«هناك أولاً المياه. وثانياً السينما. المياه
لسلامة الجسد. والسينما لسلامة
الروح». فلسفة يبدو أن مدينة كارلوفي فاري بنت كل أساطيرها من حولها. فهذه
المدينة
الواقعة في قعر وادٍ في المنطقة الغربية من الجمهورية التشيخية تفاخر
بينابيعها
الساخنة التي أهلتها لتكون منتجعاً كبيراً، يجذب السياح من حول
العالم.
كما تُفاخر بمهرجانها السينمائي العريق الذي يعود تاريخه الى عام 1946، وإن
كانت
بدايته الفعلية في التسعينات بعدما استعاد أنفاسه مع انهيار
الأنظمة الشيوعية،
وبالتالي انتهاء زمن السينما المؤدلجة. وشتّان بين الحقبتين، فالانغلاق
والتقوقع
اللذان تميزت بهما دورات تلك المرحلة، استحالا اليوم انفتاحاً على الضفة
الأخرى من
أوروبا، فالعالم. وما الدورة السادسة والأربعون التي تفتتح
أبوابها هذا المساء
بفيلم «جاين إير» وتختتم بعد 9 أيام بفيلم وودي ألن «منتصف الليل في باريس»
إلا
دليل جديد على ترسّخ الاعتقاد بعودة هذا المهرجان الى قلب العالم. فماذا عن
البرنامج؟
179
فيلماً روائياً في انتظار عشاق السينما، بينها 21
تشهد
كارلوفي فاري عرضها العالمي الأول، و24 في عرضها الدولي الأول، و17 في
عرضها
الأوروبي الأول، و54 عرضاً أول. هذا بالنسبة الى السينما
الروائية. أما السينما
الوثائقية فلا تغيب عن المسابقة التي يتنافس فيها 15 فيلماً، إضافة الى 8
أفلام
خارج المسابقة. وبين الروائي والوثائقي يبرز طموح المهرجان ليصبح مركز
استقطاب
سينمائي، بينما يؤكد المضمون على الانتصار الواضح للسينما
المستقلة. وليس هذا الأمر
جديداً على المهرجان. فهو، ومنذ سنوات اختار أن يميز نفسه عن مهرجانات أخرى
تحمل
التصنيف ذاته (فئة أ). وبما أن المقارنة مع مهرجانات مثل كان وسان
سيباستيان
ولوكارنو قد تبدو غير منصفة لمهرجان تخبط سنوات بفعل يد الحديد
التي طوّقته
بالسياسة، وحاصرته مادياً، كان لا بد من بصمة خاصة، تعيده الى خريطة
المهرجانات
الدولية. هنا يطل اسم ايفا زارالوفا. فهذه السيدة التي ارتبطت بالمهرجان
منذ بداية
السبعينات أثناء تغطيتها فعالياته كصحافية، كان لها دور كبير
في ما بعد في تطويره
وحجز مقعد له بين المهرجانات الكبرى. وهكذا كان الانحياز الى سينما المؤلف
والأفلام
المستقلة منهجاً يميز كارلوفي فاري الذي استطاع أن يحوّل الأنظار إليه مطلع
تموز
(يوليو)
من كل عام، مستقطباً نحو 135 ألف زائر، غالبيتهم من الشباب. وفي هذا
الإطار، لا يعود غريباً أن يخصص المهرجان قسماً للأفلام المستقلة بعنوان «فوروم
المستقلين» الذي أضحى تقليداً سنوياً يعرض أفلاماً من حول
العالم، وتتنافس خلاله
مجموعة من الشرائط السينمائية على جائزة الكاميرا المستقلة.
ويضم هذا القسم
خلال هذه الدورة 12 فيلماً موزعاً على 12 بلداً. واللافت أن
العرب ممثلون في هذه
التظاهرة من خلال فيلمين، الأول لبناني، هو «طيب، خلص، يلا» للثنائي رانيا
عطية
ودانيال غارسيا، والثاني فلسطيني بعنوان «بدون موبايل» للمخرج سامح زعبي.
من
طرابلس الى فلسطين
في الفيلم الأول، مدينة طرابلس اللبنانية التي
اختارها
المخرجان مركز الأحداث، يمكن أن تكون أي مدينة أخرى في العالم. والبطل
اللبناني
الذي يتخبط وسط روتين قاتل يفقده معنى الحياة، يمكن أن يكون حاملاً أي
جنسية. هنا،
ليس التركيز على خصوصية المدينة، أو خصوصية الجنسية، إنما
التركيز على الإنسان، الى
أي هوية انتمى، في امتزاج واضح للخاص بالعام. فبطل الفيلم، الأربعيني يعيش
على هامش
الحياة. يومياته لا تحتضن أي مغامرات أو مفاجآت. صباحاً تجده في متجر
الحلويات الذي
يملكه، ومساء مع والدته في البيت. حياة لا يختلف اثنان على فراغها. ولكن
ماذا لو
قررت والدته هجره علّه يتغير؟ إذ تفعل يسلك بطلنا دروباً
مختلفة قد يظن المشاهد أول
الأمر انه يرسم عبرها مستقبلاً جديداً بيديه، سواء من خلال نزهاته مع بائعة
الهوى
حيناً أو من خلال استقدام خادمة الى المنزل حيناً آخر، لكن سرعان ما يتضح
انه في
نهاية الأمر، لا يفعل إلا إعادة تركيب الروتين الذي ارتاح له لسنوات، فصار
نمط
حياته كلها.
