حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

أحد المهرجانات التي توفر بديلاً لـكان

ترايبيكا” يلعب على أوتار الأمومة

محمد رُضا

بالنسبة لمهرجان نيويوركي انطلق في العام التالي لكارثة الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001 فإن اختيار الفيلم الوثائقي “رحلتي الى القاعدة” لأليكس جيبني لعرضه العالمي الأول، يبدو أمراً شبه محتوم . الى جانب جدّية الفيلم وموضوعه الباحث في جذور ما أدّى الى العملية الإرهابية المذكورة، هناك حقيقة أن مهرجان ترايبيكا الذي أطلقه الممثل روبرت دي نيرو قبل تسع سنوات لم يكن سوى محاولة لمنح مدينة نيويورك مهرجاناً كبيراً يؤكد هويّتها الثقافية ووقوفها، حسبما أعلنه الممثل والمنتج أكثر من مرّة، وراء الوجه الإبداعي في ميادين الثقافة والفن للمدينة .

الفيلم من ناحيته اقتباس عن مسرحية من بطولة رجل واحد قدمت سنة 2007 ثم وُضعت كتاباً بقلم مؤلّفها لورنس رايت لتسرد نتيجة بحثه ما يعتبره جذوراً للمأساة تمتد داخل وخارج الوضع السياسي الأمريكي وعلاقة أمريكا بباقي أنحاء العالم .

وهو واحد من 85 فيلما يعرضها المهرجان في دورته التاسعة تنتمي بدورها الى بانوراما عريضة من أحدث الإنتاجات الأمريكية والعالمية . كبداية، اختار المهرجان هذه السنة فيلم “شْرَك 4” كفيلم افتتاح، وهو “أنيماشن” يعد بأن يكون آخر ما لدى شركة إنتاجه (دريمووركس) من أفلام في هذه السلسلة . أما فيلم الختام فسيكون فيلما تسجيليا آخر بعنوان مركّب هو Freakonomics  وبإخراج مركّب أيضاً اذ حققه عدد من المخرجين الجدد .

وبين فيلمي البداية والنهاية وعلى مدي اثني عشر يوماً يواصل المهرجان عروضه ليل نهار حاوياً أعمالاً يراها تعبّر عن النزعة الفنية والثقافية بالدرجة الأولى . مهرجان ترايبيكا من خلال مراجعة اختياراته في السنوات الأخيرة، كما من خلال الوقوف على أعماله المدرجة في هذه الدورة التي بدأت منتصف الأسبوع الماضي، يتحوّل الى بديل مطروح أمام السينما الأمريكية والعالمية لمهرجان سيليه بعد أسبوعين تقريباً وهو “كان” . طبعاً، على الصعيد الإعلامي والشهرة العالمية فإن المهرجان الفرنسي لا يزال الأول حول العالم، لكن “ترايبيكا” هو واحد من تلك المهرجانات التي يمكن التوجّه إليها إذا ما كانت النية تحاشي المهرجانات الكبيرة حيث المساحة الفنية الممنوحة للفيلم الواحد ضئيلة .

فيلم الفرنسي جان-بيير جونيه الجديد وعنوانه “ميكماكس” معروض هنا ولن يعرض في “كان” ويرصد أحداثاً حول شخصيات مهمّشة تجد نفسها في صراع مع تجّار أسلحة قادرين على البطش بهم في أي وقت . الفيلم لا يخسر روحه الإنسانية رغم المعالجة الكوميدية التي يراها البعض مستوحاة من أفلام استاذ الكوميديا الصامتة بستر كيتون . وهو واحد من ستة أفلام فرنسية جديدة معروضة، بينما يصل عدد الأفلام البريطانية الواصلة الى هذه الضفّة من العالم سبعة إلى جانب أربعة من ايرلندا . أما عدد الدول المشتركة بالإجمال فيبلغ 38 دولة .

