لأنها أرادت، منذ ما
قبل «ثورة الياسمين» في بلدها الأم، نظاماً مدنياً وعلمانياً متين البنية
في
مجتمعها، قادراً على الاستمرار، بل قابلاً لأن يُصبح نظاماً
حياتياً متكاملاً
وثابتاً. لأنها أعلنت رأيها هذا بعبارات صريحة، وبأعمال بصرية واضحة
ومباشرة. لأنها
رأت أن الصدق مع الذات أولاً ومع الآخر ثانياً، في التعاطي مع الشؤون
الحياتية
كلّها، الوسيلة الوحيدة للمجاهرة بالتزام الحريات العامّة، بل
لعيش الحريات العامّة
هذه وفقاً لقوانين عصرية مبنية على الديموقراطية الحقّة. لأنها اعتبرت أن
المدنيّ
والعلمانيّ صنوان لا يفترقان عن بعضهما البعض، وأن جعلهما نمطاً حياتياً
يومياً، في
الممارسة والعيش والفكر معاً، أمرٌ محتاجٌ إلى تضحيات ومثابرة على الدفاع
عنهما.
لأنها أقرّت علناً بما آمنت به واشتغلت عليه... كان لا بُدّ لها من أن تدفع
ثمناً
ما. كان لا بُدّ لمن التزم هذا الفكر وعاشه منفرداً على الأقلّ، مثلها، من
أن يدفع
ثمناً ما أيضاً. إنها، باختصار، المخرجة التونسية الفرنسية نادية الفاني
(51
عاماً)، التي بدأت مؤخّراً حرباً جديداً ضد مرض ثانٍ، يبدو أنه
أخطر من إصابتها
بمرض سرطانيّ: مواجهة الحقد الأصوليّ المتشدّد. مواجهة العمى الدينيّ
المتزمّت.
حربٌ ضروس
إنها حربٌ ضروس ضد الغزاة الحاملين راية الدين سلاحاً في وجه
الآخرين جميعهم. حربٌ واقعةٌ منذ زمن بعيد، لكن جريمة الحادي
عشر من أيلول 2001
منحتها زخماً إضافياً وحيوية جديدة. والخوف كلّه كامنٌ في أن تحمل الثورات
العربية
الحديثة بذوراً نقيضة لها (للثورات)، بإتاحة الفرصة أمام المتزمّتين
والمحافظين
الدينيين والمتشدّدين، للانتقام من أزمنة القمع والحصار
والنفي، وللثأر ممن أراد
المدنيَّ والعلمانيَّ سلوكاً حياتياً. ما حصل مع نادية الفاني في تونس، في
السادس
والعشرين من حزيران الفائت، محطّة من المحطات الكثيرة الخاصّة بالهجمات
الأصوليّة
ضد الفكر التنويري في العالم العربي. ضد من يُجاهر علناً بقناعته بفكر
كهذا. ضد من
يعيش تنويراً يومياً في حياته الاجتماعية أيضاً. ما حصل متمثّل
بتصرّف مألوف لدى
هؤلاء السلفيين الأصوليين، لأنهم لا يفقهون شيئاً آخر سواه: الاعتداءان
الماديّ
والمعنوي على كل من يقول كلاماً مغايراً أو مناقضاً لأهوائهم وتفسيراتهم
الخاصّة
بهم للدين. الاعتداء بالضرب والتخريب وسيلتهم الوحيدة للتعبير
عن حضورهم الناشئ
حديثاً إثر سقوط الطاغية التونسيّ، في لحظة التحوّل الأخطر الذي تعيشه تونس
اليوم.
ما حصل يؤشّر إلى مرحلة مرتبكة وصدامية: الأصوليون المتزمّتون مصرّون على
إرساء
منطق العنف والإلغاء. منطق القمع الذي عانوا مراراته سنين
طويلة، من دون أن يعني
هذا تبريراً لممارستهم قمعاً شبيهاً بالقمع الذي عانوه، أو قمعاً من نوع
آخر.