ترى، أفلا يشبه بطلنا هنا، كثيرين يعيشون الوحدة
ذاتها في أي
بقعة من بقاع العالم؟ الأكيد أن لغة الفيلم هذه، التي تمزج الخاص بالعام،
عامل قوة،
كان له دور في فوزه بجائزة «آفاق جديدة» في الدورة الأخيرة من مهرجان أبو
ظبي
السينمائي، وأهله للاشتراك في كارلوفي فاري.
في المقابل، للفيلم الفلسطيني «بدون موبايل» خصوصية تنبع من خصوصية فلسطين
نفسها. وكالعادة في أفلام تحمل توقيع
مخرجين فلسطينيين من الداخل يطل الصراع العربي الإسرائيلي
برأسه. لكنّ هذه المرة،
يبدو أن زعبي الذي نشأ في قرية اكسال الفلسطينية بالقرب من الناصرة، وتخرج
من جامعة
تل أبيب، اختار أن يكون الصراع في خلفية الأحداث لا في صدارتها، استناداً
الى طرافة الفكرة، وتعمّد تناولها بأسلوب فكاهي حاد من شأنه أن
يشي بأكثر بكثير مما
قد تقوله الخطابات النضالية الرنانة. فماذا عن القصة؟
تدور الحكاية حول
«جودت»
عامل البناء الفلسطيني الشاب الذي يعيش داخل الخط الأخضر، والذي يهوى
التسكع
مع الفتيات غير عابئ بدينهن. فالمسلمة والمسيحية وحتى اليهودية، جميعهن ضمن
خيارات «جودت» العاطفية. وعلى رغم انه يجسد التعايش
على طريقته، فإن والده «سالم» لا يجد
حرجاً في سبّ هذا التعايش، حتى انه يفتح وحده معركة ضد برج
الاتصالات الإسرائيلي
الذي يخشى أنه يعرض القرية لإشعاعات خطيرة، محاولاً أن يأخذ الجميع الى
خندقه... كل
هذا بأسلوب ساخر، يبرز التفاوت بين جيلين: جيل الآباء المتمسك بمبادئه،
وجيل
الأبناء الذي يبدو أنه شُفي بعض الشيء من التركة الثقيلة التي
ورثها عن جيل
الآباء.
في هذا الشريط، وخلافاً للفيلم اللبناني، الهوية
أساسية، بما أننا
أمام شعب ضاعت هويته، خصوصاً أولئك الذين يعيشون داخل الخط الأخضر،
وبالتحديد الجيل
الجديد الذي ما عاد يعرف أين انتماؤه؟ فهل ينتمي الى إسرائيل التي يحمل
جنسيتها؟ أم
ينتمي الى فلسطين التي بقيت حلماً عند جيل الآباء؟
أصول
لبنانية
الانتماء محور فيلم آخر، لا يبتعد عن الأجواء
العربية، وإن كان
مخرجه يحمل جنسية كندية. الفيلم هو «روميو 11» الذي يشارك في المسابقة
الرسمية الى
جانب 11 فيلماً من روسيا وكندا وألمانيا وإسبانيا وسلوفاكيا وتشيخيا
وبولندا وفرنسا
وإيطاليا وإسرائيل والدنمارك. المخرج هو ايفان جيربوفيك،
والأبطال هم علي عمار،
جوزيف بونصار، ومي هلال. أما الحكاية فترصد المتغيرات في مدينة مونريال
الكندية من
خلال بورتريه شاب من أصول لبنانية يناضل ليجد مكانة له في الحياة، في
مواجهة عاهته
الجسدية وخيبات والده.
لبنان بعين كندية أيضاً، سيتعرف إليه جمهور
كارلوفي
فاري من خلال فيلم «حرائق» للمخرج الكندي دينيس فيلنوف الذي يخصص له
المهرجان تحية
من خلال استعادة مجموعة أفلامه، وبينهم «حرائق» المأخوذ عن نص مسرحي للفنان
اللبناني وجدي معوض، يتناول فيه عبثية الحرب اللبنانية بحذق
وقسوة كبيرين،
بالاستناد الى لعبة الوحدة بين الجلاد والضحية.
وإذا أضفنا الى هذا كله،
تحفة تيرنيس مالك الأخيرة «شجرة الحياة»، ولو من باب المغالاة،
بما أن لا علاقة
للفيلم بالعرب إلا أصول لبنانية بعيدة لصاحبه، يمكن القول إن هذه الدورة من
المهرجان لا تحيّد العرب جانباً، إنما تضعهم على خريطة العالم.
واللافت أن
البلدين العربيين الممثلين في المهرجان، هما الأكثر انتشاراً
حول العالم بين العرب،
ولو أتى ذلك بحكم الضرورة. فلبنان، المعروف على مدى تاريخه، بالهجرات
المتتالية،
شكّل أبناؤه عماد مجتمعات كثيرة. وفلسطين بفعل الشتات، صار أبناؤها مبعثرين
هنا
وهناك. ولعل في هذا الأمر بالذات، تفسير للسبب الذي يدفع كثر للتأكيد أن
هاتين
السينماتين ستقودان السينما العربية، انطلاقاً من أن الفن
السابع لا يمكن إلا أن
يكون انفتاحاً على الآخر. هذا ما نتلمسه في تظاهرة «رؤية أخرى» التي تضم 16
فيلماً
تتوزع بين كوريا الجنوبية واليابان والأرجنتين وبريطانيا وبلجيكا والنمسا
وأرمينيا
وهولندا، وغيرها... أو في تظاهرة «آفاق» التي تضم 24 فيلماً، منها أفلام من
تركيا
وإيران وفرنسا وبلجيكا.
