هو أحد فرسان الرومانسية في مسيرة الدراما المصرية ، أدرك بذكائه المتقد أن
«الوجود» لا يسمح «بالجمود»، فكان الأول من بين ابناء جيله الذي نزل إلي
جيل الشباب ولم يتردد في أن يمد يده بالعون مؤمنا بمقولته الشهيرة «السينما
فن شاب لا يمشي إلا في ركاب الشباب» وبرغم تاريخه العريق (173 فيلما)
ونجوميته الطاغية مازال يقف أمام الكاميرا ليمتعنا دائما بالجديد، هو
«البورسعيدي» ابن المدينة الصامدة صاحب «الحلم» هو الذي «لاتزال الرصاصة في
جيبه» الذي أبهرنا «بوطني عكا» و«ليلة مصرع جيفارا» والذي اطل علينا مؤخرا
بـ «وعد مش مكتوب»إنه صاحب الشخصية الموعودة بالتألق والنجاح، الفتي الأول
الفنان «محمود ياسين» في حوار خاص جدا لـ «الأهالي». < <
·
قدمت للتليفزيون أكثر من 50
مسلسلا وكلها أعمال لها تأثيرها في عرض قضايا المجتمع وهو ما وجدناه في
مسلسلك الأخير وعد مش مكتوب فلماذا كل هذا الغضب منك رغم نجاح العمل في
توصيل رسالته للمشاهد ؟
>> كنت أتمني أن يعرض المسلسل في وقت أفضل خاصة أنه لم يكن هناك إلحاح منا
علي عرضه، وكنا نعرف جيداً أن هناك حوالي 70 مسلسلا علي قائمة العرض برمضان
وأن هناك مزاحمة جبارة ، ورغم النجاح الكبير لمسلسل " السماح " الذي كان
يعرض طوال السنة والذي أعتبره من أفضل ما أنتج من مسلسلات كنص وأسكريبت
ورسالة وأفضل مائة مرة مما عرض من قبل ولكن للعام الخامس أو الرابع علي
التوالي لم يعرض لي مسلسل في شهر رمضان الكريم .. فقد آن الأوان لإتاحة
الفرصة أمام الرواد ومقدمي الفن الهادف للظهور بشكل راق علي شاشة
التليفزيون في رمضان، خاصة أن الفرصة تتاح لوجوه بعينها للظهور كل عام، وقد
كنت أرجو أن لا يعرض المسلسل في تلك المواعيد القاتلة في الخامسة فجراً
والحادية عشرة صباحاً لما يتضمنه مسلسل «وعد ومش مكتوب» من جهد كبير ورسالة
تستحق المشاهدة والرؤية المتأنية.
حركة المجتمع بطيئة
·
تحرص علي اختيار أعمال ذات صبغة
اجتماعية إنسانية انطلاقا من إيمانك بأن المجتمع المصري يحتاج إلي مثل هذه
الأعمال لإعادة تقييم نفسه، هذه رؤية صادقه منك وعميقة والمجتمع المصري
فعلا يفتقدها، ولكن هل تري انه من السهل تقييم أنفسنا ولماذا لا نتقدم خطوة
بعد هذا التقييم ؟
>>هذا سؤال مركب وحيوي ويهمني ألا يفوتني أي جزئية به ..فالأعمال التي قمنا
بها تنشغل بهموم المجتمع ومشاكله ورغم كثرتها وتكرارها فالمجتمع لم يتقدم،
هذا غير صحيح لأن المجتمع وحركة تقدمه هي حركة زمنية بطيئة وليست قفزات
متتالية وواضحة المعالم خاصة أن حركة المجتمع لا أحد يستطيع أن يصادرها
وخاصة المجتمع المصري لما له من جذور ثقافية وحضارية جبارة والكل يعرف أن
مصر من أهم دول العالم التي لها قامة ثقافية وحضارية كبيرة جدا ونحن نتقدم
ولكني بخطي بطيئة لأن تلك هي حركة المجتمع .. ورد الفعل علي أي عمل فني لا
يكون سريعاً ومؤقتاً ولكنه تراكم ومخزون ننهل منه كمجتمع حتي نتقدم ويكون
هناك نتاج إيجابي حقيقي علي أرض الواقع ..
