التجارية فهذا هو السبيل الوحيد
للانتصار علي سينما القبح التي أفسدت أذواق الجماهير!
جريدة القاهرة في
19/07/2011
سعيد شيمي ساحر الألوان
بقلم : محمد محمد مستجاب
متشبث بكاميرته منتظراً لحظة الاقتناص، انه الصياد والمقاتل الماهر
الدؤوب الذي لا يهدأ عن اقتناص اللحظة واللقطة السينمائية، يظل يجمعها
ويجمعها حتي يكون مشهده السينمائي، وقبل أن يقتنص اللقطة تجده يفكر ويخطط
تكوين منظره أو مشهده، لذا تظل لوحاته السينمائية مطبوعة في عقليتنا
العربية والمصرية السينمائية، يبحث عن الخلفيات وتأثيراتها، والمقدمات ومدي
ضرورتها وأركانها، والضوء ودرجة تأثيره كي تصلنا الصورة في أجمل تكوين
وأصدق تأثير، انظر مثلا لفيلمي الحب فوق هضبة الهرم وسواق الاتوبيس- وما
فعلاه في التاريخ السينمائي المصري - وآه لو كانت الآلات السينمائية
المستخدمة في ذلك الوقت حديثة نسبياً - لظهرت عبقرية هذا الفنان. الغارق في
الألوان سعيد شيمي البسيط والمبتسم دائماً مهما كانت الظروف، والذي كتب
تاريخا جديدا للصورة السينمائية المصرية والعربية، هذا البسيط الذي لا يكف
عن الشرح والفهم وتبديل الكاميرات وأماكنها وتغيير عدساتها، والباحث عن
التوقيت المناسب للقطة، والزمن كعنصر مهم ومناسب ومدي تأثيره درامياً، سعيد
شيمي والذي تشعر أن رأسه ألبوم صور وأرشيف أماكن طبيعية وسينمائية، وقلبه
بئر ألوان يمزج فيه الأحمر بالأزرق بالأخضر بالأبيض ، وعينيه قاذفة رصاصات
وقنابل سينمائية، لذا لا يجد سعيد شيمي صعوبة في البحث عن الاماكن التي
تصلح للتصوير، وهو يعشق التصوير الخارجي، لما به من تأثيرات في التصوير،
والتصوير الخارجي لمن لا يعرف انه اختبار دائم لأي مصور، ولأنه يمتلك موهبة
عظيمة فهو لايخشي التصوير الخارجي. هذا هو سعيد شيمي الذي لا يقف أمامه
شيء، الغارق في الالوان والفنون التشكيلية والصورة المرئية وولع السينما
بها منذ بداية الخلق وبداية تكوين أول خطوط لانسان الكهف مروراً بكل العصور
حتي الآن، يشرح لك ماذا فعلت الالوان للفن السابع وما قدمته له وكيف انتقلت
لعقلية المصورين والمخرجين ومنسقي المناظر. ولأنه صعيدي من أهل الكرم فهو
لم يكتف بما يمتلكه من موهبة وعلم، بل هو المصور الوحيد في تاريخ السينما
العربية والمصرية المصمم علي أن يصل فكره وعلمه وموهبته للناس والمتخصصين،
لذا فأنه ترك الكاميرا عشقه الأول والأخير، وذهب إلي الورقة والقلم يفرغ ما
يعشقه وما يفهمه فأصدر كتبه القيمة ( التصوير السينمائي تحت الماء، وتاريخ
التصوير السينمائي في مصر، الحيل السينمائية للأطفال، والسينما وحيلها
الساحرة، وأفلامي مع عاطف الطيب، والخدع والمؤثرات الخاصة في الفيلم
المصري، كلاكيت أول مرة ) وغيرها من الكتب التي تفخر بها المكتبة العربية.
صديق العباقرة سعيد شيمي صديق العظام والعباقرة: أحمد زكي وعاطف الطيب
ومحمد خان وأشرف فهمي وعلي عبد الخالق ومحمد حسيب وانعام محمد علي، والذي
اعتقد ان له دورا كبيرا في ان يكونوا عظماء، لانه لولا صورته وحركة
كاميراته لما قدم هؤلاء العظماء هذه الافلام والتي تعتبر من أهم الافلام في
تاريخ السينما المصرية والعربية. يغوص بنا سعيد شيمي في عالم جديد علي
العقل والفكر العربي، اللوحة والكادر والمشهد وتأثيرات اللون، وثقافة
الصورة، اننا أمة تعتمد علي ثقافة السمع أي الأذن، ولم نصل بعد لثقافة
الكلمة المكتوبة ولا لثقافة الصورة، مع اننا نعيش في عالم الصورة ويكفي ان
( تأثير ثورة يناير ) اعتمد علي الصورة، وهذا ما فعله هذا الفارس المثابر،
انه يبني داخل العقلية العربية ( هرما ) ضخما وجديدا للوحة والصورة والمشهد
السينمائي، هرما ممتلئا بالاحجار الضوئية ومتشعب الالوان وقاعدته وأضلاعه
مشرقة ومظلمة، هنا يسحبك سعيد شيمي ليفسر لك لماذا الظلمة ولِمَ الاشراق،
فلا شيء يحدث عبثاً في المشهد السينمائي، ولا هي كاميرا تتحرك وخلفها مصور
وخلاص، انه لا يهدأ عن التفسير والشرح والحديث عن الضوء وطبيعة الألوان
والرؤية والمنظور التاريخي للألوان وقوته سواء طبيعياً او رمزياً، والرسائل
التي تحملها الالوان، رسائل للعين والقلب والعقل، يشرح لك تناسق وتنافر
الألوان، غارق سعيد شيمي بين الالوان الباردة والساخنة والمتقدمة والمتأخرة
والضيقة والمتسعة والزاهية والشاحبة، يشرح لك ان هذا اللون في تلك اللحظة
لون حياة، بينما هذا اللون في لحظة اخري لون موت، يرجعنا للخلف كي نفهم
دلالات الالوان عبر العصور الفرعونية والاغريقية واليونانية والمسيحية
والاسلامية وما فعلته الحملة الفرنسية بالعقلية المصرية وكيف خاف علماء
الازهر من الصور بالاحجام الطبيعية، والوان البهجة وسمات الالوان
والاستنارة اللونية ومدي تأثير الألوان في طبيعة وسرد الفيلم الدرامي، وما
تفعله الالوان في الحالة المزاجية للمشاهد أو المتلقي. الرعب والغرابة سعيد
شيمي قوس قزح، ينشر ألوانه وأفكاره علينا، تلك التي لم نستطع ان نجمعها
ونحللها ونتذوقها ونفهمها، انه يشرح لنا كيف ان اللون والرسم مهمان ولهما
تأثير في كل حياتنا وكيف تم توظيفهما لخدمة العقيدة والمعتقدات الأسطورية
والدينية، ومتي يمثل اللون العدالة او القسوة او الخيانة او الحب، ومدلول
اللون ودرجاته كعلاج نفسي في اللوحات والمشاهد؟ وانها دليل علي حالة من
الحزن أو اليأس أو الاضطراب النفسي او الغضب أو الهياج أو الاحساس بالثورة
ومحاولة التخلص منها، او الفخامة او كيف ينبئ اللون بالمجهول القادم أو
اضفاء جو من الرعب والغرابة. ولان سعيد شيمي يعشق السينما فهو حزين علي ما
آلت إليه السينما المصرية، لذا ذهب للأوراق، واشعر انه خائف علي ما تحتويه
جمجمته وعقليته الخلابة، وما تمتلئ به روحه من فكر وسحر للصورة وتشكيلاتها،
ويا ليت كل جيلنا من مخرجين ومصورين ومنسقي مناظر ان يطلعوا علي كتبه وان
يشاهدوا أفلامه سواء روائية طويلة او تسجيلية أو قصيرة، ان سعيد شيمي مصمم
علي ان يفتت ما في الذهن من ثوابت ومعتقدات، ليجعلك جالسا في مقعدك لا
تستقبل الصورة السينمائية وألوانها ودرجاتها هكذا، بل يجعلك تفكر لماذا
الأزرق الآن، ولما الأخضر في تلك اللحظة، وكيف يرتدي هذا الممثل ذلك الثوب
المخالف في تلك اللقطة، إنه الفهم والعشق والوضوح لفنه وحرصه علي موهبته.