مصرّون على نشر الظلام، متناسين أن الذين
انتفضوا ضد الطاغية، أحد أعنف الطغاة
العرب في نهايات القرن العشرين، لن يرضخوا لطغاة وإن حملوا
راية الدين، ونفّذوا ما
ظنّوه «أوامر إلهية». باختصار شديد، هذا ما حصل: أثناء عرض الفيلم الوثائقي
«لا
ربّي لا سيدي» لنادية الفاني في صالة «سينمافريكار»، نفّذ أصوليون متطرّفون
اعتداءً
مادياً عنيفاً، تمثّل بهجوم على الصالة أفضى إلى تخريبها، وبإلحاق أذى
جسدياً
وضرراً معنوياً بالغالبية الساحقة ممن كان حاضراً الحدث
الثقافي المُقام بعنوان
«ارفعوا
أيديكم عن مبدعينا». في الإطار نفسه: هل يُمكن نسيان الاعتدائين المادي
والمعنوي أيضاً ضد المخرج التونسي نوري بوزيد (أحد مغنّي «راب» هاجمه
بأغنية داعياً
إلى تصفيته، لدفاعه عن العلمانية والمجتمع المدنيّ، ما أدّى بأصوليين
متزمّتين إلى
محاولة تصفيته الجسدية)؟ هل يُمكن التغاضي عن الاعتداء
الإرهابي المُمارَس على
الفكر التنويري وأصحابه، في مدن عربية مختلفة، في أزمنة مختلفة أيضاً؟ ما
حصــل في «سينمافريكار» حلقة جديدة من المسلسل
الأصولي الإرهابي، المتنامي حالياً هنا وهناك.
في تعليقها على ما جرى، قالت نادية الفاني للموقع الإلكتروني الخاصّ
بـ»مهرجان
أبو ظبي السينمائي الدولي» (نُشرت مقتطفات من الحوار معها في
الزميلة «المستقبل» في
التاسع والعشرين من حزيران الفائت) إن المعتدين على الصالة وروّادها «لم
يُشاهدوا
الفيلم». أضافت أنهم لو شاهدوه «سيغيّرون رأيهم. الفيلم ليس ضد الإسلام كما
يروّجون، بل عن حرية التعبير والمعتقد»، مشيرة إلى أن فيه
مساحة واسعة للتسامح «لا
يتحلّون هم بجزء يسير منها». يُذكر أن «لا ربّي لا سيدي» عُرض للمرّة
الأولى في
تونس في ختام الدورة الأخيرة لـ»مهرجان الفيلم الوثائقي» في نيسان الفائت:
«كان
العرض جيداً جداً. كذلك الحوار مع الجمهور الذي تلا العرض».
غير أن المعتدين على
صالة «سينمافريكار» اكتفوا بمشاهدة ريبورتاج تلفزيوني عن الفيلم والمهرجان
الوثائقي، «فبدأ الهجوم منذ ذلك الوقت، وأهدروا دمي». وذكرت معلومات صحافية
أن
الريبورتاج التلفزيوني هذا عُرض على شاشة التلفزيون التونسي
«هنيبعل»، وأن نادية
الفاني عبّرت فيه بصراحة ووضوح عن «تمسّكها بالانتمائين المدنيّ
والعلمانيّ،
وبتحرّرها من الانتماء الديني».
الحريات في خطر
أما الفيلم، فبدأ تصويره في
شهر آب من العام الفائت. ارتكزت مادته الأساسية على إثارة نقاش حول النظام
العلماني، الذي تتوق نادية الفاني وتونسيون كثيرون إليه: «اضطرت المخرجة إلى القول
حينها إن الفيلم يدور حول طقوس شهر رمضان، لتتمكّن من الحصول على موافقة
الرقابة»،
كما ذكرت معلومات صحافية. ومع انتهاء التصوير وبداية مرحلة
التوليف، اندلعت «ثورة
الياسمين» في بلدها: «كنتُ في مرحلة التوليف. لم أعتقد لحظة أن ثورة يُمكن
أن تقوم.
لذا، حملتُ الكاميرا مجدّداً عند قيام
الثورة هذه، ونزلت إلى الشارع، وأعدت تركيب
الفيلم بما يتلاءم والتطوّرات الميدانية. التغيير اللاحق
بالفيلم طبيعي. ما كنا
نناقشه سرّياً كأفراد، أضحى بعد الثورة أحد المحاور الأساسية للنقاش في
تونس».
يُذكر أن الفاني لم تكن موجودة في تونس
أثناء الاعتداء الإرهابي هذا، لكنها أكّدت،
في حوار صحافي، أنها عائدة إلى بلدها قريباً: «لستُ خائفة. لن
أتوقّف عن محاربتهم.
أنا في باريس اليوم لأني أخضع لعلاج من مرض السرطان. سأعود إلى تونس حتماً»
(«المستقبل»، 29 حزيران الفائت).
