تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

وثائق سينمائية على ضفاف القناة:

'اكتوبر 73' فيلم في انتظار التمويل الامريكي؟

كمال القاضي/ القاهرة

المهرجان الذي اقيم للاحتفال بالسينما العربية والمصرية بمدينة الاسماعيلية اكد حقيقة لا يمكن تجاهلها، مفادها ان المستقبل بات للافلام التسجيلية والروائية القصيرة التي وثبت بافكارها فوق الاعتياد والنمطية وتجنبت بحكم طبيعتها مساحات الكوميديا والاكشن وان كانت قد كشفت عن اشكال اخرى لـ الكوميديا السوداء تمثلت فيما اعتنت به من تسجيل حي لواقع تتناوب عليه المتغيرات وتحيطه الاحداث من كل صوب فتتفجر المفارقات وتتولد المساخر لتسير في تواز مع الكوميديا المصنوعة او تتحول الى صورة معادلة لحركة العنف المفرط في الافلام الطويلة.

ان التفاوت الفج في قيمة النوعين السينمائيين التسجيلي والروائي اضاء المنطقة المعتمة الفاصلة بينهما وحدد اسباب الازمة التي نزلت بالافلام الروائية الى مستوى الاسفاف والتردي، ذلك الذي ادى الى حرمان معظمها من الجوائز كعقاب حتمي لخروجها عن النسق الايجابي لوظيفتها الاجتماعية والسياسية وانسلاخها عن هويتها القومية تبعا لانحراف ترزية الدراما الذين تنصلوا من مسؤولياتهم ولبسوا عباءة التجار بعد ان كفروا بمبادئهم وصاروا مروجين نشطين للافكار الليبرالية عساهم يلفتون النظر فتفتح لهم طاقات المال والاعمال وخزائن الغرب الداعم والداعي لمشروع التفكيك العربي العربي، ليكون الدخول في المعية الامريكية امرا اضطراريا وحلا سحريا لمشكلاتنا المتفاقمة وفرصة ثمينة لعودة الاضواء للراغبين المتنازلين الخائفين من خريف العمر كثمار سقطت من فوق اغصانها وجفت، فآل مصيرها الى سوق العلافة لتصبح عليقا للبهائم بعدما كانت غذاء شهيا للنخبة وعلية القوم.