ألوان وأفكار وها نحن نحاول ان نفهم الآن، ما يقوم به هذا العبقري سعيد
شيمي في حياتنا التي تمتلئ بالالوان التي لا تؤثر في عقليتنا، فقدمنا له
جائزة الدولة التشجيعية، (ولأن المجلس الأعلي للثقافة والقائمين عليه من
كبيرهم لصغيرهم ) لم يفهم حتي الان معني الصورة وتأثير الالوان، أو أن يجرب
الدخول في رحلة ممتعة لعالم سعيد شيمي وألوانه وأفكاره، لذا لم يفهم موهبة
هذا الرجل وان جائزة الدولة التشجيعية صغيرة عليه بمائة عام علي الأقل، وقد
كنت اعتقد ان الذي اخذها ابنه، إلا انني فهمت انها لسعيد شيمي نفسه، فباركت
له في اول مرة احدثه فيها، وافخر به كأستاذ لي ولكل جيلي وأفخر انني قد
قرأت واستوعبت بعض ما في عقله ومشاهده وكتبه، ألف مبروك يا عم سعيد يا شيخ
مصوري الوطن العربي الكبير الذي لم يشكل ويجمع صورته المؤثرة بعد في تاريخ
العالم الحديث.
جريدة القاهرة في
19/07/2011
«إذاعة
حب»
الرومانسية علي طريقة
عمر الشريف
بقلم : د. رفيق الصبان
هاهي ضربة ثانية موفقة تأتينا بعد «مركب» الشباب الذي أبحر بنا بين
أمواج السينما الجديدة.. تأتينا هذه المرة بشكل مختلف عن الأسلوب الجاد
وشبه الرمزي الذي لجأ إليه «صناع» المركب لأن أصحاب «إذاعة حب» قد اختاروا
هذه المرة أسلوب الكوميديا العاطفية المعتمدة علي تركيب الشخصيات
وتناقضها.. والتي بعد الدهر بنا عنها .. منذ أن احتلت «الكوميديا الجنسية»
ذات الطابع «السبكي» شاشاتنا لفترة طويلة وأغرقتنا في بحر من التفاهة
والإسفاف والابتذال خيل إلينا أننا لن نخرج منها أبدا. لا أدري لماذا
أعادتني «إذاعة حب» بطريقة غير مباشرة إلي فيلم كوميدي عاطفي حقق عند ظهوره
نجاحا ساحقا .. وكان بمثابة انطلاقة قذيفة بالنسبة لبطله الأول عمر الشريف
وأعني به «إشاعة حب» ففي كلا الفيلمين هناك شاب «ساذج» إلي حد ما يعيش
أوهاما رومانسية تبعده عن مواجهة الواقع.. ويتفق الجميع لكي «يوقظوه» من
أوهامه ويعيدوه إلي أرض الواقع وإلي النظر إلي قريبته الحسناء التي تحبه
والتي لا يرغب أن يشعر بحبها. إشاعة حب كان يسير علي هدي الأسلوب المدهش
الذي كانت تسير عليه الكوميديا المصرية آنذاك بقيادة كبار مخرجيها أمثال
فطين عبدالوهاب ونيازي مصطفي وأقرانهما، أما إذاعة حب فقد اختار بذكاء
وبصيرة طريقا آخر ووسيلة أخري لإخراج شبابنا من أوهام سيطرت عليهم ودفعتهم
إلي تلبس شخصيات وهمية لا تمت إلي شخصيتهم الأصلية بصلة. مواجهة قوية إذاعة
حب تدور حول شخصيتين هذه المرة لا شخصية واحدة.. «ليلي» التي تعمل صحفية
لها باب عاطفي في مجلة واسعة الانتشار .. وحسن الممثل الذي يقوم بأداء
الأدوار المدبلجة في محطة تليفزيونية وتضطره الظروف لأن يشرف بصورة مؤقتة
علي برنامج إذاعي بعنوان «طبيب القلوب» يحل فيه مشاكل الشباب العاطفية
ويقدم لهم النصائح الحياتية التي تساعدهم علي المضي قدما في حياتهم. وكل من
حسن وليلي يسيران في اتجاه معاكس تماما لما يسير عليه الشباب في سنهم. ليلي
أخلاقية دون أن تكون متزمتة مازالت تؤمن بالحب والعلاقات الشرعية وحسن
أخلاقي أيضا ويكاد أن يكون متزمتا بعيداً تماما عن كل ما يساور ذهن الشباب
في سنه من لهو وعلاقات عاطفية عابرة ومنهج تمتع بالحياة قبل أن يفوت الأوان
. هذا السلوك من كلتا الشخصيتين يسبب لدي رفاقهما والعاملين معهما كثيرا من
الاعتراض والرفض.. ومحاولات دائبة لإخراجهما من الدائرة المغلقة التي سجنا
نفسيهما فيها حتي لو اضطرا لأن يتقمصا شخصيات أخري لا تمت إلي شخصيتهما
الأصلية بصلة. وهناك طبعا في خلفية كل ذلك مواجهات قوية بين معد البرنامج
الإذاعي ومحررة الباب الصحفي دون أن يدرك أي واحد منهما شخصية الآخر
الحقيقية بعد أن يلتقيا صدفة في أحد المقاصف الصاخبة الراقصة التي يذهب
إليها الشباب ، والتي دفعهما أصدقاؤهما إلي ارتيادها رغبة منهم في إخراجهما
من دائرتهما الضيقة التي سجنا نفسيهما بها. كل ذلك يمهد له كاتب السيناريو
محمد ناير ببراعة وعفوية حلوة مستخدما حوارا «شبابيا» مليئا بالحيوية
والابتكار دون أن يسقط مرة واحدة في ابتذال لفظي ممجوج أو «إفيه» عابر لا
معني له سوي إثارة ضحكة مؤقتة فارغة. ليلي.. تتصرف رغما عنها باستهتار
وتشرب كأسا من الخمر عندما تتعرف لأول مرة علي حسن الذي يحاول هو أيضا أن
يبدو «دون جوان» صاحب تجارب وخبرة مع النساء .. وتبدأ خيوط المعرفة تتشابك
ويزداد كل منهما غوصا في الشخصية الجديدة التي يتقمصها والبعيدة تماما عن