في تقرير صحافي منشور في الزميلة «القدس
العربي»، في الحادي عشر من تموز الجاري، جاء أن الشرطة التونسية ألقت القبض
على ستة
وعشرين رجلاً بعد وقت قصير على الاعتداء، وأن سلفيين عديدين تجمهورا أمام
وزارة
العدل بعد ذلك بيومين مطالبين بالإفراج عنهم، ما أدّى إلى
«مشاحنات مع محامين».
وذكر التقرير الموقّع باسم أندرو هاموند أن ردود فعل وسائل الإعلام
«العلمانية»
والمثقفين «اتّسمت بالقلق»، وأن هؤلاء
حذّروا من أن الحريات في تونس، التي كانت
حصناً للعلمانية في ظلّ الحكم البوليسي للرئيس المخلوع زين
العابدين بن علي،
الممتدّ على مدى ثلاثة وعشرين عاماً، «ستتعرّض للخطر، إذا لم يتمّ وقف
الإسلاميين
من مختلف أطياف الإسلام السياسي (عند حدّهم)». من جهته، كتب طيب زهار في
الصحيفة
التونسية الصادرة باللغة الفرنسية «رياليتيه»، أن «هذا يُنذر
بما ينتظرنا، إذا لم
يتمّ اتّخاذ إجراءات صارمة ضد هؤلاء السحرة، لأن لا شيء سيمنعهم عن مهاجمة
الفنادق
والملاهي الليلية، أو المواطنين الجالسين في مطعم». غير أن عبد الحميد
حبيبي،
القيادي في «حزب التحرير» (ذكر التقرير الصحافي المنشور في
«القدس العربي» أنه حزب
سلفيّ، وأن الشرطة التونسية اتّهمته بالاعتداء على صالة العرض السينمائي
«سينمافريكار»)
قال إن «المجتمع الفني يحاول استفزاز السلفيين، لكنه يُسيء الحكم
على المزاج العام للمواطنين التونسيين، الذين هم أكثر ميلاً إلى الاتجاه
المحافظ
مما كان يتصوّره أبو الدولة الحديثة الحبيب بورقيبة». وعلّق على الفيلم
وعنوانه
بالقول إن الدولة «ليست بحاجة إلى عرض فيلم كهذا يحمل العنوان
هذا، في ظلّ الوضع
الذي تمرّ به تونس الآن»، معتبراً ببساطة شديدة أن العرض السينمائي هذا
«محاولة
لاستفزاز الناس»، لأن الفيلم بالنسبة إليه «يُنكر وجود الله»
(!).
إنها مرحلة
عصيبة. الثورات لا تبلغ مراميها بسهولة وسرعة. المخاض طويل. الاعتداء على
صالة
سينمائية وعلى روّادها بالضرب والإهانة والتخريب فعلٌ يُعاقَب
عليه. أو هكذا يجب.
لكنه فعلٌ مُرشَّح لمزيد من الاعتداءات، إذا لم تضبط السلطات التونسية واقع
الحال،
بأن تُسرع في وضع قوانين عصرية ومتجدّدة، وفي انتشال البلد والمجتمع والناس
من
الضياع والفوضى. وإذا لم يحافظ المجتمع التونسي الحيوي
والمتنوّر على قناعاته
المتحرّرة من أي نير، ديني أو سياسي، يزداد الخراب والفوضى، اللذين يلائمان
سياسة
الأصوليين المتشدّدين والمتزمّتين، لأنهما يتيحان لهم مساحة أوسع للحراك
المدمِّر.
الديمقراطية طريقٌ إلى العصر الحديث. القوانين المتطوّرة ضابط إيقاع يُساهم
في
نجاحها وثباتها. المجتمع المدنيّ والعلماني أيضاً. الأصوليون قادرون على
استغلال
الديموقراطية. هذه معركة المجتمع المدنيّ والعلماني. نادية
الفاني جزءٌ من المجتمع
المذكور هذا.
