نال الفيلم النروجى «مأساة جميلة» للمخرج ديفيد كنسيلا الجائزة الكبرى، في
مهرجان الإسماعيلية الدولي للفيلم التسجيلي والقصير الذي اختتمت فعاليات
دورته
الثالثة عشرة، أخيراً.
وذهبت جائزة أفضل فيلم لفئة الأفلام التسجيلية الطويلة إلى الفيلم الياباني «اليابان،
قصة حب وكراهية» للمخرج شون ماك أليستر، بينما ذهبت جائزة لجنة التحكيم،
ضمن هذه الفئة، إلى الفيلم الأميركي «شركة الأغذية المتحدة» لروبرت كينر،
في حين
حصل الفيلم الإسباني «شخص غير مرغوب فيه» لفابيو ويتاك على شهادة تقدير
خاصة ضمن
الفئة ذاتها.
في فئة الأفلام الروائية القصيرة فاز بالجائزة الفيلم الإسباني «أمام عينيك»
إخراج آرون جى.مليان، بينما ذهبت جائزة لجنة التحكيم، ضمن هذه الفئة، الى
الفيلم
الجزائري «قولي لي» للمخرجة صابرينة دراوي... هذا الى جانب عدد لا يحصى من
الجوائز
الأخرى والتنويهات.
وكان مهرجان الإسماعيلية، الذي يرأسه الناقد السينمائي علي أبو شادي، عرض
نحو
مئة فيلم في قصر الثقافة في المدينة، فضلاً عن عروض أُجريت في المنتديات
والمقاهي
والمدارس، كما تم تكريم المصور والمخرج المصري حسن التلمساني، فضلاً عن
ورشة عمل
سينمائية أنجزت أفلاماً قصيرة تتمحور حول «الموسيقى في المكان»... كل هذا
الجهد
يحيلنا إلى جملة قالتها مدير عام المهرجان السيدة عبلة سالم: «كلنا نعمل
كأوركسترا
يقودها المايسترو علي أبو شادي»، وأضافت سالم: «على رغم الجهود المضنية
وساعات
العمل الطويلة، غير أن جو الألفة والحميمية، والرضا الذي نلحظه على وجوه
الضيوف
يزيلان التعب، وهو ما يجعلنا نسخّر كل الطاقات للارتقاء بهذا المهرجان دورة
بعد
أخرى».
قراءة في المهرجان وأفلامه
اذاً، انتهت دورة جديدة من عمر مهرجان الإسماعيلية الدولي للفيلم التسجيلي
والقصير، لتسهم في إعطاء هذا المهرجان مزيداً من الزخم والتألق. الدورة
حملت الرقم 13، وهو رقم يبعث
على التفاؤل، ويحمل في طياته أرشيفاً من الانجازات المتمثلة في
كشف المواهب الجديدة، وتقديم أفكار سينمائية طموحة، وإيجاد
حوار ثقافي وفني جاد
يتواصل من دورة إلى أخرى. لا أضواء فاقعة،
ولا نجوم تلمع بومضات خاطفة أمام عدسات
المصورين، لا ترف ولا سجادات حمر كما هو
المشهد المعتاد في المهرجانات السينمائية.
هنا، وتحت سماء هذه المدينة الوديعة؛ الغافية في حضن غابة من أشجار المانغا
والنخيل، كل شيء يسير بهدوء، تماماً كتلك البواخر والسفن التي تتهادى برفق،
كشريط
سينمائي، فوق مياه القنال حيث يسكن ضيوف المهرجان في قرية سياحية على ضفته.
لكن وسط
هذه البساطة والألفة، والخضرة اليانعة تأتي السينما من كل بقاع الأرض بكل
ضجيجها،
وصخبها، وجنونها لتحرض على الأسئلة المقلقة، ولتثبت أن الفن السابع مغامرة
مجهولة
لا حدود لآفاقها، وسحرها، وقدرتها على الدهشة.
وإزاء هذه الرحابة السينمائية، يصعب تصنيف أفلام المهرجان، أو المجازفة
بمنحها
هوية طاغية، فهي أفلام تباينت مواضيعها ورؤاها واهتماماتها، ذلك أنها ثمرة
ثقافات
مختلفة، وقادمة من جغرافيات متباعدة.
