أكبر خدعة تقوم بها الثورة المضادة، الادعاء بأن الثورة جاءت بالفوضى،
وكأننا لم نكن نعيش فى فوضى سنوات النظام السابق، بل كنا نعيش فى فوضى قل
أن يوجد لها مثيل فى العالم وفى التاريخ.
والخدعة الثانية: أننا افتقدنا الأمن بعد الثورة، وكأننا كنا نعيش فى
أمن قبلها، بينما وصل الأمر فى ذلك النظام إلى حد أنك لا تستطيع أن تحرر
محضراً فى قسم الشرطة من دون واسطة شخصية أو رشوة مالية، وحتى إذا حررت
المحضر لا يحدث أى شىء ولا تحصل على حقوقك، والاستثناء لا يلغى القاعدة.
والخدعة الثالثة: أن الثورة أدت إلى أزمة فى السياحة، وكأن مذبحة
الأقصر لم تؤثر على السياحة، أو قنبلة الحسين أو حادث العبارة أو حريق قطار
الصعيد أو كارثة مصر للطيران فى أمريكا أو كارثة فلاش إير فى شرم الشيخ،
وغيرها من الحوادث والكوارث التى هزت مصر والدنيا.
وعندما تكون هناك أزمة فى السياحة فإن المنطقى أن يزداد الاهتمام
بالسائح أو «الضيف» الذى يأتى للإقامة فى فندق، سواء من خارج مصر أو من
داخلها، ولكن ما يحدث العكس تماماً، إذ يقل الاهتمام به لأن هناك أزمة،
وهذا عملياً يعنى تفاقم الأزمة، على الأقل، لأن من يأتى لن يعود مرة أخرى،
والمعروف أن أكثر وسائل الدعاية تأثيراً هى ما تسمى بالإنجليزية «ماوث تو
ماوث»، أى الحديث الشفهى بين الناس عندما يلتقون ويحكى بعضهم للبعض الآخر
عن تجاربهم فى هذا الفندق أو ذاك فى مصر.
ومن واقع تجربة خاصة الأسبوع الماضى «إجازة لمدة ثلاث ليال على شاطئ
البحر الأحمر»، أقمت فى غرفة تسمى «سوبر لوكس» فى فندق خمس نجوم، ومع ذلك
لم تكن فى الغرفة «ثلاجة»، وإنما «آيس بوكس»، يحفظ ما هو مثلج بالفعل
ساعتين أو ثلاث، وعندما تطلب ثلجاً، فإن الدلو الواحد يتكلف ٢٥ جنيهاً
مصرياً، وكان عشرة أشخاص تقريباً يخدمون نحو مائتين فى المطعم الفاخر فى
ديكوراته، المتواضع فى طعامه، صحيح أنهم كانوا فى منتهى الأدب واللطف، ولكن
كان بادياً عليهم الإرهاق الشديد.
يجب عدم التشهير بالفندق بكتابة اسمه، ولكنه ربما يكون الفندق الوحيد
الذى توضع على جدران مطعمه لوحات بخطوط عربية تظن فى البداية أنها أبيات
شعرية، ولكن عندما تقرؤها تذهل لما كُتب فيها، وعلى سبيل المثال، «عندما
تجوع البطون تضيع العقول»، أو «عينيك عسل ولكن ليست أحلى من البصل»، أو «إدى
العيش لخبازه ولو يأكل نصه»، وقد سألت أحد موظفى المطعم مستنكراً هذه
العبارات فقال إن مديرة الفندق إيطالية وطلبت أن تزين الجدران بأبيات من
الشعر العربى ولكنها لا تعرف العربية!!
المصري اليوم في
30/06/2011
المفكر الإسلامى
بقلم
سمير فريد
٢٩/
٦/
٢٠١١
أفهم تعبير «الداعية الإسلامى» أو تعبير «أستاذ الشريعة الإسلامية» أو
تعبير «العالم فى الدين الإسلامى»، لكنى لا أفهم تعبير «المفكر الإسلامى»
الذى يروج له منذ سنوات، ويستخدم فى وصف بعض المفكرين مثل الدكتور محمد
سليم العوا.
كل مخلوقات الله تفكر حتى النمل، وإن كنا لا نعرف كيف يفكر، وكل من
قرأ القرآن الكريم يتأثر به حتى لو لم يكن مسلماً، وكل إنسان يفكر فى كل ما
يعرفه حتى لو كانت ثقافته شفاهية ولا يعرف القراءة والكتابة، فما معنى
تعبير المفكر الإسلامى.
سألنى موظف بسيط فى مقهى أحد الفنادق «أنا مسلم، لكنى لا أتفق مع ما
يقوله الإخوان المسلمون، فماذا أكون؟»، قلت له: أنت مسلم رغم أنف الإخوان
وكل البشر، فالإسلام لم يبدأ مع الإخوان، وإنما هى جماعة سياسية مثل أى حزب
سياسى يسعى إلى السلطة، وقد أتاحت الثورة الحرية للجميع بمن فى ذلك الإخوان
ليتحولوا إلى حزب أو أحزاب سياسية صريحة، ويكشفوا عن أفكارهم ليعرفها الناس
على حقيقتها. تماماً كما أن مصر لم تعرف الإسلام مع الفضائيات
التليفزيونية.
الإسلام مكون أساسى من مكونات ثقافة أى مفكر دينه الإسلام، لكن عندما
يوصف بالمفكر الإسلامى فهذا يعنى أن الإسلام هو المكون الوحيد لثقافته، وهو
ما يتعارض مع حض الإسلام على العلم ولو فى الصين، كما قال رسوله الكريم،
وفى القرآن يعلّم الله البشر كل شىء وليس الدين الإسلامى فقط، ويحضهم على
العلم بكل شىء. «المفكر الإسلامى» تعبير سياسى، وليس تعبيراً علمياً.
لا تقولوا هذه «فذلكة» مثقفين، فالعبارات هى التى تصنع المعانى. كاتب
هذه السطور أيضاً مثل موظف الفندق، ويفكر مثل كل البشر، ولأن الشىء يعرف
بنقيضه فإن وصف كاتب أو مفكر بأنه إسلامى، ووصف آخر بأنه كاتب فقط أو مفكر
فقط يعنى أنه غير إسلامى، وهذا خداع سياسى.
ومن الملاحظات اللافتة أيضاً أن ينهى بعض الكتاب مقالاتهم بعبارة مثل
«والله أعلم» أو «على الله قصد السبيل»، وقد ازدادت هذه الخواتيم فى الفترة
الأخيرة مع الصعود السياسى للإخوان والإسلام السياسى عموماً، فالله أعلم لا
تعنى أن من لا يذكرها يقصد أن الله ليس الأعلم، وكلنا «على باب الله»، ولكن
ليس من الضرورى أن نعلن هذا فى ختام كل مقال. ولا فرق بين خواتيم التقوى
وأخرى مثل «تحيا مصر» أو «تحيا الديمقراطية». الختام الطبيعى لأى مقال هو
ختام تناول موضوعه.
رسالة قارئ عن المسلم
والليبرالى
بقلم
سمير فريد
٢٨/
٦/
٢٠١١
أرسل القارئ محسن شحاتة من الإسكندرية الرسالة التالية: فى
الثمانينيات من القرن الماضى وفى شوارع الإسكندرية الجميلة كانت تقام
المؤتمرات السياسية فى ظل انفتاح سياسى محدود فى المرحلة الأولى من حكم
مبارك، كان مشهداً عادياً أن تجد «المحلاوى» على منصة تلك المؤتمرات جنباً
إلى جنب مع سياسيين مصريين وطنيين ينتمون إلى اتجاهات متعددة مثل خالد محيى
الدين، ممتاز نصار، عادل عيد، حلمى مراد، محمود القاضى.
كنا - نحن الشباب الصغير عندئذ - نصفق للجميع مادام ثبت لنا صدق
وطنيتهم وشجاعتهم فى مواجهة الحكومة، مطالبين بمزيد من الديمقراطية والحرية
والعدالة الاجتماعية، وكنا نصلى خلف «المحلاوى» فى القائد إبراهيم، ثم نسرع
إلى القبارى لقضاء سهرة رمضانية على سطح مبنى حزب التجمع ينظمها أبوالعز
الحريرى، ويتحدث فيها عادل عيد القريب من الاتجاه الإسلامى، وممتاز نصار
الوفدى، وقد نذهب فى اليوم التالى للعب تنس الطاولة فى مقر حزب العمل
الاشتراكى بمحطة الرمل نتبعه بحضور ندوة لجودة عبدالخالق وحلمى مراد فى
المقر نفسه.