كلاكيت
تقليــد
نديم جرجوره
تُقلقني أسئلة
المهنة. التقليد في الاشتغال اليومي في الصحافة اللبنانية المكتوبة لا يزال
فاعلاً
بقوّة في تسيير الأمور. كسر التقليد محتاجٌ إلى جرأة. إلى رغبة حقيقية في
الانتفاض
على القديم، ووضع آليات جديدة للعمل. لم تعد الصحافة المكتوبة
في الغرب معنية بما
جرى. ما سيجري هو الأهمّ. تقديم المعلومة ضرورة ملحّة، ولا بأس إن أُرفقت
بتحليل
و/أو حوار. تقديم المعلومة قبل الحدث، لا بعده. ما سيجري حاجة لدى القارئ،
لاختيار
ما يهمّه. ماذا تعني قراءة خبر مفاده أن فلاناً استقبل فلاناً وتباحثا حول
كذا
وكذا؟ المهتمّ حاصل على هذا كلّه بُعيد حدوثه مباشرة،
تلفزيونياً أو بفضل «خدمة
الخبر السريع» عبر الهواتف الجوّالة. المهتمّ مدركٌ مجريات الأمور من دون
انتظار ما
تنشره الصحف في اليوم التالي. هل هناك من يستفيد من تغطية صحافية حول ندوة
ما
تُفرّغها باختزالها بحدّة، منشورة في اليوم التالي أو بعده؟
المهتمّ يتابع الندوة
وقت تنظيمها. الصحافي يُخبره موضوعها وموعدها مسبقاً، لا أكثر. ماذا تعني
قراءة
مقالة صحافية مليئة بالانطباعات الذاتية حول أمسية فنية ما، في اليوم
التالي، أو
بعد يومين أو أكثر على تقديمها؟ ألم يُشاهدها المهتمّون بها؟
ألم يكتبوا هم أنفسهم
انطباعاتهم الخاصّة بها، عندما عبّروا عن انفعالاتهم إزاءها مباشرة؟
الانطباع
ليس صحافة. النقد مفقود كلّياً في أنواع فنية وفكرية وثقافية شتّى. الصحافة
الثقافية اللبنانية لا تزال متمسّكة بالأمس، لا بالغد.
الاختبار الذي تمارسه
الزميلة «الأخبار» على هذا المستوى جديرٌ بالاهتمام والنقاش. تقديمها
النشاطات
الثقافية والفنية سابقٌ مواعيد إحيائها. مانحةٌ هي القارئ المهتمّ كَمّاً
جيّداً من
المعلومات والتحاليل، يتيح له اختيار ما يُلائم هواه أو
اهتمامه. الصحف الأخرى
غارقة في التقليد المتّبع منذ سنين طويلة. هذا مضى. بات العصر مختلفاً
تماماً.
القارئ محتاجٌ إلى ما لا يتابعه تلفزيونياً
أو عبر «خدمة الخبر السريع». إلى ما هو
وراء الخبر ـ الحدث. إلى معلومات غير معروفة، مرفقة بتحاليل
معيّنة إذا أمكن.
محتاجٌ إلى المعرفة المسبقة، لا الانطباع اللاحق.
في غياب النقد، يحتل الانطباع
المساحة القصوى. الانطباع معقود على شعور فردي. هذا أحد مآزق العمل الصحافي
اللبناني. الغالبية الساحقة من المقالات الصحافية الخاصّة بفيروز وحفلاتها
اللبنانية والعربية والغربية مرتكزة على مفردات ثابتة لا
تتبدّل، مهما تبدّلت أشكال
الجمل والمقاطع. مهما تبدّلت أنماط حفلاتها. هذا منطبق على نشاطات أخرى
كثيرة.
النقد غائبٌ. الصحافة مطالبة بتقديم
المعلومة، ثم النقد. أو الاكتفاء بالمعلومة، إن
فُقِد النقد. تُرى، كم فرد قرأ مقالة انطباعية عن أمسية
المغنّي الفرنسي فلوران
بانييه أو غيره مثلاً؟ من قَرَأ مُهتمّ بمن كتب ربما. لكن أحداً من
المشاركين في
الأمسية تلك معنيّ بكتابة انطباعية متأخّرة.
هذه أزمة كتابة. أزمة مهنة. هناك
إمكانية تغيير. لكن الإمكانية محتاجة إلى قرار جريء.
