تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

الهرب افتراضي والحريّة هي الموت كيف عالج حاتم علي السجن السياسي؟

زياد عبدالله 

«الليل الطويل» مقاربة مواربة لموضوع حسّاس. الفيلم الذي كتبه هيثم حقي (وأنتجه)، يصوّر مصائر فرديّة معلّقة في سوريا الراهنة

يحيلنا السجن مباشرةً على العتمة. وحاتم علي يقدّمه، في عمله السينمائي الجديد، ليلاً طويلاً قد لا ينجلي. يخرج شريط «الليل الطويل» من تلك العتمة ومن البحث عن فجر يشتّتها. يمكن اعتبار العنوان مفتاح الشريط الذي كتبه المخرج هيثم حقِّي وأنتجه، ويؤديه عدد من النجوم السوريّين. حالما يُطلق سراح المعتقلين الذين نقع عليهم في البداية داخل الزنزانة، نمضي خلف مصائرهم. منهم الوحيد (نجاح سفكوني) الذي يبقى مسجوناً، كما لو أنَّ وقته لم يحن بعد، ولم تشمله يد العفو.

يمثّّل السجين السياسي محور العمل، ويؤدّي دوره خالد تاجا. إنَّه البؤرة الدارميّة التي تحوم حولها مصائر أبنائه الأربعة المتباينة وحتّى المتصارعة. كل ذلك تبعاً للظروف الاجتماعية والاقتصادية التي وجدوا أنفسهم تحت رحمتها بسبب سجن والدهم الطويل (20 سنة). يستعيد الفيلم تلك السنوات، من خلال حوارات تُظهر عمق الخلاف... الابن الأكبر (زهير عبد الكريم) يتأقلم مع الواقع، لا بل يضع يده بيد مَن كان سبب اعتقال والده، وهو أحد أصحاب السلطة (رفيق السبيعي). المفارقة أنّ الأخير يزوّج ابنه لابنة سجينه (أمل عرفة)، ويكون هو من يحمل نبأ خروج الوالد من السجن. في المقابل، هناك ابن السجين الأصغر (باسل خياط)، وهو ناشط وصحافي، يبقى مصرّاً على المبادئ وعلى معارضة أخيه الأكبر وأخته. كلّ ذلك يتضح عشية خروج الأب من خلال حوار، لا يسمّي الأشياء بأسمائها، لكنّه يزودّنا بالخطوط الكافية للخروج بالاستنتاجات. ينضمّ إلى النقاش، الأخ الرابع (حاتم علي) الذي يعيش في فرنسا، ويجسِّد دور الهارب من كلّ ما تقدم... لكن هربه ليس إلّا هرباً افتراضياً، وخصوصاً أنه متزوج بابنة سجين سياسي آخر يخرج مع خروج والده.

نحن أمام مصير عائلة كاملة، لكل فرد منها قصته ومسار حياته، تحت وطأة سجن الأب الطويل... أمّا السجين نفسه، فلن يفارق في هذا الفيلم ليله. مع خروجه من زنزانته، يمضي إلى قريته مباشرة من دون الذهاب لرؤية أولاده. وهناك يموت في الليلة نفسها.

السرد البصري مستثمر في الحدّ الأدنى

فيلم حاتم علي مبنيّ وفق خطوط درامية حدثت وانقضت خلال مرحلة السجن، ويستعيدها المخرج عبر الشخصيات المحيطة به. يقف السجن وما يعنيه من توقّف الزمن، على طرف نقيض مع مَن خارجه حيث الزمن يسير ويحمل ما يحمل من تحولات. وفق الخطّ الزمني هذا، تُصنَّف الشخصيات إمّا متأقلمة أو متمرِّدة أو هاربة، ويكون فعلها في الشريط مرتكزاً على كيفية تلقّفها لخروج الأب، بناءً على رؤية كلّ شخصيِّة للحياة.

