تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

الضحك مع الزومبيز يرافق المعارك

محمد رضا

حين منحنا المخرج جورج س. روميرو فيلم “ليلة الموتى  الأحياء” سنة 1967 صوّر لنا الزومبيز، وهي الكلمة التي تُطلق على المرضى من آكلي لحوم البشر، بشراً بالكاد قادرون على الحركة. آنذاك، كان الإنسان السليم، الذي ينوي البقاء هكذا، لديه متّسع من الوقت لكي يهرب ركضاً، لأن الزومبي لن يستطع مجاراته في الركض.

هذه الأيام، الزومبيز يستطيعون الركض والقفز وتسلّق الأعمدة ويتمتّعون بقوّة تجعل درء خطرهم أصعب بكثير من ذي قبل، لكن شيئاً واحداً بقي على حالته: إصرار الزومبي على الوصول الى ضحيّته والإجهاز عليها مهما كانت المصاعب. عناده شديد ووجهته لا تحيد. لذلك على الأحياء الأصحّاء أخذ حيطة أكبر من ذي قبل ومواجهة القوّة المتوحّشة بقوّة السلاح التي لا تقل وحشية لولا أنها الحل الوحيد المتاح أمام بطل الفيلم او مجموعة أبطاله.

نرى كل ذلك في فيلم جديد عنوانه “أرض الزومبي” (او “زومبيلاند”) لمخرج جديد بدوره اسمه روبن فلايشر قد يكون، ابن المخرج الراحل رتشارد فلايشر الذي هو بالتأكيد ابن صانع الرسوم المتحرّكة ماكس فلايشر الذي تزامن مع “وولت ديزني” في ذلك الفن وإن لم يتمتّع بشهرته. الفيلم من كتابة بول ورنك ورت ريز اللذين وضعا السيناريو خصيصاً للسينما، ومن بطولة وودي هارلسون وجيسي ايزنبرغ وإيما ستون وأبيكيل برسلن ثم مجموعة من الجثث المتحرّكة لوازم لا الخوف هذه المرّة بل الضحك، فالفيلم كوميدي المعالجة ولو أن مشاهد الخطر مثيرة.

إنه معني بأمريكا في المستقبل القريب وبطله الأول، كولمبوس (ايزنبيرغ) هو المعلّق على الفيلم وبسرعة يقرر أنه لا يزال حيّاً وسليماً لأنه اتبع عدة قواعد أساسية لدرء خطر التحوّل الى وليمة. هذه القواعد نجحت في إبقائه حيّاً حتى لحظة بداية الفيلم. من هذه اللحظة يجد نفسه في سلسلة من المخاطر وليست كلّها نتيجة الزومبيز، بل بعضها نتيجة الإنسان المُعافى مثله، فبعد قليل من بداية الأحداث سيلتقي و”تالاهاسي” (كما يؤديه وودي هارلسون جيّداً). رجل فخور بأنه قتل عشرات (إن لم يكن مئات) الزومبيز ولديه خبرة لا يستهان بها في هذا المجال وسوف يقتل العديد منهم قبل أن ينتهي الفيلم. الاثنان يؤلّفان صداقة بعد عداوة وعدم ثقة. وسينمائياً يشكّلان ثنائياً جيّد التوليفة: واحد (كولمبوس) لا يزال يتعلّم ولا يعرف الكثير عن الجنس الآخر (الذي سيلتقي به بعد قليل) والثاني خبير قتل ومحترف حياة عنيفة. كلاهما، على أي حال، يقع في فخ فتاتين شقيقتين هما أيضاً من الهاربين الدائمين من جموع الزومبي في تلك البلاد التي صار اسمها، في الفيلم طبعاً United States of Zombies دخل تالاهاسي وكولمبوس متجراً ليكتشفا وجود مجموعة من الزومبيز فيه. يتكفّل تالاهاسي بقتلهم كل بسلاح مختلف قبل أن يكتشفا أيضاً وجود الفتاتين. أكبر الشقيتين سنّا تدّعي أن شقيقتها الصغيرة ستصاب بالفيروس ولابد من قتلها وتطلب منهما سلاحاً لكي تقتلها بنفسها، لكن ما أن يتبرّع أحدهما بسلاحه حتى يكتشفان بأنها حيلة للحصول على ذلك السلاح والسيّارة التي كانا يقودانها في انتقالهما من مدينة الى أخرى.

يلتقي بطلا الفيلم ببطلتيه لاحقا ويؤلّفون رباعياً مقاتلاً (والفتاتان تبرهنان على أنهما لا تقلان ضراوة عن الرجلين)، لكن ليس من قبل أن يدخل الجميع منزل ممثل هوليوودي استطاع البقاء حيّاً بسبب الماكياج الذي يرتديه ليظهره كما لو كان أحد السفّاحين. الفصل الأخير تقع فيه المعركة الكبيرة، وهو مثل كل مشاهد الفيلم التشويقية جيّد التنفيذ على عكس المشاهد الكوميدية التي تتفاوت حرارتها وكثير منها يسقط في المسافة بين الشاشة والمشاهد.

