حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان سندانس: عيد للسينما المستقلّة

بعيداً عن هوليوود وقريباً منها..

محمد رضا

شهدت السنوات العشر الأخيرة حركة في اتجاهين في ميداني السينما الروائية المستقلّة والسينما الوثائقية. في السنوات التالية مباشرة لكارثة 11/9 أخذت سوق السينما الروائية المستقلّة، تلك التي من بين عمادها الأوائل جون سايلس، جيم يارموش، ديفيد لينش، نيل لابوت وألكسندر باين، تنتقل من وضعها المنتشر والنشط إلى وضع مستقر ثم متراجع. في الوقت ذاته، وتبعاً لما نتج عن الكارثة المذكورة والتطوّرات العسكرية التي تبعتها من العراق إلى أفغانستان، وفي صميم الجبهة الداخلية ذاتها، نشطت الأفلام الوثائقية  وتمتّعت بنتائج تجارية لم تحظ بها من قبل في العامين الأخيرين على أي حال، طرأ تغيّر جديد.

السينما الروائية المستقلّة لا تزال في وضع غير مستقر  لكن السينما التسجيلية أو الوثائقية بدأت بدورها بالتراجع عن الدرجة التي احتلّتها في السابق. مهرجان سندانس للسينما المستقلة، في غضون كل هذه الحركة المتباينة استطاع الحفاظ على موقعه كشاشة للمخرجين الذين يعملون، بقرارهم، خارج المحفل الهوليوودي ولو أن بعضهم سيكون سعيداً بالانتقال إليه في أوّل فرصة سانحة. علماً، بأن معظم من انتقل إليه في السابق متنازل عن هويّته المستقلّة لم يحقق ما حققه المخرجون المنتمون أساساً إلى التوليفة الهوليوودية وبعضهم انسحب من النشاط تماماً، بينما أولئك الذين حافظوا على مواقعهم التي أنتجت سينماتهم وقدّمتهم إلى الجمهور الباحث عن الأعمال الفنية المختلفة والجادة، مثل أولئك الذين ورد ذكرهم أعلاه.

 فقد حافظوا على مواقعهم كسينمائيين مستقلين أصحاب أفكار ورؤى وقضايا مهرجان ساندانس المنعقد حالياً في دورته العشرين تحت رئاسة واحد من أقطاب السينما غير المستقلة في أميركا وهو الممثل والمخرج روبرت ردفورد، لا يفرّق بين السينما الروائية والسينما الوثائقية على مبدأ الاستقلالية. نعم، كما يفعل هذا المقال، يضع كلمة "مستقلة" لجانب الأفلام الروائية، لكنه لا يضعها بجانب كلمتي "السينما الوثائقية" والسبب بسيط: ليست هناك سينما وثائقية مستقلة لأن هوليوود لا تنتج إلا القليل جدّاً من الأفلام الوثائقية، بالتالي لا ضرورة للفصل بينها وبين تلك التي يعمد إليها المخرجون التسجيليون على أن العلاقة بين ما تنتجه هوليوود وبين ما تنتجه السينمات الخارجة عن ستديوهاتها في باقي المدن الأميركية أكثر ترابطاً مما قد يُفهم مما سبق.

صحيح أن مهرجان سندانس اكتشف العديد من السينمائيين الشبّان الذين أنجزوا أفلامهم بجهودهم الخاصّة (بعضهم استدان ببطاقاته المصرفية كي يموّل مشاريعه) لكنه في السنوات الثمانية الماضية أخفق في الحفاظ على بعض شروطه وملامحه وإخفاقه هذا نتج عنه انزلاقه تحت قبضة الاستوديوهات الأميركية وأساليبها الاجتماعية والإعلامية لولا تداركه الأمر في العامين الماضي والعام الحال.

في العام 2003 ازداد التواجد الهوليوودي في المهرجان الذي سعى للاستقلال عنها. ظهرت سمة الحفلات الليلية الباهظة وسادت المؤتمرات الصحافية التي سعت هوليوود لتأمين جيشها من النجوم لحضورها، وبدا الأمر -بالنسبة لهذا الناقد الذي حضره أكثر من مرّة- كما لو أن المهرجان سيتحوّل إلى ظاهرة هوليوودية جديدة0

وحسب آراء عديدين في الوسط النقدي في أميركا، هذا ما كاد أن يحدث بالفعل لولا تدخّل رئيسه روبرت ردفورد ووضع حد لذلك.