شخصيته الأصلية.. معتقدا أنها الوسيلة الأشد قوة لإيقاع الآخر بحبه. أعماق
النفس كما نري السيناريو رغم بساطته الظاهرية يتغلغل إلي أعماق النفس
الشابة المعاصرة ليرصد تناقضاتها وحيرتها وعدم إدراكها للطريق السليم الذي
يمكنه أن يوصلها إلي غايتها. وبالطبع .. يضعنا السيناريو أمام مجموعة أخري
من الشخصيات الشابة التي تعيش حياتها وفق المنطق المعاصر.. معبرة عن
الأحاسيس الشبابية وعن ثورتها الداخلية ورغبتها بالإنطلاق بعيدا عن حزمة
التقاليد الموروثة. هناك فريدة .. بكل عفويتها وشبابها ووعيها التام بما
تريد وما تفعل.. وهناك دنيا صديقة المخرج الذي يعمل حسن تحت امرته والتي
ترتبط بهذا المخرج «إدوار» بعلاقة حب لا يفكر أي منهما بأن ينهيها بأي
ارتباط شرعي. وهناك مديرة المجلة «انتصار» التي ضحت بقلبها في سبيل عملها
وطموحها ففاتها قطار الحب والزواج معا. وهناك مدير المحطة العجوز الذي يعرف
كيف يستغل حتي النهاية الشباب الذين يعملون تحت أمرته ولكن كل هؤلاء نجوم
صغيرة دافئة تدور حول محور النجمين الكبيرين اللذين اشتعلت نار الحب في
قلبيهما واللذان يعيشان «الأكذوبة» التي أبعدتهما عن «حقيقتيهما» واللذان
يمر سهم الحب الحارق بينهما ولكن الأقنعة المزيفة التي يرتديانها تمنعهما
من رؤيته أو الإمساك به. توزيع محكم والحقيقة أن المخرج الشاب «أحمد سمير
فرج» قد عرف بكفاءة هذه المرة -بعد أن تاهت منه الخيوط قليلا في تجربته
الأولي- كيف يمسك بالخيوط الشابة وكيف يغزلها باقتدار وينسج منها رداء حلوا
يعكس بمراياه الصغيرة الكثير من المشاكل التي يعيشها شبابنا من هذا الجيل.
توزيعه للأدوار جاء محكما وذكيا وبعيدا تماما عن المؤثرات التجارية وهالات
النجومية الكاذبة.. الفيلم كله ينهض علي أكتاف شابة عرفت كيف تحمله وكيف
تدافع عنه. منة شلبي التي تعود إلينا في قمة تألقها وفي أوج موهبتها
الكبيرة الفائقة لتثبت بحق أنها سيدة ممثلات جيلها الشابات وأنها تملك إلي
جانب جاذبيتها الخاصة وعفويتها المدهشة القدرة الحقيقية علي التعبير عن
انفعالاتها مهما اختلفت وتعقدت ببساطة أثره.. لا أظن أن أي واحدة من ممثلات
جيلها تملكها مثلها.. انها تجتاح الفيلم كعاصفة من المطر وتذكرنا أن الذهب
الحقيقي في سينما الشباب يكمن في الشباب أنفسهم. إلي جانبها شريف سلامة في
أول بطولة سينمائية بعد أن حقق لنفسه نجاحات تليفزيونية مرموقة ويسد نقصا
في هذا الميدان بدأنا نشكو منه كثيرا فهو يملك الشباب والحيوية والموهبة
والشكل الحسن ويعتمد علي قوة أدائه لا ضخامة عضلاته أو مهارته في القفز من
الأسطحة والجري في مطاردة بالسيارات ! انه الممثل العاطفي الجاد الملييء
رجولة وقوة واعتدادا بالنفس والذي افتقدته السينما المصرية منذ غياب عمر
الشريف ورشدي أباظة. يسرا اللوزي تقدم رقتها وعذوبتها في دور لا يتناسب مع
موهبتها الكبيرة التي مازالت تنتظر المخرج الساحر الذي يمكنه أن يخرجها من
قمقمها. مني هلا تتقدم بخطوات حثيثة لاحتلال مركز مرموق بين نجماتنا
الشابات تساعدهم علي ذلك موهبة بكر وحضور قوي وذكاء في اختيار أدوارها.
انتصار التي كم توقفنا عند حضورها القوي رغم صغر الأدوار التي تلعبها يبقي
قويا ملفتا وهي في «إذاعة حب» تخرج عن إطارها التقليدي لتقدم نموذجا جديدا
لموهبتها علي العكس من «إدوارد» الذي يصر رغم موهبته علي سجن نفسه في إطار
نمطي ابتدأ يشكل خطرا حقيقيا عليه. ولكن كل هؤلاء كما قلت سابقا كانوا
نجوما صغيرة تدور حول فلك النجمين الرئيسيين اللذين احتلا المساحة كلها.
أحمد سمير فرج يساعده سيناريو محمد ناير في رسم اجواء شبابية حقيقية
مستعملا حوارا حارا معاصرا.. ومواقف رغم جرأتها لا تبدو لنا مستهجنة. إيقاع
فالت ولكن كان علي المخرج وكاتبه الشاب أن ينتبها إلي افلات الإيقاع نسبيا
منهما خصوصا في النصف الثاني من الفيلم الذي تدور أحداثه في «شرم الشيخ»
والذي اتخذ قالبا سياحيا أكثر منه قالبا دراميا والذي بدا لنا وكأنه يدور
في مكان آخر لا يمت لمصر التي نعيش بها بصلة. ولكن هذا التحفظ لا يقف في
طريق اعجابنا لهذه الضربة السينمائية الموفقة التي تقدمها لنا السينما
الشابة التي بدأت تتحرر من عقد نجوميتها وأمراضها القاتلة السابقة وتتجه
حلوة دافئة نحو آفاق جديدة من التعبير بواسطة عناصر شابة موهوبة تعرف جيدا
كيف تمسك بدفة السفينة المتخبطة.
