حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

أفلام خالدة [16 ]

التفاصيل الدقيقة لفضيحة «ووترغيت»

«كل رجال الرئيس» سقوط نيكسون وتألق السلطة الرابعة

عبدالستار ناجي

حرصت على اختيار الحديث عن فيلم «كل رجال الرئيس» (ALL THE PRESIDENT`S MEN) لأسباب محورية عدة، أولها ذلك الاحتفاء الرفيع المستوى بالصحافة، وهو أمر ساهم في ترسيخ دور السلطة الرابعة في التعبير عن قضايا الانسان، ومواجهة أعتى القضايا، حيث يسجل للصحافة الدور الأساسي في سقوط الرئيس الأميركي نيكسون، اثر عملية متابعة الاتصالات، وما سمي لاحقاً بفضيحة ووترغيت والذهاب إلى ذلك الفيلم، يكشف لنا الكثير من المعاني الكبيرة التي يمكن استنباطها من تلك التجربة السينمائية، والتي ترسخ قيم الديموقراطية الحقيقية في الولايات المتحدة الأميركية.

الفيلم يعتمد على نص روائي يحمل ذات العنوان «كل رجال الرئيس» ألفه ودد وارد، وهو صحافي في صحيفة «الواشنطن بوست» عمل على جمع أكبر قدر من المعلومات حول عملية (التنصت) وغيرها ما أحدث ضجة عالمية ساهمت في أكبر فضيحة في تاريخ الولايات المتحدة أسقطت الرئيس نيكسون.

وقبل الذهاب الى الفيلم وتفاصيله الدرامية الدقيقة، نذهب الى ذلك المبدع السينمائي الذي استطاع ان يحقق كماً متميزاً من الأعمال السينمائية، التي خلدت اسمه في ذاكرة الفن السابع، الا وهو (آلان جي باكولا) وهو من مواليد 1928 وتوفي في 19 نوفمبر 1998، بعد مشوار حافل بالانجازات كمخرج وكمنتج وككاتب، ومن أبرز أعماله (ملخص للقلق 1993) و(اختيار صوتي 1982) وأيضاً (كل رجال الرئيس 1976).

تبدأ أحداث الفيلم، مع انتخابات عام 1972، حيث كان مراسل صحفية الواشنطن بوست - بوب ودورد، مكلفاً بتغطية تلك الانتخابات، حيث سيطرة الحزب الديموقراطي مع مؤشرات صريحة للخلل.

وإذا كانت النجومية السياسية في الفيلم يقودها الرئيس نيكسون فان النجومية الصحافية في ذلك الفيلم ومن قبله الكتاب وأيضاً الأحداث الحقيقية، يقودها ثلاثي سيظل التاريخ يتذكره بكثير من الايجاب، وذلك الثلاثي يتكون من (برادلي - رئيس التحرير - ويجسده جايسون روباردز) و(وود - الصحافي وجسده روبرت ردفورد) و(برنستين - الصحافي وجسده دستين هوفهان).

خيوط الفيلم

تداعي أحداث الفيلم، تشير الى تلقف خيوط تشير الى عمليات غير مشروعة قام بها الحزب الديموقراطي، ضد عناصر من الحزب الجمهوري، لمعرفة تحركاتهم وتصريحاتهم وخططهم، وهو أمر محرم وممنوع، خصوصاً وقت الحملات الانتخابية.

ومع بداية الأحداث، يعتقد كل من (وود) و(برنستين) ، بان كل منهما لا يثق في الآخر، بل نلمس شعوراً صريحاً، بان كل منهما يعتقد بان زميله سيبيعه الى رئيس التحرير، بل ان وود كان يعتقد بان زميله برنستين سيبعه الى غرفة الأخبار في الجريدة، وبالتالي غرقه في وحل المواجهة مع البيت الأبيض والحزب الحاكم.

ولكن الاحتراف الصحافي، والثقة بالزميل، والقيادة الحكيمة لرئاسة التحرير، والتعاون المهني المشترك، أوصل ذلك الثنائي، الى حقيقة انهما يستطيعان التعاون وتبادل المعلومات، وان الثقة هي طريقهما الى تحقيق الفعل الصحافي الأكثر تميزاً.