لم نسمع أبداً -فى تلك الأيام- من الشيخ «المحلاوى» أنه ينكر إسلام
خالد محيى الدين رغم يساريته أو ممتاز نصار رغم ليبراليته، اليوم يخرج
علينا «المحلاوى» بفتوى ضالة مضلة يزعم فيها أنه لا يوجد هناك مسلم ليبرالى
أو مسلم يسارى، بل هناك فقط مسلم وكافر، ويحذر من أن الليبراليين
واليساريين أشد خطراً على مصر من إسرائيل، ثم يحكم باطلا بأن المنادين
بالدولة المدنية هم كفرة وعبدة الطاغوت.
لماذا تكفر -يا شيخنا- المسلم الذى يرى أن اقتصاد السوق يحقق الكفاءة
المطلوبة لتحقيق التقدم مادام أن الدولة تسهر على تحقيق الشفافية والتنافس
الشريف، ولماذا تكفر المسلم الآخر الذى يرى أن القطاع العام هو قاطرة
التقدم فى المجتمع النامى. فلا المسلم الأول (الليبرالى) كافر ولا المسلم
الثانى (اليسارى) كافر، وعندما يرى المسلم أن احترام حقوق الإنسان وسيادة
القانون والمساواة بين جميع المواطنين هى أسس الدولة الحديثة (المدنية). هل
يكفر بذلك فى رأيك؟
وما هو يا ترى شكل تلك الدولة المدنية، التى يزعم الإخوان أنهم يعملون
على قيامها..؟ هل حديث الإخوان لنا إذن عن الدولة المدنية هو حديث الذئب
إلى فريسته كى تطمئن إليه، إذا ما (تمكن) منها التهمها بأنيابه، التى
أخفاها وقت (الاستضعاف)؟! وهل تصدق الفريسة حديث الذئب بعد أن كشف لها
نواياه؟
رسالة من سينمائى متشائم
بقلم
سمير فريد
٢٧/
٦/
٢٠١١
وصلتنى الرسالة التالية من فايز غالى، وهو مثقف من المصريين
المسيحيين، درس الفلسفة الإسلامية، ومن أهم كتاب السيناريو فى تاريخ
السينما المصرية، وكان فيلمه «العوامة ٧٠» إخراج خيرى بشارة البداية
الحقيقية لحركة «الواقعية الجديدة» فى ثمانينيات القرن الميلادى الماضى،
وفيما يلى نص الرسالة:
«تدهورت حركة النقد السينمائى، فتدهورت السينما
المصرية إلى درجة غير مسبوقة، عملاً بقاعدة أن حركة نقدية سينمائية حقيقية
هى الأساس فى أى سينما نهضت من قبل فى بلدان كثيرة، وفى تقديرى فإن هذه
القاعدة ستظل حجر الزاوية عند الحديث عن السينما، حيث إن ما جرى للسينما
المصرية من تدهور مع منتصف التسعينيات ارتبط جذرياً بتدهور حركة النقد
السينمائى وتشتتها وضياعها،
وحيث أصبح كل ناقد سينمائى بعد اكتشافه أنه أضاع عمره فى الحفاظ على
مبادئه ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أجل تحسين أوضاع هذه السينما، فى
الوقت الذى أفرزت فيه صحافة الدولة والصحف الصفراء وبرامج الفضائيات التى
نزلت علينا كالمطر عشرات ممن نصبوا أنفسهم نقاداً سينمائيين، يحسبون رأسا
برأس مع أساتذتهم مدافعين عن كل ما هو تافه ومبتذل، وكانت النتيجة أن أصبح
هؤلاء النقاد الكبار الذين قادوا حركة النقد السينمائى وجمعيات ونوادى
السينما منذ مطلع الستينيات متهمين بالتقعر أمام لغة السوق،
وأصبح عليهم قضاء الشهور بحثاً عن فيلم يستحق مداد قلمهم أمام طوفان
من الذين بلا موهبة ويحصلون على الآلاف كل شهر فى إعداد البرامج أو
تقديمها، إنها يا صديقى مهزلة سيكتب عنها التاريخ حينما تخرج حركات نقدية
حقيقية كتلك التى خرجت منها وغيرك، وقد لا تخرج، لكن المهم هو كيف تتم
محاولة إيقاظ الوعى أو على الأقل تسجيل كلمتنا للتاريخ، لأننى أعتقد فى
استحالة فعل أى شىء الآن.
ومن هنا، فإن ما حدث فى مهرجان كان أمر أكثر من طبيعى، بمعنى كيف
تتصور فى بلد عقله الجمعى، أى شعبه وقياداته سواء قبل ٢٥ يناير أو بعده، لا
يرى فى السينما سوى وسيلة تسلية، يدرك أن ما جرى فى أعظم مهرجانات العالم
تكريم غير مسبوق لبلد، تماما كما لو قامت (نوبل) هذا العام وكرمت مصر
ومنحتها جائزتها؟!
المؤكد أن هذا العقل الجمعى سيطير فرحاً بل سيرقص لأن حدوده الثقافية
لن تستطيع أن تساوى بين كان ونوبل، ليس هذا على مستوى رجل الشارع فحسب، بل
أساتذة وأدباء وفنانون ونقاد كبار من المفترض فيهم إدراك أن تكريم مهرجان
كان السينمائى لا يقل عن جائزة نوبل، ومهما كتبت موضحا هذه الحقيقة، فلن
تجد صدى. وبما أننى من المتشائمين فالمستقبل لهذه السينما المصرية سيدخل
زمناً مظلماً لو نجح الإخوان المسلمون والسلفيون فى إقامة دولتهم».
المنسق العام للديكتاتوريات
العربية
بقلم
سمير فريد
٢٥/
٦/
٢٠١١
بدأت مصر الليبرالية الخطوة الأولى لتأسيس اتحاد عربى عام ١٩٤٦، قبل
عشر سنوات من الخطوة الأولى التى تمت فى روما لتأسيس الاتحاد الأوروبى،
الذى أصبح الآن القوة الثانية فى العالم بعد أمريكا، كما كان الاتحاد
السوفيتى قبل سقوطه، ودعك من خرافة الصين من دون حرية، فليس بالخبز وحده
يحيا الإنسان: الهند فى آسيا نعم، وجنوب أفريقيا فى أفريقيا السوداء نعم،
ومصر فى العالم العربى بعد الثورة نعم، ولكن الصين من دون حرية ألف لا، وها
هى تستبق الثورة وتعتقل ١٨٠٠ مسؤول سرقوا ١٣٥ مليار دولار أمريكى منذ عام
٢٠٠٨.
وقد فشلت جامعة الدول العربية فشلاً تاماً على كل المستويات، والأفضل
أن يتحول المبنى إلى مؤسسة ثقافية مثل معهد العالم العربى فى باريس، وقد
أقيم على أرض من ميراث الملك فاروق، وكان مبناه هدية منه ومن الحكومة
المصرية، والفشل واضح منذ أن اتحدت دول الخليج فى اتحادها الناجح، ومنذ أن
اتحدت دول المغرب العربى فى اتحادها الفاشل، وبعد الثورات العربية ودعوة
المملكة الأردنية والمملكة المغربية للانضمام إلى اتحاد دول الخليج، أى
اتحاد الممالك فى مواجهة الجمهوريات التى لا علاقة لها بالنظام الجمهورى،
وتقسيم السودان، لم يعد هناك شك فى موت جامعة الدول العربية.
ويكفى موقف جامعة الدول العربية تجاه المذابح التى تحدث فى سوريا
واليمن للدلالة على موتها، وأن عمل أمينها السابق والحالى واللاحق لن يكون
سوى التنسيق بين الديكتاتوريات العربية على حساب دماء الشعوب العربية. إن
اتفاق الدول العربية على إنشاء خطوط للسكك الحديدية تربط بينها لا يحتاج
إلى وجود الجامعة، والأهم والأفضل من كل ما فعلته منذ عام ١٩٤٦ حتى اليوم،
ومن الغريب حقاً أن يفكر الأمين الحالى المنسق العام للديكتاتوريات العربية
فى رئاسة مصر الحرة الديمقراطية بعد ثورة الشعب فى ٢٥ يناير ضد
الديكتاتورية ومن أجل الحرية، وهذا فضلاً عن عبثية أن تنتهى الثورة التى
قادها الشباب إلى رئيس يقترب من الثمانين بدلاً من الرئيس الذى جاوز
الثمانين!