جريدة القاهرة في
19/07/2011
(حفرة
الأرنب )
فيلم المشاعر
المكبوتة والأفكار المبتكرة
بقلم : د. وليد سيف
تتشكل الحياة من تفاصيل صغيرة كما يتشكل هذا الفيلم .علي نار هادئة
تتصاعد الأحداث وتتكشف المشاعر ويتفجر المكبوت والمختزن منذ شهور تحت سطح
من التجاهل . ولكن من هذه التفاصيل تتشكل الحكاية وتتسرب شيئا فشيئا
للمشاهد النيران التي تشتعل تحت السطح ويبدأ في ترقب ظهورها ورصد ملامحها
وأسبابها من أسوأ ما تفعله الدراما الفاشلة أنها تجعل الشخصيات تتحدث عما
يجيش في نفوسها بشكل صريح . بهذه الطريقة المكشوفة تستنطق المواقف الشخصيات
لتقذف بسيل من المعلومات عن مشاعرها وأحاسيسها وأفراحها وآمالها . ويعتقد
الفنان أنه بهذه الطريقة الرخيصة يصنع فنا مع أنه يبتعد تماما عن جوهر الفن
وحقيقته وأساليبه ، التي يجب أن تفرض عليه انتهاج طرق غير مباشرة وتوصيل
رسالة عن طريق الإيحاء والبحث عن سبل بليغة للتعبير عن حياتنا الحقيقية
التي لا نلجأ فيها إلا نادرا للتعبير الصريح عن ذواتنا . فنحن لا نتوقف ليل
نهار عن ارتداء الأقنعة التي تخفي أحزاننا وهزائمنا وانكساراتنا والتي
تجعلنا نبدو علي قدر من القوة . نتجنب بذلك ما هو أسوأ من آلامنا آلا وهو
مشاعر الشفقة وكلمات المواساة التي تضاعف من شعورنا بالحزن والاكتئاب .
فتفرض علينا صنع سياج كثيف حول حقيقة مشاعرنا حتي نبدو أقوياء في نظر
الآخرين . يحقق المخرج جون كاميرون فيلمه (حفرة الأرنب) بمنتهي الوعي بهذه
الأمور ، بل إن إدراك أساليب النفس الإنسانية في الالتفاف حول لحظات الضعف
والانكسار هو الشغل الشاغل لموضوع هذا الفيلم . فعند مواجهة المحن الكبري
يتخذ كل منا الوسائل التي تناسبه ليتغلب عليها.. وهل هناك محنة في الحياة
أكبر من فقد الابن الوحيد قرة العين وزينة الدنيا . يملك الأب قدرا من
شجاعة الاعتراف بالألم فيداوم علي جلسات العلاج الجماعي في إحدي المؤسسات
الدينية . بينما لا تستطيع الأم تحمل هذه الأجواء فآلام فقد الابن علي مرآي
عينيها لا يسكنها الإنصات لقصص الأحزان من باب " من شاف بلوة غيره " ولا
تقنعها أيضا العظات الدينية ولا وسائل التهوين علي الذات . ثمانية شهور
تبدأ الأحداث بعد ثمانية شهور من حادث المصرع المأساوي للابن . يحاول الزوج
هاوي - آرون إيكهارت - أن يقنع امرأته بيكا - نيكول كيدمان - بانتهاج نفس
أساليبه ، ليتمكنان من التغلب علي الألم ومواصلة الحياة . ولكن من قال إن
البشر هم مجرد نسخ كاربونية من بعضهم وأن نفس الأساليب تناسب الجميع . هل
البديل في مأساة هاوي وبيكا هو إنجاب طفل آخر أم إنه في اختيار الدين
والاستغراق في العبادات . ولماذا لا يكون في الانحراف والانغماس في
المخدرات أو حتي في العلاقات الجنسية العابرة أو ربما في عشق امرأة أخري أو
رجل آخر . لا تعتقد أنه بإمكانك أن تصنع قائمة بكل الحلول والبدائل
فالإنسان دائما لديه الجديد، وهذا التنوع البشري الخلاق كفيل بأن يفاجئنا
بحلول وبدائل لا نهائية وغير متوقعة . المشاهد الأولي لا تتضمن أي حوار
يمكن أن يكشف عن المأساة التي تعيشها هذه الأسرة الصغيرة التعيسة.. ولكن
الحالة العامة التي يحققها الفيلم هي التي تصنع هذا.. إنها الموسيقي
الهادئة الرصينة الشجية.. والإضاءة النهارية التي تظللها خيوط من الظلمة
وهذا البيت الساكن الهاديء الذي يخلو من المرح والحياة وهذه الحوارات
المقتضبة والتي تتصنع الفرحة وكأنها تتكتم علي حزن كبير وقبل كل هذا الأداء
البارع لنيكول كيدمان والتي تبدو ومن أول وهلة وكأنها خارجة لتوها من تحت
عجلات قطار.. إنها هذه الحالة التي نتصنعها حتي نخفي ذهولنا وصدمتنا من هذه
الحياة التي لا نملك فيها شيئا فينقض علينا الموت ليخطف أعز مالدينا. لعبة
الأقنعة يلتزم الفيلم بنص مسرحية ديفيد ليندساي- أبير، الحائزة علي جائزة "بوليتزر"
الشهيرة . بل ويكاد يلتزم أيضا بالشكل المسرحي التزاما شديدا في مشاهده
التي تبدو أقرب للوحدات المتكاملة وفي اعتماده كثيرا علي المناظر الداخلية
وحركة الممثل داخل الكادر ، وإن كان يسعي إلي تعويض هذا بإحكام الصنعة
السينمائية في الانتقالات وضبط التكوينات والاعتماد علي أسلوب هاديء وطبيعي
إلي أقصي حد في أداء الممثل . وتساهم المواقف والأحداث المغزولة بمهارة في
صنع حالة من التدفق والمصداقية للأحداث . فتبرز القدرة الهائلة في توظيف
الأساليب والحيل البسيطة للتعبير عن حالة الغليان والغضب المكتوم تحت سطح
هاديء وقناع خادع لوجوه تبتسم بينما يعتصر الحزن والألم القلوب . يستطيع
الفيلم أن يجعلك تعايش شخصيات حقيقية وبشرا عاديين أقرب لأهلك وأصدقائك
وجيرانك . فالكل في حالة بحث عن وسيلة للخلاص من آلامه وإرضاء ذاته وإقناع
