تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

سيناريوهات عجيبة لنهاية العالم آخرها فيلم «2012»

يصل إلى أعين المشاهدين في أميركا خصوصا في زمن من الترقب والتوجس

هوليوود: محمد رُضا

سيناريوهات مختلفة حول كيف ستنتهي الأرض وفيلم «2012» لرولاند إيمريش يختار السيناريو التالي من بينها: الشمس في الحادي والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) عام 2012 ستمر بمخاضات عنيفة ينتج عنها مواد نتروجينية تتسبب في زحزحة مسار الأرض فإذا بها تميد متسببة في دمار شديد وفيضانات عاتية. تصوّر أن الفيضان وصل إلى جبال هيمالايا التي كانت قد اختيرت مكان التقاء من يستطيع الوصول إليها حيث تم بناء سفن نوح جديدة لعل وعسى يمكن للناجين مواصلة الحياة في مكان ما على الأرض بعد انتهاء المحنة.

الأيام الثلاثة الأولى من عروض الفيلم حول العالم جمعت أكثر من بضع عشرات الملايين. في الولايات المتحدة وصلت مداخيل الفيلم نحو 62 مليون دولار، وحول العالم قرابة 95 مليون دولار.

طبعا قبل أن يصل إيمريش لقمّة الهيمالايا، أو يموت خلال رحلته، من واجبه تحذير الأرض من نهاية لا تبعد عنا أكثر من عامين وبضعة أيام، وفي خلال ذلك لا بأس إذا ما جمع بضع عشرات من ملايين الدولارات حتى ولو لم يكن له، في حالتي نجاته أو موته، قدرة على صرفها. لقد دمر الأرض عدة مرات من قبل، ويدمرها الآن بكاملها ولا يستطيع في المستقبل تدميرها مجددا إلا في جزء من مسلسل تقع أحداثه في القرن الثاني والعشرين وما بعد. المشكلة بالطبع أن حجم التدمير من الكبر بحيث يحاول أن يلتهم مشاهديه والسيطرة على حواسهم بحيث يمنع عنهم التفكير خلال العرض أو طرح أسئلة مثل: أحسب أن بطل الفيلم تأخر عن اللحاق بالطائرة التي على وشك الإقلاع، أو أن الجسر هوى والسيارة التي يقودها وتحمل عائلته كانت فوقه، أو أن البنزين انتهى من الطائرة وهي فوق المحيط فهوت في قاعه. في ذلك، فإن هذا الفيلم ليس حياديا: إنه يعلم أن أكبر الكوارث على الشاشة لا تزال بحاجة إلى دراما ومشكلته أن الدراما التي يعمد إليها متهالكة مليئة بالنجاة في آخر لحظة، كما أن ما تحمله من جوانب قصصية يترك المشاهدين مدركين كيف أن العناية الإلهية ستنقذ الممثل الذي تقاضى أعلى أجر من بين الممثلين الآخرين. إنه البطل! وجون كوزاك هو ذلك الشخص الموكل إليه إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وهو قياسا بالأهوال التي تقع حوله ينجح بجدارة ولو أنه يفشل في إنقاذ هذا الفيلم من ضعفه. الحقيقة أن كل الدمار الذي نشاهده، والذي هو في بعض الأحيان، مثير للدهشة وربما للصدمة، لا يقوى على إنقاذ الفيلم من ذلك الضعف وحين يتحدث رئيس الجمهورية الأميركي (في الفيلم) مخاطبا قادة العالم بأن نهاية الدنيا باتت وشيكة تتمنى لو أن نهاية الفيلم هي الأوشك. لكن الفيلم يستمر لساعتين تقريبا بعد هذه الخطبة مما يؤكد أنه بالإمكان تدمير الأرض على الشاشة لكن ليس بالإمكان تدمير ما جاء مدمرا أساسا: موهبة المخرج.

لقد سبق لإيمريش أن أنجز خمسة عشر فيلما، خمسة منها (تلك الأولى) غير معروفة، السادس كان من بطولة جان ـ كلود فان دام بعنوان «الجندي الدولي» (1992). حينها كان لا يزال يعمل على مستوى صغير محدود، لكن مباشرة بعده نقل اهتمامه إلى الكواكب الأخرى مقترحا أن أشرارا يعيشون فيها هم بناة الأهرام وذلك في «ستار غايت» (1994). بعد عامين من تلك النظرية قام بتدمير الأرض أول مرة على أيدي مخلوقات فضائية في صحون طائرة. ول سميث وجف غولدبلوم سينقذان ما تبقى منها في ربع الساعة الأخير بالطبع، كذلك الحال مع «غودزيللا» سنة 1998 فالوحش الياباني الأسطوري الذي سبق ودمر اليابان في عشرات الأفلام اليابانية الركيكة (معظمها) يسبح إلى الساحل الشرقي لأميركا ويعيث فسادا في مانهاتن ونيويورك. من حسن الحظ أن عالِم الديدان دكتور تاتوبولوس (ماثيو برودريك) كان حضّر نفسه للانتقال إلى علم الكائنات العملاقة وإلا لأتى غودزيللا على الكون بأسره منفرد اليد.

