تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

رؤية خاصة:

اليتيمة

رفيق الصبان

لا أدري إلي أي مدي.. ستذهب هوليوود في تقديمها للعنف في أفلامها الأخيرة بحيث تجبرنا علي قبوله حتي في أكثر أشكاله بشاعة وجنونا وتمردا.

لقد عودتنا هوليوود منذ أكثر من عام.. ومنذ اشتداد حروبها في آسيا والعراق علي أن تقدم لنا أفلاما.. تجري فيها الدماء أنهارا.. ويكمن الرعب القاتل في كل زواياها.. ولعلها في ذلك تحاول ان تبرر بشكل غير مباشر العنف الدموي الذي استفحل في حرب العراق وفي حرب افغانستان وان الكشف المرعب الذي كشفته الصحافة العالمية عما يجري في معتقلات جوانتانامو وسواها من المعتقلات القاسية الرهيبة المتواجدة في بعض بلدان الشرق الأوسط والتي تربطها بامريكا صلات مودة وتفاهم.

هذه المرة بعد ان شبعت هوليوود من تقديم الرعب بكل أشكاله والقتل المجاني الذي يمكن ان يصيب أي أحد فينا دون أن نملك لانفسنا دفاعا أو تبريرا.. هاهي تتقدم الآن نحو ميدان جديد لم تجربه من قبل هو ميدان البراءة المتمثلة في الطفولة التي ظلت حتي الآن حصنا حصينا لايمكن الاقتراب منه أو الاساءة اليه.

(اليتيمة) هو اسم هذا الفيلم الجديد،.. الذي قطعت فيه هوليوود عامدة متعمدة كل القيم العائلية والعاطفية التي كانت حتي الان تحترمها أو تضعها في منطقة الحياد.

انها تقدم لنا أسرة مكونة من أم وأب وابنة صغيرة خرساء.. وولد في الحادية عشرة من العمر ..الفيلم يبدأ بشكل كابوسي.. فالأم التي ستكتشف فيما بعد انها كانت مدمنة خمر ثم شفيت.. وتسبب هذا الأدمان في فقدها لجنينها الذي تحمله في بطنها.. والذي ولد ميتا.

ولكي تخفف الأم عذاب ضميرها.. تقنع زوجها بتبني طفلة من ملجأ الأيتام.. توفر لها العناية والحب الذي كانت ستقدمه للجنين الميت. وبالفعل يقع الاختيار علي فتاة صغيرة وشديدة الذكاء ذات ميول فنية ظاهرة. وذات قدرة علي استمالة الغير اليها.. انها الطفلة (استر) القادمة من ملجأ روسي للايتام والتي تبحث بدورها عن الامان والدفء العائلي الذي حرمت منه ولكن ما ان تصل (استر) الي بيتها الجديد.. حتي تبدو عليها مظاهر غريبة تلاحظها الأم بينما يقف الأب مع هذه الابنة المتبناه دون أي اعتراض.

(استر) عاجزة عن التلاؤم مع زملائها الجدد في المدرسة.. عاجزة عن التفاهم مع اخيها الأصغر قادرة فقط علي التأثير علي الابنة الخرساء«.

وتتحول الأمور الي شبه كابوس.. عندما تأتي الراهبة السوداء التي كانت مسئولة عن(استر) في ملجأ الأيتام لتتفقد أحوالها.. ولتعلم أهلها الجدد ببعض الأمور التي خفيت عليهم.

وتبدي (استر) بعض المخاوف. وكأنها تخشي انكشاف سر رهيب تكتمه في داخلها وتندفع الي تدبير مؤامرة مركزة تساعدها فيها (أختها) الخرساء.. لقتل هذه الراهبة بشكل وحشي.. لايمكن تصوره من طفلة في الحادية عشرة.

وتتكرر الجرائم.. مع تهديدها للطفلة الخرساء بأنها ستلقي المصير نفسه لو افشت السر وتتجه الرغبة بالقتل الي الأم.. التي تستنجد بطبيبة نفسية.. وتبوح لها بشكوكها حول (استر) ولكن الطبية تضع المسئولية علي الأم نفسها وتبريء الطفلة (المسكينة).

ويشك الأخ دانيال بسلوك اخته المتبناة مما يؤدي بها الي استداراجه وحرقه حيا.. ثم تبدأ المؤامرات حول الأم.. التي تنهار وكادت ان تعود لادمان الخمر التي شفيت منها.. مما يجعل الطبيبة النفسية تنصح بوضعها في مصحة استشفاء.

وهناك تحاول الأم.. أن تستفهم عن ماضي هذه الطفلة التي تسللت الي البيت بينما تستغل (الطفلة) فرصة خلو البيت لاغراء الأب بممارسة الجنس معها.