إننا فى انتظار مذكرات عمرو موسى عن فترة توليه وزارة الخارجية فى عهد
مبارك وتوليه أمانة جامعة الدول العربية فى عهد مبارك والقذافى وصالح
والأسد الأب والابن، ومن قبلهم صدام حسين: مذكرات تجيب عن أسئلة حول ما حدث
بين موسى والشيخ زايد قبل الغزو الأمريكى للعراق، وهل كان موسى حقاً وراء
فشل كامب ديفيد الثانية لتنفيذ حل الدولتين على أرض فلسطين، والمؤكد أن حب
شعبان عبدالرحيم له وكراهيته لإسرائيل لا يكفى، والمؤكد أن إسرائيل لا
تزعجها كراهية شعبان عبدالرحيم.
ولكن ما هى «النخبة»؟
بقلم
سمير فريد
٢٣/
٦/
٢٠١١
لا أحترم من رموز النظام القديم، الذين لم يرتكبوا جرائم سوى من
يصمتون تماماً، ويدركون أن نظامهم سقط بإرادة الشعب، وأن اعتزال العمل
العام هو القرار الأخلاقى الوحيد، والشىء الذى يمكنهم به خدمة الوطن هو
كتابة المذكرات، أو شهادة كل منهم على ما شاهده بعينيه وسمعه بأذنيه،
وبأكبر قدر ممكن من الوثائق.
ما الذى يمنع أى إنسان، خاصة إذا كان يملك من المال ما يكفى أن يستمتع
بحياته بعيداً عن السلطة بعد أن يتركها بإرادته أو رغماً عنه. كل إنسان وكل
شعب يجب أن يغفر لغير المجرمين، لكن يجب ألا ينسى حتى لا تتكرر المهازل.
المجرم يعاقب بالقانون، والمخطئ يعاقب بعدم نسيان الخطأ الذى ارتكبه.
وقد شاع فى النظام «البائد» أن رموز النخبة المصرية هم فقط العشرة
المبشرون بالجنة على الأرض، الذين كان يلتقى معهم الرئيس السابق تارة من
الكتاب وأخرى من الفنانين، وشاع أن «المثقف» هو الكاتب أو الفنان أو الصحفى،
والحقيقة أن «المثقف» هو أى مواطن يهتم بالعمل العام والشأن السياسى سواء
كان مهندساً أم طبيباً أم محامياً أم فلاحاً أم عاملاً من كل الأجيال ومن
كل المهن والطبقات.
وكل التقديرات تجمع على أن من اشتركوا فى الثورة من الإسكندرية إلى
أسوان مروراً بالقاهرة وميدان التحرير لا يقل عددهم عن عشرة ملايين مواطن
ومواطنة، وهؤلاء هم نخبة الثمانين مليون مصرى، وهذه النخبة لها رموز من
الشباب وغير الشباب، وهم من يجب أن يقوم الجيش الذى اشترك فى الثورة، وكان
له الفضل فى نجاحها باختيار من يصلح منهم لقيادة مصر بعد الثورة. صحيح أن
الثورة لم يقم بها حزب يريد السلطة، وإنما شعب يريد أن يراقب السلطة، ولكن
المنطقى والطبيعى أن تكون القيادة فى المستقبل لقيادات الثورة أو من يؤمنون
بها.
واستبعاد كفاءات غير فاسدة من النظام السابق كارثة على النظام الجديد،
مثل الدكتور سمير رضوان، ومثل عصام شرف ذاته، الذى كان وزيراً فى حكومة
نظيف الأولى واستقال، والفرق بين عهود عبدالناصر والسادات ومبارك أن الأول
حكم برجال الملك، الذين تعلموا فى عهد تداول السلطة، والثانى حكم بمن تبقى
منهم، أما الثالث فقد حكم بمن تعلموا بعد ثورة ١٩٥٢، وكان أكبرهم فى
العاشرة. الآن علينا أن نعلم قيادات مصر بعد عشرين سنة أن الحرية أهم شىء،
ومن يبع الحرية من أجل أى شىء يفقد الحرية وكل شىء.
وما الجديد فى ذلك التصريح؟
بقلم
سمير فريد
٢٢/
٦/
٢٠١١
يقولون إن «الحوار الوطنى» الذى تحول إلى «الوفاق القومى» هدفه أن
يكون «الكل فى واحد»، وأن نتحاور «جميعاً» ونتفق «جميعاً».
«تجارب» مصر والعرب منذ عام ١٩٥٨ حوّلت الوحدة
العربية إلى إشعال الحروب بين العرب، التى وصلت إلى ذروتها مع الحرب
الأهلية فى لبنان وغزو العراق للكويت، وحوّلت الاشتراكية إلى تدمير لكل
حقوق الإنسان، وحوّلت الانفتاح إلى سرقات بـ«قوانين» ملفقة لا تحقق العدل،
وحوّلت السلام إلى استسلام، وحولت المقاومة إلى تجارة، وهكذا كل المفاهيم
العظمى التى كافحت البشرية حتى تعلى من شأنها تحولت إلى نقيضها.
الآن الدور على «الحرية» لتصبح عبودية من طراز جديد، وفاشية غير
عادية. الحرية هى الحق فى الاختلاف والقبول بالاختلاف، ولا تعنى أن يتحاور
«الجميع»، ويتفق «الجميع» إلا على الحق فى الاختلاف. و«الكل فى واحد» شعار
فاشى بامتياز، ولا تظلموا قدماء المصريين، فقد كان الفرعون عندهم هو الإله،
وكان الشعب يؤمن بأنه «الكل فى واحد» إيماناً عميقاً من دون قهر ولا إذلال،
ولا تظلموا الفراعنة، فالفرعون لقب مثل الملك أو الرئيس اليوم، ومنهم
الفاسدون ومنهم الصالحون.
وكفوا عن هذه المقولات غير الأخلاقية التى ترى أن رفض التحاور والجلوس
على مائدة واحدة تجمع أنصار الحرية وأنصار الدول الشمولية، الدينية أو
القومية أو الشيوعية، يعنى الإقصاء والدعوة إلى اعتقال هؤلاء أو أولئك.
الحرية للجميع بمن فى ذلك أعداء الحرية، وإذا اختارتهم الأغلبية فى
انتخابات غير مزورة، وحتى مع تزوير «الإرادة»، فعلى هذه الأغلبية أن تدفع
الثمن، وقد قال «بريخت» يوماً إن «النازية عقاب الشعب الألمانى». لا أطالب
بإقصاء أحد ولا اعتقال أحد، لكن لا تطالبنى بالجلوس مع الفاشيين والحوار
معهم باسم الحوار أو الوفاق، فلا جدوى من الحوار، ومن المستحيل الوفاق،
وليس من مصلحة الوطن الجمع بين الأضداد.
وقد كان من الغريب الانزعاج من قول مرشد الإخوان إن هزيمة يونيو ١٩٦٧
كانت انتقاماً إلهياً من اعتقال الإخوان، فليس هناك جديد عند من يخلطون
الدين بالسياسة. قال شيخ الأزهر السابق عبدالحليم محمود «تضيع سيناء ولا
تضيع عقيدتنا»، رافضاً مساندة الاتحاد السوفيتى لمصر بعد الهزيمة، وقال
الشيخ الشعراوى «صليت لله شكراً بعد هزيمة يونيو»، وقال المرشد السابق
للإخوان «طظ فى مصر». ومرة أخرى شكراً لأنكم تسمحون لأنصار الحرية بالهجرة،
أو بعبارة أخرى الاختيار بين القتل أو الهجرة.
ضع أنت علامة التعجب
بقلم
سمير فريد
٢١/
٦/
٢٠١١
■ وافق الوفد «الشعبى» على الدعوة إلى إعادة العلاقات بين مصر
وإيران، على أن يسافر معه إلى طهران على الطائرة نفسها «الدبلوماسى»
الإيرانى الذى اتهم بالتجسس ضد مصر.
■ أدرك الوفد «الشعبى» أنه كان لابد أن يسافر إلى إيران ليعرف
أنهم يعتبرون ثورة ٢٥ يناير فى مصر امتداداً لثورتهم، وأنهم لايزالون يصرون
على تسمية أحد ميادين العاصمة باسم قاتل السادات.