من هذا الاحتمال المستقبلي إلى التاريخ الأميركي: مل غيبسون في «الوطني» يشترك في حرب الاستقلال ضد الإنجليز ويبلي مع أولاده بلاءً حسنا. بعده عودة إلى الأرض في «اليوم التالي للغد». The Day After Tomorrow، فإذا بها يغمرها الجليد لكنه لا يوقف بطل الفيلم (دنيس كوايد) في البحث عن ابنه، بلا بوصلة سينطلق في طريقه من ولاية إلى أخرى ومشيا على القدمين، فالواجب العائلي لا ينتظر.

هذا كله قبل أن يعود إيمريش ليصحح التاريخ في «10.000 سنة قبل الميلاد» (2008). كل فيلم من هذه الأفلام جاء مثقلا بمشاكل على صعيدي الدراما والفن. إيمريش في الواقع من أقل المخرجين العاملين (بنجاح) قدرة. يدرك إيمريش هنا أن الفيلم الكوارثي لا يعمل عبر لصق المشاهد التي تصور مشاهد «الأكشن» الكبيرة، بل لا بد من عنصر إنساني. وفي «2012» يتجسد ذلك في الشخصية التي يؤديها كوزاك. إنه المؤلف الروائي جاكسون الذي طلق زوجته (أماندا بيت) لاختلاف في مناهج الحياة، ولأنها بحاجة إلى عون عاطفي لجأت إلى الطبيب غوردن (توم مكارثي) الذي من حسن الحظ يستطيع قيادة الطائرة التي ستقل الجميع إلى المكان الآمن بمن فيهم الأولاد. في ذلك المشهد الذي يقود فيه جاكسون السيارة التي تحمل عائلته وزوجته وصديقها تتساءل ما إذا كان سيحاول خداع غوردن ورميه من السيارة انتقاما. ثم في ذلك المشهد الذي نرى فيه جاكسون يركض فوق مدرج المطار وراء الآخرين الذين سبقوه إلى الطائرة بينما الطائرة على وجه التحليق (مستعجلة لأن مدرج المطار يتشقق) تتساءل ما إذا كان غوردن هو من سيجدها فرصة سانحة للتخلي عن هذا الزوج السابق. لكنها خواطر لا دواعي لها لأن تمنح الفيلم بعض الاحتمالات غير الواردة في طبيعته. كل ما يفكر فيه هو كيف ستنجو هذه الطائفة من البشر وتطير إلى الوجهة التي حددها للزوج صديقه وودي هارلسون والتي هي مكان لقاء الناجين الوحيد. السؤال حول كيف عرف الصديق بالمكان المحدد هو الذي يجب طرحه ولو أن الإجابة لا تتوفر عبر الأحداث.

فيلم إيمريش يصل إلى أعين المشاهدين في كل مكان، وفي أميركا على الخصوص، في زمن من الترقب والتوجس. في الولايات المتحدة، الحالة التي نعرفها جميعا من اللا ثبات: الحرب في العراق ربما خمدت لكنها ازدادت سعيرا في أفغانستان. الاقتصاد الأميركي ربما لم يصل إلى الحضيض، لكنه شارف على ذلك ولا يزال يعاني من أزمة حقيقية. الشك واليقين في حرب مستمرة، بين الريبة في الاتجاهات والاختيارات السياسية والاقتصادية وبين اليقين من أن المستقبل سيكون أفضل من الحاضر، ربما.

سيناريوهات نهاية العالم ليست جديدة إذ عرفتها أفلام الخيال العلمي، لكن الحالة الراهنة من المخاوف المترجمة إلى صور حول نهاية العالم ازدادت عنفا وشيوعا بعد مأساة الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) حين حدثت، تبعا لذلك، تغيرات عدة في أذواق المشاهدين الذين اعتادوا متابعة الأفلام المذكورة من باب التسلية. الآن صار لها طعم آخر.

السؤال سريعا ما تبلور حول من هو العدو الحقيقي للشعب الأميركي؟ هذا الفيلم الخيالي ـ العلمي قد لا يبدو على صلة بالكارثة التي غيرت وجه الحياة على الأرض اليوم، لكن مع قليل من الإمعان يمكن لنا أن نقف على الرغبة هنا وهي التحذير من فاشية مقبلة.

في فيلم سبيلبرغ الخيالي ـ العلمي التالي «حروب العوالم» نجد ترميزا مثيرا للاهتمام: أجهزة الإنسان الآلي التي تهاجم المدن الأميركية وتدمرها وتقضي على الكثير من أنواع الحياة على الأرض تنطلق، أولا، من تحت الأرض. الرمز هنا هو أن العدو داخلي (كما كان وضع الإرهابيين الذين قاموا بالعملية) ومع أن الفيلم يقصر جدا لناحية إيجاد النهاية الملتئمة مع هذا الطرح، أو حتى مع كل طرح آخر، فإن الوحدة الأميركية ضد الآخر تتجلى في دفاع توم كروز (الذي قاد بطولة الفيلم السابق أيضا) عن مفهوم العائلة ضد من لا مفهوم له. كلاهما من نسيج ما بعد 11/9 كذلك.

