مرة أخرى يعود صدام حسين إلى الحياة.. ومرة أخرى
يثير الجدل من حوله ويطرح تساؤلات عديدة عن حياته وموته،
ولكن هذه المرة فى
تونس .. فجأة وبالتحديد منذ أسبوعين قررت إحدى الفضائيات التونسية وتدعى
نسمة
تى فى أن تعيد عرض المسلسل البريطانى الذى كانت قد أنتجته الـ ـ فى عام
٧٠٠٢
وصورت معظم أحداثه فى تونس والذى يحمل اسم بيت صدام.
القناة
التى يشترك فى ملكيتها الأخوان التونسيان نبيل وغازى القروى مع رئيس
الوزارء
الإيطالى سيلفيو بيرلسكونى وأيضا مواطنهما طارق بن عمار وهو بالمناسبة ابن
أخ
وسيلة ابنة عمار سيدة تونس الأولى بين
١٩٦٢
و١٩٨٦ ..
بررت موقفها هذا فى بيان
إعلامى أصدرته عقب الضجة التى أثيرت مع بداية عرض الحلقة الأولى من المسلسل
الذى
يستمر لأربع حلقات بأنه علينا
التعود على مشاهدة مثل هذه الأعمال الفنية
والروائية دون تشنج أو مغالاة وبمبدأ النسبية والاعتدال.
الانقسام
لكن القائمين عليها بالطبع لم يكونوا
يعلمون أن أبسط
العواقب المترتبة على عرض المسلسل مثلا ستكون إصدار لجنة نصرة
المقاومة فى العراق
وفلسطين بيانا تستنكر فيه بث المسلسل معتبرة أنه
ينطوى على إساءة كبيرة لمشاعر
العرب واستخفاف بآلامهم..
ومضيفة أن المسلسل هو انعكاس لوجهة النظر الغربية
المعادية للعرب وتمرير غير مقبول لوجهة نظر محتل يحاول تبرير
جرمه.
ما بين الواقع والدراما
وفى مقابل هذه
الضجة لم تجد القناة التى ترفع شعار قناة المغرب الكبير
أى مبرر للدفاع عن
قرارها هذا سوى التأكيد على أن المسلسل هو فى النهاية عمل
روائى ليس تسجيليا،
وبالتالى لا يجوز مقارنته بالواقع ..
على أى حال سواء اتفقنا أو اختلفنا مع
قرار القناة بعرض المسلسل إلا أنها فى النهاية خطوة جريئة تسعى
إلى تحطيم تلك
الحوائط التى نحيط أنفسنا بها طوال الوقت خوفا من الاصطدام بحقائق أو لنقل
وقائع قد
تكون حقيقية.
ربما نحن فى حاجة إلى التذكير بأن هذا المسلسل هو
نفسه الذى أثار أزمات منذ عامين تقريبا عندما نشرت الصحف المصرية أخبارا
تؤكد أن
عمرو واكد قبل أن يلعب دور حسين كامل زوج ابنة صدام حسين رغم علمه بأن
الممثل
الذى يلعب دور صدام ويدعى
إيجال ناعور إسرائيلى
الجنسية.
حقائق غير معلنة
بيت صدام يحمل فى
خفاياه حقائق أخرى غير التى تفرغت الصحف لسردها خلال الفترة الماضية مثل
تلك
الحكاية المتعلقة بـ
ناعور الذى يلعب دور صدام والذى نقلت عنه العديد من
الصحف الأجنبية وقت عرض المسلسل تصريحات يؤكد فيها أنه من الذين تعرضوا للأذى
بشكل شخصى من صدام، حيث قال إنه بالكاد نجا من صاروخ أطلق على إسرائيل فى
عهد
صدام حسين.
ورغم ذلك
يعتبر أن قيامه بهذا الدور أمرا لا علاقة له بالانتقام.
العراب قبل عرضه لأول مرة فى بريطانيا،
بثت قناة بى بى سى
التليفزيونية دعاية تليفزيونية تبشر المشاهدين بعرضه قريبا..
وفى الدعاية كنت
تشاهد ممثلا يؤدى شخصية الرئيس العراقى السابق صدام حسين جالسا على كرسى من
ذهب،
مرتديا بدلة بيضاء،
وعلى يساره ممثلة تؤدى دور زوجة الرئيس السابق ساجدة،
وهى من أصل إيرانى بالمناسبة، وخلف كرسيه وقف ابنه عدى وزوج ابنته حسين كامل
بلباس عسكرى، فيما وقف على يمين صدام ويساره ابنه قصى وبناته وزوج ابنته
صدام
كامل المجيد، وهو شقيق حسين كامل.
الدعاية جعلت صورة الثلاثية
الشهيرة
شوم اُلنفُّومْ أو العراب تقفز إلى ذهن المشاهدين
خاصة أن الموسيقى التى رافقت الدعاية التليفزيونية كانت المقطوعة الموسيقية
الرئيسية للفيلم، ولكن بتوزيع عصرى.
على مدى أربع حلقات تشعر
بالفعل أنك تشاهد ما هو أشبه بجزء رابع تليفزيونى من العراب
فى المسلسل الذى
أخرجه البريطانى اليكس هولمز حول
٢٤
عاما من حياة صدام وعلاقاته العائلية والحروب
التى خاضها منذ ١٩٧٩ وحتى الغزو الأمريكى للعراق عام
٢٠٠٣
والذى أطاح
به.
فى المشاهد الأولى من المسلسل نشاهد نفس النسق الذى صاغ به
كوبولا رائعة العراب، حيث نشاهد فى البداية أركان النظام العراقى السابق
ومعهم صدام يشاهدون الرئيس الأمريكى جورج بوش وهو
يلقى خطابه التليفزيونى
الشهير الذى يتعهد فيه بالعمل العسكرى من أجل إسقاط حكم صدام فى العراق،
وفجأة، يعود بنا صناع المسلسل إلى صيف عام
١٩٧٩ حيث حفلة عيد ميلاد ابنة صدام
الصغرى حلا تقام فى منزل السيد النائب صدام حسين المجيد، يأتى الرئيس
العراقى أحمد حسن البكر إلى حفلة عيد الميلاد وبعد قليل يأخذه السيد النائب
إلى غرفة مكتبه ويغلق الباب ويقول له بكل حزم وبطء أن آية الله الخمينى،
الذى
قام بالثورة الإسلامية فى إيران خلال هذا العام، يهدد العراق وأن على الرئيس أن
يترك الحكم.
ينظر البكر فى ذهول إلى جميع الحاضرين محاولا البحث عن
أمل فى أعينهم أو دعم له،
ولكنه
يكتشف أنه فشل، الجميع ينظر إليه مثل رجال
زعيم مافيا قوى وعلى وجوههم تعبير موحد وهو:
قُضىَ
الأمر.
العمل
ملىء بالعديد من المشاهد المثيرة سياسيا مثل ذلك الذى يؤول الحكم فيه إلى صدام،
فنشاهده وهو يقتل أقرب أصدقائه والقيادى البعثى البارز عدنان
الحمدانى دون أى
سبب سوى التخلص من نقطة ضعفه.
؟
مجلة روز اليوسف في
17/10/2009 |