 

الرعب ولد على يديه

ادغار ألان بو عبقرية أطفأتها التعاسة

إدغار لم يكتب الخيال العلمي، لأنه لم يكن هناك صفة لهذا الخيال، لكن بعض ما كتبه من غرائبيّاته تعتبره المراجع تمهيداً لذلك النوع من الروايات. قصّة حياته كانت عبئاً عليه طيلة عمره الذي لم يتجاوز الأربعين سنة حين مات. وُلد ابناً لممثلين مسرحيين لكن والدته توفّيت حين كان في الثانية من عمره ووالده كان هجرها قبل ذلك بنحو عام. حين ماتت تيتّم ادغار وشقيقه وشقيقته وما لبثوا أن توزّعوا. ثري من الجنوب الأمريكي اسمه جون ألان تبنّاه إرضاء لزوجته التي لا تنجب. لم يحبّه كما لو كان إبنه لكنه صرف على تعليمه. مشاكل إدغار بدأت من سنوات الشباب إذ كان في العشرين من عمره حين أخذ يعاقر الخمر والقمار فتم طرده من الكليّة التي كان يدرس فيها وما لبث والده بالتبنّي أن طرده من حياته حين امتنع عن تزويده بالمال. كان وضع كتاباً من الأشعار سنة 1827 حين كان في الثامنة عشرة من عمره ووجد أن ميوله تكمن في الصحافة والكتابة فانتقل في العمل في الصحف من دون أن يستطيع التغلّب على إدمانه الشرب. في ثلاثينات القرن التاسع عشر وأربعيناته كتب معظم رواياته القصيرة (لديه رواية طويلة واحدة هي “حكاية آرثر غوردون بين”).

في العام 1847 ماتت زوجته التي أحب، وقبل يومين من وفاته عُثر عليه متشرّداً في الدروب وهو في حالة إعياء. وكان أصيب بمرض السل في 1843 وعانى منه حتى موته.

بعد وفاته وُجدت في حوزته رسالة كتب فيها “مؤمن بأن الله أودعني عبقرية متوهّجة، لكنها تمرغت في التعاسة”.

هو أيضاً كتب ذات مرّة: “لا أتوقّع ولا التمس التصديق حيال ما سأكتبه من خيال مفرط وفي الوقت ذاته أليف”. ومن هذا المنطلق وضع بو عشرات القصص القصيرة التي وجدتها السينما نموذجية في سعيها لتقديم قصص الرعب الكلاسيكي على الشاشة. وهذا بدأ قبل 101 سنة عندما قام مجهول باقتباس رواية بو “جرائم قتل في شارع المشرحة”. في العام التالي، كان هناك فيلمان مأخوذان عن بعض أعماله واحد فرنسي لهنري دسفونتين هو “الحفرة ورقّاص الساعة” والآخر أمريكي بعنوان “الغرفة المختومة” أخرجه ديفيد و. غريفيث.

بعد ذلك تكاثرت الأفلام المقتبسة عن روايات المؤلف طيلة المائة سنة السابقة ووصولاً الى مطلع هذا العام عندما تم إعادة تحقيق قصّة “الحفرة ورقّاص الساعة” (وحدها اقتبست أكثر من عشر مرات) في فيلم أخرجه الجديد ديفيد ديكوتيو من بطولة لوريل نيو وستيفن هانسن وآخرين من شبّاب السينما الجدد غير المعروفين. الفيلم ذاته صغير ولا يوازي اقتباس المخرج ستيوارت غوردون سنة 1991 الذي قام ببطولته ممثل أدوار الشر (عادة) لانس هنريكسن. كذلك فإن نسخة 2009 المذكورة لا تصل الى جودة فيلم روجر كورمان الذي قام فنسنت برايس (وكان أحد أهم ممثلي أفلام الرعب والشر) ببطولته لجانب الممثلة البريطانية باربرا ستيل التي كان لها حضور في مثل هذه الأفلام في ذلك الحين.

هذه النسخة تصورت سنة 1961 وبعدها بثلاث سنوات قدم ثنائي كورمان وبرايس رواية أخرى من أعمال إدغار ألان بو الجيّدة هو “قناع الموت الأحمر” التي نشرها المؤلّف سنة 1842 ولاقت من حينها اهتماماً أدبياً كبيراً.