السفير اللبنانية في
14/07/2011
توقف «مهرجان الأفلام الفرنسية العربية» في دمشق قبل
اختتامه
الرقابة تسمح بفيلمين لأميرالاي وتمنع فيلمين
فلسطينيين
نديم جرجورة
لن يتسنّى لمحبّي
السينما أن يُتابعوا التظاهرة كلّها التي اعتاد «المركز الثقافي الفرنسي»
في دمشق
تنظيمها سنوياً. فبحسب تقرير وزّعته «وكالة الصحافة الفرنسية»
أمس الأول من العاصمة
السورية، أوقفت إدارة المركز أيام الدورة الجديدة لـ«مهرجان الأفلام
الفرنسية
العربية»، المقامة هناك بين الثالث والثالث عشر من تموز الجاري، بسبب
«الخوف» من
انتقال التظاهرات من أمام «السفارة الفرنسية» إلى المركز. بهذا
المعنى، لن يُشاهد
هؤلاء الفيلمين الوثائقيين للمخرج السوري الراحل عمر أميرالاي «محاولة عن
سدّ
الفرات» و«الدجاج» مثلاً. لن يُشاهدوا أفلاماً أخرى تمّ اختيارها لهذه
التظاهرة
المعقودة على الإنتاج السينمائي العربي الفرنسي المشترك، الذي
(أي الإنتاج) قدّم في
الأعوام الأخيرة عدداً لا بأس به من أجمل الأفلام المنتمية إلى البيئة
العربية،
ثقافياً وإنسانياً واجتماعياً وحياتياً. لن يُشاهدوا فيلمين من أفلام
أميرالاي،
الذي كرّس حياته كلّها من أجل تفكيك الواقع السوري (والعربي
أيضاً) وقراءة مساراته
وتبدّلاته، بإخراجه أفلاماً وثائقية توغلت في أعماق الحكايات السورية
(والعربية
أيضاً) المنفلشة على السياسي والتاريخي والأخلاقي.
على الرغم من موافقة «مديرية
الرقابة الفنية» في «وزارة الثقافة السورية» على عرضهما، اصطدم «محاولة عن
سدّ
الفرات» و»الدجاج» بحالة مرتبكة أثمرها واقع الحال السورية الراهنة.
فالتظاهرات
السلمية التي قامت مجموعات عديدة من الشعب السوري بها، والتي
لا تزال تقوم بها من
أجل حقوق إنسانية ومدنية، قابلها حراك داعم للنظام، وصل بمناصريه إلى
التظاهر أمام
السفارتين الأميركية والفرنسية، إثر زيارة السفيرين الأميركي والفرنسي إلى
حماه
دعماً للجهود الشعبية السلمية. وهذا أدّى إلى إيقاف التظاهرة
السينمائية في «المركز
الثقافي الفرنسي» قبل وقت قليل جداً على انتهاء الدورة الأخيرة لـ»مهرجان
الأفلام
الفرنسية العربية»، التي يُفترض بها أن تعرض عناوين متفرّقة، أبرزها «آلهة
وبشر»
للفرنسي كزافييه بوفوا و»حرائق» للكندي داني فيلنوف و»مطر أيلول» للسوري
عبد اللطيف
عبد الحميد و»روداج» للسوري نضال الدبس وغيرها. ولو استمرّ المهرجان في
احتفائه
بإنتاجات حديثة أثارت نقاشات نقدية متناقضة، لتابع المهتمّون
والمعنيون بالفن
السابع مشاهدتهم أفلاماً لا تقلّ إبداعاً وأهمية، إن لم تكن أجمل وأهمّ مما
عُرض
سابقاً. غير أن المفارقة قائمة في مكان آخر: فالرقابة السورية على الأعمال
الفنية
والثقافية أجازت عرض فيلمي عمر أميرالاي، بحسب «وكالة الصحافة
الفرنسية»، ورفضت
إجازة عرض فيلمي «الزمن الباقي» للفلسطيني إيليا سليمان و»ميناء الذاكرة»
للفلسطيني
أيضاً كمال الجعفري سليمان والجعفري «لأسباب رقابية»، كما أعلن مسؤول في
«وزارة
الثقافة السورية» للوكالة المذكورة. أضاف تقرير الوكالة أن لا
شيء مؤكّداً أو
واضحاً بخصوص استئناف دورة العام الجاري من «مهرجان الأفلام الفرنسية
العربية» أم
لا.
غريبٌ أمر جهاز الرقابة السورية هذا. الخطوة التي قام بها بإجازته عرض
فيلمي عمر أميرالاي مهمّة، وإن كان مفهوم الرقابة على الأفلام
والنتاجين الثقافي
والفني المتنوّعين مرفوضٌ في الدول العربية كافة. لكن منع الفيلمين
الفلسطينيين من
العرض، من دون فهم «الأسباب الرقابية» التي أفضت إلى هذا المنع، يعني
ببساطة شديدة
أن الجهاز تراجع إلى الوراء خطوات كثيرة، وشطب بسرعة فائقة خطوته
الانفتاحية. ومع
أن التفسير الرسمي منعدمٌ، فإن المعنيين بالهمّ السينمائي
يُدركون أن تمويلاً
إسرائيلياً أو ظهور دبابة إسرائيلية أو علم إسرائيلي على شاشة سينمائية
سورية «أمرٌ» مرفوضٌ كلّياً في دولة الممانعة هذه.
