تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

رؤية خاصة

المستنسخون

رفيق الصبان

أكثر ما يعجبني في السينما الأمريكية هي قدرتها علي مواكبة الأحداث والتعبير عنها سينمائياً.. مهما كانت طبيعة هذه الأحداث.. سياسية كانت أو اجتماعية أو أخلاقية أو جنسية، فما أن تظهر مشكلة ما في الأفق سواء كانت أمريكية الطابع أو عالمية الاتجاه إلا وتسعي السينما الأمريكية للتعبير عنها بطريقتها سواء كان الأسلوب المتبع كوميدياً أو ميلودرامياً أو خيالا علميا، هذا ما حدث مثلاً في العلاقة مع الفضاء التي ألهبت خيال السينمائيين الأمريكيين ودفعتهم إلي إخراج سلسلة لا تنتهي عن معارك الفضاء وعن مخلوقات الفضاء وعن المعارك المتصورة التي يمكن أن تقوم بها سكان الأرض وسكان الكواكب الأخري.

وحتي فيما يتعلق بالحرية الجنسية.. استغلت السينما هذا الموضوع لتطرح كوميديات من نوع جديد يتخطي كل الخطوط الحمراء المعتادة التي كانت السينما الأمريكية في الأربعينيات والخمسينيات وحتي منتصف الستينيات شديدة الاحترام بل وشديدة التقيد بشروطها.. رغم المنافسة التي كانت قائمة بينها وبين السينما الأوروبية التي سبقتها في معالجة مثل هذه المواضيع بحرية وموهبة وجرأة تحمد عليها.

وهاهو موضوع الاستنساخ البشري.. الذي أفرزت له الصحف الأمريكية الصفحات الطوال وكانت مثاراً لمناقشات لا تنتهي وجدل لا حصر له.. سواء علي المستوي الديني أو الفلسفي أو الاجتماعي.. هذا الموضوع الحار بدأت السينما الأمريكية تقترب منه كعادتها، لتعبر عنه بأسلوبها التقليدي، وبالطبع فإن الموضوع يمكن أن يكون مادة ثرية جداً لكوميديات من نوع خاص وميلودرامات حارة، أو انفتاح علي خيال علمي لا تحده حدود.

ويبدو أن صناع فيلم بروس ويلس الأخير »المستنسخون« كانوا من أنصار هذا الرأي الأخير.. إذ أنهم تخيلوا عالماً جديداً يمكن لكل فرد فيه أن يستنسخ صورة عنه تقوم بما اعتاد أن يقوم به من أعمال.. تحركه »ريموت كونترول« في يد النسخة الأصلية.. وهكذا.. مثلاً أصبحت الدنيا مليئة بنوعية من الناس من الصعب جداً التفريق بينهم. الأصل والنسخة المستنسخة.. ويطرح الفيلم بعد أن تجاوز عدد المستنسخين درجة من الانتشار لم يكن يفكر فيها أصحاب هذا الاختراع الجهنمي.. هل هؤلاء المستنسخون قادرون علي الإحساس بالعواطف والأهواء والرغبات كأصحابهم الأصليين.. أم أنهم مجرد آلات تتحرك.. كما قلنا بالريموت كونترول وتنفذ ما يمليه علي عقل صاحبها الأصلي.. هل هذه المخلوقات التي تأخذ شكل المخلوقات دون أن تكون لها روحها قادرة علي الحب وعلي الانتقام وعلي الثأر والجريمة.. بل علي الأحاسيس الجنسية.. إذا حدث وقامت بفعل جنسي عوضاً عن صاحبها.

هذا الموضوع الشيق.. استهوي دون شك بروس ويلس الذي حقق لنفسه شهرة مدوية وشعبية جارفة منذ أن قام ببطولة سلسلة أفلام DIE HARD الحركية التي فتشت عقول وقلوب عشاق أفلام الحركة بإيقاعها وحيرتها وطريقة السرد فيها.

لكن الحقيقة.. أن آمال بروس ويلس لم تتحقق كما كان يشتهي لها. إنه بدون شك قد برهن علي نضج تمثيلي لم نعتد عليه في أفلامه السابقة، واستطاع أن يعطي الشخصية التي يلعبها كثافة إنسانية حلوة، واستطاع بتعبيرات وجهه ونظرات عينيه أن يعبر عن عذابه الداخلي وعن الحيرة التي أوقعته فيها هذه الشخصيات المستنسخة التي لم يعد يستطيع أن يميز حقاً بين ما هو حقيقي وما هو مزيف أو آلي.