الإبداع حق للجميع
·
شاركت في فيلم الباطنية مع
العملاق فريد شوقي 1980 وتمت إعادة الفيلم في عمل درامي هذا العام للفنان
صلاح السعدني هل تري أوجه قصور في إعادة هذه الأعمال خاصة في ظل نجاح العمل
الاصلي لك؟
>> النص عندما يكون لكاتب في قامة الأديب إسماعيل ولي الدين فهو مطمح شرعي
لكل زميل عندما يريد أن يقدمه بمعالجة جديدة ورؤية خاصة مع الحفاظ علي روح
العمل تحت عنوان " الباطنية " وعلي المستوي الشخصي .. فقد فكرت في إنتاج "
الباطنية " كمسلسل ولكني اتجهت إلي إنتاج فيلم " رحلة الشقاء والحب " من
الإبداع القصصي لإسماعيل ولي الدين خاصة أن الفيلم تناول مشكلة هجرة الشباب
وخطورتها الشديدة علي مصر في حينها .. وزملائي الآن عندما يقدمون هذا العمل
فهذا شيء مشروع ومتاح لهم .. فمصطفي محرم الذي أبدع في كتابة سيناريو
الفيلم هو نفسه الذي قدم سيناريو المسلسل ولكن برؤية جديدة فعلي سبيل
المثال دوري في الفيلم غير موجود بالمسلسل وهذه معالجة خاصة منه وأحترم هذا
وبصراحة لقد أبدع الفنان الجميل صلاح السعدني وباقي الزملاء وقدموا مسلسلا
راقيا فعلا ومن حق أي جيل قادم العودة إلي رواية الباطنية وتقديمها بشكل
جديد يتناسب مع حياتهم في المستقبل والإبداع ليس حكرا علي أحد ولكن من
الضروري هو كيفية المعالجة الراقية للعمل.
القامة العالية
·
معركة اليونسكو .. الميلودراما
والمواقف المضادة والجدل القائم حولها .. ما هي رؤيتك لتلك المعركة من جميع
جوانبها ؟
>> لا يجب أن نستهين بالثقل الخرافي لهذا البلد . فلا يوجد في المنطقة
بأكملها بلد يملك ما تملكه مصر من زخم معرفي وقيم حضارية . . فعندما كان
فاروق حسني في باريس كان يحمل معه قيما حضارية غير مسبوقة فقد كان يحمل "
القامة العالية " لمصر الوطن والثقافة ولهذا كانت صدمتنا كبيرة في الغرب
وفكره المتهور والمتدهور الذين غرقوا في آذانهم في إشكالية ما تم تناولها
بأكثر من شكل ولا يؤثر ما حدث في مصر كقيمة حضارية كبري ولا تؤثر في فنان
بقيمة فاروق حسني والخسارة لهم وليست لنا ومن حقنا أن نباهي الدنيا
بحضارتنا .. فالبلد الذي أنجب نجيب محفوظ الذي أدهش العالم .. وعميد الأدب
العربي طه حسين والعقاد وإحسان عبد القدوس والقائمة تطول .. من يملك هذا
الزخم وهذه القامات الكبري غير المسبوقة وخاصة في مجال الفن والفكر ويجب أن
يظل هذا دوما في أذهاننا.
الحلم قائم
·
قدمت أول مسرحية باسم الحلم
تأليف محمد سليم واخرج عبد الرحمن الزرقاني .. هل اختفي الحلم ولم نصبح
قادرين حتي عليه؟
>> بالطبع الحلم سيظل موجوداً في كل وقت .. وللعلم هذه المسرحية تمثل لي
ذكري شديدة الخصوصية لأنها أول بطولة لي علي خشبة المسرح القومي الذي كنت
أحلم بالوقوف عليه لأقول جملة واحدة فإذا بي أرشح لبطولة شاب ثوري مؤمن
بأفكار ثورة يوليو العظيمة وأعمل علي مسرح عمل عليه الفنان الكبير عبد
المنعم إبراهيم الذي كان يضرب به المثل في الإبداع المسرحي وكان حلمي وأنا
ببورسعيد أن أدخل وأقف علي خشبة المسرح القومي فإذا بي أحصل علي بطولة
مطلقة ونجحت المسرحية وألتفت الآخرون لموهبتي ومازلت أؤكد أن الحلم دوما
سيظل موجودا في حياتنا وفي فننا وفي مصرنا.
·
بورسعيد " المدينة الصامدة "
المتألقة قلباً وروحاً .. ماذا تمثل لك ؟
>> بورسعيد هي عشقي الأكبر .. في بور سعيد فعلنا ما لم يفعله الآخرون فقد
استطعنا أن ننشيء " نادي المسرح " في فيلا بديعة بجوار فنار بورسعيد، وكنا
نجتمع فيها نحن عاشقي المسرح وكل منا له تخصصه فكان هناك شوقي نعمان مهندس
الديكور المميز جدا وغيره من الزملاء العاشقين للمسرح وكل زميل يبدع في
مجاله وبدون مقابل مادي وكل ما نريده هو تقديم دراما مسرحية راقية لكبار
أدباء المسرح في العالم ونحن من اخترعنا مسرح الطليعة قبل أن ينشأ في
القاهرة .. فمنذ 80 سنة لم أجد مكانا بعظمة نادي المسرح هذا وتعلمت هناك كل
شيء عن المسرح قبل أن أخطو خطوة واحدة إلي القاهرة .. وكان والدي رحمه الله
يبتسم عند مشاهدتي وأنا علي المسرح وكان ذلك يسعدني للغاية ويدفعني للتقدم
ولكن كان من الصعب أن يوافق علي دراستي للفن فاتجهت لدراسة الحقوق وهي
دراسات إنسانية ذات الصلة ولقد ساعدتني جداً في عملي بحقل الفن .. وهذا
النادي العريق يذكرني بعراقة مسرح الأزبكية الذي أحلم بعودته مرة ثانية ..
