تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

حلم يقظة للمخرج كوينتين تارانتينو

الانتقام من النازي.. وتغيير التاريخ

صفاء الليثي

شاهدت مؤخرا فيلم "الجنود الملاعين" Inglourious Basta للمخرج كوينتن تارانتينو الذى يعرفه المهتمون بالسينما فى مصر، وخاصة من الشباب بفيلمه "PULB Fiction" للنجم جون ترافولت. 
يستلهم فيلم "الأوغاد أو الملاعين" فيلم "دستة أشرار"، ويطرح فيه تارانتينو العلاقة بين النازى واليهود بالتركيز على عنصرية الألمان تجاه اليهود والتى يمكن أن تسقط على عنصريتهم الآن تجاه العرب والمسلمين، وخاصة فى حضور قضية مقتل مروة الشربينى على يد عنصرى ألمانى يضايقه حجابها. وبجعل المخرج اليهود ينتقمون بالسلاح _ كما يزعمون ما يفعله بعض العرب والمسلمون الآن ـ وخاصة من يطلقون عليهم فى الغرب الإرهابيين _ فإنه يبدو كمن يقف بجانب المضطهد وحقه فى الانتقام العنيف حتى بالسكين مثل أباتشى الهنود الحمر. صور الفيلم فى عدة أماكن منها ألمانيا، وفرنسا، وبنى السيناريو على فكرتين ستلتقيان بدافع الانتقام. يعرض تارانتينو فيلمه فى إطار من الحكاية الشعبية ويقسمه إلى فصول يبدأها بقصة من الريف الفرنسى حيث يأتى الضابط الألمانى الكولونيل" هانزلاندا" المعروف بصياد اليهود ويقيم مذبحة لأسرة يهودية نجت من الإبادة، عائلة درايفوس التى كانت مختبئة فى منزل فلاح فرنسى له ثلاثة فتيات جميلات، تنجو من المذبحة الفتاة "سوشانا" التى ستفر إلى العاصمة وتوفق فى الحصول على هوية جديدة وتصبح المالكة لدار عرض سينمائية صغيرة، حيث تقابل بطل حرب ألمانى شاب "زولر" يمثل أيضا أفلاما من أفلام الدعاية النازية ويرغب فى عرض فيلمه لديها. يلفت الأمر انتباه "الملاعين" وهم مجموعة من جنود الصاعقة فى الجيش الأمريكى كلهم من اليهود يقودهم (ألدو رين) النجم براد بيت فينظمون عملية لإبادة كل الضباط والجنود النازيين المتجمعين فى العرض السينمائي، تفشل الخطة جزئيا ولكنهم ينجحون حتى فى قتل هتلر نفسه ووزير ثقافته جوبلز، وهو ما نعرف أنه لم يحدث تاريخيا وهو ما يحيلنا إلى حلم يقظة تارانتينو بتصحيح التاريخ والقضاء على النازية عن طريق الانتقام. 

تدور الأحداث فى فرنسا عام 1941 حيث يأتى الكولونيل هانز لاندا من قوات النخبة وهو البطل المضاد فى الفيلم ـ الشرير ـ ويقوم بدوره الممثل النمساوى "كريستوف ولتز" وحصل عنه على جائزة أفضل ممثل فى مهرجان كان الأخير. برع فى تقمص دور الألمانى صائد اليهود العنصرى الكريه مؤديا مهمته بتلذذ واضح واستمتاع حقيقى مشبها إياهم بالفئران. حاولت أثناء المشاهدة الاستمتاع بالعمل الفنى الجيد للمخرج، وإبعاد فكرة أن الفيلم يؤسس للهولوكست ويدافع عن الصهاينة. فهذا فيلم جيد عن أناس مضطهدون تعرضوا للإبادة مثل الأرمن أو الهنود الحمر ومثل فلسطينى غزة وشهداء حروبنا. نجح المخرج فى جعلنا نتعاطف مع الفتاة سوشانا التى ستنتقم لمذبحة عائلتها. وتلقيت الفكرة وكأنها رغبة لفنان تمنى لو كان اليهود قد تصرفوا على هذا النحو وخلصونا من هتلر ونخبته، تصورت بالمقابل أن ثريا عربيا قد ينجح مع مخرج بحجم تارانتينو ليقدم فيلما عن مذابح اليهود فى غزة وغيرها يستعين فيه بالنجم جورج كلونى ـ الضيف الدائم فى المهرجانات الخليجية ـ أو ينبش ليجد ممثلا موهوبا ليقدم شخصية منتقم عربى لديه أسبابه لإنهاء الصراع العربى الإسرائيلى وإعادة اليهود لينتقموا من جلاديهم فى الغرب بدلا من تصويب حرابهم لمن لا ذنب لهم.  

ليس فى تاريخ المخرج تارانتينو أية شبهة للانحياز لليهود، بل إنه فى فيلمه الأشهر "بلب فيكشن" يسخر من شخصية يهودى بخيل. ولا يعرف عنه أى انحياز سياسي، ولا موقف محدد من قضايا بعينها. هو مخرج يجيد حرفته، وتستهويه ألعاب السينما ويجرب طريقا جديدا مع كل فيلم من أفلامه. باحثا بوعى عن طريق لعرض شخصيات أفلامه فى إطار من التجديد الشكلى مستلهما عدة أنواع سينمائية ومنها أفلام الغرب الإيطالية المعروفة بالويسترن إسباجتي. تعلقنا بنماذج منها، بشخصياتها وطريقة أدائهم. فى "الجنود الملاعين" يظهر براد بيت بشكل جديد تماما ويتحدث بلكنة تكاد تشبه لكنة السود الأمريكان، فى الفيلم أيضا عدد من الشخصيات النمطية كالضابط الإنجليزى والنجمة التى قامت بدور عميل مزدوج للألمان وفرقة الأوغاد. لم ينس المخرج اضطهاد الألمان للسود فيجعل الفتاة سوشانا تستعين بعامل عرض أسود وينذرها الضابط بضرورة عدم الاستعانة به فكيف يتحمل الفوهلر أن فيلمه الجبار يعرضه شخص أسود. وهو سيساعدها فى الانتقام بإشعال النار فى شرائط الأفلام لتحترق الصالة بمن فيها ولا ينجو أحد. الفيلم يوحى بالضخامة فى تعدد الشخصيات المشوقة، وبعرضه لها فى إطار الدراما الكلاسيكية بتقسيمهما إلى أشرار وأخيار، وينتهى بنهاية سعيدة بموت الأشرار جميعا وانتصار للخير. 

سنعود لفكرة الانتقام مع أفلام تعرض حاليا بمهرجان القاهرة السينمائى فى دورته الحالية، لا تعكس فقط ضرورة درامية ولكنها تعبر عن وجهة نظر السينمائيين فيما يحدث حولهم. وتقف بجانب حق المضطهدين فى الانتقام من جلاديهم. 

العربي المصرية في

17/11/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)