هكذا تتحول الاشياء وتبقى المصائر النهائية لمن باعوا وتحولوا دليلا عليهم، فلا نتيجة للبيع والتفريط غير الهوان، ولعل ما جرى على السينما من رخص وتهافت سيجرى على صناعتها وصناعها وأولي امرها، فبالامس صرح مسئول كبير انه ليس بالامكان ابدع مما كان، حيث اشار الى ازمة الانتاج ودور العرض في انجاز افلام عن حرب اكتوبر تليق بالانتصار العظيم، مؤكدا ان الميزانية لا تسمح باكثر مما تم تخصيصه (20مليون جنيه ) دعما تكفي لانتاج اربعة افلام كحد اقصى، فيما يحتاج فيلم عن حرب اكتوبر الى اضعاف المبلغ المعتمد، وان لا امل في انجاز الحلم الا بدخول جهة ممولة كالاتحاد الاوروبي او الولايات المتحدة الامريكية، العبارة قالها المسؤول الثقافي الكبير بملء فيه وسط حشد من الاعلاميين والمثقفين ولكن احدا لم يتوقف عندها، كأن تمويل الاتحاد الاوروبي او امريكا لفيلم عن حرب اكتوبر امر طبيعي ومنطقي جدا في ظل الوئام الذي يربطنا بالقطبين الدوليين على خلفية السلام المتناهي بيننا وبينهما، فأذا ربطنا بين ما ورد عن المسؤول الكبير وتراجع كتاب الدراما سنكتشف وجود علاقة بين ما سبق وما لحق، اذ ان المعادل السياسي للتراجع عن المشروع القومي هو الارتماء في احضان الغرب الاوروبي، والتوسل للادارة الامريكية للاحتفال بانتصاراتنا العسكرية وتوثيقها في افلام سينمائية باهظة التكاليف. والامران خارقان للمنطق والعقل واقرب لاحلام اليقظة منها الى الواقع، اذ ان القومية العربية مشروع قائم بالفعل بين الشعوب وان كرهت الانظمة، غير ان الامل الذي يراود التابعين في تحمس اوروبا وامريكا لانتاج فيلم مشترك عن اكتوبر هو الوهم بعينه او الغباء ان شئنا الدقة لان المشروعات السينمائية التي يمولها الاتحاد الاوروبي بميزانيات ضخمة ما هي الا معاول هدم تستهدف الثوابت والتاريخ وتعمل على تثبيط الروح الوطنية وليس العكس ، ان الاولى من انتظار التمويلات الغربية هو الحد من الاسراف والبذخ وترشيد الميزانيات فيما ينفع السينما ويجعلها غنية عن المعونات الخارجية فالافلام التي حصلت على امتيازات التمويل الضخم والجوائز في المسابقات الدولية لا يعدو صداها كونه زوبعة في فنجان بمقياس النجاح الحقيقي لصناعة السينما والانتاج المتميز واتصور ان ما اهدر بالمهرجانات كان جديرا بوضع لبنة قوية في اساس السينما الحربية لو كنا حقا صادقين في عمل فيلم عن حرب 73 فمن ينفق الملايين على فيلم فاشل مثل 'المسافر' الذي تبرأ منه بطله عمر الشريف واعتبره من اسوأ اعماله لا يحق له مناقشة الميزانيات او حتى الحديث عنها، ولننظر حولنا قليلا ناحية ما يسمى بالثقافة السينمائية لندرك اننا نعيش في زمن السموات المفتوحة والانترنت بمفهوم الثقافة التقليدية، التي تعتمد على الطواف حول الاقاليم بماكينة السينما وافلام الابيض واسود دون احساس حقيقي بثورة الاتصالات التي جعلت العالم كله عند اطراف اصابعنا، نحركه كيف نشاء وندير دفته كما يحلو لنا، فمن خلاله يمكننا مشاهدة احدث الافلام واقواها، ولا حاجة لنا بالسفر مسافات طويلة لمشاهدة فيلم قتل بحثا وفرجة ونقاشا، فالاجدى من هذه المعاناة هو تطوير الاداء والتفتيش عن الجديد والمختلف كي يصبح للثقافة السينمائية دورا هادفا يتحقق على اثره التواصل المرجو بدلا من تضييع الوقت فيما لا طائل منه والتشبث بالشكل الروتيني في الادارة والاصرار على اقامة النشاط برغم انقطاع الصلة مع الجمهور الحقيقي والاعتماد على النسبة القليلة جدا من المارة والعابرين امام قصور الثقافة بالمصادفة والعاملين بالورديات الليلية او من تجبرهم قياداتهم على البقاء في مواقعهم بعد انتهاء فترات العمل الرسمية لمشاهدة الفيلم وحضور الندوة ليكتمل النصاب القانوني المقرر والواجب لسريان النشاط السينمائي الذي لا يزيد عدد افراده في احسن الاحوال عن عشرة او خمسة عشر.. هذه الاشكالية كنت شاهد عيان عليها ورايتها رأى العين ولفتنا النظر اليها اكثر من مرة ولكن دون جدوى، حيث وضع المسؤولون بقصور ثقافة الاقاليم اصابعهم في اذانهم كأن ما نقوله لا يعنيهم، والان نضيف هذا التجاوز على ما قبله ليطرح بدوره سؤالا على المسؤولين.

الى متى سنظل صامتين ازاء هذه الظواهر السلبية؟

وكيف يستقيم المشروع الثقافي وينهض في ظل ما يعتريه من كسل وكساد؟

فياليت وزير الثقافة وكبار المسؤولين بالهيئات التابعة للوزارة ينتبهون الى مواطن الخلل بالادارات والمؤسسات كما تم الانتباه الى قضية التراث السينمائي التي تبحث حاليا للتدارك باقصى سرعة قبل ان نصحو من النوم فلا نجد من تراثنا شيئا غير النيغاتيف ويعتصرنا الالم على افلامنا التي بنت منها القنوات الفضائية عروشا وشيدت منها صروحا اعلامية وفنية تنافسنا بقوة وتزحف على ارضيتنا لتسحب البساط من تحت اقدامنا بسهولة ويسر؟