■
اكتشف الوفد «الشعبى» أن هناك ٣٢ رحلة طائرة كل يوم بين الإمارات وإيران،
وأن هذا معناه أن احتلال إيران الجزر الإماراتية الثلاث لا يمثل مشكلة
كبيرة، وكأن الطيران توقف بين لندن والقاهرة أثناء الاحتلال البريطانى
لمصر.
■
نشرت مجلة قومية أن أحد من أعلنوا أنهم سيرشحون فى الانتخابات الرئاسية
المقبلة حصل على خمسة ملايين دولار أمريكى من السعودية مكافأة نهاية خدمة،
رغم أنه لم يكن يعمل فى خدمة السعودية. ومرت أسابيع دون تكذيب هذا الخبر.
وفى هذه الأثناء تم تحديد الحد الأقصى القانونى للدعاية الانتخابية بـ١٥
مليون جنيه.
■
شكّل وزير العدل السابق فى فبراير لجنة لجرد القصور الرئاسية (الملكية
سابقاً). وفى يونيو، أعلنت اللجنة أن كل القصور سرقت بالكامل، وفى اليوم
التالى أعلن وزير العدل الحالى تشكيل لجنة جديدة للجرد.
■
تم دفن جثث مجهولة مع لف التوابيت بالعلم المصرى على أنهم من شهداء ثورة ٢٥
يناير، وفى اليوم التالى أعلن أنهم من الهاربين من السجون.
■
تطلب وزارة الآثار من بعض متاحف العالم استعادة آثار مصرية، بينما تعجز
الوزارة عن مجرد إحصاء عدد الآثار المصرية التى سرقت من مصر قبل وبعد
الثورة.
■
نعانى من أزمة فى السياحة، ونصرف الملايين لدعوة السياح لمشاهدة آثارنا،
بينما تعرض هذه الآثار فى بلادهم، وتتجول فى معارض متنقلة حول العالم.
■
آخر خبر أن مومياء ابن رمسيس الثانى انتقلت من لندن إلى طوكيو. شاهدت ما
يمكن مشاهدته من آثار مصر فى الأقصر ومتاحفنا، ولكننى لم أفكر فى التطلع
إلى المومياوات المعروضة فى الفتارين. أتذكر دائماً ابن العائلة الصعيدية
فى فيلم شادى عبدالسلام «المومياء»، عندما قال: «أهذا عيشنا.. التجارة فى
جثث الموتى».
■
ذهبت من قلب القاهرة إلى مدينة نصر لمشاهدة فيلم كينيث برانا الجديد فى
مجمع سيتى ستارز لدور العرض، لكن «المسؤولين» عن المجمع قالوا إن عروض
الفيلم انتهت، قلت ولكن الإعلان عن عرضه عندكم منشور فى صحف اليوم، ردوا:
«هذه مسألة أخرى».
■
نُشر، أمس، خطأ أن موسيقى عرض مئوية الفنون المصرية من اختيار الموسيقار
طارق شرارة، والصحيح أنها من تأليفه، ولذلك وجب التصحيح والاعتذار.
مئوية الفنون: حدث فنى كبير
بقلم
سمير فريد
٢٠/
٦/
٢٠١١
أتمنى أن يشاهد المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومجلس وزراء حكومة
الثورة عرض «مئوية الفنون المصرية»، الذى كتبه وأخرجه وصمم رقصاته
وديكوراته وأزياءه الفنان اللبنانى العالمى وليد عونى، وهو من إنتاج فرقة
الرقص الحديث، إحدى فرق الأوبرا فى وزارة الثقافة. من يعمل لينتج من دون
تذوق الآداب والفنون آلة صماء من دون روح، أما العامل الذى يتذوق الآداب
والفنون - وكلنا عمال - فهو الإنسان الحر الذى يتقن عمله ويبدع فيه.
مع الأسف لم تخصص دار الأوبرا لهذا العرض سوى ليلتين فى القاهرة،
ومثلهما فى الإسكندرية (٢٧ و٢٨ يونيو الحالى). والواجب أن يعرض فى كل مدن
مصر ويتجول فى كل مدن العالم ليقول للدنيا هذه هى مصر الحضارة وشعبها الذى
قام بالثورة. والواجب أن يصدر المجلس العسكرى قراراً بمنح الجنسية المصرية
للفنان وليد عونى، والفنان محمد خان، وغيرهما من الذين خدموا مصر وعبروا عن
روحها ولا يحملون جنسيتها، وليسوا مثل الذين يحملونها ويقفون الآن وراء
القضبان.
مصر جبل شامخ فى خلفية العرض من بدايته إلى نهايته، نرى عليها صور تسع
لعمالقة الفنون المصرية فى مائة عام. والبداية من ناجى شاكر الوحيد الحى
بينهم - أطال الله عمره - مبدع «الليلة الكبيرة»، التى عبرت عن الشخصية
المصرية، كما لم يعبر عنها عمل آخر بالدمى. ثم الحسين فوزى، الذى رسم رواية
نجيب محفوظ «أولاد حارتنا» عندما نشرت مسلسلة فى «الأهرام»، وكانت رسومه
خلاصة مركبة للثقافة المصرية، والنحات جمال السجينى الذى جعل النحاس ذهباً،
وحامد ندا وشخصياته التى تفنى فى الوجود وتعبر عن الوجود الفانى فى آن،
وصلاح عبدالكريم الذى أنطق الحديد، وعبدالهادى الجزار الذى عبر عن حداثة
التراث الشعبى القديم وكأنه أصل السوريالية، والمعمارى حسن فتحى، الذى
استوعب شخصية مصر التى هضمت حضارات البشر الكبرى من المصرية القديمة إلى
الأوروبية الحديثة، وبيكار بخطوطه التى تجرد وتجسد على نحو متفرد، والذى
خلد ما غرق من آثار النوبة فى لوحاته. وفى الختام يعود وليد عونى إلى محمود
مختار الذى رقص دوره بنفسه، وهو نحات ثورة ١٩١٩ الذى نحت تمثال «نهضة مصر»
بعد ثورتها الشعبية العظيمة، وجعلها فلاحة تستند بيدها إلى رأس أبى الهول،
وتكشف عن وجهها باليد الأخرى لترى العالم ويراها، وتبدأ مسيرتها للدخول فى
العصر الحديث.
كل مقطع من العرض مثل «آريا»، وهى المقطع فى الأوبرا. نحن أمام «أوبرا
كاملة» بالصوت والصورة والموسيقى التى اختارها طارق شرارة بموهبته التى
تحتضن كل موسيقى الدنيا. وكل مقطع يعبر عن موضوعه بأسلوب يؤكد عمق إحساس
وإدراك عونى للعالم الفنى لكل فنان. وقد سبق أن عبر فى أعماله عن شادى
عبدالسلام وتحية حليم ونجيب محفوظ وقاسم أمين ومحمود سعيد، وغيرهم من أعلام
القرن العشرين وكل القرون، وجاء عمله الجديد استكمالاً لما سبقه من أعمال
عن مبدعين مصريين.
ثلاث خطوات أولى لوصول الثورة إلى السينما
المصرية
بقلم
سمير فريد
١٨/
٦/
٢٠١١
ظل المركز القومى للسينما بالمخالفة للقانون من دون مجلس إدارة منذ
إنشائه عام ١٩٨٠، وطالب رئيس المركز الدكتور خالد عبدالجليل بتشكيل المجلس
قبل الثورة، وأيده الدكتور عماد أبوغازى، وزير الثقافة، بعد الثورة، وتشكل
المجلس برئاسة رئيس المركز وعضوية ١٢ عضواً، منهم ممثلون عن النقابة
وممثلون عن الغرفة وعضو منتخب من إدارة الإنتاج بالمركز (٥ منتخبين)، ومحمد
لطفى، المستشار القانونى للوزير، وكل من (حسب الحروف الهجائية)، أحمد
عبدالله وسمير فريد وكاملة أبوذكرى وماريان خورى ومجدى أحمد على ويسرى
نصرالله.
وقد عقد المجلس ثلاثة اجتماعات حتى الآن، وكان أول قراراته فى
الاجتماع الأول التنازل عن مكافآت الاجتماعات المقررة فى القرار الوزارى
بتشكيله، ووضع هيكل إدارى جديد للمركز، ومن بين إدارات الهيكل الجديد إدارة
«دعم إنتاج مشروعات الأفلام».. (٢٠ مليون جنيه استطاع فاروق حسنى الحصول
عليها بتوصية من لجنة السينما، وفى الدورة الثانية لها العام الماضى رفضت
اللجنة كل المشروعات وعددها ٧٦ مشروعاً).