لكنّ الانفتاح على السينما العالمية لا يعني
استبعاد
السينما المحلية، التي نجدها في المسابقة الرسمية (الروائي والوثائقي) وفي
قسم
الأفلام المستقلة، لكن الأهم في قسم خاص بها يضم 10 أفلام تشيخية حققت بين
عامي
2010
و2011. كما يراهن المهرجان سنوياً على تظاهرة «شرق الغرب» التي
تعرض أفلاماً
من أوروبا الوسطى وأوروبا الشرقية، وعددها هذا العام 12
فيلماً.
اكتشافات
وإذا كانت السينما المستقلة في الواجهة، فإن
السينما التجارية لا تغيب عن كارلوفي فاري من خلال دزينة من الأفلام تحاول
أن ترضي
كل الأذواق. ومع هذا يبقى هذا المهرجان فرصة لمشاهدة أفلام قد لا تتاح
للجمهور فرصة
لرؤيتها في مناسبات أخرى، ومنها ما يشكل اكتشافات، تأتي في كثير من الأحيان
من
مخرجين يافعي السنّ، ومن مناطق لم يسمع الجمهور التشيخي عنها
شيئاً. هذا التنوع هو
أكثر ما يميز هذا المهرجان الذي يبقى فسحة سنوية لعشاق السينما في تشيخيا
لمتابعة
ما يحدث من حراك في عالم الفن السابع. وهنا لا بد من الإشارة الى أن مجموعة
كبيرة
من أفلام الدورة الأخيرة من مهرجان كان، متوافرة لمن فاته
المهرجان الفرنسي. من
الفيلم الفائز بالسعفة الذهبية «شجرة الحياة»، الى الفيلم الذي فاز مناصفة
بجائزة
التحكيم «ولد على الدراجة»، الى فيلم نوري بلغي جيلان «كان يا مكان في
الأناضول»،
وفيلم بيدرو المودوفار «الجلد الذي أسكنه». أضف الى ذلك بعض كلاسيكيات
السينما مثل
فيلم «تاكسي درايفر» لمارتن سكورسيزي و «أميركا
أميركا» لإيليا كازان، إضافة الى العرض
العالمي الأول للنسخة الرقمية المرممة من فيلم «ماركيتا لازاروفا» الذي
يعتبره
النقاد والجمهور أحد أهم الأفلام التي حققت أيام الدولة التشيكوسلوفاكية.
ولا تنتهي تظاهرات المهرجان عند هذا الحد، فهناك
أيضاً عروض من مهرجان براغ
للأفلام القصيرة، وقسم للأفلام الموسيقية، ولـ «الاختيارات الطازجة» واختيارات مجلة
«فارايتي»
لعشرة مخرجين أوروبيين، إضافة الى التحية الى سامويل فوللر، والسينما
اليونانية الشابة... من دون أن ننسى جائزة «الكرة البلورية» التي تكرّم هذا
العام
الممثلة البريطانية جودي دنش، وجائزة «رئيس المهرجان» التي
تكرّم الممثل والمخرج
الأميركي جون تورتورو.
باختصار، مروحة واسعة من الاختيارات يضعها مهرجان
كارلوفي فاري أمام رواده الذين لم يخب أملهم عاماً بعد عام... فهل ستتجدد
الثقة
خلال هذه الدورة؟
الحياة اللندنية في
01/07/2011
مهرجان «إنسان»...
حين يتحول موقف سيارات
صالة عرض!
رام الله – بديعة زيدان
على مدار خمسة أيام، ما بين 23 و27 حزيران (يونيو)، حوّل فريق الجمعية
الفلسطينية للفنون السينمائية، موقف السيارات المقابل لمبنى
بلدية رام الله إلى
صالة عرض سينمائية مفتوحة للجميع، من خلال فعاليات مهرجان «إنسان»
السينمائي في
دورته الأولى، وهو أول مهرجان فلسطيني يتناول قضايا حقوق الإنسان عبر أفلام
روائية
عالمية.
لم يكتف هذا المهرجان بتقديم وجبة دسمة من الأفلام المتنوعة الجنسية، بل
خلق
حالة «مختلفة» لم يألفها الفلسطينيون من المارة وسط رام الله،
فهم ألفوا العروض
الفنية لفرق وفنانين في الهواء الطلق، على مدار العامين الماضيين. أما
العروض
السينمائية فبدت غير مألوفة خارج صالة «القصبة»، صالة العرض السينمائي
الوحيدة في
رام الله، فتحول موقف السيارات إلى صالة عرض «حرة»، باتت على
الفور مقصداً للباعة
المتجولين، بخاصة الأطفال منهم، يبيعون الذرة المسلوقة والمشوية و «الفوشار»
والعصائر والمشروبات الغازية.
