تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

تحية متعددة الى "ويست بيروت"

ريما المسمار

في العام 1996 زمن تصويره في ما تبقى من شوارع وابنية شاهدة على دمار الحرب، كان "ويست بيروت" بمثابة الصدى لسنوات الحرب الطويلة، البيان الذي من شأنه أن يعلن الحرب الاهلية ماضياً بعيداً لا عودة اليه. وفي العام 1998 زمن إطلاقه في الصالات المحلية والعالمية وفي مهرجان كان السينمائي (في تظاهرة نصف شهر المخرجين الموازية للمهرجان)، كانت الرياح السينمائية اللبنانية تعد بتغيير ما برؤى متعددة. هكذا، صُنف شريط زياد دويري في خانة الافلام "النوستالجية" وربما "التجميلية"، مقارنة بتجارب سينمائية أخرى تجاوزت أسئلتها ماضي الحرب الى مفاعيله في الحاضر المعيش (كما في "اشباح بيروت" لغسان سلهب و"البيت الزهر" لخليل جريج وجوانا حاجي توما على سبيل المثال). يومها، كان الافق مفتوحاً أمام الخيال، الخيال السينمائي على الأقل، الذي يستطيع، إذا شاء، أن يتصور دوراً للسينما يتجاوز المعوقات والآني. ويومها ايضاً كان الاعتقاد شبه راسخ، حتى لدى أولئك "غير المخدوعين" بالسلم وبمقولة نهاية الحرب، بأن السينما لن تضطر من جديد، في الوقت القريب أقله، على مسابقة الزمن او منافسته، وبانها لن تكون رهينة الحدث اليومي في استقراء ما تود قوله. لم يكن "ويست بيروت"، برغبة صاحبه، نبشاً في الذاكرة التي تتجاوز الذكريات. ولم يكن مراجعة ولا نقداً بالمعنى الذي يتجاوز تجسيد مساوىء المرحلة وجحيمها. المراجعة كانت في حساب كثيرين من الفنانين والمثقفين الاساس الذي يجب ان تقوم السينما، من بين ابداعات أخرى، عليه، بمحاذاة المجتمع او بالدفع به اليها. على ان السنوات الاربع الاخيرة، أعادت الى يوميات العيش الحرب ليس كذكرى انما كنار تحت رماد. ومع ان ذلك لم يكن مفاجئاً لكثيرين، الا انه وضع السينما امام مأزقها من جديد: كيف تتعاطى مع الماضي وهي غير قادرة على طي الصفحة؟ وكيف تتعاطى مع حاضر لم يفعل سوى انه غير ملامحه الخارجية؟

على هذا المنوال، ذهبت أفلام "يوم آخر" لجريج وتوما و"أرض مجهولة" ولاحقاً "أطلال" لسلهب الى محاولة التقاط شيء من الحاضر الملتبس في علاقته بالماضي وبالفرد او الاحرى علاقة الفرد بهما. بينما انسحبت تجارب سينمائيين آخرين من المحيط اللبناني الى مساحة لا تكبلها اسئلة الماضي والحاضر المحلية المتشابكة- وان كانت في جوهرها ترتد اليها- كما فعلت الراحلة رندا الشهال في فيلمها "طيارة من ورق". في حين غلبت مرة جديدة أفلام مواكبة الحدث ان من خلال الاعمال الوثائقية الكثيرة او بعض الروائي مثل "تحت القصف" لفيليب عرقتنجي.