وفى الاجتماع الثانى وضع المجلس قواعد دعم المشروعات التى اختلفت
جذرياً عن القواعد السابقة، فهو الآن دعم نقدى لا يسترد، وليس خدمات إنتاج
عينية، ويحق لشركة الإنتاج الحصول على دعم من مصادر أخرى مصرية أو أجنبية،
أو أن يكون المشروع من الإنتاج المشترك، ولا يشترط حصول السيناريو على
موافقة الرقابة عن التقدم بطلب الدعم، ولا يحق للمركز القومى للسينما
الاشتراك بالفيلم فى مهرجانات السينما داخل أو خارج مصر، والدعم للأفلام
الطويلة والقصيرة، روائية وتسجيلية وتحريك (تشكيل)، ودفعات الدعم لا تخصم،
ومنها ضرائب، وتكاليف عمل لجنة التحكيم من ميزانية المركز، وليست من
ميزانية الدعم، واللجنة من ٩ أعضاء تختار رئيسها ومقررها، وتضع القواعد
المنظمة لعملها، ويعلن التشكيل قبل فتح باب التقدم ليعرف المتقدم مسبقاً من
الذين يقدم إليهم عمله، وتتغير اللجنة كل سنة، ولا يجوز أن يكون من بين
أعضائها أى عضو من مجلس المركز، ويمكن لأى مشروع لا يفوز بالدعم أن يتقدم
فى سنة تالية، وكل هذه قواعد لم تكن فى قواعد الدورة الأولى أو الثانية.
وفى الاجتماع الثالث قرر المجلس حل اللجنة العليا للمهرجانات، وعدم
إقامة أى مهرجان قومى أو دولى للسينما بواسطة وزارة الثقافة، وأن يقتصر دور
الوزارة على دعم المهرجانات التى تطلب الدعم، وتوافق على الشروط الخاصة
بهذا الدعم، ووضعت شروط دعم مهرجانات السينما الدولية، وهى عشرة شروط أولها
أن يقام بواسطة جمعية أهلية أو مؤسسة مدنية، ويمكن الاطلاع على بقية الشروط
على موقع المركز الإلكترونى.
أما بخصوص مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة، ومهرجان
القاهرة السينمائى الدولى هذا العام، فلم يتخذ المجلس أى قرارات لعدم وضوح
الوضع الراهن لكلا المهرجانين، وأرى بصفة شخصية أن يقوم اتحاد السينمائيين
التسجيليين بتنظيم مهرجان الإسماعيلية، وطلب الميزانية المتوافرة له بالفعل
(حوالى مليون ونصف المليون جنيه)، كدعم، وأن يبادر يوسف شريف رزق الله
والمجموعة التى تعمل فى مهرجان القاهرة بتأسيس جمعية أهلية أو مؤسسة مجتمع
لتنظيم مهرجان القاهرة السينمائى الدولى ومهرجان القاهرة الدولى لأفلام
الأطفال، وطلب دعمهما من المركز القومى.
أيتها الفنانة الكبيرة أعيدى إليهم وسامهم بعد أن حصلت على
الأكبر
بقلم
سمير فريد
١٦/
٦/
٢٠١١
يطالبون الممثلة الفنانة منى واصف بأن تعيد إلى الدولة فى سوريا الوسام
الذى حصلت عليه لأنها وقعت على بيان للمطالبة بفك الحصار عن درعا. وأقول
لفنانة المسرح والسينما الكبيرة والصديقة القديمة العزيزة: أعيدى إليهم
وسامهم، وافرحى، فقد حصلت على الوسام الحقيقى الذى يعتز به كل إنسان وكل
فنان، وهو أن يدافع عن ثورة شعبه من أجل الحرية.
يتردد العالم الذى تقوده الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى فى دعم ثورات
الشعوب فى ليبيا واليمن وسوريا، لأنهم يخشون من الحكم الإسلامى أو قيام
دولة دينية عندما تنتصر هذه الثورات، ويؤكد لهم ذلك بعض ما يحدث فى تونس
ومصر بعد انتصار ثورة شعبيهما. والمخاوف حقيقية لأن الديكتاتوريات الساقطة
دعمت تيار الإسلام السياسى طوال العقود الأربعة الماضية، وأصبحت له جذور
قوية فى المجتمع، ولكنه انحطاط أخلاقى كامل أن تحول الحسابات السياسية دون
إنقاذ الأرواح البشرية، فالإنسان أغلى من أى فكرة، ومن ناحية أخرى يتجاهل
حكام العالم ما يعرفونه جيداً وهو أن الثورات تقوم لأسباب تتعلق بالماضى،
ولكن لا تحصد ثمارها فى الحاضر، وإنما فى المستقبل القريب كما حدث فى ثورة
١٩١٩ التى بدأت ثمارها عام ١٩٢٢، أو فى المستقبل البعيد، كما يبدو الأمر مع
ثورات العام العربية التى ربما يبدأ حصد ثمارها خلال خمس سنوات أو أكثر.
لم أذهب إلى الاستفتاء على التعديلات الدستورية لأننى توقعت النتيجة
مقدماً، ولم أكن وحدى بالطبع، وهى الموافقة بعد أن روِّج أنها تعنى
الموافقة على الحكم الدينى، لم أذهب حتى لا أشارك على أى نحو فى إهدار ثورة
الشعب المصرى، وهى الثورة التى لم تطالب سوى بالحرية والديمقراطية، ولكنى
فى نفس الوقت كنت أوافق مقدماً أيضاً على النتيجة لأنها من دون تزوير، ولا
تقل إن التزوير كان فى الإرادة والوعى، فالتزوير هو تزوير النتائج، وهذا
بالقطع لم يحدث، ومن يقبل الديمقراطية، وهى تداول السلطة بين أحزاب عبر
انتخابات حرة، عليه أن يقبل بالنتيجة حتى لو انتصر حزب دينى أو «ذو مرجعية
دينية»، ومن شأن نجاحه رفض تداول السلطة وإنهاء الديمقراطية، وهذا مؤكد من
دروس التاريخ.
قال الشيخ سوف نقيم الدولة الدينية ومن لا يعجبه يرحل، ورغم أنه اعتذر فى
اليوم التالى، وقال إنه يمزح، وكأن منابر المساجد أصبحت للمزاح، فإننى
أشكره على منحه حق الهجرة لمن يرفضون الدولة الدينية، ففى إيران يسجن أو
يقتل! عندما تحدث أى سرقة لا يلام اللص فقط، وإنما المسروق كذلك فهو الذى
لم يؤمن نفسه، وأتاح الفرصة لمن يسرقه.
تعليقات
بقلم
سمير فريد
١٤/
٦/
٢٠١١
■
تعليقاً على مقال السبت ١١ يونيو، اتصل بى فاروق حسنى، وقال إن جريدة
«الشرق الأوسط» أخطأت فى صياغة ما قاله عن السيدة سوزان مبارك، فهو لم يقل
إنها «شخصية نرجسية لا تقبل النقد من أحد»، وإنما قال إنها شديدة الاعتزاز
بنفسها ورأيها. أما عن التوريث فقال إنه كان ضد التوريث، وإن أنس الفقى،
وزير الإعلام السابق، نقل إلى السيدة سوزان رأيه، مما أدى إلى فتور العلاقة
بينه وبينها فى الفترة الأخيرة، لكنه يربأ بنفسه عن الهجوم عليها الآن.
■
واتصل عصام عبدالهادى، رئيس شركة الصوت والضوء والسينما، وقال إنه يملك
الوثائق القانونية التى تقطع بأن أصول السينما التى كانت تملكها وزارة
الثقافة، من مؤسسات وأفلام، أصبحت ملكاً لشركة الصوت والضوء والسينما، وإنه
لم يبع شيئاً، وإنما وزارة الثقافة التى باعت، ولم يشتر شيئاً، وإنما تولى
إدارة الشركة فوجد هذا الوضع. وقال إنه لا يملك التنازل عن ممتلكات الشركة
التى يديرها، وإلا سيعتبر مقصراً فى عمله.