وهذه الحالة هي ربما ما دفع وزيرة الثقافة الفلسطينية للقول إن المهرجان
شكل
فرصة تتيح للجمهور الفلسطيني بمختلف فئاته متابعة عروض أفلام
سينمائية عربية
وعالمية حازت جوائز في مهرجانات دولية مهمة، كذلك فإن من شأن هذه العروض
إضفاء
أجواء جميلة وغير مألوفة تنعش الحياة الثقافية حيث تعرض وسط المدينة...
«صحيح أن
هناك دور سينما في فلسطين، وإن كانت قليلة، لكن في رأيي أن
عروض الشارع من شأنها
تعزيز الثقافة السينمائية لدى العموم»، قالت الوزيرة البرغوتي قبل ان تضيف:
«يمتاز
مهرجان «إنسان» السينمائي الدولي أيضاً باختياره مواضيع تعالج قضايا حقوق
الإنسان،
عبر أفلام ذات قيمة كبيرة. السينما تحاكي قضايا البشر وهمومهم على جميع
الصعد،
وبالتالي تعكس ثقافات الشعوب، وتوصل رسائل مهمة وأكثر قرباً
الى الناس، فهي أداة
ليست ترفيهية فقط، بل توعوية وتثقيفية، ولها القدرة الحقيقية على التغيير»،
معربة
عن أملها بأن تواصل الجمعية الفلسطينية للفنون السينمائية جهودها نحو تعميم
هذا
المهرجان في عديد المدن والبلدات والقرى الفلسطينية، وهو ما
أكده يوسف الديك رئيس
الجمعية الفلسطينية للفنون السينمائية، ويوسف الشايب مدير المهرجان.
وكان الافتتاح مع الفيلم الهندي «اسمي خان»، وتدور قصة الفيلم، الذي وصفه
الحضور
بأنه «أفضل فيلم شاهدوه على الإطلاق»، حول رضوان خان (شاه روخ
خان)، وهو شاب هندي
مسلم مصاب بالتوحد، يسافر إلى الولايات المتحدة عند شقيقه، ويعمل في ترويج
مستحضرات
تجميل مصنّعة من الأعشاب الطبيعية في الهند، وهناك يتعرف إلى مطلّقة
هندوسية، تعيش
برفقة ابنها الوحيد «سام»، ويتزوجان بعد تردد كبير، ورفض من
أسرته بسبب اختلاف
الأديان، ليحمل «سام» اسم رب العائلة الجديد «خان».
نقطة التحول في الفيلم تأتي بعد انفجارات 11 أيلول (سبتمبر)، حيث تنقلب
حياة خان
وأسرته رأساً على عقب، كما هو العالم، لا سيما بعد أن يُقتل
«سام»، ابن زوجته، على
يد طلاب أميركيين لأسباب عنصرية، كونه «مسلماً»، فتحمّله الأم المكلومة
المسؤولية،
وتطلب منه الرحيل عنها، ما يخلق جملة أحداث تختلط فيها الإنسانية بالسياسة.
...
وتفجيرات لندن
وفي ثاني أيام المهرجان، كان الجمهور الفلسطيني على موعد مع الفيلم الفرنسي
-
الجزائري - البريطاني «نهر لندن» للمخرج رشيد بوشارب، ويتمحور حول
تفجيرات لندن
التي وقعت في صيف العام ٢٠٠٥، ونظرة بريطانيا الى المسلمين وربطهم
بالإرهاب، حيث
تدور أحداثه عقب التفجيرات، حول عثمان، وهو أب مسلم أسمر اللون من أصول
إفريقية
يأتي من فرنسا إلى لندن للبحث عن ابنه الذي تركه طفلاً في
السادسة لوالدته، وأم
بريطانية مسيحية بيضاء تدعى سومرز، تركت ابنتها تعيش بمفردها في لندن،
وتأتي إلى
العاصمة البريطانية من مزرعتها المعزولة والبعيدة لتصطدم بالتنوع العرقي
الذي أصبحت
عليه، بخاصة في المكان الذي تعيش فيه ابنتها... يلتقي الاثنان
ويرتبطان عاطفياً على
رغم الشك والتردد من كل منهما نحو الآخر في بداية علاقتهما، بخاصة سومرز
التي تعاني
جهلاً كبيراً بالإسلام والمسلمين، فيما يكتشفان الكثير من الأشياء خلال
رحلة البحث
عن الذات والحب والأبناء المفقودين.
وفي اليوم الثالث للمهرجان، عرض فيلم «أسامة» الأفغاني للمخرج صديق بارماك،
وهو
من أكثر الأفلام الأفغانية حصداً للجوائز على مر الأعوام الماضية، من
أبرزها جائزة
الغولدن غلوب كأفضل فيلم أجنبي...
ويتحدث الفيلم عن امرأة خسرت عملها بعد ان اغلق
نظام «طالبان» المستشفى الذي تعمل به، وبسبب القانون الذي
يحرّم ظهور المرأة من دون
محرم، اضطرت هذه المرأة الى البقاء في المنزل بسبب وفاة زوجها وأخيها، ومع
ازدياد
الفقر والجوع اضطرت هذه المرأة الى تنكير ابنتها على شكل ولد حتى تستطيع
الظهور معه
وكأنه محرم، وسمّت هذا الولد/ البنت أسامة، لتبدأ رحلة الخوف
والقلق من
الانكشاف.