سيناريو الفيلم بني على مستويين. يُشغل الأول في تعقُّب مصائر ثلاثة سجناء أُطلق سراحهم، بلغة سينمائية حاضرة وسرد بصري يُستثمَر في الحد الأدنى. هكذا، نشاهد قصّ شعر من سيفرج عنهم، ظلّ الرشاش على الجدار، كأس «المتة» التي يشربها عنصر الاستخبارات، الفاكهة التي يعاينها السجين بعينَين متشوّقتين إلى ألوانها، أو قيام أحد المُفرج عنهم (حسن عويتي) بالركض في شوارع دمشق، وضياع الثالث (سليم صبري) الذي لا يجد مكاناً يؤويه فيلجأ إلى فندق.

أما المستوى الثاني، فكلامي، يستسلم تماماً لحوارات، تستعيد ما حصل، وتخبرنا قصّة من تُرِكوا من دون أب بسبب مواقفه السياسية. كلّ هذا من دون الخوض في السياسة، مع انعدام اللغة السينمائية ومفرداتها البصرية القليلة أصلاً، ما يجعل العمل يستند أساساً إلى السيناريو المثقل بالحوار.

قد تقول لنا نهاية الفيلم شيئين: الأول يدفع إلى الأمل، ونحن نرى أحد السجناء الأربعة مع حفيدته في مرج أخضر... بينما يبقى رابع السجناء حبيس الجدران. الثاني يقول لنا ما زال هناك سجناء رأي في سوريا. وقد نضيف شيئاً ثالثاً يبدو تصالحياً بالمطلق، يتمثل في مصافحة صاحب السلطة مع الابن المتمرد خلال عزاء والده، وإن كانت المصافحة مسبوقة بتردّد الابن.

الأخبار اللبنانية في

02/11/2009

 

شيرين دعيبس... حلم أميركي في بيروت 

صدام الثقافات المحليّة مع قيم العولمة، قضيّة المهاجرين العرب في أميركا، حرب العراق، صراع الأجيال... مكوّنات جدليّة ثقيلة دسّتها شيرين دعيبس في باكورتها «أمريكا».

الشريط الذي يعرض ابتداءً من ٥ تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري في صالة «متروبوليس أمبير صوفيل» (بيروت)، تجربة سينمائيّة يختلط فيها العام بالخاص. شيرين دعيبس ابنة العائلة الأردنيّة الفلسطينيّة، عاشت طفولتها بين الولايات المتحدة والأردن، قبل أن تستقرّ في نيويورك، حيث تقيم حالياً. قصّة بطلتها منى (نسرين فاعور)، تُشبه في تغريبتها، وعيشها على الحافّة بين حضارتين ولغتين، الكثير من تجربة المخرجة نفسها.

تبدأ قصّة الشريط كلّها، حين تتلقّى الفلسطينية منى رسالة تبلغها أنّها حازت وابنها فادي (ملكار معلّم) تأشيرة أميركيّة. موظفة البنك هذه، هجرها زوجها من أجل فتاة أصغر وأنحف بطبيعة الحال. يصوّر الشريط معاناتها على حواجز الاحتلال الإسرائيلي، قبل أن ينقلنا مباشرةً إلى حواجز أخرى، بدءاً من المطار الذي ستنتقل عبره إلى بلاد العم سام، وصولاً إلى لائحة طويلة من الحواجز الثقافيّة.

يطرح«أمريكا» إشكاليّة الانتماء وجرح الهويّة

هكذا، تدخل العائلة الصغيرة، حلقة مفرغة من الأفكار المسبقة والتلميحات العنصريّة. في ولاية إلينوي، تلتحق منى بشقيقتها رغدة (هيام عباس)، زوجة الطبيب، والأم لثلاثة فتيات. هناك، تبحث عن عمل، فلا تجد إلا مَن يسألها إن كانت من فلسطين، ذلك البلد «الذي يتحدث اللغة اليهوديّة»، أو يطلب منها أحدهم ممازحاً بسماجة ألّا تفجر المكان. في النهاية، لا تجد منى، رغم خبرتها المصرفيّة الطويلة، إلا عملاً في مطعم للوجبات السريعة. في موازاة ذلك، نتابع في منزل شقيقتها رغدة جدال الأم مع ابنتها البكر سلمى التي تتحوّل إلى دليل سياحي لابن خالتها فادي، في عالم الشباب الأميركي. أسلوب حياة المراهقة لا يلقى إعجاب أمّها، فتؤنبها مرّة: «بديش بناتي يتصرفو متل بنات الأمريكان». تجيبها سلمى: «نحن أميركيّون»، هنا تستشيط الأم غيظاً، وتقول لها: «اسمعي حبيبتي، طالما أنتي عايشة تحت سقف هاد البيت، إنتي في فلسطين». فتصرخ الفتاة بالإنكليزيّة: You’re Delusional أي أنت متوِّهمة. أمّا في المدرسة، فتدور الصدامات بين سلمى وابن خالتها فادي من جهة، والطلاب الآخرين من جهة اخرى. على خلفية الحرب الأميركيّة على العراق عام 2003.