■ واتصل محمد كامل القليوبى وقال إن سؤالى هل كان
رئيس أو مدير مهرجان الإسماعيلية عند عودته عام ١٩٩٥ يمكن أن يعنى أنه لم
يعمل من أجل عودة المهرجان. ولا أحد ينكر دور القليوبى أستاذاً فى المعهد
وباحثاً وناقداً ومخرجاً ومديراً للمركز القومى للسينما ولمهرجان
الإسكندرية، لكن «المعلومات» عن تاريخ مهرجان الإسماعيلية أنه بدأ عام ١٩٩١
وكان مؤسسه ومديره هاشم النحاس أثناء تولى الراحل كرم مطاوع رئاسة المركز
القومى للسينما، وأن المهرجان توقف عام ١٩٩٤ وعاد عام ١٩٩٥، وكان رئيسه
سمير غريب ومديره كاتب هذه السطور، ثم توقف مرة أخرى وعاد عام ٢٠٠١ وكان
مديره أمير العمرى ورئيسه الراحل صلاح مرعى، ورئيس المركز القومى للسينما
على أبوشادى.
■ نسيت أن أذكر فى المقال الذى أثار هذه التعليقات
أن سمير غريب تولى إدارة الأكاديمية المصرية فى روما بين عمله فى رئاسة دار
الكتب ورئاسة هيئة التنسيق الحضارى. ونحن لسنا بصدد تقييم عمله فى المناصب
القيادية التى تولاها فى وزارة الثقافة، وإنما نندهش من إنكاره دور الرئيس
السابق وأسرته فى توليه إياها عبر فاروق حسنى عندما كان وزيراً للثقافة،
ونعترض على قوله إن «إسماعيل سراج الدين لايزال مديراً لمكتبة الإسكندرية
رغم أنه من أكثر المسؤولين اقتراباً من الرئيس السابق وأسرته»، فقد اختير
سراج الدين لكفاءته العلمية ونزاهته الأخلاقية المعروفة فى كل العالم، ولم
يكن يعرف الرئيس السابق وأسرته قبل توليه إدارة المكتبة، بل كان على خلاف
مع السلطة السياسية لأنها وقفت ضده عندما كان مرشحاً لإدارة منظمة
اليونسكو، ووقفت مع المرشح السعودى، وكانت النتيجة فوز مرشح اليابان!
مع تعليق ومن دون تعليق
بقلم
سمير فريد
١١/
٦/
٢٠١١
■
نشر سمير غريب فى «الأخبار» أن إسماعيل سراج الدين من أكثر المسؤولين
اقترابا من الرئيس السابق وأسرته، فكيف يستمر مديراً لمكتبة الإسكندرية بعد
ثورة الشعب ضد الرئيس وأسرته.
■
■ هل كان سمير غريب بعيداً عن الرئيس السابق
وأسرته، وهل كانت المناصب التى تولاها من مدير صندوق التنمية إلى رئيس دار
الكتب والوثائق القومية لخبرته فى التنمية وفى الكتب والوثائق رغم أنف
الرئيس السابق وأسرته وهل اختراع هيئة باسم التنسيق الحضارى ليصبح رئيس
هيئة، وهو اختصاص المحافظات فى مصر وكل الدنيا، أمر لا علاقة له بالرئيس
السابق وأسرته. أم أن سمير غريب كان من معارضى النظام فى حزب سرى قام
بالثورة.
■ قال على أبوشادى فى «الشروق» إنه يخشى توقف
مهرجان الإسماعيلية بعد إلغاء دورة هذا العام، خاصة أنه توقف عدة سنوات،
وعاد بعد كفاح محمد كامل القليوبى عام ١٩٩٥، ولا أحد يضمن قليوبى آخر
للكفاح من أجل عودته مرة أخرى.
■
■
هل كان القليوبى رئيس أو مدير مهرجان الإسماعيلية عند عودته عام ١٩٩٥؟ وهل
يمكن مناقشة قرار وزير الثقافة بإلغاء مهرجانات المسرح والسينما لأسباب
أمنية ومالية؟ هل غياب الأمن «فكرة» للمناقشة، أو نقص المال. «وجهة نظر».
■ نشرت العديد من الصحف خبر استقالة عصام عبدالهادى
من مجلس إدارة غرفة صناعة السينما لأن الغرفة لا تؤيده فى بقاء مؤسسات
وأفلام السينما التى تملكها وزارة الثقافة فى شركة السياحة والفنادق
والسينما فى وزارة الاستثمار المحلولة والتى تطلب حكومة الثورة من
الإنتربول ملاحقة وزيرها والقبض عليه.
■
■
مصر هى الدولة الوحيدة فى العالم وفى التاريخ التى ربطت بين السينما
والسياحة والفنادق، لأسباب شخصية ومالية لا علاقة لها بالعلم أو المنطق،
وإذا وافقت غرفة السينما على هذا الوضع، فعليها أن تندمج مع غرفة السياحة
والفنادق. ملف وزارة قطاع الأعمال والتى سميت بالاستثمار بعد ذلك يجب أن
يحال إلى النائب العام لأن ما تم نهبه فى الوزارتين بالتحايل على القانون
أو اختراع قوانين فاسدة يفوق مائة مرة ما يعرف فى التاريخ بنهب الاحتلال
البريطانى لمصر.
■ قال فاروق حسنى فى حوار مع جريدة «الشرق الأوسط»
العربية التى تصدر فى لندن إن الثورة «فكت قيوده كما فكت قيد مصر، وإن
الوزارة كانت الأسر وكرسى الوزارة كان الكلابشات المقيدة سنوات طوال»، وإنه
كان «ضد التوريث» وإن سوزان مبارك «شخصية نرجسية لا تقبل النقد من أحد».
■
■
لا تعليق!
متى تصل الثورة إلى السينما؟
بقلم
سمير فريد
٩/
٦/
٢٠١١
السينمائيون المصريون كانوا أول من قام بإضراب، وصل إلى حد الإضراب عن
الطعام فى مقر نقابتهم عام ١٩٨٧، من أجل حقوقهم، وهو إضراب تاريخى أصدرْت
عنه كتاباً كاملا عام ١٩٩٧ بمناسبة مرور عشر سنوات من دون تحقيق المطلب
الأساسى، الذى طالب به المضربون، وهو عدم إطلاق مدد انتخاب النقيب، وأن
تكون بحد أقصى مدتين متتاليتين!
الآن، وبعد ثورة ٢٥ يناير، لايزال قانون النقابة موضوع إضراب ١٩٨٧ كما هو،
وربما يأتى اليوبيل الفضى (مرور ٢٥ سنة) للإضراب العام القادم (٢٠١٢) ويظل
القانون مستمراً، فمتى تصل الثورة إلى السينما، وتتحقق مطالب صناعها،
وأبسطها استرداد نقابتهم لتكون للسينمائيين فقط، وإنشاء نقابة للمهن
التليفزيونية، وأن يكون لها قانون يضمن الحقوق الأساسية، وهى الحد الأدنى
للأجور وتحديد ساعات العمل، وغير ذلك من البدهيات التى وجدت النقابات من
أجلها فى كل الدنيا؟
ومتى تنتهى مهزلة فرض إتاوات مالية بواسطة النقابة على غير خريجى معهد
السينما، ليعملوا فيها من دون ضوابط، وإنما على هوى النقيب وكأنه من السلاح
الثالث الذى أسسه الحزب الوطنى الديمقراطى (سلاح البلطجية)، للدفاع عن
الوطن والديمقراطية؟ بينما بدأ إنتاج الأفلام فى مصر عام ١٩٠٧، وتأسست
النقابة عام ١٩٤٣، وتخرجت أولى دفعات معهد السينما عام ١٩٦٣.
ومن بين بدهيات حقوق السينمائى الغائبة فى مصر بعد كل الثورات، حقه فى أن
يعرض عمله كاملاً، كما صنعه بكل وسائل التداول والعرض، فضلاً عن حقه فى
وجود نسخة كاملة فى متحف أو مكتبة أو أرشيف وعدم المساس بالنيجاتيف فى
المعمل، وحمايته من التلف أو الاندثار الجزئى أو الكلى.. وما يحدث فى
الواقع على النقيض من ذلك، فالرقابة تملك حق الحذف من النيجاتيف ومن النسخ
معاً، ولا يوجد متحف أو مكتبة أو أرشيف، ولم يعد هناك أمل فى وجود كيان
يحمى الأفلام أيا كان مسماه، وأى موظف فى أى تليفزيون وأى بائع فى سوق
الإسطوانات، يمكنه أن يحذف ما يشاء من أى فيلم، وكأنه يتصرف فى الممتلكات
التى ورثها عن أجداده!!
