حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

السبعينات كتبت نهاية مرحلة شاعرية

سينما بلا عاطفة

محمد رضا

بات واضحاً من نتائج العروض التجارية للأفلام العربية والهندية والأمريكية معاً (وهي الصناعات الثلاث التي تشكل محاور في مناطقها وبالنسبة للأمريكية، مناطق سواها أيضاً) أن العصر الذهبي للسينما الرومانسية انتهى وذلك بالتزامن مع متغيّرات خطرة أصابت المجتمعات المدنية والأنظمة الاقتصادية العالمية . هذه الفترة امتدت من مطلع تاريخ السينما إلى أواخر السبعينات من القرن الماضي . وفي حين أنها تنوّعت بتنوّع الفترات الزمنية التي انتجت تلك الأفلام فيها، الا أن السبعينات، كمحطة أخيرة لها، كانت الأبرز من حيث تعايش الأسلوب التقليدي وتلك الباحثة عن التجديد والمتأثّرة بالحركة الاجتماعية ككل .

إذا صدّقنا ما أفتى به المفكر السويسري دنيس د .روجمون من أن الحب ورد متأخراً في التاريخ الأوروبي (يرجع به إلى القرن الثالث عشر فقط)، فإنه من الممكن ملاحظة انحساره هذه الأيام في حالات لا تشكل غالبية . في حياتنا اليوم هناك مشاكل أكثر تعقيداً بين الأزواج والزوجات مما كان الوضع عليه قبل ثلاثين أو أربعين سنة . في الغرب الزواج أصبح بمثابة عقد على ورق بين شخصين يلجآن إلى تمزيقه عند أول بادرة فتور . والأفلام ذاتها باتت تعكس كم أن العلاقات العاطفية هشّة من العقد السابع من القرن الماضي وفي معظم ما يصلنا من أفلام تتمحور حول شؤون القلب .

أحد الأفلام الأكثر شهرة والتي انطلقت في السبعينات هو “قصة حب” الذي قاد مجموعة من الأفلام تتميز بأن الرومانسية التي تحتضنها لا تؤول إلى نهايات سعيدة . وبما أن السينما دائماً ما عكست حالات المجتمع، فإن نكوص الحب في ذلك الفيلم الذي لعب بطولته كل من ألي ماكغرو ورايان أونيل، كان إعلاناً عن احتمال انهيار الحكايات العاطفية بين البشر . صحيح أن السبب ليس اجتماعياً أو سياسياً أو جاداً على أي صعيد، لكن قصص الحب ما قبل هذا الفيلم كانت غالباً ما تختار النهاية السعيدة، وهذا فاجأ الجميع بمنواله الحزين .

في فيلم “نقطة الاستدارة” لهربرت روس (1977) نجد أن المرأة التي اختارت الزواج والتحوّل لمدبّرة شؤون البيت (شيرلي ماكلين) هي التي ندمت على اختياراتها، بينما تمتعت زميلتها آن بانكروفت بصواب قرارها حين اختارت المضي لتحقيق حلمها بتعلم رقص الباليه .

في “كرامر ضد كرامر” (روبرت بنتون- 1979) تبدأ الحكاية حيث انتهى زواج بطليها (دستين هوفمان وميريل ستريب) إلى طلاق . هو الآن يحاول تعليم ابنه الذي يصبح محط نزاع بينه وبينها . أما المطلقة فإن غاياتها في تحقيق نجاح عملي كبير هو الذي يُصاب بنكسة ناتج عن وصم الفيلم لتلك الخطط .

والمرء يستطيع أن يأتي بالكثير من الأمثلة التي تتحدث عن مثل هذه الاختيارات الواردة في الفيلمين السابقين . لكن ما ميّز السبعينات كان أكبر من مجرد أن المرأة المتزوّجة تقتل طموحاتها وتلك المطلقة تكتشف أنها لم تكن على حق في تلك الطموحات (إذاً ما هي الوجهة الصحيحة؟) . السبعينات كانت منطلقا رئيسيا بالنسبة لأفلام تتحدّث أساساً عن الانفتاح العاطفي- النفسي وما يليه .

هذا القلق الاجتماعي نجده في أفلام عديدة اشترك في توفيرها عديد من مخرجي الفترة المعروفين: الإيطالي ماركو فيريري تناوله أكثر من مرة أبرزها “المرأة الأخيرة” (1967) والسويدي إنغمار برغمان عمد إليه كثيراً وخصوصاً في “مشاهد من زواج” (1973) والفرنسي كلود شابرول جعله مادته المولّدة للجريمة في “عنصر بسط” (1974) و”خيانة إمرأة” (1971) .