يغرق الفيلم في بعض الأحيان في الكليشيه اللذيذ، عن اندماج الحضارات، وعن تعلّق المهاجرين بذيول الحلم الأميركي. لكنّ حساسيّة المخرجة تنجح في انتشاله من ذلك المستنقع، من خلال إظهار الحقيقة النقية في إطار فكاهي خفيف، ومواقف إنسانيّة حقيقيّة ومرهفة.

الأخبار اللبنانية في

02/11/2009

 

نادي السينما في سجن رومية

سناء الخوري 

شريطان وثائقيان لزينة صفير يرصدان مأساة العراقيّين وعدوان تموز

أخرج سجناء رومية راياتهم من نوافذ الزنازين لاستقبالنا. مناشف، شراشف، وأشياء حميميّة أخرى نشرها سكان القلعة الاسمنتيّة في هواء ذلك اليوم الغائم. دخلنا القلعة، برفقة زينة دكّاش، لنشاهد مع السجناء فيلمهم الأسبوعي. اللقاء نشاط دوريّ تنظّمه الممثلة اللبنانيّة ومديرة «كثارسيس» (المركز اللبناني للعلاج بالدراما)، في إطار مشروع «العلاج بالدراما في السجن ـــــ منصّة فنيّة جديدة» المموّل من السفارة الإيطالية، مكتب التعاون للتنمية ضمن برنامج الطوارئ (Ross).

هذه المرّة، كان الموعد مع المخرجة زينة صفير لتعرض شريطين وثائقيّين من توقيعها، وتناقشهما مع السجناء. الحدث هنا سينمائي بامتياز، مع عملين وثائقيّين لزينة صفير. جلسنا جميعاً نشاهد «إلى سارة» (2003، مع نادين الخوري عطوي)، وهو توثيق لمأساة أطفال العراق، على عتبة الاجتياح الأميركي، من خلال رسالة تبعثها طفلة لبنانيّة إلى طفلة عراقية. في العمل الثاني «إخوة الأرض» (2007)، ملاحقة للجوء أهالي الجنوب إلى مخيم البصّ، أثناء حرب تموز 2006. لحظات من مأساة تفاعل معها سكان رومية بحساسيّة بالغة. تذكّروا ربما قدرتهم على اتخاذ موقف ضدّ مآسي الآخرين. سأل أبو عبدو أوباما عن مشروعه المستقبلي لإيقاف تلك الحروب. أخبر معتزّ المخرجة، أنّ المساجين يعرفون ثقل الدم. لكن «هؤلاء الناس (في الفيلم) لم يُنسَوا، أمّا نحن فلماذا نسيتمونا». راح السبليني، يتذكّر أيام الحرب على الضاحية، وشعوره بالعجز. وحكى مظلوم كيف شاهد ابنة عمّه مقطّعة على الشاشة أثناء تلك الحرب نفسها، ففتح لها مجلس عزاء داخل الزنزانة. أمّا فرحات، فقال إنّه كان مشتاقاً فقط إلى رؤية الضاحية...

ساعتان من الدارما، وضعت هؤلاء أمام مراجعات حارّة لوضعهم برمّته. مساحة صغيرة من الأمل منحتهم إياها زينة دكاش. لحظة السينما صارت وقتاً مستقطعاً من ثقل الجريمة، من وطأة الظروف الصعبة التي يتعايشون معها كعقوبة إضافيّة بين جدران رومية.

الأخبار اللبنانية في

02/11/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)