وآخر فضيحة هى الأسطوانات المتداولة الآن من فيلم «تلك الأيام» إخراج أحمد
غانم، والتى لا علاقة لها بالفيلم الأصلى، رغم أنه عن رواية للراحل فتحى
غانم، أحد كبار أدباء القرن العشرين، ورغم أنه من إنتاج محمد العدل، أحد
منتجى السينما المعدودين، الذين يدركون أن السينما جزء من الثقافة الوطنية،
كما أنه عضو بارز فى غرفة صناعة السينما التى تحمى السينما!!
فك لغز حساب المكتبة
بقلم
سمير فريد
٦/
٦/
٢٠١١
نشرت جريدة «الأهرام»، أمس، أن التحقيقات التى أجرتها النيابة مع الرئيس
السابق، حسنى مبارك، فى البلاغ الخاص بحساب مكتبة الإسكندرية أثبتت أنه لم
يتصرف فى الحساب إلا مرتين فقط عندما طلب مدير المكتبة إسماعيل سراج الدين
خمسة ملايين دولار لإنشاء امتداد للمكتبة «فقلت له ثلاثة ملايين فقط»،
والمرة الثانية لإجراء الصيانة اللازمة للمكتبة.
وقال الرئيس السابق إن التبرعات التى جاءت لإنشاء المكتبة من الملوك
والرؤساء العرب كانت ٢٠ مليون دولار من الملك فهد ومثلها من الشيخ زايد و٢١
مليوناً من الرئيس العراقى صدام و٥ ملايين من السلطان قابوس ومثلها من
الرئيس الليبى القذافى، وقال: «لم يحضر صدام فاتصلت به تليفونياً، وسأل عن
المبلغ الذى تبرع به كل من الملك فهد والشيخ زايد، مما دفعه ليتبرع بـ٢١
مليون دولار». وقال: «خشيت على هذه الأموال من استخدامها فى أمور أخرى
فقررت فتح حساب باسم المكتبة، لا يتم التصرف فيه إلا بأمر شخصى منى للحفاظ
على هذه الأموال»، وكان المبلغ عند فتح الحساب ٧٠ مليوناً أصبحت بعد عشرين
سنة ١٤٣ مليوناً بإضافة الفوائد.
وهذه النتائج للتحقيقات الخاصة بحساب مكتبة الإسكندرية تقطع بصدق إسماعيل
سراج الدين عندما قال للنيابة إنه لا يعلم شيئاً عن هذا الحساب، وهو ما كنت
واثقاً منه لأننى أعرف تاريخه وأعرفه شخصياً وأعمل معه مستشاراً لشؤون
السينما منذ افتتاح المكتبة، وشاهدته بعينى ينفق من أمواله الخاصة على
المكتبة، وهو ما أفعله أيضاً، وعلى استعداد تام للمحاسبة عن كل ما حصلت
عليه من المكتبة لوضع البرامج السينمائية، و كل ما أنفق على هذه البرامج.
ولكن الأهم من ذلك دلالات أن يقوم الرئيس السابق بوضع المبلغ فى حساب باسم
المكتبة لا يصرف منه إلا بواسطته ولا يعلم عنه أحد شيئاً ولا حتى مدير
المكتبة، معنى هذا أن الرئيس لا يعترف بوجود «دولة» فى مصر، وإنما تصرف مثل
أب يدخر لابنه حتى يبلغ سن الرشد، وأن أموال التبرعات جاءت إليه بصفته
الشخصية من الناحية الإجرائية، وأن المكتبة مادامت قد بنيت من دون الحاجة
إلى هذه التبرعات، فهو لا يرى أن هذه التبرعات تستحق أن تنفق على تزويد
المكتبة بالكتب وعلى الأبحاث العلمية والمشروعات والأنشطة ليصير للمبنى
معناه الحقيقى، وأرفف المكتبة تتسع لثمانية ملايين كتاب، وليس فيها إلا
مليون بعد عشر سنوات.
كان من شأن إنفاق هذا المبلغ على «معنى» المكتبة فى السنوات العشر الماضية
منذ افتتاحها أن تصبح «منارة» للمدينة ولمصر كلها، وتحول دون أن تتحول
الإسكندرية فى هذه الفترة نفسها إلى أكبر مدينة ظلامية فى مصر، وتصبح أول
أحداث العام العاشر ٢٠١١ فجر أول يناير تفجير كنيسة القديسين فى «عروس
البحر المتوسط» التى أصبحت «أرملة كل البحار».
«١٨ يوم» سفيراً فوق العادة لمصر واختيارى فى تاور مينا إضافة لمشوارى مع
لجان التحكيم
محنتان
بقلم
سمير فريد
٥/
٦/
٢٠١١
شهد مايو الماضى محنتين لاثنين من كبار الصحفيين العرب، هما المصرى محمد
حسنين هيكل، واللبنانى جهاد الخازن.
هيكل أجرى حواراً نُشر فى «الأهرام» قال فيه إن ثروة الرئيس السابق مبارك
من ٩ إلى ١١ مليار دولار، وإن أحداً من أبنائه لم يشارك جمال مبارك فى شركة
الأوراق المالية «هيرميس»، فاستدعته النيابة لمعرفة مصدر معلوماته حول ثروة
مبارك، ولم يستطع إثبات على أى أساس قال ما قاله، و«الأهرام» أكد أن أحد
أبناء هيكل كان شريكا لـ«جمال مبارك»، ثم عادت ونفت! ولك أن تتصور تأثير
ذلك على «مصداقية» الصحافة عند القراء.
أما محنة جهاد الخازن فهى أنه نشر مقالاً فى عموده اليومى.. «عيون وآذان»
فى جريدة «الحياة» العربية التى تصدر فى لندن بتمويل أمير سعودى، عدد ٢٣
مايو، قال فيه إننا فى السنة ١٤٣٢ هجرية، و«هذا تاريخ لا يضم سوى سنتين
يستطيع المسلم أن يفاخر بهما هما خلافة أبى بكر الصديق، فهو أخضع الجزيرة
العربية كلها للمسلمين، ومنها انطلق عصر الفتوحات الذى كان بين بدء خلافته
سنة ٦٣٢ ميلادية حتى فتح الأندلس سنة ٧١١، أى ٧٩ سنة فقط، ولا نزال نعيش
حتى اليوم نخسر ونخسر، فقد نفيق يوماً، ولم يبق لنا أى شىء».
ودلل «الخازن» على وجهة نظره بمعلومات كثيرة منها أن عمر بن الخطاب كان
عادلاً جداً «إلا أنه كان شديداً قسا على ابنه لسكره، وجلده وهو مريض،
فمات».
وكان أول قرار له بعد خلافته أبا بكر عزل خالد بن الوليد، أعظم قائد عسكرى
فى تاريخ العالم كله، لخلاف بينهما وهما صغيران، أما عثمان بن عفان فقدم
أقاربه.. و«كان على بن أبى طالب عبقرياً فى كل شىء سوى التعامل مع الناس
ربما لصغر سنه. ثلاثة خلفاء راشدين من أربعة مجموع حكمهم ٢٩ سنة من أصل
١٤٣٢ سنة هجرية، قُتلوا غدراً»، وقال إن الأمويين اغتصبوا الحكم، ويزيد بن
معاويه قتل حفيد الرسول، ويزيد الثالث سُمى يزيد الناقص، وابنه الوليد رمى
القرآن الكريم بسهم، والعباسيين حاربوا باسم آل البيت. والأمين كان شاذاً،
والمأمون قتل أخاه الأمين، وطارق بن زياد فتح الأندلس وتبعه قائده موسى بن
نصير فكافأه بعزله.
واختتم الكاتب مقاله قائلاً: «إن قراءتنا التاريخ انتقائية فنحن نختار منه
ما يناسبنا من إيجابيات، ونعمى عن الجرائم. الخلافة الوحيدة التى أفاخر بها
هى خلافة أبى بكر، ولا أريد أن أرى فى أى بلد عربى دولة الخلافة، وإنما
دولة مدنية تتسع لجميع المواطنين، تستهدى قوانينها من القرآن الكريم
والسنة، ولا تخالف الشريعة، دولة قانون عصرية، الحكم فيها للشعب لا
لديكتاتور حتى لو كان متنوراً». أما المحنة فهى اعتذار الكاتب عن مقاله فى
عدد السبت ٢٨ مايو وقوله: «لقد أخطأت وسحب المقال، وأرجو اعتباره كأنه لم
ينشر لأننى سأخرجه من مجموعة مقالاتى، وأتلفه».
