ربما لم يكن بالامكان فتحها لولا النجاح الشعبي الهائل الذي حققه هذا الفيلم المتوحش.. وكان علينا بعد ذلك أن ننتظره عشر سنوات ليعود بعدها في فيلمه الشهير (كيل بيل) بجزئيه في عام ٤٠٠٢.. الي أن استطاع أن يحقق حلمه الكبير وأن يختار رئيسا للجنة تحكيم مهرجان كان سنة 6٠٠٢ وبذلك يكون وهو في الواحدة والأربعين من عمره.. أصغر رئيس لجنة تحكيم عرفه هذا المهرجان منذ تأسيسه.

تارانتينو اشتهر بمشاهد العنف والسادية التي تصل الي أقصي حدودها في أفلامه دون أية مراعاة لأي خط أحمر.. أو أي محظور رقابي.. العنف لديه موظف توظيفا فنيا وفكريا مدهشا.. الي جانب قوة الأسلوب السينمائي التي يقدم بها هذا العنف الداخلي والخارجي معا وها هو تارانتينو يعود مرة أخري سنة ٩٠٠٢ الي كان ليقدم فيلمه الأخير (المحاربون الشرسون) الذي أحرز فيه الممثل كريستوف والتر علي جائزة التمثيل الكبري.. والذي حقق في الدورة الأخيرة للمهرجان نجاحا نقديا وشعبيا لم يحققه أي فيلم آخر.

(المحاربون الشرسون) فيلم عن المقاومة اليهودية ضد النازيين أثناء الاحتلال الألماني لباريس، من خلال فرقة من المتطوعين اليهود.. الذين قرروا ملاحقة الضباط النازيين اينما تواجدوا وقتلهم بوحشية.. والاحتفاظ بفروة رؤوسهم.. التي تعمدوا أن تتجاوز علي الأقل المئة أو مائتين فروة في المقابل هناك هذا الضابط النازي الشديد الذكاء. (ويلعب دوره الممثل الذي فاز بجائزة التمثيل في كان) والذي يطلق عليه اسم صائد اليهود لمهارته الفائقة في العثور علي اليهود الهاربين أو المختبئين وقتلهم دون رحمة.. وبالطبع يقف وراء هذا الضابط الجيش النازي كله..

المعركة إذن حادة وشرسة.. وستخلق هذه المعركة في ثناياها عدة معارك أخري عرف تارانتينو كيف يحبكها ويجعلها تتكامل في فيلم سريع الايقاع لاهث الأنفاس.. لا تشعر بمرور الزمن فيه رغم أن مدة عرضه تتجاوز الساعتين ونصف أوأكثر.

الفيلم يبدأ بداية مدهشة.. في قرية فرنسية حيث يصل الضابط الألماني ليحاور صاحب المزرعة وهو أب لثلاث فتيات، ويحاول أن يجعله يعترف بإيواء أسرة يهودية كاملة في قبوه.. حوار مدهش وجو من التوتر والتشويق لا يقدر عليه إلا مخرج متميز من طراز تارانتينو.. وينتهي الحوار باعتراف المزارع المسكين، وبمقتل الأسرة كلها بوحشية هائلة وفرار احدي بناتها بمعجزة.

هذه الفتاة التي ستقرر فيما بعد.. (وبعد مرور خمس سنوات) علي الثأر من هذا الضابط علي طريقتها.. ومن خلال تفجير دار السينما التي تمتلكها.. والتي تعرض فيها فيلما يمجد العسكرية الألمانية وقسوتها وتمجيد الضابط النازي الذي نجح في قتل (٠٠٣) فرد من الأعداء في معركة واحدة.

المعارك تستمر.. والانتقام الأسود الوحشي يرمي بظله علي الجميع.. وأنهار الدماء تسيل مرارا وينتهي الفيلم بالمؤامرة الكبري التي ستدور في السينما التي تملكها اليهودية النازية.. والتي سيتجمع فيها زعماء النازيين كلهم بما في ذلك هتلر نفسه ومعاونيه الكبار.

