تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

«غرباء في المنزل».. وما الذي يجري في الطابق الأعلى

بعد 27 عاما.. استنساخ رائعة سبيلبرغ «إي تي»

طارق الشناوي

* ماذا يفعل الأبناء في الطابق الأعلى؟

* كان هذا هو السؤال الذي ردده الكاتب «مارك بورتن» عندما كان في منزله بالطابق الأول يجلس مع أصدقاء العائلة واستمع إلى صوت ارتطام ضخم أحدثه أبناؤه وأبناء أصدقائه في الطابق الأعلى، ربما وقتها لم تشغله تلك الضوضاء كثيرا حيث إن الهدوء قد عاد مرة أخرى مسيطرا على المكان.. مرت ربما عدة سنوات على تلك الواقعة ثم برقت الفكرة في أعماقه فأمسك بالخيط وبدأ في كتابه فيلم «Aliens in the Attic» الذي من الممكن ترجمته مع بعض التصرف «غرباء في المنزل». الفيلم يحاول أن يصيب بكرة واحدة عدة أهداف، ورأيي أنه بسبب تعدد أهدافه لم يستطع أن يخلص لها تماما، فكانت تفلت منه الخيوط الدرامية أحيانا، أو لعلها تداخلت ولكن بلا انسيابية فبدت متناقضة فيما بينها. المخرج «جون شولز» يقدم دراما عائلية؛ زوجة وأم وأبناء. الأبناء يتطلعون إلى مرحلة المراهقة. الابنة الكبرى 17 عاما بدأت تتعرف على مشاعر الحب الأول. الابن التالي لها في العمر، 15 عاما، على الرغم من ذكائه الحاد في التعامل مع الكمبيوتر لكنه يفشل في تحقيق النجاح بالمدرسة لأنه يوجه طاقته بعيدا عن المناهج الدراسية. ثم طفلة صغيرة لا تتجاوز الخامسة. من البداية يمهد لعلاقة الحب بين الفتاة وفتاها، فهي تتأخر عن العودة للمنزل وتدخل من شباك أخيها بدلا من باب البيت حتى لا يلاحظها أبوها. ويصبح هذا الشاب هو أول ضيف ينضم للأسرة ونشعر أن له دورا قادما.

تتجه الأسرة للاستجمام في إجازة صيف تجتمع بعدد ضخم من الأفراد يمثلون كل الأجيال، وهكذا يأتي العم مع أبنائه وتنضم إليهم الجدة وهذا الشاب المراهق الذي يعيش أيضا بدايات حالة الحب. ينتقل إلى الضاحية وتستضيفه الأسرة بعد أن يفسد بيده عربته حتى يتاح له البقاء. البداية مع ابن العم بالاشتراك مع شقيق الفتاة بطل الفيلم الذي يقرر اللعب بإطلاق زخات من طلقات من الطماطم والبطاطس من خلال مدفع تم اختراعه لهذا الغرض على الشاب المراهق وهو مع الفتاة في محاولة لاكتشاف بدايات الحب. مرح المراهقين يغلف تلك العلاقة، ثم تبدأ رحلة الكائنات الفضائية من المريخ للأرض، والواقع أن خيال الإنسان في البحث عما وراء الفضاء الخارجي هو تاريخ ضارب في العمق أدبيا وسينمائيا. السينما مثلا قدمت فيلم «الصعود للقمر» للمخرج الفرنسي الذي بدأ حياته ساحرا «جورج ميليس» 1902 وأتيح لي أن أشاهد الفيلم في «السينماتيك» الفرنسي في باريس، حيث رأينا المركبة الفضائية كما تخيلها «ميليس» تجمع بين الصاروخ والمركب وتتحرك في الفضاء، وظلت الأفلام تبحث عن ملامح الكائنات الفضائية؛ هل هم يحملون شيئا من البشر؟ ربما.. ولكن بمقاييس مختلفة. القوة المفرطة دائما أحد أهم الملامح التي يحرصون عليها. قد يأتي هؤلاء ولديهم أجندة لتدمير الأرض والاستيلاء عليها، وقد يأتون أيضا بغرض آخر وهو التواصل معنا. دائما هم متفوقون تكنولوجيا وجسديا، فهم يواجهون البشر بقوة أكبر وعقل أكثر إدراكا، وإن كان هناك دائما حالة ثابتة، تلك التي تضفي صفات الآلية على هذه الكائنات، فهي تبدو حادة جدا في حركتها وكأنها بديل فضائي للإنسان الآلي الذي اخترعه البشر، ولكنهم في كل الأحوال يستخدمون العنف إلى درجة قد تصل في بعض الأفلام إلى إنهاء الحياة على الأرض. وأتصور أن المخرج «جون شولز» الذي عمل في منتصف التسعينيات مساعدا للمخرج العالمي «ستيفن سبيلبرج» سيطرت عليه كل هذه الخطوط العريضة لتلك الكائنات الفضائية وسوف نجد، لا محالة، وشائج قربى، شئت أم أبيت، مع الكائن الفضائي في رائعة سبيلبرج «E.T.» التي أخرجها عام 1982 ولكن بالطبع فإن «غرباء في المنزل» يتضاءل كثيرا عندما تجد نفسك لا شعوريا وقد أدخلته في مقارنة مع هذا الفيلم، سوف تعيش حالة هبوط بقدر ملحوظ من خفوت السحر ومن شحوب التفاصيل السينمائية. في فيلم «سبيلبرج» كان المخرج يراهن على أن الأطفال بمشاعرهم يملكون فيضا من الحب ويتوحدون لإنفاذ «E.T.» الذي نسيه أهله على الأرض بينما يحاولون هم مساعدته في العودة لأهله من خلال علاقة بينه وبين طفل يتيم مثله تتوحد مشاعرهما وتنضم إليهما أيضا مشاعر كل الأطفال ويقررون تحدي الكبار الذين يريدون اعتقال هذا الكائن الطيب. «سبيلبرج» كان حريصا دائما على أن يعقد مواجهة بين عالم الكبار العنيف وعالم الصغار الذي يملك بداخله مساحات من الحب والتفاهم والتسامح مع الآخر مهما كانت ملامحه ولونه فهم يحملون رؤية كونية تتجاوز الكرة الأرضية لتصل إلى المجرة كلها.