وهنا تتغير المعادلات تماماً، فمن الحذر والترقب والخوف، الى الثقة والتعاون، لكشف خيوط تلك الفضيحة التي زلزلت الحزب الديموقراطي وأدت الى اعتراف الرئيس نيكسون بما فعل، وبالتالي سقوطه.

في المرحلة الأولى، كان ذلك الثنائي كل منهما يعمل بشكل منفرد، وفي المرحلة الثانية تطور الأداء الى التعاون الثنائي، وأيضاً مظلة رئيسة التحرير، ومقدرته على مواجهة التحديات والأوامر، للوصول الى الحقيقة، وعندها باتت الصحيفة ونعني (الواشنطن بوست) فريق عمل موحداً، كل منهم يساهم في تقديم المزيد من المعلومات وعبر قنوات عدة وعلاقات كل منهما يوصل إلى خيط ومعلومة جديدة تساهم في الكشف عن تلك المؤامرة التي تورط بها الرئيس نيكسون.

وهنا في هذا الجانب، الخاص بالتعاون، نلاحظ تحرك الجميع، بمن فيهم عاملة البدالة (السنترال) التي تقوم وبشكل تطوعي بتسجيل جميع المكالمات التي تصل الصحيفة، والتي يحمل عدد منها اعترافات واضحة وأيضاً تهديداً صريحاً ضد الثنائي وأيضاً ضد رئيس التحرير.

في البداية، كانت المعلومات تدور في الخفاء، وبعيداً عن النشر، وكان الجميع يحاول السيطرة على ذلك الثنائي وعدم نشر أي معلومة، ولكن عندما اكتملت المعلومات والوثائق عن الثنائي، وعند رئيس التحرير برادلي، جاءت أوامره بالنشر وتحمل جميع تبعيات ذلك القرار الذي كان كفيلاً بتدمير اسمه وتاريخه... ولربما تدمير اسم الواشنطن بوست أيضاً.

اعترافات نيكسون

ويتوالى نشر الاخبار والمعلومات والملفات التي راحت تتواصل وبشكل تصاعدي اعتبارا من عام 1972 ولغاية عام 1974 ومعه أعلن الرئيس نيكسون اعترافه بأنه يعلم بالامر، وانه تستر على الجريمة وأمر بزج مدير مكتبه وأعوانه في السجن في واحدة من أكبر القضايا التي لاتزال تتردد أصداؤها، والتي تؤكد الدور الحقيقي الذي يفترض ان تقوم به الصحافة في المواجهة والكشف عن الحقائق.

في الفيلم كم من العلاقات والحوارات التي تأخذ أبعادها في التطور، وأحيانا المواجهة مع المواقف الصعبة ويظل الثلاثي المحوري (برادلي - وود - وبيرنستين) يتجهون الى مواجهة قدرهم عبر التضامن والثقة والعمل المهني الحقيقي حيث لا يتنازل برادلي (رئيس التحرير) عن حمايته فريقه وعناصره، في حين يذهب الثنائي وود وبيرنشتين بعيدا في تطوير علاقتهما المشتركة نحو هدف محوري مؤمنين بأهمية البحث عن الحقيقة والتحرك بأطر ومنهجيات صحافية تحولت لاحقا الى دروس في عالم هذه المهنة.

وود وايرد وكارل بيرنستين الثنائي يمثلان الاجتهاد الصحافي الحقيقي واللذان ظلا محافظين على عدم البوح باسم من سرب لهم المعلومات الاولية، بل ان هذا الثنائي اتفق مع رئيس التحرير على عدم البوح بأي معلومة في شأن من سرب الاخبار الاولية، وتم الاتفاق على تسمية تلك الشخصية بلقب سري هو «الحنجرة العميقة» نظرا لصوته الاجش، وكان القرار بعدم التعريف بتلك الشخصية الا بعد وفاته.