نفسه بأن الحياة ممكنة ومحتملة ، بل ومن الممكن أن تكون سعيدة مهما كان حجم
ما تضمره لنا من شرور وأحزان . تتسرب المعلومات عن الشخصيات بمنتهي البراعة
والتسلسل وتكتمل صورها وحكاياتها من لقطة لأخري ومن مشهد لآخر وكأن
السيناريو يرسم بالموقف والحوار بورتريهات الشخصيات بتأن وصبر وذكاء.. و
كأنك تتعرف بالفعل علي شخصيات حقيقية تتكشف جوانبها تباعا وتكتمل صورتها
بعد عدة لقاءات. قلب الألم تتشكل الحياة من تفاصيل صغيرة كما يتشكل هذا
الفيلم .علي نار هادئة تتصاعد الأحداث وتتكشف المشاعر ويتفجر المكبوت
والمختزن منذ شهور تحت سطح من التجاهل . ولكن من هذه التفاصيل تتشكل
الحكاية وتتسرب شيئا فشيئا للمشاهد النيران التي تشتعل تحت السطح ويبدأ في
ترقب ظهورها ورصد ملامحها وأسبابها . والغريب أن الفيلم علي الرغم مما يضمه
من شخصيات حزينة وما يخفيه تحت السطح من مأساة في غاية القسوة إلا أنه لا
يهدف علي الإطلاق لأن ينقل إليك حالة الحزن . والمسألة لا تتعلق فقط
بالأسلوب الدرامي أو الأداء التمثيلي ولكنها نابعة أساسا من الهدف والتوجه
الأساسي للفيلم. إنه ببساطة دعوة للخروج من الحزن وتجاوزه.. ليس بأساليب
التفاؤل البلهاء أو باللجوء للوسائل التقليدية وارتداء الأقنعة الخادعة
ولكن بالدخول إلي قلب الألم ومواجهته واستئصاله ببراعة جراح ماهر وبقدرة
درامية فذة علي النفاذ . وعلي الرغم من مأساوية الفيلم إلا انه لا يلجأ
للمشاهد الباكية الصارخة أو المواجهات الحادة العنيفة إلا نادرا . ولكنه
يتلمس جماليات الصورة والتكوين وصنع الأجواء المصاحبة بإتقان وإبداع .
ويدخل بك إلي عالمه من خلال المواقف البسيطة والتفاصيل المعبرة . كما يتميز
شريط الصوت بالهدوء الشديد ، فتعتمد الموسيقي في الغالب علي الكمان
والجيتار والبيانو لتتيح الفرصة للتأمل والاندماج مع الفيلم والتواصل مع
شحناته من الشجن الرصين فمع أول مشاهد الفيلم ستدخل إلي عالم الشخصية.
الأكوان المتوازية إنها مأساة لا تثير الأحزان بقدر ما تلهم المشاعر
والخيال .و بقدر ما تقدم للمشاهد فكرة من أجمل وأطرف الأفكار التي يمكن أن
ترد علي ذهن كاتب درامي.. إنها فكرة الأكوان المتوازية بكل ما تعبر عنه من
رحابة لهذا الكون ومن عبقرية لهذا الإنسان ومن إمكانيات خرافية يمتلكها هذا
العقل العظيم . تجد بيكا البديل في الصبي قاتل ابنها.. هي تشعر أنه شريكها
الكامل في المأساة والألم . فهي تؤمن تماما ببراءته وأن الحادث أصابه كما
أصاب ابنها . يزداد تعلقها به عندما تقترب منه أكثر وتدرك ذكاءه . وتدرك
أيضا مأساته في فقده والده من سن مبكرة وفي عبقريته في إيجاد البدائل في
انهماكه علي هوايته الجميلة برسم قصص الكوميكس التي ينسجها من وحي خياله
ومعاناته . فها هو يصنع قصته الجميلة عن هذا الطفل الذي يبحث عن والده فيما
يسميها الأكوان المتداخلة وحيث يجد في كل كون منها صورة شبيهة لوالده
ولكنها مختلفة عنه في جانب من الجوانب . وهكذا لن يتوقف الإنسان عن صنع
حيله المدهشة وبدائله الخلاقة لكل ما يعتري حياته من هزائم وهموم وآلام .
يحقق جون كاميرون هذه المشاهد بأسلوب معبر ولكنه لا يستطيع أن ينطلق بآفاق
خياله السينمائي ليتوازي مع هذا الخيال الأدبي الرائع الذي تطرحه هذه
الفكرة الخلاقة. قد لا يروقك الأسلوب المسرحي المسيطر علي المشاهد . وقد لا
يرضي البعض بتلك الحالة التي يصنعها الفيلم والتي تتوقف عند عتبات المأساة
دون أن تتوغل داخلها . ولكنك في فيلم (حفرة الأرنب) تلتقي مع نيكول كيدمان
في أحد أبرع أدوارها . فهي عبر مسيرتها السينمائية الحافلة ربما لم تقدم
دورا يدانيه إلا في شخصية فرجينيا وولف التي جسدتها ببراعة ونالت جائزة
أوسكار أفضل ممثلة 2002 عن أدائها الرائع لها في فيلم الساعات . وها هي في
(حفرة الأرنب) تتألق من جديد في دور بيكا كأم ثكلي تعاني فراق ابنها الطفل
الذي لقي مصرعه أمام عينيها تحت عجلات سيارة . إنه فيلم يعبر عن تطور قدرة
كيدمان في الأداء التمثيلي وتصاعد خبراتها كنجمة تستطيع أن تجعل أسلوبها في
الأداء هي الروح المحركة والطابع الغالب علي شخصية الفيلم بجميع عناصره .
ومن أصعب ما تواجهه في هذا الفيلم هو أنها تلعب شخصية تسعي لأن تخفي
بسلوكياتها وحوارها ما يعتمل في نفسها فيزداد العبء علي الممثلة . إن
مراقبة هذا العرض الرائع الاستثنائي الذي تقدمه كيدمان يبدو كدرس في فن
التمثيل لكيفية الإمساك بالشخصية والتعامل معها ككيان له بناؤه الخاص
والممتزج مع باقي عناصر العمل لتتشكل من كل لقطة وحركة وتعبير حالة انفعال
مدروس يتصاعد بصورة غير محسوسة مع تصاعد الدراما ووصول أحداثها إلي الذروة
مع ذروة الانفعال التي تصل إليها الممثلة بأداء الشخصية .