... «بنتين
من مصر»
أما فيلم «بنتين من مصر» للمخرج محمد أمين، فكان رابع أفلام المهرجان، وهو
يناقش
مشكلة العنوسة، وهي ظاهرة تزداد معدلاتها في المجتمع المصري في
شكل خاص والعربي
عموماً... الفيلم يتناول الظاهرة بكل أبعادها. وقد أسند مخرج الفيلم
البطولة إلى
نجمتين جميلتين هما، المصرية زينة، والأردنية صبا مبارك، علماً أن اختيار
الجمال
كعنصر لم يأت عشوائياً، إذ إن القضية ينبغي أن تعلو عن مجرد
معاناة فتاة مع القبح
إلى رؤية عامة لمأزق العنوسة في المجتمع ككل... فكل من الفتاتين تخطت
الثلاثين،
وهما ابنتا عم، وناجحتان مهنياً.. إحداهما طالبة مثالية، وباتت بعد التخرج
موظفة
مثالية... والثانية طبيبة تسعى للحصول على الماجستير... ولأن
الزمن يجري من بين
أيديهما، فقد حرص الفيلم على أن يضع تفاصيل لخوفهما من ضياع الأيام، وهي
تفاصيل
عميقة ومشبعة بالكثير من الإسقاطات، ما دفع عديد النقاد لاعتباره أهم فيلم
مصري
العام الماضي.
وفي اليوم الخامس، كان جمهور مهرجان «إنسان» السينمائي في دورته الأولى،
على
موعد مع الفيلم الإيراني - الأميركي «رجم ثريا»، وهو أحد أهم
الأفلام التي تحقق
حضوراً ولا تزال منذ عامين في المهرجانات العالمية... والفيلم مبني على قصة
واقعية
حدثت في إحدى القرى الإيرانية عام 1980، ونقلها صحافي فرنسي من أصول
إيرانية يدعى
فريدوني ساهيبجام، حوّلها لاحقاً إلى رواية بالفرنسية حققت نجاحات كبيرة،
حيث نقل
الحكاية على لسان زهرة خالة الشابة ثريا، التي رُجمت حتى الموت بتهمة زنا
باطلة،
لفّقها لها زوجها بالتواطؤ مع شيخ القرية وآخرين.
ومع أن المهرجان روائي الطابع، إلا أن القائمين عليه قرروا استضافة فيلم
وثائقي،
حول مجزرة تل الزعتر في حفل الختام، كما أشار مدير المهرجان،
الى مهرجان قادم في
أيلول (سبتمبر) ينطلق من تقديم عروض لأفلام وثائقية فلسطينية وشهادات لشهود
عيان
حول الأفلام أو مواضيعها، ويحمل اسم «حكاوي».
المخرج يوسف الديك، رئيس الجمعية الفلسطينية للفنون السينمائية، الجهة
المنظمة
للمهرجان، تحدث عن الجميعة، وسعيها الدؤوب للخروج من رتابة
المهرجانات، نحو تحقيق
فكرة «السينما للجميع» على أرض الواقع، لذا «اختارت الجمعية أن تقدم مئات
العروض في
الكثير من القرى والبلدات والمخيمات النائية في الضفة الغربية عبر مشروعها
«السينما
الجوالة»، ليأتي «إنسان» ليكمل هذه الرؤية عبر مهرجان لأفلام حقوق الإنسان،
وفي وسط
مدينة رام الله، بعيداً من محددات الصالات ودور العرض وقيودها.
واختتم الشايب حديثه بالقول: «يأتي مهرجان «إنسان» السينمائي في دورته
الأولى،
في وقت لا تزال حقوقنا تنتهك تحت بساطير جنود الاحتلال
الإسرائيلي، وعجلات سياراتهم
العسكرية، ونيرانهم القاتلة بأنواعها، وفي وقت تسفك فيه دماء عربية على
مقربة منا،
وأبعد قليلاً، ببنادق لم يتوقعوا أن تتجرأ يوماً على إطلاق رصاصة واحدة على
صدورهم
العارية، في أكبر انتهاك لحقوق الإنسان... يأتي المهرجان
كرسالة حب من فلسطين
المحتلة، والتي تقاتل من أجل الحرية والاستقلال والتحرر من الاحتلال
والاستبداد إلى
كل الساعين إلى التحرر من الظلم والقمع في وطننا العربي والعالم».
الحياة اللندنية في
01/07/2011
«الصغار»
عندما ينافسون الكبار
...
ويتفوقون
إبراهيم العريس
منذ سنوات عديدة اختتمت هذا العام بالرقم خمسين،
إعتاد أهل السينما ومهرجاناتها
ان يدركوا ما إن يذكر أمامهم اسم تظاهرة «أسبوع النقاد»، ان المقصود ليس
شيئا آخر
غير تلك التظاهرة التي تقام على هامش التظاهرتين الأساسيتين في مهرجان
«كان»، والتي
جرت العادة على ان تعرض خلالها افلام لمخرجين آتين من شتى
انحاء العالم، يخطون –
بالنسبة الى غالبيتهم على الأقل – خطواتهم الأولى في عالم الأبداع
السينمائي.