هذه هي تبعات الازمة الثقافية برمتها نجتهد في ان نضعها نصب الاعين كي نظل نراها فلا تسقط من الذاكرة كما سقطت القضايا الاخرى وتراجعت الى الخلف بعد ما كانت في بؤرة الشعور، يحضرني الان كلام الفنان نور الشريف في معرض حديثه عن السينما والثقافة وارتباطهما بالوعي العام اثناء الندوة التي عقدت بمناسبة تكريمه بالمهرجان السينمائي القومي عام 2007 حيث قال النجم الكبير ما معناه اننا نعيش زمن البيع في السينما والتاريخ والجغرافيا والسياسة والاقتصاد موضحا ان ما كان يتهافت عليه جمهور السينما في الماضي، لم يعد الان ذا قيمة، فالافلام التي كونت تراكما ثقافيا وشكلت وعيا سياسيا لا يمكن انتاج اشباه لها في الوقت الحاضر لا سيما ان التجريف قد انتقل من الارض الى العقول فصار كل شيء قابلا للتداول وخاضع لشروط السوق ومناقصات البيع والشراء، واول هذه الاشياء السينما التي ضاق منتجوها بالقضايا الجادة وانصرفوا الى الكوميديا والضحك؟

ثمة مرارة كانت تنتاب الفنان القدير وهو يسترجع ماضيه ويفند حاضره وينظر الى مستقبله في دهشة واستغراب، ذات المرارة التي تنتابنا الان ونحن نكتب تلك السطور.

نعود الى مهرجان الاسماعيلية للافلام التسجيلية والذي يترأسه منذ فترة طويلة على ابو شادي رئيس المجلس الاعلى للثقافة وهو نفسه رئيس المهرجان القومي للسينما الروائية والتسجيلية، ونود هنا ان نلفت النظر الى اهمية المهرجان الاول باعتباره الوحيد الذي ينشط حركة الفيلم التسجيلي ويدفع به الى ساحة المنافسة الدولية للتعريف باهم القضايا الواقعية الجديدة بالتسجيل والتوثيق والتي يأتي من بينها قضايا اجتماعية وسياسية ربما يصعب احيانا على السينما الروائية الطويلة التعرض لها، اما لاعتبارات رقابية او اعتبارات جماهيرية تتصل بعملية التسويق والايرادات وغير ذلك من المسائل الخلافية بين طبيعة الابداع وشوط شباك التذاكر، وهذا العبء معفى منه الفيلم الوثائقي لانه بالاساس موجه الى النخبة، لذا فالحرية مكفولة اكثر لكتاب ومخرجي هذا النوع من السينما، غير ان هناك مأزق وحيد تواجهه بعض الافلام الممولة تمويلا اجنبيا، حيث تخضع في موضوعاتها لشروط ربما تكون اشد قسوة من الشروط الرقابية، وكلها تتصل بتبني وجهة نظر الجهة الممولة اذا ما صادف وتعرض الفيلم من قريب او بعيد لقضية حساسة مثل قضية التطبيع وحرية المرأة وهما القضيتان الاكثر اهمية واللتان سبق طرحهما في فيلمي 'سلطة بلدي' للمخرجة نادية كامل 'ملف خاص' للمخرجة امل فوزي واثاروا جدلا واسعا، حيث ناقش الفيلم الاول مسألة التطبيع بشكل منحاز كثيرا لفكرة تأييد المشروع الاسرائيلي، والثاني فتح ملف المراة وحريتها المنقوصة في المجتمع الشرقي والمح الى سطوة الرجل واستبداده، اي ان ما تطرحه السينما التسجيلية احيانا ما يكون صادقا بالنسبة للبعض لان رأس المال كما سبق وذكرنا يكون هو صاحب القرار والاعلى صوتا، الامر الذي يشوب بعض التجارب ويخرجها عن حيادها وموضوعيتها، وهذا مكمن الخطر، خاصة ان مؤسسات التمويل الاجنبي تفتح ذراعيها لتحتضن الافكار الغرائبية وتشجع كل من لديه ميل لانتاج ثقافة مغايرة.

القدس العربي في

21/10/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)