ولنا أن نتخيل مقدار الاختلاف، في المضامين، وكذلك في أسلوب المعالجة، بين
شريط
مصنوع في أميركا اللاتينية، وآخر في الشرق الآسيوي الأقصى، وثالث في مدينة
أوروبية
تعيش عصر ما بعد الحداثة، على أن ذلك لا يلغي الأسئلة الإنسانية المشتركة
التي
يتقاسمها صناع الفيلم التسجيلي في كل مكان على هذا الكوكب، أولئك الذين
يجتهدون في
ارتياد أماكن منسية؛ ومخفية خلف حجب سميكة تفرضها الاعتبارات السياسية
والقيم
الأخلاقية والاجتماعية والدينية السائدة هنا وهناك. وهكذا سنجد أن فيلم
«يوم في
العمر» الآتي من هونغ كونغ، بتوقيع ووك زون، والذي يتحدث عن مأساة سيدة
عجوز تعمل
لتحيا وسط أيام رتيبة مملة، يتقارب مع الفيلم الفنزويلي «ماري والعالم
الجديد»
للمخرج جورج ووكر توريس الذي يتناول، بدوره، حكاية ماري؛ الفتاة الشابة
التي تضطر
إلى التقاط رزقها من بين أكوام القمامة عبر جمع الزجاجات وعلب الصفيح
الفارغة في
بلد يعوم على بحر من النفط. وإذا كان الفيلم الاسباني «ضمان لمدة سنتين»
لخوان بارا
كوستا يطرح فكرة طريفة حول زوجة تعاني من معاملة زوجها السيئة، والذي يقترح
على
إحدى الشركات زوجة جديدة مع ضمان أن تكون صالحة لمدة سنتين، فإن الفيلم
المكسيكي «ريجي»
لراؤول كويستا، وآنايس هويرتا يتقصى مزاج سيدة تقضي أربعة عقود في مدينة
مكسيكو الصاخبة، لكن الحنين يغلبها للعودة إلى بساطة قريتها البعيدة،
فتكتشف أن
الحياة ليست وردية، هنا، كما كانت تعتقد. أما الفيلم الروسي «خط الأنابيب»
لديمتري
أفيرين، فيذكرنا بأجواء رواية جنكيز ايتماتوف «ويطول اليوم أكثر من قرن»،
فهو يرصد
المعاناة التي يعيشها احد حراس أنابيب النفط في منطقة نائية، ينتظر دقات
الساعة،
وحيداً، كي ينقر على أنابيب النفط ليستنتج البيانات الممكنة، لكنه يعاني
أزمات
نفسية حادة كما هو الحال بالنسبة الى بطل الفيلم الروائي الفرنسي القصير
«الزمن
العاقل» لبيير دينيير الذي يتعقب فتاة صغيرة في شكل هستيري، فتصادفه مشكلات
غير
متوقعة.
في موازاة هذه الأصوات السينمائية الخافتة التي تخاطب عزلة الفرد، وترصد
وحدته
وعجزه وأزماته وهمومه الصغيرة، رأينا أفلاماً منهمكة بطرح قضايا عامة تتعلق
بالبيئة
والصحة والفساد والاضطهاد وتداعيات الحروب والنزاعات القبلية والعرقية
والطائفية.
ففي الفيلم الأميركي «شركة الأغذية المتحدة» لروبرت كينر سنكتشف معلومات
ومفاجآت
صادمة حول آلية صنع الأغذية المعلبة التي تناقض، تماماً، تلك الصور النظيفة
الجذابة
الملصقة على تلك العلب. أما الفيلم البريطاني «نداء الوطن»، والذي تم
تصويره،
كاملاً، في حجرة الهاتف، فهو عبارة عن لوحة إنسانية مشحونة بالعاطفة تظهر
أحوال
المهاجرين في لندن وعلاقاتهم بأهلهم في بلدانهم البعيدة، في حين يكشف
الفيلم الكندي «يا
أمي، التحقيق مع عمر خضر» لباتريشو هنريكيز عن ممارسات فظيعة تحدث داخل
المعتقل
الأميركي الشهير غوانتانامو.
ومن الطبيعي أن تطغى النبرة السياسية على الأفلام العربية المشاركة، فعدسة
المخرج التسجيلي لا تستطيع أن تتجاهل بؤر التوتر والصراعات الكثيرة في
العالم
العربي، وهكذا سنرى أن أياد الداوود يذهب عبر فيلمه «دايرين السلام» إلى
إقليم
دارفور ليعود بشريط يقترب من الألم الإنساني في تلك المنطقة الجريحة من دون
أن
يتورط في التأويلات السياسية المتضاربة. وبينما يستعرض العراقيان حسين
جيهاني
وتانيا رؤوف في فيلمهما «التصوير بواسطة النار» محنة بلادهما من زاوية
خاصة، فإن
اللبنانية ندى دوماني تناولت المحنة ذاتها عبر فيلمها «رحلة المكان»، لكنها
تشتغل
على موضوعة متكررة تتمثل في جدلية العلاقة بين الوطن والمنفى في الحال
العراقية.