غير ان تظاهرة «اسبوع النقاد» في دورة هذا العام
اتت إستثنائية. وليس فقط لأن
التظاهرة احتفلت بالذكرى الخمسين لولادتها. بل تحديدا لأن الأختيارات جاءت
هذا
العام متميّزة عن ايّ عام سابق حتى وإن بدت أسماء معظم اصحاب أفلامها غريبة
على
الأسماع. وهل نحن في حاجة الى القول ان بعض افلام التظاهرة
بدّيت على افلام
المسابقة الرسمية كما على
افلام عالمية عرضت في تظاهرة «نظرة ما» في الكتابات
النقدية لعدد كبير من النقاد والصحفيين خلال ايام المهرجان
للتأكيد على هذا؟
نقول هنا هذا كي نتحدث عن العروض التي تقام في
بيروت في هذا الأيام بالذات للعدد
الأكبر (ستة افلام من اصل سبعة عرضت في مسابقة التظاهرة «الكانيّة» واربعة
اخرى
خارج مسابقتها) من افلام دورة هذا العام من «اسبوع النقاد». وهذه العروض في
العاصمة
اللبنانية، بعد اسابيع قليلة من انقضاء الدورة الأخيرة لمهرجان
«كان»، تنضوي ضمن
تقليد بدأ منذ سنوات بمبادرة من المعهد الفرنسي في بيروت شراكة مع جمعية
وصالة «متروبوليس» فحواه نقل معظم التظاهرة لتقدم
في صالة «صوفيل الأشرفية» وسط العاصمة
...
فإن نقصت التظاهرة فيلما لوحظ في «كان» هذا العام فما هذا الا لأن
الفيلم
إسرائيليّ ... ناهيك بأن فيه من الأباحية ما كان سيمنع عرضه على الأرجح حتى
ولو لم
يكن اسرائيليا. اما الباقي فأفلام بدأت منذ «كان» تشق طريقها بقوة على
خارطة
السينما الجديدة في العالم ، علما بأن العدد الأكبر من هذه
الأفلام يعتبر اوّل
اعمال اصحابه («اكاسيا» للأرجنتيني باولو جيورجييلي نال «الكاميرا الذهبية»
التي
تمنح للفيلم الأول لمخرجه بصرف النظر عن التظاهرة التي عرض فيها).
من «اكاسيا» اذا الى «أعلنت الحرب» مرورا بأعمال
مثل «آفي» من اخراج البلغاري
كونستانتين بوجانوف، والصيني «صونا على سطح القمر» لتشانغ إي و «17 فتاة» للثنائي
دلفين وموريال كولين الفرنسيتين و «شوتاون» من استراليا لجاستين كارزل و «خذ
ملجأ»
لجيف نيكولز، والاسرائيلي الغائب عن بيروت
«الساقطة» من اخراج هاجر بن آشر في
تجربتها الأولى هي الأخرى (ويبدو انه كان – تبعا لآراء معظم النقاد الذين
شاهدوه –
واحدا من اقوى افلام التظاهرة هذا العام!)
وصولا الى «أميرتي الصغيرة» و «لماذا
البكاء» و «ابتعد
يا رينيه»، عبر كل هذه الأفلام - التي يعرض في بيروت بعضها كما
اشرنا- لا شك ان السينما تبدو وكأنها تجدّد شبابها. ونعرف طبعا
منذ سنوات عديدة ان
تظاهرة «أسبوع النقاد» اعتادت ان تحمل هذا الطابع منذ بداياتها. وحسب المرء
ان
يتفحص الكتاب الخاص الذي اصدرته التظاهرة في «كان» لمناسبة عيدها الخمسين
ليتيقن من
هذا. فالكتاب يذكّر، من يمكن ان يكون قد نسي، بأن عددا كبيرا
من السينمائيين
الراسخين في راهن السينما قد بدأ «صغيرا» في دورات سابقة لهذه التظاهرة من
برناردو
برتولوتشي الى الراحل سمبان عثمان مرورا بجيرزي سكوليموفسكي واوتار
يوسيلياني ووونغ
كارواي وليوس كاراس، ويمكن للائحة ان تطول لتشمل ميشال بيكولي مخرجا
اواليخاندرو
اينياريتو واندريا آرنولد... وهذا كله دون ان ننسى عددا من
كبار مبدعي السينما
العربية الجديدة الذين «بدأوا» بدورهم هنا من امثال ميشال خليفي ومرزاق
علواش ومحمد
ملص...
الحياة اللندنية في
01/07/2011
جاذبية الصورة وتقشف السينما
الدار البيضاء – مبارك حسني
أحياناً لا تسعف البساطة في تدارك فيلم سينمائي، ووضعه في خانة الفيلم
الناجح
خلاف ما يكون متوقعاً منه، وبخاصة حين لا يكون صاحبه مخرجاً
مغموراً بل فناناً له
وجود سينمائي محترم، وأسلوب شخصي في الأفلمة. تؤكد ذلك الجوائز المختلفة
التي حصل
عليها طيلة أكثر من عقد من الزمن طالما أننا نتحدث هنا عن شريط «الجامع»
لداوود
أولاد السيد. شريط «الجامع» بسيط السيناريو وبسيط التناول حد
التقشف الكبير. وذلك
بدءاً من الفكرة التي أوجدته، بالنظر إلى أنه من الأعمال التي نتجت عن ظروف
إخراجية
أتت صدفة. وهذا الأمر الأخير هو جزء من حكايات الخارج السينمائي، انطلاقاً
مما يحيط
بالسينما من عوالم وآثار ومخلفات قد تثمر نوادر وقفشات غير متوقعة من
الممكن جداً
أن تتحول إلى أفلام. فالسينما تكمن في التفاصيل العابرة أيضاً.