ولاحقا ما شاهدنا رموزا وحالات متعددة لاحتمالات متكررة حول نهاية الأرض: «علم» لأليكس بروياس، وهو ـ مثل المخرج الكندي أتوم إيغويان المولود في مصر ـ يتحدث عن عالم سيتم تدميره وآخر بعيد عن هذا الكوكب سينشأ بدلا منه. لكن «الحراس» أوWatchmen للمخرج زاك سنايدر يتحدث عن ضرورة استخدام القوة النووية للتخلص من البشر الحاليين تمهيدا لإنشاء كيان على الأرض يختلف عن الكيان الحالي. في حين ينتقل كل من «ترانسفورمرز» لمايكل باي و«ترميناتور McG الجزء الرابع» للمخرج، إلى الحرب الهادرة القائمة بين مخلوقات الفضاء ومخلوقات الأرض بعدما استطاعت الأولى احتلال أجزاء كبيرة من العالم، وتبحث، في كلا الفيلمين، عن شخص واحد (شايا لا بوف في الأول وكرستيان بايل في الثاني) للقضاء عليه لأنه الوحيد الذي في إمكانه قهر تلك المخلوقات.

وهناك سيناريو آخر لنهاية الأرض يدور حول ?يروس شنيع يحوّل معظم الناس إلى آكلي لحوم بشرية. هذا السيناريو كان منتشرا قبل الحادي عشر من سبتمبر، لكنه بعد ذلك التاريخ عرف امتدادا جرثوميا للعلاقة بين الواقع والكوابيس، التي ـ حسب تلك الأفلام ـ محتملة. من بينها في هذا الإطار سلسلة أفلام جورج أ. روميرو «الموتى ـ الأحياء» وأفلام بريطانية أفضلها «28 يوما» لبيتي توماس و«بعد 28 يوما» آخر لداني بويل و«أنا، أسطورة» للأميركي فرنسيس لورنس.

لكن الأمر لا يخلو من أفلام تستوجب المعاينة جديا في هذا المجال. فيلم ألفونسو كوارون، وهو مخرج مكسيكي، «أطفال الرجال»، وهو إنتاج بريطاني، لم يكن رعبا إلا في نطاق المفهوم الكابوسي الذي يتسلل إلى المشاهد تلقائيا وبلا ضوابط. إنه فيلم عن العالم وقد توقفت النساء فيه عن الإنجاب. ليس بفعل قرار، بل بفعل وضع غير معروف علميا جعل المرأة غير قادرة على الإنجاب راسمة بذلك النهاية الحتمية للعالم.. هذا إلى أن يكتشف الممثل الرئيسي للفيلم (كلاي? أووَن) وجود امرأة واحدة على وشك الإنجاب فيأخذ على عاتقه حمايتها. في ذلك الفيلم مشاهد تذكّر بسجن أبو غريب وأخرى تنتقد ما يحدث للأبرياء من الناس وأخرى ضد العسكر والميليشيات المسلحة خارج القانون على حد سواء.

والدمار امتد ليشمل سينما الأنيماشن التي عمادها الأطفال. لجانب أن هناك أفلاما عن مخاطر البيئة على حيوانات البطريق وأخرى حول البيئة وحمايتها، فإن Wall ـ E دار حول المدينة التي خلت من العالم وتحولت، كما العالم بأسره، إلى مزبلة كبيرة ودمار شامل بعدما ترك أهل الأرض الكوكب وانتقلوا إلى كواكب اصطناعية تسبح في الفضاء. وفي فيلم حديث من إنتاج تيم بيرتون هو «المقاطعة تسعة» نشاهد، وفي إطار الأنيماشن أيضا، حكاية مفادها أن دمار الأرض تم بفعل الآلات والتكنولوجيا التي نعرف كم تسيطر اليوم فعلا على شؤون حياتنا.

وفي أيام يخرج للعرض «الطريق» لجون هيلكوت عن رواية لكورماك مكارثي. هذه تبدأ من حيث انتهت الأرض تبعا لأسباب لا يعرفها الكاتب (ولا المخرج من بعده) مهمة، لكنها تبقى متصلة بوجدان عاطفي حول حياة انتهت سوف لن ينفعنا الندم في تفريطنا بها.

طبعا فيلم إيميريش «2012» لا ينتمي إلى هذه الحفنة من الأعمال التي تعرف كيف توظف الموضوع لحث المرء على التفكير.. حسنا هذا ليس صحيحا تماما، فخلال العرض كنت أفكر في متى سينتهي هذا الفيلم حتى أخرج منه لفيلم آخر.

الشرق الأوسط في

20/11/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)