تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

الديكتاتور علي الشاشة

بين النكتة.. والكاريكاتير.. والرغبة في الإضحاك

ماجدة موريس

لا أظن أحدا يختلف معي علي أن نماذج الديكتاتوريات كثيرة حولنا، من آسيا لإفريقيا لأمريكا اللاتينية.. ولا أظن أحدا أيضا، لا يدرك كم المعاناة التي تتكبدها شعوبنا من جراء الحكم الديكتاتوري، بكل ما فيه.

ولكن، لا يظن أحد منا - علي ما أعتقد - أن الديكتاتور لا يتعب من أجل البقاء في السلطة، وحراسة «الكرسي» من الطامعين فيه، تعب يستدعي جهدا كبيرا في البحث عن أعوان وأنصار وشراء البشر، منهم خبراء ومتخصصون ومشتاقون.. يتراوح حلمهم بين الحصول علي المكاسب أو مجرد القرب من دوائر الحكم «من جاور السعيد يسعد».. وفي النهاية.. فإن الديكتاتور هو صناعة مشتركة بين الماضي والحاضر وسلوكياته وشعبه.. ولكن هذا الفيلم المصري الجديد للمخرج إيهاب لمعي.. يري الأمور ببساطة أكثر.. و«رواقة» أكثر تجعله يكشف لنا أن المسألة لا تستحق أي جهد لانتزاع بلد من شعبها والجلوس علي عرشها وممارسة الشهوات والغرائز والنهب علي طول الخط، الفيلم من ضمن أفلام عيد الفطر، ذات العمر القصير، لأن أفلام عيد الأضحي سوف تهل علينا بعد وقت قصير من الآن، وهو يقدم إلينا بطلا جديدا من أبطال السينما المصرية هو الممثل الشاب خالد سرحان الذي يقوم بدور بطولة مزدوجة، أي بدور ابني الحاكم الديكتاتور التوأم «عزيز» و«حكيم» في فيلم كتب هو قصته أيضا وتدور أحداثه في جمهورية «بمبوزيا» الخيالية العظمي وهي جمهورية من جمهوريات العالم الثالث يحكمها الجنرال «شنن» الذي يقوم بدوره حسن حسني، والذي تؤرقه كوابيس السلطة التي يري البعض فيها يحاول إقصاءه عن الحكم وسحب الكرسي من تحته، فيقرر اللجوء لفعل مضاد ويتزوج من أجل الإنجاب وفور ولادة زوجته لطفليه التوأم تموت، أو كأن هذا هو دور المرأة في حكم الديكتاتور، وتحل محلها أخري ذات ثدي جبار لإرضاع طفلين لا يشبعان! ثم يختصر الفيلم الزمن بقفزة واحدة لتراهما وقد كبرا وأصبحا شابين علي مقاس الوالد، وشبهه، الأول «عزيز» همه في الحياة النساء بكل الأشكال والألوان، حتي حين يذهب مع معلمه «عزت أبوعوف» لمصر للدراسة فيها فإن أول من يستقبلهم في قصره هو القواد «إدوارد» ومعه أصناف من البنات، ولهذا يقرر وجود صنف مختلف من الحريم يرفضه حين يكتشف وجود مدرسة تاريخ محترمة اسمها بسمة «مايا نصري» تحاول أداء واجبها رغم حضوره المتورم، وكعادة أبناء الملوك والرؤساء علي شاكلة «شنن» يلجأ «عزيز» إلي تكتيك آخر للحصول علي بسمة هو إغراؤها بوظيفة فاخرة، مديرة العلاقات العامة له ومكتبها في قلب القصر الذي يتخذه مقرا في مصر «بعيدا عن والده الديكتاتور الذي يفترسه القلق من الطامعين»، ومن عدم فهمه لسلوك ابنه الآخر، حكيم، الاقتصادي الفلتة، الذي يسير علي مبدأ: باع.. يبيع.. مبيع.. والذي باع حتي أدوات القصر الرئاسي، والمج الذي يستخدمه والده، وشرع في بيع المقر، لكنه آثر أن يؤجره غير أنه توقف مضطرا بسبب انقلاب عسكري أوشك فيه عزيز وأبيه علي أن يعدما قبل أن ينقذهما بعض الأنصار وينتهي بهما المطاف في حوزة رجل شعث الشعر، شبه مجنون «ضياء الميرغني» يأخذهما إلي مقره الكائن في خرابة قريبة من شاطيء البحر ليتفنن في تعذيبهما وقد علقهما مثل الذبائح وهو يهذي متذكرا ما فعلاه - أي الديكتاتور وابنه - فيه وفي الآخرين.. أما «عزيز» في القاهرة فيتنقل بعد الانقلاب في «بمبوزيا» من العز إلي البهدلة والذل، ويشارك