على أن كورمان وبرايس سبق لهما أن قدّما رواية أخرى لبو هي “سقوط منزل آشر” التي انتقلت الى الشاشة أكثر من مرّة من بينها ثلاثة أفلام فرنسية (بدءاً من العام 1928). كما استوحى منها المخرج البريطاني كن راسل مادّة فيلمه ذي القصّة المعاصرة سنة 2002 فيه حوّل المخرج الذي كانت له صولاته في السبعينات فيلماً موسيقياً من الروك أند رول ولو أن أحداثه بقيت مستوحاة من الأصل.

على كثرة الأفلام التي اقتبست عن رواياته، والتي لا مجال لإيرادها هنا فإن أفلاماً قليلة تحدّثت عن حياته. أحد هذه الأفلام أخرجه في أمريكا عربي من الأردن أسمه محيي الدين قندور قام سنة 1974 بزيارة لبنان ومعه نسخة من فيلم سمّاه “شبح إدغار ألان بو”. عرضه على الحفنة من النقاد الذين أمّوا العرض الخاص. بعد ذلك عرض الفيلم، الذي قام بدور الكاتب فيه روبرت ووكر، تجاريا وتم سحبه بعد أسبوعين. لم يختف الفيلم فقط، بل اختفى أيضاً مخرجه. باربرا ستيل في “الحفرة ورقّاص الساعة” سنة 1960 المخرج كن راسل حين حقق اقتباسه.

 

أوراق ناقد

مجلات وملايين

لا تزال هناك، حول العالم، مجلات سينمائية ترصد أموراً لا يتابعها الا المتخصصون في السينما. مجلات تبحث، مثلاً، في سيرة ممثلين لم يسمع أحد بهم من قبل، او تنشر سبع صفحات عن اللقطة الأخيرة من فيلم معيّن، او مقالة عن مخرج او مدير تصوير او مصمم مناظر لم تطالع اسمه الصحف سابقاً. إنها مجلات موجودة بعضها لديه نحو عشرين ألف اشتراك وبعضها أقل من ذلك قليلاً او أكثر من ذلك بقليل.

ليس لهذه المجلات ميزانيات كبيرة، ولا معونات مهمّة ولا دعايات تجارية يؤخذ بمقدارها او حجمها. ليس لديها أيضاً النيّة أن تتوقّف وتقول: ليذهب القراء الى الكومبيوتر ويبحثوا بأنفسهم. على العكس هي حيّة الى آخر دولار في الحساب المصرفي ولن تتوقّف لمجرّد أن الجمهور الجديد من هواة السينما يريد أن يرى كلاباً ترقص وقططا تغنّي وفيلة تطير او “سوبر هيرو” لا يمكن لشيء أن يردعه، او قاتلاً من سفّاكي الدماء تُطلق عليه قذائف مدفعية لكنها لا تؤذيه لأنه أقوى من الموت.

وعلينا أن نصدّق أن هناك جمهوراً إذا جمعته على بعضه بعضاً صار بالملايين يرفض هذه الأفلام، بل هذا الجمهور هو أكثر عدداً من الجمهور الذي يقبل بها. فقط، للدلالة، لاحظ أن المائة مليون دولار التي يجمعها فيلم ما من شاكلة هذه الترهات من عروضه التجارية ترجمة لعشرة ملايين فرد فقط دخلوا الصالات التي تعرضه. أما ال 290 مليون فرد آخر فهم يأنفون عنها وملايين عديدة منه تفضّل فتح محطّة تلفزيونية تعرض أفلاماً قديمة لإدراكها أن السينما باتت هناك أكثر مما هي هنا والآن.

وهذا الجمهور الرافض في تكاثر. “هوليوود” تعرف ذلك، و”بوليوود” تعرف ذلك. والقاهرة تعرف ذلك. ومن ينضم اليه، إذا كان محبّاً للسينما، ما عليه الا التواصل مع ماض مجيد كانت السينما فيه حياة قائمة بذاتها، وهو إذ يعاود زيارتها ينتشل نفسه من واقع لا يرضيه في كل مرّة.

هذه المجلات تلعب دورها في صمت. وتتخصص في فضاءاتها واهتماماتها: هذه عن السينما بشكل عام، تلك عن الماكياج. الثالثة عن المونتاج. الرابعة عن السيناريو. وأخرى عن الأفلام الصامتة والقديمة وهناك (على الأقل) ثلاث مجلات سياسية التوجّه. طبعاً على الإنترنت ستجد أكثر منها عدداً، لكن فقط لو وُلدت في عصر التكنولوجيا الحديثة لن تشعر بما تفتقده من قيمة الإمساك بالمجلة والكتاب والصحيفة. بقيمة الورقة والحبر. ما يُطبع على الورق لا يزال أثمن بكثير مما يظهر على شاشة الكمبيوتر- وهذه حقيقة.

م.ر

merci4404@earthlink.net

http://shadowsandphantoms.blogspot.com

الخليج الإماراتية في

24/10/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)