جريدة القاهرة في
19/07/2011
موت «الرقابة».. بارتفاع ضغط
الحرية
بقلم : سمير الجمل
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة بين جموع السينمائيين بصفة خاصة وأهل الفن
عموما.. هل نلغي الرقابة تماما علي المصنفات الفنية؟.. طائفة من أهل
السينما.. اطلقوا علي أنفسهم «السينمائيون الشبان».. وهو مسمي غريب.. وكأن
الكبار جميعا يريدونها رقابة جديدة مع أن المبدع الحقيقي فوق كل رقابة
وأكبر من كل رقابة يحكمه ضميره المهني والإنساني.. أقول الحقيقي ولا أقصد
«الشلة» التي تريدها فقط حرية جنسية.. وهي معروفة وأفلامها تتسم بالهبوط
الفني والأخلاقي وقد اتاحت لي ظروف لقاء تليفزيوني مع الأخ الفاضل دكتور
سيد خطاب رئيس الرقابة علي المصنفات الفنية.. وتناقشنا في هذا الأمر أمام
الكاميرا وخلفها خاصة أن بعض المواقع سربت تصريحا علي لسان خطاب ينادي فيه
بإلغاء الرقابة تماما. قاعدة الحرية والمطلوب أولا أن نتفق علي قاعدة
الحرية كل الحرية من طرح الآراء والأفكار.. لكن تحويل الحرية إلي إباحية
وإلغاء الرقابة لهذا الغرض دون غيره سيجعلنا نحول السينما من فن إلي كباريه
درجة عاشرة ويفترض أن بلادنا بعد ثورتها المجيدة تسعي للحرية التي تبني
وتعمر، وليس التحرر الذي يؤدي إلي الخراب والانفلات، مع العلم بأن الرقابة
موجودة بأشكال ودرجات مختلفة في جميع أنحاء العالم. وفي هذا الصدد يجب مرة
أخري أن نتفق علي قاعدة مهمة جدا بأن زمن المنع والعجب قد انتهي وذهب في ظل
سموات مفتوحة وثورة هائلة في الاتصالات والحل الأمثل وجود رقابة لا تمنع
الفكر.. ولكنها أشبه بمدافع الصدمات وحواجز النفايات والتفاهات ومهمتها
تصنيف الأعمال في مستويات أ، ب، ج، وأيضا تصنيفها اجتماعيا بما يصلح
للمشاهدة العائلية أو الكبار فقط، وعندما يجد منتج الأفلام الرخيصة أن
أفلامه تحمل علامة فيها قدر من التحذير والتصنيف الذي يضع فيلمه في
المستويات المتدنية سوف يراجع نفسه عشرات المرات. حتمية الحذف وقد ثبت أن
الفيلم الذي يتم حذف أحد مشاهده مهما كان هبوط مستواه الفني يحاول أن يستغل
هذا الحذف لكي يبدو أمام الناس ضحية، ولأن الممنوع مرغوب، تكون النتيجة
لصالحه وليس ضده. مع أن هؤلاء لو ادركوا أن مزاج الجمهور قد تغير بتغير
الظروف نفسها، فالشاب الآن أمامه الدش، والانترنت لكي يشاهد ما يريد بلا
حسيب أو رقيب فقط هي ضغطة زر ومهما كان الفيلم فيه من المشاهد الملتهبة فإن
المواقع والقنوات تقدم هذه الأمور بتوسع بالغ وبأشكال متعددة وعلي مدي
الـ24 ساعة، وتوفر له الخصوصية حيث يشاهدها في بيته وكما يحب. الجانب الآخر
ومن وجهة نظر تجارية بحته، حيث يعتبر أن بيع الفيلم للقنوات الفضائية أحد
أهم مصادر الربح للمنتج، ولأن هذه القنوات جمهورها في الغالب منزلي أو
عائلي، نحاول شراء الأفلام التي تضمن لها الحد الأدني من احترام مشاعر
متفرجها، أو حذف المشاهد الساخنة، بينما الفيلم الجيد الذي يقول كل ما يريد
بأسلوب فني محترم، سيفرض نفسه علي القنوات وبأعلي سعر، حتي لو كان أبطاله
من الشباب وليسوا من نجوم الشباك. مرنة ومتطورة وقد شرح لي الدكتور خطاب
وجهة نظره بأنه لم يقصد أبدا في التصريحات التي تم نقلها علي لسانه، بأنه
يريد التخلص من الرقابة نهائيا لكن الرجل يريدها رقابة مرنة ومتطورة، وأكد
لي أن الرقابة طوال تاريخها نجحت بقوانينها التي اقترب عمرها من 60 عاما أن
تتجاوز الكثير من الأزمات وأن تحافظ علي حق المبدع الحقيقي في وجهات نظره
وفي نفس الوقت المحافظة علي قيم وتقاليد المجتمع من الانهيار. لهذا انصح
الشباب الذين يريدون الغاء الرقابة نهائيا باسم الثورة مراجعة أنفسهم،
واحترام وجهات نظر المجتمع الذي اعطي الشرعية للثورة نفسها وأن يفرقوا بين
حرية مسئولة لا يعرفها إلا الفنان الواعي الذي يعمل بضميره الأخلاقي
والفني، قبل الرقابة وبعدها، وأنا اتمني عليهم أن يذكروا لي عدد الفنانين
والفنانات الذين ينطبق عليهم هذا الوصف وهل من ينتجون أفلام الهلس، نكتة
ورقصة ومخدرات وتهريج سيخف ونوعية هي أقرب إلي الكباريه منها إلي الفن
السينمائي، هل هؤلاء إذا تركنا لهم سقف الحرية مفتوحا بلا حدود، هل سأخذ
منهم الفن المحترم، وكيف لفاقد الشيء أن يعطيه، وكيف ننتظر منهم ذلك وهم
كائنات فارغة بلا ثقافة وهم للأسف الشديد أكثر من يتشدقون ليل نهار بأن
الفن رسالة، وهؤلاء حتما يخلطون بين الحرية والتحرر، ومفهوم الحرية الحقيقي
ينتهي عند اقتحامك لحرية غيرك. روح الشرائع وقد قال «مونتسكيو» في كتابه
روح الشرائع الذي ترجمه عادل زعيتر بتقديم سعد عبدالرحمن، إن الحرية ليست
بلا حدود، وهي قانون يسمح لك بأن تقول وتفعل ما تريد، وتترك لغيرك أيضا نفس
الشيء، في ظل مساحة يتفق عليها الجميع، ومع ذلك تظل الحرية كلمة يفهمها كل
إنسان حسب وعيه وإحساسه وادراكه لقيمة الكلمة ومعناها. وبناء عليه فالرقابة
التي تراها ضدك، يراها غيرك معه، ونحن لا نريدها ضد المبدعين، لكننا نطلبها
ضد السفهاء والمبتذلين، ويوم يبلغ الغالبية العظمي من أهل السينما مقام
الوعي سوف تنهار الرقابة من تلقاء نفسها، فاطمئنوا.