وفكرة «الجامع» نبتت
من انعكاسات فيلم سابق للمخرج نفسه. فهو حين كان يصور فيلمه السابق «في
انتظار
بازوليني» كان في حاجة إلى ديكور مسجد قروي وهو ما تأتى وتم بناؤه كيفما
اتفق أي
سينمائياً بمعنى أنه كارتوني لا غير ومظهره الخارجي هو الأساسي
والمطلوب. وقد تم
تشييد هذا البناء «غير المقدس» فوق أرض مملوكة. لكنه بعد التجسيد سيصير
«مُقدساً»
بما أنه مسجد. ويبدو الأمر كما لو أن
الكلمة فرضت قداستها وتكثفت مع الممارسة بما
أن أناساً ارتادوه وأدوا فيه صلواتهم خلف إمام مكرس بواقع
الحال.
كحدث غير مألوف وغير منتظر هناك ما يدهش وما يثير في هذا الفيلم إذاً،
وبالتالي
أن يتلقف الفكرة المخرج الباحث عن غير المألوف فأمر يخلق أملاً
بتحقيق شريط سينمائي
يحبل بالمفارقة المبحوث عنها، مع ما يستتبع ذلك من تناقضات وسلوكات في
مجتمع يغار
كثيراً على المقدّس العميق الأثر في النفوس. وإذاً، الفكرة ممتازة لكن
نجاحها
السينمائي يكمن في مدى تحققها فيلمياً إمتاعاً وفكراً. من أجل
ذلك اختلق المخرج
والسيناريست حسن فوطة معادلاً حكائياً موازياً: صاحب الأرض التي بُني عليها
المسجد
يفكر في استعادتها لأنها مصدر عيشه بفلاحتها والتمتع بغلتها. فيتصل بكل من
المخرج
مناشداً، والإمام منافحاً بالحجة، ويعارك ممثل السلطة في تحدٍّ
واضح، كما يحاول
إقناع السكان بـ «كارتونية» المسجد. لا أحد يرضخ لتوسلاته وشروحاته. الشيء
الذي
يغرقه في عزلة قاتمة وضاغطة. عزلة إنسان سقطت عليه المصيبة من حيث لا يدري،
هو
الأمي البسيط الهادئ المتواضع، فيجد نفسه في صلب معركة مع
المقدس الذي لا مجال
للوقوف عكسه. لا أحد يريد أن يسانده، حتى زوجته الأمية الطيبة التي لا تفكر
سوى في
ختان ابنها بعدما طال به العهد وتخشى تندر الناس وأسئلتهم والتطير مما
تعتبره شؤماً
إن لم يتم تداركه.
خطّان غير متصلين
إذاً، خطان تحكما في الشريط. فهل كانا كافيين لكي ينتجا شريطاً قوياً
وجاذباً
انطلاقاً من فكرته القوية؟ لا نظن إلا بقدر متوسط. الخطان
يظلان مفارقين وغير
متصلين. وهو شيء يعكس تسرعاً ما، أو افتقاداً لنفس طويل تسببت فيه من دون
شك الرغبة
المحمومة في تجسيد الفكرة الأصلية بلهفة وتسرّع. لا مُخرج يقاوم إغراء
سينمائياً «سقط من السماء». والنتيجة في المحصلة
النهائية هي أن التناول سار على مستوى سرد من
دون اختراقات إبداعية محبذة، ومن دون تعميق مستحب للفكرة
الأصلية. حيث إن الصراع لا
يتزحزح عن سطحية مواجهة ما بين البطل والآخرين من ممثل السلطة والإمام
والجيران، في
ثنائية تبسيطية. ضياعه الحقيقي يصير ضياعاً في الفيلم أيضاً على رغم قدرات
الممثل
التشخيصية وبراءة وجهه وتشكل الحسرة على ملامحه بقوة وجاذبية.
وهنا لم تتمكن السينما من بلوغ قوة الموضوع تجسداً. تماماً كما يحدث في
فيلم
تلفزيوني يهمّه تمرير الحوارات بين الشخوص ملتقطة من زاوية
قريبة ولصيقة لا تتغيّا
البواطن والنفسيات. أحداث «الجامع» تخطو على التصور نفسه. في تقشف بالغ حد
نسيان
الأهم الذي هو توخي المنجز السينمائي أولاً وأخيراً وقبل كل
شيء. بطلنا يتيه
سينمائياً وحياتياً. ينتقل من مكان إلى آخر حسب تقطيع تصويري نجزم أنه هو
عينه في
التقطيع الأصلي بحذافيره، زوجته في الجهة الأخرى تماماً، تائهة في مشكلتها
تجترها
ولا ينتبه إليها، فتتحرك هنا وهناك وتقوم أخيراً بختان الابن في تحدٍّ خاص.