وتشير احداث الفيلم الى معروفة الرئيس ريتشارد نيكسون الرئيس الـ 37 لاميركا ببعض الاوامر، بالتنصت على أعضاء الحزب الجمهوري، وتمضي أحداث الفيلم في الفترة من 17 يونيو 1972 مع اعادة انتخاب الرئيس نيكسون لرئاسة جديدة، لكن تسرب بعض المعلومات عن أوامر صدرت ابان الحملة الانتخابية بالتنصت على الحزب الجمهوري حصل عليها الثنائي في واشنطن بوست أدى الى ما يشبه الزلزال الذي أطاح بكل شيء.

ويشير الفيلم الى المعلومات التي تم تسريبها من خلال (الحنجرة العميقة)، وهو دبليو مارك فليت وهو الشخص الثاني في مكتب التحقيقات الفيدرالية يومها، لكن ظل اسم تلك الشخصية بعيدا عن دائرة الضوء، الا ان المعلومات التي قدمها تؤكد تورط مدير مكتب الرئيس وايضا علم الرئيس بالامر وتستره عليه ساهم في أكبر فضيحة في تاريخ أميركا.

لغة احترافية

في الفيلم، بالاضافة لتلك اللغة الاحترافية التي قدمها ألان جي باكولا في التعامل مع رسم المشهديات، خصوصا ان النسبة الاكبر من المشاهد نفذت في صحيفة «واشنطن بوست» حيث تم بناء صالة التحرير الرئيسة على النسق ذاته الذي عليه صالة التحرير في الصحيفة وتم المزج بين المشهديات التي صورت في الاستديو وايضا الصحيفة بشكل خلق حالة من التطابق وهكذا الامر بين عدد من المشاهد في البيت الابيض أو منتجع «ووتر غيت» حيث عرفت الفضيحة لاحقا بفضيحة «ووتر غيت».

بالاضافة الى ذلك، هناك الحضور الرائع لعدد بارز من نجوم هوليوود يتقدمهم النجم الكبير روبرت ردفورد (بدور وود وارد) وايضا دستين هوفمان بدور بيرنستين والممثل الكبير جيسون روباردز الذي جسد شخصية رئيس التحرير (بن برادلي)، هذا الثلاثي عاش مباراة حقيقية في التمثيل، خصوصا في المراحل الاولى حيث العلاقات المرتبكة والمشوشة التي كانت الثقة غائبة في المرحلة الاولى ثم النقلات الدرامية المتصاعدة التي شهدت تطور الاحداث وتصاعد ايقاعها الدرامي بشكل يدعو المشاهد الى حالة من اللهاث وراء الاحداث التي تجعل المشاهد منذ اللحظة الاولى «يتحزب» بشكل طبيعي لصالح الثنائي الصحافي التواصل حالة اللهاث سعيا وراء المعلومات والاخبار وايضا كشف الاسرار التي تطيح لاحقا بالرئيس الاميركي ريتشارد نيكسون.

«كل رجال الرئيس»، سينما من نوع آخر، سينما تحتفي بالصحافة وبدور السلطة الرابعة في كشف الحقائق وترسيخ قيمتها ومكانة الصحافي في بناء مفرداته الحقيقية.

«كل رجال الرئيس» متعة الفن السابع عبر نجوم كبار يعيشون الشخصيات عبر تقمص رفيع المستوى.

anaji_kuwait@hotmail.com

النهار الكويتية في

30/08/2010

 

موسم العودة إلى السينما النازية

الـ«بروباغندا» المضادة لا ترى الضحيّة

زياد عبد الله 

Jew Suss: Rise And Fall«اليهودي سوس، صعود وأفول» لأوسكار رويهلر، و«فيلم غير منته» ليائيل هيرسونسكي، عملان ينبشان في أرشيف ألمانيا الهتلريّة لتفكيك خطاب اللاساميّة. بين ماض لا شفاء منه، وزمن الإبادات الجماعيّة الراهنة التي لا يلتفت إليها أحد...