نضج الممثل إذن.. وواجه بقوة تمثيلية حقيقية طبيعية الدور الذي يقوم به.. ولكن السيناريو مع الأسف خذل الممثل.. إذ رغم طرافة الموضوع وحرارته.. والإمكانيات الدرامية التي يمكن أن يفتحها أمامنا.. فإنه عجز عن أن يحقق بناء درامي معقول، أو منطق للسرد.. نسير علي هوايته دون أن نتوه في دروب جانبية كثيرة.. فتحها أمامنا ولم يعرف كيف يغلقها.

إنما لازلت أذكر هذا الفيلم الرائع من الخيال العلمي الذي أصبح الآن من كلاسيكيات السينما BLADE RUNNER والذي جعلنا نحيا في كوكب تسيطر عليه فئة حاكمة.. توظف جواسيسها وتعطيهم شكلاً خاصاً ليخدعوا ويكشفوا من هم ضد نظامها.. والذي لعب فيه النجم الشهير هاريسون فورد واحداً من أروع وأجود أدواره.

لا مقارنة علي الإطلاق بين فيلم يقطر كل مشهد منه سينما علي مستوي عال، وبين فيلم مضطرب درامياً.. تائه في دروب لا يعرف كيف يسلكها وأمام شخصيات عجز عن أن يسيطر علي خيط درامي قوي يجمع بينها.

هذا الفيلم الجديد يؤكد لنا للمرة بعد الألف أن أي موضوع مهما كان مشوقاً أو مهماً أو يطرح قضية مشتعلة.. إذا لم يتوفر له سيناريو محبوك وشخصيات مرسومة بعناية.. فإنه سيتوه في دروب شائكة، وسيأخذنا معه إلي لا هدف ولا معني.

إنه لمن المؤسف حقاً لنجم له شعبيته الكبيرة كبروس ويلس والتي لم يحصل عليها إلا بعد كفاح طويل وجهد شاق أن يجد نفسه وقد وصل إلي أعلي درجات تفوقه كممثل حقيقي وليس كممثل لأفلام الحركة أن يجد نفسه أمام فرصة ضائعة كان يمكن أن تصنع فيلماً كبيراً يخدمه ويخدم السينما التي تقدمه.

ومع ذلك كعادة الأفلام الأمريكية.. هناك مشاهد سينمائية بالفيلم تمسك بأنفاس المتفرج تشهد مطاردة المرأة المستنسخة في الشوارع وطيرانها فوق السيارات، وحركتها الدؤوب للتخلص من مطارديها.. قبل أن تسقط محطمة شأن بقية المستنسخين الذين ضاع عنهم »الريموت كونترول«.. أو هذه الفئة الأخري منهم التي قررت أن نحيا حياتها الخاصة متمردة علي »خالقيها«.. أو هذا المشهد الجنسي الوحيد.. الذي تحاول فيه هذه المخلوقات الوهمية أن تحقق المتعة التي كان يحققها خالقوها.

وبالطبع يجب أيضاً الإشادة بواحد من المشاهد الأخيرة التي ينجح فيها البطل بإيقاف الصلة بين المستنسخين والآلاف التي تحركهم.. مما يحيلهم إلي دمي تتساقط ميتة في الشارع.. ويلاحظ المتفرج مذهولاً.. هذه الأعداد الهائلة من المستنسخين الذين كانوا يعيشون بين أشباههم من البشر دون أن يشك أحد أنهم مخلوقات وهمية تحركها آلات كهربائية ضمن حدود المنفعة والمصالح.

في هذه المشاهد التي تبدع السينما الأمريكية دائماً في تقديمها بطريقة تدفعك للإعجاب بها.. مهما كانت درجة رفضك للفيلم نفسه.. هي التي أعطت فيلم »المستنسخون« قيمة سينمائية، وعوضتنا عن الفراغ الكبير والثرثرة والمشاهد الأخري التي لا طائل منها والتي امتلأت بها أحداث الفيلم الأخري.

إذن عودة بروس ويلس إلي الشاشة.. كانت »عملة« ذات وجهين.. وجه يؤمن قدمه كممثل ناضج وصل إلي أعلي درجات إمكانياته التمثيلية بوجهه المتعب الذي يطرح ألف تساؤل، وحركته السريعة المؤثرة والوجه الآخر.. هو هذا السيناريو المعتم والمضطرب الذي أفقد موضوعاً شديد الإثارة كهذا الذي قدمه الفيلم كل امكانيات النجاح والقبول الجماهيري والنقدي.

أخبار النجوم المصرية في

05/11/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)