سواء استمرّ المهرجان الفرنسي
العربي أم لا، أو سواء استؤنف أم لا، فإن المهتمّين بالشأن السينمائي لن
يُشاهدوا
فيلمين بديعين ومهمّين ومعقودين على الاشتغال السينمائي البحت، صورةً
وتوليفاً
وإخراجاً ومعالجة درامية وأداءً تمثيلياً وسجالاً إنسانياً
وأخلاقياً. لن يقدروا
على التمتّع بالمعاني الجميلة للسينما، الواضحة المعالم في الفيلمين هذين،
بمستوياتهما كلّها.
السفير اللبنانية في
14/07/2011
«علـى
الحافـة»
باكـورة المغربيـة ليلـى كيلانـي تؤنـث
الجريمـة
زياد الخزاعي
تستكمل باكورة
المخرجة المغربية الشابة ليلى كيلاني «على الحافة»، التي عُرضت في برنامج
«نصف شهر
المخرجين» في الدورة الرابعة والستين (بين الحادي عشر والثاني
والعشرين من أيار 2011)
لمهرجان «كانّ»، اشتغالات مواطنيها الأخوين عماد وسهيل نوري في «أبواب
الجنة» (2006)،
ونور الدين لخماري في «كازانيغرا» (2008)، بشكل مدهش في تغريب الحال اليومي
لأبطالهم ومحيطهم. الشراكة هنا قائمة على الذات البريختية، التي تحوّل
خطابهم
السينمائي بشأن النماذج الأشد قسوة ومكراً إلى محنة إيديولوجية، أكثر منها
تبصّراً
في سوسيولوجية الحدث. الشاب باي، بطل الأخوين نوري، لا يصنع
تاريخه، بل تتشارك
أقدار أخرى في مساره الدرامي، فارضة عليه أن «يقع» في مطبّ الجريمة.
والأقدار هذه
كلّها مصنوعة بسبب الفقر والهامشية وغياب الأمن، إلى السلطة وفسادها. وما
تعقّد
حكايات الأبطال الثلاثة في عمل الأخوين نوري سوى الكوّة التي
تبدأ صغيرة، لتتسع على
حجم المدينة الضاغطة بوحشيتها ودموية عصاباتها. وهو المحيط والترتيب
الرياضي نفسه
الذي يقود كريم وعادل، بطلي لخماري، إلى أقصى الرعونة العائلية، قبل أن
يتخطّيا
عتبة الجريمة الصغيرة. ثنائيتهما تمدّهما بقوّة إقناع «أنهما
فوق المساءلة، وأنهما
أقلّ من حتف معلن». يذهبان إلى الأماكن كلّها، ويتحرّشان بالأوادم جميعهم،
الذين
يسيرون في شوارع العاصمة الاقتصادية، وفي ظنهما أن الضحايا محشوّون بالمال
والحشيشة
والرذيلة. إن تصوّرهما الشبابي يسعى، بحسب لخماري، إلى نهاية
خاطفة، تحسم وضاعتهما.
وهذه لن تتحقّق، إلاّ في الأزقة المظلمة والأماكن الموبوءة الوضيعة.
شخصيات
متناقضة
لا يتبع الأخوان نوري ولخماري بناء شخوصهم على أساس أنها واجهة المدينة
وسمعتها، والكيانات التي تسيّر يومياتها (هي من جملة عوامل
أدّت إلى تعييّر نقدي
تعرّض لهما الفيلمان). بل هي إرادات وفدت لتُجاهد من أجل حيّزها وضمان
حياتها. أراد
الأوّلان أن تتحوّل المدينة إلى «جنات» غير شرعية، لأفراد مغصوبين على
البقاء،
متوفرين للتصفية والموت والابتزاز. بينما نعت الثاني المدينة
بـ»السوداء»، وصوّرها
في ليل كامد، كتورية لاختلال بنيانها الاجتماعي. تارة، حين تقف الشخصيات في
مواجهة
الكاميرا ـ الجمهور وهي تُعلن خطوتها المقبلة، وتارة أخرى كما فعل الأخوان
نوري،
عندما قفزا بالكاميرا في هواء الدار البيضاء، أو حملاها خلف
رصاصة تخترق رأس ضحية.
إنهم يشتركون في سحب مُشاهدهم وإرغامه على متابعة لعبتهما، من باب الهوس
بالصورة
وتقطيعها، وإبعادهم عن لعبة المماهاة.