وبات مضجراً القول إنه لا توجد أفلام عربية لتنضم الى هذا الحفل، لكن هذا هو الواقع . اثنتا عشرة دولة عربية تنتج الآن أفلاماً، طويلة وقصيرة، على نحو سنوي، ليس لديها فيلم، لا قصير ولا طويل، يعرض لها في هذا المهرجان او سواه، بينما ترفع دولة كامنة في نظام متقشف اسمها فيتنام عدد أفلامها المرسلة الى المهرجانات لنرى أن لها في العامين الماضيين اشتراكات مختلفة في عدد من المهرجانات العالمية . أحد هذه الأفلام هو “صدام” الذي ينجزه مخرج اعتاد تحقيق أفلام كونغ فو فيتنامية اسمه لي تانه سَن وفيلمه الجديد هذا لا يعدو واحداً منها: قصّة أم عليها تنفيذ جرائم لحساب عصابة إذا ما أرادت لقاء ابنتها المخطوفة من جديد .

وعن أم أخرى نجد فيلماً إيرلندياً بعنوان “التقاط” تقود بطولته الممثلة أيزلنج أو سولفيان في دور أم تخفي سرّاً عن ابنها المراهق . وفي الفيلم الألماني “عندما نغادر” نجد أمّاً تركية تفر من معاملة زوجها مع ابنها ذي الخمس سنوات الى ألمانيا حيث تحاول شق حياتها من جديد، لكن امرأة مسلمة تعيش وحيدة وهذا ما يجلب عليها متاعب كما على عائلتها التي كانت أكثر اتحاداً قبل أن تقدم على هذه الخطوة .

وهناك حكاية أم أخرى في “العريشة” حول حياة الكاتبة المسرحية أندريا دنبار التي توفيّت سنة 1990 بعدما خاضت حياة صعبة مع ابنتها المراهقة .

وثمة حكاية عائلية حقيقية أخرى في “آل وودمان” عن حياة المصوّرة الفوتوغرافية فرنشيسكا وودمان التي أقدمت على الانتحار سنة 1981 بينما كانت لا تزال في الثانية والعشرين من العمر .

وهناك فيلمان على الأقل يحملان نفساً شعرياً ملحوظاً . أوّلهما بعنوان “المرج الأصفر” وهو إيراني من المخرج محمد رسولوف حول رجل غامض يمضي حياته منتقلاً من موقع الى آخر ليستمع الى آهات الناس وشكاواها . الفيلم الثاني، أمريكي بعنوان “وليام فنسنت” تقع أحداثه في نيويورك ويتناول قصّة نشّال ماهر يوزّع المخدّرات لحساب تاجر ليجمع ما يكفيه من مال لإسعاد صديقته . الفيلم بلا حبكة من مخرج ينوي استبدال البنيان السردي المعتاد بصور وملامح تجمع بين النص الأدبي والشعري من دون قصّة حقيقية .

 

4 مخرجين سفراء السينما الفلسطينية

حين طلبت محطة “الجزيرة” قبل أكثر من عام من المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي إنجاز فيلم من اختياره يدور حول موضوع الأولاد بصورة عامّة، اختار النزول الى الشوارع البغدادية وتصوير فيلم أسماه ب “أجنحة صغيرة” يرصد فيه حياة عدد من الأولاد الذين يعيشون ظروفاً مريرة في بحثهم عن حياة أفضل قد لا يحققونها . وهو اختار هذا الجانب من الموضوع لبضعة أسباب من بينها، وكما قال بنفسه، وجود تقارب بين أطفال بغداد وأطفال غزّة في الواقع والمصير .

والاختيار يبدو، للناقد، مرتبطاً بأسلوب المخرج الفلسطيني الذي أنجز حتى الآن أكثر من عشرة أفلام تتابعت على مسار واحد حثيث . إنه أسلوب واقعي على الطريقة الإيطالية من دون أن يمشي بالضرورة على وقعها . همّه في أفلامه، من “حتى إشعار آخر” (1994) و”حيفا” (1996) ووصولاً الى فيلمه الروائي الطويل الأخير الى الآن “عيد ميلاد ليلى” معايشة شخصياته في حس تتابعي سليم غير مستعجل يلتقط فيه واقع كل يوم . هذا معكوس بجدارة في فيلمه القصير المذكور الذي كان واحداً من بضعة أفلام أنجزتها المحطّة من إخراج سينمائيين مشهود لهم من بينهم أيضاً الفلسطيني ايزادور مسلّم والمصري أسامة فوزي والتونسي نوري بوزيد والسوري محمد ملص .

