حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

الإنسان يسمو على آلامه الجسدية وتبقى آلام الروح!

«قاتل النينجا» فيلم سابق التجهيز الدرامي

طارق الشناوي

في بداية هادئة جدا مليئة بالمرح الذي يفضي إلى الصخب والدموية والجنون ثم فيض لا ينتهي من التساؤلات يقدم المخرج جيمس مكتيغو لقطاته الأولى لفيلمه «قاتل النينجا».. شاب مع مجموعة من أصدقائه يستسلم إلى يد خبير ياباني يقوم بوشمه ولكن جلده يتمرد على يد صانع الوشم الذي نرى فيه سيطرة اللون الأحمر مع محاولة الإبرة الفاشلة لاختراق الجلد ثم بدايات نزف الدم. يقول لهم الرجل بحكمة السنين عندما يقاوم الجلد الوشم فهذا يعني الرفض فيقولون له اسم الوشم «نينجا»، يرجوهم ألا يذكروا الكلمة، لكنهم يصرون عليها وهم يواصلون مرحهم. في هذه اللحظة تتحول الصالة التي تجري فيها أعمال الوشم إلى حمام دم ويعقد المخرج بداية الصلة بينه وبين الجمهور.

تفصيلة صغيرة نكتشفها وهي أن هذا الياباني العجوز الطيب تعرض للقتل على يد «النينجا» ولم ينجه سوى صدفة ترتكن إلى العلم وهي أن عددا قليلا جدا من البشر قلوبهم تقع على يمين القفص الصدري، في حين أنه تلقى طعنة في الشمال فنجا من الموت وإن كانت قد ظلت شاهدة على كل ما رأته عيناه في هذا اليوم البعيد ولكنه لم يتجاوزه. بداية أسطورية نجح المخرج أن يضع من خلالها جمهوره داخل الحدث المرعب الغامض المشع بأجواء أسطورية. على الفور تبدأ التحقيقات التي يتم من خلالها اكتشاف شخصية المحققة السمراء التي أدت دورها «نعومي هاريس» المنوط بها أن تكشف السر العلمي وراء قتل كل هؤلاء الشباب ولهذا ترفض الاستسلام للخرافة. بناء السيناريو يعتمد على أسلوب القطع المتوازي الذي يجمع بين ماضي البطل الذي أدى دوره المطرب الكوري «رين»، وبين اللحظة الراهنة. وكالعادة يلجأ كاتبا السيناريو ماتيو ساندروغي ومايكل سترانسكي إلى حالة الغموض قبل تقديم الشخصية الرئيسية للبطل. من خلال الجيران عندما تقتحم الجارة شقته بعد أن نسي هو النيران مشتعلة داخلها فتكتشف هي أن حقائبه لا تزال مغلقة. هذه المعلومة على الفور نرى من خلالها في لقطة نظرة انزعاج البطل ويدخل مسرعا للحجرة ليتأكد أن الحقائب التي تحمل الكثير من الغموض لا تزال بالفعل مغلقة ولم تعبث بها يد غريبة، حيث يقول للجارة مبررا أنه ينتظر أن يصله خبر موت أبيه المريض في أي لحظة ولهذا فهو يحتفظ بأغلب حقائبه. تبدو هذه الإجابة مثل دقات المسرح الثلاث التي تثير شهية المتلقي ليبدأ بعدها العرض. يواصل السيناريو القائم على فكرة التوازي بين البطل وتاريخه وليس لدينا معلومات عن هذا التاريخ، سوى ما نستشفه مثلا حين يفتح أحد الحقائب فنرى مثلا عددا من المسامير المثبتة التي يقف فوقها البطل الياباني ونراه وهو طفل في هذه المدرسة التي تخلق ممن يلتحقون بها شخصيات لا تستسلم أبدا للألم ولا تعرف سوى الدماء. يقول لهم المعلم أنتم مني وأنا منكم حتى بعد الموت ستظلون جزءا مني. مخارج الألفاظ تكشف لنا عن عمره الزمني الذي كان ضاربا في الكبر ولكنه يحتفظ بلياقته الجسدية. في تتابع الفيلم نرى تاريخ البطل منذ أن التحق بهذه المدرسة وهو طفل تجاوز فقط بعام أو اثنين مرحلة الحضانة ونلمحه أثناء التدريبات فهو أحد المتفوقين فيها الذي يحارب الألم وينتصر عليه. بل أكثر من ذلك يتمكن من الانتصار حتى في ظل ظرف افتراضي مثل فقدانه لحاسة الرؤية. يضع عصابة على عينيه ويشارك في القتال فينتصر على غريمه. تلك هي المدرسة القائمة على الإنسان المتجاوز حتى لضعفه الداخلي وليس المقصود فقط بالضعف الجسدي ولكن أيضا ضعف المشاعر الإنسانية. وهكذا ندرك أهمية تقديم بدايات مرحلة الحب بينه