من جانبه، أعلن فيلم ليلى كيلاني (مواليد
الدار البيضاء، 1970) انحيازه المطلق إلى قسوته بدءاً من
عنوانه. ذلك أن الفتيات
الأربع اللواتي يكشفن عن حجم الباطن العفن لمدينة طنجة، يعشن «على حافتـ»ها
الحياتية. منهنّ عاملات في معمل لتعليب سمك القريدس، وأخريات امتهنَّ
الدعارة وسرقة
الزبائن، لأن «الحيلة لعبتهن». هناك بديعة (أداء لامع لصوفية
عصامي) وإيمان في مشهد
افتتاحي محكم (تصوير إيريك ديفن)، محاصرتان بلون أبيض باهر، هو الطُعم
البصري ـ
الضد، الذي يُفهِم مُشاهد نص كيلاني أن المحيط الشديد النظافة، المقنن
بحركته،
والمرتب بأوامره وقوانينه، والمنضبط بزمنه، والتابع إلى نظام
خارجي (مُغيَّب)، لا
تسمح هذه كلّها بالتسيّب، بل يجب أن يقابلها حيّز مناقض ومليء بالفوضى
والحطّ
الاجتماعي والفاقة والمكر. هذا العالم خاضع لسيرورة عُنفيّة آنية، عمادها
البقاء.
في الداخل الابيض، تتمتع البطلتان بأمان
السُخرة، بينما يبيح لهم الخارج القاتم
«حرية
مزيّفة»، تقوم على حرب اجتماعية لا تنتهي. الموظّفتان تنسلخان عن فتاتين
مجرمتين، تقومان بالسرقة المنظّمة، أحياناً بتخطيط مسبق، وغالباً بالحظّ
والحيلة.
هامشيتهنّ قوّتهنّ الذاتية، حيث لا حساب عائلياً ولا ردع أخلاقياً. إنهنّ
ضحايا
حاجة وعوز وفتنة مغامرة، وإحساس بالتعويض الاقتصادي. حافتهنّ مزدوجة، بين
العمل
اليومي الذي يستلب الوافر من يومهنّ، بينما يُجبرن ليل ضواحي
طنجة على أن يكون
حنيناً على عواطفهنّ، وحاضناً مغامراتهنّ.
حكايات بديعة وإيمان تعود إلى واقعة
حقيقية جرت عام 2005، عندما ألقت المصالح الأمنية القبض على العشرات من
الفتيات
الشابات، اللواتي نظّمن فرقاً إجرامية لسلب الزبائن، مُشيعات حالة رعب بين
الوافدين، ومُحيلات أيام المدينة الكوزموبولتيّة والمغرقة
بأمازيغيتها إلى جحيم.
وجدت ليلى كيلاني أن مفارقة ما سُمّي آنذاك بـ»تأنيث الجريمة» صالحة لعرض
بريختي
بامتياز. ذلك أن إعادة صوغ الوقائع لن يكون سوى مضيعة وقت. وجدت أن من
الأوجب وضع
مشاهدها وسط لعبة مكشوفة الدوافع والنهايات. فلئن قتل الأخوان
نوري بطلهما على
طريقة الفيلم البرازيلي «مدينة الرب» (2002) لفرناندو ميريلّيس، وجعل
لخماري بطليه
الشابين ضحيّتين لمغامرات سيئة الطالع والتخطيط، مستنداً على أسلوب الجهبذ
الإيطالي
الراحل بيار باولو بازوليني، خصوصا في «أكاتوني» (1961)، فإن كيلاني لمّت
أردان
الجريمة الجماعية، وأحالتها إلى بيان سياسي سليط اللسان، من
دون شتم بالضرورة،
وتواطؤ السلطات وعجزها.
احتفاء
هذا كلّه لا يمرّ سباباً سهلاً على مكوّنات
المجتمع المغربي، بل وجّه غلّه الدرامي إلى مشاهده، المُجبَر على سماع
ترنيماتها
القريبة من منجزات المطرب الأميركي إيمينيم، الشهيرة بعنفها وتنمّرها على
السائد.
رمت بديعة لوعتها الاجتماعية في وجوه
المُشاهدين. ذلك أن قدرها مرتب على قدّ حاجة
مغامراتها. لا شرطة تطاردها، ولا قانون يردعها، بل رجال
مذنبون، منهم مَنْ لن يغفر
فيكيل لها الضربات، ومنهم من سعى إلى توريطها (غالبية مشاهد طنجة صُوِّرت
ليلاً،
واقتربت الكاميرا من وجوه البطلات الأربع إلى حدّ اللقطات المقرّبة، تورية
لخوفهنّ
الداخلي وانكفائهن).