رشيد مشهراوي يشكّل، لجانب ثلاثة مخرجين فلسطينيين آخرين، رباعياً هو الأكثر شهرة بين المتواجدين من السينمائيين الفلسطينيين في ساحة الفيلم الروائي . هناك هاني أبو أسعد وميشيل خليفي وايليا سليمان . والمثير للملاحظة ليس أن لكل طريقته في التعبير، فهذا بدهي، إنما أسلوبه البصري المختلف . أقرب هذه الأساليب لما تقدّم هو ذاك الذي مارسه هاني أبو أسعد في فيلميه “عرس رنا” و”الجنة الآن”: إنه أيضاً أسلوب واقعي، لكنه لا ينشد الغوص في مفردات هذه الواقعية، بل يسعى لتأليف فيلم بمفردات كلاسيكية غير محلّية يعمد فيه الى التأكيد على دوري الكتابة والمونتاج تاركاً للكاميرا الالتزام بالمكان من دون أن تستدعي المقارنات الواقعية بالضرورة، بالنسبة لميشيل خليفي، فإن أفلامه شهدت اختلافاً بين بداياتها وما بعد .

ففي 1980 حينما أنجز أول أفلامه “الأرض الخصبة” عمد الى الأسلوب التسجيلي لينقل حياة الفلسطينيين الواقعية قبل أن تغيب عن الذاكرة بدورها . هذا الأسلوب كرره في فيلم “عرس في الجليل” ولو أن الفيلم في واقعه روائي . وفي أعماله اللاحقة، أخذ يميل الى السينما الأوروبية وطرق تعابيرها اللغوية . فيلمه الأخير “زنديق” هو أكثر أفلامه تحرراً من سطوة الفيلم الوثائقي ودخولاً في صرح سينما الموجة الفرنسية الجديدة مستخدماً في ذلك قواعد سينما المؤلّف وبصريات العمل الباحث عن الذات في ذات الشخص الذي يقود الأحداث .

المخرج إيليا سليمان انطلق أيضاً من السينما التسجيلية عبر فيلم بعنوان “مدخل لنهاية حوار” سنة 1990 (بعد عشر سنوات من بداية ميشيل خليفي) . وحين انتقل الى العمل الروائي سنة ،1996 بعد فيلم وثائقي آخر هو “حرب الخليج . . . ماذا بعد؟” حافظ على العين الراصدة التي تشكّل عماد السينما التسجيلية، لكنه أضاف إليها عامل القصّة والشخصيات التي تمثّل ما تحكيه . الفيلم كان “مفكرة الاختفاء” . مرّة أخرى ترك المسافة بينه وبين الحدث الماثل بعيدة كون الكاميرا مراقباً . هذا الخط حافظ عليه في فيلميه المعروفين

“يد إلهية” سنة 2002 و”الزمن المتبقّي” في العام الماضي .

إنه ليس أسلوباً واقعياً ولا ينضوي تحت شروط السينما التسجيلية رغم قربه، لكنه ينتمي الى الرؤية الذاتية بصورة بالغة النقاء، وخلال هذه الرؤية يبث طاقته الساخرة على غرار يذكّر بسينما الفرنسي جاك تاتي أكثر من سواه .

إنه تنوّع ثري لأربعة مخرجين لديهم أكثر من مجرد الحديث عما يحدث للوطن الفلسطيني من معاناة على كل صعيد . وهذا الثراء يمتد ليشمل، ربما في بحث آخر، المواضيع المختلفة التي من خلالها يتناول كل منهم الحال الشامل للوطن بنظرة تتوخّى أبعد من مجرّد النقد . تتوخّى الطريقة المثلى لتفعيله وتقريبه والإسهام بقيام الدولة الفلسطينية المستقلّة فعلاً .

