ثمة أفلام تثير الإعجاب لأسباب تتخطى كونها جميلة أو تحمل الكثير من
السينما، يمكن أن يحضر ذلك بقوة بمجرد استعادة فيلم «لا أحد
يعرف القطط الفارسية»
للمخرج الإيراني بهمان غوبادي، الذي يدفعنا إلى استخلاص درس سينمائي إن صح
الوصف،
يقول لنا من دون تردد: بالإمكان صناعة فيلم مميز بأقل التكاليف، ومن دون أن
يكون
تصويره جارياً بموافقات حكومية، لا بل خلسة، ومن وراء
ظهر السلطات، وعليه يمسي
الفيلم شكلاً من أشكال التلصص.
التلصص يحيلنا إلى الارتباك والعجلة
والخوف، وحين نورد كلمة تناغم يمسي الأمر تحدياً، وهذا تماماً ما يحمله
فيلم
غوبادي، بمعنى أن تناغم كل عناصره سيتيح للتلصص أن يكون متسقاً هذه المرة،
سيكون
إيقاع الفيلم سريعاً ومتقناً إلى أبعد حد، ولننتقل إلى السؤال:
«عن ماذا يحكي
الفيلم؟»
يمكن أن تكون الإجابة بسطر واحد تتمثل في أنه يحكي عن فرقة موسيقية
لشبان ايرانيين، لولا الكثير الذي قد يعنيه ذلك، والكثير أيضاً
لأن غوبادي يستثمر
في هذه المساحة ليكون كل ما في فيلمه حمّالاً لمقولات، بحيث تأتي الأغاني
والمشاهد
على تناغم له أن يضيء العالم السفلي من طهران، الجانب المغيب وهو يظهر إلى
العلن.
يحكي الفيلم قصة شاب اسمه نيغار وفتاة اسمها أشغان مهوسين بموسيقى
«الهيفي
متل» يحلمان بالسفر للمشاركة في مسابقة خاصة بهذه الموسيقى، ما يضطرهما
للجوء إلى شاب اسمه نادر يحاول أن يستصدر لهما جوازي سفر ومعهما التأشيرة
وغير ذلك،
وعليه يصبح انتظارهما تحقق ذلك مساحة للاقتراب من عالم حبيس
الجدران، مضطهد ومحارب
يعشقه الشبان ويعيشون كل حياتهم وهم يبحثون من مكان إلى آخر عن مساحة تتسع
لممارسة
هوايتهم الموسيقية، والتي تكون تحديداً موسيقى «الروك» و«الراب»، فمنهم من
يعزف في
حظيرة أبقار محتملين الروائح الكريهة وغير ذلك مع تدخلات من الأبقار، فقط
ليكونوا
بعيدين عن الشرطة أو الجيران الذين يشتكون منهم ويخبرون
الشرطة، بينما نجد فرقة
أخرى تقوم بالعزف في غرفة على السطح معزولة بواسطة الفلين، لكن بعد تأكد
مغادرة جار
لهم دائماً ما يشتكيهم، لا بل إن في إمكان فتى صغير أن يتصل بالشرطة
ويشتكيهم
فيودعوا السجن، أو أن يقوم والد صاحب تلك الغرفة بقطع الكهرباء
عنهم لأنه ما عاد
قادراً أن يمضي في كل مرة إلى قسم الشرطة وإخراجهم.
في ما تقدم جانب من
جوانب الفيلم الكثيرة، فنحن أمام فيلم يستثمر الأغاني والموسيقى تماماً، كل
أغنية
تمضي خلف رسالة خاصة، وتنبش جانباً من إيران الحديثة، وعليه
تمضي الأغاني يداً بيد
بما يجسدها، وعلى إيقاع متناغم تماماً معها، بسرعة وتكثيف، والبلاغة دائماً
بصرية
والرهان على رصد المتغيرات، وفتح الباب على مصرعيه أمام ما تغير ويتغير في
إيران،
ما يتناقض والثورة الإسلامية والحراسة المشددة على الأخلاق التي لها أن
تكون متفقة
مع رؤية النظام ولا أحد غير النظام، الإدانة ادانته والعفو عفوه.
شخصية نادر
مدهشة، صاخبة، تنتقل من مكان إلى آخر، بحثاً عن حل لسفر، وعليه نكتشف
المزيد
والمزيد من الموسيقى وعوالم طهران السفلية، وكذلك الأمر مع
الشابين سعيهما إلى
إقامة الحفلات وتحايلهما على القوانين.
قصة الفيلم البسيطة تشكل رابطاً بين
ما نشاهده والذي يكون على شيء من الارتجال الذي يتفرع عنها، ولتكون نهاية
الفيلم
مآساوية بالمطلق، فمع دخول نيغار إلى نادٍ ليلي في منطقة نائية بحثاً عن
نادر،
طبعاً هذا النادي غير قانوني كونه مختلطاً ويقدم فيه الكحول
والمخدرات، فإنه سرعان
ما يتعرض لاقتحام الشرطة، وليقوم نيغار بإلقاء نفسه من النافذة هرباً من
الشرطة،
الأمر الذي يتبع بانتحار أشغان حزناً عليه. على الفيلم أن يصل نقطة
اللاعودة هذه،
على الأثر أن يكون مدوياً، إنها أحلام شباب لحامليها أن يلقوا
الموت جراء اتباعها،
وعلى شيء من الانزياح المطلق للنهاية الصادمة
استكمال منجز
بهمان غوبادي ليس باسم جديد في
السينما الإيرانية والعالمية، ولعله في «لا أحد يعرف بأمر القطط الفارسية»
يستكمل
منجزاته السينمائية منذ «السلاحف تستطيع الطيران» في عام 2004 وما حصده من
الجوائز،
الأمر الذي يمتد إلى فيلمه هذا الذي نال جائزة لجنة التحكيم
الخاصة في برنامج «نظرة
ما» في دورة مهرجان «كان» الأخيرة، وغيرها من جوائز، كان آخرها السبت
الماضي حيث
نال جائزة الجمهور وأفضل ممثل لأحمد بهداد الذي جسد شخصية نادر في الدورة
الثالثة
من مهرجان الشرق الأوسط في أبوظبي.
الإمارات اليوم في
20/10/2009 |