وللقضية الفلسطينية نصيب جاءت به المخرجة أسماء بسيسو من خلال فيلمها «أنا
غزة»
الذي يظهر، في شكل تقرير تلفزيوني مطول، ومصطنع، تداعيات الحرب الإسرائيلية
الأخيرة
على غزة. أما مؤيد عليان فيقيس في فيلمه «ليش صابرين» مدى وطأة الاحتلال
الإسرائيلي
على خلفية قصة حب حزينة، نسجت مفرداتها خلف الأسلاك الشائكة. الفيلمان
المصريان
يناقشان ملفات محلية، فـ «شهر 12» لمحمود شكري يختزل ملف الفساد
والمحسوبيات. أما «المستعمرة»
لأبو بكر شوقي فيتجول في الأحياء البائسة في القاهرة ليوثق معاناة مرضى
الجذام. الحضور المغاربي جاء من خلال فيلمين جزائريين هما «سكتوا» لخالد بن
عيسى،
الذي يروي حكاية بسيطة عن شاب يعاني ضجيج الحي الذي يسكن فيه، و «قولي لي»
لصابرينة
دراوي التي تعقد حواراً بين فتاتين (هما في النهاية فتاة واحدة) تختلفان في
رؤيتهما
للحب والجنس والحياة، وفيلمين مغربيين هما «جذور» لعز العرب العلوي الذي
يستل
حكايته من الموروث الأمازيغي، و «الكفالة» لنوفل برواي الذي يصوغ حكاية
مشوقة عن
رجل قضى عشرين عاماً في السجن ثم خرج ليبدأ حياة جديدة حافلة بالمفاجآت.
ولئن غابت
سورية بفيلم يمثلها، فإنها حضرت بعيون المخرج المغربي محمد بلحاج الذي مثل
قطر
بفيلمه «هل تستمر الرسالة؟» مستعيداً تجربة المخرج السينمائي السوري -
الأميركي
مصطفى العقاد التي انتهت نهاية تراجيدية حين قضى صاحب «الرسالة» و «عمر
المختار» في
تفجير إرهابي في العاصمة الأردنية قبل أربعة أعوام.
والى جانب الندوات المصغرة التي أعقبت العروض، كانت إدارة المهرجان موفقة
في
اختيار موضوعة بالغة الأهمية لمناقشتها في ندوة المهرجان الرئيسة، تحت
إشراف المخرج
سيد سعيد صاحب «القبطان»، والتي حملت عنواناً لافتاً «الفيلم التسجيلي في
عصر
القنوات الفضائية»، وتمحورت حول التقنيات التكنولوجية الهائلة التي ظهرت في
مجال
تصوير الأفلام التسجيلية وطرق عرضها، ودور الفضائيات في إيصال الفيلم
التسجيلي إلى
المتلقي بطرق يسيرة. ولوحظ في هذه الدورة أن منظمي المهرجان حاولوا الذهاب
بالسينما
إلى الجمهور عبر عروض جماهيرية في المنتديات والمقاهي والمدارس في مدينة
الإسماعيلية، وهو إجراء، إذا تكرر، سيسهم في إشاعة ثقافة الفيلم التسجيلي
الذي لا
يجذب كثيراً الجمهور العادي، على رغم أن هذه الأفلام التسجيلية ملتصقة
بالواقع
الملون والمضطرب الذي يعيشون فيه. وخرقاً لتقاليد المهرجان التي تنص على
تكريم
السينمائيين الأحياء فحسب، ارتأت الإدارة أن تخالف هذه القاعدة في هذه
الدورة كي
تكرم أحد أبرز وجوه السينما التسجيلية في مصر، وهو الراحل حسن التلمساني
الذي يستحق -
بحسب تعبير رئيس المهرجان علي أبو شادي - «أن نخالف أعراف المهرجان من أجله»،
وشهد المهرجان ورشة لصناعة الأفلام التسجيلية للشباب بدعم من مؤسسة «سمات»
وبالتعاون مع المهرجان، لصناعة أفلام تحت عنوان عريض «الموسيقى في
المكان».
الحياة اللندنية في
23/10/2009 |