 

علامات

أحلام المدينة

هو الفيلم الأول للمخرج السوري محمد ملص والذي شهد عرضه العالمي الأول في إطار مهرجان “كان” السينمائي الدولي سنة 1984 وشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان “فالنيسيا” حيث خرج بالجائزة الأولى، كما انتزع الجائزة الأولى في مهرجاني “قرطاج” و”دمشق” . على الرغم من ذلك، فإن الفيلم لم ينجز رواجاً عالمياً ويقبع الآن مجهولاً إلا من قبل المجتمع السينمائي العربي حيث أنجز الفيلم نجاحاً كبيراً بين النقاد أيضاً .

الفيلم هو دراما تقع أحداثها في دمشق سنة 1953: تصل حافلة ركاب من إحدى القرى وعلى متنها الصبي ديب وأمه وشقيقه الأصغر . يرفض جده استقبالهم ثم يرضخ بعدما تدخل بعض الجيران لديه، لكن معاملته القاسية تستمر بعد أن أعطى ابنته غرفة صغيرة لها ولولديها . الشقيق الأصغر يذهب لمدرسة أيتام، وديب يعمل عند الكواء، وهناك وعلى مر الأيام وصولاً إلى العام ،1958 يتعرف إلى أبناء الشارع والتيارات السياسية المتباينة ومواقف هؤلاء منها . الأم تصدق كلام إحداهن عن عريس ثري لتكتشف أن الزواج المعقود كان للمتعة . الصبي يبحث عن الزوج المخادع لكي يقتله، وينتهي الفيلم به وسط أفراح الوحدة بين مصر وسوريا في إيحاء بنضجه على الصعيدين الشخصي والاجتماعي .

في حديث قيم أجراه الناقد السوري حسن م . يوسف مع المخرج محمد ملص ونشر في “الحياة السينمائية” في عدد خريف 1983 ذكر المخرج عدة مفارقات وقعت خلال التصوير من أهمها بكاء أمّه حين جاءت لحضور التصوير . لم تبك حزناً على الماضي، بل ألماً منه فأبوها كان أقسى من الشخصية المرتسمة على الشاشة وعانت أكثر مما ترجمته الممثلة ياسمين خلاّط التي لعبت دورها .

يتبع الفيلم ما يتفاعل في رأس بطله من دون اللجوء إلى التعليق التقيدي لرجل يتذكر تلك الفترة، كذلك من دون اللجوء إلى أسلوب تقريري منهجي يخلع عن الفيلم نضرته وحيويته ويمده بجفاف التاريخ المقروء . على الرغم من ذلك، فإن منهجية عمل المخرج لا تخلو من المنحى التسجيلي وإن ليس بالصفة التقريرية الواردة أعلاه . تلك المشاهد الصامتة للحي، وتلك اللفتات، والأجواء، والمعايشات كلها تنم عن علاقة ملص بالسينما التسجيلية وقد أذابها بما يخدم هذا الفيلم الروائي مائة بالمائة . بعض مشاهده الأخرى  مثل ذلك الذي نرى فيه ياسمين خلاط تنظر خلفها وكأنما سمعت صوتاً يناديها  يذكرنا بشيء من السينما السوفييتية التي درسها محمد ملص في معهد السينما في موسكو . نجاح كل هذه الالتفاتات يصنع المعايشة التي تولد ذكريات حنونة متدفقة، وتدفع المتفرج لإدراك المتغيرات الكثيرة التي طرأت على الساحة السياسية العربية والهزائم التي تعرض لها من بعد فترة غنية بالمواقف الوطنية مثل تأميم القناة، ورد العدوان الثلاثي وقيام الوحدة . بذلك يكون الفيلم استطاع بسهولة وعمق إبلاغ رسالته السياسية التي تجعله أحد أفضل الأفلام العربية في التاريخ من دون أن يكون بذاته سياسياً مباشراً .

م .ر

merci4404@earthlink.net

http://shadowsandphantoms.blogspot.com

الخليج الإماراتية في

25/04/2010

 

صالة لواحد

نهاية السينما العربية..