جناح السينما النازية في متحف السينما في برلين أشبه بمركز «غستابو». الإضاءة خافتة، والرمادي هو اللون المهيمن، بينما الأفلام والوثائق مودعة في جوارير ضخمة كأنها معلومات استخبارية. تفتح أحدها فيخرج عليك هتلر يلقي خطبة عصماء، بينما يروي لك آخر شغف الفوهرر بالسينما، وعشقه لميكي ماوس وغريتا غاربو. وتتوالى مشاهد ولقطات من أفلام تلك المرحلة على رأسها فيلم Jud Suss (اليهودي سوس ـــــ 1940) لفايت هارلان.

فيلم هارلان يعود اليوم إلى الشاشة الكبيرة عبر شريط Jew Suss: Rise and Fall لأوسكار رويهلر. الفيلم الذي عُرض في «مهرجان برلين» الأخير، يستعيد مصائر من صنعوا فيلم هارلان، وأوّلهم بطل ذاك الفيلم الممثل فرديناند ماريان (يؤدي دوره توبياس موريتي). يستعيد العمل حياته قبل أدائه دور البطولة وبعده، في فيلم سيكلّل بنجاح كبير بقرار وإيعاز من «الرايخ»، وسيوظَّف في تأجيج مشاعر العداء والكره لليهود في تلك المرحلة.

تُعدّ كلمة «بروباغندا» مفتاح فيلم رويهلر، هذه الصفة اللصيقة بكل إنتاجات السينما الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية. وفيلم لا تفارقه هذه الصفة النازية، إذ يعبّئ الشعب الألماني ضد اليهود من خلال شخصية جوزف سوس أوبنهايمر اليهودي الذي يختزل كل الأفعال الدنيئة، ويقدم نموذجاً يستدعي كره اليهود، إذ يُغرق دوق ورتمبيرغ في الديون ويثقل مواطنيها بالضرائب لاستعادة الفوائد المترتبة على الدوق، ما سيؤكد في النهاية أنّ «اليهود» لن ولم يكونوا يوماً مواطنين ألماناً، وأن حظرهم دخول ورتمبيرغ لم يكن إلا قراراً صائباً، ومن الطبيعي أن يقاد سوس إلى حبل المشنقة.

مشاهد كاملة من «اليهودي سوس» (1940) أعيد تصويرها ومعالجتها في «اليهودي سوس، صعود وأفول» (2010). في الفيلم الجديد، نرى جوزف غوبلز (موريز بليبترو) يلاحق فرديناند. غوبلز الذي يظهر كشخصية هزلية من شدة عصابيتها وتوتّرها، يريد أن يصنع فيلماً يضاهي فيلم السوفيات، ويقصد هنا فيلم «البارجة بوتمكين» لسيرغاي آيزنشتاين. يوافق فرديناند على تجسيد شخصية سوس، ونحن نتابع التغيرات والتطورات التي ترافق هذه الموافقة، بعد كثير من التردد الذي سيتحول إلى إحساس بصوابية موافقته حين يسطع نجمه، وينعم بالمجد الذي يهبط عليه موقتاً في «مهرجان البندقية».

ثم تتوالى الكوارث على الممثل فرديناند ماريان. تُختطف زوجته التي يُخفي أنّها يهودية، لكن غوبلز يكتشفه. وكذلك الأمر بالنسبة إلى جاره الممثل اليهودي أدولف دوتشر (هربرت ساس) الذي يكون لاجئاً لديه وزوجته، ثم نشهد هبوط فرديناند وهو يعاين وحشية النظام النازي، وتحول الفيلم إلى آلة دعائية كبرى تعرض في القطع العسكرية ومعسكرات الاعتقال النازية، لشحن العسكر بكل المبررات اللازمة لممارساتهم اللاساميّة. وهنا، يبدأ أفول نجم فرديناند، وانهياره مع انهيار النازية، وتنصّل كامل طاقم الفيلم منه. وفرديناند لا يجد إلا الكحول ملاذاً، لا ينجّيه من معرفة موت زوجته في معسكرات الاعتقال.