والسؤال: هل يعتذر عن صحة المعلومات التى وردت فى مقال ٢٣ مايو، أم يعتذر
عن نشرها، رغم أنها حقائق تاريخية، أم يتراجع عن رأيه الذى يلخص هدف
الثورات العربية، وهو إقامة دول مدنية قانونية عصرية لا تخالف الشريعة..
الحكم فيها للشعب؟!
ملحوظة: نشر هذا المقال يوم ٥ يونيو ليس مصادفة.
فرنسا تمارس دورها التاريخى فى الدفاع عن مبادئ
ثورتها
بقلم
سمير فريد
٤/
٦/
٢٠١١
كانت الثورة الفرنسية منذ مائتى عام ويزيد نقطة تحول كبرى فى تاريخ
الإنسانية مثل الثورة الروسية عام ١٩١٧ فى القرن العشرين، والمعروف أن شعار
ثورة فرنسا كان «الحرية والإخاء والمساواة». صحيح أن فكرة تصدير الثورة،
سواء فى فرنسا أو روسيا، وكذلك فى إيران بعد الثورة الإسلامية عام ١٩٧٩،
أدت إلى ظهور وجه بغيض تمثّل فى فرنسا التى تغزو البلاد وتحتلها، وهذا
الوجه تحول إلى صفحة عار تاريخى طويت وإن كانت لا تنسى.
تمارس فرنسا اليوم دورها التاريخى فى الدفاع عن مبادئ ثورتها، وقد تمثل ذلك
فى حدثين أثناء مهرجان «كان» فاتنى حضورهما مع الأسف لتقصير فى الإعلان
عنهما، وليس لتقصير منى، الأول قيام فردريك متيران، وزير الثقافة الفرنسى،
بمنح وسام للمخرج التونسى الكبير نورى بوزيد، الذى كان قد تعرض لمحاولة
اغتيال من إحدى جماعات الإسلام السياسى التى تريد أن تسرق ثورة الشعب فى
تونس وفى مصر وفى بلاد عربية أخرى لتحول الربيع العربى إلى شتاء قاس.. وكنت
قد شاركت فى إدانة هذه المحاولة الآثمة، كما أصدرت جمعية نقاد السينما
المصريين بياناً فى إدانتها، وفردريك متيران معروف منذ عقود كأحد كبار
مثقفى فرنسا، وهو مثل ابن عمه الرئيس الراحل متيران من المولعين بمصر
والثقافة العربية.
والحدث الثانى النص الذى ألقاه المخرج السورى الكبير أسامة محمد فى ندوة
أثناء المهرجان أدارها الناقد الفرنسى جاب ميشيل فريدون «ناقد لوموند»،
ورأسها فنان السينما الفرنسى العالمى من أصول يونانية كوستا جافراس، الذى
صاغ مفهوماً جديداً للسينما السياسية فى النصف الثانى من القرن العشرين،
ويرأس الآن السينماتيك الفرنسى فى باريس.. وقد عرض أسامة أثناء إلقاء النص
المعنون «صورة ضد صورة» مجموعة من الصور الفوتوغرافية عن حرب الإبادة التى
يشنها النظام الحاكم ضد الشعب السورى، ونشرته جريدة «الحياة» العربية التى
تصدر فى لندن فى عدد الأربعاء ١٨ مايو، وهو يوم احتفال مهرجان كان بالثورات
العربية.
نص أسامة محمد لا يُلخَّص وإنما يُقرأ كاملاً، وهو تعبير فذ كتب بمداد من
دم يغلى فى العروق، وقلب كبير يتسع لكل الدنيا، وعقل نقدى ناضج، وفنان مفكر
يؤمن بحق شعبه فى الحرية ويشرفه أن ينضم إلى قافلة شهداء الحرية، فمن
الممكن فى أى وقت أن يدفع حياته ثمناً لموقفه التاريخى العظيم. عشت يا
أسامة وعاش الشعب السورى.
اليوم أحمد بسيونى فى بينالى فينسيا وحسن خان يترأس لجنة
التحكيم
بقلم
سمير فريد
١/
٦/
٢٠١١
«بينالى» بالإيطالية تعنى كل عامين، وبينالى فينسيا للفنون هو أعرق وأهم
مؤسسات الفنون فى العالم، والأسد الذهبى رمز جوائزه، يعادل نوبل فى الأدب،
والأوسكار فى السينما، والسعفة الذهبية لمهرجان «كان»، فى العام الماضى كان
بينالى العمارة الـ١٢، وفى العام الحالى عقد بينالى الرقص الثالث من ١٧
يناير إلى ١٥ مايو، وبينالى فنون الأطفال الثانى من ٢٦ فبراير إلى ٨ مارس،
واليوم يبدأ بينالى الفنون التشكيلية الـ٥٤، ويفتتح للجمهور من ٤ يونيو إلى
٢٧ نوفمبر، وينعقد بينالى الموسيقى الـ٥٥ من ٢٤ سبتمبر إلى أول أكتوبر،
وبينالى المسرح من ١٠ إلى ١٦ أكتوبر، أما مهرجان السينما فيقام كل سنة،
ويعقد دورته الـ٦٨ من ٣١ أغسطس إلى ١٠ سبتمبر.
يتكون بينالى الفنون التشكيلية من أجنحة لدول يصل عددها هذا العام إلى ٨٩
دولة منها السعودية والبحرين لأول مرة، ومشاركات فردية لفنانين عددهم ٨٣
فناناً، ويتضمن ٣٧ حدثاً ثقافياً (ندوات ومؤتمرات وورش عمل)، كما احتفى
مهرجان «كان» بمصر الثورة واختارها لتكون أول بلد ضيف فى تاريخ المهرجان،
يحتفى بينالى الفنون التشكيلية بالثورة فى جناح مصر العريق بعرض عن أعمال
الفنان أحمد بسيونى (١٩٧٨ - ٢٠١١) الذى استشهد يوم ٢٨ يناير فى ميدان
التحرير بطلقة قناص فى الرأس، وكان يسجل بكاميرته الديجيتال أحداث الثورة
منذ ٢٥ يناير، ويشمل العرض مقاطع مما صوره وعمله «٣٠ يوماً من الركض فى
الفضاء» الذى قدمه لأول مرة فى معرض «لماذا لا» فى قصر الفنون بالقاهرة
العام الماضى، الذى كان الفنان الشهيد يركض بنفسه فى داخله لمدة ساعة كل
يوم.
وهذا العرض الذى أشرف عليه شادى النشوقاتى، وصممته عايدة القورى، ومصمم
الصوت مجدى مصطفى، مع حسام هدهد، وكلهم من الفنانين أصدقاء بسيونى، هو أول
عرض مصرى فى البينالى يستخدم الديجيتال صوتاً وصورة بكثافة، ويعبر بذلك عن
ثورة مصر من حيث هى قفزة هائلة إلى ما بعد الحداثة فى مجتمع يراد له العودة
إلى عصور ما قبل الحداثة، أو ما قبل عصر محمد على منذ مائتى عام، وما بعد
الحداثة هنا تعنى أن الثورة لم يقم بها حزب يسعى للسلطة، وإنما شعب يريد أن
يراقب السلطة ويحد من عنف الدولة لصالح حرية الفرد والإعلاء من حقوق
الإنسان.
وللتأكيد على احتفال البينالى بالثورة تم اختيار الفنان الشاب عمراً الكبير
إبداعاً ومقاماً حسن خان، لرئاسة لجنة التحكيم، المكونة من المخرج
السينمائى الأمريكى جون واترس، والناقدة الصينية كارول لو، وكرستين ماسل،
مديرة متحف بومبيدو فى باريس، وليتسيا راجاجليا، مديرة متحف لوزان فى
سويسرا، ومع افتتاح البينالى للجمهور يوم السبت المقبل تعلن جوائز الأسد
الذهبى لأحسن جناح دولة، والأسد الذهبى لأحسن فنان، والأسد الفضى لأحسن
فنان شاب.. بسيونى اليوم يبعث حياً فى فينسيا، كما هو مع الشهداء أحياء عند
ربهم.
samirmfarid@hotmail.com
المصري اليوم في
01/06/2011 |