جريدة القاهرة في
19/07/2011
أفلام القطاع العام ..
الدجاجة
التي تبيض ذهبا حائرة بين الثقافة وقطاع الأعمال
بقلم : دعاء حلمي
تواجه شركة الصوت والضوء والسينما التابعة لقطاع الاعمال التابع
لوزارة الاستثمار صراعا محتدما بين عدد من الاطراف حول تلك الشركة
وملحقاتها فالسينمائيون يطالبون بفصل قطاع السينما عن الشركه وضمها لوزارة
الثقافة ومنع نقل أصول السينما المملوكة لوزارة الثقافة إلي شركة مصر للصوت
والضوء حيث تعود ملكية هذه الأصول للمجلس الأعلي للثقافة طبقا للمادة رقم
22 من قرار رئيس الجمهورية رقم150، الخاص بإنشاء وتنظيم المجلس الأعلي
للثقافة. انشئت شركة مصر للصوت والضوء بقرار من وزير الدولة للثقافة
والإعلام رقم 229 لسنة 1980وفي نوفمبر 2003 تم دمج شركة مصر للانتاج
والتوزيع السينمائي في شركة مصر للصوت والضوء باسم شركة مصر للصوت والضوء
والسينما التي تتعاون مع وزارة الثقافة في الاستفادة من الأصول غير
المستغلة لشركة مصر للصوت والضوء والسينما وأيضا تنشيط السينما ووسط
مطالبات السينمائيين بعودة تلك الاصول المتمثلة في دور العرض والاستوديوهات
والبلاتوهات وأراضي مدينة السينما بالاضافه الي300 فيلم خام نيجاتيف يمثلون
قيمة سينمائية وتاريخية يطالب السينمائيون بعودتها الي تبعية وزارة الثقافة
والاشراف علي استغلالها والاقصاء التام لشركة الصوت والضوء والتي طالبوا
بضمها لوزارة الثقافة وكانت هذه المطالب علي النقيض مما يطالب به موظفو
شركة الصوت والضوء والسينما حيث طالبوا بعدم نقل تبعيتهم الي اي وزارة اخري
بل ومطالبين بانتقال كل الاصول الخاصة بالسينما من ستوديوهات ودور عرض الي
شركة الصوت والضوء بشكل كامل مبررين ذلك بأن الوزارة فشلت من قبل في إدارة
الشركة عندما كانت تابعة لها. وتجددت المشكلة الآن عندما أرسل الدكتور عصام
شرف رئيس الوزراء خطابا إلي وزير الصناعة المشرف علي وزارة الاستثمار
باستمرار تبعية شركة مصر للصوت والضوء والسينما إلي الشركة القابضة للسياحة
والفنادق والسينما مع نقل أصول السينما لها، حتي يتسني للشركة تنفيذ الخطة
الموضوعة للاستغلال الأمثل لتلك الأصول خاصة أن بعض السينمات المتضمنة في
هذه الأصول مهددة بالانهيار. قال الموظفون إن شركة الصوت والضوء تعمل علي
جذب استثمارات بملياري جنيه تصب في مصلحة الاقتصاد القومي لتنشيط وجذب
السياح إلي مصر وتطوير صناعة السينما في دور العرض والاستوديوهات وهو ما لم
تقدر عليه الوزارة طوال تاريخها. وبين وجهتي النظر وبين مطالبات متفاوتة
الاتجاهات كان يجب استبيان حقيقة الموقف من جميع الاطراف المعنية. إيجار
وتشغيل كانت البداية مع وزير الثقافة د.عماد ابوغازي الذي صرح قائلا :بأن
قرار ضم شركة الصوت والضوء الي وزارة الآثار او ضم القطاع الخاص بالسينما
من ستوديوهات ومعامل الي وزارة الثقافة وان كانت في الاساس هي ملك للوزارة
ودور شركة الصوت والضوء لا يزيد علي شكل من اشكال التأجير التمويلي
والتشغيلي لدور العرض والاستوديوهات ليس في يد وزارة الثقافه ولكنها كلها
قرارت خاصة بمجلس الوزراء ووزارة الثقافة لا سلطة لها في اتخاذ مثل هذه
القرارات بالضم او نقل التبعية . لصالح الصناعة اما عصام عبدالهادي رئيس
شركة الصوت والضوء والسينما فقد اكد احقية الشركة في تملك هذه الاصول منها
سينما رادوبيس والحمرا وعماد الدين وغيرها ويري ان هذا الوضع بدأ في عام
1993 حيث صدر قانون قطاع الاعمال وانتقلت ملكية جميع اصول الشركات المملوكة
للدولة بجميع الوزارات إلي وزارة قطاع الاعمال العام ما عدا اصول السينما
فظلت مع وزارة الثقافة وربما خشي وزير الثقافة في ذلك الوقت من خضوع هذه
الاصول لفكر قانون قطاع الاعمال العام الذي يهدف الي تطبيق الخصخصة وبيع
الاصول المتمثلة في دور العرض في السينما والاستوديوهات التي كانت في حدود
300 دار عرض وقتها الي أن نجح وزير قطاع الاعمال وقتها عاطف عبيد في عام
1996 في نقل هذه الاصول الي وزارة قطاع الاعمال ووضع شروط من ضمنها عدم
التصرف بالبيع في الارض الا لصالح صناعة السينما.. هنا تلاشي تخوف وزارة
الثقافة من سوء استغلال الاصول ورغم ذلك لم ينفذ أي شيء في هذا الصدد فامتد
الانهيار الي هذه الاصول ويمكن أن نشبه الامر وكأنه رفض مستأجر إجراء أي
تعديلات أو اصلاحات في الشقة التي يعيش فيها لأنها مفروشة وليست ملكا له
فلا تطوير ولا تحديث ولا ضخ استثمارات جديدة بالتالي وصلت الامور الي حالة
متردية فكان من المفترض أن يضخ القطاع الخاص 150مليون جنيه استثمارات في 15
سينما حتي اليوم لم يضخ أكثر من 5 ملايين جنيه والعقود تنص علي ضخ
150مليونا خلال 20 سنة رغم ان ضخ الاستثمارات كان الأساس الذي ارست عليه
مناقصة الاستئجار.. ووصلت الخطورة الي وجود 4 دور عرض سينمائي 2 منها
بالاسكندرية وواحدة بالقاهرة واخري ببورسعيد جميعها في حالة متردية وعلي
حافة الانهيار وكل ما اطلبه تملك الشركه لتلك الاصول لان لدينا خطة شاملة