وتنجح المؤامرة.. ويتم قتل زعماء النازيين جميعا وعلي رأسهم هتلر كما قلنا اثر خيانة (صائد اليهود) الذي يعرف بتفاصيل المؤامرة، ولكنه يخفيها عن رؤسائه لكي ينال حظوة لدي (العدو) الذي سينتصر.

بالطبع رغم الطابع التاريخي.. والدقة الهائلة التي سعي اليها تارانتيو ليخلق جو باريس في منتصف الأربعينات من خلال الأزياء والديكورات والاكسسوارات. فإن أحداث الفيلم كلها خيالية من صنع أحلامه هو.. أو التاريخ كما كان يتمناه أن يكون وهذه هي نقطة التجديد الكبيرة التي يقدمها هذا الفيلم المثير. فعوضا عن التباهي بأن أحداث الفيلم كلها حقيقية يصمد المخرج ويقول بصوت عالي ان الأحداث كلها من صنع خياله.. وليس فيها ذرة من الحقيقة.. ولكنه يقدمها وكأنها الحقيقة المنشودة التي لم يكتشفها أحد.

(براد بيت) النجم الأمريكي الشهير في دور قائد الفصيلة اليهودية التي أطلق عليها اسم (أولاد الزنا) وهو يتخلي عن نجوميته التي عرف عنها تاركا المجال واسعا لمجموعة الممثلين الذين شاركوه هذه البطولة الممثلة الفرنسية الشابة ميلاني لوران تلعب دور اليهودية الهاربة التي تثأر لمقتل أسرتها بينما تلعب الفاتنة ديانا كروجر دور الممثلة الألمانية الشهيرة التي تتعاون مع الفصيلة اليهودية مستغلة مركزها الفني الكبير واعجاب النازيين غير المشروط بها.

ولاشك أن مشهدها في الحانة الصغيرة.. الذي ينتهي بفاجعة دموية يقتل فيها الجميع.. ألمانا، ومقاومين.. وتنجو هي بمعجزة.. ولكن صياد اليهود يتعقبها حتي ينجح في قتلها في مشهد يأخذ بالأنفاس. كروجر في هذا الدور تثبت انها ليست هذه المرأة الجميلة التي لعبت دور هيلين الطروادية وانما ممثلة من طراز ممتاز لا يعصي عليها أداء أي دور مهما كان.

وهناك هذا المشهد الدموي بين العاشق النازي قاتل الثلاثمائة وبين الفتاة اليهودية والذي يدور في كابينة السينما والذي يعتبر نموذجا مدهشا مؤثرا وساخرا في الوقت نفسه من مشاهد مماثلة.. حيث يتبادل العاشقان اطلاق الرصاص علي بعضهما.. والذي قدمه المخرج.. بعبقرية مشهودة.. تؤكد قدرته وتفوقه الحقيقي.

فيلم دموي.. وقاسي عن الحرب.. ووحشيتها.. سواء وحشية النازيين أو وحشية اليهود لا يرحم أحدا.. ويدين بشكل عام.. الاحتلال والحرب واللا انسانية التي تسيطر علي هؤلاء الذين يخوضونها.

تارانتيو في فيلمه الأخير هذا يضع اكليلا جديدا حول سلة العنف والدم ولكنه يحيطها هذه المرة بأطواق من الورود الحمراء التي لا ندري حقا.. اذا كان هذا هو لونها الحقيقي.. أم أن الدم المراق هو الذي صبغها بهذا اللون الأرجواني.

فيلم كبير آخر نراه علي شاشاتنا.. في هذه الفترة فيما بين العيدين التي تعتبرها السينما المصرية فترة ميتة ترفض أن تعرض فيها أفلامها.. وهكذا تتاح لنا الفرصة لرؤية ما حرمنا منه من أفلام عالمية مثيرة.. لذلك يحق لنا، أن نقدم ولو لمرة واحدة لسينمانا المصرية.. كلمة شكر وعرفان، فهي علي الأقل سمحت بغيابها أن تفتح الأبواب واسعة لشمس السينما الحقة كي تضيء فكرنا وعقولنا.

أخبار النجوم المصرية في

29/10/2009