 محمد رضا  

 1- أي من هذه السيناريوهات هو الأقرب الى التطبيق؟

السيناريو الأول: السينما المصرية ستواصل محاولاتها لتقليد الأفلام الأميركية من دون أن تحقق أهدافها.

العديد من أفلام اليوم المنتجة في إطار السينما المصرية، من كوميديات وبوليسيات وأفلام أكشن ورعب، تحاول الانتماء إلى نظام سينما النوع الهوليوودية على أساس أن نجاحها في العالم العربي مبرر كاف لصنع أفلام عربية تشبهها. وبعض هذه الأفلام ("مجنون أميرة" أو"شبه منحرف" أو""طبّاخ الريس") له مراجعه في الأفلام الأميركية، إن لم يكن نقل المسطرة فبالإيحاء تأكيداً. المشكلة هي أن الجمهور دائماً ما يفضّل الأصل على النسخة "الكربون" والإقبال على "صدام العمالقة" أو "أ?اتار" أو "المومياء" سيبقى أقوى وأكثر إقناعاً ليس في مصر فقط بل في الأسواق العربية التي ما عاد الإقبال على الفيلم المصري يشكل نسبة مرتفعة. فإذا أضفنا إلى ذلك نجاح سينما الأبعاد الثلاثة التي ليست لدى أي سينما عربية القدرة على تطبيقها، فإن البعد التجاري للسينما المصرية يبدو محدوداً أكثر مما هو عليه الآن.

السيناريو الثاني: ظاهرة السينما الخليجية  ستنحصر بسبب صعوبات استمرارها..

على نحو علمي وحسابي وبالتالي منطقي بعيد، كما في السيناريو الأول، عن أي عاطفة في أي اتجاه، فإن الأفلام التي تنتجها دول الخليج العربي، بجهود ذاتية وخاصّة ومستقلّة، ستجد نفسها بلا مَعين تجاري يمكن ضمان استمراريّتها. الأفلام الكويتية والإماراتية والسعودية واليمنية والبحرينية التي تم إنتاجها وعرضت على شاشات المهرجانات وأحياناً في بعض الصالات السينمائية على نحو محدود  لم تنجز نجاحات تجارية وذلك لغياب السوق الذي هو الداعم الرئيسي لأي سينما في أي مكان. هذا ينطبق على عدد من الأفلام، بصرف النظر عن مستوى جودتها مثل "الدونجوانة" للكويتي فيصل شمس و"الدائرة" للإماراتي نواف الجناحي والفيلم السعودي "القرية المنسية" لعبد الله أبو طالب والبحريني "أربع بنات" لحسين عباس الحليبي والعديد سواها..

أيضاً في هذا السيناريو يكمن مصير بضعة أفلام حاولت التغلب على محدودية السوق المحلّي بتكوين مواضيع مصاغة بمعالجات غربية، كما الحال في "دار الحي" للإماراتي علي  مصطفى، فهي لن تقوى على النجاح في الأسواق العالمية كبديل، ولا هي تتمتّع بسوق محلّية تجعلها قادرة على الاستغناء عن تلك الأسواق، خصوصاً حين ترتفع ميزانيّاتها

السيناريو الثالث: السينمات العربية تواصل الزحف غرباً، لكن الغرب سيتوقّف

ستستمر محاولات المخرجين العرب الذين كوّنوا علاقة في السنوات العشر الأخيرة للاستحواذ على تمويل من مؤسسات أوروبية، بلجيكية وفرنسية وهولندية وألمانية وبريطانية في الأساس، وبعض هذه المحاولات ستنجح بلا ريب، خصوصاً إذا ما كان لديها ما تقوله في الوضع الفلسطيني أو في وضع سياسي آخر، لكن على نطاق واسع، فإن كل شيء كان رهينة بالنجاح الجماهيري الغربي وهذا انحسر بالتدريج عن معظم الإنتاجات اللبنانية والمصرية والفلسطينية والتونسية والمغربية والجزائرية التي سعت للارتباط بالممول الأجنبي ما يجعل احتمال استمرار هذا الدعم على نحو غير محسوب أمراً غير متوقّع.

