بداية أكاد
أجزم أن أغلب المنتمين لكتيبة المعدين والمذيعين بقنواتنا التليفزيونية في
حاجة
ماسة لدراسة فنون التعامل مع الاحداث الفنية والثقافية التي
تقع في المجتمع،
والتي تدخل في مجال عملهم، ويفاجأون دائما بحدوثها فيهرولون لتغطيتها كخبر،
أو
يلتقطون مارا بموقعها للادلاء بمعلوماته عنها، بغض النظر عن قيمة هذا الذي مر
بالصدفة أو جاء خصيصا ليشارك مشاركة فاعلة في الحدث.
ويزداد الأمر فزعا عندما
يقرر رئيس القناة عمل رسالة يومية حول هذا الحدث الثقافي أو الفني، فيا
داهية
كما نقول في بيوتنا المنتظرة الجديد الذي تتابعه علي قنواتها حول هذا الحدث
الذي
تذهب اليه المذيعات
غصبا عنهن، ويجلسن مدللات يحتسين النسكافيه في الأركان حتي
يلتقط لهن المعد أي عابر يوافق فرحا بالكلام مع الست المذيعة
التي لا علاقة معرفية
لها بالحدث الذي جاءت تغطيه وتنقل عنه رسالتها الاعلامية، وكل ما عليها أن
تسأل
كل لضيف نفس السؤال الذي وضعه لها المعد، دون أي انتباه لعلاقة المتحدث بهذا
السؤال، ومدي ما يمكن أن يسهم بحديثه في الاجابة الكاملة عليه.
تعلمنا زمان
بكلية الاعلام أن التعامل مع الخبر يتطلب الاجابة علي خمسة أسئلة مشهورة
باسم قاعدة
الخمسة دبليو، حيث تتعلق بخمسة كلمات تبدأ في الانجليزية بحرف الدبليو
w
وهي: من ماذا وأين ومتي ولماذا؟ مما يتطلب بالنسبة للتغطية الاعلامية لحدث
ضخم
مثل مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي أو مهرجان
الاسماعيلية الدولي للسينما
التسجيلية والروائية القصيرة،
واللذين انعقدا خلال الاسبوعين الماضيين،
يتطلب
ضرورة معرفة المشاركين في عروض الاول وأفلام الثاني وفي ندواتهما وفي لجنتي
تحكيمهما الدولية والمكرمين فيهما،
وادراك قيمة الاول وفاعليته الممتدة من أثني
وعشرين عاما، تاركا بصماته علي جيلين كاملين من الشباب لم يعرفا أي مسرح تقليدي
قبلهما، ومحدثا جدلا مع أجيال أكبر تربت علي مفاهيم تختلف وتتحاور مع أخري
جاء
بها هذا المهرجان،
والأمر كذلك مع المهرجان الثاني الذي يقدم أفلاما غير
تقليدية.
وإذا كانت الاجابة علي أين ومتي تبدو سهلة،
فالأول بالقاهرة
والثاني بالاسماعيلية،
وتاريخ انعقادهما سهل ذكره،
غير أن المهم بالنسبة
للرسالة الاعلامية ذات البعد الثقافي المجتمعي ليس الاخبار
بمكان وموعد انعقاد
المهرجان، بل بدفع المشاهد للنزول من بيته للمشاركة فيه،
بتعريفة بالنسبة للأول
بمواقع العروض المسرحية، والاشارة إلي كونها شبه مجانية،
وأن هذه العروض
القادمة من كل بلدان العالم،
لا تحدث إلا مرة واحدة في السنة،
مما يعد فرصة
للجمهور لمشاهدة أحدث ما تقدمه المجتمعات الاخري وثقافتها،
التي لابد لنا من
التعرف عليها والتحاور معها، ولا ندعي أن المهرجانات لأهلها المتخصصين
فقط.
معرفة الآخر موضوع حضاري، وأمر لابد للإعلام أن يلعب دوره فيه،
ولابد
للتغطية الاخبارية والرسالة اليومية من أن يتسلح القائمين عليهما بالمعرفة
المسبقة
بالمهرجان الذين يقومون بتغطيته وفاعلياته،
فالرسالة الاعلامية اليوم لم تعد مجرد
نقل الحدث والثرثرة حوله لملء مساحة زمنية بأقل تكلفة علي الشاشة، بل صارت
فرصة
لبث رسائل موازية تحول حدث في حجم مهرجان القاهرة أو الاسماعيلية لفضاء
للتحاور حول
أهمية الفن في المجتمع،
ودور الثقافة الفنية في الارتقاء بوجدان المجتمع،
وتدريب العقل علي احترام الرأي الآخر والتعامل معه باعتباره وليد ثقافة لها
تاريخها وجغرافيتها.