وتكتشف الأم مذهولة بعد التحريات ان هذه الطفلة لم تكن في ملجأ للايتام بل في مستشفي للمجانين وانها لاتبلغ من العمر أحد عشر عاما. كما أخبروها وانما ٣٣ سنة.. وانها ظلت محتفظة بمعالم الطفولة بسبب خلل في الغدد الدرقية وانها كانت تقيم مع عائلة.. تسببت في موت كل أفرادها وحرق منازلهم.

وتخرج الأم مذعورة من المستشفي.. لتسرع الي البيت واخبار زوجها.. ولكن بعد فوات الأوان اذ ان (الطفلة) بعد ان رفض الأب الاستجابة لندائها الجنسي تقوم بقتله بوحشية وتهم أخيرا بقتل شريكتها الخرساء.. بعد أن فشلت أكثر من مرة في قتلها واتهام الأم.. بذلك، وتدور المعركة الأخيرة بين الامرأتين.. في جو كابوسي يسيطر الثلج والجليد علي جميع اركانه الفيلم يوجه الاتهام والشك الي ملاجيء الايتام.. والي الطب النفسي العاجز عن اكتشاف الحقائق بل علي العكس يتهم الأبرياء.. ويبريء المجرمين وعلي الأسرة الامريكية كلها بطاقم أفرادها الأب والأم والولدين.. ولاينسي في الطريق توجيه طعنة خنجره الي المعسكر الاشتراكي الذي اتت منه (استر) أي ان يحطم كل القيم والمؤسسات التي اعتدنا ان نحترمها ونضعها في مكانة عالية من نفوسنا كالمؤسسات الخيرية مؤسسة الأسرة والطب النفسي مرورا بالفساد السائد في كل أركان المجتمع ،أما الضحية الكبري في هذا كله فهو (براءة الطفولة) المتمثلة في الطفلة المجرمة.. رغم محاولة الفيلم اقناعنا بحجة هزيلة. انها ليست طفلة.. بل امرأة راشدة فقدت عقلها وبصيرتها.

فما المصلحة من ترسيخ كل هذه القيم.. ودفعنا للشك حتي في براءة أولادنا وطهارتهم والأغرب من ذلك ان الشركة قد وفرت للفيلم كل الامكانيات لكي يظهر بصورة فنية جذابة ومثيرة سيناريو متماسك، ايقاع مدهش وديكورات رائعة تلعب فيها الطبيعة دورا اساسيا واداء شديد الجودة من طاقم الممثلين كافة.. خصوصا الطفلة (استر) بوجهها الملائكي ونظراتها الغامضة.. وقوة التصميم التي تظهر في حركاتها وتصرفاتها.

أي أن الفيلم يجمع كل مزايا الفيلم الجيد الذي يمكنه ان يحقق نجاحا جماهيريا لافتا.. يستحقه كفيلم سينمائي.. ولكن يبقي السؤال المحير.. في صالح من هدم اخر صرح عائلي لازلنا نؤمن به. وفي صالح من تلويث الطفولة.. التي كانت ولاتزال رمز للبراءة في مجتمع فقد كل مقومات صلاحه.

ولكن لحسن الحظ وفي نفس توقيت عرض هذا الفيلم الذي يثير أكثر من علامة استفهام كان هناك فيلم آخر اتانا من وراء المحيط.. فيلم انجليزي يحمل اسم الفرصة الأخيرة ويلعب بطولته نجمان كبيران متألقان هما دستن هوفمان وايما تمبسون ويروي ولادة قصة حب بين رجل تجاوز السبعين يعيش وحيدا وبين امرأة تجاوزت الستين وتعاني ايضا من عزلة عاطفية واجتماعية يجتمعان صدفة لتنطلق بينهما شرارة الحب ولكي يخرجان من دوامة اليأس الي شمس الأمل فيلم رقيق في فكرته قوي في ادائه لنجمين وصلا ألي أقصي حدود التعبير السينمائي.. يهتف برسالة كم نحن بحاجة الي ان نسمعها.. ان الحياة هي الحب.. وان الحب وحده هو القادر علي صنع المعجزات.. وعلي ان يجعل السماء أكثر زرقة والليل أشد سواد والنجوم أشد بريقا.

وان السنين لا علاقة لها بحرارة القلب.. وهذا ما قاله أيضا جارسيا ماركيز كاتبنا الكولومبي الكبير في رائعته (الحب في زمن الكوليرا).. وان القلب عندما يكون قادرا علي الحب فان اسوار الدنيا كلها تنهار أمامه.

فيلمان بل طريقان متناقضان أحدهما يحمل رائحة الموت والرماد والآخر عبق الياسمين ورقة ضوء القمر.. وما علينا الا ان نختار..

أخبار النجوم المصرية في

22/10/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)