الحب الذي بدأت به قصص تلك الأفلام نراه تبخّر بعد قليل أو تبدأ الأحداث وآخر دخانه يغادر المدخنة ليتحوّل البيت إلى برود ملحوظ . الفتور يحل محل الإثارة التي حملها الزواج في مطلع عهده والحالات التي كانت فيها المرأة تقدم على الالتحاق بركب الزوجية باقتناع أن مصيرها يتطلب ذلك وأنها مستعدة لهذا طالما أن زوجها يؤسس لها الاستقرار العاطفي والمادي المناسبين .

جينا رولاندز في فيلم جون كازافيتيز “إمرأة تحت التأثير” سنة 4791 تُصاب بانهيار عصبي مردّه عدم رضاها عن حياتها زوجة، إذ تلحظ كيف أمضت عمرها شؤون البيت والعناية بالزوج . أمران لا يمكن أن يتمّا، في مجتمعات الغرب على الأقل، إلا بالموافقة على التضحية والبذل من قبل الزوجة . قبل ذلك وجدنا كاري سنودغرس في “مفكرة زوجة مجنونة” (فرانك بيري- 1970) تمل أحلام زوجها (رتشارد بنجامِن) وشكاواه الدائمة باحثة عن حب جديد متمثل بكاتب ذي شهرة (فرانك لانجيلا) قبل أن تكتشف أن العلاقة الجديدة ليست أفضل من السابقة .

والمسألة ليست مسألة زوجات فقط . في أحيان كثيرة يبدأ التصدّع بإقدام الرجل على الارتباط بعلاقة أخرى، أو ربما بوصوله إلى سن يأس يتساءل فيه عما أنجزه إلى الآن وإذا ما كان يستحق كل ذلك العناء الذي صرفه عليه . ولعل جون كازافيتز عبّر باكراً عن ذلك وبصورة جامعة حينما قدّم، سنة ،1970 فيلمه المختلف “أزواج” (بطولة بيتر فولك، بن غازارا والمخرج نفسه) حول ثلاثة أصدقاء- أزواج يسبحون في فضاء الحياة بأقل روابط ممكنة ويخفقون .

في هذا الإطار، أتذكر ميا فارو تسأل أمها في أحد أفلام وودي ألن: “لماذا يخون الرجال زوجاتهم؟” فترد عليها الأم “لأنهم يريدون الموت” . والموت هنا هو الحالة التي في عرف المخرج على الأقل، التي يصل إليها الزوج إذا ما أتم حياته الزوجية من أوّلها إلى آخرها مستقيماً .

وطيلة العقود الأسبق كان هذا هو الوضع .

 

هجوم صيني "خيالي" على اليابان

أحد الأفلام الصينية التي عُرضت في مهرجان فنيسيا المنتهي أمس بعد دورة حافلة، كان فيلماً للمخرج أندرو لاو بعنوان “أسطورة القبضة: عودة تشن زن” الذي يستخدم إطار الحكاية الفانتازية والكونغ فو وفنون القتال الشرقية ليسرد حكاية مقاتل صيني يتصدّى للإحتلال الياباني بمفرده فيكيل للجنود والمسؤولين قتلاً وتدميراً بسبب مهاراته القتالية . في كل ما هو معروض في نحو ساعتين إلا بضع دقائق، فإن ما هو قابل للتصديق لا يتعدّى الخلفية التاريخية: احتلال اليابان لأجزاء من الصين وعنف ذلك الاحتلال ووحشيّته. أما القصّة وإطارها الدرامي فهما من وحي الخيال لا أكثر .

على الرغم من ذلك، فإن ما ليس غائباً الهجوم الحاد على اليابانيين على نحو ليس بعيداً عن معالجة أفلام الهولوكوست لكل الألمان من دون كثير تفريق .

واللافت أن السينما اليابانية كثيراً ما تعاملت مع احتلالها للصين على أسس أكثر واقعية ونقداً للذات ومن دون تنميط الصينيين كأعداء كما يفعل “أسطورة القبضة: عودة تشن زن” من دون تردد . أحد هذه الأفلام هو “يرقانة” للمخرج كوجي واماتسو الذي سبق له أن عرضه أكثر من مهرجان في هذا العام بدءاً بمهرجان برلين وصولاً إلى مهرجان تورنتو المقام حالياً .