إنها ثلاث سيناريوهات رئيسية بلا مجاملات  وهناك أخرى من نفس النوع وكلّها ترسم صورة داكنة للمستقبل القريب وتشير في النهاية إلى وضع مفقود في الأساس ما يجعل هذه السيناريوهات قابلة للتطبيق وبل أن بعضها مطبّق بالفعل: هذا الوضع المفقود هو: غياب كلّي لخطّة سينمائية عربية على صعيد قومي كما على صعيد وطني منفصل. خطّة تأخذ في عين الاعتبار توفير شروط الاستمرار التي من بينها: خلق السوق الواحدة، وحماية العمل السينمائي مهنياً وتحريره رقابياً والعودة إلى زمن كانت السينما فيه السبيل الصحيح لتطوّر الفكر العربي السليم

  2 - الصراع الغريب والموحش في سينما الرعب

في الأعوام الثلاث الأخيرة تسيّدت سينما الفانتازيا المجبولة بالمطاردات والمعارك الخيالية والشخصيات الخرافية فوق الأرض وخارج مجالها إيرادات السينما وتراجع مكانة سينما الرعب في الفترة ذاتها إلى الصف الثاني مع أنواع قليلة أخرى من الأفلام مثل أفلام التشويق البوليسي والكوميديا، على الرغم من تلك السيادة لازالت سينما الرعب نشطة وتشكّل نسبة كبيرة من مجموع الأفلام التي يتم تمويلها في هوليوود أساساً، وفي غيرها ولو بنسبة أقل.

العام الماضي، على سبيل المثال، شهد نحو خمسين فيلما من هذا النوع، عدد كبير منها توجّه مباشرة إلى سوق الدي ?ي دي لكن العديد منها شوهد على الشاشات العريضة تمارس لعبتها المفضّلة وهي تخويف المشاهد وتحويله إلى شاهد لعنف يمارسه  بشر أو وحش على آدميين أبرياء. من أبرز ما شوهد من أفلام في هذا النطاق  "باكجوي" للكوري تشان ووك بارك، و"نشاط غرائبي" للأميركي أورن بَلي، و"الميتم" للأسباني خوام كوليت- سيرا، كما "زومبي لاند" للأميركي روبن فلايشر الذي يمزج قدراً من الكوميديا في قصّة آكلي لحوم بشر، و"بقاء الموتى" لسيد هذا الفصيل من أفلام الرعب (فصيل الأحياء- الموتى الذين يتعاطون أكل البشر في المستقبل القريب) جورج أ. روميرو

إحدى النظريات السائدة التي يتعامل معها بعض الذين يقدّرون قيمة الربط بين سينما الرعب العنيفة وبين التاريخ الاجتماعي للبلد المنشأ هو الشعور بالذنب من قِبل صانعي هذه السينما، كتّابا ومخرجين، على ما فعلوه في مجتمعات سبقتهم. البعض يقول إن الشعور الدفين بالذنب حيال ما فعله الإنسان الأبيض بحق الهنود الحمر، مواطني القارة الأميركية الأصليين، هو المحرّك الدفين لهذا النوع. البعض يرجعه إلى دور الرجل الأبيض في كل حرب خاضها ضد الشعوب الأخرى، وسمعت من ربطها بالحرب الصليبية على بلاد الشرق العربي وما ارتكبه فيها من فظائع.