وبين فتاة كانت أيضا طفلة معه في نفس المدرسة، ولكنها تتمرد على تلك القواعد الصارمة. السيناريو يقدم هؤلاء الأطفال الذين يلتحقون بالمدرسة فهو من الضائعين في الشوارع تلتقطهم يد الخبير وتبدأ في تدريبهم على كل الفنون القتالية. زميلته الطفلة هي التي تضمد له جراحه وهو مثلها طفل. تشاهد الفيلم وكأنك رأيته من قبل تتوقع بدايات هذه الطفلة التي تصبح فتاة وهي تعطف عليه طفلا وتضمد جراح قدميه ثم بعد ذلك نراها وهي ترفض أن تقتل أحد الخارجين على قانون الأب الروحي وهي تدرك أن عقاب من يخذل القائد التشويه والعزل وهكذا تتعرض لضربة قاسية من سكين على وجهها. تحاول أن تهرب وتطلب منه أن يصاحبها في رحلتها، لكنه يخشى أن يلقى القبض عليها وتقتل بتوجيه طعنة خنجر إلى قلبها من غريم لبطل الفيلم. وهكذا يصبح مارقا يريد الانتقام من «النينجا» فهو بمثابة البطل المتمرد على عشيرته وتصبح دماؤه مطلوبة لديهم. تتعرف النينجا على الرائحة، هم يتوصلون إلى هدفهم مباشرة بحاسة الشم وكأنهم أشباح فأنت لا تراهم إلا لحظات خاطفة وهكذا تتواصل المطاردات في الفيلم وتشعر وكأنك سبق أن شاهدتها كثيرا في أفلام سابقة وتتورط مع البطلة السمراء «نعومي». ولا يوجد مجال بالطبع لبطل الفيلم وهو في الأساس المطرب الكوري «رين» أحد نجوم الغناء إلا أن الأحداث لا تتيح له فرصة الغناء، ولكن الحوار في الأحداث يضع كلمة على لسان أحد المحققين عندما يلقون القبض عليه بأنه يصلح أن يكون مطربا وهو بالمناسبة أحد أكثر الرجال في العالم تمتعا بالجاذبية طبقا للعديد من الاستفتاءات، وربما لهذا السبب تمت الاستعانة به بطلا في هذا الفيلم وعلى لسان أحد المحققين في الفيلم يسخرون من المعتقل الذي اقتيد فيه البطل مؤكدين أنه ليس «غوانتانامو». وأيضا كالعادة نحن كمتفرجين ننتظر اللحظة النهائية للصراع الختامي بين البطل المارق وأبيه الروحي والتفصيلة التي أنقذت من كان يتولى مسؤولية وشم الشباب في أول الفيلم بأن قلبه في اليمين هي نفسها التي تنقذ بطلة الفيلم «نعومي هاريس» من الموت بعد أن تتلقى طعنة غادرة من الأب الروحي الذي ينتصر عليه البطل في النهاية وهكذا لا توجد معلومة درامية مجانية. تدخلت الشرطة الألمانية بكل أسلحتها في اللحظة المناسبة ولكن المواجهة تظل تختبئ عند اقتراب النهاية بين بطل الفيلم ومعلمه وأستاذه صاحب مدرسة النينجا وينتصر في النهاية بطلنا؟! أفلام البطل الخارق بين أنداده الأقوياء الآخرين لها سحرها لدى الجمهور فهو يتمثل دائما بطله في كل خطواته.. لأنه مثله أيضا يتمنى أن يعلو على آلامه الجسدية ليصل إلى تلك المرتبة من السمو على الآلام فهو يتجاوز بشريته كما أنه ينتصر على العشرات من عشيرته ويصبح خائنا في نظرهم وعقابه الدماء. البطل ينجو من القتل ويتخلص من كل فلول النينجا ويشعر المتفرج بقدر من الارتياح. لم يقدم الفيلم قصة حب مكتملة، وما شاهدناه بداية قصة حب بين الفتاة والفتى داخل المعسكر وكان بينهما قبلة واحدة لتثبت له أن هناك داخل الإنسان قلب يحس، وأن مقاومة آلام الجسد لا تعني أن الإنسان أيضا صار بلا مشاعر. فهو لم ينس أبدا أنهم قتلوا حبيبته أمام عينيه وطلبوا منه أن يقتل أيضا زميلا له، حاول التمرد ولكنه يرفض ويستطيع الهروب ليظل مطاردا من كل أفراد عشيرته. نجح المخرج في تقديم هذا التوازي بين اللحظة الزمنية التي يعيشها البطل وبين ماضيه كأحد أبطال النينجا لكننا في النهاية نشعر أننا نشاهد فيلما سينمائيا شاهدناه من قبل عشرات المرات نعرف تتابعه وخطوطه الدرامية أكثر حتى من أبطاله وكأنه فيلم سابق التجهيز الدرامي؟!

الشرق الأوسط في

22/01/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)