كوجي واماتسو مخرج لديه موقف سياسي وطليعي يعبّر عنه في مجمل أفلامه . ومثل فيلمه السابق، “الجيش الأحمر”، فإن “يرقانة” يستعين بوثائقيات لتأريخ الفترة، ويدور عن شخصيات تعاني من الوضع السياسي الذي فرض عليها خيارات قليلة . على عكسه، هذا فيلم من 85 دقيقة بينما أجبرنا “الجيش الأحمر” على الجلوس ثلاث ساعات، لكن خير الكلام ليس ما قل ودل هنا . هذا الفيلم الجديد فيه نحو ثلث ساعة من المادّة التي لا تتكرر حواراً أو صوراً، والباقي الصور والعبارات والمواقف ذاتها تدور كما لو كانت ملصقة بدولاب سيّارة تلف حول نفسها ولا تأتي، عند هذا الناقد على الأقل، بأي جديد يوسع إدراكاً أو يضيف حالة جديدة .

يبدأ الفيلم بمشاهد وثائقية للحرب اليابانية- الصينية سنة 1940 . ثم يدلف المخرج من تلك الوثائقيات إلى مشهد حي نرى فيه ثلّة من الجنود اليابانيين يركضون وراء ثلاث فتيات صينيات . بطل الفيلم سيغتصب واحدة ويقتلها . مع انتهاء هذا الفصل التمهيدي ننتقل إلى قرية لا يكترث المخرج لتصويرها على نحو قد يُشيع بعض الراحة حين النظر إليها . ذلك الجندي عاد إلى قريته مقطوع الأطراف مثل سلحفاة بلا قوائم . مشوّه الوجه . فاقد الصوت (وربما السمع) ولم يبق منه سوى البدن والرأس . . والرغبة التي يفرضها، رغم ما هو عليه، على زوجته الصبورة والتي تعمل في حقل الأرز وتطبخ وتطعم وتشرف على تنظيف زوجها وتلبية رغبته .

الزوج (كايجو كاسويا) بات يُعتبر الآن “إله الحرب” . إنه أمر ساخر لكنه مؤلم معاً . الجندي الذي دفع سلامته وصحته في حرب خطأ (وكل حرب خطأ) يعود بطلاً قومياً بمنأى عن معاناته ومعاناة زوجته . القرية تنظر إلى الزوجة كنموذج للتضحية لكن لا أحد، باستثناء المشاهدين، يعلم قدر تضحيتها الفعلية ومعاناتها النفسية التي تعيشها ويأسها المفهوم من وضعها المفروض عليها . في أحد المشاهد تهوي على صدر زوجها ضرباً متسائلة: لم عاد من الحرب حيّاً؟ في أخرى تتظاهر أمام الناس بأنها سعيدة بالتضحية التي تقوم بها وتطلب من زوجها أن يشاركها الظهور (فوق عربة صغيرة وبلباسه العسكري) لكي تحصد إعجاباً أعلى من الناس .

كل ذلك جيّد ويحمل في طيّاته مادّة إنسانية وسياسية مهمة خصوصاً حين معاينة احتمال أن يكون الجندي رمزاً لليابان في الزمن الإمبراطوري والزوجة رمز للشعب الذي عانى من نظام الإمبراطور هيروهيتو الذي انتهى حين استسلمت اليابان للقوات الأمريكية في صيف 1945 بعد إلقاء قنبلتين نوويّتين عليها . أمر يذكره الفيلم في النهاية مع مزيد من الوثائقيات .

لا يتوقّف الفيلم على ذكر الضحايا المدنيين، بل ينتهي بذكر عدد الضحايا اليابانيين وسواهم الذين سقطوا في الحرب العالمية الثانية (بالملايين طبعاً) لكن ما سبق كافياً لوضع الفيلم في خانة المعاداة للحرب، خصوصاً أن مفهوم البطولة هنا مطروح في أساسه: هل هي بطولة أن يقتل الجندي ويغتصب؟

 

علامات

إنتاجات السينما العربية

بات منتشراً القول أن إنتاج الدول العربية من الأفلام وصل إلى الحضيض، وعادياً القول إنه لا يوجد إلا حفنة من الأفلام المنتجة تستحق أن تُنتج . وهذا حقيقي بالنظر إلى الوضع من كل جوانبه علماً بأن كل هذه الجوانب باتت تفرز وضعاً سلبياً لا يحد من تقدّم السينما وحدها بل الثقافة والمجتمع والإبداع بشكل عام . وسواء أكانت الجوانب والأزمات إنتاجية، أول فنية، أو توزيعية أو لها علاقة بالانخفاض المعيب لعدد صالات السينما ومراكز انتشارها، والغياب الأكثر مدعاة للأسف للمؤسسات الرسمية التي يجب أن تدعم الصناعة السينمائية بأي شكل كان، فإن المسألة تتطلب تصدياً ومعالجة، وهو ما لا يبدو أنه في الأفق، في الوقت الراهن على الأقل .