نجد شيئا من هذا في العلاقة داخل فيلم المخرج «جون شولز» أربعة كائنات فضائية نكتشف فيها أطيافا متعددة؛ أحدهم القائد العنيف في قراراته الصارمة، ثم الثاني يعبر عن القوة البدنية في عنفوانها، ثم المرأة الحسناء التي تميل للقتل، وأخيرا الطيب صاحب الوجه المشع براءة الطفل واسمه «سباركس» وهو المهندس الذي صنع كل الأجهزة القادرة على السيطرة على البشر، ولهذا فإنه يمتلك سر إيقاف هذه الأجهزة التي اصطحبها أهل الفضاء لاغتصاب أهل الأرض، إنه صاحب الأذرع الأربع، ويرى كيف أن الآخرين يدخلون في معركة للتدمير ولفناء الآخر، لكنه يمد أياديه الأربع يريد مساعدة البشر وهم الأطفال الذين توحد معهم، ولهذا قرر أن يصبح بمثابة طوق لهم يساعدهم على النجاة من تلك الكائنات التي تفوقهم عددا وعدة، فهم يزداد عددهم، ولكن «سباركس» الطيب الوديع على الرغم من أنه ينتمي إلى تلك الكائنات الفضائية، فإنه يمتلك شفافية، ويبدأ خيط العلاقة مع الطفلة الصغيرة، فهي مثله أيضا تملك مشاعر بكرا بيضاء لا تحمل عداء لأحد، وهكذا ينحاز إليهم في تلك الحرب غير المتكافئة. ويتم تجنيب الكبار تماما هذه المعركة مهما احتدمت. حتى رجل الشرطة لا يتمكن من ذلك بعد أن حرص السيناريو على تأكيد حالة الغفلة التي يعيشها الكبار وهم ليسوا مدركين ما يجري من دمار في الطابق الأعلى الذي يشهد معركة محتدمة من أجل البقاء والسيطرة على البيت، وكأنهم يريدون احتلال الأرض، بل إن الجدة يتم السيطرة عليها من خلال هؤلاء الغزاة الفضائيين وكذلك الشاب المراهق، يتحولون إلى شيء أقرب للإنسان الآلي يتحرك بالريموت كنترول وينزل عليهم المخرج والكاتب عقابا بلا أي جريرة.

لقد تخبط الفيلم في هذا الجزء، كما أنه كان يبدو وكأنه يريد أن يبتعد عن تهمة الاستنساخ من فيلم «سبيلبرج»، فقرر أن يضيف الكثير من الخيوط الدرامية الثانوية التي أثقلت الدراما كثيرا حتى إنه لم ينه الفيلم عند لحظة الذروة التي ارتبط بها الجمهور؛ تلك اللحظة التي يودعون فيها الطفل الفضائي وهم يطلبون منه البقاء بينهم لكنه كان يحتفظ بصورة لعائلته التي يريد أن يعود إليها أيضا؛ أبيه وأمه، تماما مثل نهاية فيلم «E.T.» ويصل الفيلم للذروة، ولكن المخرج، ولا أدري كيف تذكر حكاية الشاب الذي أراد أن ينتقم منه ويقدمه في مشهد كوميدي وهو يحاول معاكسة فتاة أخرى ونجد أنفسنا وقد انفصلنا نفسيا وفنيا عما نراه على الشاشة، أراد أن يضرب في كل الاتجاهات، وكان يؤرقه في الوقت نفسه أن البعض سوف يهتف وهو يشاهد الفيلم قائلا: امسك حرامي الفيلم العالمي «E.T.»، فقرر أن يضيف كل هذه الخيوط لتثقل أحداث الفيلم وتسرق المتعة، وفي الوقت نفسه لم تمنعنا أن نقول: «امسك حرامي E.T.»!!

t.elshinnawi@asharqalawsat.com

الشرق الأوسط في

23/10/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)