يبدو الفيلم مشغولاً بمصير فرديناند أكثر منه بـ«الهولوكست». وهذا النبش المتواصل في «البروباغندا» النازية ضد اليهود، يحضر في شريط وثائقي إسرائيلي عرض في «مهرجان ساندانس» الأميركي الأخير وحصل على جائزة أفضل مونتاج. الفيلم يحمل عنوان «فيلم غير منته»، يستعيد فيه المخرج يائيل هيرسونسكي فيلماً نازياً آخر هو «الغيتو» الذي صُوّر في أيار (مايو) 1942 عن غيتو وارسو، إذ عُثر على أجزاء منه بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية لا تتجاوز ثلاثين لقطة، وعثر في عام 1998 على جزء آخر من الفيلم من دون أن يكتمل إلى الآن.

بنبش متواصل في أرشيف لا ينتهي، يتجرّعه مشاهدو العالم إلى ما لا نهاية

أيضاً، يقدم هيرسونسكي هنا توثيقاً لـ«البروباغندا» التي حملها فيلم «الغيتو»، وملاحقة لحقيقة أخرى لم يصوّرها ذلك الفيلم، وهو يستعيد لقطات منه تترافق مع تعليق أحد المصوّرين الذي أسهموا في تصويره، وكيفية تكوين المشاهد التي تصوّر ما ينعم به اليهود من رفاهية وثراء، كأن نشاهد ثرياً يهودياً في طريقه لشراء اللحم غير عابئ بتوسّلات صبية فقراء وجوعهم متجمّعين أمام الملحمة... وبالتالي تسليط الضوء على الامتيازات الطبقية لهؤلاء، إضافة إلى شهادات خمسة ناجين عاصروا تلك المرحلة وكانوا يعيشون في غيتو وارسو.

فرديناند ماريان هو ضحية تحوّله إلى أداة في يد نظام وحشي، يستخدمه ثم يرميه، بينما يكون التركيز في «فيلم غير منته» على «البروباغندا» النازية والبحث عن الحقيقة. لكن كلا الفيلمين قادر في الوقت نفسه على وضعنا أمام مفارقة تاريخية تكمن في الانتقال من «بروباغندا» الجلاد، إلى «بروباغندا» الضحية، وحضور الأخيرة على يد الآلة الدعائية الصهيونية، بوصفها أداة ناجعة دوماً في مخاطبة عقدة الذنب الأوروبية.

هذا الاختزال لا يكاد يفارق الشاشة الكبيرة، وهو ينهمك في نبش متواصل في أرشيف لا ينتهي، يتجرّعه مشاهدو العالم إلى ما لا نهاية... كأنّ جرائم الحرب العالمية هي الستار الكثيف الذي يخفي كل الجرائم التي جاءت بعدها، والتي لا تزال مستمرّة بشراسة في القرن الحادي والعشرين...

الأخبار اللبنانية في

30/08/2010

 

سجناء رومية «الغاضبون»... من الخشبة إلى الشاشة

سناء الخوري 

دخلت زينة دكاش السجن الأكبر في لبنان، وأنجزت فيه عملاً مسرحياً أبطاله من السجناء. وخلال السنتين الماضيتين، تحوّلت هذه التجربة إلى مادّة إعلاميّة بامتياز. لقد فتحت الممثلة اللبنانيّة كوّة في الجدار، وسلّطت الضوء على واقع السجون اللبنانية غير الإنساني، بفضل «كاثارسيس»، جمعيتها المتخصصة في العلاج من خلال الدراما. في مبادرة هي الأولى من نوعها محلياً، خاضت محترفاً علاجياً شمل 45 سجيناً في سجن رومية، ونتجت منه مسرحيّة «12 لبناني غاضب». التجربة المسرحيّة كانت لافتة على أكثر من صعيد درامي وتربوي وإنساني... لكن هل كل ما سبق كافٍ لإنتاج شريط سينمائي؟
في «12 لبناني غاضب ـــــ الوثائقي» (78 دقيقة) تنقل دكاش التجربة من أسوار السجن إلى الفضاء العام. ابتداءً من 2 أيلول (المقبل) سيحتلّ السجناء كابو، وهاويلو، والنوري، والآخرون، الشاشة الكبيرة في صالة «متروبوليس أمبير صوفيل». ميزة الشريط أنّه يخرج هؤلاء من الزنزانة، ويعطيهم مساحةً لمرافعة في وجه منطق الجلاد والعدالة الملتبسة. في هذا السياق، يبدو الفيلم خلاصة توثيقيّة ضروريّة لتجربة زينة دكاش.