هذا لا يعني مطلقاً أنه اليوم خال من الحضور الهوليوودي. كل الشركات الكبيرة لديها ممثلين يبحثون عن الأفلام المستقلة التي يمكن شراؤها وطرحها في الأسواق. وهذا بدأ حثيثاً منذ أن أسست ستديوهات هوليوود الكبيرة شركات لتمويل وتوزيع الأفلام المستقلّة أو اشترت بعض تلك الشركات المؤسسة  وأدارتها.  ومن هنا تفسير الاهتمام بإرسال النجوم وإقامة المؤتمرات وتمويل الحفلات الكبيرة. لكن الفارق اليوم هو أن هذا الوجود انحسر إلى المستوى الذي كان لابد أن يتوقّف عنده وهو مستوى الصفقات المالية بين أصحاب المشاريع المشتركة في المهرجان وبين الشركات المنتدبة من قبل المؤسسات الكبيرة

إنه من المثير تصوّر سينما وثائقية وروائية مستقلة من لحظة انتقالها من الورق إلى التصوير ومن بعد ذلك طوال الطريق إلى الشاشة. هذا، في أحد جوانبه، هو الاستقلال الفعلي عن هوليوود، لكن النجاح الذي حققته تلك السينما قبل وبعد الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر كان من الأهمية بحيث رأت فوكس وصوني وباراماونت وورنر ويونيفرسال أنها تريد جزءاً منه. هذه كعكة كبيرة لا يجب أن تُترك للمنتجين والموزّعين الصغار وحدهم

نتيجة ذلك أن العديد من المخرجين السينمائيين يدرك أن العلاقة بينهم كفئة مستقلّة وبين هوليوود هي علاقة مهنية في اتجاهين مفيدين: هم يستفيدون من شراء هوليوود لإنتاجهم وهي تستفيد من أفلامهم.

وهذا يمكن قبوله من دون تردد لولا أن ما الخطوة التالية بالنسبة لعدد غير قليل من السينمائيين المستقلّين هو تحقيق أفلام من شأنها أن تجذب هوليوود إليها في اللحظة التي يبدأ فيها تفكير السينمائي المستقل بالتوجّه إلى هذا الاحتمال، يبدأ بسلسلة تنازلات فنية تمتد عرضاً وطولاً وتحتوي على تعديل صياغات وتطوير معالجات وتخل عن أساليب ما ينتج عنه فيلماً هوليوودي النسق إنما بتكلفة محدودة

هذا يمكن أن يحدث للسينما الروائية (وقد حدث فعلاً ولكن ليس على نحو طاغ) ولا يمكن أن يحدث للسينما الوثائقية. ليس لأنها أصدق، بل لأنها تعمل بعناصر مختلفة عن تلك التي يعمل الفيلم الروائي بمقتضاها0

وهذا العام كانت هناك بضعة أفلام جديرة بالاهتمام داخل وخارج مسابقة الفيلم الوثائقي  والعديد منها ما زال ينتمي إلى شعور ما بعد الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر ومفاده أن على السينمائي الوثائقي التعاطي مع العالم المحيط به والتعرّف (كما التعريف به) أكثر مما سبق.

في هذا الهامش العريض من الاهتمامات نجد عدّة أفلام يغلب عليها طابع السعي لرصد الآخر أو التعرّف عليه في الحد الأدنى. من هذه الأفلام "بوتو" عن رئيسة الوزراء الباكستانية السابقة بنازير وقصّتها قبل وخلال ثم بعد رئاستها البلاد،  "بيرسترويكا التي لي" الذي يصاحب تاريخ الثورة البولشيفية وصعود وهبوط الإتحاد السوفياتي إلى الزمن الراهن، "العهد" عن رجلين يعيشان في صنعاء  انضمّا الى القاعدة الى أن انسحب أحدهما وبقي الآخر على مبادئه (هذا الفيلم يأتي في وقت مناسب لإثارة الاهتمام كونه يتناول وجود القاعدة القوي في اليمن)،  "روستريبو" عن الوجود الأميركي في أفغانستان0

هذه الأفلام تجد حالياً في سندانس اهتماماً كبيراً بين الشركات المتنافسة على استحواذ سوق الفيلم المستقل كما تقدّم. منافسة تعود الفائدة فيها إلى المنتج والمخرج المستقلّين بالدرجة الأولى، وعلى نحو مماثل لكل الذين يريدون من السينما أن تكون قادرة على توفير ثقافة الحياة والقدرة على التعامل مع عناوينها الوجودية الكبرى0

الجزيرة الوثائقية في

28/01/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)