للتطوير واستقطاب مستثمرين قيمة هذه الميزانية مليار و200 مليون جنيه وتم
عرض الخطة علي د.محمود محيي الدين وزير الاستثمار وقتها واقتنع بها بعد ان
شاهد الحالة المتردية لدور العرض والشكل الحضاري الذي ستكون عليه وعرضنا
الأمر.وهو ما يصعب علي وزارة الثقافة لانها غير متخصصة في مثل هذه الامور
الخاصة بالاستثمار وقد تواجه عجزاً في الانفاق علي كل هذه الاصول المتهالكة
وبخصوص الافلام النيجاتيف فلدينا 215 فيلماً والباقي حق توزيع فقط ولكن أن
نشتري هذه الافلام لابد أن ننظر لها نظرة اقتصادية فمثلاً عندما طلبنا شراء
بعض الافلام من قناة طلبت في الفيلم 200 ألف دولار وهو ما لاتستطيع الشركة
تحقيقه بسبب امكانياتها المحدودة ولابد من تفعيل قانون ارشفة السينما ونحن
نمتلك اكبر ثلاجة حافظة للافلام النيجاتيف علي مستوي الشرق الاوسط وهو ما
سيصعب توفيره في وزارة الثقافه. السينمائيون يرفضون اما علي الجهة المقابلة
فأكد عدد من السينمائيين رفضهم التام لنقل ملكية الافلام الخام والاصول
الخاصة بوزارة الثقافه الي شركة الصوت والضوء ومنهم المخرج علي بدرخان الذي
قال يكفينا حال البلد الذي تردي طوال السنوات الماضية والذي انعكس بشكل
كبير علي قرارات خاطئه اضرت بصناعة السينما فلا ادري ماعلاقة وزارة
الاستثمار بأصولنا السينمائية وافلامنا بل السؤال الاهم ماذا قدموا طوال
سنواتهم الماضية وهي تحت تصرفهم واين هذه الاستثمارات طوال هذه الفترة وهل
انهم اجروها لبعض المنتجين يسمي هذا استثمار ام شكل من اشكال السمسرة
والتجارة لا الاستثمار فوزارة الثقافة رفعت يديها عن السينما منذ عام
1993بعد ان انتقلت الادارة لقطاع الأعمال العام في جو سيطرت عليه الخصخصة
واليوم نسأل أنفسنا من المسئول عن السينما هل وزارة الثقافة أم الاستثمار
أم الإعلام أم غرفة صناعة السينما وهذا وضع لابد من تصحيحه فيجب ان تمارس
الدولة دورها في دعم صناعة السينما . العود أحمد أما المخرج يسري نصرالله
فكان له هو الآخر موقف رافض لمحاولات شركة الصوت والضوء لضم الاصول ووضعها
تحت تصرفها وطالب بعودتها لوزارة الثقافه قائلا : لا توجد علاقة بين الفن
والسينما وهذه الشركة مشددا علي ضرورة تصحيح جميع الأخطاء والقرارات
العشوائية فالسينمائيون يستطيعون إدارة شئونهم بأنفسهم ولابد من عودة تراث
السينما لوزارة الثقافة بدلا من شركة الصوت والضوء التي تتحكم فيه بدون سند
قانوني وتقوم بالتصرف فيه إما بالبيع أو بالايجار وتوزع هذا الناتج علي
العاملين بالشركة في صورة أجور وبدلات في حين تعاني السينما أزمة مالية
فدخل هذه الأصول كاف لتمويل دعم أفلام الشباب وإقامة أرشيف سينمائي محترم
وأكد يسري نصرالله قيام السينمائيين بتوقيع بيان موجه للمجلس العسكري يرفض
تبعية السينما لوزارة الاستثمار ورفع شركة مصر للصوت والضوء يدها عن إدارة
أصول السينما، وأكد أنهم وقعوا علي البيان نيابة عن السينمائيين بصفتهم
أعضاء في مجلس إدارة المركز القومي للسينما الذي ينظم علاقة الدولة بصناعة
السينما فلا يجب أن نتسول سنويا 20 مليون جنيه من وزارة المالية لدعم
السينما في حين أن هناك أصولا لا تقدر بثمن تكفي لتسيير العملية الانتاجية
وتمويل الصناعة ونحن كسينمائيين نرفض أن تدير جهة أخري شئوننا. وهو ما أكده
توفيق صالح أن ما حدث يعد مهزلة أن تقوم وزارة قطاع الأعمال بالسيطرة علي
كل أصول الوزارات بهدف استثمارها وكان من بين هذه الوزارات الثقافة وتم
الاستيلاء علي تراث السينما والتعامل معه علي أنه بضاعة يتم بيعها في
المزاد العلني لدرجة أن هناك مجموعة من الأفلام تم بيعها بـ24 ألف جنيه فقط
لإحدي القنوات الفضائية وتساءل لصالح من يحدث هذا وأن ندمر تاريخنا
بأنفسنا. فبعد تغيير النظام يجب تطبيق شرعية الثورة واسقاط كل القرارات
التي صدرت في الماضي وكان لها آثار سلبية علي السينما أسوة بما يحدث في
معظم قطاعات الدولة حضر هذه الوقفة وذلك تمهيدا لاسترداد أصول السينما من
أفلام تراثية ومعامل تحميض وستوديوهات كانت قد آلت إلي الشركة القابضة. أما
خالد عبدالجليل رئيس المركز القومي للسينما فأكد أن أصول أفلام مؤسسة
السينما وأن شركة مصر للصوت والضوء تحاول نقل ملكية هذه الأفلام وهو ما
جعلها تلجأ لاستصدار فتوي من مجلس الدولة بأحقيتها في الأفلام، وقرار ضم
السينما لوزارة الاستثمار دافع عنه أحمد نظيف ومحمود محيي الدين وأصرا علي
عدم إعادة الأصول لوزارة الثقافة وكشف خالد عبدالجليل سبب إصرار الصوت
والضوء علي الاحتفاظ بأصول السينما المصرية موضحا كم المكافآت التي يحصل
عليها موظفوها بدون مجهود أو عمل ينجزونه مقابل ما يتقاضونه من مرتبات تصل
لأكثر من مائتي ألف جنيه في الشهر لبعض الموظفين بالإضافة لحصول باقي
الموظفين علي خمسة أشهر في الشهر الواحد إضافة الي رواتبهم. وأضاف أن عصام
عبدالهادي رئيس شركة مصر للصوت والضوء قدم استقالته من غرفة صناعة السينما
لرفضها نقل أصول الأفلام الي وزارة الاستثمار.
جريدة القاهرة في
19/07/2011 |