أولاد الشوارع مكانهم ولقمتهم ويري بعينيه «زعامة» أخري، في هذا المستنقع ويكاد يموت قبل أن ينقذه معلمه والمدرسة التي أحبته بصدق، ثم تتغير الأمور حيث يختلف زعماء الانقلاب مع بعضهم البعض، فيطيح بهم أنصار الديكتاتور ويعيدونه إلي «الكرسي».. وتزهو له الدنيا من جديد.. ومن المؤكد أن الفيلم يمتلك طموحا للتعبير عن فكرة سياسية شائعة، مازالت في عنفوانها حين نسمع ونقرأ ونري علي فترات قصيرة الآن ما يحدث في العديد من الدول بفعل الانقلابات العسكرية، وآخرها في إفريقيا في الجابون، ولكن الطموح شيء.. والقدرة علي تجسيده في رؤية فنية قوية أمر آخر، ومن المؤكد أيضا أن مخرج الفيلم إيهاب لمعي هو واحد من الأسماء المجتهدة في جيل ظهر في العقد الأخير علي ساحة السينما المصرية، كما أن الفيلم يمتلك في عمومه صورة معبرة فنيا من خلال التصوير والإضاءة والملابس والديكور، ويمتلك أجزاء جيدة إخراجيا، فيما يخص علاقة الديكتاتور بالناس «وهي قليلة للغاية» ومشاهد المجاميع ومشاهد سحل الديكتاتور وابنه، والموسيقي التي أضافت الكثير في لحظات متعددة، إضافة إلي جهد واضح في إدارة الممثل، سواء البطل خالد سرحان في دوريه وجهده هو أيضا في إدراك وتوضيح الفروق بين عزيز وحكيم، وهو ما جعلهما لا يلتبسان علينا وقدرته علي تلوين أدائه بشكل تراجيدي كوميدي، ثم أداء عزت أبوعوف المنضبط والمنسجم مع الشخصية، وكذلك فاروق فلوكس الممثل النادر الظهور الآن وصاحب الحضور المميز، وضياء الميرغني ذلك الممثل الموهوب في الأدوار المعبرة عن الشخصيات المهزومة داخليا والمشحونة بالقهر، وممثلان كان أداؤهما أقل من المتوقع الديكتاتور نفسه «حسن حسني» الذي يبدو هنا فاقدا لألقه في دور كان يستحق جهدا أكبر و«إدوارد» القواد الذي يكرر نفسه الآن في هذه النوعية من الأدوار، ونأتي في النهاية إلي البطولة النسائية ممثلة في «مايا نصري» إن الحضور الهاديء والمقدرة التعبيرية القادرة علي جذب المشاهد بأسلوب الأداء أكثر من شكله، وأكثر من المظهر الخارجي الفاقع لكن كل هذا شيء، والرؤية الفنية، والفكرية شيء آخر، وهو ما عجز الفيلم عن تقديمه، فهو فيلم يقوم علي المانشيتات والعناوين الشائعة عن فكرة الديكتاتورية، والصورة الكاريكاتورية للزعيم، وأبنائه، وليس هكذا تقدم الأفكار المهمة علي الشاشة، وإنما من خلال بناء درامي وسيناريو محكم يجيب عن أسئلة أساسية حول الديكتاتور وصناعته ونشأته وحياته.. إلخ، فنحن - في الفيلم - لا نعلم أي شيء عن ماضي بطله ولا المناخ الذي صعد فيه ولا خصومه ولا معارضيه ولا حتي محبيه، بل لا توجد لحظة جادة واحدة في الفيلم تخصه هو وأبناءه، والفيلم - أي فيلم سينمائي - ليس نكتة ولا إفيهات وألعاب حواة.. وإنما قصة وبناء يسلم كل جزء فيه للآخر.. وكما أنه لا توجد قيود علي الفن، لكن هناك محظورات أولها ألا يمس المقدسات، ومن هذه المقدسات «العلم الوطني» رمز الدولة، حتي لو كانت دولة بمبوزيا، وبالتالي لا يصح الاستناد إلي أنها دولة خيالية لاهانة هذا الرمز وجعله حزاما للرقص.. فمن حق الجمهور أن يضحك.. ولكن ليس علي الأمور القليلة المحترمة الباقية في حياتنا.. أخيرا.. فإن النوايا الحسنة في تقديم فيلم كوميدي، وفي تقديم فكرة «ساخنة» تختلف عن أفكار أفلام الضحك.. كان يتطلب من صناع الفيلم احترام الجمهور أكثر عند التعامل مع الفكرة.. وقبل أن تتحول إلي صورة علي الشاشة.

الأهالي المصرية في

27/10/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)