في هذا الوثائقي تنقل زينة دكاش التجربة إلى الفضاء العام

تطغى «الحدوتة» هنا على المضمون السينمائي. كأنّ «12 لبناني غاضب» لم يصبح فيلماً إلا مصادفة. يتخذ العمل نبرة شريط تسجيلي يتبنّى التسلسل الحدثي المستقيم. كاميرا جوسلين أبي جبرايل تسرق اللقطات سرقة: لا إضاءة، ولا عناصر مواتية لحسابات جماليّة. هكذا جاء المضمون البصري عابقاً بالاختناق والتلصّص والسوداويّة والضياع. نقل حرفيّ لأجواء السجن، لمن لا يعرفه من الداخل. أمّا المونتاج، فورشة استمرّت سبعة أشهر، تعاونت فيها المخرجة مع ميشال تيان على تقطيع 95 ساعة تصوير خام. التزمت خيارات المونتاج بالحبكة الهوليوودية: حياة السجناء قبل العلاج وبعده... وتنتهي المغامرة الوعرة بانتصار الأبطال، وبسيل من العناقات الحارّة.

تنحو أجواء الشريط إلى ما يشبه الأفلام الترويجيّة لحملات الأمم المتحدة الإنسانيّة. جرعة زائدة من الوجدانيات ستثير فضول كثيرين، وتحصد ربّما موجات تصفيق في الصالة. وهذا ما حصل بالفعل في «مهرجان دبي السينمائي 2009» حيث نال العمل جائزة «المهر الذهبي» لأفضل وثائقي، أو في «أيام سينما الواقع Dox Box» في سوريا حيث حصد جائزة الجمهور.

الأخبار اللبنانية في

30/08/2010

 

الرجاء ممّن يعرف عنه شيئاً... غودار مطلوب إلى حظيرة «الأوسكار»

يزن الأشقر 

أعلنت «الأكاديمية» الشهيرة نيّتها تكريم السينمائي الفرنسي السويسري... لكنّ «الأنكل جان» لم يدل بدلوه حتّى الآن. كل الاحتمالات واردة، فلننتظر «المفاجأة»!

لم يخيّب المعلّم جان ــــ لوك غودار (1930) أمل محبّيه. قبل أيام، أعلنت «أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة» التي تمنح جوائز الأوسكار، نيتها منح السينمائي الفرنسي السويسري جائزة أوسكار تكريمية عن مجمل أعماله، الى جانب السينمائيين فرانسيس فورد كوبولا وكيفين برونلو والممثل إلي والاش. لكن المشكلة كما كشفت صحيفة «هوليوود ريبورتر» أنّ اللجنة لم تتمكّن من الوصول إلى صاحب «بيارو المجنون» لتبليغه خبر التكريم الذي يقام في هوليوود في 13 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. ومنذ الثلاثاء الماضي، باءت كل محاولات الاتصال به بالفشل. وجميع التكهنات تشير إلى أن المعلّم يتجاهل جماعة «الأوسكار»!

ليس مفاجئاً أن تمنح هذه الجائزة الرفيعة لأحد أهم السينمائيين من هم على قيد الحياة. لكن السؤال يطرح معكوساً: هل يمكن أن يقبل أحد آباء الموجة الفرنسية الجديدة، الجائزة ببساطة؟ في مشهد من فيلم غودار «الاحتقار»، يقول المنتج الأميركي جيري بروكوش لمساعده قبل أن يكتب شيكاً على ظهره: «كلما أسمع كلمة ثقافة، أخرج دفتر شيكاتي»، فيعلّق السينمائي الألماني فريتز لانغ الذي يشارك في الفيلم: «منذ زمن فظيع وليس ببعيد، كان النازيون يخرجون مسدساً بدلاً من دفتر الشيكات».