لكن ذلك ليس دلالة مؤكّدة بل استنتاج ينتمي إلى موقف سياسي أحياناً والى تخمينات ترجّح هذا الطرح قبل أن تنتقل إلى غيره في أحيان أخرى. بناء على ذلك، إذا ما كان على المرء البحث عن عنصر غائب وخفي في انتشار سينما الرعب والنبش في العقل الباطني لما يقف وراء الرغبة في التخويف قد يجد أنه هناك، في العمق البعيد، مصادر قد تتضمّن موقف الإنسان من الإنسان الآخر ومجابهته له على أساس من الرغبة في الاستحواذ عليه و"احتلاله" لمجرد أنه غريب عن المجموعة التي ينتمي إليها هذا الإنسان المستحوذ. هذه الممارسة في واقعها لم تكن تريد تخويف المستمع أو القارئ أو المشاهد (حسب وسيط البث المستخدم) بالدرجة الأولى، والغالب أن هذا التخويف لم يكن مطروحاً كما هو اليوم كوسيلة استهلاكية، بل كانت وصفاً لعالم هو بذاته مخيف وعنيف. بكلمات أخرى، قبل أن تنتقل السينما من تقديم عالم من المخلوقات والوحوش الآدمية أو غير الآدمية بهدف الإثارة، كانت تعاملت مع مفهوم أنها تنقل للمشاهد عالماً هو القائم على العنف. طبعاً لم يكن مقبولاً تقديمه في أشكال غير مخيفة، لكن هذه الأشكال كان عليها أن تحافظ على المصدر في الوقت ذاته بحيث أن ما تنقله هو مصدر الرعب وليس ما تصنعه في ذلك المصدر من محاولات تخويف مباشرة

مقارعة....

في أفلام اليوم مثلاً، لنقل مثل فيلم  "جرّني إلى الجحيم" لسام ريمي، الذي خرج في أحد الأشهر الأخيرة من العام الماضي، يريد المخرج استخدام الصورة والحركة التي فيها وتصميمها لإحداث مفاجأة مخيفة، لكن إذا ما فحصنا فيلم "نوسفيراتو" المصنوع سنة 1922 بعيني المخرج الألماني ف. مورناو، فإن اللقطة، كل لقطة في كل الفيلم، هي التي تبث هذا الشعور بالخوف على نحو تلقائي في صياغة واحدة متجانسة. المشهد الذي تتوقّف فيه العربة على منتصف طريق جبلي لتلفظ بطل الفيلم لأن سائق العربة لا يجرؤ على مواصلة الرحلة خوفاً من النتائج، هو مخيف لاحتمالاته ولأجوائه، بقدر مشهد انبعاث دراكولا (او نوسفيراتو كما سمّاه الفيلم) من قبره داخل السفينة وصيده قبطانها وملاّحيها

الرعب  في واقعه لا يعود إلى السينما الصامتة ولا حتى للتجارب الأولى التي صاحبتها في ثمانينيات القرن التاسع عشر، بل يمكن سبر غورها بعيداً لما قبل الميلاد. إلى "ملحمة غيلغامش" قبل نحو ألفي سنة قبل الميلاد حيث ينبري الإنسان لمقارعة وحوش من عوالم بعيدة، وهي تطل برأسها في أعمال هوميروس ودانتي ولاحقاً أعمال الأديب والشاعر البريطاني كريستوفر مارلو. والخيط الواحد المتواصل من تلك الحقب البعيدة الأولى والى اليوم، هو فقدان ثقة الإنسان بنفسه  وعالمه وحتى روحانيّاته ما يتيح الفرصة لنشوب الصراع بينه وبين كل ما عداه وهو صراع قد ينطلق من مفهوم أن الإنسان الواحد يحتوي في ذاته على  الخير والشر معاً. وهذا العامل يبرز إلى العلن في الكلاسيكيات الأربعة الأشهر: "فرانكنشتاين"  و"دراكولا" والرجل-الذئب"  و"دكتور جايكل ومستر هايد"، وهذان الأخيران يتعاملان مع صراع الإنسان مع ذاته كونه مسرحاً لمعركة الخير والشر في الذات الواحدة.

أفضل أفلام الرعب في التاريخ، "نوسفيراتو" لمورناو و"سايكو" لألفرد هيتشكوك و"كينغ كونغ" لمريان كوبر وإرنست شودساك و"عروس فرنكنشتاين" لجيمس وال و"?امباير" لكارل تيودور دراير و"البريق" لستانلي كوبريك تتعامل وهذه الصراعات حتى ولو وجدت صورة فيزيائية لما هو ميتافيزيائي. صورة تجسّد العدو في صورة وحش أو روح أو ظاهرة أو حتى في صورة إنسان آخر.

الجزيرة الوثائقية في

25/04/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)