أن العالم يسعي منذ زمن للقضاء علي التصادم العسكري،
ليحل محله حوار الثقافات،
وما المهرجانات الفنية الدولية إلا حضورا واقعيا
لحوار
الثقافات هذا، تتركه قنواتنا التليفزيونية لتشغل نفسها وجمهورها بحديث الشائعات
وآراء المتخلفين فكريا. ويا ليت قنواتنا اهتمت وهي تتوقف عند حدث ضخم مثل
مهرجان
المسرح التجريبي باعطائه لمن يمكنه تحويل مادته الخبرية لرسالة
اعلامية مثيرة
للحوار بين الفنانين والمثقفين وجميع قطاعات المجتمع، بل تركته لمن لا
معرفة ولا
خبرة له به، فقد طلبني أحد المعدين بعد انتهاء حفل افتتاح المهرجان، راجيا
حضوري صباحا بقناة النيل للأخبار للحديث حول المهرجان، ولما كنت حريصا علي قناتي
ومهرجاني الوطنيين ذهبت في التاسعة صباحا،
لألتقي علي الباب بفتاة علاقات عامة
متجهمة الوجه، سلمتني لأناس لا يعرفونني،
ووصلت في النهاية لمذيعة جاءت بسرعة
للقناة، دون أن تعد نفسها للقاء مع الضيف المدعو، فهي لا تعرفه،
ولا تعرف
المهرجان الذي طلب للحديث عنه، فراحت تسأل عن مهرجان الاسماعيلية وليس القاهرة،
واعتباره في رأيها انه »واحد من أهم المهرجانات الدولية،
ان لم يكن أهمها«
(هكذا!!؟)
وكل الموضوع الذي شغلها، هو الذي حدده لها المعد سلفا عن الهدف من
اقامة المهرجانات والجدوي من اقامتها،
ورغم انني حاولت أثناء فاصل للأخبار
الاقتصادية أن أنبهها إلي كوني ناقدا واستاذا أكاديميا وعضو بلجنة التحكيم
الدولية ، لدفعها للحوار معي حول موقف النقد والأستاذ
الاكاديمي من مهرجان يخرج
بعروضه عن كل دراسة أكاديمية،
وعن المعايير التي يمكن وضعها منذ البداية للجنة
تحكيم مكونة من أحد عشر عضوا من جنسيات مختلفة وثقافات متباينة،
مما قد يخلق
تفاوتا في الحكم علي طبيعة العروض المتسابقة، بدءا من اللغة الكلامية الناطقة
بها، وصولا لمنظومة القيم التي تحكم ابنتيها، وعلاقة ذلك بحوار الثقافات ورسالة
التواصل الفكري والفني بين المجتمعات الانسانية المختلفة، إلا أن مذيعتنا الجميلة
لم تكن ذات علاقة معرفية بكل ذلك،
وكانت تسرع في حوارها معي، لأنها علي سفر إلي
شرم الشيخ، ولابد لها من مغادرة المبني،
وليذهب الضيف إلي الجحيم.
تكمن
المشكلة في تعيين هذه المجموعة من المذيعين والمذيعات التي لاعلاقة ثقافية
لها
بالعمل الذي تعمل به،
وعلاقتها الوحيدة كما يشاع عائلية بالقيادات التي ساعدت علي
تعيينها، وحتي لو لم تكن كذلك،
يبقي السؤال قائما:
لماذا يتحلي مذيعونا
ومذيعاتنا بالضحالة الثقافية؟ ومن تم تكوينهم ثقافيا يعدون علي
أصابع اليد
الواحدة، وتتعمق المشكلة بهذا النظام الفاصل بين المعد والمذيع، حيث يقوم
المعد
بكتابة معلومات عن الحدث الثقافي الذي سيقوم بتغطيته، يستمدها غالبا من
الانترنت، يضعها بين أيدي المذيعة لتكرر ما كتبه مع أي ضيف تجده أمامها،
سواء
أتي إلي مقعدها بالاستوديو، أو حمل إليها بركنها بموقع الحدث الذي تنقله،
وأول
سؤال تسأله للضيف كما حدث معي مع مذيعة رسالة يومية: »ماذا تعمل؟«
فدهشت وقلت
لها ألا تعرفي الضيف الذي تحادثينه، وقد نزل توا من المنصة التي قدم فيها مداخلته
في الندوة الفكرية للمهرجان؟ دعونا أصلا من أجابتها التبريرية، فالأصل في عدم
معرفتها بالمشتغلين بالحقلين الثقافي والفني في عدم حضورها الندوة التي
سجلها
زميلها المصور.
نظام الفصل هذا بين المعد والمذيع، يحول الأول لأجندة
تليفونات يطلب الضيوف تليفونيا في أي وقت، ويستعطفهم دون أن يروه أو يعرفوه
للمثول أمام الكاميرات، ويدفعهم للجري وراء الضيوف في مسرح الجريمة لشد هذا
من
جاكيتته والتذلل لهذه للحديث حول الحدث،
كما تحول المذيع إلي ببغاء يردد كلمات
حفظها قبيل بدء البرنامج بدقائق، ولا يعرف استخدامها حينما يأخذه الضيف لمسار
غير معد له، لذا لابد من أن يكون المذيع هو نفسه المعد لموضوعه،
يساعده بعض من
المتخصصين في مجالات الأدب والفن والسياسة والفلسفة والعلوم،
وأن تتوفر له مكتبة
يعود إليها، فلا يخدعه ضيف، ولا يذكر هو معلومات خاطئة،
علي أن يتم اعادة
تأهيل للمذيعين والمذيعات الحاليين، وعمل دورات ثقافية وفنية دائمة
لهم.
أخبار النجوم المصرية في
22/10/2009 |