في المقطع الثالث من الفيلم الذي احتفى ببطلاته، التقت
الشابتان باثنتين اختارتا طريقاً أقل مشاقاً. قوّتهنّ في علاقاتهنّ في
الأوساط
المرفهة. الأمر الذي أوصلهنّ جميعهنّ، في نهاية المطاف، إلى حائط العقاب.
والسبب لا
يكمن في الجشع، بل في استعجال الغنى والهروب من المدينة الشيطانية. وبعد
سعي قصير
وصلت البطلتان إلى قلب الغنيمة (أجهزة هواتف «آي. فون» باهظة
الثمن). وبدلاً من
الانتصار، قرّرت إيمان تغيير القدر، بحرق المكان وهنّ داخله. اكتشف
المُشاهدون أن
الفتاتين الأخريين وشتا بهما، وأن العصابة لن تغفر لهنّ. فجأة، قفزت ليلى
كيلاني
بفطنة ومهارة إلى خديعة سينمائية كسرت الوهم المطلق لحكايتها:
إنهنّ أحياء. فحلمهنّ
الأكبر بالعمل في المنطقة الحرّة في طنجة، التي تمثّل أوروبية الشمال
المغربي،
كفيلٌ بحريتهنّ المقبلة، وخلاصهنّ من البقاء كيانات منتَهَكة. تُرى، متى
يتحقّق
الأمر؟ الجواب: عندما يحوِّلن وجهتهن من «على الحافة» إلى قلب
الوطن، الذي يبدو أنه
لم يلتفت إلى لوعاتهنّ. يكفي ليلى كيلاني، التي عُرفت سابقاً بمُنجزها
التوثيقي،
أنها رسمت صورة داكنة مرعبة الحقائق، وحققت عملاً قاسياً ومُستَفَزاً.
السفير اللبنانية في
14/07/2011
سخونة ميدان التحرير تؤجل عرض «المسافر»
كتب
غادة طلعت
قرر أحمد ماهر مخرج ومؤلف فيلم «المسافر» تأجيل عرض الفيلم الذي
كان من المقرر عرضه أمس قائلاً: وجدت أنه من الصعب أن نقوم
بعمل عرض خاص واحتفال
للفيلم في الوقت الذي تمر فيه البلد بظروف صعبة ويحتشد الجمهور في ميدان
التحرير
للمطالبة بالحفاظ علي الثورة ومحاكمة الفاسدين واحترام دماء الشهداء هذا
بجانب
ضرورة تواجدي وسط الناس في الميدان لنكمل نجاح ثورة بدأناها في
25
يناير.
ولهذا لن أساهم في عمل شيء يبعد الناس عن المطالبة بحقوقهم وحماية
ثورتهم لذلك طلبت من الشركة العربية الموزعة للفيلم تأجيل عرضه
وتحديد موعد آخر
للعرض بين عيدي الفطر والأضحي. وبالرغم من نصائح الكثيرين بضرورة عرض
الفيلم في
الوقت الحالي قبل انشغال الجمهور بالانتخابات المقبلة والحراك السياسي الذي
سيشهد
المجتمع.
قال ماهر إن الحالة المزاجية في المجتمع من الصعب أن تستقبل
فيلمًا جديدًا. وعما يتردد أن الرقابة لم تمنح الفيلم التراخيص
حتي اليوم. قال: هذا
حقيقي بالرغم من تصريحات الرقيب أن الفيلم لا يحتوي علي أي مشاهد خادشة أو
مبتذلة
بعد أن شاهده سيد خطاب بنفسه إلا أنه حتي الآن لم تصدر التراخيص الخاصة
بالفيلم
ولكن هذا ليس السبب الحقيقي وراء التأجيل وتعتبر هذه المرة
الثالثة التي يتم تأجيل
عرض الفيلم فيها لأسباب مختلفة ففي المرة الأولي كان سيتم عرضه في المهرجان
القومي
للسينما ولكن تم تأجيله،
ثم تم تأجيله بعدها عدة مرات جعلت المخرج يتهم
النظام السابق بأنه وراء هذا التأجيل لأن الفيلم تبني موقفًا معارضًا
للنظام وأعلن
موقفه المؤيد للبرادعي. الفيلم يشارك في بطولته النجم العالمي عمر الشريف
وخالد
النبوي وسيرين عبدالنور واللبنانية «نانا» وعمرو واكد وشريف
رمزي وبسمة.
روز اليوسف اليومية في
14/07/2011 |