الإنتاج العربي عموماً ضئيل في الدول المنتجة ولا زال منعدماً حتى في الدول التي جرت فيها محاولات سابقة . وبالمقارنة مع ما أنتجته دول أوروبية تقع شمالي البحر المتوسّط (من تركيا إلى إيطاليا وفرنسا وإسبانيا) فإن الفارق شاسع جداً . وفي حين أنه ليس من المطلوب (ولو كان من حقّنا أن نتمنّى) منافسة هذه الحركة التي تزداد نشاطاً في تلك الدول، يصبح لازماً مواكبتها على الأقل .

والواقع أن عدد الأفلام العربية في الدول المنتجة للسينما يقترب، في أفضل أحواله، إلى نحو 80 فيلماً في العام . مصر في المقدّمة بنحو خمسة وثلاثين فيلماً . المغرب وراءها بمتوسّط خمسة عشر إلى ثمانية عشر فيلماً ثم تونس ولبنان وفلسطين وسوريا والجزائر والإمارات بمتوسط فيلم إلى أربعة أفلام كل عام مع ملاحظة أن معظم هذه الأفلام تحمل صفة الإنتاج المشترك بين البلد العربي المعني وبلد أوروبي (فرنسا عادة) كما الحال مع الأفلام الفلسطينية المشتركة مع مموّلين أوروبيين (أو بتمويل جزئي أو كلّي من الكيان الصهيوني) كما حدث هذا العام مع فيلم إيليا سليمان “الزمن الباقي” وفيلم إسكندر قبطي “عجمي” .

باقي الدول المنتجة تنجز فيلماً واحداً كل سنة أو سنتين أو أكثر، وهي الكويت والبحرين وعُمان واليمن واثنان منها تنتج كل منهما فيلماً واحداً كل عقد أو عقدين أو أكثر، هما ليبيا والسودان .

الإنتاج كذلك قد يرتفع ويهبط حسب بورصة يمتزج فيها الاقتصاد بالجغرافيا والظروف الاجتماعية .

أيضاً ظهرت بوادر نشاط إنتاجي كثيف في السعودية فحققت ستّة أفلام روائية طويلة ما بين 2006 و،2008 ثم لم ترد أي أنباء عن إنتاجات أخرى وبالاستناد، نظرياً على الأقل، لمشاكل تمويلية تمر بها مؤسسة “روتانا” التي كانت انتجت أحد أوّل فيلمين روائيين طويلين في تاريخ المملكة وهو “كيف الحال”، وذلك سنة 2006 (الثاني الذي يشاطره الألوية هو “ظلال الصمت”) .

الى هذه الأفلام الثمانين (كحد وسط) يمكن أن يُضاف نحو عشرين فيلماً أوروبي التمويل بالكامل إنما من إخراج سينمائيين عرب . في العام الماضي مثلاً ظهر للجزائري رشيد بوشارب فيلمه الثاني بعد “أيام المجد” وهو “لندن ريفر”، وقام اللبناني ديغول عيد بتمويل فيلمه الوثائقي الطويل الأول “شو صار؟” من فرنسا، كما أنجز العراقي حيدر رشيد فيلمه الأول “المحنة” بتمويل بريطاني بالكامل .

معظم المهرجانات السينمائية العالمية المتعاملة مع الإنتاجات العربية تتعامل أيضاً، وفي ذات السياق، مع الإنتاجات غير العربية شرط أن يكون مخرجوها عرباً ما يرفع رقم الأفلام المنتجة عربياً إلى نحو مئة فيلم .

بالتمحيص، فإن ربع هذه الأفلام تستحق العروض في المهرجانات (أي مهرجانات) . بكلمات أخرى، نحو 25 فيلماً عربياً يتم تحقيقه على نحو نوعي يؤمّن صلاحيته للتوجه إلى المهرجانات العربية (او الغربية على حد سواء) ما يعني أن المهرجانات الأربعة عشر أو نحوها عليها أن تتقاسم هذه الأفلام وبعضها سوف “يقتتل” في سبيل الفوز بالعروض الأولى للأفضل من بينها .

م .ر

merci4404@earthlink.net

http://shadowsandphantoms.blogspot.com

الخليج الإماراتية في

12/09/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)