غودار الشهير بعدائه لهوليوود، وما يمثله إنتاجها من تنميط وتجارية مفسدة، قال مرةً إنّه يعتبر جوائز الأوسكار «المرادف السينمائي لحوادث الطائرات». والمخرج العجوز تجاهل جوائز عدة منحت له قبلاً. في رسالة وجّهها عام 1995 إلى «دائرة نقاد نيويورك السينمائيين» التي قررت منحه جائزة تشريفية، ذكر الأسباب العديدة التي تمنعه من قبول الجائزة وتتعلّق جميعها بهوليوود. وانتقد ستيفن سبيلبيرغ، وصاحب «مايكروسوفت» بيل غيتس، وحتى دائرة النقاد نفسها! ونصح بإرسال الجائزة إلى سينما بليكر ستريت حيث عرض فيلمه «على آخر نفس» لأول مرة.

وكان قد أرسل برقية الى مسرح لندن السينمائي الوطني الذي أراد منحه جائزة، يخبر القائمين فيه أن «تعطوا نقود الجائزة إلى أفقر شخص ترونه في الشارع، وتحدثوه عن الصور والصوت لتتعلموا منه أفضل مما تتعلموا مني، لأن الفقراء هم فعلاً من يخترعون اللغة».

منذ إعلانه موت السينما بعد فيلمه «نهاية الأسبوع» (1967) وهو لا يزال يثير الجدل مع كل عمل. مثقف سينمائي يكتب مقالاته باستخدام الصورة بدلاً من الحبر، وسلسلته «تاريخ السينما» مثال على ذلك. حتى في آخر عمل له «فيلم: اشتراكية» الذي عرض في «مهرجان كان» الأخير، أثار الدهشة بأن وضع الفيلم كاملاً مسرّعاً بصورة كبيرة في العرض الدعائي له، منتقداً حقوق المؤلف التي تمثّل هوليوود وجهها الرئيسي.

هوليوود أخرجت دفتر شيكاتها، و«بيارو المجنون» مختفٍٍ عن الأنظار

طوال المشوار الذي بدأه قبل نصف قرن، تعاطى غودار مع السينما كفنّ وفكر، معلناً القطيعة مع النمط الهوليوودي، وابتعد في مادته الفيلمية عن البنية السردية التقليدية. إعجابه بسينمائيين أميركيين كنيكولاس راي وصموئيل فولر، لم يضعه على الخط الهوليوودي الرئيسي، و«على آخر نفس» (1960) الذي أطلقه إلى العالمية، كان يحتوي على بعض الإشارات إلى هوليوود، فإذا به يؤرّخ لثورة سينمائية كانت من أبرز علامات الموجة الفرنسية الجديدة.

طبعاً، ليس سهلاً فهم سينما غودار. وجه إليه العديد من الانتقادات سواء من مخرجين كبار أو حتى من جمهوره، بتهم تراوح بين كونه «يصنع أفلاماً للنقاد» وهاجس «ادعاء الثقافة». نراه أحياناً كعازف جاز ماهر، أو كأستاذ جامعي، لكن سينما غودار بمراحلها المختلفة وبنزعاتها الأيديولوجية، كما يريدها، كأي فنان أو فيلسوف، لا تلتزم بالخط المستقيم.

إلى الآن، ليس من الواضح ما الذي سيفعله غودار. معظم متابعيه يتوقعون تجنبه الجائزة كالمعتاد، وإرساله خطاباً يلقن به الأكاديمية درساً. لو فعل ستكون هذه الخطوة استمراراً لنهجه في اعتبار السينما شيئاً بين الفن والحياة، لا يجب أن تعامل كسلعة فقط.

الأخبار اللبنانية في

30/08/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)