من بين الأفلام الروائية اللبنانية التي أُنجزت بعد اعلان نهاية الحرب، ثلاثة ألقت بنفسها في أتون الحرب: "ويست بيروت" و"طيف المدينة" لجان شمعون و"معارك حب" لدانييل عربيد. في حين تغلب نظرة الطفلة والحكايات الجانبية على الأخير ويكتفي الثاني بجولة بانورامية على بعض محطات الحرب الاهلية، يكتسب شريط دويري مع مرور الوقت صفة "مرجعية" في علاقته بالحرب. ربما لأنه كان أول فيلم يتناول الحرب بعد انتهائها وربما لأنه كان قريباً زمنياً منها. فاصل السنوات القليلة بين نهاية الحرب وبين انجاز الفيلم، فضلاً عن إقامة مخرجه خارج لبنان، قلّص الصعوبات والالتباس الذي قد يواجه اي مخرج اليوم في سعيه الى انجاز فيلم عن الحرب او فيها. فالسنوات الاولى التي أعقبت "السلم" كانت على نحو ما زمناً معلقاً، لم ينفِ تماماً، حتى لدى المشككين، امكانية ان تكون المرحلة المقبلة جديدة. جاء "ويست بيروت" من ذلك الزمن، الذي كان يمكن خلاله ان يقول ان الحرب اصبحت ماضياً، ولو الى حين. وهو لذلك يبقى صورة شفافة عن واقعه. اضف الى ذلك حساسية دويري العالية في نقل تجربة عاشها بالاصل، ولكن الاهم انه لم يفقد صلته بها او مفاتيحه الى استعادتها.

يبدو مفاجئاً اليوم عند مشاهدة "ويست بيروت" (الذي تبثه قناة "الشاشة" الفضائية منذ بعض الوقت) من مسافة أكثر من عشر سنوات قدرته على اختزال حرب شرسة بالقليل من التحليل والكثير من القدرة على الشحن العاطفي انما غير المجاني. دويري كان ردد مراراً انه ليس من ارباب السينما التي تخاطب الذهن من دون ان ينتقص من قيمتها. ولكنه بتواضعه المعهود اعترف بعدم قدرته على انجاز ذلك النوع من الأفلام. التزم ما يعرفه ويتقنه وقبل ذلك ما عاشه وخبره. لحظات كثيرة، سينمائية وانسانية، تشع في "ويست بيروت" أبلغها تلك التي تنقل إدراك الشخصيات او احساسها بأن شيئاً تغير الى الأبد. من "طارق" (رامي دويري) بطل الفيلم المراهق الى والده المثقف "رياض" ووالدته المحامية "هالة" (كارمن لبس) مروراً بـ"البترونة" الشهيرة "ام وليد" (ليلى كرم) والخباز "ابو حسن" (محمود مبسوط)... ثمة لحظة-لحظات إدراك، واعية او غير واعية، لكل من هؤلاء، لحظة يقظة ويقين في ان ما يجري ليس عابراً وهو ربما الإدراك الذي يضيفه المخرج من موقعه خارج تلك الحرب عند كتابة الفيلم. كل شخصية تكتشف حجم الكارثة على طريقتها وبمفرداتها ومن ذلك ان "أم وليد" تفقد الأمل ببيروت عندما تنتقل الحرب الطائفية الى السرير.

ليس ذلك وحده الدافع لاسترجاع "ويست بيروت" اليوم بل مزايا كثيرة ليس أقلها التمثيل اللافت للممثلين لاسيما كارمن لبس والشابين رامي دويري ومحمد شمص والراحلة ليلى كرم والمشاهد الكوميدية المتقنة (ليليان نمري وشتائمها) ودفء العلاقة بين المراهقين الثلاثة (دويري وشمص ورولا الامين)... يفاجئنا أيضاً في فيلم دويري- ربما لادراكنا بعد سنوات استحالة المراجعة والنبش- ان فيلمه يسمي الى حد بعيد الاشياء باسمائها: الاحزاب والفلسطينيين والمناطق...

عند ظهور "ويست بيروت" قبل احد عشر عاماً، تخوف فريق من المتحفظين على العمل من ان يكون انطلاقة لموجة أفلام "تجمّل" الحرب وتنظر بحنين الى زمنها. اليوم، أخاف ان يكون حنيننا الى الفيلم نفسه، الى قدرة السينما على إغلاق الدائرة حول حقبة، أو أن يكون حنيناً الى زمن أفضل بات وجهه معروفاً مهما كان مخيفاً، مقابل زمن نعيشه من دون أن نتبين ملامحه او الوحش الكامن فيه.

المستقبل اللبنانية في

18/11/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)