الأشخاص
يتيهون من حولهم مثلهم تبعاً للتقطيع. كل هذا في فضاء صحراوي
جاذب
الحياة اللندنية في
01/07/2011
أفلام جديدة (01-07-2011)
«صار
لدينا بابا»
إخراج: ناني موريتي - تمثيل: ميشال بيكولي وناني
موريتي
>
بعد فترة لم تكن قصيرة من تقديمه فيلمه السابق «الكايمان»
عن برلوسكوني، ها
هو المخرج والممثل الإيطالي الأشهر في ايامنا هذه، ناني موريتي، يعود بفيلم
جديد
موضوعه هذه المرة بابا الفاتيكان. لكنه هنا حبر أعظم غير حقيقي، يحدث له
فور
انتخابه ان يستبد به الندم على هذا الانتخاب، لأنه لم يعد يريد
ان يمارس أي سلطة،
صار همّه ان يهرب من هذا كله ويعيش بهدوء بعيداً من الأضواء. وهو يهرب
بالفعل حتى
اللحظة التي يستعاد فيها ويوضع تحت عناية طبيب نفسي يعالجه «معيداً إياه
إلى جادة
الصواب». وأهمية الفيلم هي هنا، في هذا القسم من الفيلم، الذي
أدار فيه المخرج بين
البابا والمحلل النفسي (لعب موريتي الدور بنفسه، ما أضفى على الفيلم طابعاً
تساؤلياً تجاوز - ومن بعيد - حكاية البابا) حوارات ومواقف في منتهى
الأهمية، تدور
أساساً من حول الإبداع والمسؤولية.
«الهافر»
إخراج: آكي كوريسماكي – تمثيل: اندريه فيلمز وكاتي
أوتينين
>
إذا صدقنا هذا الفيلم، الذي هلل له النقاد
الفرنسيون كثيراً خلال الدورة
الأخيرة لمهرجان «كان»، ستكون مدينة الهافر الفرنسية الواقعة على بحر
المانش، واحدة
من اطيب المدن في العالم واكثرها اتباعاً لمبادئ البرّ والإحسان المسيحية.
وكيف لا
يكون الأمر كذلك في مدينة يساعد بعض الناس فيها بعضاً، ويضحّي
بعضهم في سبيل بعضهم
الآخر، بل إنهم حين يحلّ بين ظهرانيهم صبيّ أسود يبحث عن أمه آت على متن
سفينة
تنقله سرّاً إلى إنكلترا، وتطارده شرطة المدينة، يسارع اهلها الى مساعدته
وإخفائه،
بل ينظمون حفلاً موسيقياً صاخباً كي يجمعوا له ما يقارب خمسة آلاف دولار
(!) لا بد
من دفعها كي يصل الى الأراضي الإنكليزية التي لا تبعد اصلاً اكثر من 200
كلم عن
الهافر؟ هل نحن في حاجة حقيقية هنا للاستطراد في الحديث عن
حكاية هذا الفيلم
والإشارة الى ان ثمة من توقّع له ان يفوز بالسعفة الذهبية؟
«باتر»
إخراج: آلان كافالييه - تمثيل: آلان كافالييه
وفنسان لندن
>
ينتمي هذا الفيلم، الذي كان من بين عدد كبير من
أفلام فرنسية عرضت خلال
الدورة الأخيرة لمهرجان «كان»، الى نوع جديد من السينما السياسية على
الطريقة
الفرنسية، وهو نوع يعتمد في الدرجة الاولى على حوارات لا تنتهي وهمّه الأول
الدخول
في كواليس الراهن السياسي اكثر من خلق موضوعات سياسية اكثر
عمومية وتجريدية في
الوقت نفسه. يدور الفيلم حول مخرج سينمائي وممثل يتحاوران طوال عام وأكثر
ضمن اطار
صداقة تجمعهما من حول الراهن السياسي في بلدهما. ولسوف يقودهما هذا الحوار
المتواصل
بينهما الى لعبة – لا تخلو من ظرف على أي حال - يصبح فيها المخرج رئيساً
للبلاد
والممثل رئيساً للحكومة ضمن اطار السؤال الافتراضي التاريخي:
ماذا لو...؟ ويمضي
الاثنان في لعبتهما حتى النهاية بشكل لا يعود واضحاً معه ما اذا كانا
مخرجاً
وممثلاً يقومان بدوري الرئيس ورئيس حكومته، او أنهما رئيسان يحاولان لعب
دورَي
المخرج والممثل!
«لا
بد أن هذا هو المكان»
اخراج: باولو سورنتينو - تمثيل: شون بن وفرانسيس
ماكدورماند
>
كان هذا، خلال دورة «كان» الأخيرة، واحداً من
افلام عديدة شهدت تعبيراً عن
ولع المخرجين الأوروبيين بتحقيق افلام اميركية، ذلك ان كل شيء أميركيٌّ
هنا، ما عدا
المخرج والتقنيين الآخرين، في عمل مميّز من المؤسف ان محكِّمي «كان» نَسُوه
ليلةَ
توزيع الجوائز. وكان الفيلم يستحق على الأقل، جائزةَ التمثيل الذكوري لبطله
شون بن،
الذي يلعب هنا دور مغني روك أَفِلَ نجمُه لكنه لا يزال مصّراً على مظهره
الغريب
والتصرف كما لو انه لا يزال في عز نجوميته... غير ان هذا كله
ليس سوى قناع يخبّئ
المغني خلفه مشروعاً اكثر خطورة وجدية بكثير: فحواه العثور على مسؤول نازي
سابق كان
هو من عذّب أباه ذات يوم. حين يصل المغني الى مبتغاه في نهاية الأمر، وبعد
سلسلة
مغامرات ومواقف وُفِّقَ المخرج في تصويرها، سيكتشف ان كل ما
يفعله عبثٌ في عبث،
ويتخلى عنه، مستردّاً في الوقت عينه عاديّته.
الحياة اللندنية في
01/07/2011 |