مصر الحبيبة
·
أدباء ورواد في الذاكرة .. تدين
بالفضل لهم ؟
>> القائمة طويلة ومهمة يحضرني منها الكاتب الروسي الكبير أنطوني تشيكوف
وهو من أهم رواد المسرح العالمي .. وتشارلز ديكنز والكاتب الأنجليزي
المرموق شكسبير ونتوقف كثيرا عند النرويجي هانريك أبسن الذي فاقت شهرته
الأفاق ..وبالطبع مصر تتحدث عن نفسها فهناك العديد والكثير من الرموز
الكبيرة ومنها نجيب محفوظ وطه حسين عميد الأدب العربي وفارس الرومانسية
يوسف السباعي والكاتب الكبير إحسان عبد القدوس الذي قدمت من إبداعه القصصي
أكثر من 13 فيلما .. والراحل عبد الرحمن الشرقاوي والقائمة تطول إلي ما لا
حدود وكل هؤلاء أدين لهم بالفضل بعد بلدي الجميل مصر أم الدنيا وأم الفن
الراقي .. صاحبة الجذور الحضارية الراسخة والضاربة في القدم.
تجربة مهمة
·
كيف تري خوض الفنانين لتجربة
الإنتاج السينمائي ، خاصة بعد نجاح فيلم خلطة فوزية للفنانة إلهام شاهين ،
وهل هو حل يصلح لأزمة الإنتاج السينمائي ؟
>> بالطبع هي تجربة مهمة .. فقد أنتجت 9 أفلام وسعيد بها ولقد سبقني في
الإنتاج الكثير من الفنانين الكبار ومنهم الفنان الكبير يحيي شاهين
والعملاق فريد شوقي والكثير من الزملاء أراداو تقديم الفن بشكل أكثر رقيا
من وجهة نظرهم .. ولقد أنتجت الفنانة الجميلة إلهام شاهين أعمالا راقية
وناجحة وهذا راجع لكونها فنانة ذكية وموهوبة وتعرف كيفية الوصول إلي خلطة
النجاح وهذا نصيب كل مجتهد وعاشق للفن بشكل عام ..
السينما فن شاب
·
قدمت 173 فيلما من علامات
السينما المصرية ، فهل من الذكاء النزول ثانية والوقوف أمام الكاميرا مرة
ثانية في سينما الشباب .. كيف أستطعت أن تقوم بالسهل الممتنع ؟
>> لقد انتقلت من مرحلة إلي أخري بدون أن يدري أحد وهذا هو السهل الممتنع
ولقد كتب العديد من الكتاب عن أهمية تواجد " الجياد الأصيلة " في سينما
الشباب والحمد لله أنني نجحت في هذا الاختبار الجديد وما زلت مؤمنا بمقولتي
الشهيرة : السينما فن شاب لا يمشي إلا في ركاب الشباب ، لأن الشباب له رونق
خاص لهذا يجب أن تكون مقومات العمل الفني من نص وورق وسيناريو وأداء تتسم
كلها بالشباب وتمتزج بهم وتعبر عنهم وعن آمالهم وطاقاتهم ..
المسرح والقلب
·
المسرح قضية كبري ماذا يمثل لك
وأين أنت منه الآن ؟
>> بالفعل المسرح قضية كبري للمجتمع ككل وهي قضية تحتاج إلي رجال يعشقون
المسرح والفن الهادف .. والمسرح كان هو " العالم " بالنسبة لي ولا يوجد
مكان آخر في حياتي سواه ، وكنت أقوم بالإخراج لجامعة عين شمس بأكملها ولكن
التمثيل وخشبة المسرح كانا دوما عشقي الكبير .. ولهذا قدمت 25 مسرحية من
أهم ما دخل تاريخ المسرح المصري بدون مبالغة وقدمت خلالها العديد والكثير
من الوجوه الجديدة التي تألقت علي المسرح ولولا ذلك ما كان سمع بها أحد ،
ولقد قدمت «ليلة مصرع جيفارا» وكنت أقوم بدور جيفارا أمام الفنانة الكبيرة
سناء جميل .. وقدمت " وطني عكا " وكنت أقوم بدور البطل " مقبل " أمام سيدة
المسرح العربي سميحة أيوب .. ووقفت أمام الفنانة سهير البابلي في مسرحية "
حلاوة زمان " تأليف د رشاد رشدي .. فالمسرح المصري كان يقدم عباقرة بحجم
شفيق نور الدين وحسن البارودي وأحمد الجزيري وتوفيق الدقن .. كانوا عمالقة
بجد صعب أن نجد مثلهم في أي مسرح خارج مصر .. و منذ أجريت جراحة في القلب
لم يعد مجهودي يتناسب مع الوقوف يوميا علي خشبة المسرح ، رغم أنني أكاد
أموت شوقا للوقوف علي خشبة المسرح ، ولكن لم يعد هناك ما يشجعني علي هذه
الخطوة ، والتي أعتبرها مخاطرة ، وأخاف بعد كل الذي قدمته وكتبته في تاريخي
المسرحي أن يضيع لو أقدمت علي تقديم مسرحية ليست علي مستوي أعمالي السابقة.
الأهالي المصرية في
27/10/2009 |